الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ
(37)
(يريدون أن يخرجوا من النار) هذا استئناف بياني كأنه قيل كيف حالهم فيما هم فيه من هذا العذاب الأليم فقيل يقصدون الخروج من النار ويطلبونه أو يتمنون (وما هم بخارجين منها) أي لا يستطيعون ذلك ومحلها النصب على الحال وقيل إنها جملة اعتراضية (ولهم عذاب مقيم) أي دائم ثابت لا يزول عنهم ولا ينتقل أبداً.
أخرج مسلم وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى عليه وآله وسلم قال: " يخرج من النار قوم فيدخلون الجنة "(1)، قال يزيد الفقير قلت لجابر: يقول الله يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها قال اتل أول الآية إن الذين كفروا الآية، ألا إنهم الذين كفروا.
وعن عكرمة أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس: تزعم أن قوماً يخرجون من النار وقد قال الله تعالى وما هم بخارجين منها فقال ابن عباس: ويحك اقرأ ما فوقها هذه للكفار، قال الزمخشري في الكشاف بعد ذكره: لهذا إنه مما لفّقته المجبّرة انتهى.
ويا لله العجب من رجل لا يفرق بين أصح الصحيح وبين أكذب الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتعرض للكلام على ما لا يعرفه ولا يدري ما هو، وقد تواترت الأحاديث تواتراً لا يخفى على من له أدنى إلمام بعلم الرواية أن عصاة الموحدين يخرجون من النار، فمن أنكر هذا فليس بأهل المناظرة لأنه أنكر ما هو من ضروريات الشريعة.
(1) البخاري الباب 51 من كتاب الرقاق- الترمذي الباب التاسع والعاشر من كتاب جهنم.
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)
(والسارق والسارقة فاقطعوا) لما ذكر سبحانه حكم من يأخذ المال جهاراً وهو المحارب، عقبه بذكر من يأخذ المال خفية وهو السارق، وذكر السارقة مع السارق لزيادة البيان، لأن غالب القرآن الاقتصار على الرجال في تشريع الأحكام.
وقد اختلف أئمة النحو في خبر السارق والسارقة هل هو مقدر أم فاقطعوا، فذهب إلى الأول سيبويه وقال تقديره فيما فرض عليكم أو فيما يتلى عليكم السارق والسارقة أي حكمهما، وذهب المبرد والزجاج إلى الثاني، ودخول الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط.
والسرقة بكسر الراء اسم الشيء المسروق، والمصدر هو السرق من سرق يسرق سرقاً، قاله الجوهري: وهو أخذ الشيء في خفية من الأعين، ومنه استرق السمع وسارقه النظر، والقطع معناه الإبانة والإزالة، وقدم السارق هنا والزانية في آية الزنا لأن الرجال إلى السرقة أميل، والنساء إلى الزنا أميل.
(أيديهما) أي يمين كل منهما من الكوع، وجمع الأيدي لكراهة الجمع بين التثنيتين، وقيل لأنه أراد يميناً من هذا ويميناً من هذه، فجمع فإنه ليس للإنسان إلا يمين واحدة وكل شيء موحّد من أعضاء الإنسان إذا ذكر مضافاً إلى اثنين فصاعداً جمع، والمراد باليد هنا اليمين قاله الحسن والشعبي والسدي، وكذلك هو في قراءة ابن مسعود فاقطعوا أيمانهما، وقيل الجارحة وحدّها عند
جمهور أهل اللغة من رؤوس الأصابع إلى الكوع فيجب قطعها من الكوع.
وقد بينت السنة المطهرة أن موضع القطع الرسغ، قال قوم يقطع من المرافق، وقال الخوارج من المنكب، والسرقة لا بد أن تكون ربع دينار فصاعداً ولا بد أن تكون من حرز كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة، وقد ذهب إلى اعتبار الحرز وربع الدينار الجمهور، وذهب قوم إلى التقدير بعشرة دراهم، وقال الحسن البصري: إذا جمع الثياب في البيت قطع.
وقد أطال الكلام في بحث السرقة أئمة الفقه وشراح الحديث بما لا يأتي التطويل به هنا بكثير فائدة، وأوضحت البحث في ذلك في شرحي لكتاب بلوغ المرام.
(جزاء بما كسبا) أي ذلك القطع جزاء على فعلهم (نكالاً من الله) أي عقوبة منه، تقول نكلت به إذا فعلت به ما يجب أن ينكل به عن ذلك الفعل، وعن قتادة قال: لا ترثوا لهم فيه فإنه أمر الله الذي أمر به، قال وذكر لنا أن عمر بن الخطاب كان يقول: اشتدوا على الفساق واجعلوهم يداً يداً ورجلاً رجلاً.
(والله عزيز) غالب في انتقامه ممن عصاه لا يعارض في حكمه (حكيم) فيما أوجبه من قطع يد السارق.
(فمن تاب من بعد ظلمه) السياق يفيد أن المراد بالظلم هنا السرقة أي فمن تاب من بعد سرقته (وأصلح) أمره ولكن اللفظ عام فيشمل السارق وغيره من المذنبين، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (فإن الله يتوب عليه) أي يغفر له ويتجاوز عنه ويقبل توبته (إن الله غفور) لمن تاب (رحيم) يرحمه.
وقد استدل بهذا عطاء وجماعة على أن القطع يسقط بالتوبة، وليس هذا
الاستدلال بصحيح لأن هذه الجملة الشرطية لا تفيد إلا مجرد قبول التوبة وليس فيها ما يفيد أنه لا قطع على التائب، وقد كان في زمن النبوة يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم من وجب عليه حد تائباً عن الذنب الذي ارتكبه طالباً لتطهيره بالحد فيحده النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال للسارق بعد قطعه " تب إلى الله " ثم قال: تاب الله عليك (1) أخرجه الدارقطني من حديث أبي هريرة.
وأخرج أحمد وغيره أن هذه الآية نزلت في المرأة التي كانت تسرق المتاع لما قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد قطعها: هل لي توبة؟ وقد ورد في السنة المطهرة ما يدل على أن الحدود إذا رفعت إلى الأئمة وجبت وامتنع إسقاطها وإن عفا عنه قبل الرفع إلى الإمام سقط القطع، وعليه الشافعي.
(1) الدارقطني عن أبي هريرة.
(ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض) هذا الاستفهام للإنكار مع تقرير العلم وهو كالعنوان لقوله (يعذب من يشاء) أي من كان له ملك السموات والأرض فهو قادر على هذا التعذيب الموكول إلى المشيئة والمغفرة الموكولة إليها، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به جميع الناس، وقيل الخطاب لكل فرد من الناس (ويغفر لمن يشاء) وإنما قدم التعذيب على المغفرة لأنه في مقابلة السرقة المقدمة على التوبة.
وهذه الآية فاضحة للقدرية والمعتزلة في قولهم بوجوب الرحمة للمطيع والعذاب للعاصي، لأن الآية دالة على أن التعذيب والرحمة مفوضان إلى المشيئة والوجوب ينافي ذلك (والله على كل شيء قدير) لأن الخلق كلهم عبيده وفي ملكه.