المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا - فتح البيان في مقاصد القرآن - جـ ٣

[صديق حسن خان]

الفصل: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا

إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ‌

(33)

(إنّما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) قد اختلف الناس في سبب نزول هذه الآية فذهب الجمهور إلى أنها نزلت في العرنيين (1) وقال مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي: إنها نزلت فيمن خرج من المسلمين يقطع الطريق ويسعى في الأرض بالفساد قال ابن المنذر: قول مالك صحيح.

قال أبو ثور محتجاً لهذا القول إن قوله في هذه الآية: (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) يدل على أنها نزلت في غير أهل الشرك لأنهم قد أجمعوا على أن أهل الشرك إذا وقعوا في أيدينا فأسلموا أن دماءهم تحرم، فدل ذلك على أن الآية نزلت في أهل الإسلام أهـ.

وهكذا يدل على هذا قوله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " الإسلام يهدم ما قبله "(2)، أخرجه مسلم وغيره.

وحكى ابن جرير في تفسيره عن بعض أهل العلم أن هذه الآية أعني آية المحاربة نسخت فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في العرنيين، ووقف الأمر على هذه الحدود.

وروي عن محمد بن سيرين أنه قال: كان هذا قبل أن ينزل الحدود يعني

(1) هم أناس جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأظهروا الإسلام ثم مرضوا من جو المدينة، فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم في إبل خارج المدينة ليتداووا بألبانها وأبوالها، فقتلوا الراعي وساقوا الإبل، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبعث وراءهم فأحضرهم وعاقبهم بما هو معلوم.

(2)

مسلم 121.

ص: 405

فعله صلى الله عليه وآله واسم بالعرنيين، وبهذا قال جماعة من أهل العلم، وذهب جماعة آخرون إلى أن فعله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين منسوخ بنهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المثلة، والقائل بهذا مطالب ببيان تأخر الناسخ.

والحق أن هذه الآية تعم المشرك وغيره ممن ارتكب ما تضمنته ولا اعتبار بخصوص السبب بل الاعتبار بعموم اللفظ.

قال القرطبي في تفسيره: ولا خلاف بين أهل العلم في أن حكم هذه الآية مرتب على المحاربين من أهل الإسلام وإن كانت نزلت في المرتدين أو اليهود انتهى.

ومعنى قوله مرتب أي ثابت، قيل المراد بمحاربة الله المذكورة في الآية هي محاربة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومحاربة المسلمين في عصره ومن بعد عصره بطريق العبارة دون الدلالة ودون القياس، لأن ورود النص ليس بطريق المشافهة حتى يختص حكمه بالمكلفين عند النزول فيحتاج في تعميم الخطاب لغيرهم إلى دليل آخر.

وقيل إنها جعلت محاربة المسلمين محاربة لله ولرسوله إكباراً لحربهم وتعظيماً لأذيّتهم، لأن الله سبحانه لا يحارب ولا يغالب، والأولى أن تفسر محاربة الله سبحانه بمعاصيه ومخالفة شرائعه، ومحاربة الرسول تحمل على معناها الحقيقي وحكم أمته حكمه وهم أُسوته.

(ويسمعون في الأرض فساداً) بحمل السلاح والخروج على الناس وقتل النفس وأخذ الأموال وقطع الطريق، والسعي فيها فساداً يطلق على أنواع من الشرك كما قدمنا قريباً، وانتصاب فساداً على الصدرية أو على أنه مفعول له أي للفساد أو على الحال بالتأويل أي مفسدين.

وقال ابن كثير في تفسيره: قال كثير من السلف منهم سعيد بن المسيب أن قرض الدراهم والدنانير من الإفساد في الأرض، وقد قال تعالى: (وإذا

ص: 406

تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) انتهى.

وإذا تقرر لك ما قررناه من عموم الآية ومن معنى المحاربة والسعي في الأرض فساداً فاعلم أن ذلك يصدق على كل من وقع منه ذلك، سواء كان مسلماً أو كافراً، في مصر أو غير مصر، في قليل وكثير وجليل وحقير، وأن حكم الله في ذلك هو ما ورد في هذه الآية من القتل أو الصلب أو قطع الأيدي والأرجل من خلاف أو النفي من الأرض.

