الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنَ فَتَأْكُلُهُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى
ــ
[طرح التثريب]
كَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِنَا وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ أَيْ أَنَا أَعْذُرُك مِنْهُ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا مُشْكَلٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَكَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ وَهِيَ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ سَنَةَ سِتٍّ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ مَاتَ فِي أَثَرِ غُزَاةِ الْخَنْدَقِ مِنْ الرَّمْيَةِ الَّتِي أَصَابَتْهُ وَذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعٍ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السِّيَرِ إلَّا شَيْئًا قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ وَحْدَهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُ شُيُوخُنَا ذِكْرُ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي هَذَا وَهْمٌ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ غَيْرُهُ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيَرِ وَإِنَّمَا قَالَ إنَّ الْمُتَكَلِّمَ أَوَّلًا وَآخِرًا أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ غَزْوَةَ الْمُرَيْسِيعِ كَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَهِيَ سَنَةُ الْخَنْدَقِ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ اخْتِلَافَ ابْنِ إِسْحَاقَ وَابْنِ عُقْبَةَ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنْ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ الْمُرَيْسِيعَ كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ قَالَ وَكَانَتْ الْخَنْدَقُ وَقُرَيْظَةُ بَعْدَهَا وَذَكَرَ إسْمَاعِيلُ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْمُرَيْسِيعُ قَبْلَ الْخَنْدَقِ وَقَالَ الْقَاضِي، وَهَذَا لِذِكْرِ سَعْدٍ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ وَكَانَتْ فِي الْمُرَيْسِيعِ فَعَلَى هَذَا يَسْتَقِيمُ فِيهِ ذِكْرُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَهُوَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَوْلُ غَيْرِ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي وَقْتِ الْمُرَيْسِيعِ أَصَحُّ، هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي حَكَاهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ قَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ
(قُلْت) : وَقَدْ سَبَقَ الْقَاضِي إلَى ذَكَرِ هَذَا الْإِشْكَالِ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَة التَّعَصُّب فِي الْبَاطِلِ]
1
(الْخَامِسَةَ وَالْأَرْبَعُونَ) : قَوْلُهَا «فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنْ اجْتَهَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ:» كَذَا فِي رِوَايَتِنَا اجْتَهَلَتْهُ بِالْجِيمِ وَالْهَاءِ وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُعْظَمِ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَمَعْنَاهُ اسْتَخَفَّتْهُ وَأَغْضَبَتْهُ وَحَمَلَتْهُ عَلَى الْجَهْلِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاهَانَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «احْتَمَلَتْهُ:» بِالْحَاءِ وَالْمِيمِ وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ
الْمِنْبَرِ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي فَوَاَللَّهِ مَا عَلِمْت عَلَى أَهْلِي إلَّا خَيْرًا وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْت عَلَيْهِ إلَّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إلَّا مَعِي فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ
ــ
[طرح التثريب]
يُونُسَ وَصَالِحٌ وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمَعْنَاهُ أَغْضَبَتْهُ فَالرِّوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ.
(السَّادِسَةَ وَالْأَرْبَعُونَ) : فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنِ حَضِير رضي الله عنهما قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ وَبَيْنَ السَّعْدَيْنِ مَا بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ وَاَللَّهُ يُؤْتِي فَضْلَهُ مَنْ يَشَاءُ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ أَنَّ التَّعَصُّبَ فِي الْبَاطِلِ يَخْرُجُ عَنْ اسْمِ الصَّلَاحِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ «فَاحْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا:» الصَّلَاحُ الْقِيَامُ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَمَا يَلْزَمُ مِنْ حُقُوقِ عِبَادِهِ قَالَ وَفِيهِ جَوَازُ سَبِّ الْمُتَعَصِّبِ فِي الْبَاطِلِ وَالْمُتَكَلِّمِ بِنُكُرِ الْقَوْلِ وَالْإِغْلَاظِ فِي سَبِّهِ بِمَا يُشْبِهُ صِفَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَقِيقَةٌ لِقَوْلِ أُسَيْدٍ «كَذَبْت إنَّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ:» .
وَحَاشَا سَعْدًا مِنْ النِّفَاقِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مِنْهُ مِنْ ظَاهِرِ التَّعَصُّبِ لِابْنِ أُبَيٍّ الْمُنَافِقِ عَرَّضَ لَهُ بِمِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ الْغَلِيظِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيِّ إنَّمَا أَنْكَرَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مِنْ قَوْلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ تَحَكُّمُهُ فِي قَوْمِهِ بِحُكْمِ أَنَفَةِ الْعَرَبِ وَمَا كَانَ قَدِيمًا بَيْنَ الْحَيَّيْنِ لَا أَنَّهُ رَضِيَ فِعْلَ ابْنِ أُبَيٍّ وَقَوْلُهُ «كَذَبْت لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ:» أَيْ لَا يَجْعَلُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حُكْمَهُ إلَيْك (قُلْت) : الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ ابْنَ مُعَاذٍ لَمْ يَقُلْ هَذَا الْكَلَامَ أَنَفَةً لِمَا بَيْنَ الْحَيَّيْنِ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّمَا قَالَهُ بِإِخْلَاصٍ نَصْرًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَانْظُرْ إنْصَافَهُ فِي تَقْدِيمِهِ ذِكْرَ قَوْمِهِ الْأَوْسَ وَجَزْمِهِ بِضَرْبِ عُنُقِهِ إنْ كَانَ مِنْهُمْ وَقَوْلُهُ فِي الْخَزْرَجِ الَّذِينَ لَيْسُوا قَوْمَهُ «أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَك:» .
