الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلْقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ، وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ (قُلْتُ) هُوَ تَحْدِيدٌ لِلْكِتَابِ لَا لِلتَّقْدِيرِ فَإِنَّ التَّقْدِيرَ قَدِيمٌ لَا أَوَّلَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذِهِ كِتَابَةٌ قَبْلَ الْكِتَابَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَقَدْ يَكُونُ ذِكْرُ الْخَمْسِينَ أَلْفًا أَنَّهَا حَقِيقَةٌ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَقَدْ يَكُونُ تَمْثِيلًا لِلْكَثِيرِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى {إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] (قُلْتُ) وَلَا يَقُومُ عَلَى التَّكْثِيرِ دَلِيلٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّحْدِيدُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ إنَّهُ أَظْهَرُ وَأُولَى قَالَ وَهَذِهِ الْخَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ سُنُونَ تَقْدِيرِيَّةٌ إذْ قَبْلَ وُجُودِ السَّمَوَاتِ، وَالْأَرْضِ لَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُ الْأَزْمَانِ فَإِنَّ الزَّمَانَ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالسِّنِينَ وَبِالْأَيَّامِ، وَاللَّيَالِيِ إنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إلَى أَعْدَادِ حَرَكَاتِ الْأَفْلَاكِ وَسَيْرِ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ فِي الْمَنَازِلِ، وَالْبُرُوجِ السَّمَاوِيَّةِ فَقَبْلَ السَّمَوَاتِ، وَالْأَرْضِ لَا يُوجَدُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى مُدَّةٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَوْ كَانَتْ السَّمَوَاتُ مَوْجُودَةً فِيهَا لَعُدَّتْ بِذَلِكَ الْعَدَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَائِدَة الْقَدَرِ مِنْ اللَّهِ وَالْقَضَاءِ مِنْهُ]
1
(الثَّامِنَةُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ قَدْ يَحْسِبُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ مَعْنَى الْقَدَرِ مِنْ اللَّهِ، وَالْقَضَاءِ مِنْهُ مَعْنَى الْإِجْبَارِ، وَالْقَهْرِ لِلْعَبْدِ عَلَى مَا قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ وَيُتَوَهَّمُ أَنَّ فَلْجَ آدَم فِي الْحُجَّةِ عَلَى مُوسَى إنَّمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا يَتَوَهَّمُونَهُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الْإِخْبَارُ عَنْ تَقَدُّمِ عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِمَا يَكُونُ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَأَكْسَابِهِمْ وَصُدُورِهَا عَنْ تَقْدِيرٍ مِنْهُ وَخَلَقَ لَهَا خَيْرَهَا وَشَرَّهَا، وَالْقَدَرُ اسْمٌ لِمَا صَدَرَ مُقَدَّرًا عَنْ فِعْلِ الْقَادِرِ كَمَا أَنَّ الْهَدْمَ، وَالْقَبْضَ، وَالنَّشْرَ أَسْمَاءٌ لِمَا صَدَرَ عَنْ فِعْلِ الْهَادِمِ، وَالْقَابِضِ، وَالنَّاشِرِ يُقَالُ قَدَّرْتُ الشَّيْءَ وَقُدْرَتُهُ خَفِيفَةٌ وَثَقِيلَةٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْقَضَاءُ فِي هَذَا مَعْنَاهُ الْخَلْقُ كَقَوْلِهِ عز وجل {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 12] أَيْ خَلَقَهُنَّ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَرَاءِ عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِيهِمْ أَفْعَالُهُمْ وَأَكْسَابُهُمْ وَمُبَاشَرَتُهُمْ تِلْكَ الْأُمُورَ وَمُلَابَسَتُهُمْ إيَّاهَا عَنْ قَصْدٍ وَتَعَمُّدٍ وَتَقَدُّمِ إرَادَةٍ وَاخْتِيَارٍ فَالْحُجَّةُ إنَّمَا تَلْزَمُهُمْ بِهَا، وَاللَّائِمَةُ إنَّمَا تَلْحَقُهُمْ عَلَيْهَا وَجِمَاعُ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُمَا أَمْرَانِ لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْأَسَاسِ، وَالْآخَرَ بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ فَمَنْ رَامَ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ رَامَ هَدْمَ الْبِنَاءِ وَنَقْضَهُ وَإِنَّمَا كَانَ مَوْضِعُ الْحُجَّةِ لِآدَمَ عَلَى مُوسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إذَا كَانَ قَدْ عَلِمَ مِنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
