المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ - فتح البيان في مقاصد القرآن - جـ ٣

[صديق حسن خان]

الفصل: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ

إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً ‌

(142)

(إنّ المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم) هذا كلام مبتدأ يتضمن بيان بعض قبائح المنافقين وفضائحهم، وقد تقدم معنى الخدع في البقرة ومخادعتهم لله هي أنهم يفعلون فعل الخادع من إظهار الإيمان وإبطان الكفر ليدفعوا عنهم أحكامه الدنيوية.

ومعنى كون الله خادعهم أنه صنع بهم صنع من يخادع من خادعه وذلك بأنه تركهم على ما هم عليه من التظهّر بالإسلام في الدنيا فعصم به أموالهم ودماءهم، وأخّر عقوبتهم إلى الدار الآخرة فجازاهم على خداعهم بالدّرك الأسفل من النار.

قال في الكشاف: والخادع اسم فاعل من خادعته فخدعته إذا غلبته وكنت أخدع منه وقال الحسن: في قوله (يخادعون الله) يلقى على كل مؤمن ومنافق نور يمشون به يوم القيامة حتى إذا انتهوا إلى الصراط طفيء نور المنافقين ومضى المؤمنون بنورهم، فتلك خديعة الله إياهم، وعن السدي ومجاهد وسعيد بن جبير نحوا نحوه ولا أدري من أين جاء لهم هذا التفسير فإن مثله لا ينقل إلا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

(وإذا قاموا إلى الصلاة) مع المؤمنين (قاموا كسالى) جمع كسلان والمراد أنهم يصلّون وهم متكاسلون متثاقلون لا يرجون ثواباً ولا يخافون عقاباً، وقرىء كسلى والكسل الفتور والتواني وأكسل إذا جامع ولم ينزل وفتر.

(يراؤون الناس) أي لا يقومون إلى الصلاة إلا لأجل الرياء والسمعة لا

ص: 274

لأجل الدين، قال قتادة: والله لولا الناس ما صلّى منافق، والرياء إظهار الجميل ليراه الناس لا لاتباع أمر الله وقد تقدم بيانه، والمراآة المفاعلة قاله الزمخشري والجملة حال وقيل استئناف وقيل بدل وفيه نظر.

(ولا يذكرون الله إلا) ذكراً (قليلاً) أو لا يصلّون إلا صلاة قليلة، ووصف الذكر بالقلة لعدم الإخلاص أو لكونه غير مقبول أو لكونه قليلاً في نفسه، لأن الذي يفعل الطاعة لقصد الرياء إنما يفعلها في المجامع ولا يفعلها خالياً كالمخلص، قال ابن عباس: إنما قلّ ذلك لأنهم يفعلونه رياء سمعة ولو أرادوا بذلك القليل وجه الله لكان كثيراً.

عن ابن جريج في الآية قال نزلت في عبد الله بن أُبَيّ وأبي عامر بن النعمان، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة وصف صلاة المنافق وأنه يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً (1).

(1) أخرج الإمام مسلم 1/ 451 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ". وفي " المسند " عن أبي هريرة رضي الله عنه " ولولا ما في البيوت من النساء والذرية لأقمت صلاة العشاء، وأمرت فتياني يحرقون ما في البيوت بالنار " وروى الإمام مالك في " الموطأ " 1/ 220 عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقرها أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً " ورواه مسلم 1/ 434، والترمذي 1/ 301، والنسائي 1/ 254.

ص: 275

مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (143) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144)

ص: 276

(مذبذبين بين ذلك) أي بين الإيمان والكفر المعلومين من المقام، والمذبذب المتردد بين أمرين والذبذبة الاضطراب، يقال ذبذبه فتذبذب، قال ابن جني: المذبذب القلق الذي لا يثبت على حال، فهؤلاء المنافقون مترددون بين المؤمنين والمشركين، لا مخلصين الإيمان، ولا مصرحين بالكفر.

قال في الكشاف: وحقيقة المذبذب الذي يذب عن كلا الجانبين مرة بعد أخرى أي يذاد ويدفع فلا يقر في جانب واحد، إلا أن الذبذبة فيها تكرير ليس في الذب كأن المعنى كلما مال إلى جانب ذب عنه انتهى، وانتصاب مذبذبين إما على الحال أو على الذم.

(لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) أي لا منسوبين إلى المؤمنين ولا إلى الكافرين، قال مجاهد: هم المنافقون لا إلى هؤلاء أي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولا إلى هؤلاء أي اليهود.

وثبت في الصحيح عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة فلا تدري أيهما تتبع (1) " العائرة بالعين المهملة المتحيرة المترددة، ومعنى تعير تتردد وتذهب يميناً وشمالاً، مرة إلى هذه ومرة إلى هذه لا تدري إلى أين تذهب.

(1) صحيح الجامع الصغير 5729. زاد السير/232.

ص: 276

(ومن يضلل الله) أي يخذله ويسلبه التوفيق (فلن تجد له سبيلاً) أي طريقاً توصله إلى الحق.

ص: 277

(يا أيها الذين آمنوا) خطاب للمؤمنين الخلص (لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين) أي لا تجعلوهم خاصة لكم وبطانة توالونهم من دون إخوانكم من المؤمنين كما فعل المنافقون من موالاتهم للكافرين.

(أتريدون) الاستفهام للتقريع والتوبيخ، وتوجيه الإنكار إلى الإرادة دون متعلقها بأن يقال أتجعلون للمبالغة في إنكاره وتهويل أمره ببيان أنه لا ينبغي أن يصدر عن العاقل إرادته فضلاً عن صدور نفسه (أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً) أي حجة بينة يعذبكم بها بسبب ارتكابكم لما نهاكم عنه من موالاة الكافرين (1).

قال قتادة: إن لله السلطان على خلقه ولكنه يقول عذراً مبيناً، وعن ابن عباس قال: كل سلطان في القرآن فهو حجة والله سبحانه أعلم، والسلطان يذكر ويؤنث فتذكيره باعتبار البرهان، وتأنيثه باعتبار الحجة إلا أن التأنيث أكثر عند الفصحاء، وقال الفراء: التذكير أشهر وهي لغة القرآن.

(1) رواه الإمام أحمد 7/ 129، ومسلم 4/ 2146 وابن جرير 9/ 333. والشاة العائرة: هي المترددة بين قطيعين لا تدري أيهما تتبع، من قولهم: عار الفرس والكلب وغيرهما يعير عياراً: إذا ذهب كأنه منفلت من صاحبه، فهو يتردد هنا وهنا. وقوله: تعير إلى هذه مرة. أي: تذهب في ترددها إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة.

ص: 277

إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)

ص: 278

(إن المنافقين في الدّرك الأسفل من النار) أي في الطبق الذي في قعر جهنم، قرىء الدرك بسكون الراء وتحريكها، قال أبو علي: هما لغتان والجمع أدراك وقيل جمع المحرك أدراك مثل جمل وأجمال، وجمع الساكن أدرك مثل فلس وأفلس، قال النحاس: والتحريك أفصح.

والدرك الطبقة والنار دركات سبع بعضها فوق بعض، وسميت طبقاتها دركات لأنها متداركة متتابعة، فالمنافق في الدرك الأسفل منها وهي الهاوية لغلظ كفره وكثرة غوائله، وأعلى الدركات جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية، وقد يسمى جميعها باسم الطبقة العليا أعاذنا الله من عذابها.

وقيل الدرك بيت مقفل عليهم تتوقد فيه النار من فوقهم ومن تحتهم، وإنما كان المنافق أشد عذاباً من الكافر لأنه أمن السيف في الدنيا فاستحق الدرك الأسفل في الآخرة تعديلاً، ولأنه مثله في الكفر وضم إلى كفره الاستهزاء بالإسلام وأهله.

قال ابن مسعود: الدرك الأسفل توابيت من حديد مقفلة عليهم، وفي لفظ مبهمة عليهم، أي مغلقة لا يهتدى لمكان فتحها، وعن أبي هريرة نحوه (1).

(ولن تجد لهم نصيراً) يخلصهم من ذلك الدرك، والخطاب لكل من يصلح له أو للنبي صلى الله عليه وسلم

(1) زاد المسير 234.

