الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَمْلُوكُونَ
بِالرِّقِّ قِيلَ: عَبِيدٌ، لَا غَيْرُ. وَالْمَقْصُودُ بِعِبَادِ اللَّهِ هُنَا الْأَشُورِيُّونَ أَهْلُ بَابِلَ وَهُمْ جُنُودُ بُخْتُنَصَّرَ.
وَالْبَأْسُ: الشَّوْكَةُ وَالشِّدَّةُ فِي الْحَرْب. وَوَصفه بالشديد لِقُوَّتِهِ فِي نَوْعِهِ كَمَا فِي آيَةِ سُورَة سُلَيْمَان [النَّمْل: 33] : قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ.
وَجُمْلَةُ فَجاسُوا عَطْفٌ عَلَى بَعَثْنا فَهُوَ مِنَ الْمُقْضَى فِي الْكتاب. وَالْجُلُوس:
التَّخَلُّلُ فِي الْبِلَادِ وَطَرْقُهَا ذِهَابًا وَإِيَابًا لِتَتَبُّعِ مَا فِيهَا. وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا تَتَبُّعُ الْمُقَاتَلَةِ فَهُوَ جَوْسُ مَضَرَّةٍ وَإِسَاءَةٍ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ.
وَ (خِلَالَ) اسْمٌ جَاءَ عَلَى وَزْنِ الْجُمُوعِ وَلَا مُفْرَدَ لَهُ، وَهُوَ وَسَطُ الشَّيْءِ الَّذِي يُتَخَلَّلُ مِنْهُ. قَالَ تَعَالَى: فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ [الرّوم: 48] .
وَالتَّعْرِيفُ فِي الدِّيارِ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ، أَيْ دِيَارِكُمْ، وَذَلِكَ أَصْلُ جَعْلِ (اَلْ) عِوَضًا عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ. وَهِيَ دِيَارُ بَلَدِ أُورْشَلِيمَ فَقَدْ دَخَلَهَا جَيْشُ بُخْتُنَصَّرَ وَقَتَلَ الرِّجَالَ وَسَبَى، وَهَدَمَ الدِّيَارَ، وَأَحْرَقَ الْمَدِينَةَ وَهَيْكَلَ سُلَيْمَانَ بِالنَّارِ. وَلَفْظُ (الدِّيَارِ) يَشْمَلُ هَيْكَلَ سُلَيْمَانَ لِأَنَّهُ بَيْتُ عِبَادَتِهِمْ، وَأُسِرَ كُلُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبِذَلِكَ خَلَتْ بِلَادُ الْيَهُودِ مِنْهُمْ. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْآتِيَةِ: وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ.
[6- 8]
[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 6 الى 8]
ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً (7) عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً (8)
ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها.
عَطَفَ جملَة فَجاسُوا [الْإِسْرَاء: 5] فَهُوَ مِنْ تَمَامِ جَوَابِ (إِذَا) مِنْ قَوْلِهِ: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما [الْإِسْرَاء: 5] ، وَمِنْ بَقِيَّةِ الْمَقْضِيِّ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ مَاضٍ لَفْظًا مُسْتَقْبَلٌ
مَعْنًى، لِأَنَّ (إِذَا) ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ. وَجِيءَ بِهِ فِي صِيغَةِ الْمَاضِي لِتَحْقِيقِ وُقُوعِ ذَلِكَ. وَالْمَعْنَى: نَبْعَثُ عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا فَيَجُوسُونَ وَنَرُدُّ لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَنُمْدِدُكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَنَجْعَلُكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا.
وَ (ثُمَّ) تُفِيدُ التَّرَاخِيَ الرُّتْبِيَّ وَالتَّرَاخِيَ الزَّمَنِيَّ مَعًا.
وَالرَّدُّ: الْإِرْجَاعُ. وَجِيءَ بِفِعْلِ رَدَدْنا مَاضِيا جَريا عَلَى الْغَالِبِ فِي جَوَابِ (إِذَا) كَمَا جَاءَ شَرْطُهَا فِعْلًا مَاضِيًا فِي قَوْلِهِ: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا [الْإِسْرَاء: 5] أَيْ إِذَا يَجِيءُ يَبْعَثُ.