آدَم أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ الشَّجَرَةَ وَيَأْكُلُ مِنْهَا فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَرُدَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ وَأَنْ يُبْطِلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَيَانُ هَذَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] فَأَخْبَرَ قَبْلَ كَوْنِ آدَمَ أَنَّهُ إنَّمَا خَلَقَهُ لِلْأَرْضِ وَأَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى يَنْقُلَهُ عَنْهَا إلَيْهَا فَإِنَّمَا كَانَ تَنَاوُلُهُ الشَّجَرَةَ سَبَبًا لِوُقُوعِهِ إلَى الْأَرْضِ الَّتِي خُلِقَ لَهَا وَلِيَكُونَ فِيهَا خَلِيفَةً وَوَالِيًا عَلَى مَنْ فِيهَا وَإِنَّمَا أَدْلَى آدَم صلى الله عليه وسلم بِالْحُجَّةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَدَفَعَ لَائِمَةَ مُوسَى عَنْ نَفْسِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلِذَلِكَ قَالَ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي [فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ اللَّوْمُ أَصْلًا (قِيلَ) ] ، وَاللَّوْمُ سَاقِطٌ عَنْهُ مِنْ قَبْلِ مُوسَى إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُعَيِّرَ أَحَدًا بِذَنْبٍ كَانَ مِنْهُ لِأَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ أَكْفَاءٌ سَوَاءٌ، وَقَدْ رُوِيَ لَا تَنْظُرُوا إلَى ذُنُوبِ الْعِبَادِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ وَلَكِنْ اُنْظُرُوا إلَيْهَا كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ وَلَكِنَّ اللَّوْمَ لَازِمٌ لِآدَمَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ سبحانه وتعالى إذَا كَانَ قَدْ أَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَخَرَجَ إلَى مَعْصِيَتِهِ وَبَاشَرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ سُبْحَانَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَقَوْلُ مُوسَى صلى الله عليه وسلم، وَإِنْ كَانَ فِي النُّفُوسِ مِنْهُ شُبْهَةٌ، وَفِي ظَاهِرِهِ مُتَعَلَّقٌ لِاحْتِجَاجِهِ بِالسَّبَبِ الَّذِي قَدْ جُعِلَ أَمَارَةٌ لِخُرُوجِهِ مِنْ الْجَنَّةِ فَقَوْلُ آدَم فِي تَعَلُّقِهِ بِالسَّبَبِ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَصْلِ أَرْجَحُ وَأَقْوَى، وَالْفَلْجُ قَدْ يَقَعُ مَعَ الْمُعَارِضَةِ بِالتَّرْجِيحِ كَمَا يَقَعُ بِالْبُرْهَانِ الَّذِي لَا مُعَارِضَ لَهُ اهـ وَقَالَ فِي أَعْلَامِ الْجَامِعِ الصَّحِيحِ إنَّمَا حَجُّهُ آدَم فِي دَفْعِ اللَّوْمِ إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْآدَمِيِّينَ أَنْ يَلُومَ أَحَدًا، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «اُنْظُرُوا إلَى النَّاسِ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ وَلَا تَنْظُرُوا إلَيْهِمْ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ» فَأَمَّا الْحُكْمُ الَّذِي تَنَازَعَاهُ فَهُمَا فِي ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُسْقِطَ الْأَصْلَ الَّذِي هُوَ الْقَدَرُ وَلَا أَنْ يُبْطِلَ الْكَسْبَ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ، وَمَنْ فَعَلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا خَرَجَ عَنْ الْقَصْدِ إلَى أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ مِنْ مَذْهَبِ الْقَدَرِ، أَوْ الْجَبْرِ، وَقَوْلُ آدَمَ «أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاك اللَّهُ بِرِسَالَاتِهِ وَبِكَلَامِهِ، ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ» اسْتِقْصَارٌ لِعِلْمِ مُوسَى يَقُولُ إذْ قَدْ جَعَلَك اللَّهُ بِالصِّفَةِ الَّتِي أَنْتَ بِهَا مِنْ الِاصْطِفَاءِ بِالرِّسَالَاتِ، وَالْكَلَامِ فَكَيْفَ يَسَعُك أَنْ تَلُومَنِي عَلَى الْقَدَرِ الْمَقْدُورِ الَّذِي لَا مِدْفَعَ لَهُ، فَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه «فَحَجَّ آدَم مُوسَى» وَحَقِيقَتُهُ أَنَّهُ دَفَعَ حُجَّةَ مُوسَى الَّذِي أَلْزَمَهُ بِهَا اللَّوْمَ وَذَلِكَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالْمَسْأَلَةِ، وَالِاعْتِرَاضِ إنَّمَا كَانَ مِنْ مُوسَى، وَلَمْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
