الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَدَرُ
عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «تَحَاجَّ
ــ
[طرح التثريب]
الْأَرْضِ وَقِيلَ صِغَارُ الطَّيْرِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ، أَوْ غَلَطٌ.
[فَائِدَة بَعْضَ النَّاسِ مُعَذَّبٌ بِدُخُولِ النَّارِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم]
1
(الْعَاشِرَةُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ مُعَذَّبٌ بِدُخُولِ النَّارِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ لَمْ تَكُنْ إلَّا هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَأَمْكَنَ تَأْوِيلُهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا سَتَدْخُلُ وَأَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ لَمَّا كَانَ مُحَقَّقَ الْوُقُوعِ أَخْبَرَ بِهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: 1] وَنَظَائِرُهُ، لَكِنْ فِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ «وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ فَرَأَيْت فِيهَا امْرَأَةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ تُعَذَّبُ فِي هِرَّةٍ لَهَا رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ، وَرَأَيْت أَبَا ثُمَامَةَ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ» وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ «وَرَأَيْتُ فِي النَّارِ امْرَأَةً حِمْيَرِيَّةً سَوْدَاءَ طَوِيلَةً» وَلَمْ يَقُلْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ «لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ وَذَلِكَ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْت مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا وَحَتَّى رَأَيْت فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ كَأَنَّهُ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ، فَإِنْ فُطِنَ لَهُ قَالَ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي، وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ، وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ الَّتِي رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا» ، وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْكُسُوفِ «وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ، وَهُوَ الَّذِي سَيَّبَ السَّوَائِبَ» وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مُشَاهَدَتِهِ صلى الله عليه وسلم لِذَلِكَ.
(الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قَوْلُهُ «هَزْلًا» ) رَوَيْنَاهُ وَضَبَطْنَاهُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَيَجُوزُ فِيهِ فَتْحُ الْهَاءِ أَيْضًا، وَهُوَ الْهُزَالُ قَالَ فِي الْمُحْكَمِ هَزَلَ الرَّجُلُ وَالدَّابَّةُ هُزَالًا، وَهَزَلَ يَهْزِلُ هَزْلًا وَهُزَالًا، قَالَ فِي الصِّحَاحِ؟ الْهُزَالُ ضِدُّ السِّمَنِ يُقَالُ هَزَلَتْ الدَّابَّةُ هُزَالًا عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَهَزَلْتُهَا أَنَا هَزْلًا.
[الْقَدَرُ]
[حَدِيث تَحَاجَّ آدَم وَمُوسَى]
الْقَدَرُ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَحَاجَّ آدَم وَمُوسَى فَحَجَّ آدَم
آدَم وَمُوسَى فَحَجَّ آدَم مُوسَى فَقَالَ مُوسَى أَنْتَ آدَم الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ، فَقَالَ آدَم أَنْتَ مُوسَى الَّذِي أَعْطَاك اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ وَاصْطَفَاك عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «تَحَاجَّ آدَم وَمُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَنْتَ آدَم الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ إلَى الْأَرْضِ، وَقَالَ لَهُ آدَم أَنْتَ مُوسَى الَّذِي أَعْطَاك اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ وَاصْطَفَاك عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَتِهِ، قَالَ نَعَمْ، قَالَ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ كَانَ قَدْ كُتِبَ عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُخْلَقَ، قَالَ فَحَاجَّ آدَم مُوسَى»
ــ
[طرح التثريب]
مُوسَى فَقَالَ مُوسَى أَنْتَ آدَم الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ؟ فَقَالَ آدَم أَنْتَ مُوسَى الَّذِي أَعْطَاك اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ وَاصْطَفَاك عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِهِ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: فَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ» وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صلى الله عليه وسلم «تَحَاجَّ آدَم وَمُوسَى صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِمَا فَقَالَ لَهُ مُوسَى أَنْتَ آدَم الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ إلَى الْأَرْضِ قَالَ لَهُ آدَم أَنْتَ مُوسَى الَّذِي أَعْطَاك اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ وَاصْطَفَاك عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِهِ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ كَانَ قَدْ كُتِبَ عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُخْلَقَ، قَالَ فَحَاجَّ آدَم مُوسَى» (فِيهِ) فَوَائِدُ:
(الْأُولَى) أَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الْأُولَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَالْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ
وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ «قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «احْتَجَّ آدَم وَمُوسَى عِنْدَ رَبِّهِمَا» .