وَالْكَرَّةُ: الرَّجْعَةُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي ذَهَبَ مِنْهُ.
فَقَوْلُهُ: عَلَيْهِمْ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ هُوَ حَالٌ مِنَ الْكَرَّةَ، لِأَنَّ رُجُوعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى أُورْشَلِيمَ كَانَ بِتَغَلُّبِ مَلِكِ فَارِسَ عَلَى مَلِكِ بَابِلَ.
وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ أَنْ قَضَوْا نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً فِي أَسْرِ الْبَابِلِيِّينَ وَتَابُوا إِلَى اللَّهِ وَنَدِمُوا عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُمْ سَلَّطَ اللَّهُ مُلُوكَ فَارِسَ عَلَى مُلُوكِ بَابِلَ الْأَشُورِيِّينَ فَإِنَّ الْمَلِكَ (كُورَشَ) مَلِكَ فَارِسَ حَارَبَ الْبَابِلِيِّينَ وَهَزَمَهُمْ فَضَعُفَ سُلْطَانُهُمْ، ثُمَّ نَزَلَ بِهِمْ (دَارِيُوسُ) مَلِكُ فَارِسَ وَفَتَحَ بَابِلَ سَنَةَ 538 قَبْلَ الْمَسِيحِ، وَأَذِنَ لِلْيَهُودِ فِي سَنَةِ 530 قَبْلَ الْمَسِيحِ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى أُورْشَلِيمَ وَيُجَدِّدُوا دَوْلَتَهُمْ. وَذَلِكَ نَصْرٌ انْتَصَرُوهُ عَلَى الْبَابِلِيِّينَ إِذْ كَانُوا أَعْوَانًا لِلْفُرْسِ عَلَيْهِمْ.
وَالْوَعْدُ بِهَذَا النَّصْرِ وَرَدَ أَيْضًا فِي كتاب أشعياء فِي الْإِصْحَاحَاتِ: الْعَاشِرِ، وَالْحَادِي عَشَرَ، وَالثَّانِي عَشَرَ، وَغَيْرِهَا، وَفِي كِتَابِ أَرْمِيَا فِي الْإِصْحَاحِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ وَالْإِصْحَاحِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ.
وَقَوْلُهُ: وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقْضِيِّ الْمَوْعُودِ بِهِ. وَوَقَعَ فِي الْإِصْحَاحِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ كِتَابِ
ونَفِيراً تَمْيِيز «لأكْثر» فَهُوَ تَبْيِينٌ لِجِهَةِ الْأَكْثَرِيَّةِ، وَالنَّفِيرُ. اسْمُ جَمْعٍ لِلْجَمَاعَةِ الَّتِي تَنْفِرُ مَعَ الْمَرْءِ مِنْ قَوْمِهِ وَعَشِيرَتِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي جَهْلٍ:«لَا فِي الْعِيرِ وَلَا فِي النَّفِيرِ» .
وَالتَّفْضِيلُ فِي (أَكْثَرَ) تَفْضِيلٌ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، أَيْ جَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ مِمَّا كُنْتُمْ قَبْلَ الْجَلَاءِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَقَامِ الِامْتِنَانِ. وَقَالَ جَمْعٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: أَكْثَرَ نَفِيرًا مِنْ أَعْدَائِكُمُ الَّذِينَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ، أَيْ أَفْنَى مُعْظَمَ الْبَابِلِيِّينَ فِي الْحُرُوبِ مَعَ الْفُرْسِ حَتَّى صَارَ عَدَدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي بِلَادِ الْأَسْرِ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ الْبَابِلِيِّينَ.
