المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌سورة المائدة هي مائة وثلاث وعشرون آية، قال - فتح البيان في مقاصد القرآن - جـ ٣

[صديق حسن خان]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌سورة المائدة هي مائة وثلاث وعشرون آية، قال

بسم الله الرحمن الرحيم

‌سورة المائدة

هي مائة وثلاث وعشرون آية، قال القرطبي: هي مدنية بالإجماع، وبه قال قتادة، وعن محمد ابن كعب قال إنها نزلت في حجة الوداع فيما بين مكة والمدينة، وأخرج أبو عبيد عن ضمرة بن حبيب وعطية بن قيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المائدة في آخر القرآن تنزيلاً. فأحلوا حلالها وحرموا حرامها، ورد هذا الحديث من قول عائشة وليس هو بحديث عن رسول الله وقد ساقه ابن كثير ج 2 ص 2.

وعن عمر بن شرحبيل قال: لم يسنخ من المائدة شيء، وقال الشعبي إلا هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ)، وزاد ابن عباس:(فَإِن جَاؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) قال ميسرة: إن الله أنزل في هذه السورة ثمانية عشر حكماً لم ينزلها في غيرها من سور القرآن وهي قوله: (وَالمُنْخَنِقَةُ) إلى قوله: (إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْت).

ص: 319

بسم الله الرحمن الرحيم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)

ص: 321

(يا أيها الذين آمنوا) هذه الآية التي افتتح الله تعالى بها هذه السورة إلى قوله (إن الله يحكم ما يريد) فيها من البلاغة ما يتقاصر عنده القوى البشرية مع شمولها لأحكام عدة منها الوفاء بالعقود، ومنها تحليل بهيمة الأنعام، ومنها استثناء ما سيتلى مما لا يحل، ومنها تحريم الصيد على المحرم، ومنها إباحة الصيد لمن ليس بمحرم.

وقد حكى النقاش أن أصحاب الفيلسوف الكندي قالوا له: أيها الحكيم اعمل لنا مثل هذا القرآن، فقال نعم أعمل مثل بعضه فاحتجب أياماً كثيرة ثم خرج فقال والله ما أقدر ولا يطيق هذا أحد، إني فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء، ونهى عن النكث، وحلل تحليلاً عاماً ثم استثنى بعد استثناء ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين، ولا يقدر أحد أن يأتي بهذا.

(أوفوا) يقال أوفى ووفى لغتان، والوفاء القيام بموجب العقد، وكذا الإيفاء (بالعقود) العهود وأصلها الرُّبوط واحدها عند، يقال عقدت الحبل والعهد فهو يستعمل في الأجسام والمعاني، وإذا استعمل في المعاني كما هنا أفاد أنه شديد الإحكام قوي التوثيق.

قيل المراد بالعقود هي التي عندها الله على عباده وألزمهم بها من الأحكام، وقيل هي العقود التي يعقدونها بينهم من عقود المعاملات والأمانات

ص: 321

ونحوها، والأولى شمول الآية للأمرين جميعاً، ولا وجه لتخصيص بعضها دون بعض، قال الزجاج: المعنى أوفوا بعقد الله عليكم وبعقدكم بعضكم على بعض انتهى.

والعقد الذي يجب الوفاء به ما وافق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن خالفهما فهو رد لا يجب الوفاء به ولا يحل، قال ابن عباس: أوفوا بالعقود أي ما أحل الله وما حرم وما فرض وما حد في القرآن كله، لا تغدروا ولا تنكثوا.

وعن قتادة قال: هي عقود الجاهلية الحلف، وعنه قال ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: أوفوا بعقد الجاهلية، ولا تحدثوا عقداً في الإسلام (1)، وقال ابن جريج الخطاب لأهل الكتاب: أي العقود التي عهدتها إليكم في شأن محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان به، وما أبعده.

وقيل هو خطاب للمؤمنين وهذا هو الظاهر، والعقود خمس: عقد اليمين وعند النكاح وعند العهد وعقد البيع وعقد الشركة، وزاد بعضهم وعقد الحلف، قال الطبري: وأولى الأقوال ما قاله ابن عباس، وقد تقدم لأن الله تعالى أتبعه بالبيان عما أحل لعباده وحرم عليهم فقال:

(أحلت لكم بهيمة الأنعام) الخطاب للذين آمنوا خاصة، والبهيمة اسم لكل ذي أربع من الحيوان لكن خص في التعارف بما عدا السباع والضواري من الوحوش، وإنما سميت بذلك لإبهامها من جهة نقص نطقها وفهمها وعقلها، ومنه باب مبهم أي مغلق، وليل بهيم، وبهيمة للشجاع الذي لا

(1) صحيح الجامع/2550.

ص: 322

يدري من أين يؤتى وحلقة مبهمة لا يدري أين طرفاها، قال الزجاج: كل حي لا يميز فهو بهيمة.

والأنعام اسم للإبل والبقر والغنم سميت بذلك لما في مشيها من اللين، وقيل بهيمة الأنعام وحشيّها كالظباء وبقر الوحش والحمر الوحشية وغير ذلك قاله الكلبي، وحكاه ابن جرير والطبري عن قوم، وحكاه غيره عن السدي والربيع وقتادة والضحاك.

قال ابن عطية وهذا قول حسن: وذلك أن الأنعام هي الثمانية الأزواج وما انضاف إليها من سائر الحيوانات يقال له أنعام مجموعة معها، وكأن المفترس كالأسد كل ذي ناب خارج عن حد الأنعام، ولا يدخل فيها ذوات الحوافر في قول جميع أهل اللغة، فبهيمة الأنعام هي الراعي من ذوات الأربع.

وقيل بهيمة الأنعام ما لم يكن صيداً لأن الصيد يسمى وحشياً لا بهيمة، وقيل بهيمة الأنعام الأجِنَّة التي تخرج عند الذبح من بطون الأنعام فهي تؤكل من دون ذكاة قاله ابن عباس (1).

وعلى القول الأول أعني تخصيص الأنعام بالإبل والبقر والغنم تكون الإضافة بيانية من إضافة الجنس إلى أخص منه، أو هي بمعنى (من) لأن البهيمة أعم فأضيف إلى أخص كثوب خز، قاله الكرخي، والأول أولى.

