الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
18- سُورَةُ الْكَهْفِ
سَمَّاهَا رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلم سُورَةَ الْكَهْفِ.
رَوَى مُسلم، وَأَبُو دَاوُود، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَن النبيء صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ:«مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ، عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ» .
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِلَفْظِ «مَنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ»
. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَكَذَلِكَ وَرَدَتْ تَسْمِيَتُهَا عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» . قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدْنُو، وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النبيء صلى الله عليه وآله وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ» .
وَفِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَن النبيء صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهُ سَمَّاهَا سُورَةَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ
. وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ فَرْقَدٍ أَنَّ أَوَّلَ السُّورَةِ إِلَى قَوْله: جُرُزاً [الْكَهْف: 8] نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ، قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَقِيلَ قَوْلُهُ: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ [الْكَهْف: 28] الْآيَتَيْنِ نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ، وَقِيلَ قَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الْكَهْف: 107] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ. وَكُلُّ ذَلِكَ ضَعِيفٌ كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعِهِ.
نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْغَاشِيَةِ وَقَبْلَ سُورَةِ الشُّورَى.
وَهِيَ الثَّامِنَةُ وَالسِتُّونَ فِي تَرْتِيبِ نُزُولِ السُّوَرِ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِهَا أَحَادِيثُ مُتَفَاوِتَةٌ أَصَحُّهَا الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ.
وَهِيَ مِنَ السُّوَرِ الَّتِي نَزَلَتْ جُمْلَةً وَاحِدَةً. رَوَى الديلمي فِي مُسْند الْفِرْدَوْسِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «نَزَلَتْ سُورَةُ الْكَهْفِ جُمْلَةً مَعَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ» . وَقَدْ أَغْفَلَ هَذَا صَاحِبُ «الْإِتْقَانِ» .
عدت آيُهَا فِي عَدَدِ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ مِائَةً وَخَمْسًا، وَفِي عَدَدِ قُرَّاءِ الشَّامِ مِائَةً وَسِتًّا، وَفِي عَدَدِ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ مِائَةً وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَفِي عَدِّ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ مِائَةً وَعَشْرًا، بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي تَقْسِيمِ بَعْضِ الْآيَاتِ إِلَى آيَتَيْنِ.
وَسَبَبُ نُزُولِهَا مَا
ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَبَسَطَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي سِيرَتِهِ بِدُونِ سَنَدٍ، وَأَسْنَدَهُ الطَّبَرِيُّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ بِسَنَدٍ فِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَهَمَّهُمْ أَمر النبيء صلى الله عليه وآله وسلم وَازْدِيَادُ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُ وَكَثُرَ تَسَاؤُلُ الْوَافِدِينَ إِلَى مَكَّةَ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ عَنْ أَمْرِ دَعْوَتِهِ، بَعَثُوا النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ إِلَى أَحْبَارِ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ (يَثْرِبَ) يَسْأَلُونَهُمْ رَأْيَهُمْ فِي دَعْوَتِهِ، وَهُمْ يَطْمَعُونَ أَنْ يَجِدَ لَهُمُ الْأَحْبَارُ مَا لَمْ يَهْتَدُوا إِلَيْهِ مِمَّا يُوَجِّهُونَ بِهِ تَكْذِيبَهُمْ إِيَّاهُ، قَالُوا: فَإِنَّ الْيَهُودَ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ وَعِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِ الْأَنْبِيَاءِ (أَيْ صِفَاتِهِمْ وَعَلَامَاتِهِمْ) عِلْمٌ لَيْسَ عِنْدَنَا، فَقَدِمَ النَّضْرُ وَعُقْبَةُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَوَصَفَا لِلْيَهُودِ دَعْوَة النبيء صلّى الله عَلَيْهِ وَآله وسلّم
وَأَخْبَرَاهُمْ بِبَعْضِ قَوْلِهِ، فَقَالَ لَهُمْ أَحْبَارُ الْيَهُودِ: سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثٍ؟ فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِنَّ فَهُوَ نَبِيءٌ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالرَّجُلُ مُتَقَوِّلٌ، سَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ مَا كَانَ أَمْرُهُمْ، وَسَلُوهُ عَنْ رَجُلٍ طَوَّافٍ قَدْ بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَسَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ مَا هِيَ. فَرَجَعَ النَّضْرُ وَعُقْبَةُ فَأَخْبَرَا قُرَيْشًا بِمَا قَالَهُ أَحْبَارُ الْيَهُودِ، فَجَاءَ جَمْعٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلم فَسَأَلُوهُ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أُخْبِرُكُمْ بِمَا سَأَلْتُمْ عَنْهُ غَدًا (وَهُوَ يَنْتَظِرُ وَقْتَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ بِحَسَبِ عَادَةٍ يَعْلَمُهَا) . وَلَمْ يَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا يُوحَى إِلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَأَرْجَفَ أَهْلُ مَكَّةَ وَقَالُوا: وَعَدَنَا مُحَمَّدٌ غَدًا وَقَدْ أَصْبَحْنَا الْيَوْمَ عِدَّةَ أَيَّامٍ لَا يُخْبِرُنَا بِشَيْءٍ مِمَّا سَأَلْنَاهُ عَنْهُ، حَتَّى أَحْزَنَ ذَلِكَ رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلم وَشَقَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَاءَهُ جِبْرِيلُ- عليه السلام بِسُورَةِ الْكَهْفِ وَفِيهَا جَوَابُهُمْ عَنِ الْفِتْيَةِ وَهُمْ أَهْلُ الْكَهْفِ، وَعَنِ الرَّجُلِ الطَّوَّافِ وَهُوَ ذُو الْقَرْنَيْنِ. وَأُنْزِلَ عَلَيْهِ فِيمَا سَأَلُوهُ مِنْ أَمر الرّوح وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا
من [الْإِسْرَاءِ: 85] . قَالَ السُّهَيْلِيُّ:
وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْبَكَّائِيِّ (أَيْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيِّ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ ابْنُ هِشَامٍ) أَنَّهُ
قَالَ فِي هَذَا الْخَبَرِ: فَنَادَاهُمْ رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «هُوَ (أَيِ الرُّوحُ) جِبْرِيلُ»
. وَهَذَا خِلَافُ مَا رَوَى غَيْرُهُ أَنَّ يَهُودَ قَالَتْ لِقُرَيْشٍ: سَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِ فَلَيْسَ بِنَبِيءٍ وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْكُمْ بِهِ فَهُوَ نَبِيءٌ» اهـ.
وَأَقُولُ: قَدْ يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن النبيء صلى الله عليه وآله وسلم بَعْدَ أَنْ أَجَابَهُمْ عَنْ أَمْرِ الرُّوحِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الْإِسْرَاء: 85] بِحَسَبِ مَا عَنَوْهُ بِالرُّوحِ عَدَلَ بِهِمْ إِلَى الْجَوَابِ عَنْ أَمْرٍ كَانَ أَوْلَى لَهُمُ الْعِلْمُ بِهِ وَهُوَ الرُّوحُ الَّذِي تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْقُرْآنِ مِثْلُ قَوْلِهِ:
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ [الشُّعَرَاء: 193] وَقَوْلُهُ: وَالرُّوحُ فِيها [الْقدر: 4](وَهُوَ مِنْ أَلْقَابِ جِبْرِيلَ) عَلَى طَرِيقَةِ الْأُسْلُوبِ