وَقَوْلُهُ: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها مِنْ جُمْلَةِ الْمَقْضِيِّ فِي الْكِتَابِ مِمَّا خُوطِبَ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَهُوَ حِكَايَةٌ لِمَا فِي الْإِصْحَاحِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ كِتَابِ أَرْمِيَا «وَصَلُّوا لِأَجْلِهَا إِلَى الرَّبِّ لِأَنَّهُ بِسَلَامِهَا يَكُونُ لَكُمْ سَلَامٌ» . وَفِي الْإِصْحَاحِ الْحَادِي وَالثَلَاثِينَ «يَقُولُ الرَّبُّ أَزْرَعُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ وَبَيْتَ يَهُوذَا وَيَكُونُ كَمَا سَهِرْتُ عَلَيْهِمْ لِلِاقْتِلَاعِ وَالْهَدْمِ وَالْقَرْضِ وَالْإِهْلَاكِ، كَذَلِكَ أَسْهَرُ عَلَيْهِمْ لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ لَا يَقُولُونَ: الْآبَاءُ أَكَلُوا حِصْرِمًا وَأَسْنَانُ الْأَبْنَاءِ ضَرَسَتْ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ كُلُّ إِنْسَانٍ يَأْكُلُ الْحِصْرِمَ تَضْرَسُ أَسْنَانُهُ» .
وَمَعْنَى إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ أَنَّنَا نَرُدُّ لَكُمُ الْكَرَّةَ لِأَجْلِ التَّوْبَةِ وَتَجَدُّدِ الْجِيلِ وَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي حَالَةِ نِعْمَةٍ، فَإِنْ أَحْسَنْتُمْ كَانَ جَزَاؤُكُمْ حَسَنًا وَإِن أسأتم أَسَأْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، فَكَمَا أَهْلَكْنَا مَنْ قَبْلَكُمْ بِذُنُوبِهِمْ فَقَدْ أَحْسَنَّا إِلَيْكُمْ بِتَوْبَتِكُمْ فَاحْذَرُوا الْإِسَاءَةَ كَيْلَا تَصِيرُوا إِلَى مَصِيرِ مَنْ قَبْلَكُمْ.
وَإِعَادَةُ فِعْلِ أَحْسَنْتُمْ تَنْوِيهٌ فَلَمْ يَقُلْ: إِنْ أَحْسَنْتُمْ فَلِأَنْفُسِكُمْ. وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ الْأَحْوَصِ:
فَإِذَا تَزُولُ تَزُولُ عَنْ مُتَخَمِّطٍ
…
تُخْشَى بَوَادِرُهُ عَلَى الْأَقْرَانِ
قَالَ أَبُو الْفَتْحِ ابْنُ جِنِّيٍّ فِي شَرْحِ بَيْتِ الْأَحْوَصِ فِي الْحَمَاسَةِ: إِنَّمَا جَازَ أَنْ يَقُولَ (فَإِذَا تَزُولُ تَزُولُ) لِمَا اتَّصَلَ بِالْفِعْلِ الثَّانِي مِنْ حَرْفِ الْجَرِّ الْمُفَادَةِ مِنْهُ الْفَائِدَةُ. وَمِثْلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا [الْقَصَص: 63]، وَلَوْ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ لَمْ يُفِدِ الْقَوْلُ شَيْئًا كَقَوْلِكَ: الَّذِي ضَرَبْتُهُ ضَرَبْتُهُ. وَقَدْ كَانَ أَبُو عَلِيٍّ امْتَنَعَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِمَّا أَخَذْنَاهُ (فِي الْأَصْلِ أَجَزْنَاهُ) غَيْرَ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا عِنْدِي عَلَى مَا عَرَّفْتُكَ» اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ امْتِنَاعَ أَبِي عَلِيٍّ مِنْ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ يَرَى جَوَازَ أَنْ تَكُونَ أَغْوَيْناهُمْ تَأْكِيدًا «لأغوينا» وَقَوْلُهُ: كَما غَوَيْنا اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا، لِأَنَّ اسْمَ الْمَوْصُولِ مُسْنَدٌ إِلَى مُبْتَدَأٍ وَهُوَ اسْمُ الْإِشَارَةِ فَتَمَّ الْكَلَامُ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ بَيْتِ الْأَحْوَصِ وَمِثَالُ ابْنِ جِنِّيٍّ: الَّذِي ضَرَبْتُهُ ضَرَبْتُهُ، فَيَرْجِعُ امْتِنَاعُ أَبِي عَلِيٍّ إِلَى أَنَّ مَا أَخَذَهُ ابْنُ جِنِّيٍّ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فِي الْآيَةِ تَعَيُّنَهُ فِي بَيْتِ الْأَحْوَصِ.
