المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 63 إلى 64] - التحرير والتنوير - جـ ١٥

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌17- سُورَةُ الْإِسْرَاءِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 6 الى 8]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 23 الى 24]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 26 الى 27]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 50 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 61 إِلَى 62]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 71 الى 72]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 86 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 90 إِلَى 93]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 98]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 99]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 103 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 107 إِلَى 109]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 110]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 111]

- ‌18- سُورَةُ الْكَهْفِ

- ‌كَرَامَةٌ قُرْآنِيَّةٌ:

- ‌أَغْرَاضُ السُّورَةِ:

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 1 الى 3]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 4 الى 5]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 11 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 19 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 23 الى 24]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 32 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 37 الى 41]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 42 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 61 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 64 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 74]

الفصل: ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 63 إلى 64]

[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَاّ غُرُوراً (64)

جَوَابٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ سُؤَالِ إِبْلِيسَ التَّأْخِيرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ جُمْلَةُ قالَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَاوَرَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها [الْبَقَرَة: 30] .

وَالذَّهَابُ لَيْسَ مُرَادًا بِهِ الِانْصِرَافُ بَلْ هُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الِاسْتِمْرَارِ عَلَى الْعَمَلِ، أَيِ امْضِ لِشَأْنِكَ الَّذِي نَوَيْتَهُ. وَصِيغَةُ الْأَمْرِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي التَّسْوِيَةِ وَهُوَ كَقَوْلِ النَّبْهَانِيِّ مِنْ شُعَرَاءِ الْحَمَاسَةِ:

فَإِنْ كُنْتَ سَيِّدَنَا سُدْتَنَا

وَإِنْ كُنْتَ لِلْخَالِ فَاذْهَبْ فَخَلْ

وَقَوْلُهُ: فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ تَفْرِيعٌ عَلَى التَّسْوِيَةِ وَالزَّجْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِساسَ [طه: 97] .

وَالْجَزَاء: مصدر جَزَاء عَلَى عَمَلٍ، أَيْ أَعْطَاهُ عَنْ عَمَلِهِ عِوَضًا. وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ.

وَالْمَوْفُورُ: اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ وَفَرَهُ إِذَا كَثَّرَهُ.

وَأُعِيدَ جَزاءً لِلتَّأْكِيدِ، اهْتِمَامًا وَفَصَاحَةً، كَقَوْلِهِ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا [يُوسُف: 2] ، وَلِأَنَّهُ أَحْسَنُ فِي جَرَيَانِ وَصْفِ الْمَوْفُورِ عَلَى مَوْصُوفٍ مُتَّصِلٍ بِهِ دُونَ فَصْلٍ.

وَأَصْلُ الْكَلَامِ: فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ مَوْفُورًا. فَانْتِصَابُ جَزاءً عَلَى الْحَالِ الْمُوَطِّئَةِ، ومَوْفُوراً صِفَةٌ لَهُ، وَهُوَ الْحَالُ فِي الْمَعْنَى، أَيْ جَزَاءً غَيْرَ مَنْقُوصٍ.

ص: 152

وَالِاسْتِفْزَازُ: طَلَبُ الْفَزِّ، وَهُوَ الْخِفَّةُ وَالِانْزِعَاجُ وَتَرْكُ التَّثَاقُلِ. وَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِيهِ

لِلْجَعْلِ النَّاشِئِ عَنْ شِدَّةِ الطَّلَبِ وَالْحَثِّ الَّذِي هُوَ أَصْلُ مَعْنَى السِّينِ وَالتَّاءِ، أَيِ اسْتَخِفَّهُمْ وَأَزْعِجْهُمْ.

وَالصَّوْتُ: يُطْلَقُ عَلَى الْكَلَامِ كَثِيرًا، لِأَنَّ الْكَلَامَ صَوْتٌ مِنَ الْفَمِ. وَاسْتُعِيرَ هُنَا لِإِلْقَاءِ الْوَسْوَسَةِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا هُنَا تَمْثِيلًا لِحَالَةِ إِبْلِيسَ بِحَالِ قَائِدِ الْجَيْشِ فَيَكُونُ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ: وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ كَمَا سَيَأْتِي.

وَالْإِجْلَابُ: جَمْعُ الْجَيْشِ وَسَوْقُهُ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْجَلَبَةِ بِفَتْحَتَيْنِ، وَهِيَ الصِّيَاحُ، لِأَنَّ قَائِدَ الْجَيْشِ إِذَا أَرَادَ جَمْعَ الْجَيْشِ نَادَى فِيهِمْ لِلنَّفِيرِ أَوْ لِلْغَارَةِ وَالْهُجُومِ.

وَالْخَيْلُ: اسْمُ جَمْعِ الْفَرَسِ. وَالْمُرَادُ بِهِ عِنْدَ ذِكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَيْشِ الْفُرْسَانُ. وَمِنْهُ

قَول النبيء صلى الله عليه وسلم. «يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي»

. وَهُوَ تَمْثِيلٌ لِحَالِ صَرْفِ قُوَّتِهِ وَمَقْدِرَتِهِ عَلَى الْإِضْلَالِ بِحَالِ قَائِدِ الْجَيْشِ يَجْمَعُ فُرْسَانَهُ وَرِجَالَتَهُ

وَلَمَّا كَانَ قَائِدُ الْجَيْشِ يُنَادِي فِي الْجَيْشِ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالْغَارَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ:

وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ مِنْ جُمْلَةِ هَذَا التَّمْثِيلِ.

وَالرَّجْلُ: اسْمُ جَمْعِ الرِّجَالِ كَصَحْبٍ. وَقَدْ كَانَتْ جُيُوشُ الْعَرَبِ مُؤَلَّفَةً مِنْ رِجَالَةٍ يُقَاتِلُونَ بِالسُّيُوفِ وَمِنْ كَتَائِبِ فُرْسَانٍ يُقَاتِلُونَ بِنَضْحِ النِّبَالِ، فَإِذَا الْتَحَمُوا اجْتَلَدُوا بِالسُّيُوفِ جَمِيعًا. قَالَ أُنَيْفُ بْنُ زَبَّانَ النَّبْهَانِيُّ:

وَتَحْتَ نُحُورِ الْخَيْلِ حَرْشَفُ رِجْلَةٍ

تُتَاحُ لِحَبَّاتِ الْقُلُوبِ نِبَالُهَا

ثُمَّ قَالَ:

فَلَمَّا الْتَقَيْنَا بَيَّنَ السَّيْفُ بَيْنَنَا

لِسَائِلَةٍ عَنَّا حَفِيٍّ سُؤَالُهَا

ص: 153

وَالْمَعْنَى: أَجْمِعْ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَسَائِلَ الْفِتْنَةِ وَالْوَسْوَسَةِ لِإِضْلَالِهِمْ. فَجُعِلَتْ وَسَائِلُ الْوَسْوَسَةِ بِتَزْيِينِ الْمَفَاسِدِ وَتَفْظِيعِ الْمَصَالِحِ كَاخْتِلَافِ أَصْنَافِ الْجَيْشِ، فَهَذَا تَمْثِيلُ حَالِ الشَّيْطَانِ وَحَالِ مُتَّبِعِيهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ بِحَالِ مَنْ يَغْزُو قَوْمًا بِجَيْشٍ عَظِيمٍ مِنْ فُرْسَانٍ وَرَجَّالَةٍ.

وَقَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَرَجِلِكَ- بِكَسْرِ الْجِيمِ-، وَهُوَ لُغَةٌ فِي رَجُلٍ مَضْمُومِ الْجِيمِ، وَهُوَ الْوَاحِدُ مِنَ الرِّجَالِ. وَالْمُرَادُ الْجِنْسُ. وَالْمَعْنَى: بِخَيْلِكَ وَرِجَالِكَ، أَيِ الْفُرْسَانِ وَالْمُشَاةِ.

وَالْبَاءُ فِي بِخَيْلِكَ إِمَّا لِتَأْكِيدِ لُصُوقِ الْفِعْلِ لِمَفْعُولِهِ فَهِيَ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ. وَمَجْرُورُهَا مَفْعُولٌ فِي الْمَعْنَى لِفِعْلِ أَجْلِبْ مثل وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [الْمَائِدَة: 6] وَإِمَّا لِتَضْمِينِ فِعْلِ أَجْلِبْ مَعْنَى اغْزُهُمْ فَيَكُونُ الْفِعْلُ مُضَمَّنًا مَعْنَى الْفِعْلِ اللَّازِمِ وَتَكُونُ الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ.

وَالْمُشَارَكَةُ فِي الْأَمْوَالِ: أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْطَانِ نَصِيبٌ فِي أَمْوَالِهِمْ وَهِيَ أَنْعَامُهُمْ وَزُرُوعُهُمْ إِذْ سَوَّلَ لَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا نَصِيبًا فِي النِّتَاجِ وَالْحَرْثِ لِلْأَصْنَامِ. وَهِيَ مِنْ مَصَارِفِ الشَّيْطَانِ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ هُوَ الْمُسَوِّلُ لِلنَّاسِ بِاتِّخَاذِهَا، قَالَ تَعَالَى: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا [الْأَنْعَام: 136] .

وَأَمَّا مُشَارَكَةُ الْأَوْلَادِ فَهِيَ أَنْ يَكُونَ لِلشَّيْطَانِ نَصِيبٌ فِي أَحْوَالِ أَوْلَادِهِمْ مِثْلَ تَسْوِيلِهِ لَهُمْ أَنْ يَئِدُوا أَوْلَادَهُمْ وَأَنْ يَسْتَوْلِدُوهُمْ مِنَ الزِّنَى، وَأَنْ يُسَمُّوهُمْ بِعَبَدَةِ الْأَصْنَامِ، كَقَوْلِهِمْ:

عَبْدُ الْعُزَّى، وَعَبْدُ اللَّاتِ، وَزَيْدُ مَنَاةَ، وَيَكُونُ انْتِسَابُهُ إِلَى ذَلِكَ الصَّنَمِ.