(1) في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ذكاة الجنين ذكاة أمه " رواه أبو داود: 3/ 136، والترمذي 1/ 178، وابن ماجه: 2/ 1067 من حديث جابر وهو حديث صحيح. وفي " المغني " 11/ 51: إذا خرج الجنين ميتاً من بطن أمه بعد ذبحها أو وجد ميّتاً في بطنها، أو كانت حركته بعد خروجه كحركة المذبوح فهو حلال. روي هذا عن عمر وعلي وبه قال سعيد ابن المسيب، والنخعي، والشافعي، وإسحاق وابن المنذر.

ص: 323

ويلحق بها ما يحل مما هو خارج عنها بالقياس بل وبالنصوص التي في الكتاب والسنة كقوله تعالى (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة) الآية، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: يحرم كل ذي ناب من السبع ومخلب من الطير، فإنه يدلّ بمفهومه على أن ما عداه حلال، وكذلك سائر النصوص الخاصة بنوع كما في كتب السنة المطهرة.

(إلا ما يتلى عليكم) في القرآن تحريمه استثناء من قوله (أحلت لكم بهيمة الأنعام) أي إلا مدلول ما يتلى عليكم فإنه ليس بحلال، والمتلوّ هو ما نص الله على تحريمه نحو قوله تعالى (حرّمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به) وذلك عشرة أشياء أولها الميتة وآخرها ما ذبح على النصب (1).

قال ابن عباس: هذا ما حرم الله من بهيمة الأنعام، ويلحق به ما صرحت السنة بتحريمه وهذا الاستثناء يحتمل أن يكون المراد به إلا ما يتلى عليكم الآن، ويحتمل أن يكون المراد به في مستقبل الزمان فيدل على جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة ويحتمل الأمرين جميعاً.

(غير محلّي الصيد) ذهب البصريون إلى أن قوله الأول استثناء من بهيمة الأنعام وقوله: (غير محلّي الصيد) استثناء آخر منه أيضاً، فالإستثناآن جميعاً من بهيمة الأنعام، والتقدير أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم إلا الصيد وأنتم محرمون.

وقيل الاستثناء الأول من بهيمة الأنعام، والثاني هو من الاستثناء الأول، ورد بأن هذا يستلزم إباحة الصيد في حال الإحرام لأنه مستثنى من المحظور

(1) وفي " القرطبي " 3/ 35: قوله تعالى: (إلا ما يتلى عليكم) أي: يقرأ عليكم في القرآن والسنة من قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة) وقوله عليه الصلاة والسلام: " وكل ذي ناب من السباع حرام ".

ص: 324

فيكون مباحاً، وقيل التقدير أحلت لكم بهيمة الأنعام غير مُحلّي الصيد أي الاصطياد في البر، وأكل صيده.

ومعنى عدم إحلالهم له تقرير حرمته عملاً واعتقاداً وهو شائع في الكتاب والسنة، ونصب غير على الحال من ضمير لكم، وعليه كلام الجمهور، وذهب إليه الزمخشري وتعقب وأجيب.

ومعنى هذا التقييد أي (وأنتم حرم) ظاهر عند من يخص بهيمة الأنعام بالحيوانات الوحشية البرية التي يحل أكلها، كأنه قال: أحل لكم صيد البر إلا في حال الإحرام، وأما على قول من يجعل الإضافة بيانية فالمعنى أحلت لكم بهيمة هي الأنعام حال تحريم الصيد عليكم بدخولكم في الإحرام لكونكم محتاجين إلى ذلك، فيكون المراد بهذا التقييد الامتنان عليهم بتحليل ما عدا ما هو محرم عليهم في تلك الحال.

والمراد بالحرم من هو محرم بالحج أو العمرة أو بهما، وسمي محرماً لكونه يحرم عليه الصيد والطيب والنساء، وهكذا وجه تسمية الحرم حرماً، والإحرام إحراماً (إن الله يحكم ما يريد) من الأحكام المخالفة لما كانت العرب تعتاده، فهو مالك الكل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه، ولا اعتراض عليه، لا ما يقوله المعتزلة من مراعاتة المصالح، قاله أبو حيان (1).

(1) البيت للمضرب بن كعب بن زهير بن أبي سُلمى، وهو في " مجاز القرآن " 1/ 145 و " السمط ": 2/ 791، و " الاقتضاب ": 475، و " شرح أدب الكاتب " للجواليقي: 411 و " القرطبي ": 6/ 36. قال البطليوسي: سمي المضرب، لأنه شبب بامرأة، فغار أخوها لذلك، فضربه بالسيف ضربات عديدة، ويروى لشبل بن الصامت المري وبعده.

قصدت بعيني شادنٍ وتبسمت

بعجفاء عن غرٍ لهن غروب

وأراد بالغر: أسنانها، والغروب: جمع غرب، وهو حد الأسنان. وصف أنَّ محبوبته لقيها وهو محرم ملب، فتورع عن الكلام معها ومعنى " ميئي ": ارجعي. و " الحرام ": المحرم. و " لبيب " ها هنا بمعنى: ملب وهو نادر، لأن فعيلاً لا يستعمل بمعنى " مفعل " و " بعد " بمعنى:" مع " وقوله: " ميئي إليك " أمر بعد أمر على معنى التأكيد في إبعادها عن نفسه.

ص: 325

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)

ص: 326

(يا أيها الذين آمنوا لا تحلّوا شعائر الله) الشعائر جمع شعيرة على وزن فعيلة، قال ابن فارس: ويقال للواحدة شعارة وهو أحسن، ومنه الإشعار للهدي، والمشاعر المعالم واحدها مشعر وهي المواضع التي قد أشعرت بالعلامات، قيل المراد بها هنا جميع مناسك الحج وقيل الصفا والمروة والهدي والبدن.

والمعنى على هذين القولين: لا تُحلّوا هذه الأمور بأن يقع منكم الإخلال بشيء منها أو بأن تحولوا بينها وبين من أراد فعلها.

ذكر سبحانه النهي عن أن يُحلوا شعائر الله عقب ذكره تحريم صيد المحرم.