وَأُسْلُوبُ إِعَادَةِ الْفِعْلِ عِنْدَ إِرَادَةِ تَعَلُّقِ شَيْءٍ بِهِ أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ فَصِيحٌ يُقْصَدُ بِهِ الِاهْتِمَامُ
بِذَلِكَ الْفِعْلِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ تَعَالَى: وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ [الشُّعَرَاء:
130] وَقَالَ: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً [الْفرْقَان: 72] .
وَقَوله: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ جَاءَ عَلَى طَرِيقَةِ التَّجْرِيدِ بِأَنْ جُعِلَتْ نَفْسُ الْمُحْسِنِ كَذَاتٍ يُحْسَنُ لَهَا. فَاللَّامُ- لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ أَحْسَنْتُمْ، يُقَالُ: أَحْسَنْتُ لِفُلَانٍ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها. فَقَوْلُهُ: فَلَها مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ بَعْدَ فَاءِ الْجَوَابِ، تَقْدِيرُهُ: أَسَأْتُمْ لَهَا. وَلَيْسَ الْمَجْرُورُ بِظَرْفٍ مُسْتَقِرٍّ خَبَرًا عَنْ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ فِعْلُ أَسَأْتُمْ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ فَعَلَيْهَا، كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ فُصِّلَتْ [46] مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها.
وَوَجْهُ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ أُسْلُوبِ الْآيَتَيْنِ أَنَّ آيَةَ فُصِّلَتْ لَيْسَ فِيهَا تَجْرِيدٌ، إِذِ التَّقْدِيرُ فِيهَا:
فَعَمَلُهُ لنَفسِهِ وإساءته عَلَيْهِ، فَلَمَّا كَانَ الْمُقَدَّرُ اسْمًا كَانَ الْمَجْرُورُ بَعْدَهُ مُسْتَقِرًّا غَيْرَ حَرْفِ تَعْدِيَةٍ، فَجَرَى عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْإِخْبَارُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ نَافِعًا فَيُخْبَرُ عَنْهُ بِمَجْرُورٍ بِاللَّامِ، أَوْ ضَارًّا يُخْبَرُ عَنْهُ بِمَجْرُورٍ بِ (إِلَى) ، وَأَمَّا آيَةُ الْإِسْرَاءِ فَفِعْلُ «أَحْسَنْتُمْ وَأَسَأْتُمُ» الْوَاقِعَانِ فِي الْجَوَابَيْنِ مُقْتَضِيَانِ التَّجْرِيدَ فَجَاءَا عَلَى أَصْلِ تَعْدِيَتِهِمَا بِاللَّامِ لَا لِقَصْدِ نَفْعٍ وَلَا ضُرٍّ.
فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها [الْإِسْرَاء: 7] ، إِذْ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ فَإِذَا أَسَأْتُمْ وَجَاءَ وَعْدُ الْمَرَّةِ الْآخِرَةِ.
وَقَدْ حَصَلَ بِهَذَا التَّفْرِيعِ إِيجَازٌ بَدِيعٌ قَضَاءً لِحَقِّ التَّقْسِيمِ الْأَوَّلِ فِي قَوْلِهِ: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما [الْإِسْرَاء: 5] ، وَلِحَقِّ إِفَادَةِ تَرَتُّبِ مَجِيءِ وَعْدِ الْآخِرَةِ عَلَى الْإِسَاءَةِ، وَلَوْ عُطِفَ بِالْوَاوِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ التَّقْسِيمِ إِلَى مَرَّتَيْنِ فَاتَتْ إِفَادَةُ التَّرَتُّبِ وَالتَّفَرُّعِ.
والْآخِرَةِ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: مَرَّتَيْنِ، أَيْ وَعْدُ الْمَرَّةِ الْآخِرَةِ.
وَهَذَا الْكَلَامُ مِنْ بَقِيَّةِ مَا قُضِيَ فِي الْكِتَابِ بِدَلِيلِ تَفْرِيعِهِ بِالْفَاءِ.
