الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(145)
(قل لا أجد فيما أوحي إلي) أي القرآن وفيه إيذان بأن مناط الحل والحرمة هو النقل لا محض العقل، ومعنى (محرماً على طاعم) أي أيُّ طاعم كان من ذكر أو أنثى، فهذا رد لقولهم:(ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا).
وفي (يطعمه) زيادة تأكيد وتقرير لما قبله، قال طاووس: إن أهل الجاهلية كانوا يحرمون أشياء ويحلون أشياء فنزلت هذه الآية، وقال ابن عباس: كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذراً فبعث الله نبيه وأنزل كتابه وأحل حلاله وحرم حرامه، فما أحل فهو حلال وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، ثم تلا هذه الآية وقال: ما خلا هذا فهو حلال، وعن الشعبي أنه سئل عن لحم الفيل والأسد فتلا هذه الآية.
والمعنى أمره الله سبحانه بأن يخبرهم أنه لا يجد في شيء مما أوحي إليه محرماً غير هذه المذكورات، فدل ذلك على انحصار المحرمات فيها لولا أنها مكية، وقد نزل بعدها بالمدينة سورة المائدة وزيد فيها على هذه المحرمات المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحريم كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير وتحريم الحمر الأهلية والكلاب ونحو ذلك وأحاديثها مستوفاة في كتب الحديث.
وبالجملة فهذا العموم إن كان بالنسبة إلى ما يؤكل من الحيوانات كما يدل عليه السياق ويفيده الإستثناء فيضم إليه كل ما ورد بعده في الكتاب أو
السنة مما يدل على تحريم شيء من الحيوانات، وإن كان هذا العموم هو بالنسبة إلى كل شيء حرمه الله من حيوان وغيره فإنه يضم إليه كل ما ورد بعده مما فيه تحريم شيء من الأشياء.
وقد روي عن ابن عباس وابن عمر وعائشة أنه لا حرام إلا ما ذكره الله في هذه الآية، وروي ذلك عن مالك وهو قول ساقط ومذهب في غاية الضعف لاستلزامه لإهمال غيرها مما نزل بعدها من القرآن وإهمال ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاله بعد نزول هذه الآية بلا سبب يقتضي ذلك ولا موجب يوجبه.
أخرج البخاري وأبو داود وابن المنذر عن عمرو بن دينار قال: قلت لجابر بن زيد إنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر، فقال: قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن أبى ذلك البحر ابن عباس وقرأ (قل لا أجد) الآية.
وأقول وإن أبى ذلك البحر ابن عباس فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتمسك بقول صحابي في مقابلة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم من سوء الاختيار وعدم الإنصاف.
(إلا) منقطع قاله المكي والسيوطي، وظاهر كلام الزمخشري أنه متصل، وإليه نحا السمين (أن يكون) ذلك الشيء المحرم أو ذلك الطعام أو العين أو الجثة أو النفس (ميتة) وقرئ يكون بالتحتية والفوقية، وميتة بالرفع على أن كان تامة والمراد بالميتة هنا ما مات بنفسه لأجل عطف قوله (أو فسقاً) فإنه من أفراد الميتة شرعاً.
وأخرج أحمد والبخاري والنسائي وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه
عن ابن عباس أن شاة لسودة بنت زمعة ماتت فقالت يا رسول الله ماتت فلانة تعني الشاة فقال: فلولا أخذتم مسكها (1) قالت: يا رسول الله أنأخذ مسك شاة قد ماتت فقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (قل لا أجد) الآية وأنتم لا تطعمونه وإنما تدبغونه حتى تستنفعوا به، الحديث، ومثل هذا حديث شاة ميمونة ومثله حديث " إنما حرم من الميتة أكلها " وهما في الصحيح (2).
(أو دماً مسفوحاً) أي جارياً سائلاً مصبوباً وغير المسفوح معفو عنه كالدم الذي يبقى في العروق بعد الذبح ومنه الكبد والطحال، وهكذا ما يتلطخ به اللحم من الدم، وقد حكى القرطبي الإجماع على هذا، والسفح الصب وقيل السيلان وهو قريب من الأول، وسفح يستعمل قاصراً ومتعدياً، يقال سفح زيد دمعه ودمه أي إهراقه، وسفح هو إلا أن الفرق بينهما وقع باختلاف المصدر ففي المتعدي، يقال سفح وفي اللازم يقال سفوح، ومن المتعدي قوله تعالى:(أو دماً مسفوحاً) فإن اسم المفعول التام لا يبنى إلا من متعد، ومن اللازم ما أنشده أبو عبيدة لكثير عزة.