وإشعار الهدي أن يطعن في صفحة سنام البعير بحديدة حتى يسيل دمه فيكون ذلك علامة هدي، وهو سنة في الإبل والبقر دون الغنم، ويدل عليه أحاديث صحيحة في كتب السنة المطهرة، وقيل المراد بالشعائر هنا فرائض الله ومنه (ومن يعظّم شعائر الله) وقيل هي حرمات الله، وقال ابن عباس: هي أن تصيد وأنت محرم، وقيل شرائع الله ومعالم دينه، ولا مانع من حمل ذلك على الجميع اعتباراً بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولا بما يدل عليه السياق.

ص: 326

(ولا الشهر الحرام) المراد به الجنس فيدخل في ذلك جميع الأشهر الحرم وهي أربعة: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب. لا تحلوها بالقتال فيها.

وقيل المراد به هنا شهر الحج فقط وقيل ذو القعدة وقيل رجب، ذكرهما ابن جرير، والأول أولى.

(ولا الهدي) هو ما يهدى إلى بيت الله من ناقة أو بقرة أو شاة، الواحدة هدية، نهاهم سبحانه عن أن يحلّوا حرمة الهدي بأن يأخذوه على صاحبه أو يحولوا بينه وبين المكان الذي يهدى إليه، وعطف الهدي على الشعائر مع دخوله تحتها لقصد التنبيه على مزيد خصوصيته والتشديد في شأنه.

(ولا القلائد) جمع قلادة وهي ما تُقلَّد به الهدي من نعل أو نحوه، وما تشد في عنق البعير وغيره، وإحلالها بأن تؤخذ غصباً، وفي النهي عن إحلال القلائد تأكيد النهي عن إحلال الهدي، وقيل المراد بالقلائد المقلّدات بها ويكون عطفه على الهدي لزيادة التوصية بالهدي، والأول أولى.

وقيل المراد بالقلائد ما كان الناس يتقلدونه أمنة لهم، فهو على حذف مضاف أي ولا أصحاب القلائد، وقيل أراد بالقلائد نفس القلائد فهو نهي عن أخذ لحاء شجر الحرم حتى يتقلد به طلباً للأمر، قاله مجاهد وعطاء وغيرهما.

(ولا آمّين البيت الحرام) أي قاصديه، من قولهم أممت كذا أي قصدته، والمعنى لا تمنعوا من قصد البيت الحرام لحج أو عمرة أو ليسكن فيه، وقيل لا تحلوا قتال قوم أو أذى قوم آمّين.

وقال ابن عباس: سبب نزول هذه الآية أن المشركين كانوا يحجون ويعتمرون ويهدون الهدايا، ويعظمون حرمة المشاعر، وينحرون في حجهم،

ص: 327

فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم، فنزلت هذه الآية إلى آخرها، فيكون ذلك منسوخاً بقوله (أقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وقوله (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) وقوله صلى الله عليه وسلم: لا يحجّن بعد العام مشرك (1) وبه قال ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وأكثر المفسرين.

وقال قوم الآية محكمة وهي في المسلمين، قال الواحدي: وذهب جماعة إلى أنه لا منسوخ في هذه السورة، وأن هذه محكمة وقال آخرون: لم ينسخ من ذلك شيء سوى القلائد التي كانت في الجاهلية يتقلدونها من لحاء شجر الحرم.

والظاهر ما عليه جمهور العلماء من نسخ هذه الآية لإجماع العلماء على أن الله تعالى قد أحل قتال أهل الشرك في الأشهر الحرم وغيرها، وكذلك أجمعوا على منع من قصد البيت بحج أو عمرة من المشركين والله أعلم.

(يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً) قال جمهور المفسرين: معناه يبغون الفضل والرزق والأرباح في التجارة، ويبتغون مع ذلك رضوان الله تعالى، وقيل كان منهم من يطلب التجارة ومنهم من يبتغي بالحج رضوان الله، ويكون هذا الابتغاء للرضوان بحسب اعتقادهم وفي ظنهم عند من جعل الآية في المشركين، وقيل المراد بالفضل هنا الثواب لا الأرباح في التجارة.

(وإذا حللتم فاصطادوا) هذا تصريح بما أفاده مفهوم (وأنتم حرم) أباح لهم الصيد بعد أن حظره عليهم لزوال السبب الذي حرم لأجله وهو الإحرام، ومثله قوله تعالى (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض) والأمر للإباحة لأن الله حرم الصيد على المحرم حالة الإحرام بقوله (غير محلي الصيد وأنتم حرم) وأباحه له إذا حل من إحرامه بقوله (وإذا حللتم فاصطادوا)

(1) صحيح الجامع/7508.

ص: 328

وإنما قلنا أمر إباحة لأنه ليس بواجب على المحرم إذا حل من إحرامه أن يصطاد، وقرئ أحللتم وهي لغة في حل، يقال أحل من إحرامه كما يقال حل.

(ولا يجرمنّكم) تأمّل هذا النهي، فإن الذين صدوا المسلمين عن دخول مكة كانوا كفاراً حربيين، فكيف ينهى عن التعرض لهم وعن مقاتلتهم، فلا يظهر إلا أن هذا النهي منسوخ، ولم أر من نبّه عليه، أو يقال أن النهي عن التعرض لهم من حيث عقد الصلح الذي وقع في الحديبية فبسببه صاروا مؤمنين، وحينئذ فلا يجوز التعرض لهم، ولم أر من نبّه على هذا أيضاً.

قال ابن فارس: جرم وأجرم ولا جرم بمعنى قولك لا بد ولا محالة وأصلها من جرم أي كسب، وقيل المعنى لا يحملنكم قاله الكسائي وثعلب وهو يتعدى إلى مفعولين، يقال جرمني كذا على بغضك أي حملني عليه، وقال أبو عبيدة والفراء: المعنى لا يكسبنكم بغض قوم أن تعتدوا الحق إلى الباطل، والعدل إلى الجور، والجريمة والجارم بمعنى الكاسب.

والمعنى في الآية لا يحملنكم بغض قوم على الاعتداء عليهم أو لا يكسبنكم بغضهم اعتداءكم الحق إلى الباطل، ويقال جرم يجرم جرماً إذا قطع، قال علي بن عيسى الرماني: وهو الأصل فجرم بمعنى حمل على الشيء لقطعه من غيره، وجرم بمعنى كسب لإنقطاعه إلى الكسب، وجرم بمعنى حق لأن الحق يقطع عليه، قال الخليل: معنى لا جرم أن لهم النار لقد حق أن لهم النار.