ص: 278

(إلا الذين تابوا) من النفاق (وأصلحوا) ما أفسدوا

ص: 278

من أحوالهم وأعمالهم (واعتصموا بالله) أي تمسكوا بعهده ووثقوا به، والاعتصام به التمسك به والوثوق بوعده (وأخلصوا دينهم لله) أي جعلوه خالصاً له غير مشوب بطاعة غيره، فهذه الأمور الأربعة إذا حصلت فقد كمل الإيمان وذلك قوله (1).

(فأولئك) الذين اتصفوا بالصفات السابقة الأربعة والإشارة بما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد المنزلة. وعلو الطبقة (مع المؤمنين) فيما يؤتونه، قال الفراء: أي من المؤمنين يعني الذين لم يصدر منهم نفاق أصلاً.

قال القتيبي: حاد عن كلامهم غضباً عليهم فقال أولئك مع المؤمنين ولم يقل هم المؤمنون انتهى، والظاهر أن معنى (مع) هو معتبر هنا أي فأولئك مصاحبون للمؤمنين في أحكام الدنيا والآخرة ثم بين ما أعد الله للمؤمنين الذين هؤلاء معهم فقال:

(وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيماً) في الآخرة وحذفت الياء من (يؤتى) في الخط كما حذفت في اللفظ لسكونها وسكون اللام بعدها، ومثله (يوم يدع الداع، وسندع الزبانية، ويوم يناد المناد) ونحوها فإن الحذف في الجميع لالتقاء الساكنين، فجاء الرسم تابعاً للفظ، والقراء يقفون عليه دون ياء اتباعاً للخط الكريم إلا يعقوب والكسائي وحمزة فإنهم يقفون بالياء نظراً إلى الأصل.

(1) قال السيوطي في " الدر " 2/ 236 رواه ابن أبي شيبة، وهناد، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم في صفة الناس عن ابن مسعود. قلت: وفي سنده انقطاع، لأن خيثمة بن عبد الرحمن الراوي عن ابن مسعود لم يسمع منه، ذكره الإمام أحمد، ورواه ابن أبي حاتم من طريق حماد ابن سلمة: أخبرنا علي بن زيد عن القاسم بن عبد الرحمن أن ابن مسعود

وعلي بن يزيد ضعيف، والقاسم بن عبد الرحمن صدوق يرسل كثيراً وفي " الطبري " 9/ 339 عن أبي هريرة (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) قال:" في توابيت ترتج عليهم " وفي تفسير ابن كثير 1/ 570: ووراه ابن أبي حاتم بسند حسن، ولفظه:" الدرك الأسفل: بيوت لها أبواب تطبق عليهم، فتوقد من تحتهم ومن فوقهم ".

ص: 279

مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147) لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)

ص: 280

(ما يفعل الله بعذابكم) هذه الجملة متضمنة لبيان أنه لا غرض له سبحانه في التعذيب إلا مجرد المجازاة للعصاة، والاستفهام للتقرير والمعنى أي منفعة له في عذابكم (إن شكرتم وآمنتم) فإن ذلك لا يزيد في ملكه كما أن ترك عذابكم لا ينقص من سلطانه (وكان الله شاكراً عليماً) أي يشكر عباده على طاعته فيثيبهم عليها، ويتقبلها منهم، والشكر في اللغة الظهور، يقال دابة شكور إذا ظهر من سمنها فوق ما تعطى من العلف.

ص: 280

(لا يحبّ الله) نفي الحب كناية عن البغض أي يبغض (الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) قرىء على البناء للمجهول وعلى البناء للمعلوم، واختلف أهل العلم في كيفية الجهر بالسوء الذي يجوز لمن ظُلم فقيل هو أن يدعو على من ظلمه، وقيل لا بأس بأن يجهر بالسوء من القول على من ظلمه بأن يقول فلان ظلمني أو هو ظالم أو نحو ذلك، وقيل معناه إلا من أكره على أن يجهر بسوء من القول من كفر أو نحوه فهو مباح له، والآية على هذا في الإكراه وكذا قال قطرب.

