الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا
(94)
(يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبيّنوا) هذا متصل بذكر الجهاد والقتال، والضرب السير في الأرض، تقول العرب ضربت في الأرض إذا سرت لتجارة أو غزو أو غيرهما، وتقول ضربت الأرض بدون في، إذا قصدت قضاء حاجة الإنسان ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " لا يخرج الرجلان يضربان الغائط ".
والتبيّن هو التأمل وهي قراءة الجماعة، إلا حمزة فإنه قرأ (فتثبتوا) من التثبت، واختار القراءة الأولى أبو عبيدة وأبو حاتم قالا: لأن من أمر بالتبين فقد أمر بالتثبت، وإنما خص السفر بالأمر بالتبين مع أن التبيُنّ والتثبت في أمر القتل واجبان حضراً وسفراً بلا خلاف لأن الحادثة التي هي سب نزول الآية كانت في السفر (1).
(ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام) وقريء السلم ومعناهما واحد، واختار أبو عبيد (السلام) وخالفه أهل النظر فقالوا السلم هنا أشبه لأنه بمعنى الانقياد والتسليم، والمراد هنا لا تقولوا لمن ألقى بيده إليكم واستسلم (لست مؤمناً) فالسلم والسلام كلاهما بمعنى الاستسلام وقيل هما بمعنى الإسلام أي لا تقولوا لمن ألقى إليكم الإسلام أي كلمته وهي الشهادة لست مؤمناً.
(1) ضعيف الجامع الصغير 6351.
وقيل هما بمعنى التسليم وهو تحية أهل الإسلام أي لا تقولوا لمن ألقى إليكم التسليم فقال السلام عليكم لست مؤمناً، وإنما قلت هذا تقيّة لنفسك ومالك، والمراد نهي المسلمين عن أن يهملوا ما جاء به الكافر مما يستدل به على إسلامه ويقولوا إنه إنما جاء بذلك تعوذاً وتقيّة.
ومؤمناً من أمّنته إذا أجرته فهو مؤمّن، وقيل المعنى لست من أهل الإيمان.
وقد استدل بهذه الآية على أن من قتل كافراً بعد أن قال لا إله إلا الله قتل به لأنه قد عصم بهذه الكلمة دمه وماله وأهله، وإنما أسقط القتل عمن وقع منه ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم تأولوا فظنوا أن من قالها خوفاً من السلاح لا يكون مسلماً ولا يصير بها دمه معصوماً، وأنه لا بد أن يقول هذه الكلمة وهو مطمئن غير خائف.
وفي حكم التكلم بكلمة الإسلام إظهار الإنقياد بأن يقول أنا مسلم أو أنا على دينكم، لما عرفت من أن معنى الآية الاستسلام والانقياد، وهو يحصل بكل ما يشعر بالإسلام من قول أو عمل، ومن جملة ذلك كلمة الشهادة وكلمة التسليم، فالقولان الآخران في معنى الآية داخلان تحت القول الأول.
وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال: لحق ناس من المسلمين رجلاً معه غنيمة له فقال السلام عليكم فقتلوه وأخذوا غنيمته، فنزلت هذه الآية، وفي سبب النزول روايات كثيرة وهذا الذي ذكرناه أحسنها.
(تبتغون عرض الحياة الدنيا) أي لا تقولوا تلك المقالة طالبين الغنيمة، على أن يكون النهي راجعاً إلى القيد والقيد لا إلى القيد فقط، وسمي متاع الدنيا عرضاً لأنه عارض زائل غير ثابت.
قال أبو عبيدة: يقال جميع متاع الدنيا عرض بفتح الراء، وأما العرض بسكون الراء فهو ما سوى الدنانير والدراهم، فكل عرض بالسكون عرض بالفتح، وليس كل عرض بالفتح عرضاً بالسكون، وفي كتاب العين: العرض ما نيل من الدنيا ومنه قوله تعالى (تريدون عرض الدنيا) وجمعه عروض.
وفي المجمل لإبن فارس: والعرض ما يعترض للإنسان من مرض ونحوه وعرض الدنيا ما كان فيها من مال قل أو كثر، والعرض من الأثاث ما كان غير نقد.
(فعند الله) هو تعليل للنهي أي عند الله مما هو حلال لكم من دون ارتكاب محظور (مغانم كثيرة) تغنمونها وتستغنون بها عن قتل من قد استسلم وانقاد وإغنام ماله، وقيل فعنده ثواب كثير لمن اتقى قتل المؤمن، والمغانم جمع مغنم وهو يصلح للمصدر والزمان والمكان، ثم يطلق على ما يؤخذ من مال العدو، إطلاقاً للمصدر على اسم المفعول نحو ضرب الأمير.
(كذلك كنتم من قبل) أي كنتم مثل الرجل المذكور في مبادئ الإسلام كفاراً فحقنت دماؤكم لما تكلمتم بكلمة الشهادة أو كذلك كنتم من قبل تخفون إيمانكم عن قومكم خوفاً على أنفسكم حتى منّ الله عليكم بإعزاز دينه فأظهرتم الإيمان وأعلنتم به.
(فمنّ الله عليكم) يعني بالإسلام والهداية فلا تقتلوا من قال لا إله إلا الله أو منّ عليكم بإعلان الإسلام بعد الإختفاء، وقيل بالتوبة (فتبيّنوا) ولا تعجلوا بقتل مؤمن، وكرر الأمر بالتبين للتأكيد عليهم لكونه واجباً لا فسحة فيه ولا رخصة (إن الله كان بما تعملون خبيراً) فلا تتهافتوا في القتل وكونوا محترزين محتاطين في ذلك.