الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالتَّمْيِيزُ تَمْيِيزُ نِسْبَةِ الْخَيْرِ إِلَى اللَّهِ. وَ «الْعُقُبُ» بِضَمَّتَيْنِ وَبِسُكُونِ الْقَافِ بِمَعْنَى الْعَاقِبَةِ، أَيْ آخِرَةُ الْأَمْرِ. وَهِيَ مَا يَرْجُوهُ الْمَرْءُ مِنْ سَعْيِهِ وَعِمْلِهِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ عُقْباً بِضَمَّتَيْنِ وَبِالتَّنْوِينِ. وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَخَلَفٌ بِإِسْكَانِ الْقَافِ وَبِالتَّنْوِينِ.
فَكَأَنَّ مَا نَالَهُ ذَلِكَ الْمُشْرِكُ الْجَبَّارُ مِنْ عَطَاءٍ إِنَّمَا نَالَهُ بِمَسَاعٍ وَأَسْبَابٍ ظَاهِرِيَّةٍ وَلَمْ يَنَلْهُ بِعِنَايَةٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَرَامَةٍ فَلَمْ يَكُنْ خَيْرًا وَكَانَتْ عَاقِبَتُهُ شرا عَلَيْهِ.
[45]
[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 45]
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (45)
كَانَ أَعْظَمَ حَائِلٍ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَبَيْنَ النَّظَرِ فِي أَدِلَّةِ الْإِسْلَامِ انْهِمَاكُهُمْ فِي الْإِقْبَالِ عَلَى الْحَيَاةِ الزَّائِلَةِ وَنَعِيمِهَا، وَالْغُرُورُ الَّذِي غَرَّ طُغَاةَ أَهْلِ الشِّرْكِ وَصَرَفَهُمْ عَنْ إِعْمَالِ عُقُولِهِمْ فِي فَهْمِ أَدِلَّةِ التَّوْحِيدِ وَالْبَعْثِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [المزمل: 11]، وَقَالَ: أَنْ كانَ ذَا مالٍ وَبَنِينَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الْقَلَم: 14- 15] .
وَكَانُوا يَحْسَبُونَ هَذَا الْعَالَمَ غَيْرَ آيِلٍ إِلَى الْفَنَاءِ وَقالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية: 24] . وَمَا كَانَ أحد الرجلَيْن اللَّذين تَقَدَّمَتْ قِصَّتُهُمَا إِلَّا وَاحِدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذْ قَالَ: وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً [الْكَهْف: 36] .
فَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِأَنْ يَضْرِبَ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الَّتِي غَرَّتْهُمْ بَهْجَتُهَا.
وَالْحَيَاةُ الدُّنْيَا: تُطْلَقُ عَلَى مُدَّةِ بَقَاءِ الْأَنْوَاعِ الْحَيَّةِ عَلَى الْأَرْضِ وَبَقَاءِ الْأَرْضِ عَلَى حَالَتِهَا. فَإِطْلَاقُ اسْمِ الْحَياةِ الدُّنْيا عَلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ لِأَنَّهَا مُدَّةُ الْحَيَاةِ النَّاقِصَةِ غَيْرِ الْأَبَدِيَّةِ لِأَنَّهَا مُقَدَّرٌ زَوَالُهَا، فَهِيَ دُنْيَا.
وَتُطْلَقُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا عَلَى مُدَّةِ حَيَاةِ الْأَفْرَادِ، أَيْ حَيَاةِ كُلِّ أَحَدٍ. وَوَصْفُهَا بِ (الدُّنْيَا) بِمَعْنَى الْقَرِيبَةِ، أَيِ الْحَاضِرَة غير المنتظرة، كَنَّى عَنِ الْحُضُورِ بِالْقُرْبِ، وَالْوَصْفُ لِلِاحْتِرَازِ عَنِ الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ وَهِيَ الْحَيَاةُ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَالْكَافُ فِي قَوْلِهِ: كَماءٍ فِي مَحَلِّ الْحَالِ مِنَ (الْحَيَاةِ) الْمُضَافِ إِلَيْهِ (مَثَلَ) . أَيِ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا لَهَا حَالَ أَنَّهَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ.
وَهَذَا الْمَثَلُ مُنْطَبِقٌ عَلَى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِإِطْلَاقَيْهَا، فَهُمَا مَرَادَانِ مِنْهُ. وَضَمِيرُ لَهُمْ عَائِدٌ إِلَى الْمُشْرِكِينَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَنَاسُقُ ضَمَائِرِ الْجُمَعِ الْآتِيَةِ فِي قَوْلِهِ: وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ- عُرِضُوا
-لْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً
[الْكَهْف: 47- 48] .
وَاخْتِلَاطُ النَّبَاتِ: وَفْرَتُهُ وَالْتِفَافُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مِنْ قُوَّةِ الْخِصْبِ وَالِازْدِهَارِ.
وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ: (بِهِ) بَاءُ السَّبَبِيَّةِ. وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى (مَاءٍ) أَيْ فَاخْتَلَطَ النَّبَاتُ بِسَبَبِ الْمَاءِ، أَيِ اخْتَلَطَ بَعْضُ النَّبَاتِ بِبَعْضٍ. وَلَيْسَتِ الْبَاءُ لتعدية فعل فَاخْتَلَطَ إِلَى الْمَفْعُولِ
لِعَدَمِ وُضُوحِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، وَفِي ذِكْرِ الْأَرْضِ بَعْدَ ذِكْرِ السَّمَاءِ مُحَسِّنُ الطِّبَاقِ.
وَ (أَصْبَحَ) مُسْتَعْمَلَةٌ بِمَعْنَى صَارَ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ شَائِعٌ.
وَالْهَشِيمُ: اسْمٌ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ مَهْشُومًا مُحَطَّمًا. وَالْهَشْمُ: الْكَسْرُ وَالتَّفْتِيتُ.
وتَذْرُوهُ الرِّياحُ أَيْ تُفَرِّقُهُ فِي الْهَوَاءِ. وَالذَّرْوُ: الرَّمْيُ فِي الْهَوَاءِ. شُبِّهَتْ حَالَةُ هَذَا الْعَالَمِ بِمَا فِيهِ بِحَالَةِ الرَّوْضَةِ تَبْقَى زَمَانًا بَهِجَةً خَضِرَةً ثُمَّ يَصِيرُ نَبْتُهَا بَعْدَ حِينٍ إِلَى اضْمِحْلَالٍ. وَوَجْهُ الشَّبَهِ: الْمَصِيرُ مِنْ حَالٍ حَسَنٍ إِلَى حَال سيّء. وَهَذَا تَشْبِيهُ مَعْقُولٍ بِمَحْسُوسٍ لِأَنَّ الْحَالَةَ الْمُشَبَّهَةَ مَعْقُولَةٌ إِذْ لَمْ يَرَ النَّاسُ بَوَادِرَ تَقَلُّصِ بَهْجَةِ الْحَيَاةِ، وَأَيْضًا شُبِّهَتْ هَيْئَةُ إِقْبَالِ نَعِيمِ الدُّنْيَا فِي الْحَيَاةِ مَعَ الشَّبَابِ وَالْجِدَةِ وَزُخْرُفِ الْعَيْشِ لِأَهْلِهِ، ثُمَّ تَقَلُّصِ ذَلِكَ وَزَوَالِ نَفْعِهِ ثُمَّ انْقِرَاضِهِ أَشْتَاتًا