ولكن لا يكون هذا حكم من فعل أي ذنب من الذنوب بل من كان ذنبه هو التعدي على دماء العباد وأقوالهم فيما عدا ما قد ورد له حكم غير هذا الحكم في كتاب الله أو سنة رسوله كالسرقة وما يجب فيه القصاص، لأنا نعلم أنه قد كان في زمنه صلى الله عليه وسلم من تقع منه ذنوب ومعاص غير ذلك ولا يجري عليه صلى الله عليه وسلم هذا الحكم المذكور في هذه الآية.

وبهذا يعرف ضعف ما روي عن مجاهد في تفسير المحاربة المذكورة في هذه الآية أنها الزنا والسرقة، ووجه ذلك أن هذين الذنبين قد ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لهما حكم غير هذا الحكم.

وإذا عرفت ما هو الظاهر من معنى هذه الآية على مقتضى لغة العرب التي أمرنا أن نفسر كتاب الله وسنة رسوله بها، فإياك أن تغتر بشيء من التفاصيل المروية، والمذاهب المحكية إلا أن يأتيك الدليل الموجب لتخصيص هذا العموم، أو تقييد هذا المعنى المفهوم، من لغة العرب فأنت وذاك، إعمل به وضعه في موضعه، وأما ما عداه:

فدع عنك نهباً صيح في حجراته

وهات حديثاً ما حديث الرواحل.

على أنا سنذكر من هذه المذاهب ما تسمعه.

اعلم أنه قد اختلف العلماء فيمن يستحق اسم المحاربة، فقال ابن

ص: 407

عباس وسعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي والضحاك وأبو ثور: إن من شهر السلاح في قبة الإسلام وأخاف السبيل ثم ظفر به وقدر عليه فإمام المسلمين فيه بالخيار إن شاء قتله وإن شاء صلبه وإن شاء قطع يده ورجله. وبهذا قال مالك وصرح بأن المحارب عنده من حمل على الناس في مصر أو في برية أو كابرهم على أنفسهم وأموالهم دون نائرة ولا دخل ولا عداوة.

قال ابن المنذر: اختلف على مالك في هذه المسألة فأثبت المحاربة في مصر مرة ونفى ذلك أخرى، وروى عن ابن عباس غير ما تقدم فقال في قطّاع الطريق: إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالاً نفوا من الأرض.

وروي عن أبي مجلز وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والسدي وعطاء على اختلاف في الرواية عن بعضهم وحكاه ابن كثير عن الجمهور، وقال أيضاً وهكذا عن غير واحد من السلف والأئمة.

وقال أبو حنيفة: وإذا أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، وإذا أخذ المال وقتل فالسلطان مخير فيه إن شاء قطع يده ورجله وإن شاء لم يقطع وقتله وصلبه، وقال أبو يوسف: القتل يأتي على كل شيء، ونحوه قول الأوزاعي.

وقال الشافعي: إذا أخذ المال قطعت يده اليمنى وحسمت، ثم قطعت رجله اليسرى وحسمت وخلي، لأن هذه الجناية زادت على السرقة بالحرابة، وإذا قتل قتل وإذا أخذ المال وقتل قتل وصلب، وروي عنه أنه قال: يصلب ثلاثة أيام.

وقال أحمد: إن قتل قتل وإن أخذ المال قطعت يده ورجله كقول الشافعي.

ص: 408

ولا أعلم لهذه التفاصيل دليلاً، لا من كتاب الله ولا من سنة رسوله إلا ما رواه ابن جرير في تفسيره وتفرد بروايته فقال: حدثنا علي بن سهل حدثنا الوليد بن مسلم عن يزيد بن حبيب أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس ابن مالك يسأله عن هذه الآية فكتب إليه يخبره أن هذه الآية نزلت في أولئك النفر العرنيين وهم من بجيلة.

