المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الإسراء (17) : آية 97] - التحرير والتنوير - جـ ١٥

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌17- سُورَةُ الْإِسْرَاءِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 6 الى 8]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 23 الى 24]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 26 الى 27]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 50 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 61 إِلَى 62]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 71 الى 72]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 86 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 90 إِلَى 93]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 98]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 99]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 103 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 107 إِلَى 109]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 110]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 111]

- ‌18- سُورَةُ الْكَهْفِ

- ‌كَرَامَةٌ قُرْآنِيَّةٌ:

- ‌أَغْرَاضُ السُّورَةِ:

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 1 الى 3]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 4 الى 5]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 11 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 19 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 23 الى 24]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 32 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 37 الى 41]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 42 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 61 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 64 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 74]

الفصل: ‌[سورة الإسراء (17) : آية 97]

وَتَحْكِيمِهِ فِي أَعْدَائِهِ، فَأَمَرَهُ بِ قُلْ كَفى بِاللَّهِ تَسْلِيَةً لَهُ وَتَثْبِيتًا لِنَفْسِهِ وَتَعَهُّدًا لَهُ بِالْفَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كَمَا قَالَ نُوحٌ وَهُودٌ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ [الْمُؤْمِنُونَ: 26] ، وَغَيْرُهُمَا مِنَ الرُّسُلِ قَالَ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ.

وَفِي هَذَا رَدٌّ لِمَجْمُوعِ مُقْتَرَحَاتِهِمُ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ.

وَمَفْعُولُ كَفى مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: كَفَانِي. وَالشَّهِيدُ: الشَّاهِدُ، وَهُوَ الْمُخْبِرِ بِالْأَمْرِ الْوَاقِعِ كَمَا وَقَعَ.

وَأُرِيدَ بِالشَّهِيدِ هُنَا الشَّهِيدُ لِلْمُحِقِّ عَلَى الْمُبْطِلِ، فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ النَّصِيرِ وَالْحَاكِمِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ سَبَبُ الْحُكْمِ، وَالْقَرِينَةُ قَوْلُهُ: بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ لِأَنَّ ظَرْفَ (بَيْنَ) يُنَاسِبُ مَعْنَى الْحُكْمِ. وَهَذَا بِمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ [الْأَعْرَاف:

87] وَقَوْلِهِ: يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ [الممتحنة: 3] .

وَالْبَاءُ الدَّاخِلَةُ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ لُصُوقِ فِعْلِ كَفى بِفَاعِلِهِ. وَأَصْلُهُ:

كَفَى اللَّهُ شَهِيدًا.

وَجُمْلَةُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً تَعْلِيلٌ لِلِاكْتِفَاءِ بِهِ تَعَالَى، والخبير: الْعَلِيمُ.

وَأُرِيدَ بِهِ الْعَلِيمُ بِالنَّوَايَا وَالْحَقَائِقِ، والبصير: الْعَلِيمُ بِالذَّوَاتِ وَالْمُشَاهَدَاتِ مِنْ أَحْوَالِهَا.،

وَالْمَقْصُودُ مِنِ اتِّبَاعِهِ بِهِ إِحَاطَةُ الْعِلْمِ وَشُمُولُهُ.

[97]

[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 97]

وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (97)

وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ

الْهُدى

[الْإِسْرَاء: 94] جَمْعًا بَيْنَ الْمَانِعِ الظَّاهِرِ الْمُعْتَادِ مِنَ الْهُدَى وَبَيْنَ الْمَانِعِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ حِرْمَانُ التَّوْفِيقِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ أَصَرَّ عَلَى الْكُفْرِ مَعَ وُضُوحِ الدَّلِيلِ

ص: 214

لِذَوِي الْعُقُولِ فَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوَفِّقْهُ. وَأَسْبَابُ الْحِرْمَانِ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ لَا يُلْقِي عَقْلَهُ لِتَلَقِّي الْحَقِّ وَيَتَّخِذُ هَوَاهُ رَائِدًا لَهُ فِي مَوَاقِفِ الْجِدِّ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [الْإِسْرَاء: 96] ارْتِقَاءً فِي التَّسْلِيَةِ، أَيْ لَا يَحْزُنْكَ عَدَمُ اهْتِدَائِهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَمَهُمُ الِاهْتِدَاءَ لَمَّا أَخَذُوا بِالْعِنَادِ قَبْلَ التَّدَبُّرِ فِي حَقِيقَةِ الرِّسَالَةِ.

وَالْمُرَادُ بِالْهُدَى الْهُدَى إِلَى الْإِيمَانِ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم.

