المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 50 إلى 52] - التحرير والتنوير - جـ ١٥

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌17- سُورَةُ الْإِسْرَاءِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 6 الى 8]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 23 الى 24]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 26 الى 27]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 50 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 61 إِلَى 62]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 71 الى 72]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 86 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 90 إِلَى 93]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 98]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 99]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 103 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 107 إِلَى 109]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 110]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 111]

- ‌18- سُورَةُ الْكَهْفِ

- ‌كَرَامَةٌ قُرْآنِيَّةٌ:

- ‌أَغْرَاضُ السُّورَةِ:

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 1 الى 3]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 4 الى 5]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 11 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 19 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 23 الى 24]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 32 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 37 الى 41]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 42 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 61 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 64 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 74]

الفصل: ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 50 إلى 52]

وَالرُّفَاتُ: الْأَشْيَاءُ الْمَرْفُوتَةُ، أَيِ الْمُفَتَّتَةُ. يُقَالُ: رَفَتَ الشَّيْءَ إِذَا كَسَرَهُ كِسَرًا دَقِيقَةً.

وَوَزْنُ فُعَالٍ يَدُلُّ عَلَى مَفْعُولِ أَفْعَالِ التَّجْزِئَةِ مِثْلَ الدُّقَاقِ وَالْحُطَامِ وَالْجُذَاذِ وَالْفُتَاتِ.

وخَلْقاً جَدِيداً حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ «مَبْعُوثُونَ» . وَذُكِرَ الْحَالُ لِتَصْوِيرِ اسْتِحَالَةِ الْبَعْثِ بَعْدَ الْفَنَاءِ لِأَنَّ الْبَعْثَ هُوَ الْإِحْيَاءُ، فَإِحْيَاءُ الْعِظَامِ وَالرُّفَاتِ مُحَالٌ عِنْدَهُمْ، وَكَوْنُهُمْ خَلْقًا جَدِيدًا أَدْخَلُ فِي الِاسْتِحَالَةِ.

وَالْخَلْقُ: مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، وَلِكَوْنِهِ مَصْدَرًا لَمْ يَتْبَعْ مَوْصُوفَهُ فِي الْجمع.

[50- 52]

[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 50 إِلَى 52]

قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (50) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَاّ قَلِيلاً (52)

جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمْ: أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً [الْإِسْرَاء:

49] . أَمَرَ الله رَسُوله صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يُجِيبَهُمْ بِذَلِكَ.

وَقَرِينَةُ ذَلِكَ مُقَابَلَةُ فعل كُنَّا [الْإِسْرَاء: 49] فِي مَقَالِهِمْ بِقَوْلِهِ: كُونُوا، وَمُقَابَلَةُ عِظاماً وَرُفاتاً فِي مَقَالِهِمْ بِقَوْلِهِ: حِجارَةً أَوْ حَدِيداً إِلَخْ، مُقَابَلَةَ أَجْسَامٍ وَاهِيَةٍ بِأَجْسَامٍ صُلْبَةٍ. وَمَعْنَى الْجَوَابِ أَنَّ وَهَنَ الْجِسْمِ مُسَاوٍ لِصَلَابَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَكْيِيفِهِ كَيْفَ يَشَاءُ.

ص: 124

لِهَذَا كَانَتْ جُمْلَةُ قُلْ كُونُوا حِجارَةً إِلَخْ غَيْرَ مَعْطُوفَةٍ، جَرْيًا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَاوَرَاتِ الَّتِي بَيَّنْتُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [30] .

وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ: قُلْ لَيْسَ مَبْدَأَ مُحَاوَرَةٍ بَلِ الْمُحَاوَرَةُ بِالْمَقُولِ الَّذِي بَعْدَهُ وَلَكِنَّ الْأَمْرَ بِالْجَوَابِ أُعْطِيَ حُكْمَ الْجَوَابِ فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ جُمْلَةُ قُلْ.