ــ
[طرح التثريب]
الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذِئَابٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ وَالْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ «احْتَجَّ آدَم وَمُوسَى عِنْدَ رَبِّهِمَا فَحَجَّ آدَم مُوسَى قَالَ مُوسَى أَنْتَ آدَم الَّذِي خَلَقَك اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيك مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَك مَلَائِكَتَهُ وَأَسْكَنَك فِي جَنَّتِهِ، ثُمَّ أَهَبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِك إلَى الْأَرْضِ فَقَالَ آدَم أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاك اللَّهُ بِرِسَالَاتِهِ وَكَلَامِهِ وَأَعْطَاك الْأَلْوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ وَقَرَّبَكَ نَجِيًّا، فَبِكَمْ وَجَدْتَ اللَّهَ عز وجل كَتَبَ التَّوْرَاةَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، قَالَ مُوسَى: بِأَرْبَعِينَ عَامًا قَالَ آدَم فَهَلْ وَجَدْتَ فِيهَا {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] قَالَ نَعَمْ قَالَ: أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْتَ عَمَلًا كَتَبَهُ اللَّهُ عز وجل عَلَيَّ أَنْ أَعْمَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَجَّ آدَم مُوسَى» وَأَخْرَجَهُ مِنْ الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا التِّرْمِذِيَّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَمِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ النَّجَّارِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كُثَيِّرٌ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَانْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ثُبُوتِهِ رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ جَمَاعَةٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَرُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ أَئِمَّةِ الْإِثْبَاتِ وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ فَاخْتَلَفَ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ فِي إسْنَادِهِ فَرَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَسَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكُلُّهُمْ يَرْفَعُهُ وَهِيَ كُلُّهَا صِحَاحٌ لِلِقَاءِ الزُّهْرِيِّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى.
(الثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ «تَحَاجَّ آدَم وَمُوسَى» أَيْ تَنَاظَرَ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا حُجَّةً عَلَى مَطْلُوبِهِ وَالْحُجَّةُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
الدَّلِيلُ وَالْبُرْهَانُ وَقَوْلُهُ فَحَجَّ آدَم مُوسَى أَيْ غَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَكَذَا الرِّوَايَةُ فِي جَمِيعِ كُتُبِ الْحَدِيثِ بِاتِّفَاقِ النَّاقِلِينَ وَالرُّوَاةُ وَالشُّرَّاحُ وَأَهْلُ الْغَرِيبِ بِرَفْعِ آدَمَ، وَهُوَ فَاعِلٌ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ فِي آخَرِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ (فَحَاجَّ آدَم مُوسَى) كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ، وَلَمْ يَسُقْ مُسْلِمٌ لَفْظَهُ وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ فَحَاجَّ يَعْنِي فَحَجَّ آدَم مُوسَى فَقَدْ تَخْرُجُ الْمُفَاعَلَةُ عَنْ بَابِهَا جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَهَذِهِ الْمُحَاجَّةُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بِرُوحَيْهِمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بِجَسَدِهِمَا، وَقَدْ وَقَعَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ الْتَقَتْ أَرْوَاحُهُمَا فِي السَّمَاءِ فَوَقَعَ الْحِجَاجُ بَيْنَهُمَا وَكَلَامُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ يُوَافِقُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّ رُوحَهُ لَمْ تَجْتَمِعْ بِرُوحِ مُوسَى، وَلَمْ يَلْتَقِيَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا بَعْدَ الْوَفَاةِ وَبَعْدَ رَفْعِ أَرْوَاحِهِمَا فِي عِلِّيِّينَ وَكَانَ الْتِقَاؤُهُمَا كَنَحْوِ الْتِقَاءِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم بِمَنْ لَقِيَهُ فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدِي لَا يَحْتَمِلُ تَكْيِيفًا وَإِنَّمَا فِيهِ التَّسْلِيمُ لِأَنَّا لَمْ نُؤْتَ مِنْ جِنْسِ هَذَا الْعِلْمِ إلَّا قَلِيلًا انْتَهَى.