وقال الكسائي: جرم وأجرم لغتان بمعنى واحد أي اكتسب، وقرأ ابن مسعود لا يجرمنكم بضم الياء، والمعنى لا يكسبنكم، ولا يعرف البصريون أجرم، وإنما يقولون جرم لا غير.

(شنآن قوم) مصدر مضاف لمفعوله لا إلى فاعله كما قيل، والشنآن

ص: 329

البغض يقال شنئت الرجل اشنؤه شنأً وشنآناً، كل ذلك إذا أبغضته، وقد أنكر أبو حاتم وأبو عبيدة شنآناً بسكون النون لأن المصادر إنما تأتي في مثل هذا متحركة، وخالفهما غيرهما فقال ليس هذا مصدراً، ولكنه اسم فاعل على وزن كسلان وغضبان، وقيل سماعي مخالف للقياس من وجهين، تعدى فعله وكسر عينه لأنه لا يقاس إلا في مفتوحها اللازم.

(أن صدوكم) بفتح الهمزة مفعول لأجله أي لأن صدوكم وهي قراءة واضحة، والمعنى على قراءة الشرطية بكسر الهمزة لا يحملنكم بغضهم إن وقع منهم الصد لكم.

(عن المسجد الحرام أن تعتدوا) أي على الإعتداء عليهم بالقتل وأخذ المال، وقال النحاس: وأما إن صدوكم بكسر (إن) فالعلماء الجلّة بالنحو والحديث والنظر يمنعون القراءة بها لأشياء، منها أن الآية نزلت عام الفتح سنة ثمان، وكان المشركون صدوا المؤمنين عام الحديبية سنة ست، فالصد كان قبل الآية.

ولما نهاهم عن الاعتداء أمرهم بالتعاون على البر والتقوى فقال (وتعاونوا على البر والتقوى) أي ليعن بعضكم بعضاً على ذلك، وهو يشمل كل أمر يصدق عليه أنه من البر والتقوى كائناً ما كان، قيل إن البر والتقوى لفظان لمعنى واحد وكرر للتأكيد، وقال ابن عطية: إن البر يتناول الواجب والمندوب، والتقوى يختص بالواجب، وقال الماوردي: إن في البر رضا الناس، وفي التقوى رضا الله، فمن جمع بينهما فقد تمت سعادته، قال ابن عباس: البر ما أمرت به والتقوى ما نهيت عنه.

(ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) أي لا يعن بعضكم بعضاً على ذلك والإثم كل فعل أو قول يوجب إثم فاعله أو قائده، والعدوان التعدي على

ص: 330

الناس بما فيه ظلم، فلا يبقى نوع من أنواع الموجبات للإثم، ولا نوع من أنواع الظلم للناس إلا وهو داخل تحت هذا النهي لصدق هذين النوعين على كل ما يوجد فيه معناهما، وقيل الإثم هو الكفر والعدوان هو الظلم، وقيل الإثم المعاصي والعدوان البدعة، والأول أولى.

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه عن وابصة أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال له: البر ما اطمأن إليه القلب واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك (1).

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب ومسلم والترمذي والحاكم والبيهقي عن النواس بن سمعان قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم، فقال: البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس (2).

وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي أُمامة أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإثم فقال: ما حاك في نفسك فدعه، قال فما الإيمان، قال من ساءته سيئته وسرته حسنته فهو مؤمن (3).

(واتقوا الله إنّ الله شديد العقاب) أمر سبحانه عباده بالتقوى وتوعد من خالف ما أمر به فتركه أو خالف ما نهى عنه ففعله، ففيه تهديد عظيم ووعيد شديد.

(1) صحيح الجامع 2978.

(2)

مسلم 2553.

(3)

مسند أحمد 5/ 382.

ص: 331

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)

ص: 332

(حرّمت عليكم) هذا شروع في تفصيل المحرمات التي أشار إليها سبحانه بقوله (إلا ما يتلى عليكم) بالإجمال، وحاصل ما ذكر في هذا البيان أحد عشر شيئاً كلها من قبيل الطعوم إلا الأخير، وهو الاستقسام بالأزلام.

(الميتة) المراد البهيمة التي تموت حتف أنفها أي أكلها (والدم) وما هنا من تحريم مطلق الدم مقيد بكونه مسفوحاً كما تقدم، حملاً للمطلق على المقيد، وقد ورد في السنة تخصيص الميتة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: أحل لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدّمان فالكبد والطحال (1) أخرجه الشافعي وأحمد وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وفي إسناده مقال، ويقويه حديث وهو الطهور ماؤه والحل ميتته " (2) وهو عند أحمد وأهل السنن وغيرهم وصححه جماعة منهم ابن خزيمة وابن حبان، وقد أطال الشوكاني الكلام عليه في شرحه للمنتقى.

(ولحم الخنزير) قيل كله نجس، وإنما خص اللحم لأنه معظم المقصود

(1) الدارقطني 4/ 272.

(2)

صحيح الجامع 6925.

ص: 332

بالأكل (وما أهل لغير الله به) أي ما ذكر على ذبحه أو عند ذبحه غير اسم الله تعالى، والإهلال رفع الصوت لغير الله كان يقول باسم اللات والعزى ونحو ذلك، فحرمه الله بهذه الآية وبقوله (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه).

قال شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية رحمه الله في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم في الكلام على هذه الآية: إن ظاهرها أنه ما ذبح لغير الله سواء لفظ به أو لم يلفظ، وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه وقال فيه باسم المسيح ونحوه، كما أن ما ذبحناه متقربين به إلى الله كان أزكى مما ذبحناه للحم وقلنا عليه باسم الله، فإن عبادة الله بالصلاة والنسك له أعظم من الاستعانة باسمه في فواتح الأمور، والعبادة لغير الله أعظم من الاستعانة بغير الله، فلو ذبح لغير الله متقرباً إليه لحرم وإن قال فيه باسم الله، كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة، وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال لكن تجتمع في الذبيحة مانعات، ومن هذا ما يفعل بمكة وغيرها من الذبح اهـ.

وكلامه في هذا الباب واسع جداً .. وكذلك كلام غيره من أهل العلم، ولا حاجة بنا هنا إلى تكرير ما قد أسلفناه في سورة البقرة من أحكام هذه الأربعة ففيه ما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره.

