المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ - فتح البيان في مقاصد القرآن - جـ ٣

[صديق حسن خان]

الفصل: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ

لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ‌

(7)

(للرجال) يعني المذكور من أولاد الميت وعصبته (نصيب) حظ (مما ترك) من الميراث (الوالدان والأقربون) المتوفّون، لما ذكر سبحانه حكم أموال اليتامى وصلتها بأحكام المواريث وكيفية قسمتها بين الورثة وأفرد سبحانه ذكر النساء بعد ذكر الرجال على الاستقلال لأجل الاعتناء بأمرهن، وللإيذان بأصالتهنّ في استحقاق الإرث، وللمبالغة في إبطال ما عليه الجاهلية فقال (للنساء) أي الإناث من أولاد الميت (نصيب) حظ (مما ترك الوالدان والأقربون) أي من المال المخلّف عن الميت، وفي ذكر القرابة بيان لعلة الميراث مع التعميم لما يصدق عليه مسمّى القربة من دون تخصيص.

(مما قلّ منه أو كثر) بدل من قوله (مما ترك) بإعادة الجار، والضمير في (منه) راجع إلى المبدل منه، وهذا الأمر مراد في الجملة الأولى أيضاً محذوف للتعويل على المذكور، وفائدته دفع توهم اختصاص بعض الأموال ببعض الورثة كالخيل وآلة الحرب للرجال، وتحقيق أن لكل من الفريقين حقاً من كل ما دقّ وجلّ.

وقد أجمل سبحانه في هذه المواضع قدر النصيب المفروض، ثم أنزل قوله (يوصيكم الله في أولادكم) فبيّن ميراث كل فرد جعله الله (نصيباً مفروضاً) وهو دليل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، والحنفية أيضاً قائلون بجواز تأخيره، والفرض ما فرضه الله تعالى وهو آكد من الواجب أو مقطوعاً بتسليمه إليهم، فلا يسقط بإسقاطهم، ففي الآية دليل على أن الوارث لو أعرض عن نصيبه لم يسقط حقه بالإعراض، قاله البيضاوي.

ص: 30

وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا (8) وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)

ص: 31

(وإذا حضر القسمة) يعني قسمة الميراث (أولو القربى) المراد بالقرابة هنا غير الوارثين لكونه عاصباً محجوباً أو لكونه من ذوي الأرحام (و) كذا (اليتامى والمساكين) من الأجانب، وإنما قدم اليتامى لشدة ضعفهم وحاجتهم (فارزقوهم منه) شرع الله سبحانه أنهم إذا حضروا قسمة التركة كان لهم منه رزق فيرضخ لهم المتقاسمون شيئاً منها قبل القسمة.

وقد ذهب قوم إلى أن الآية محكمة وأن الأمر للندب، وذهب آخرون إلى أنها منسوخة بقوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم) والأول أرجح لأن المذكور في الآية لقرابة غير الوارثين ليس هو من جملة الميراث حتى يقال إنها منسوخة بآية المواريث، إلا أنه إن قيل: إن أولي القربى المذكورين هنا هم الوارثون كان للنسخ وجه.

وقالت طائفة إن هذا الرضخ لغير الوارث من القرابة واجب بمقدار ما تطيب به أنفس الورثة. وهو معنى الأمر الحقيقي فلا يصار إلى الندب إلا لقرينة، والضمير في قوله (منه) راجع إلى المال المقسوم المدلول عليه بالقسمة، وقيل راجع إلى ما ترك؛ وهذا خطاب للورثة الكاملين.

(و) قوله (قولوا) خطاب لأولياء اليتامى إذا كان الورثة صغاراً (لهم) أي للأصناف الثلاثة (قولاً معروفاً) وهو القول الجميل الذي ليس

ص: 31

فيه منّ بما صار إليهم من الرضخ ولا أذى. أو أن يعتذروا إليهم عن عدم الإعطاء أصلاً، وعن ابن عباس قال: هي محكمة وليست بمنسوخة وقد قضى بها أبو موسى.

وقال مجاهد: هي واجبة على أهل الميراث ما طابت به أنفسهم، وكذا قال الحسن والزهري، وقال ابن عباس: يرضخ لهم، فإن كان في ماله تقصير اعتذر إليهم فهو قوله (قولاً معروفاً) وعن عائشة أنها لم تنسخ ولكن تهاون الناس في العمل بها، وعن سعيد بن المسيب قال: هي منسوخة أي بآية الميراث، وعن سعيد بن جبير قال: إن كانوا كباراً يرضخوا، وإن كانوا صغاراً اعتذروا إليهم.

ص: 32

(وليخش) أي ليخف على اليتامى (الذين لو تركوا) أي قاربوا أن يتركوا (من خلفهم) أي بعد موتهم (ذرية ضعافاً) أولاداً صغاراً (خافوا عليهم) الفقر والضياع، وهذا الخطاب للأوصياء كما ذهب إليه طائفة من المفسرين، وفيه وعظ لهم بأن يفعلوا باليتامى الذين في حجورهم ما يحبون أن يفعل بأولادهم من بعدهم.