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا بِأَشْخَاصِهِمَا، وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اجْتَمَعَ بِالْأَنْبِيَاءِ فِي السَّمَوَاتِ، وَفِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَصَلَّى بِهِمْ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ اللَّهَ أَحْيَاهُمْ كَمَا جَاءَ فِي الشُّهَدَاءِ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَيَاةِ مُوسَى عليه السلام وَأَنَّهُ سَأَلَ رَبَّهُ أَنَّهُ يُرِيهِ آدَم فَحَاجَّهُ بِمَا ذُكِرَ وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي الْقِصَّةِ أَثَرًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ قَالَ «مُوسَى رَبِّ أَرِنَا آدَمَ الَّذِي أَخْرَجَنَا وَنَفْسَهُ مِنْ الْجَنَّةِ فَأَرَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ فَقَالَ أَنْتَ آدَم» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ (قُلْت) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ مُوسَى قَالَ يَا رَبِّ أَرِنَا آدَمَ الَّذِي أَخْرَجَنَا وَنَفْسَهُ مِنْ الْجَنَّةِ فَأَرَاهُ اللَّهُ آدَمَ فَقَالَ أَنْتَ أَبُونَا آدَم فَقَالَ لَهُ آدَم نَعَمْ فَقَالَ أَنْتَ الَّذِي نَفَخَ اللَّهُ فِيك مِنْ رُوحِهِ وَعَلَّمَك الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَك؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا حَمَلَك عَلَى أَنْ أَخْرَجْتنَا وَنَفْسَك مِنْ الْجَنَّةِ فَقَالَ لَهُ آدَم مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ أَنَا مُوسَى قَالَ أَنْتَ نَبِيُّ بَنِي إسْرَائِيلَ الَّذِي كَلَّمَك اللَّهُ مِنْ وَرُوَاءِ حِجَابٍ لَمْ يَجْعَلْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ رَسُولًا مِنْ خَلْقِهِ، قَالَ نَعَمْ قَالَ أَفَمَا وَجَدْتَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ، قَالَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
نَعَمْ، قَالَ فِيمَ تَلُومُنِي فِي شَيْءٍ سَبَقَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ الْقَضَاءُ قَبْلِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ فَحَجَّ آدَم مُوسَى فَحَجَّ آدَم مُوسَى» وَبَوَّبَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بَابَ تَحَاجِّ آدَم وَمُوسَى عِنْدَ اللَّهِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ «عِنْدَ رَبِّهِمَا» وَهِيَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ سِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ رحمه الله يَقُولُ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ تَحَاجُّهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا التَّحَاجُّ فِي الدُّنْيَا وَيُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ مِنْ عِنْدِ أَبِي دَاوُد (قُلْتُ) وَلَا يَتَعَيَّنُ فِي كَلَامِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذِهِ الْعِنْدِيَّةُ عِنْدِيَّةُ اخْتِصَاصٍ وَتَشْرِيفٍ لَا عِنْدِيَّةُ مَكَان لِأَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَإِنَّمَا هِيَ كَمَا قَالَ تَعَالَى «إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهْرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ» أَيْ فِي مَحَلِّ التَّشْرِيفِ وَالْإِكْرَامِ وَالِاخْتِصَاصِ انْتَهَى.
وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يُرَادَ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَكُونُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِالْمَاضِي لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: 1] وَنَظَائِرُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ «أَغْوَيْتَ النَّاسَ» أَيْ كُنْت سَبَبًا لِإِغْوَاءِ مَنْ غَوَى مِنْهُمْ بِخُرُوجِهِمْ مِنْ الْجَنَّةِ وَتَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَالْغَيُّ: الِانْهِمَاكُ فِي الشَّرِّ، وَهُوَ ضِدُّ الرُّشْدِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256] ، وَقَدْ يُرَادُ بِالْغَيِّ الْخَطَأُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْله تَعَالَى {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] أَيْ أَخْطَأَ صَوَابَ مَا أُمِرَ بِهِ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ جَوَازُ إطْلَاقِ نِسْبَةِ الشَّيْءِ إلَى مَنْ لَهُ تَسَبُّبٌ فِيهِ.
