الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60) وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63)
(قل هل أنبئكم بشر من ذلك) بين الله سبحانه لرسوله أن فيهم من العيب ما هو أولى بالتعييب وهو ما هم عليه من الكفر الموجب للعن الله وغضبه ومسخه، والمعنى هل أنبئكم أيها اليهود بشر من نقمكم علينا أو بشر مما تريدون بنا من المكروه أو بشر من أهل الكتاب أو بشر من دينهم.
(مثوبة عند الله) أي جزاء ثابتاً وهي مختصة بالخير كما أن العقوبة مختصة بالشر، ووضعت هنا موضع العقوبة على طريقة (فبشرهم بعذاب أليم) وهي منصوبة على التمييز من بشر (من لعنه الله) أي هو لعن من لعنه الله أو هو دين من لعنه الله (وغضب عليه) أي: انتقم منه لأن الغضب إرادة الإنتقام من العصاة.
(وجعل منهم القردة والخنازير) أي مسخ بعضهم قردة وبعضهم خنازير وهم اليهود فإن الله مسخ أصحاب السبت قردة، وكفار مائدة عيسى منهم خنازير (1)، وقال ابن عباس إن الممسوخين كلاهما أصحاب السبت فشبانهم مسخوا قردة ومشايخهم مسخوا خنازير (وعبد الطاغوت) أي: جعل منهم عبد الطاغوت بإضافة عبد إلى الطاغوت، والمعنى وجعل منهم من يبالغ في عبادة الطاغوت، لأن فعل من صيغ البالغة كحذر وفطن للتبليغ في الحذر والفطنة، وقرئ على أن عبد فعل ماض معطوف على غضب ولعن كأنه
(1) رواه مسلم 4/ 2051 وأحمد 5/ 2
60
.
(والله أعلم بما كانوا يكتمون) عنك من الكفر والنفاق، وفيه وعيد شديد وهؤلاء هما المنافقون وقيل: هم اليهود الذين قالوا (آمنوا بالّذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخرهُ).
(وترى كثيراً منهم يسارعون في الإثم) الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح له، والضمير في (منهم) عائد إلى المنافقين أو اليهود أو إلى الطائفتين جميعاً، وجملة يسارعون في محل النصب على الحال على أن الرؤية بصرية أو هو مفعول ثان لترى على أنها قلبية، والمسارعة في الشيء المبادرة إليه والإثم الكذب أو الشرك أو الحرام.
(والعدوان) هو الظلم المتعدي إلى الغير أو مجاوزة الحد في الذنوب (وأكلهم السّحت) هو الحرام، فعلى قول من فسر الإثم بالحرام يكون تكريره للمبالغة (لبئس ما كانوا يعملون) من المسارعة إلى الإثم والعدوان وأكل السحت وهو الرشا وما كانوا يأكلونه من غير وجهه.
(لولا) أي هلا، وهي هنا للتحضيض والتوبيخ لعلمائهم وعمادهم عن تركهم النهي عن المنكر (ينهاهم الربانيون والأحبار) قال الحسن: الربانيون علماء النصارى والأحبار علماء اليهود وقيل: الكل من اليهود لأن هذه الآيات فيهم (عن قولهم الإثم) يعني الكذب (وأكلهم السحت) أي: الرشا والحرام (لبئس ما كانوا يصنعون) أي: الأحبار والرهبان إذا لم ينهوا غيرهم عن المعاصي.
وهذا فيه زيادة على قوله (لبئس ما كانوا يعملون) لأن العمل لا يبلغ درجة الصنع حتى يتدرب فيه صاحبه، ولهذا تقول العرب سيف صنيع إذا جوّد عامله عمله فالصنع هو العمل الجيد لا مطلق العمل، فوبخ سبحانه الخاصة وهم العلماء التاركون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما هو أغلظ وأشد من توبيخ فاعلي المعاصي.
قيل: ومن عبد الطاغوت أو معطوف على القردة والخنازير أي وجعل منهم عبد الطاغوت حملاً على لفظ من.
وقرأ ابن مسعود عبدوا الطاغوت حملاً على معناها، وقرأ ابن عباس عبد كأنه جمع عبد كما يقال سقف وسقف، ويجوز أن يكون جمع عبيد كرغيف ورغف أو جمع عابد كبازل وبزل، وقرئ عبّاد جمع عابد للمبالغة كعامل وعمال، وقرئ عُبِد على البناء للمفعول، والتقدير: وعبد الطاغوت فيهم، وقرئ عابد الطاغوت على التوحيد، وقريء عبدة وأعبد الطاغوت مثل كلب وأكلب، وقرئ وعبد عطفاً على الموصول، وهي قراءة ضعيفة جداً.
وجملة القراآت في هذه الآية أربع وعشرون منها اثنتان سبعيتان والباقية شاذة ذكرها السمين، والطاغوت: الشيطان أو الكهنة أو العجل أو الأحبار أو غيرها مما تقدم مستوفى، وجملته: أن كل من أطاع أحداً في معصية الله فقد عبده وهو الطاغوت.
(أولئك) أي الموصوفون بالصفات المتقدمة و (شر) هنا على بابه من التفضيل، والمفضل عليه فيه احتمالان (أحدهما) أنهم المؤمنون (والثاني) أنهم طائفة من الكفار.
و (مكاناً) تمييز لأن مأواهم النار وجعلت الشّرارة للمكان وهي لأهله للمبالغة، ويجوز أن يكون الإسناد مجازياً (وأضل عن سواء السبيل) أي: هم أضل من غيرهم عن الطريق المستقيم، قيل: التفضيل في الموضعين للزيادة مطلقاً أو لكونهم أشر وأضل ممن يشاركهم في أصل الشرارة والضلال.
(وإذا جاءوكم) أي منافقو اليهود (قالوا آمنا) أي: أظهروا الإسلام (وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به) جملتان حاليتان أي: جاءوكم حال كونهم قد دخلوا عندك متلبسين بالكفر وخرجوا من عندك متلبسين به، لم يؤثر فيهم ما سمعوا منك بل خرجوا كما دخلوا.
فليفتح العلماء لهذه الآية مسامعهم ويفرجوا لها عن قلوبهم، فإنها قد جاءت بما فيه البيان الشافي لهم بأن كفهم عن المعاصي مع ترك إنكارهم على أهلها لا يسمن ولا يغني من جوع، بل هم أشدّ حالاً وأعظم وبالاً من العصاة، فرحم الله عالماً قام بما أوجبه الله عليه من فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو أعظم ما افترضه الله عليه، وأوجب ما وجب عليه النهوض به.
اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر الذين لا يخافون فيك لومة لائم وأعنّا على ذلك وقوّنا عليه، ويسره لنا وانصرنا على من تعدى حدودك وظلم عبادك أنه لا ناصر لنا سواك ولا مستعان غيرك يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين، وقد وردت أحاديث كثيرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا حاجة لنا في بسطها هنا.
ففي الآية أيضاً ذم لعلماء المسلمين على توانيهم في النهي عن المنكرات، ولذلك قال ابن عباس: ما في القرآن آية أشد توبيخاً من هذه الآية، وقال الضحاك: ما في القرآن آية أخوف عندي منها، وفيه دلالة على أن تارك النهي عن المنكر بمنزلة مرتكبه لأن الله تعالى ذم الفريقين في هذه الآية.