وَاعْلَمْ أَنَّ ارْتِبَاطَ رَدِّ مَقَالَتِهِمْ بِقَوْلِهِ: كُونُوا حِجارَةً إِلَخْ غَامِضٌ، لأَنهم إِنَّمَا استبعدوا أَوْ أَحَالُوا إِرْجَاعَ الْحَيَاةِ إِلَى أَجْسَامٍ تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهَا وَانْخَرَمَ هَيْكَلُهَا، وَلَمْ يُعَلِّلُوا الْإِحَالَةَ بِأَنَّهَا صَارَتْ أَجْسَامًا ضَعِيفَةً، فَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ أَقْوَى الْأَجْسَامِ لَأُعِيدَتْ لَهَا الْحَيَاةُ.

فَبِنَا أَنْ نُبَيِّنَ وَجْهَ الِارْتِبَاطِ بَيْنَ الرَّدِّ عَلَى مَقَالَتِهِمْ وَبَيْنَ مَقَالَتِهِمُ الْمَرْدُودَةِ، وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ صِيغَةُ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: كُونُوا مُسْتَعْمَلَةً فِي مَعْنَى التَّسْوِيَةِ، وَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى جَوَابٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ سَوَاءٌ كُنْتُمْ عِظَامًا وَرُفَاتًا أَوْ كُنْتُمْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَعَاصَى عَلَيْهَا شَيْءٌ. وَذَلِكَ إِدْمَاجٌ يَجْعَلُ الْجُمْلَةَ فِي مَعْنَى التَّذْيِيلِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ صِيغَةُ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: كُونُوا مُسْتَعْمَلَةً فِي الْفَرْضِ، أَيْ لَوْ فُرِضَ أَنْ يَكُونَ الْأَجْسَادُ مِنَ الْأَجْسَامِ الصُّلْبَةِ وَقِيلَ لَكُمْ: إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَأَحَلْتُمْ ذَلِكَ وَاسْتَبْعَدْتُمْ إِعَادَةَ الْحَيَاةِ فِيهَا. وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ قَوْلُهُ: مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ نِهَايَةَ الْكَلَامِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا مُفَرَّعًا عَلَى جُمْلَةِ وَقالُوا أَإِذا كُنَّا [الْإِسْرَاء: 49] إِلَخْ تَفْرِيعًا عَلَى الِاسْتِئْنَافِ. وَتَكُونُ الْفَاءُ لِلِاسْتِئْنَافِ وَهِيَ بِمَعْنَى الْوَاوِ عَلَى خِلَافٍ فِي مَجِيئِهَا لِلِاسْتِئْنَافِ، وَالْكَلَامُ انْتِقَالٌ لِحِكَايَةِ تَكْذِيبٍ آخَرَ مِنْ تَكْذِيبَاتِهِمْ.

ص: 125

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: قُلْ كُونُوا حِجارَةً كَلَامًا مُسْتَأْنِفًا لَيْسَ جَوَابًا عَلَى قَوْلِهِمْ: أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً [الْإِسْرَاء: 49] إِلَخْ وَتَكُونُ صِيغَةُ الْأَمْرِ مُسْتَعْمَلَةً فِي التَّسْوِيَةِ. وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ قَوْلُهُ: فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ: كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً إِلَخْ، وَمُفَرَّعًا عَلَى كَلَامٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: كُونُوا حِجارَةً،

أَيْ فَلَوْ كَانُوا كَذَلِكَ لَقَالُوا: مَنْ يُعِيدُنَا، أَيْ لَانْتَقَلُوا فِي مَدَارِجِ السَّفْسَطَةِ مِنْ إِحَالَةِ الْإِعَادَةِ إِلَى ادِّعَاءِ عَدَمِ وُجُودِ قَادِرٍ عَلَى إِعَادَةِ الْحَيَاةِ لَهُمْ لِصَلَابَةِ أَجْسَادِهِمْ.

وَبِهَذِهِ الْوُجُوهِ يَلْتَئِمُ نَظْمُ الْآيَةِ وَيَنْكَشِفُ مَا فِيهِ مِنْ غُمُوضٍ.

وَالْحَدِيدُ: تُرَابٌ مَعْدِنِيٌّ، أَيْ لَا يُوجَدُ إِلَّا فِي مَغَاوِرِ الْأَرْضِ، وَهُوَ تُرَابٌ غَلِيظٌ مُخْتَلِفُ الْغِلَظِ، ثَقِيلٌ أَدْكَنُ اللَّوْنِ، وَهُوَ إِمَّا مُحَتَّتُ الْأَجْزَاءِ وَإِمَّا مُورِقُهَا، أَيْ مِثْلَ الْوَرَقِ.

وَأَصْنَافُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ تَرْكِيبِ أَجْزَائِهِ، وَتَتَفَاوَتُ أَلْوَانُ هَذِهِ الْأَصْنَافِ، وَأَشْرَفُ أَصْنَافِهِ الْخَالِصُ، وَهُوَ السَّالِمُ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ مِنْ الْمَوَادِّ الْغَرِيبَةِ. وَهَذَا نَادِرُ الْوُجُودِ وَأَشْهَرُ أَلْوَانِهِ الْأَحْمَرُ، وَيُقَسَّمُ بِاعْتِبَارِ صَلَابَتِهِ إِلَى صِنْفَيْنِ أَصْلِيَّيْنِ يُسَمَّيَانِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، فَالصُّلْبُ هُوَ الذَّكَرُ وَاللَّيِّنُ الْأُنْثَى. وَكَانَ الْعَرَبُ يَصِفُونَ السَّيْفَ الصُّلْبَ الْقَاطِعَ بِالذَّكَرِ. وَإِذَا صُهِرَ الْحَدِيدُ بِالنَّارِ تَمَازَجَتْ أَجْزَاؤُهُ وَتَمَيَّعَ وَصَارَ كَالْحَلْوَاءِ فَمِنْهُ مَا يَكُونُ حَدِيدَ صَبٍّ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ حَدِيدَ تَطْرِيقٍ، وَمِنْهُ فُولَاذٌ. وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِهِ صَالِحٌ لِمَا يُنَاسِبُ سَبْكَهُ مِنْهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْحَاجَةِ فِيهَا إِلَى شَدَّةِ الصَّلَابَةِ مِثْلَ السُّيُوفِ وَالدُّرُوعِ. وَمِنْ خَصَائِصَ الْحَدِيدِ أَنْ يَعْلُوَهُ الصَّدَأُ، وَهُوَ كَالْوَسَخِ أَخْضَرُ ثُمَّ يَسْتَحِيلُ تَدْرِيجًا إِلَى أُكْسِيدٍ (كَلِمَةٌ كِيمْيَاوِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى تَعَلُّقِ أَجْزَاءِ الْأُكْسُجِينِ بِجِسْمٍ فَتُفْسِدُهُ) وَإِذَا لَمْ يُتَعَهَّدِ الْحَدِيدُ بِالصَّقْلِ وَالزَّيْتِ أَخَذَ الصَّدَأُ فِي نَخْرِ سَطْحِهِ، وَهَذَا الْمَعْدِنُ يُوجَدُ فِي غَالِبِ الْبِلَادِ. وَأَكْثَرُ وُجُودِهِ فِي بِلَادِ الْحَبَشَةِ وَفِي صَحْرَاءِ مِصْرَ. وَوُجِدَتْ فِي الْبِلَادِ التُّونِسِيَّةِ

ص: 126

مَعَادِنُ مِنَ الْحَدِيدِ.

وَكَانَ اسْتِعْمَالُ الْحَدِيدِ مِنَ الْعُصُورِ الْقَدِيمَةِ فَإِنَّ الطَّوْرَ الثَّانِي من أطور التَّارِيخِ يُعْرَفُ بِالْعَصْرِ الْحَدِيدِيِّ، أَيِ الَّذِي كَانَ الْبَشَرُ يَسْتَعْمِلُ فِيهِ آلَاتٍ مُتَّخَذَةً مِنَ الْحَدِيدِ، وَذَلِكَ مِنْ أَثَرِ صَنْعَةِ الْحَدِيدِ، وَذَلِكَ قَبْلَ عَصْرِ تَدْوِينِ التَّارِيخِ. وَالْعَصْرُ الَّذِي قَبْلَهُ يُعْرَفُ بِالْعَصْرِ الْحَجَرِيِّ.