(الرَّابِعَةُ) وَقَوْلُهُ «وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ» الْمُرَادُ بِهَا جَنَّةُ الْخُلْدِ وَجَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ الَّتِي هِيَ دَارُ الْجَزَاءِ فِي الْآخِرَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ مِنْ قَبْلِ آدَمَ وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ وَذَهَبَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إلَى أَنَّهَا جَنَّةٌ أُخْرَى غَيْرُهَا وَقَالُوا إنَّ جَنَّةَ الْجَزَاءِ لَمْ تُخْلَقْ إلَى الْآنَ وَلَكِنَّهَا تُخْلَقُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تُبْطِلُ قَوْلَهُمْ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْخَامِسَةُ) قَوْلُهُ «أَعْطَاك اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ» عَامٌّ مَخْصُوصٌ، وَقَدْ قَالَ الْخَضِرُ لِمُوسَى عليهما السلام (إنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ اللَّهُ لَا تَعْلَمُهُ أَنْتَ) فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمُرَادُ مِمَّا عَلَّمَك وَقِيلَ يَحْتَمِلُ مِمَّا عُلِّمَهُ الْبَشَرُ (قُلْت) لَمْ يَظْهَرْ لِي مَعْنَى الْأَوَّلِ فَإِنَّ كُلَّ أَحَدٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ عِلْمَ كُلِّ شَيْءٍ عَلَّمَهُ إيَّاهُ وَهَذَا غَنِيٌّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[طرح التثريب]
عَنْ الْقَوْلِ، وَفِي الثَّانِي نَظَرٌ فَإِنَّ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْخَضِرِ مِنْ الْعِلْمِ قَدْ عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْبَشَرَ، وَلَمْ يَكُنْ مُوسَى عليه السلام يَعْلَمُهُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ هُنَا الْأَكْثَرِيَّةُ وَالْغَلَبَةُ فَإِنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ {وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 16] وَقَوْلُهُ {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف: 25] وَنَظَائِرُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّادِسَةُ)(وَاصْطَفَاك عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِهِ) عَامٌّ مَخْصُوصٌ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يَصْطَفِهِ عَلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ كَإِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ نَاسُ زَمَانِهِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف: 144] .
(السَّابِعَةُ) قَوْلُهُ (فَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هُنَا انْتَهَى حَدِيثُ مَالِكٍ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ وَزَادَ فِيهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ «قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةٍ» وَكَذَلِكَ قَالَ طَاوُسٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ الْأَظْهَرُ فِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ كَتَبَهُ قَبْلَ خَلْقِهِ بِأَرْبَعِينَ عَامًا أَوْ أَظْهَرَهُ، أَوْ فَعَلَ فِعْلًا مَا أَضَافَ إلَيْهِ هَذَا التَّارِيخَ وَإِلَّا فَمَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى أَزَلِيَّةٌ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ قَدَّرَهُ اللَّهُ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَيْ كَتَبَهُ فِي التَّوْرَاةِ أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ «فَبِكُمْ وَجَدْتَ اللَّهَ كَتَبَ التَّوْرَاةَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ قَالَ مُوسَى بِأَرْبَعِينَ عَامًا قَالَ فَهَلْ وَجَدْتَ فِيهَا وَعَصَى آدَم رَبَّهُ فَغَوَى قَالَ نَعَمْ» فَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّ فِيهَا مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ مَكْتُوبًا بِلِسَانٍ غَيْرِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ بِالتَّقْدِيرِ هُنَا الْكِتَابَةُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، أَوْ فِي صُحُفِ التَّوْرَاةِ وَأَلْوَاحِهَا أَيْ كَتَبَهُ عَلَيَّ قَبْلَ خَلْقِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَذَكَرَ الرِّوَايَةَ الْمَذْكُورَةَ وَقَالَ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُصَرِّحَةٌ بِبَيَانِ الْمُرَادِ بِالتَّقْدِيرِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ حَقِيقَةُ الْقَدَرِ فَإِنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا قَدَّرَهُ عَلَى عِبَادِهِ وَأَرَادَهُ مِنْ خَلْقِهِ أَزَلِيٌّ لَا أَوَّلَ لَهُ، وَلَمْ يَزَلْ سُبْحَانَهُ مَرِيدًا لِمَا أَرَادَهُ مِنْ خَلْقِهِ مِنْ طَاعَةٍ وَمَعْصِيَةٍ وَخَيْرٍ وَشَرٍّ انْتَهَى.
وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ الْبُلْقِينِيُّ رحمه الله يَقُولُ إنَّ الْمُرَادَ إظْهَارُ ذَلِكَ عَنْ تَصْوِيرِ آدَمَ طِينًا وَاسْتَمَرَّ آدَم مُتَجَدِّلًا فِي طِينَتِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَكَانَ ظُهُورُ هَذَا قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَالْمُرَادُ بِخَلْقِهِ نَفْخُ الرُّوحِ فِيهِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ التَّارِيخِ أَنَّ مُدَّةَ مُكْثِ آدَمَ طِينًا بَيْنَ تَصْوِيرِهِ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ أَرْبَعُونَ عَامًا، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَإِنْ قُلْتُ) مَا مَعْنَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا