المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الكهف (18) : الآيات 13 إلى 14] - التحرير والتنوير - جـ ١٥

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌17- سُورَةُ الْإِسْرَاءِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 6 الى 8]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 23 الى 24]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 26 الى 27]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 36]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 37]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 39]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 40]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 41]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 42]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 43]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 47]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 48]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 50 إِلَى 52]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 61 إِلَى 62]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 63 إِلَى 64]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 65]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 66]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 67]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 68 إِلَى 69]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 70]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 71 الى 72]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 74 إِلَى 75]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 76 إِلَى 77]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 78]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 79]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 80]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 81]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 82]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 83]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 84]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 85]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 86 إِلَى 87]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 88]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 89]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 90 إِلَى 93]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 94 إِلَى 95]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 96]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 97]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 98]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 99]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 100]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 101 إِلَى 102]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 103 إِلَى 104]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 105]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 106]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : الْآيَات 107 إِلَى 109]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 110]

- ‌[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 111]

- ‌18- سُورَةُ الْكَهْفِ

- ‌كَرَامَةٌ قُرْآنِيَّةٌ:

- ‌أَغْرَاضُ السُّورَةِ:

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 1 الى 3]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 4 الى 5]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 7 إِلَى 8]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 11 إِلَى 12]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 19 إِلَى 20]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 23 الى 24]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 32 إِلَى 36]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 37 الى 41]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 42 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 45]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 46]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 47 إِلَى 48]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 49]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 50]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 51]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 52]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 53]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 54]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 55]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 56]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 57]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 58]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 59]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 60]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 61 إِلَى 63]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 64 إِلَى 70]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 71]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 72]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 73]

- ‌[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 74]

الفصل: ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 13 إلى 14]

الثَّانِيَ. وَمَعَ كَوْنِ صَوْغِ اسْمِ التَّفْضِيلِ مِنْ غَيْرِ الثُّلَاثِيِّ لَيْسَ قِيَاسًا فَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ وَفِي الْقُرْآنِ.

فَالْوَجْهُ، أَنَّ أَحْصى اسْمُ تَفْضِيلٍ، وَالتَّفْضِيلُ مُنْصَرِفٌ إِلَى مَا فِي مَعْنَى الْإِحْصَاءِ مِنَ الضَّبْطِ وَالْإِصَابَةِ. وَالْمَعْنَى: لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَتْقَنُ إِحْصَاءً، أَيْ عَدًّا بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُوَافِقَ لِلْوَاقِعِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ وَيَكُونَ مَا عَدَاهُ تَقْرِيبًا وَرَجْمًا بِالْغَيْبِ. وَذَلِكَ هُوَ مَا فَصَّلَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ [الْكَهْف: 22] الْآيَةَ.

فَ (أَيُّ) اسْمُ اسْتِفْهَامٍ مُبْتَدَأٌ وَهُوَ مُعَلِّقٌ لِفِعْلِ لِنَعْلَمَ عَنِ الْعَمَلِ، وَأَحْصى خَبَرٌ عَنْ (أَيُّ) وأَمَداً تَمْيِيز لاسم التَّفْصِيل تَمْيِيزٌ نِسْبَةٍ، أَيْ نِسْبَةِ التَّفْضِيلِ إِلَى مَوْصُوفِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا [الْكَهْف: 34] . وَلَا يَرِيبُكَ أَنَّهُ لَا يَتَّضِحُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّمْيِيزُ مُحَوَّلًا عَنِ الْفَاعِلِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ تَقُولَ: أَفْضَلُ أَمَدِهِ، إِذِ التَّحْوِيلُ أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ

يُقْصَدُ مِنْهُ التَّقْرِيبُ.

وَالْمَعْنَى: لِيَظْهَرَ اضْطِرَابُ النَّاسِ فِي ضَبْطِ تَوَارِيخِ الْحَوَادِث واختلال خرصهم وَتَخْمِينِهِمْ إِذَا تَصَدَّوْا لَهَا، وَيُعْلَمُ تَفْرِيطُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فِي تَحْدِيدِ الْحَوَادِثِ وَتَارِيخِهَا، وَكِلَا الْحَالَيْنِ يَمُتُّ إِلَى الآخر بصلَة.

[13، 14]

[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً (13) وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (14)

لَمَّا اقْتَضَى قَوْلُهُ: لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى [الْكَهْف: 12] أَنَّ فِي نَبَأِ أَهْلِ الْكَهْفِ تَخَرُّصَاتٍ وَرَجْمًا بِالْغَيْبِ أَثَارَ ذَلِكَ فِي النَّفْسِ تَطَلُّعًا إِلَى مَعْرِفَةِ الصِّدْقِ فِي أَمْرِهِمْ،

ص: 270

مِنْ أَصْلِ وُجُودِ الْقِصَّةِ إِلَى تَفَاصِيلِهَا مِنْ مُخْبِرٍ لَا يُشَكُّ فِي صِدْقِ خَبَرِهِ كَانَتْ جُمْلَةُ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِجُمْلَةِ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً [الْكَهْف: 12] .

وَهَذَا شُرُوعٌ فِي مُجْمَلِ الْقِصَّةِ وَالِاهْتِمَامِ بِمَوَاضِعِ الْعِبْرَةِ مِنْهَا. وَقَدَّمَ مِنْهَا مَا فِيهِ وَصْفُ ثَبَاتِهِمْ عَلَى الْإِيمَانِ وَمُنَابِذَتِهِمْ قَوْمَهُمُ الْكَفَرَةَ وَدُخُولِهِمُ الْكَهْفَ.

وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ فِي جُمْلَةِ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ يُفِيدُ الِاخْتِصَاصَ، أَيْ نَحْنُ لَا غَيْرُنَا يَقُصُّ قِصَصَهُمْ بِالْحَقِّ.

وَالْحَقُّ: هُنَا الصِّدْقُ. وَالصِّدْقُ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَقِّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ [105] .

وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ، أَيِ الْقَصَصَ الْمُصَاحِبَ لِلصِّدْقِ لَا لِلتَّخَرُّصَاتِ.

وَالْقَصَصُ: سَرْدُ خَبَرٍ طَوِيلٍ فَالْإِخْبَارُ بِمُخَاطَبَةٍ مُفَرَّقَةٍ لَيْسَ بِقَصَصٍ، وَتَقَدَّمَ فِي طَالِعِ سُورَةِ يُوسُفَ.

وَالنَّبَأُ: الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ أَهَمِّيَّةٌ وَلَهُ شَأْنٌ.

وَجُمْلَةُ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِلْقَصَصِ وَالنَّبَأِ. وَافْتِتَاحُ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ لَا لِرَدِّ الْإِنْكَارِ.

وَزِيَادَةُ الْهُدَى يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَقْوِيَةَ هُدَى الْإِيمَانِ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِهِ: آمَنُوا بِرَبِّهِمْ بِفَتْح بصايرهم لِلتَّفْكِيرِ فِي وَسَائِلِ النَّجَاةِ بِإِيمَانِهِمْ وَأَلْهَمَهُمُ التَّوْفِيقَ وَالثَّبَاتَ، فَكُلُّ ذَلِكَ هُدًى زَائِدٌ عَلَى هُدَى الْإِيمَانِ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تَقْوِيَةَ فَضْلِ الْإِيمَانِ بِفَضْلِ التَّقْوَى كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ [مُحَمَّد: 17] .

ص: 271

وَالزِّيَادَةُ: وَفْرَةُ مِقْدَارِ شَيْءٍ مَخْصُوصٍ، مِثْلُ وَفْرَةِ عَدَدِ الْمَعْدُودِ، وَوَزْنِ الْمَوْزُونِ، وَوَفْرَةِ سُكَّانِ الْمَدِينَةِ.

وَفِعْلُ (زَادَ) يَكُونُ قَاصِرًا مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصافات: 147]، وَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا كَقَوْلِهِ: فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً [الْبَقَرَة: 10] . وَتُسْتَعَارُ الزِّيَادَةُ لِقُوَّةِ الْوَصْفِ كَمَا هُنَا.

وَالرَّبْطُ عَلَى الْقَلْبِ مُسْتَعَارٌ إِلَى تَثْبِيتِ الْإِيمَانِ وَعَدَمِ التَّرَدُّدِ فِيهِ، فَلَمَّا شَاعَ إِطْلَاقُ الْقَلْبِ عَلَى الِاعْتِقَادِ اسْتُعِيرَ الرَّبْطُ عَلَيْهِ لِلتَّثْبِيتِ عَلَى عَقْدِهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الْقَصَص: 10] . وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: هُوَ رَابِطُ الْجَأْشِ.

وَفِي ضِدِّهِ يُقَالُ: اضْطَرَبَ قَلْبُهُ، وَقَالَ تَعَالَى: وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ [الْأَحْزَاب:

10] . اسْتُعِيرَ الِاضْطِرَابُ وَنَحْوُهُ لِلتَّرَدُّدِ وَالشَّكِّ فِي حُصُولِ شَيْءٍ.

وَتَعْدِيَةُ فِعْلِ رَبَطْنا بِحَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الشَّدِّ لِأَنَّ حَرْفَ الِاسْتِعْلَاءِ مُسْتَعَارٌ لِمَعْنَى التَّمَكُّنِ مِنَ الْفِعْلِ.

وإِذْ قامُوا ظَرْفٌ لِلرَّبْطِ، أَيْ كَانَ الرَّبْطُ فِي وَقْتٍ فِي قِيَامِهِمْ، أَيْ كَانَ ذَلِكَ الْخَاطِرُ الَّذِي قَامُوا بِهِ مُقَارِنًا لَرَبْطِ اللَّهِ عَلَى قُلُوبِهِمْ، أَيْ لَوْلَا ذَلِكَ لَمَا أَقْدَمُوا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَذَلِكَ الْقَوْلِ.

وَالْقِيَامُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقِيًّا، بِأَنْ وَقَفُوا بَيْنَ يَدَيْ مَلِكِ الرُّومِ الْمُشْرِكِ، أَوْ وَقَفُوا فِي مَجَامِعِ قَوْمِهِمْ خُطَبَاءَ مُعْلِنِينَ فَسَادَ عَقِيدَةِ الشِّرْكِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ مُسْتَعَارًا لِلْإِقْدَامِ وَالْجَسْرِ عَلَى عَمَلٍ عَظِيمٍ، وَلِلِاهْتِمَامِ بِالْعَمَلِ أَوِ الْقَوْلِ، تَشْبِيهًا لِلِاهْتِمَامِ بِقِيَامِ الشَّخْصِ مِنْ قُعُودٍ لِلْإِقْبَالِ عَلَى عَمَلٍ مَا، كَقَوْلِ النَّابِغَةِ:

بِأَنَّ حِصْنًا وَحَيًّا مِنْ بَنِي أَسَدٍ

قَامُوا فَقَالُوا حِمَانَا غَيْرُ مَقْرُوبِ

فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ قِيَامٌ بَعْدَ قُعُودٍ بَلْ قَدْ يَكُونُونَ قَالُوهُ وَهُمْ قُعُودٌ.

وَعَرَّفُوا اللَّهَ بِطَرِيقِ الْإِضَافَةِ إِلَى ضَمِيرِهِمْ: إِمَّا لِأَنَّهُمْ عُرِفُوا مِنْ قَبْلُ بِأَنَّهُمْ عَبَدُوا اللَّهَ الْمُنَزَّهَ عَنِ الْجِسْمِ وَخَصَائِصِ الْمُحْدَثَاتِ، وَإِمَّا لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا

ص: 272

بَاسِمٍ عَلَمٍ عِنْدَ أُولَئِكَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ رَبَّ الْأَرْبَابِ هُوَ (جُوبْتِيرِ) الْمُمَثَّلُ فِي كَوْكَبِ الْمُشْتَرِي، فَلَمْ يَكُنْ طَرِيقٌ لِتَعْرِيفِهِمُ الْإِلَهَ الْحَقَّ إِلَّا طَرِيقُ الْإِضَافَةِ. وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْ قَوْلِ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ [الشُّعَرَاء: 23- 24] .

هَذَا إِنْ كَانَ الْقَوْلُ مَسُوقًا إِلَى قَوْمِهِمُ الْمُشْرِكِينَ قَصَدُوا بِهِ إِعْلَانَ إِيمَانِهِمْ بَيْنَ قَوْمِهِمْ وَإِظْهَارَ عَدَمِ الِاكْتِرَاثِ بِتَهْدِيدِ الْمَلِكِ وَقَوْمِهِ، فَيَكُونُ مَوْقِفُهُمْ هَذَا كَمَوْقِفِ بَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ [الشُّعَرَاء: 50] ، أَوْ قَصَدُوا بِهِ مَوْعِظَةَ قَوْمِهِمْ بِدُونِ مُوَاجَهَةِ خِطَابِهِمْ اسْتِنْزَالًا لِطَائِرِهِمْ عَلَى طَرِيقَةِ التَّعْرِيضِ مِنْ بَابِ (إِيَّاكِ أَعْنِي فَاسْمَعِي يَا جَارَةُ) ، وَاسْتِقْصَاءً لِتَبْلِيغِ الْحَقِّ إِلَيْهِمْ. وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ لِحَمْلِ الْقِيَامِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَلِأَنَّ الْقَوْلَ نُسِبَ إِلَى ضَمِيرِ جَمْعِهِمْ دُونَ بَعْضِهِمْ، بِخِلَافِ الْإِسْنَادِ فِي قَوْلِهِ: قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ [الْكَهْف: 19] تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَقُولُ لَهُ ذَلِكَ فَرِيقًا آخَرَ، وَلِظُهُورِ قَصْدِ الِاحْتِجَاجِ مِنْ مَقَالِهِمْ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ إِعْلَامًا لِقَوْمِهِمْ بِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ وَتَكُونُ جملَة لَنْ نَدْعُوَا اسْتِئْنَافًا. وَإِنْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ قَدْ جَرَى بَيْنَهُمْ فِي خَاصَّتِهِمْ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ: وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ [الْكَهْف: 16] إِلَخْ. فَالتَّعْرِيفُ بِالْإِضَافَةِ لِأَنَّهَا أَخْطَرُ طَرِيقٍ بَيْنَهُمْ، وَلِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ تَشْرِيفًا لِأَنْفُسِهِمْ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ صِفَةً كَاشِفَةً، وَجُمْلَة لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً خبر الْمُبْتَدَأ.

وَذكر الدُّعَاءَ دُونَ الْعِبَادَةِ لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَشْمَلُ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا مِنْ إِجْرَاءِ وَصْفِ الْإِلَهِيَّةِ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ وَمِنْ نِدَاءِ غَيْرِ اللَّهِ عِنْدَ السُّؤَالِ.

وَجُمْلَةُ لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِمَا أَفَادَهُ تَوْكِيدُ النَّفْيِ بِ (لَنْ) . وَإِنَّ وُجُودَ حَرْفِ الْجَوَابِ فِي خِلَالِ الْجُمْلَةِ يُنَادِي عَلَى كَوْنِهَا مُتَفَرِّعَةً عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا. وَاللَّامُ لِلْقَسَمِ.

ص: 273