قال أنس: فارتدوا عن الإسلام وقتلوا الراعي واستاقوا الإبل وأخافوا السبيل وأصابوا الفرج الحرام، فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جبريل عن القضاء فيمن حارب، فقال: من سرق وأخاف السبيل فاقطع يده لسرقته ورجله بإخافته، ومن قتل فاقتله ومن قتل وأخاف السبيل واستحل الفرج الحرام فاصلبه.

وهذا مع ما فيه من النكارة الشديدة لا يدرى كيف صحته، قال ابن كثير في تفسيره بعد ذكره لشيء من هذه التفاصيل التي ذكرناها ما لفظه: ويشهد لهذا التفصيل الحديث الذي رواه ابن جرير في تفسيره إن صح سنده ثم ذكره.

(أن يقتّلوا) التفعيل للتكثير وهو هنا باعتبار المتعلق أي ويقتلوا واحداً بعد واحد.

(أو يصلّبوا) ظاهره أنهم يصلبون أحياء حتى يموتوا لأنه أحد الأنواع التي خير الله بينها، وقال قوم الصلب إنما يكون بعد القتل ولا يجوز أن يصلب قبل القتل فيحال بينه وبين الصلاة والأكل والشرب ويجاب بأن هذه عقوبة شرعها الله سبحانه في كتابه لعباده.

(أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف) ظاهره قطع إحدى اليدين وإحدى الرجلين من خلاف سواء كانت المقطوعة من اليدين هي اليمنى أو اليسرى، وكذلك الرجلان، ولا يعتبر إلا أن يكون القطع من خلاف إما يمنى

ص: 409

اليدين وإما يسرى الرجلين أو يسرى اليدين مع يمنى الرجلين، وقيل المراد بهذا القطع اليد اليمنى والرجل اليسرى فقط.

(أو ينفوا من الأرض) اختلف المفسرون في معناه فقال السدي هو أن يطلب بالخيل والرجل حتى يؤخذ فيقام عليه الحد، أو يخرج من دار الإسلام هرباً، وهو محكي عن ابن عباس وأنس ومالك والحسن البصري والسدي والضحاك وقتادة وسعيد بن جبير والربيع بن أنس والزهري. حكاه الرماني في كتابه عنهم.

وحكي عن الشافعي أنهم يخرجون من بلد إلى بلد ويطلبون لتقام عليهم الحدود، وبه قال الليث بن سعد، وروي عن مالك أنه ينفى من البلد الذي أحدث فيه إلى غيره ويحبس فيه كالزاني ورجحه ابن جرير والقرطبي، وقال الكوفيون نفيهم سجنهم، فينفى من سعة الدنيا إلى ضيقها.

والظاهر من الآية أنه يطرد من الأرض التي وقع منه فيها ما وقع من غير سجن ولا غيره، والنفي قد يقع بمعنى الإهلاك وليس هو مراداً هنا قال مكحول أن عمر بن الخطاب أول من حبس في السجون يعني من هذه الأمة وقال: احبسه حتى أعلم منه التوبة ولا أنفيه إلى بلد آخر فيؤذيهم، وقال الكرخي ينفوا من الأرض إلى مسافة قصر فما فوقها لأن المقصود من النفي الوحشة والبعد عن الأهل والوطن، فإذا عين الإمام جهة فليس للمنفي طلب غيرها ولا يتعين الحبس.

(ذلك) إشارة إلى ما سبق ذكره من الأحكام (لهم) أي للمحاربين (خزي في الدنيا) الخزي الذل والفضيحة (ولهم في الآخرة عذاب عظيم) هذا الوعيد في حق الكفار الذين نزلت الآية فيهم، وأما المسلم فإنه إذا أقيم عليه الحد في الدنيا سقطت عنه عقوبة الآخرة.

ص: 410

إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)

ص: 411

(إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) استثنى الله سبحانه التائبين من عموم المعاقبين بالعقوبات السابقة، والظاهر عدم الفرق بين الدماء والأموال وبين غيرها من الذنوب الموجبة للعقاب المعينة المحدودة، فلا يطالب التائب قبل القدرة بشيء من ذلك، وعليه محمل الصحابة.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يسقط القصاص وسائر حقوق الآدميين بالتوبة قبل القدرة والحق الأول، وأما التوبة بعد القدرة فلا يسقط بها العقوبة المذكورة في الآية كما يدل عليه ذكر قيد (قبل أن تقدروا عليهم).