وَالْآخِرَةُ ضد الأولى.
وَلَا مَاتَ «ليسوؤوا، وَلِيَدْخُلُوا، وَلِيُتَبِّرُوا» لِلتَّعْلِيلِ، وَلَيْسَتْ لِلْأَمْرِ لِاتِّفَاقِ الْقِرَاءَاتِ
الْمَشْهُورَةِ عَلَى كَسْرِ اللَّامَيْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَلَوْ كَانَا لَامَيْ أَمْرٍ لَكَانَا سَاكِنَيْنِ بَعْدَ وَاوِ الْعَطْفِ، فَيَتَعَيَّنُ أَن اللَّام الأول لَامُ أَمْرٍ (1) لَا لَامُ جَرٍّ. وَالتَّقْدِيرُ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ بَعَثْنَا عبادا لنا ليسوؤا وُجُوهَكُمْ إِلَخْ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَحَفْصٌ، وَأَبُو جَعْفَر، وَيَعْقُوب لِيَسُوؤُا بِضَمِيرِ الْجَمْعِ مِثْلَ أَخَوَاتِهِ الْأَفْعَالِ الْأَرْبَعَةِ. وَالضَّمَائِرُ رَاجِعَةٌ إِلَى مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ لَامُ التَّعْلِيلِ فِي قَوْله: لِيَسُوؤُا إِذْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا [الْإِسْرَاء: 5]، فَالتَّقْدِيرُ: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عبادا لنا ليسوؤوا وُجُوهَكُمْ. وَلَيْسَتْ عَائِدَةً إِلَى قَوْلِهِ: عِباداً لَنا الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي قَوْلِهِ: فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ [الْإِسْرَاء: 5] ، لِأَن الَّذين أساؤوا وَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ هَذِهِ الْمَرَّةَ أُمَّةٌ غَيْرُ الَّذِينَ جَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ حَسَبِ شَهَادَةِ التَّارِيخِ وَأَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ كَمَا سَيَأْتِي.
وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَحَمْزَةُ، وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ، وَخَلَفٍ لِيَسُوءَ بِالْإِفْرَادِ وَالضَّمِيرُ لِلَّهِ تَعَالَى. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ لِنَسُوءَ بِنُونِ الْعَظَمَةِ. وَتَوْجِيهُ هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ مُوَافَقَةِ رَسْمِ الْمُصْحَفِ أَنَّ الْهَمْزَةَ الْمَفْتُوحَةَ بَعْدَ الْوَاوِ قَدْ تُرْسَمُ بِصُورَةِ أَلْفٍ، فَالرَّسْمُ يَسْمَحُ بِقِرَاءَةِ وَاوِ الْجَمَاعَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَلِفُ أَلِفَ الْفَرْقِ وَبِقِرَاءَتَيِ الْإِفْرَادِ عَلَى أَنَّ الْأَلِفَ عَلَامَةُ الْهَمْزَةِ.
وَضَمِيرَا «لِيَسُوءُوا وليدخلوا» عَائِدَانِ إِلَى عِباداً لَنا [الْإِسْرَاء: 5] بِاعْتِبَارِ لَفْظِهِ لَا بِاعْتِبَار مَا صدق الْمَعَادِ، عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِمْ: عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ، أَيْ نِصْفُ صَاحِبِ اسْمِ دِرْهَمٍ، وَذَلِكَ تَعْوِيلٌ عَلَى الْقَرِينَةِ لِاقْتِضَاءِ السِّيَاقِ بُعْدَ الزَّمَنِ بَيْنَ الْمَرَّتَيْنِ: فَكَانَ هَذَا الْإِضْمَارُ مِنَ الْإِيجَازِ.
(1) انْظُر أول الْفَقْرَة وَمَا يَجِيء بعد فِي الْفَقْرَة الموالية (الناشر) .