وَمَعْنَى عِدْهُمْ أَعْطِهِمُ الْمَوَاعِيدَ بِحُصُولِ مَا يَرْغَبُونَهُ كَمَا يُسَوِّلُ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ إِنْ جَعَلُوا أَوْلَادَهُمْ لِلْأَصْنَامِ سَلِمَ الْآبَاءُ مِنَ الثُّكْلِ وَالْأَوْلَادُ مِنَ الْأَمْرَاضِ، وَيُسَوِّلُ لَهُمْ أَنَّ الْأَصْنَامَ تَشْفَعُ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَتَضْمَنُ لَهُمُ

ص: 154

النَّصْرَ عَلَى الْأَعْدَاءِ، كَمَا قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَ أُحُدٍ «اعْلُ هُبَلُ» . وَمِنْهُ وَعْدُهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَخْشَوْنَ عَذَابًا بَعْدَ الْمَوْتِ لِإِنْكَارِ الْبَعْثِ، وَوَعْدِ الْعُصَاةِ بِحُصُولِ اللَّذَّاتِ الْمَطْلُوبَةِ مِنَ الْمَعَاصِي مِثْلَ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَالْخَمْرِ وَالْمُقَامَرَةِ.

وَحُذِفَ مَفْعُولُ وَعِدْهُمْ لِلتَّعْمِيمِ فِي الْمَوْعُودِ بِهِ. وَالْمَقَامُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَعِدَهُمْ بِمَا يَرْغَبُونَ لِأَنَّ الْعِدَةَ هِيَ الْتِزَامُ إِعْطَاءِ الْمَرْغُوبِ. وَسَمَّاهُ وَعْدًا لِأَنَّهُ يُوهِمُهُمْ حُصُولَهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَلَا يَزَالُونَ يَنْتَظِرُونَهُ كَشَأْنِ الْكَذَّابِ أَنْ يَحْتَزِرَ عَنِ الْإِخْبَارِ بِالْعَاجِلِ لَقُرْبِ افْتِضَاحِهِ فَيَجْعَلُ مَوَاعِيدَهُ كُلَّهَا لِلْمُسْتَقْبَلِ.

وَلِذَلِكَ اعْتَرَضَ بِجُمْلَةِ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً.

وَالْغُرُورُ: إِظْهَارُ الشَّيْءِ الْمَكْرُوهِ فِي صُورَةِ الْمَحْبُوبِ الْحَسَنِ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ فِي سُورَة آلِ عِمْرَانَ [196]، وَقَوْلِهِ:

زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً فِي سُورَة الْأَنْعَامِ [112] . وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَا سَوَّلَهُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ فِي حُصُولِ الْمَرْغُوبِ إِمَّا بَاطِلٌ لَا يَقَعُ، مِثْلَ مَا يُسَوِّلُهُ لِلنَّاسِ مِنَ الْعَقَائِدِ الْفَاسِدَةِ وَكَوْنِهِ غُرُورًا لِأَنَّهُ إِظْهَارٌ لِمَا يَقَعُ فِي صُورَةِ الْوَاقِعِ فَهُوَ تَلْبِيسٌ وَإِمَّا حَاصِلٌ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مَحْمُودٍ

بِالْعَاقِبَةِ، مِثْلَ مَا يُسَوِّلُهُ لِلنَّاسِ مِنْ قَضَاءِ دَوَاعِي الْغَضَبِ وَالشَّهْوَةِ وَمَحَبَّةِ الْعَاجِلِ دُونَ تَفْكِيرٍ فِي الْآجِلِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ مُقَارَنَةِ الْأَمْرِ الْمَكْرُوهِ أَو كَونه آئلا إِلَيْهِ بِالْإِضْرَارِ. وَقَدْ بَسَطَ هَذَا الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ الْغُرُورِ مِنْ كِتَابِ «إِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ» .

وَإِظْهَارُ اسْمِ الشَّيْطَانِ فِي قَوْلِهِ: وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ دون أَن يُؤْتى بِضَمِيرِهِ الْمُسْتَتِرِ لِأَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَلَوْ كَانَ فِيهَا ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى مَا فِي جُمْلَةٍ أُخْرَى لَكَانَ فِي النَّثْرِ شِبْهُ عَيْبِ التَّضْمِينِ فِي الشِّعْرِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ جَارِيَةٌ مَجْرَى الْمَثَلِ فَلَا يَحْسُنُ اشْتِمَالُهَا عَلَى ضَمِيرٍ لَيْسَ من أَجْزَائِهَا.

ص: 155