وَقَدِ اتَّصَلَتْ بِتَعْيِينِ الزَّمَنِ الَّذِي ابْتُدِئَ فِيهِ صُنْعُ الْحَدِيدِ أَسَاطِيرُ وَاهِيَةٌ لَا يَنْضَبِطُ بِهَا تَارِيخُهُ. وَالْمَقْطُوعُ بِهِ أَنَّ الْحَدِيدَ مُسْتَعْمَلٌ عِنْدَ الْبَشَرِ قَبْلَ ابْتِدَاءِ كِتَابَةِ التَّارِيخِ وَلِكَوْنِهِ يَأْكُلُهُ الصَّدَأُ عِنْدَ تَعَرُّضِهِ لِلْهَوَاءِ وَالرُّطُوبَةِ لَمْ يَبْقَ مِنْ آلَاتِهِ الْقَدِيمَةِ إِلَّا شَيْءٌ قَلِيلٌ.

وَقَدْ وُجِدَتْ فِي (طِيبَةَ) : وَمَدَافِنِ الْفَرَاعِنَةِ فِي (مَنْفِيسَ) بِمِصْرَ صُوَرٌ عَلَى الْآثَارِ مَرْسُومٌ عَلَيْهَا: صُوَرُ خَزَائِنَ شَاحِذِينَ مُدَاهُمْ وَقَدْ صَبَغُوهَا فِي الصُّوَرِ بِاللَّوْنِ الْأَزْرَقِ لَوْنِ الْفُولَاذِ، وَذَلِكَ فِي الْقَرْنِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ قَبْلَ التَّارِيخِ الْمَسِيحِيِّ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي التَّوْرَاةِ وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةُ الذَّبِيحِ، وَقِصَّةُ اخْتِتَانِ إِبْرَاهِيمَ بِالْقَدُومِ. وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ السِّكِّينَ وَلَا الْقَدُّومَ كَانَتَا

مِنْ حَجَرِ الصَّوَّانِ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ بِآلَةِ الْحَدِيدِ، وَمِنَ الْحَدِيدِ تُتَّخَذُ السَّلَاسِلُ لِلْقَيْدِ، وَالْمَقَامِعُ لِلضَّرْبِ، وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ فِي سُورَةِ الْحَج [21] .

والخلق: يعْنى الْمَخْلُوقِ، أَيْ أَوْ خَلْقًا آخَرَ مِمَّا يُعَظِّمُ فِي نُفُوسِكُمْ عَنْ قَبُولِهِ الْحَيَاةَ وَيَسْتَحِيلُ عِنْدَكُمْ عَلَى اللَّهِ إِحْيَاؤُهُ مِثْلَ الْفُولَاذِ وَالنُّحَاسِ.

وَقَوْلُهُ: مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ صِفَةٌ خَلْقاً.

وَمَعْنَى يَكْبُرُ يَعْظُمُ وَهُوَ عِظَمٌ مَجَازِيٌّ بِمَعْنَى الْقَوِيِّ فِي نَوْعِهِ وَصِفَاتِهِ، وَالصُّدُورُ:

الْعُقُولُ، أَيْ مِمَّا تَعُدُّونَهُ عَظِيمًا لَا يَتَغَيَّرُ.

وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ الْمَرْدُودُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ: أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ [الْإِسْرَاء: 49] . وَالتَّقْدِيرُ: كُونُوا أَشْيَاءَ أَبْعَدَ عَنْ قَبُولِ الْحَيَاةِ مِنَ الْعِظَامِ وَالرُّفَاتِ.

ص: 127

وَالْمَعْنَى: لَوْ كُنْتُمْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا لَأَحْيَاكُمُ اللَّهُ، لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا كَوْنَهُمْ عِظَامًا حُجَّةً لِاسْتِحَالَةِ الْإِعَادَةِ، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ مُقَدَّرَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَوْ كُنْتُمْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا، لِأَنَّ الْحِجَارَةَ وَالْحَدِيدَ أَبْعَدُ عَنْ قَبُولِ الْحَيَاةِ مِنَ الْعِظَامِ وَالرُّفَاتِ إِذْ لَمْ يَسْبِقْ فِيهِمَا حُلُولُ الْحَيَاةِ قَطُّ بِخِلَافِ الرُّفَاتِ وَالْعِظَامِ.

وَالتَّفْرِيعُ فِي فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا عَلَى جُمْلَةِ قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَيْ قُلْ لَهُمْ ذَلِكَ فَسَيَقُولُونَ لَكَ: مَنْ يُعِيدُنَا.