قال القرطبي: وأجمع أهل العلم على أن السلطان وليُّ من حارب، فإن قتل محارب أخا امرئ أو أباه في حال المحاربة فليس إلى طالب الدم من أمر المحاربة شيء ولا يجوز عفو ولي الدم (فاعلموا أن الله غفور رحيم) بهم، عبر بذلك دون: فلا تحدوهم ليفيد أنه لا يسقط عنه بتوبته إلا حدود الله دون حقوق الآدميين، قال السيوطي: كذا ظهر لي ولم أر من تعرض له والله أعلم انتهى أي من حيث فهمه من الآية وإن كان في نفسه ظاهراً.

أخرج أبو داود والنسائي عن ابن عباس قال: نزلت في المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يكن عليه السبيل، وليست تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحد إن قتل أو أفسد أو حارب الله ورسوله.

وعنه عند ابن جرير والطبراني في الكبير فإن جاء تائباً فدخل في الإسلام قبل منه ولم يؤخذ بما سلف.

ص: 411

وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص أن هذه الآية نزلت في الحرورية (1).

وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس أن نفراً من عكل قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأسلموا واجتووا المدينة فأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها فقتلوا راعيها واستاقوها فبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم في طلبهم كافة فأتى بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ولم يحسمهم وتركهم حتى ماتوا فأنزل الله (إنما جزاء الذين يحاربون الله) الآية.

وفي مسلم عن أنس إنما سمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاة.

وعن الشعبي قال: " كان حارثة بن بدر التيمي من أهل البصرة قد أفسد في الأرض وحارب فكلم رجالاً من قريش أن يستأمنوا له علياً فأبوا، فأتى سعيد بن قيس الهمداني فأتى علياً فقال: يا أمير المؤمنين ما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً؟ قال: أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض، ثم قال: إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم، فقال سعيد: وإن كان حارثة بن بدر، قال: وإن كان حارثة بن بدر، قال: هذا حارثة بن بدر قد جاء تائباً فهو آمن، قال: نعم، قال: فجاء به إليه وقبل ذلك منه وكتب له أماناً ".

(1) طائفة من الخوارج.

ص: 412

(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) أي خافوا الله بترك المنهيات (وابتغوا إليه) أي اطلبوا إليه لا إلى غيره (الوسيلة) فعيلة من توسلت إليه إذا تقربت إليه، فالوسيلة القربة التي ينبغي أن تطلب، وبه قال أبو وائل والحسن ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد وروي عن ابن عباس وعطاء وعبد الله بن كثير.

ص: 412

قال ابن كثير في تفسيره: وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه، والوسيلة أيضاً درجة في الجنة مختصة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة "(1).

وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عليّ فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه عشراً ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون هو، فمن سأل لي الوسيلة حلّت عليه الشفاعة "(2)، وفي الباب أحاديث.

والعطف على (يا أيها الذين) يفيد أن الوسيلة غير التقوى، وقيل هي التقوى لأنها ملاك الأمر وكل الخير فتكون الجملة الثانية على هذا مفسرة للجملة الأولى، والظاهر أن الوسيلة التي هي القربة تصدق على التقوى وعلى غيرها من خصال الخير التي يتقرب بها العباد إلى ربهم، وقيل معنى الوسيلة المحبة أي تحببوا إلى الله والأول أولى.

(وجاهدوا في سبيله) من لم يقبل دينه وقبل أعداءه البارزة والكامنة (لعلكم تفلحون) أي لكي تسعدوا بالخلود في جنته لأن الفلاح اسم جامع للخلاص من كل مكروه والفوز بكل محبوب.

(1) الترمذي الباب 42 من كتاب الصلاة- النسائي الباب 28 من كتاب الأذان.

(2)

مسلم 384.

ص: 413