الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 42 إِلَى 43]
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى مَا أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (43)
كَانَ صَاحِبُهُ الْمُؤْمِنُ رَجُلًا صَالِحًا فَحَقَّقَ اللَّهُ رَجَاءَهُ، أَوْ كَانَ رَجُلًا مُحَدَّثًا مِنْ مُحَدَّثِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، أَوْ مِنْ مُحَدَّثِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَعْنِيِّ بِالرَّجُلَيْنِ فِي الْآيَةِ، أَلْهَمَهُ اللَّهُ مَعْرِفَةَ مَا قَدَّرَهُ فِي الْغَيْبِ مِنْ عِقَابٍ فِي الدُّنْيَا لِلرَّجُلِ الْكَافِرِ الْمُتَجَبِّرِ.
وَإِنَّمَا لَمْ تُعْطَفْ جُمْلَةُ وَأُحِيطَ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ عَلَى رَجَاءِ صَاحِبِهِ الْمُؤْمِنِ إِذْ لَمْ يَتَعَلَّقِ الْغَرَضُ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِالْإِشَارَةِ إِلَى الرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ، وَإِنَّمَا الْمُهِمُّ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حَادِثٌ حَلَّ بِالْكَافِرِ عِقَابًا لَهُ عَلَى كُفْرِهِ لِيَعْلَمَ السَّامِعُونَ أَنَّ ذَلِكَ جَزَاءُ أَمْثَالِهِ وَأَنْ لَيْسَ بِخُصُوصِيَّةٍ لِدَعْوَةِ الرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ.
وَالْإِحَاطَةُ: الْأَخْذُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، مَأْخُوذَةٌ مِنْ إِحَاطَةِ الْعَدُوِّ بِالْقَوْمِ إِذَا غَزَاهُمْ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فِي سُورَةِ يُوسُفَ [66] وَقَوْلِهِ: إِنَّ رَبَّكَ
أَحاطَ بِالنَّاسِ
فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [60] .
وَالْمَعْنَى: أُتْلِفَ مَالُهُ كُلُّهُ بِأَنْ أَرْسَلَ عَلَى الْجنَّة وَالزَّرْع حسبان مِنَ السَّمَاءِ فَأَصْبَحَتْ صَعِيدًا زَلَقًا وَهَلَكَتْ أَنْعَامُهُ وَسُلِبَتْ أَمْوَالُهُ، أَوْ خُسِفَ بِهَا بِزَلْزَالٍ أَوْ نَحْوِهِ.
وَتَقَدَّمَ اخْتِلَافُ الْقُرَّاءِ فِي لَفْظِ ثَمَرٌ آنِفًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ [الْكَهْف: 34] .
وَتَقْلِيبُ الْكَفَّيْنِ: حَرَكَةٌ يَفْعَلُهَا الْمُتَحَسِّرُ، وَذَلِكَ أَنْ يُقَلِّبَهُمَا إِلَى أَعْلَى ثُمَّ إِلَى قُبَالَتِهِ تَحَسُّرًا عَلَى مَا صَرَفَهُ مِنَ الْمَالِ فِي إِحْدَاثِ تِلْكَ الْجَنَّةِ. فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ التَّحَسُّرِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ: قَرَعَ السِّنَّ مِنْ نَدَمٍ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ [آل عمرَان:
119] .
وَالْخَاوِيَةُ: الْخَالِيَةُ، أَيْ وَهِيَ خَالِيَةٌ مِنَ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ، وَالْعُرُوشِ: السَّقْفُ. وَ (عَلَى) لِلِاسْتِعْلَاءِ. وَجُمْلَةُ عَلى عُرُوشِها فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ خاوِيَةٌ.
وَهَذَا التَّرْكِيبُ أَرْسَلَهُ الْقُرْآنُ مَثَلًا لِلْخَرَابِ التَّامِّ الَّذِي هُوَ سُقُوطُ سُقُوفِ الْبِنَاءِ وَجُدْرَانِهِ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [259] ، عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ مُرَادٌ بِهِ جُدْرَانُ الْقَرْيَةِ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ بِعُرُوشِهَا، إِذِ الْقَرْيَةُ هِيَ الْمَنَازِلُ الْمُرَكَّبَةُ مِنْ جُدْرَانٍ وَسُقُفٍ، ثُمَّ جَعَلَ ذَلِكَ مَثَلًا لِكُلِّ هَلَاكٍ تَامّ لَا تبقى مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنَ الشَّيْءِ الْهَالِكِ.
وَجُمْلَةُ وَيَقُولُ حِكَايَةٌ لِتَنَدُّمِهِ عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُ حِينَ لَا يَنْفَعُهُ النَّدَمُ بَعْدَ حُلُولِ الْعَذَابِ.
وَالْمُضَارِعُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَكَرُّرِ ذَلِكَ الْقَوْلِ مِنْهُ.
وَحَرْفُ النِّدَاءِ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّلَهُّفِ. وَ (لَيْتَنِي) تَمَنٍّ مُرَادٌ بِهِ التَّنَدُّمُ. وَأَصْلُ قَوْلِهِمْ (يَا لَيْتَنِي) أَنَّهُ تَنْزِيلٌ لِلْكَلِمَةِ مَنْزِلَةَ مَنْ يَعْقِلُ، كَأَنَّهُ يُخَاطِبُ كَلِمَةَ (لَيْتَ) يَقُولُ: احْضُرِي فَهَذَا أَوَانُكِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتى عَلى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ سُورَة الزمر [56] .
وَهَذَا نَدَمٌ عَلَى الْإِشْرَاكِ فِيمَا مَضَى وَهُوَ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ آمَنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ حِينَئِذٍ.
وَقَوْلُهُ: وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَوْعِظَةٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى جَزَاءِ قَوْلِهِ:
وَأَعَزُّ نَفَراً [الْكَهْف: 34] .