(والمنخنقة) هي التي تموت بالخنق، وهو حبس النفس سواء كان ذلك بفعلها كأن تدخل رأسها في حبل أو بين عودين أو بفعل آدمي أو غيره، وقد كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة فإذا ماتت أكلوها، والفرق بينهما أن الميتة تموت بلا سبب أحد والمنخنقة تموت بسبب الخنق.

(والموقوذة) هي التي تضرب بحجر أو عصا حتى تموت من غير تذكية

ص: 333

يقال وقذه يقذه وقذا فهو وقيذ، والوقذ شدة الضرب حتى يسترخي ويشرف على الموت وبابه وعد، وشاة موقوذة قتلت بالخشب، وفلان وقيذ أي مثخن ضرباً، وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك فيضربون الأنعام بالخشب لآلهتهم حتى تموت ثم يأكلونها.

وقال ابن عبد البر: واختلف العلماء قديماً وحديثاً في الصيد بالبندق والحجر والمعراض، ويعني بالبندق قوس البندقية، وبالمعراض السهم الذي لا ريش له أو العصا التي رأسها محدود، قال: فمن ذهب إلى أنه وقيذ لم يجزه إلا ما أدرك ذكاته على ما روى عن ابن عمر وهو قول مالك وأبى حنيفة أصحابه والثوري والشافعي، وخالفهم الشاميون في ذلك.

قال الأوزاعي: في المعراض كُلْه خزنى أو لم يخزق فقد كان أبو الدرداء وفضالة بن عبيد وعبد الله بن عمر ومكحول لا يرون به بأساً، قال ابن عبد البر: هكذا ذكر الأوزاعي عن عبد الله بن عمر، والمعروف عن ابن عمر ما ذكر مالك عن نافع، قال: والأصل في هذا الباب والذي عليه العمل وفيه الحجة حديث عديّ بن حاتم وفيه ما أصاب بغرضه فلا تأكل فإنه وقيذ انتهى.

(قلت) والحديث في الصحيحين وغيرهما عن عدي قال: قلت يا رسول الله إني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب فقال: إذا رميت بالمعراض فخزق فكله وإن أصاب بعرضة فإنما هو وقيذ فلا تأكله (1)، فقد اعتبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخزنى وعدمه، فالحق أنه لا يحل إلا ما خزق لا ما صدم، فلا بد من التذكية قبل الموت وإلا كان وقيذاً.

(1) مسلم 1929؛ والبخاري 141.

ص: 334

قال الشوكاني: وأما البنادق المعروفة الآن وهي بنادق الحديد التي يجعل فيها البارود والرصاص ويرمى بها فلم يتكلم عليها أهل العلم لتأخر حدوثها فإنها لم تصل إلى الديار اليمنية إلا في المائة العاشرة من الهجرة، وقد سألني جماعة من أهل العلم عن الصيد بها إذا مات ولم يتمكن الصائد من تذكيته حيّاً، والذي يظهر لي أنه حلال لأنها تخزنى وتدخل في الغالب من جانب منه وتخرج من الجانب الآخر وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح السابق: إذا رميت بالمعراض فخزق فكله، فاعتبر الخزق في تحليل الصيد انتهى.

والحاصل أن جملة ما يحل الصيد به من الآلات هذه البنادق الجديدة التي يرمى بها بالبارود والرصاص، فإن الرصاصة يحصل بها خزق زائد على خزق السهم والرمح والسيف، ولها في ذلك عمل يفوق كل آلة، ويظهر لك ذلك بأنك لو وضعت ريشاً أو نحوه فوق رماد دقيق أو تراب دقيق وغرزت فيه شيئاً يسيراً من أصلها ثم ضربتها بالسيف المحدد أو نحو ذلك من الآلات لم يقطعها وهي على هذه الحالة، ولو رميتها بهذه البنادق لقطعتها.

فلا وجه لجعلها قاتلة بالصدم لا من عقل ولا من نقل من النهي عن أكل ما رمي بالبندقية، كما في رواية من حديث عدي بن حاتم عند أحمد بلفظ ولا تأكل من البندقة إلا ما ذكيت، فالمراد بالبندقة هنا هي التي تتخذ من طين فيرمى بها بعد أن تيبس.

وفي صحيح البخاري قال ابن عمر في المقتولة بالبندقة تلك الموقوذة، وكرهه سالم والقاسم ومجاهد وإبراهيم وعطاء والحسن، وهكذا ما صيد بحصى الخذف فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن المغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال: إنها لا تصيد

ص: 335

صيداً ولا تنكيء عدواً لكنها تكسر السن وتفقأ العين (1)، ومثل هذا ما قتل بالرمي بالحجارة غير المحدودة إذا لم تخزق فإنه وقيذ لا يحل، وأما إذا خزقت حل.

(والمتردّية) هي التي تتردى من علو كالسطح والجبل ونحوهما إلى سفل فتموت من غير فرق بين أن تردى من جبل أو بئر أو مدفن أو غيرها، والتردي مأخوذ من الردى وهو الهلاك، وسواء تردت بنفسها أو ردّاها غيرها.

(والنطيحة) هي فعيلة بمعنى مفعولة وهي التي تنطحها أخرى فتموت من دون تذكية، وقال قوم: إن فعيلة بمعنى فاعلة لأن الدابتين تتناطحان فتموتان وقال نطيحة ولم يقل نطيح مع أنه قياس فعيل لأن لزوم الحذف مختص بما كان من هذا الباب صفة لوصوف مذكور، فإن لم يذكر ثبتت التاء للنقل من الوصفية إلى الإسمية، وفي القاموس نطحه كمنعه وضربه أصابه بقرنه.

(وما أكل السبع) أي ما افترسه منه ذو ناب كالأسد والنمر والذئب والفهد والضبع ونحوها، والمراد هنا ما أكل بعضه السبع لأن ما أكله السبع كله قد فني فلا حكم له، وإنما الحكم لا بقي منه، والسبع اسم يقع على كل حيوان له ناب ويعدو على الناس والدواب فيفترس بنابه، ومن العرب من يخص اسم السبع بالأسد، وكانت العرب إذا أكل السبع شاة ثم خلصوها منه أكلوها وإن ماتت ولم يذكوها.