وَجُعِلَ سُؤَالُهُمْ هُنَا عَنِ الْمُعِيدِ لَا عَنْ أَصْلِ الْإِعَادَةِ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنِ الْمُعِيدِ أَدْخَلُ فِي الِاسْتِحَالَةِ مِنَ الْبَحْثِ عَنْ أَصْلِ الْإِعَادَةِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجَوَابِ بِالتَّسْلِيمِ الْجَدَلِيِّ بَعْدَ الْجَوَابِ بِالْمَنْعِ فَإِنَّهُمْ نَفَوْا إِمْكَانَ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، ثُمَّ انْتَقَلُوا إِلَى التَّسْلِيمِ الْجَدَلِيِّ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْجَدَلِيَّ أَقْوَى، فِي مُعَارَضَةِ الدَّعْوَى، مِنَ الْمَنْعِ.

وَالِاسْتِفْهَامُ فِي مَنْ يُعِيدُنا تَهَكُّمِيٌّ. وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُمْ هَذَا مُحَقَّقُ الْوُقُوعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَمَرَ النبيء بِأَن يُجِيبهُمْ عِنْد مَا يَقُولُونَهُ جَوَابَ تَعْيِينٍ لِمَنْ يُعِيدُهُمْ إِبْطَالًا لِلَازِمِ التَّهَكُّمِ، وَهُوَ الِاسْتِحَالَةُ فِي نَظَرِهِمْ بِقَوْلِهِ: قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ إِجْرَاءٌ لِظَاهِرِ اسْتِفْهَامِهِمْ عَلَى أَصْلِهِ بِحَمْلِهِ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِمْ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَجْدَرُ عَلَى طَرِيقَةِ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ لِزِيَادَةِ الْمُحَاجَّةِ، كَقَوْلِهِ فِي مُحَاجَّةِ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ [الشُّعَرَاء: 25- 26] .

وَجِيءَ بِالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ مَوْصُولًا لِقَصْدِ مَا فِي الصِّلَةِ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِأَنَّ الَّذِي فَطَرَهُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَةِ خَلْقِهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [الرّوم: 27] فَإِنَّهُ لِقُدْرَتِهِ الَّتِي ابْتَدَأَ بِهَا خَلَقَكُمْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى قَادِرٌ أَنْ يَخْلُقَكُمْ مَرَّةً ثَانِيَةً.

وَالْإِنْغَاضُ: التَّحْرِيكُ مِنْ أَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ وَالْعَكْسُ. فَإِنْغَاضُ الرَّأْسِ تَحْرِيكُهُ كَذَلِكَ، وَهُوَ تَحْرِيكُ الِاسْتِهْزَاءِ.

ص: 128

وَاسْتَفْهَمُوا عَنْ وَقْتِهِ بِقَوْلِهِمْ: مَتى هُوَ اسْتِفْهَامَ تَهَكُّمٍ أَيْضًا فَأَمَرَ الرَّسُولَ بِأَنْ يُجِيبَهُمْ جَوَابًا حَقًّا إِبْطَالًا لِلَازِمِ التَّهَكُّمِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظِيرِهِ آنِفًا.

وَضَمِيرُ مَتى هُوَ عَائِدٌ إِلَى الْعَوْدِ الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوْلِهِ: يُعِيدُنا كَقَوْلِهِ: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [الْمَائِدَة: 8] .

وَ (عَسَى) لِلرَّجَاءِ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم: وَالْمَعْنَى لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا.

ويَوْمَ يَدْعُوكُمْ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ: أَنْ يَكُونَ قَرِيباً. وَفَتْحَتُهُ فَتْحَةُ بِنَاءٍ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إِلَى الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِ يَكُونَ، أَيْ يَكُونَ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ، وَفَتْحَتُهُ فَتْحَةُ نَصْبٍ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ.

وَالدُّعَاءُ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ، أَيْ دُعَاءُ اللَّهِ النَّاسَ بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَسُوقُونَ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَمْرِ التَّكْوِينِيِّ بِإِحْيَائِهِمْ، فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الدُّعَاءَ لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَسْتَلْزِمُ إِحْيَاءَ الْمَدْعُوِّ وَحُصُولَ حُضُورِهِ، فَهُوَ مَجَازٌ فِي الْإِحْيَاءِ وَالتَّسْخِيرِ لِحُضُورِ الْحِسَابِ.