والظاهر من الآية أنه يجوز لمن ظُلم أن يتكلم بالكلام الذي هو من السوء في جانب من ظلمه، ويؤيده الحديث الثابت في الصحيح بلفظ " ليُّ الواجد ظلم يُحلّ عرضه وعقوبته ".

وأما على القراءة الثانية فالاستثناء منقطع أي إلا من ظلم في فعل أو قول فاجهروا له بالسوء من القول في معنى النهي عن فعله والتوبيخ له.

ص: 280

وقال قوم معنى الكلام لا يحب الله أن يجهر أحد بالسوء من القول، لكن من ظلم فإنه يجهر بالسوء ظلماً وعدواناً وهو ظالم في ذلك، وهذا شأن كثير من الظلمة فإنهم مع ظلمهم يستطيلون بألسنتهم على من ظلموه وينالون من عرضه.

وقال الزجاج: يجوز أن يكون المعنى إلا من ظلم فقال سوءاً فإنه ينبغي أن يأخذوا على يديه، وعن ابن عباس قال: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوماً فإنه رخص له أن يدعو على من ظلمه، وإن يصبر فهو خير له.

وقد أخرج ابن أبي شيبة والترمذي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من دعا على من ظلمه فقد انتصر (1)، وقد أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: المتسابان ما قالاه فعلى الباديء منهما ما لم يعتد المظلوم (2).

قال الحسن: هو الرجل يظلم الرجل فلا يدع عليه ولكن ليقل اللهم أعِني عليه اللهم استخرج لي حقي، اللهم حل بيني وبين ما يريد ونحوه من الدعاء.

وقيل نزلت في الضيف إذا نزل بقوم فلم يقروه فله أن يشكو ما صنع به، وبه قال مجاهد والأول أولى (3).

(1) ضعيف الجامع/5588.

(2)

مسلم 2587.

(3)

ابن جرير 9/ 347 ونسبه السيوطي في " الدر " للفريابي وعبد بن حميد وجاء في " تفسير ابن كثير " 1/ 570: قال ابن عباس في تفسير الآية: يقول: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوماً، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله. (إلا من ظلم) وإن صبر فهو خير له.

⦗ص: 282⦘

وروى أبو داود [2/ 157] عن عائشة قالت: سرق لها شيء، فجعلت تدعو عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تسبخي عنه "(قال الخطابي: لا تسبخي عنه، أي: لا تخففي عنه بدعائك) وقال الحسن البصري: لا يدع عليه، وليقل: اللهم أعني عليه، واستخرج حقي منه. وقال عبد الكريم بن مالك الجزري في هذه الآية: هو الرجل يشتمك فتشتمه لكن إن افترى عليك فلا تفتر عليه، لقوله:" (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) وروى أبو داود [4/ 377]، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " المستبان ما قالا فعلى الباديء منهما ما لم يعتد المظلوم " [قلت: ورواه أحمد في المسند/19414 والبخاري في " الأدب المفرد " 1/ 512، ومسلم 4/ 2000، والترمذي 3/ 139.

ص: 281

وقال مقاتل: نزلت في أبي بكر الصديق وذلك أن رجلاً نال منه والنبي حاضر فسكت عنه أبو بكر مراراً ثم رد عليه، فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أبو بكر: يا رسول الله شتمني فلم تقل له شيئاً حتى إذا رددت عليه قمت، قال: إن ملكاً كان يجيب عنك فلما رددت عليه ذهب الملك وجاء الشيطان فقمت (1) ونزلت هذه الآية.

(وكان الله سميعاً عليماً) هذا تحذير للظالم بأن الله يسمع ما يصدر منه ويعلم به.

ثم بعد أن أباح للمظلوم أن يجهر بالسوء ندب إلى ما هو الأولى والأفضل فقال:

(1) مسند أحمد/2 - 426

ص: 282

(إن تبدوا خيراً أو تخفوه) يدخل في هاتين الكلمتين جميع أعمال البر وجميع دفع الضرر (أو تعفوا عن سوء) تصابون به (فإن الله كان عفواً) عن عباده (قديراً) على الإنتقام منهم بما كسبت أيديهم فاقتدوا به سبحانه فإنّه يعفو مع القدرة.

ص: 282