(إلا ما ذكّيتم) استثناء متصل عند الجمهور وهو راجع على ما أدركت ذكاته من المذكورات سابقاً وفيه حياة، وقال المدنيون وهو الشهور من مذهب مالك وهو أحد قولي الشافعي أنه إذا بلغ السبع منها إلى ما لا حياة معه فإنها لا تؤكل.

(1) مسلم 1954؛ والبخاري 2046.

ص: 336

وحكاه في الموطأ عن زيد بن ثابت وإليه ذهب إسماعيل القاضي فيكون الاستثناء على هذا منقطعاً أي حرمت عليكم هذه الأشياء لكن ما ذكيتم فهو الذي يحل ولا يحرم، والأول أولى، والذكاة في كلام العرب الذبح، قاله قطرب وغيره.

وأصل الذكاة في اللغة التمام أي تمام استكمال القوة، والذكاء حدة القلب وسرعة الفطنة، والذكاة ما تذكى منه النار، ومنه أذكيت الحرب والنار أوقدتهما، وذكاء اسم الشمس، والمراد هنا إلا ما أدركتم ذكاته على التمام، والتذكية في الشرع عبارة عن أنهار الدم وفري الأوداج في المذبوح، والنحر في المنحور، والعقر في غير المقدور، مقرونًا بالقصد لله وذكر اسمه عليه.

وأما الآلة التي يقع بها الذكاة فذهب الجمهور إلى أن كل ما أنهر الدم وفرى الأوداج فهو آلة للذكاة ما خلا السن والعظم، وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة.

(و) حرم (ما ذبح على النصب) أي ما قصد بذبحه النصب، ولم يذكر اسمها عند ذبحه بل قصد تعظيمها بذبحه فـ (على) بمعنى اللام فليس هذا مكرراً مع ما سبق، إذ ذاك فيما ذكر عند ذبحه اسم الصنم، وهذا قصد بذبحه تعظيم الصنم من غير ذكره، وقال ابن فارس: النصب حجر كان ينصب فيعبد وتصب عليه دماء الذبائح، والنصاب حجارة تنصب حوالي شفير البئر فتجعل عضائد، وقيل النصب جمع واحده نصاب كحمار وحمر، وقرأ الجحدري كالحبل والجمل والجمع أنصاب كالأحبال والأجمال.

قال مجاهد: هي حجارة كانت حوالي مكة يذبحون عليها، وقيل كان حول الكعبة ثلثمائة وستون حجراً منصوبة قال ابن عباس: هن الأصنام المنصوبة، قال ابن جريج: كانت العرب تذبح بمكة وتنضح بالدم ما أقبل من

ص: 337

البيت ويشرحون اللحم ويضعونه على الحجارة، فلما جاء الإسلام قال المسلمون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: نحن أحق أن نعظم هذا البيت بهذه الأفعال فأنزل الله (وما ذبح على النصب).

والمعنى والنية بذلك تعظيم النصب لا أن الذبح عليها غير جائز، ولهذا قيل: إن على بمعنى اللام أي لأجلها، قاله قطرب، وهو على هذا داخل فيما أُهلَّ به لغير الله وخص بالذكر لتأكيد تحريمه، ولدفع ما كانوا يظنونه من أن ذلك لتشريف البيت وتعظيمه.

(وأن تستقسموا بالأزلام) وهي قداح الميسر، واحدها زلم. والأزلام للعرب ثلاثة أنواع أحدها مكتوب فيه افعل والآخر مكتوب فيه لا تفعل والثالث مهمل لا شيء عليه فيجعلها في خريطة معه، فإذا فعل شيء أدخل يده وهي متشابهة فأخرج واحداً منها فإن خرج الأوّل فعل ما عزم عليه، وإن خرج الثاني تركه وإن خرج الثالث أعاد الضرب حتى يخرج واحد من الأولين.

وإنما قيل لهذا الفعل استقسام لأنهم كانوا يستقسمون به الرزق وما يريدون فعله كما يقال استسقى أي استدعى السقيا، فالاستقسام طلب القسم والنصيب والحكم من القداح، وجملة قداح الميسر عشرة وكانوا يضربون بها في المقامرة.

وقيل إن الأزلام كعاب فارس والروم التي يتقامرون بها، وقيل هي النرد وقيل الشطرنج، وإنما حرم الله الاستقسام بالأزلام لأنه تعرض لدعوى علم الغيب وضرب من الكهانة، قال الزجاج: لا فرق بين هذا وبين قول المنجمين لا تخرج من أجل نجم كذا وأخرج لطلوع نجم كذا، وأنكر ذلك في شرح التأويلات بما لا يسمن ولا يغني من جوع.

ص: 338

(ذلكم) إشارة إلى الاستقسام بالأزلام خاصة أو إلى جميع المحرمات المذكورة هنا (فسق) لأنه وإن أشبه القرعة فهو دخول في علم الغيب وذلك حرام لقوله تعالى (وما تدري نفس ماذا تكسب غداً) وقال (لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله) والفسق الخروج من الحد، وقد تقدم بيان معناه، وفي هذا وعيد شديد لأن الفسق هو أشد الكفر لا ما وقع عليه اصطلاح قوم من أنه منزلة متوسطة بين الإيمان والكفر.

(اليوم يئس الذين كفروا من دينكم) المراد باليوم الذي نزلت فيه الآية هو يوم فتح مكة لثمان بقين من رمضان سنة تسع، وقيل سنة ثمان، وقيل إن ذلك هو يوم عرفة فنزلت هذه الآية والنبي صلى الله عليه وآله وسلم واقف بعرفة، وقيل المراد باليوم الحاضر وما يتصل به ولم يرد يوماً معيناً أي حصل لهم اليأس من إبطال أمر دينكم وأن يردوكم إلى دينهم كما كانوا يزعمون، واليأس انقطاع الرجاء وهو ضد الطمع.

(فلا تخشوهم) أي لا تخافوا الكفار أن يغلبوكم أو يبطلوا دينكم فقد زال الخوف عنكم بإظهار دينكم (وآخشون) فأنا القادر على كل شيء إن نصرتكم فلا غالب لكم، وإن خذلتكم لم يستطع غيري أن ينصركم.

(اليوم) المراد يوم الجمعة وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع، هكذا ثبت في الصحيح من حديث عمر بن الخطاب، وقيل نزلت في يوم الحج الأكبر، وقال ابن عباس: نزلت في يوم عيدين، في يوم جمعة وعرفة أخرجه الترمذي وقال حسن غريب.