وَالِاسْتِجَابَةُ مُسْتَعَارَةٌ لِمُطَاوَعَةِ مَعْنَى يَدْعُوكُمْ، أَيْ فَتَحْيَوْنَ وَتَمْثُلُونَ لِلْحِسَابِ. أَيْ يَدْعُوكُمْ وَأَنْتُمْ عِظَامٌ وَرُفَاتٌ. وَلَيْسَ لِلْعِظَامِ وَالرُّفَاتِ إِدْرَاكٌ وَاسْتِمَاعٌ وَلَا ثَمَّ اسْتِجَابَةٌ لِأَنَّهَا فَرْعُ السَّمَاعِ وَإِنَّمَا هُوَ تَصْوِيرٌ لِسُرْعَةِ الْإِحْيَاءِ وَالْإِحْضَارِ وَسُرْعَةِ الِانْبِعَاثِ وَالْحُضُورِ لِلْحِسَابِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ ذَلِكَ كَحُصُولِ اسْتِمَاعِ الدَّعْوَةِ وَاسْتِجَابَتِهَا فِي أَنَّهُ لَا مُعَالَجَةَ فِي تَحْصِيلِهِ وَحُصُولِهِ وَلَا رَيْثَ وَلَا بُطْءَ فِي زَمَانِهِ.

ص: 129

وَضَمَائِرُ الْخِطَابِ عَلَى هَذَا خِطَابٌ لِلْكُفَّارِ الْقَائِلِينَ مَنْ يُعِيدُنا وَالْقَائِلِينَ مَتى هُوَ.

وَالْبَاءُ فِي بِحَمْدِهِ لِلْمُلَابَسَةِ، فَهِيَ فِي مَعْنَى الْحَالِ، أَيْ حَامِدِينَ، فَهُمْ إِذَا بُعِثُوا خُلِقَ فِيهِمْ إِدْرَاكُ الْحَقَائِقِ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِحَمْدِهِ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيءِ صلى الله عليه وسلم. وَالتَّقْدِيرُ:

انْطِقْ بِحَمْدِهِ، كَمَا يُقَالُ: بِاسْمِ اللَّهِ، أَيِ أَبْتَدِئُ، وَكَمَا يُقَالُ لِلْمُعَرِّسِ: بِالْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ، أَيِ احْمَدِ اللَّهَ عَلَى ظُهُورِ صِدْقِ مَا أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ، وَيَكُونُ اعْتِرَاضًا بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَاتِ.

وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ: يَوْمَ يَدْعُوكُمْ اسْتِئْنَافُ كَلَامِ خِطَابٍ لِلْمُؤْمِنِينَ فَيَكُونُ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيِ اذْكُرُوا يَوْمَ يَدْعُوكُمْ. وَالْحَمْدُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ، أَيْ تَسْتَجِيبُونَ حَامِدِينَ اللَّهَ عَلَى مَا مَنَحَكُمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَعَلَى مَا أَعَدَّ لَكُمْ مِمَّا تُشَاهِدُونَ حِينَ انْبِعَاثِكُمْ مِنْ دَلَائِلِ الْكَرَامَةِ وَالْإِقْبَالِ.

وَأَمَّا جُمْلَةُ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا فَهِيَ عطف على فَتَسْتَجِيبُونَ، أَيْ وَتَحْسَبُونَ أَنَّكُمْ مَا لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا. وَالْمُرَادُ: التَّعْجِيبُ مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي بَعْضِ آيَاتٍ أُخْرَى سُؤَالُ الْمَوْلَى حِينَ يُبْعَثُونَ عَنْ مُدَّةِ لُبْثِهِمْ تَعْجِيبًا مِنْ حَالِهِمْ، قَالَ تَعَالَى: قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: 112- 114]، وَقَالَ:

فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ [الْبَقَرَة: 259] . وَهَذَا التَّعْجِيبُ تَنْدِيمٌ لِلْمُشْرِكِينَ وَتَأْيِيدٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. وَالْمُرَادُ هُنَا: أَنَّهُمْ ظَنُّوا ظَنًّا خَاطِئًا، وَهُوَ مَحَلُّ التَّعْجِيبِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ وَإِنْ طَالَ فَهُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ لأيام الله.

ص: 130