وبعضهم جعل الخطاب لمن حضر المريض من العواد عند الإيصاء وإليه ذهب البيضاوي؛ أو أمر للورثة بالشفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب واليتامى والمساكين متصورين أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضعافاً مثلهم هل يجوزون حرمانهم، أو أمر للمؤمنين بأن ينظروا للورثة فلا يسرفوا في الوصية، والأول أولى.

(فليتّقوا الله) يعني في الأمر الذي تقدم ذكره. قالت طائفة: المراد جميع الناس أمروا باتقاء الله في الأيتام وأولاد الناس وإن لم يكونوا في حجورهم، وقال آخرون: إن المراد بهم من يحضر الميت عند موته أمروا بتقوى الله،

ص: 32

والتقوى مسبّبة عن الخوف الذي هو الخشية فلذلك ذكرت فاء السببية، ففي الآية الجمع بين المبدأ والمنتهى (وليقولوا) للمحتضر (قولاً سديداً) صواباً من إرشاده إلى التخلص عن حقوق الله وحقوق بني آدم، وإلى الوصية بالقرب المقربة إلى الله سبحانه، وإلى ترك التبذير بماله وإحرام ورثته كما يخشون على ورثتهم من بعدهم لو تركوهم فقراء عالة يتكففون الناس.

وقال ابن عطية: الناس صنفان يصلح لأحدهما أن يقال له عند موته ما لا يصلح للآخر، وذلك أن الرجل إذا ترك ورثته بأنفسهم أغنياء حسن أن يندب إلى الوصية ويحمل على أن يقدم لنفسه، وإذا ترك ورثته ضعفاء مفلسين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط فإنّ أجره في قصده ذلك كأجره في المساكين.

قال القرطبي: وهذا التفصيل صحيح والمعنى وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا خلفهم ذرية ضعافاً وذلك عند احتضارهم خافوا عليهم الضياع من بعدهم لذهاب كافلهم وكاسبهم، ثمّ أمرهم بتقوى الله والقول السديد للمحتضرين أولاً، ولأولادهم من بعدهم على ما سبق.

ص: 33

(إنّ الذين يأكلون أموال اليتامى) استئناف جيء به لتقرير ما فصل من الأوامر والنواهي يتضمن النهي عن ظلم الأيتام من الأولياء والأوصياء (ظلماً) حراماً بغير حق (إنما يأكلون في بطونهم ناراً) المراد بأكل النار ما يكون سبباً للنار تعبيراً بالمسبب عن السبب، وقد تقدم تفسير مثل هذه الآية، والمعنى سيأكلون يوم القيامة، وهذا على المجاز، وقيل بطونهم أوعية للنار بأن يخلق الله لهم ناراً يأكلونها في بطونهم، وهذا على الحقيقة، وقيل غير ذلك.

قال السدي: يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه وأذنيه وعينيه وأنفه يعرفه من رآه بأكل مال اليتيم، وإنما خص

ص: 33

الآكل بالذكر وإن كان المراد سائر أنواع الإتلافات وجميع التصرفات المتلفة للمال لأن الضرر يحصل بكل ذلك لليتيم، فعبّر عن الجميع بالأكل لأنه معظم المقصود، وذكر البطون للتأكيد كقولك رأيت بعيني وسمعت بأذني.

(وسيصلون سعيراً) بأكلهم أموال اليتامى، وقرىء سيصلون من التصلية لكثرة الفعل مرة بعد أخرى؛ وقرأ الباقون بفتح الياء من صلى النار يصلاها، والصلا هو التسخن بقرب النار أو بمباشرتها، والسعير الجمر المشتعل، وقيل النار الموقدة.

أخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى والطبراني وابن حبان في صحيحه وابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم تأجج أفواههم ناراً فقيل يا رسول الله من هم؟ قال ألم تر أن الله يقول (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً) الآية (1).

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري قال حدثنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ليلة أسري به قال " نظرت فإذا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل وقد وكّل بهم من يأخذ بمشافرهم، ثم يجعل في أفواههم صخراً من نار فيقذف في أحدهم حتى يخرج من أسافلهم ولهم خوار وصراخ، فقلت يا جبرائيل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً الآية (2).

وقال زيد بن أسلم: هذه الآية لأهل الشرك حين كانوا لا يورثونهم ويأكلون أموالهم.

(1) ابن كثير 1/ 456.

(2)

قال السدي: يبعث آكل مال اليتيم ظلماً ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه، وأذنيه، وأنفه، وعينيه، يعرفه من رآه يأكل مال اليتيم أخرجه ابن جرير 8/ 26 من طريق أسباط.

ص: 34