الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ
(88)
(قال الملأ الذين استكبروا) أي الأشراف المستكبرون عن الإيمان (من قومه) استئناف بياني كأنه قيل فماذا قالوا بعد سماعهم هذه المواعظ من شعيب (لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا) لم يكتفوا بترك الإيمان والتمرد عن الإجابة إلى ما دعاهم اليه، بل جاوزوا ذلك بغياً وبطراً وأشراً إلى توعد نبيهم ومن آمن به بالإخراج من قريتهم أو عودهم في ملتهم الكفرية أي لا بد من أحد الأمرين إما الإخراج أو العود.
ومقصودهم الأصلي هو العود، وإنما ذكر النفي والإجلاء لمحض القسر والإلجاء كما يفصح عنه عدم تعرضه لجواب الإخراج على ما هو ظاهر النظم، وتوسيط النداء باسمه العلمي بين المعطوفين لزيادة التقرير والتهديد الناشئة عن غاية الوقاحة والطغيان أي والله لنخرجنك وأتباعك، وإنما لم يقولوا أو لنعيدنكم على طريقة ما قبله لما أن مرادهم العود بطريق الاختيار وصورة الطواعية.
وكلمة " عاد " لها في لسانهم استعمالان (أحدهما) وهو الأصل أنه الرجوع إلى ما كان عليه من الحال الأول (والثاني) استعمالها بمعنى صار، قال السمين: واستشكلوا على كونها بمعناها الأصلي أن شعيباً لم يكن قط على دينهم ولا في ملتهم فكيف يحسن أن يقال أو لتعودن أي ترجعن إلى حالتكم الأولى والخطاب له ولأتباعه.
وقد أجيب عن ذلك بثلاثة أوجه (أحدها) أن هذا القول من رؤسائهم قصدوا به التلبيس على العوام والإيهام لهم أنه كان على دينهم وعلى ملتهم.
الثاني: أن يراد بعوده رجوعه إلى حاله قبل بعثته من السكوت لأنه قبل
أن يبعث إليهم كان يخفي إيمانه وهو ساكت عنهم، بريء من معبوداتهم غير الله.
الثالث: تغليب الجماعة على الواحد لأنهم لما أصحبوه مع قومه في الإخراج حكموا عليه وعليهم بالعود إلى الملة تغليباً لهم عليه.
وأما إذا جعلناهم بمعنى صار فلا إشكال في ذلك إذ المعنى لتصيرن في ملتنا بعد أن لم تكونوا، وفي ملتنا حال على الأول، خبر على الثاني، وعدى عاد بفي الظرفية تنبيهاً على أن الملة صارت لهم بمنزلة الوعاء المحيط بهم انتهى.
والأولى ما قال الزجاج يجوز أن يكون العود بمعنى الابتداء يقال عاد إلى من فلان مكروه أي صار وإن لم يكن سبقه مكروه قبل ذلك فلا يرد ما يقال كيف يكون شعيب على ملتهم الكفرية من قبل أن يبعثه الله رسولاً، ويحتاج إلى الجواب بتغليب قومة المتبعين له عليه في الخطاب بالعود إلى ملتهم والقرية هي مدين وبينها وبين مصر ثمانية مراحل.
(قال أو لو كنا كارهين) الهمزة لإنكار وقوع ما طلبوه من الإخراج أو العود أي أتعيدوننا في ملتكم حال كراهتنا للعود إليها، أو أتخرجوننا من قريتكم في حال كراهتنا للخروج منها، أو في حال كراهتنا للأمرين جميعاً، والمعنى أنه ليس لكم أن تكرهونا على أحد الأمرين ولا يصلح لكم ذلك، فإن المكره لا اختيار له ولا تعد موافقته مكرهاً موافقة ولا عوده إلى ملتكم مكرهاً عوداً.
وبهذا التقرير يندفع ما استشكله كثير من المفسرين في هذا المقام حتى تسبب عن ذلك تطويل ذيول الكلام.