وَهَذَا غَايَةٌ فِي الْإِنْصَافِ وَلَا يَتَوَقَّفُ أَحَدٌ فِي امْتِثَالِ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ حَتْمٌ لَازِمٌ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا} [الأحزاب: 36] وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُبَادَةَ «لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ:» فَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ حَمِيَّةً وَلَا انْتِصَارًا لِابْنِ أُبَيٍّ كَيْفَ وَابْنُ أُبَيٍّ مِنْ الْخَزْرَجِ وَابْنُ مُعَاذٍ لَمْ
فَقَالَ أَعْذُرُك مِنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ كَانَ مِنْ الْأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إخْوَانِنَا الْخَزْرَجِ أَمَرْتنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَك قَالَتْ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا
ــ
[طرح التثريب]
يَقُلْ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ وَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ مِنْ الْأَوْسِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا وَعَدَ بِقَتْلِ الْأَوْسِيِّ، وَهَذَا يُحَقِّقُ أَنَّ ابْنَ عُبَادَةَ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ حَمِيَّةً وَلَوْ كَانَتْ هُنَاكَ حَمِيَّةٌ لَمَا وَجَبَهَا لِرَهْطِ ابْنِ مُعَاذٍ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ أَنَّ الْقَائِلَ لِذَلِكَ مِمَّنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَكُنْ يَقْتُلُ مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَ قَوْمَهُ يَمْنَعُونَهُ مِنْهُ، حَيْثُ لَمْ يَصْدُرْ أَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ لَا تَقُلْ مَا لَا تَفْعَلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ لِعَدَمِ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ وَأَنْتَ لَا يُمْكِنُك إلَّا الْوُقُوفَ عِنْدَهُ وَلَوْ لَمْ تَقِفْ لَمَنَعَك أَصْحَابُك وَأَمَّا مَا قَالَهُ ابْنُ مُعَاذٍ فِي الْخَزْرَجِ فَأَمْرٌ لَا يَقْبَلُ النِّزَاعَ.
وَهَذَا مَخْلَصٌ حَسَنٌ هُدَانَا اللَّهُ لَهُ وَهُوَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَفِي آخَرِ كَلَامِ الدَّاوُدِيِّ إشَارَةٌ إلَى بَعْضِهِ حَيْثُ قَالَ أَيْ لَا يَجْعَلُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حُكْمَهُ إلَيْك لَكِنْ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ مَا لَا يُرْضِي (فَإِنْ قُلْت) : هَذَا يُخَالِفُ مَا فَهِمَتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها وَلِهَذَا قَالَتْ «وَلَكِنْ اجْتَهَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ» (قُلْت) : كَانَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها وَرَاءَ حِجَابٍ وَمُنْزَعِجَةَ الْخَاطِرِ لِمَا دَهَمَهَا مِنْ الْخَطْبِ الْعَظِيمِ وَالِاخْتِلَاقِ الْجَسِيمِ عَلَيْهَا فَقَدْ يَقَعُ فِي فَهْمِهَا لِبَعْضِ مَا وَقَعَ مَا يَكُونُ غَيْرُهُ أَرْجَحَ مِنْهُ.
(فَإِنْ قُلْت) : نَزَّهْت سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بِالتَّعَرُّضِ لِعَائِشَةَ (قُلْت) : حَاشَ لِلَّهِ مَا ذَكَرْته فِي عَائِشَةَ لَا يَقْدَحُ فِي شَيْءٍ مِنْ جَلَالَتِهَا، وَالْخَطَأُ جَائِزٌ عَلَى الْبَشَرِ لَا سِيَّمَا فِي الْكَلَامِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالْمَقْصُودِ فَقَدْ يَقَعُ الْخَلَلُ فِي فَهْمِهِ وَقَدْ قَالَتْ هِيَ فِي حَقِّ ابْنِ عُمَرَ «مَا كَذَبَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلَكِنَّهُ وَهِمَ وَلَا سِيَّمَا» وَلَيْسَ هَذَا خَطَأً فِي فَهْمِ كَلَامِ النُّبُوَّةِ وَلَا فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَإِنَّمَا هُوَ فِي كَلَامِ الْآحَادِ الَّذِي لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ.
وَأَمَّا حَمْلُ كَلَامِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَلَى مَا حَمَلُوهُ عَلَيْهِ فَهُوَ شَدِيدٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا لَا أَتَفَوَّهُ بِهِ.
(فَإِنْ قُلْت) : وَهَذَا يُخَالِفُ فَهْمَ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رضي الله عنه وَهُوَ حَاضِرٌ مَعَ الْقَوْمِ مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ وَلَا انْزِعَاجٍ