والتعريف فِي الْمُهْتَدِ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ، فَالْمُعَرَّفُ مُسَاوٍ لِلنَّكِرَةِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ:

فَهُوَ مُهْتَدٍ. وَفَائِدَةُ الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِأَنَّهُ مُهْتَدٍ التَّوْطِئَةُ إِلَى ذِكْرِ مُقَابِلِهِ وَهُوَ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ، كَمَا يُقَالُ مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَأَنَا فُلَانٌ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَجْعَلَ التَّعْرِيفَ فِي قَوْله: الْمُهْتَدِ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ فَيُفِيدُ قَصْرَ الْهِدَايَةِ عَلَى الَّذِي هَدَاهُ اللَّهُ قَصْرًا إِضَافِيًّا، أَيْ دُونَ مَنْ تُرِيدُ أَنْتَ هَدَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ. وَلَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى عَلَى الْقَصْرِ الِادِّعَائِيِّ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْكَمَالِ لِأَنَّ الْهُدَى الْمُرَادَ هُنَا هُدًى وَاحِدٌ وَهُوَ الْهُدَى إِلَى الْإِيمَانِ.

وحذفت يَاء الْمُهْتَدِ فِي رَسْمِ الْمُصْحَفِ لِأَنَّهُمْ وَقَفُوا عَلَيْهَا بِدُونِ يَاءٍ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقِفُ عَلَى الِاسْمِ الْمَنْقُوصِ غَيْرِ الْمُنَوَّنِ بِحَذْفِ الْيَاءِ، وَهِيَ لُغَةٌ فَصِيحَةٌ غَيْرُ جَارِيَةٍ عَلَى الْقِيَاسِ وَلَكِنَّهَا أُوثِرَتْ مِنْ جِهَةِ التَّخْفِيفِ لِثِقَلِ صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ مَعَ ثِقَلِ حَرْفِ الْعِلَّةِ فِي آخِرِ الْكَلِمَةِ. وَرُسِمَتْ بِدُونِ يَاءٍ لِأَنَّ شَأْنَ أَوَاخِرِ الْكَلِمِ أَنْ تُرْسَمَ بِمُرَاعَاةِ حَالِ الْوَقْفِ.

وَأَمَّا فِي حَالِ النُّطْقِ فِي الْوَصْلِ فَقَرَأَهَا نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي الْوَصْلِ وَهُوَ الْوَجْهُ، وَلِذَلِكَ كَتَبُوا الْيَاءَ فِي مَصَاحِفِهِمْ بِاللَّوْنِ الْأَحْمَرِ وَجَعَلُوهَا أَدَقَّ مِنْ بَقِيَّةِ الْحُرُوفِ الْمَرْسُومَةِ

ص: 215

فِي الْمُصْحَفِ تَفْرِقَةً بَيْنِهَا وَبَيْنَ مَا رَسَمَهُ الصَّحَابَةُ كُتَّابُ الْمُصْحَفِ. وَالْبَاقُونَ حَذَفُوا الْيَاءَ فِي النُّطْقِ فِي الْوَصْلِ إِجْرَاءً لِلْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ. وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا فِي غَيْرِ الشِّعْرِ إِلَّا أَنَّ الْفُصَحَاءَ يُجْرُونَ الْفَوَاصِلَ مَجْرَى الْقَوَافِي، وَاعْتَبَرُوا الْفَاصِلَةَ كل جملَة ثمَّ بِهَا الْكَلَامُ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَمْثِيلُ سِيبَوَيْهِ فِي كِتَابَةِ الْفَاصِلَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ [الْفجْر: 4] وَقَوْلِهِ: قالَ ذلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ [الْكَهْف: 64] . وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ [9] .

وَالْخِطَابُ فِي فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ للنبيء صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَسُوقٌ لِتَسْلِيَتِهِ عَلَى عَدَمِ اسْتِجَابَتِهِمْ لَهُ، فَنَفْيُ وُجْدَانِ الْأَوْلِيَاءِ كِنَايَةٌ عَنْ نَفْيِ وُجُودِ الْأَوْلِيَاءِ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مَوْجُودِينَ لَوَجَدَهُمْ هُوَ وَعَرَفَهُمْ.

وَالْأَوْلِيَاءُ: الْأَنْصَارُ، أَيْ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَنْصَارًا يُخَلِّصُونَهُمْ مِنْ جَزَاءِ الضَّلَالِ وَهُوَ الْعَذَابُ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَوْلِيَاءُ بِمَعْنَى مُتَوَلِّي شَأْنِهِمْ، أَيْ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ مَنْ يُصْلِحُ حَالَهُمْ فَيَنْقُلُهُمْ مِنَ الضَّلَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ [الْبَقَرَة: 257] .