يَكُنْ مِنْ آدَمَ إنْكَارٌ لِمَا اقْتَرَفَهُ مِنْ الذَّنْبِ إنَّمَا عَارَضَهُ بِأَمْرٍ كَانَ فِيهِ دَفْعُ اللَّوْمِ فَكَانَ أَصْوَبُ الرَّأْيَيْنِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ آدَم بِقَضِيَّةِ الْمُصْطَفَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه، وَقَدْ كُنَّا تَأَوَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِ مَعَالِمِ السُّنَنِ وَهَذَا أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِمَنْ قَبْلَهُ، وَمَعْنَى كَلَامِ آدَمَ أَنَّك يَا مُوسَى تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا كُتِبَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، وَقُدِّرَ عَلَيَّ فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ، وَلَوْ حَرَصْت أَنَا، وَالْخَلَائِقُ أَجْمَعُونَ عَلَى رَدِّ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْهُ لَمْ نَقْدِرْ فَلِمَ تَلُومُنِي عَلَى ذَلِكَ، وَلِأَنَّ اللَّوْمَ عَلَى الذَّنْبِ شَرْعِيٌّ لَا عَقْلِيٌّ، وَإِذْ تَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى آدَمَ وَغَفَرَ لَهُ زَالَ عَنْهُ اللَّوْمُ، فَمَنْ لَامَهُ كَانَ مَحْجُوجًا بِالشَّرْعِ، (فَإِنْ قِيلَ) فَالْعَاصِي مِنَّا لَوْ قَالَ هَذِهِ الْمَعْصِيَةُ قَدَّرَهَا اللَّهُ عَلَيَّ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ اللَّوْمُ، وَالْعُقُوبَةُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِيمَا قَالَهُ، فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْعَاصِيَ بَاقٍ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ جَارٍ عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْعُقُوبَةِ، وَاللَّوْمِ، وَالتَّوْبِيخِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي لَوْمِهِ وَعُقُوبَتِهِ زَجْرٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الزَّجْرِ مَا لَمْ يَمُتْ فَأَمَّا آدَم فَمَيِّتٌ خَارِجٌ عَنْ دَارِ التَّكْلِيفِ، وَعَنْ الْحَاجَةِ إلَى الزَّجْرِ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لَهُ فَائِدَةٌ؛ بَلْ فِيهِ إيذَاءٌ وَتَخْجِيلٌ، اهـ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ لَمَّا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى تَابَ عَلَى آدَمَ صلى الله عليه وسلم صَارَ ذِكْرُ ذَلِكَ إنَّمَا يُفِيدُ مُبَاحَثَتَهُ عَنْ السَّبَبِ الَّذِي دَعَاهُ إلَى ذَلِكَ فَأَخْبَرَ آدَم أَنَّ السَّبَبَ قَضَاءُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ، وَهَذَا جَوَابٌ صَحِيحٌ إذَا كَانَتْ الْمُبَاحَثَةُ عَنْ الْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ آدَمَ سَبَبٌ مُوقِعٌ فِيهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إلَّا قَضَاءُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ، وَقَوْلُ آدَمَ أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاك اللَّهُ وَذَكَرَ فَضَائِلَهُ الَّتِي أَعْطَاهُ اللَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدَّرَ ذَلِكَ وَقَضَى بِهِ فَنَفَذَ ذَلِكَ كَمَا قَدَّرَ عَلَيَّ مَا فَعَلْت، فَنَفَذَ فِي؛ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ.
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقِيلَ إنَّمَا غَلَبَهُ آدَم بِالْحُجَّةِ لِأَنَّ آدَمَ أَبٌ وَمُوسَى ابْنٌ وَلَا يَجُوزُ لَوْمُ الِابْنِ أَبَاهُ وَلَا عَتْبُهُ، قَالَ وَهَذَا نَاءٍ عَنْ مَعْنَى الْحَدِيثِ، وَعَمَّا سِيقَ لَهُ، وَقِيلَ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ مُوسَى كَانَ قَدْ عَلِمَ مِنْ التَّوْرَاةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ تِلْكَ الْأَكْلَةَ سَبَبَ إهْبَاطِهِ مِنْ الْجَنَّةِ وَسُكْنَاهُ فِي الْأَرْضِ وَنَشْرَ نَسْلِهِ فِيهَا فَيُكَلِّفُهُمْ وَيَمْتَحِنُهُمْ؛ وَيُرَتِّبُ عَلَى ذَلِكَ ثَوَابَهُمْ وَعِقَابَهُمْ الْأُخْرَوِيَّ، قَالَ وَهَذَا إبْدَاءُ حِكْمَةِ تِلْكَ الْأَكْلَةِ لَا انْفِكَاكَ عَنْ إلْزَامِ تِلْكَ الْحُجَّةِ، وَالسُّؤَالُ بَاقٍ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْهُ، وَقِيلَ