(أكملت لكم دينكم) أي جعلته كاملاً غير محتاج إلى إكمال لظهوره على الأديان كلها وغلبته لها، ولكمال أحكامه التي يحتاج المسلمون إليها من الحلال والحرام والمشتبه، والفرائض والسنن والحدود والأحكام وما تضمنه

ص: 339

الكتاب والسنة من ذلك، ولا يخفى ما يستفاد من تقديم قوله (لكم).

قال الجمهور: المراد بالإكمال هنا نزول معظم الفرائض والتحليل والتحريم قالوا: وقد نزل بعد ذلك قرآن كثير كآية الربا وآية الكلالة ونحوهما، وقيل لم ينزل بعد هذه الآية حلال ولا حرام ولا شيء من الفرائض، هذا معنى قول ابن عباس.

قال سعيد بن جبير وقتادة: معناه أي حيث لم يحج معكم مشرك وخلا الموسم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وللمسلمين، وقيل إكماله أنه لا يزول ولا ينسخ ويبقى إلى آخر الدهر، وقيل المعنى أنهم آمنوا بكل نبي وكل كتاب ولم يكن هذا لغير هذه الأمة، وقال ابن الأنباري: اليوم أكملت شرائع الإسلام على غير نقصان كان قبل هذا الوقت.

وهذه أقوال ضعيفة ولا معنى للإكمال إلا وفاء النصوص بما يحتاج إليه الشرع إما بالنص على كل فرد فرد أو باندراج ما يحتاج إليه تحت العمومات الشاملة.

ومما يؤدي ذلك قوله تعالى ميه (ما فرّطنا في الكتاب من شيء) وقوله (ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: تركتكم على الواضحة ليلها كنهارها (1) وجاءت نصوص الكتاب العزيز بإكمال الدين وبما يفيد هذا المعنى ويصحح دلالته ويؤيد برهانه.

ويكفي في دفع الرأي وأنه ليس من الدين قول الله تعالى هذا فإنه إذا كان الله قد أكمل دينه قبل أن يقبض إليه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فما هذا الرأي الذي أحدثه أهله بعد أن أكمل الله دينه لأنه إن كان من الدين في

(1) الموطأ الحدود باب 10.

ص: 340

اعتقادهم فهو لم يكمل عندهم إلا برأيهم، وهذا فيه ردّ للقرآن، وإن لم يكن من الدين فأي فائدة في الإشتغال بما ليس منه وما ليس منه فهو رد بنص السنة المطهرة كما ثبت في الصحيح.

وهذه حجة قاهرة ودليل باهر لا يمكن أهل الرأي أن يدفعوه بدافع أبداً، فاجعل هذه الآية الشريفة أول ما تصكّ به وجوه أهل الرأي وترغم به آنافهم وتدحض به حجتهم فقد أخبرنا الله في محكم كتابه أنه أكمل دينه ولم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن أخبرنا بهذا الخبر عن الله عز وجل، فمن جاء بشيء من عند نفسه وزعم أنه من ديننا قلنا له إن الله أصدق منك، ومن أصدق من الله قيلاً، إذهب لا حاجة لنا في رأيك.

وليت المقلِدة فهموا هذه الآية حق الفهم حتى يستريحوا ويريحوا، وقد أخبرنا في محكم كتابه أن القرآن أحاط بكل شيء فقال ما فرطنا في الكتاب من شيء وقال (تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة) ثم أمر عباده بالحكم بكتابه فقال (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم) وقال نتحكم بين الناس بما أراك وقال (إن الحكم إلا لله يقصّ الحق وهو خير الفاصلين) وقال (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) وفي آية هم الظالمون وفي أخرى هم الفاسقون.

وأمر عباده أيضاً في محكم كتابه باتباع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وهذه أعم آية في القرآن وأبينها في الأخذ بالسنة المطهرة، وقال (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) وقد تكرر هذا في مواضع من الكتاب العزيز وقال (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا) وقال (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).

ص: 341

والاستكثار من الاستدلال على وجوب طاعة الله وطاعة رسوله لا يأتي بعائدة ولا فائدة زائدة فليس أحد من المسلمين يخالف في ذلك، ومن أنكره فهو خارج عن حزب المسلمين.

إنّما أوردنا هذه الآيات الكريمة والبينات العظيمة تلييناً لقلب المقلّد الذي قد جمد وصار كالجلمد فإنه إذا سمع مثل هذه الأوامر القرآنية ربما امتثلها وأخذ دينه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم طاعة لأوامره، فإن هذه الطاعة وإن كانت معلومه لكل مسلم لكن الإنسان قد يذهل عن القوارع الفرقانية والزواجر المحمدية، فإذا ذُكّر بها ذكر، ولا سيما من نشأ على التقليد وأدرك سلفه ثابتين عليه غير متزحزحين عنه فإنه يقع في قلبه أن دين الإسلام هو هذا الذي هو عليه، وما كان مخالفاً له فليس من الإسلام في شيء، فإذا راجع نفسه رجع.

ولهذا تجد الرجل إذا نشأ على مذهب من هذه المذاهب ثم سمع قبل أن يتمرن بالعلم ويعرف ما قاله الناس خلاف ذلك المألوف استنكره وأباه قلبه، ونفر عنه طبعه، وقد رأينا وسمعنا من هذا الجنس ما لا يأتي عليه الحصر. ولكن إذا وازن العاقل بعقله بين من اتبع أحد أئمة المذاهب في مسئلة من مسائله التي رواها عنه المقلد، ولا مستند لذلك العالم فيها بل قالها بمحض الرأي لعدم وقوفه على الدليل، وبين من تمسك في تلك المسئلة بخصوصها بالدليل الثابث في القرآن أو السنة أفاده العقل بأن بينهما مسافات تنقطع فيها أعناق الإبل لا جامع بينهما لأن من تمسك بالدليل أخذ بما أوجب الله عليه الأخذ به، واتبع ما شرعه الشارع لجميع الأمة أولها وآخرها وحيّها وميتها.