أقول ودمعي واكف عند رسمها
…
عليك سلام الله والدمع يسفح
قال ابن عباس: مسفوحاً أي مهراقاً، كان أهل الجاهلية إذا ذبحوا أو أو دجوا الدابة وأخذوا الدم فأكلوه قال هو دم مسفوح، ومسفوحاً على قراءة العامة معطوف على ميتة وقيل معطوف على المستثنى وهو أن يكون.
(1) جلدها.
(2)
روى الإمام أحمد والبخاري ومسلم عن أبي ثعلبة قال. " حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية " وزاد أحمد " ولحم كل ذي ناب من السباع " وقد صح النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية من حديث البراء بن عازب، وابن عمر، وأبي هريرة، وزاهر الأسلمي، وابن أبي أوفى. وروى الجماعة إلا البخاري والترمذي عن ابن عباس قال:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير " وروى مسلم في " صحيحه " 3/ 1534 عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل ذي ناب من السباع حرام ". ابن كثير، 2/ 184.
(أو لحم خنزير) ظاهر تخصيص اللحم أنه لا يحرم الانتفاع منه بما عدا اللحم، والضمير في (فإنه) راجع إلى الخنزير أو اللحم لأنه المحدث عنه وإن كان غيره من باقي أجزائه أولى بالتحريم، فلذلك خص اللحم بالذكر لكونه معظم المقصود من الحيوان فغيره أولى (رجس) أي نجس، وقد تقدم تحقيقه (أو فسقاً) عطف على لحم خنزير، وما بينهما اعتراض مقرر لحرمته (أهل لغير الله به) صفة فسقاً أي ذبح على الأصنام، ورفع الصوت على ذبحه باسم غير الله، وسمي فسقاً لتوغله في باب الفسق.
وقيل يجوز أن يكون فسقاً مفعولاً له لأهل أي أهل به لغير الله فسقاً على عطف أهل على يكون وهو تكلف لا حاجة إليه، وقيل ذا فسق أي معصية فهذا من قبيل المبالغة على حد زيد عدل، وفي زاده جعل العين المحرمة عين الفسق مبالغة في كون تناولها فسقاً، وقيل إنه منصوب عطفاً على محل المستثنى أي إلا أن يكون ميتة أو إلا فسقاً.
(فمن اضطر) أي فمن أصابته ضرورة داعية إلى أكل شيء مما ذكر حال كونه (غير باغ) على مضطر آخر مثله تارك لمواساته أو على المسلمين (ولا عاد) متجاوز قدر حاجته من تناوله أو عليهم بقطع الطريق (فإن ربك غفور رحيم) أي كثير المغفرة والرحمة فلا يؤاخذ المضطر بما دعت إليه ضرورته، وقد تقدم تفسيره في البقرة فلا نعيده.
وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)
(وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) قدم الظرف على الفعل للدلالة على أن هذا التحريم مختص بهم لا يجاوزهم إلى غيرهم وهم اليهود، ذكر الله ما حرمه عليهم عقب ذكر ما حرمه على المسلمين، والظفر واحد الأظفار، ويجمع أيضاً على أظافير، وزاد الفراء في جمع ظفر أظافر وأظافرة، وذو الظفر ما له أصبع من دابة أو طائر، ويدخل فيه الحافر والخف والمخلب، فيتناول الإبل والبقر والغنم والنعام والأوز والبط، وكل ما له مخلب من الطير وحافر من الدواب، وتسمية الحافر والخف ظفراً مجاز.
والأولى حمل الظفر على ما يصدق عليه اسم الظفر في لغة العرب لأن هذا التعميم يأباه ما سيأتي من قوله: (ومن البقر والغنم) فإن كان في لغة العرب بحيث يقال على البقر والغنم كان ذكرهما من بعد تخصيصاً آخر، حرم الله ذلك عليهم عقوبة لهم على ما وقعوا فيه من الظلم كما قال تعالى:(فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم).
عن ابن عباس قال: هو الذي ليس بمنفرج الأصابع من البهائم والطير يعني مشقوقها كالبعير والنعامة ونحو ذلك من الدواب، وقال مجاهد: هو كل شيء لم ينفرج قوائمه من البهائم، وما انفرج أكلته اليهود، قال انفرجت قوائم الدجاج والعصافير فيهود تأكله، ولم ينفرج خف البعير ولا النعامة ولا قائمة الوزينة فلا تأكلها اليهود ولا تأكل حمار الوحش، وفي الظفر لغات خمس ذكرها السمين أعلاها بضم الظاء والفاء وهي قراءة العامة.
(ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما) لا غير هذا المذكورات كلحمها والشحوم يدخل فيها الثروب وشحم الكلية وقيل الثروب جمع ثرب وهو الشحم الرقيق الذي يكون على الكرش والأمعاء كما في القاموس، والمراد بها هنا ما على الكرش فقط كما فسر به القرطبي، ولا يراد ما على الأمعاء وتفسيره بما على الأمعاء نظراً لمعناها اللغوي.
(إلا ما حملت ظهورهما) أي ما علق بالظهر والجنب من داخل بطونهما من الشحم، استثنى الله سبحانه من الشحوم هذا الشحم فإنه لم يحرمه عليهم، وقال السدي وأبو صالح: الإلية مما حملت ظهورهما وهذا مختص بالغنم لأن البقر ليس لها إلية.
(أو) حملت (الحوايا) أي الأمعاء وهي المباعر التي يجتمع فيها البعر، فما حملته هذه من الشحم غير حرام عليهم، وبه قال جمهور المفسرين وهو قول ابن عباس، وواحدها حاوية مثل ضاربة وضوارب وقيل: واحدهما حاوِياء، مثل قاصعاء وقواصع وقيل حوية كسفينة وسفائن، قال الفارسي: يصح أن يكون جمعاً لكل من الثلاثة، وقال أبو عبيدة: الحوايا ما تحوي من البطن أي استدار وهي متحوية أي مستديرة وقيل الحوايا خزائن اللبن وهي تتصل بالمباعر وقيل الأمعاء التي عليها الشحوم.
(أو ما اختلط بعظم) فإنه غير محرم، قال الكسائي والفراء وثعلب معطوف على ما في (ما حملت) وقيل على الشحوم ولا وجه لهذا التكلف ولا موجب له، لأنه يكون المعنى أن الله حرم عليهم إحدى هذه المذكورات، والمراد بما اختلط ما لصق بالعظام من الشحوم في جميع مواضع الحيوان من الجنب والرأس والعين، ومنه الإلية فإنها لاصقة بعجب الذنب.
عن ابن عباس قال: ما اختلط من شحم الإلية بالعصعص فهو حلال،
وكل شحم القوائم والجنب والرأس والعين والأذن يقولون قد اختلط ذلك بعظم فهو حلال لهم، إنما حرم عليهم الثرب وشحم الكلية.
(ذلك) التحريم المدلول عليه بحرمنا، وقيل الإشارة إلى الجزاء المدلول عليه بقوله (جزيناهم) وهو تحريم ما حرمه الله عليهم (ببغيهم) أي بسبب بغيهم وظلمهم كما سبق في سورة النساء من قوله (فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله) إلى أن قال (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات) فكانوا كلما ارتكبوا معصية من هذه المعاصي عوقبوا بتحريم شيء مما أحلهم، وهم ينكرون ذلك ويدعون أنها لم تزل محرمة على الأمم قبلهم.
(وإنا لصادقون) في كل ما نخبر به، ومن جملة ذلك هذا الخبر وهو موجود عندهم في التوراة ونصها حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير، وكل دابة ليست مشقوقة الحافر وكل حوت ليس فيه شقاشق أي بياض انتهى.
(فإن كذبوك) أي اليهود فيما وصفت من تحريم الله عليهم تلك الأشياء وقيل الضمير يعود إلى المشركين الذين قسموا الأنعام إلى تلك الأقسام وحللوا بعضها وحرموا بعضها (فقل ربكم ذو رحمة واسعة) للمطيعين، ومن رحمته حلمه عنكم وعدم معالجته لكم بالعقوبة في الدنيا فلا تغتروا بذلك فإنه إمهال لا إهمال، وفيه أيضاً تلطف بدعائهم إلى الإيمان وهو وإن أمهلكم ورحمكم فإنه (ولا يرد بأسه) أي عذابه ونقمته (عن القوم المجرمين) إذا أنزله بهم واستحقوا المعالجة بالعقوبة.
وقيل المراد لا يرد بأسه في الآخرة والأول أولى، فإنه سبحانه قد عاجلهم بعقوبات منها تحريم الطيبات عليهم في الدنيا، والمجرمون هم اليهود أو الكفار، وإنما قال ذلك نفياً للاغترار بسعة رحمته في الاجتراء على معصيته، ولئلا يغتروا برجاء رحمته عن خوف نقمته، وذلك أبلغ في التهديد.
سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149)
(سيقول الذين أشركوا) أخبر الله عن المشركين أنهم سيقولون هذه المقالة وقد وقع مقتضاه كما حكى عنهم في سورة النحل بقوله تعالى: (وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا) الخ وهم كفار قريش أو جميع المشركين يريدون أنه (لو شاء الله) عدم شركهم وعدم تحريمهم.
(ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء) أي ما أشركوا هم ولا آباؤهم ولا حرموا شيئاً من الأنعام كالبحيرة ونحوها، وظنوا أن هذا القول يخلصهم عن الحجة التي ألزمهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ما فعلوه حق، ولو لم يكن حقاً لأرسل الله إلى آبائهم الذين ماتوا على الشرك وعلى تحريم ما لم يحرمه الله رسلاً يأمرونهم بترك الشرك وبترك التحريم لما لم يحرمه الله والتحليل لما لم يحلله.
(كذلك) أي مثل ما كذب هؤلاء (كذب الذين من قبلهم) من كفار الأمم الخالية ومن المشركين أنبياء الله (حتى ذاقوا بأسنا) أي استمروا على التكذيب حتى ذاقوا عذابنا الذي أنزلناه بهم، وقد تمسك القدرية والمعتزلة بهذه الآية ولا دليل لهم في ذلك على مذهب الجبر والاعتزال، لأن أمر الله بمعزل عن مشيئته وإرادته ولا يلزم من ثبوت المشيئة دفع دعوة الأنبياء عليهم السلام.
(قل هل عندكم من علم) أمره الله أن يقول لهم هل عندكم دليل صحيح يعد من العلم النافع وحجة وكتاب يوجب اليقين بأن الله راض بذلك
(فتخرجوه لنا) لننظر فيه ونتدبره، والمقصود من هذا التبكيت لهم لأنه قد علم أنه لا علم عندهم يصلح للحجة ويقوم به البرهان.
ثم أوضح لهم أنهم ليسوا على شيء من العلم فقال: (إن تتبعون إلا الظن) الذي هو محل الخطأ ومكان الجهل (وإن أنتم إلا تخرصون) أي تتوهمون مجرد توهم فقط كما يتوهم الخارص وتقولون على الله الباطل وقد سبق تحقيقه.
(قل فلله الحجة البالغة) على الناس أي التي تنقطع عندها معاذيرهم وتبطل شبههم وظنونهم وتوهماتهم، والمراد بها الكتب المنزلة والرسل المرسلة، وما جاؤوا به من المعجزات، قال الربيع بن أنس: لا حجة لأحد عصى الله أو أشرك به على الله، بل له الحجة التامة على عباده، وقال عكرمة: الحجة السلطان.
(فلو شاء) هدايتكم جميعاً إلى الحجة البالغة (لهداكم أجمعين) ولكنه لم يشأ ذلك ومثله قوله: (ولو شاء الله ما أشركوا، وما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله) ومثله كثير فالمنتفى في الخارج مشيئة هداية الكل، وإلا فقد هدى بعضهم.
وعن ابن عباس أنه قيل له: إن أناساً يقولون ليس الشر بقدر، فقال ابن عباس: بيننا وبين أهل القدر هذه الآية والعجز والكيس من القدر، وقال علي بن زيد انقطعت حجة القدرية عند هذه الآية قل فلله الحجة إلى قوله أجمعين.
قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149) قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)
(قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا) أمره الله سبحانه أن يقول لهؤلاء المشركين هاتوهم وأحضروهم، قال السدي: أروني شهداءكم وهلم اسم فعل يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والمجموع عند أهل الحجاز وأهل نجد يقولون هلما هلمي هلموا فينطقون به كما ينطقون بسائر الأفعال وبلغة أهل الحجاز نزل القرآن ومنه قوله تعالى: (والقائلين لإخوانهم هلم إلينا) والأصل عند الخليل ها ضمت إليها لم.
وقال غيره أصلها هل زيدت عليه الميم، وفي كتاب العين للخليل أن أصلها هل أؤم أي هل أقصدك، ثم كثر استعمالهم لها، وهذا أيضاً من باب التبكيت لهم حيث يأمرهم بإحضار الشهود على أن الله حرم تلك الأشياء مع علمه أنه لا شهود لهم لتلزمهم الحجة، ويظهر ضلالهم، وأنه لا متمسك لهم سوى تقليدهم، ولذلك قيد الشهداء بالإضافة إليهم الدالة على أنهم شهداء معروفون بالشهادة لهم وهم قدوتهم الذين ينصرون قولهم.
(فإن شهدوا) لهم بغير علم بل مجازفة وتعصباً (فلا تشهد معهم) أي فلا تصدقهم ولا تسلم لهم (ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا) فإنهم رأس المكذبين بها (و) لا تتبع أهواء (الذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون) أي يجعلون له عدلاً من مخلوقاته كالأوثان ويشركون.