وَضَمِيرُ كَما دَخَلُوهُ عَائِدٌ إِلَى الْعِبَادِ الْمَذْكُورِ فِي ذِكْرِ الْمَرَّةِ الْأُولَى بِقَرِينَةِ اقْتِضَاءِ الْمَعْنَى مَرَاجِعَ الضَّمَائِرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها [الرّوم: 9]، وَقَوْلُ عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ:
عُدْنَا وَلَوْلَا نَحْنُ أَحْدَقَ جَمْعُهُمْ
…
بِالْمُسْلِمِينَ وَأَحْرَزُوا مَا جَمَعُوا
فَالسِّيَاقُ دَالٌّ عَلَى مَعَادِ (أَحْرَزُوا) وَمَعَادِ (جَمَعُوا) .
وَسَوْءُ الْوُجُوهِ: جَعْلُ الْمَسَاءَةِ عَلَيْهَا، أَيْ تَسْلِيطُ أَسْبَابِ الْمَسَاءَةِ وَالْكَآبَةِ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَبْدُوَ عَلَى وُجُوهِكُمْ لِأَنَّ مَا يُخَالِجُ الْإِنْسَانَ مِنْ غَمٍّ وَحُزْنٍ، أَوْ فَرَحٍ وَمَسَرَّةٍ يَظْهَرُ أَثَرُهُ عَلَى الْوَجْهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْجَسَدِ، كَقَوْلِ الْأَعْشَى:
وَأُقْدِمُ إِذَا مَا أَعْيُنُ النَّاسِ تَفْرَقُ أَرَادَ إِذَا مَا تَفَرَّقَ النَّاسُ وَتَظْهَرُ عَلَامَاتُ الْفَرَقِ فِي أَعْيُنِهِمْ.
وَدُخُولُ الْمَسْجِدِ دُخُولُ غَزْوٍ بِقَرِينَةِ التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِهِ: كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ الْمُرَادُ مِنْهُ قَوْلُهُ: فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ [الْإِسْرَاء: 5] .
وَالتَّتْبِيرُ: الْإِهْلَاكُ وَالْإِفْسَادُ.
وَمَا عَلَوْا مَوْصُولُ هُوَ مَفْعُولُ «يُتَبِّرُوا» ، وَعَائِدُ الصِّلَةِ مَحْذُوفٌ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ مَنْصُوبٌ، وَالتَّقْدِيرُ: مَا عَلَوْهُ، وَالْعُلُوُّ عُلُوٌّ مَجَازِيٌّ وَهُوَ الِاسْتِيلَاءُ وَالْغَلَبُ.
وَلَمْ يَعِدْهُمُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ إِلَّا بِتَوَقُّعِ الرَّحْمَةِ دُونَ رَدِّ الْكَرَّةِ، فَكَانَ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُمْ لَا مِلْكَ لَهُمْ بَعْدَ هَذِهِ الْمَرَّةِ. وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ بِهَذِهِ الْمَرَّةِ الْآخِرَةِ هُوَ مَا اقْتَرَفَهُ الْيَهُودُ مِنَ الْمَفَاسِدِ وَالتَّمَرُّدِ وَقَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالِاعْتِدَاءِ عَلَى عِيسَى وَأَتْبَاعِهِ، وَقَدْ أَنْذَرَهُمُ النَّبِيءُ مَلَّاخِي فِي الْإِصْحَاحَيْنِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ مِنْ كِتَابِهِ وَأَنْذَرَهُمْ زَكَرِيَّاءُ وَيَحْيَى وَعِيسَى (1) فَلَمْ يَرْعَوُوا فَضَرَبَهُمُ اللَّهُ الضَّرْبَةَ الْقَاضِيَةَ بِيَدِ الرُّومَانِ.
(1) انْظُر الإصحاح الثَّالِث من إنجيل مرقس الحوارى.
وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْيَهُودَ بَعْدَ أَنْ عَادُوا إِلَى أُورْشَلِيمَ وَجَدَّدُوا مُلْكَهُمْ وَمَسْجِدَهُمْ فِي زَمَنِ (دَارِيُوسَ) وَأُطْلِقَ لَهُمُ التَّصَرُّفُ فِي بِلَادِهِمُ الَّتِي غَلَبَهُمْ عَلَيْهَا الْبَابِلِيُّونَ وَكَانُوا تَحْتَ نُفُوذِ مَمْلَكَةِ فَارِسَ، فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ مِائَتَيْ سَنَةٍ مِنْ سَنَةِ 530 إِلَى سَنَةِ 330 قَبْلَ الْمَسِيحِ، ثُمَّ أَخَذَ مُلْكُهُمْ فِي الِانْحِلَالِ بِهُجُومِ الْبَطَالِسَةِ مُلُوكِ مِصْرَ عَلَى أُورْشَلِيمَ فَصَارُوا تَحْتَ سُلْطَانِهِمْ إِلَى سَنَةِ 166 قَبْلَ الْمَسِيحِ إِذْ قَامَ قَائِدٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ اسْمُهُ (مِيثِيَا) وَكَانَ مِنَ اللَّاوِيِّينَ فَانْتَصَرَ لِلْيَهُودِ وَتَوَلَّى الْأَمْرَ عَلَيْهِمْ وَتَسَلْسَلَ الْمُلْكُ بَعْدَهُ فِي أَبْنَائِهِ فِي زَمَنٍ مَلِيءٍ بِالْفِتَنِ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعِينَ قَبْلَ الْمَسِيحِ. دَخَلَتِ الْمَمْلَكَةَ تَحْتَ نُفُوذِ الرُّومَانِيِّينَ، وَأَقَامُوا عَلَيْهَا أُمَرَاءَ مِنَ الْيَهُودِ كَانَ أَشْهَرُهُمْ (هِيرُودُسَ) ثُمَّ تَمَرَّدُوا لِلْخُرُوجِ عَلَى الرومانيين، فَأرْسل فيصر رُومِيَّةَ الْقَائِدَ (سِيسِيَانُوسَ) مَعَ ابْنِهِ الْقَائِدِ (طِيطُوسَ) بِالْجُيُوشِ فِي حُدُودِ سَنَةِ أَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمَسِيحِ
فَخَرُبَتْ أُورْشَلِيمُ وَاحْتَرَقَ الْمَسْجِدُ، وَأَسَرَ (طِيطُوسُ) نَيِّفًا وَتِسْعِينَ أَلْفًا مِنَ الْيَهُودِ، وَقَتَلَ مِنَ الْيَهُودِ فِي تِلْكَ الْحُرُوبِ نَحْوَ أَلْفِ أَلْفٍ، ثُمَّ اسْتَعَادُوا الْمَدِينَةَ وَبَقِيَ مِنْهُمْ شِرْذِمَةٌ قَلِيلَةٌ بِهَا إِلَى أَنْ وَافَاهُمُ الْإِمْبِرَاطُورُ الرُّومَانِيُّ (أَدْرِيَانُوسُ) فَهَدَمَهَا وَخَرَّبَهَا وَرَمَى قَنَاطِيرَ الْمِلْحِ عَلَى أَرْضِهَا كَيْلَا تَعُودَ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ، وَذَلِكَ سَنَةَ 135 لِلْمَسِيحِ. وَبِذَلِكَ انْتَهَى أَمْرُ الْيَهُودِ وَانْقَرَضَ، وَتَفَرَّقُوا فِي الْأَرْضِ وَلَمْ تَخْرُجْ أُورْشَلِيمُ مِنْ حُكْمِ الرُّومَانِ إِلَّا حِينَ فَتَحَهَا الْمُسْلِمُونَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخطاب سنة 16 هـ صُلْحًا مَعَ أَهْلِهَا وَهِيَ تُسَمَّى يَوْمَئِذٍ (إِيلِيَاءُ) .
وَقَوْلُهُ: وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ عَاطِفَةً عَلَى جُمْلَةِ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ عَطْفَ التَّرْهِيبِ عَلَى التَّرْغِيبِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُعْتَرِضَةً وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ. وَالْمَعْنَى: بَعْدَ أَنْ يَرْحَمَكُمْ رَبُّكُمْ وَيُؤَمِّنَكُمْ فِي الْبِلَاد الَّتِي تلجأون إِلَيْهَا، إِنْ عُدْتُمْ إِلَى الْإِفْسَادِ عُدْنَا إِلَى عِقَابِكُمْ، أَيْ عُدْنَا لِمِثْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عِقَابِ الدُّنْيَا.