والعالم يمكنه الوقوف على الدليل من دون أن يرجع إلى غيره، والجاهل يمكنه الوقوف على الدليل بسؤال علماء الشريعة واسترواء النص، وكيف حكم الله في محكم كتابه أو على لسان رسوله في تلك المسئلة، فيفيدونه النص إن

ص: 342

كان ممن يعقل الحجة إذا دل عليها أو يفيدونه مضمون النص بالتعبير عنه بعبارة يفهمها، فهم رواة وهو مسترو، وهذا عامل بالرواية لا بالرأي، والمقلد عامل بالرأي لا بالرواية لأنه يقبل قول الغير من دون أن يطالبه بحجة، وذلك في سؤاله يطالب بالحجة لا بالرأي فهو قابل لرواية الغير لا لرأيه، وهما من هذه الحيثية متقابلان، فانظر كم الفرق بين المنزلتين.

والكلام في ذلك يطول ويستدعي استغراق الأوراق الكثيرة وهو مبسوط في مواطنه، وفيما ذكرناه مقنع وبلاغ وبالله التوفيق.

وفي الآية دلالة على بطلان القياس، وعلى أنه تعالى قد نص على الحكم في جميع الوقائع إذ لو بقي بعضها غير مبيّن الحكم لم يكن الدين كاملاً، وإذا حصل النص في جميع الوقائع فالقياس إن كان على وفق النص كان عبثاً، وإن كان على خلافه كان باطلاً، وقد أجاب مثبتو القياس عن هذا بما لا يكفي في الجواب والله أعلم بالصواب.

(وأتممت عليكم نعمتي) بإكمال الدين المشتمل على الأحكام وبفتح مكة وقهر الكفار وإياسهم عن الظهور عليكم كما وعدتكم بقولي ولأتم نعمتي عليكم، وقال ابن عباس: حكم لهم بدخول الجنة.

(ورضيت لكم الإسلام ديناً) أي أخبرتكم برضائي به لكم، فالجملة مستأنفة لا معطوفة على (أكملت) وإلا كان مفهوم ذلك أنه لم يرض لهم الإسلام ديناً قبل ذلك، وليس كذلك فإنه سبحانه لم يزل راضياً لأمة نبيه صلى الله عليه وسلم بالإسلام، فلا يكون لاختصاص الرضا بهذا اليوم كثير فائدة إن حملناه على ظاهره.

ويحتمل أن يريد رضيت لكم الإسلام الذي أنتم عليه اليوم ديناً باقياً إلى

ص: 343

انقضاء أيام الدنيا، وديناً منتصب على التمييز، ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً، قال ابن عباس: أخبر الله نبيه والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبداً، وقد أتمه فلا ينقص أبداً، وقد رضيه فلا يسخطه أبداً.

وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن طارق بن شهاب قال: قالت اليهود لعمر إنكم تقرؤن آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال وأي آية قالوا (اليوم أكملت لكم دينكم) قال عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم والساعة التي نزلت فيها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في يوم الجمعة، أشار عمر إلى أن ذلك اليوم يوم عيد لنا.

قال ابن عباس: فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية أحداً وثمانين يوماً ثم قبضه الله إليه، أخرجه البيهقي ومات صلى الله عليه وسلم يوم الأثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول، وقيل لاثنتي عشرة ليلة وهو الأصح سنة إحدى عشرة من الهجرة.

قال ابن عباس: كان في ذلك اليوم خمسة أعياد يوم الجمعة ويوم عرفة وعيد لليهود وعيد للنصارى وعيد للمجوس، ولم تجتمع أعياد لأهل الملل في يوم واحد قبله ولا بعده.

(فمن اضطر في مخمصة) هذا متصل بذكر المحرمات، وما بينهما اعتراض أي من دعته الضرورة في مخمصة أي مجاعة إلى أكل الميتة وما بعدها من المحرمات، والخمص ضمور البطن، ورجل خميص وخمصان، وامرأة خميصة ومنه أخمص القدم لدقتها وهي صفحة محمودة في النساء، ويستعمل كثيراً في الجوع، ووقعت هذه الآية هنا وفي البقرة والأنعام والنحل ولم يذكر جواب الشرط إلا في البقرة فيقدر في غيرها وهو (فلا إثم عليه).

ص: 344

(غير متجانف لإثم) الجنف الميل والإثم الحرام، أي حال كون المضطر في مخمصة غير مائل لإثم وهو بمعنى غير باغ ولا عاد وكل مائل فهو متجانف وجنف، وقرئ متجنّف وهو أن يأكل فوق الشبع وهو قول فقهاء العراق، قال ابن عطية: وهو أبلغ من متجانف، وقيل المعنى غير متعرض لمعصية في مخمصة وهو قول فقهاء الحجاز، وقال ابن عباس: غير متعمّد لإثم (1).

(فإن الله غفور) له (رحيم) به لا يؤاخذه بما ألجأته إليه الضرورة في الجوع مع عدم ميله بأكل ما حرم عليه إلى الإثم بأن يكون باغياً على غيره أو متعدياً لما دعت إليه الضرورة حسبما تقدم.

وهذه الآية من تمام ما تقدم ذكره في المطاعم التي حرمها الله تعالى ومتصلة بها، ومن قوله (ذلكم فسق) إلى هنا اعتراض وقع بين الكلامين، والغرض منه تأكيد ما تقدم ذكره في معنى التحريم لأن تحريم هذه الخبائث من جملة الدين الكامل.

(1) وفي " المسند " 8/ 170 و " صحيح ابن حبان " عن ابن عمر مرفوعاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله يحب أن تؤتي رخصه، كما يكره أن تؤتي معصيته " لفظ ابن حبان. [قلت: وفي " المجمع " 3/ 162 رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، والبزار والطبراني في " الأوسط " وإسناده حسن] وفي لفظ لأحمد 7/ 238 " من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة ". ولهذا قال الفقهاء: قد يكون تناول الميتة واجباً في بعض الأحيان، وهو ما إذا خاف على نفسه ولم يجد غيرها وقد يكون مندوباً، وقد يكون مباحاً، بحسب الأحوال.

وقد روى الإمام أحمد 5/ 218 عن أبي واقد الليثي، أنهم قالوا: يا رسول الله إنا بأرض تصيبنا بها المخمصة فمتى تحل لنا بها الميتة؟ فقال: " إذا لم تصطحبوا، ولم تغتبقوا، ولم تحتفئوا بقلاً، فشأنكم بها ".

تفرد به أحمد من هذا الوجه.

ص: 345