المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ - فتح البيان في مقاصد القرآن - جـ ٣

[صديق حسن خان]

الفصل: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيدًا ‌

(60)

(ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به) فيه تعجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم من حال هؤلاء الذين ادّعوا لأنفسهم أنهم قد جمعوا بين الإيمان بما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القرآن، وما أنزل على من قبله من الأنبياء، فجاؤا بما ينقض عليهم هذه الدعوى ويبطلها من أصلها، ويوضح أنهم ليسوا على شيء من ذلك أصلاً وهو إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت وقد أمروا فيما أنزل على رسول الله وعلى من قبله أن يكفروا به.

وقد تقدم تفسير الطاغوت والإختلاف في معناه، وبسند قال السيوطي: صحيح عن ابن عباس قال كان برزة الأسلمي كاهناً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه، فتنافر ناس إليه من المسلمين فأنزل هذه الآية.

وعنه كان الجلاس بن الصامت قبل توبته ومعتّب بن قشير ورافع بن زيد كانوا يدعون الإسلام فدعاهم رجال من قومهم من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعوهم إلى الكهان حكام الجاهلية فنزلت الآية، وبذلك يتضح معناها.

(ويريد الشيطان أن يضلّهم) عن طريق الهدى والحق (ضلالاً بعيداً) مستمراً إلى الموت.

ص: 163

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62)

ص: 164

(وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول) تكملة لمادة التعجب ببيان إعراضهم صريحاً عن التحاكم إلى كتاب الله ورسوله إثر بيان إعراضهم عن ذلك في ضمن التحاكم إلى الطاغوت (رأيت المنافقين) أي أبصرتهم كما هو الظاهر (يصدّون عنك صدوداً) اسم للمصدر وهو الصد عند الخليل وعند الكوفيين أنهما مصدران أي يعرضون عنك وعن حكمك إعراضاً وأي إعراض، وإنما أعرضوا لأنهم علموا أنه يحكم بالحق الصريح ولا يقبل الرّشا.

ص: 164

(فكيف) بيان لعاقبة أمرهم وما صار إليه حالهم أي كيف يكون حالهم (إذا أصابتهم مصيبة) أي وقت إصابتهم فإنهم يعجزون عند ذلك ولا يقدرون على الدفع والمراد (بما قدمت أيديهم) ما فعلوه من المعاصي التي من جملتها التحاكم إلى الطاغوت (ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً) أي يعتذرون عن فعلهم، وهو عطف على " أصابتهم " ويحلفون ما أردنا بتحاكمنا إلى غيرك إلا الإحسان لا الإساءة والتوفيق بين الخصمين لا المخالفة لك (1).

(1) قال أبو جعفر في تفسير الآية: يعني بذلك جل ثناؤه، فكيف بهؤلاء الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، وهم يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك، وما أنزل من قبلك (إذا أصابتهم مصيبة) بمعني إذا نزلت بهم نقمه من الله (بما قدمت أيديهم) يعني بذنوبهم التي سلفت منهم، (ثم جاؤوك يحلفون بالله) يقول: ثم جاؤوك يحلفون بالله كذباً وزوراً (إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً) وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المنافقين أنهم لا يردعهم عن النفاق العبر والنقم، وأنهم أن تأتهم عقوبة من الله على تحاكمهم إلى الطاغوت لم ينيبوا ولم يتوبوا، ولكنهم يحلفون بالله كذباً وجرأة على الله: ما أردنا باحتكامنا إليه إلا الإحسان من بعضنا إلى بعض، والصواب فيما احتكمنا فيه إليه.

ص: 164