وَجَمْعُ الْأَوْلِيَاءِ بِاعْتِبَارِ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ، أَيْ لَنْ تَجِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَلِيًّا وَلَا لِجَمَاعَتِهِ وَلِيًّا، كَمَا يُقَالُ: رَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ.

ومِنْ دُونِهِ أَيْ غَيْرِهِ.

وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً ذَكَرَ الْمَقْصُودَ مِنْ نَفْيِ الْوَلِيّ أَو المئال لَهُ بِذِكْرِ صُورَةِ عِقَابِهِمْ بِقَوْلِهِ: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ الْآيَةَ.

ص: 216

وَالْحَشْرُ: جَمْعُ النَّاسِ مِنْ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ. وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي مَشْيَهُمْ عُدِّيَ الْحَشْرُ بِحَرْفِ (عَلَى) لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى (يَمْشُونَ. وَقَدْ فَهِمَ النَّاسُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَةِ فسألوا النبيء صلى الله عليه وسلم كَيْفَ يَمْشُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ؟ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي أَمْشَاهُمْ عَلَى أَقْدَامِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّشْوِيهِ وَالتَّعْذِيبِ لِأَنَّ الْوَجْهَ أَرَقُّ تَحَمُّلًا لِصَلَابَةِ الْأَرْضِ مِنَ الرِّجْلِ.

وَهَذَا جَزَاءٌ مُنَاسِبٌ لِلْجُرْمِ، لِأَنَّهُمْ رَوَّجُوا الضَّلَالَةَ فِي صُورَةِ الْحَقِّ وَوَسَمُوا الْحَقَّ بِسِمَاتِ الضَّلَالِ فَكَانَ جَزَاؤُهُمْ أَنْ حُوِّلَتْ وُجُوهُهُمْ أَعْضَاءَ مَشْيٍ عِوَضًا عَنِ الْأَرْجُلِ. ثُمَّ كَانُوا عُمْياً وَبُكْماً جَزَاءَ أَقْوَالِهِمُ الْبَاطِلَةِ عَلَى الرَّسُولِ وَعَلَى الْقُرْآنِ، وصُمًّا جَزَاءَ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ سَمَاعِ الْحَقِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ: وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ [فصّلت: 5] . وَقَالَ عَنْهُمْ: قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى [طه:

125-

126] ، وَقَالَ عَنْهُمْ: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى [الْإِسْرَاء:

72] أَيْ مَنْ كَانَ أَعْمَى عَنِ الْحَقِّ فَهُوَ فِي الْحَشْرِ يَكُونُ مَحْرُومًا مِنْ مُتْعَةِ النَّظَرِ. وَهَذِهِ حَالَتُهُمْ عِنْدَ الْحَشْرِ.

وَالْمَأْوَى مَحَلُّ الْأَوْيِ، أَيِ النُّزُولِ بِالْمَأْوَى. أَيِ الْمَنْزِلِ وَالْمَقَرِّ.

وَخَبَتِ النَّارُ خُبُوًا وَخَبْوًا. نَقَصَ لَهِيبُهَا.

وَالسَّعِيرُ: لَهَبُ النَّارِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ سَعْرِ النَّارِ إِذَا هُيِّجَ وَقُودُهَا. وَقَدْ جَرَى الْوَصْفُ فِيهِ عَلَى التَّذْكِيرِ تَبَعًا لِتَذْكِيرِ اللَّهَبِ. وَالْمَعْنَى: زِدْنَاهُمْ لَهَبًا فِيهَا.

وَفِي قَوْلِهِ: كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً إِشْكَالٌ لِأَنَّ نَارَ جَهَنَّمَ لَا تَخْبُو. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ [الْبَقَرَة: 86] . فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْكَفَرَةَ وَقُودٌ لِلنَّارِ قَالَ تَعَالَى: وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ [الْبَقَرَة: 24] فَإِذَا أَحْرَقَتْهُمُ النَّارُ زَالَ اللَّهَبُ الَّذِي كَانَ مُتَصَاعِدًا مِنْ أَجْسَامِهِمْ فَلَا يَلْبَثُونَ أَنْ يُعَادَوْا كَمَا كَانُوا فَيَعُودَ الِالْتِهَابُ لَهُمْ.

ص: 217