الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
(76)
(قل أتعبدون) أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول لهم هذا القول إلزاماً لهم وقطعاً لشبهتهم بعد تعجبه من أحوالهم أي أتعبدون (من دون الله) متجاوزين إياه (ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً) بل هو عبد مأمور، وما جرى على يده من النفع أو وقع من الضرر فهو بإقدار الله له وتمكينه منه، وأما هو، فهو يعجز عن أن يملك لنفسه شيئاً من ذلك فضلاً عن أن يملكه لغيره، ومن كان لا ينفع ولا يضر فكيف تتخذونه إلهاً وتعبدونه وأي سبب يقتضي ذلك؟ والمراد هنا المسيح عليه السلام.
وإيثار (ما) على (من) لتحقيق ما هو المراد من كونه بمعزل عن الألوهية رأساً ببيان انتظامه عليه السلام في سلك الأشياء التي لا قدرة لها على شيء أصلاً، وقدم سبحانه الضر على النفع لأن دفع المفاسد أهم من جلب المصالح، وهذا دليل قاطع على أن أمره مناف للربوبية والإلهية حيث لا يستطيع ضراً ولا نفعاً، وصفة الرب والإله أن يكون قادراً على كل شيء لا يخرج مقدور عن قدرته، وهذا في حق عيسى النبي، فما ظنك بولي من الأولياء؟ فإنه أولى بذلك.
(و) الحال أن (الله هو السميع العليم) ومن كان كذلك فهو القادر على الضر والنفع لإحاطته بكل مسموع ومعلوم، ومن جملة ذلك مضاركم ومنافعكم، وقيل: إن الله هو المستحق للعبادة لأنه يسمع كل شيء ويعلمه وإليه ينحو كلام الزمخشري.
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)
(قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم) لما أبطل سبحانه جميع ما تعلقوا به من الشبه الباطلة نهاهم عن الغلو في دينهم، وهو المجاوزة للحد كإثبات الإلهية لعيسى كما يقوله النصارى أو حطه عن مرتبته العلية كما يقوله اليهود، فإن كل ذلك من الغلو المذموم وسلوك طريقة الإفراط أو التفريط واختيارهما على طريق الصواب.
و (غير) منصوب على أنه نعت لمصدر محذوف أي غلواً غير غلو (الحق) وأما الغلو في الحق بإبلاغ كلية الجهد في البحث عنه واستخراج حقائقه فليس بمذموم، وقيل: إن النصب على الاستثناء المتصل وقيل على المنقطع قال قتادة: لا تغلوا أي لا تبتدعوا، عن ابن زيد قال: كان مما غلوا فيه أن دعوا لله صاحبة وولداً.
(ولا تتبعوا أهواء قوم) جمع هوى وهو ما تدعو شهوة النفس إليه، قال الشعبي: ما ذكر الله تعالى الهوى في القرآن إلا وذمه، وقال أبو عبيدة: لم نجد الهوى يوضع إلا موضع الشر، لأنه لا يقال فلان يهوى الخير إنما يقال فلان يحب الخير ويريده، والخطاب لليهود والنصارى الذين كانوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهوا عن اتباع أسلافهم فيما ابتدعوه من الضلالة بأهوائهم وهو المراد بقوله (قد ضلوا من قبل) أي قبل البعثة المحمدية على صاحبها الصلاة والتحية،
والمراد أن أسلافهم ضلوا قبل البعثة بغلوهم في عيسى.
(وأضلوا كثيراً) من الناس إذ ذاك (وضلوا) من بعد البعثة إما بأنفسهم أو جعل ضلال من أضلوه ضلالاً لهم لكونهم سنوا لهم ذلك ونهجوه لهم، وقيل المراد بالأول كفرهم بما يقتضيه العقل وبالثاني كفرهم بما يقتضيه الشرع وقيل الأول ضلالهم عن الإنجيل، والثاني ضلالهم عن القرآن (عن سواء السبيل) أي عن طريق الحق.
(لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم) أي لعنهم الله سبحانه في الزبور والإنجيل على لسان داود وعيسى بما فعلوه من المعاصي لاعتدائهم في السبت وكفرهم بعيسى، وعن أبي مالك الغفاري قال: لعنوا أي اليهود على لسان داود فجعلوا قردة وهم أصحاب أيلة، والنصارى على لسان عيسى فجعلوا خنازير، وهم أصحاب المائدة، وكانوا خمسة آلاف ليس فيهم امرأة ولا صبي والفريقان من بني إسرائيل وعن قتادة نحوه وكان داود بعد موسى وقبل عيسى.
(ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) جملة مستأنفة، والمعنى ذلك اللعن بسبب المعصية والاعتداء لا بسبب آخر، ثم بين سبحانه المعصية والاعتداء بقوله.
(كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه) أسند الفعل إليهم لكون فاعله من جملتهم وإن لم يفعلوه جميعاً، والمعنى أنهم كانوا لا ينهون العاصي عن معاودة معصية قد فعلها أو تهيأ لفعلها، ويحتمل أن يكون وصفهم بأنهم قد فعلوا المنكر باعتبار حالة النزول لا حالة ترك الإنكار وبيان العصيان والاعتداء بترك التناهي عن المنكر لأن من أخل بواجب النهي عن المنكر فقد عصى الله سبحانه وتعدى حدوده.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم القواعد الإسلامية، وأجل الفرائض الشرعية ولهذا كان تاركه شريكاً لفاعل المعصية، ومستحقاً لغضب الله وانتقامه، كما وقع لأهل السبت فإن الله سبحانه مسخ من لم يشاركهم في الفعل ولكن ترك الإنكار عليهم كما مسخ المعتدين فصاروا جميعاً قردة وخنازير، إن في ذلك لعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ثم إن الله سبحانه قال مقبحاً لعدم التناهي عن المنكر: (لبئسما كانوا يفعلون) من تركهم الإنكار ما يجب عليهم إنكاره، واللام لام القسم.
عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال:(لعن الذين كفروا إلى قوله فاسقون) ثم قال: " كلا والله لتأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر ثم لتأخذن على يد الظالم ولتَأطرنّهُ على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً زاد في رواية أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما لعنهم " أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وابن ماجة وغيرهم وقد روي عن طرق كثيرة (1)، والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً فلا نطول بذكرها.
وعن أبي عبيدة بن الجراح يرفعه قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً من أول النهار فقام مائة واثنا عشر رجلاً من عبادهم فأمروهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعاً في آخر النهار، فهم الذين كفروا من بني إسرائيل الآيات.
(1) أبو داود الباب 17 من كتاب الملاحم- الترمذي كتاب التفسير سورة 5، 7.
تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)
(ترى كثيراً منهم) أي من اليهود مثل كعب بن الأشرف وأصحابه (يتولون الذين كفروا) أي المشركين وليسوا على دينهم.
(لبئسما قدمت) أي سولت وزينت (لهم أنفسهم) أو ما قدموه لأنفسهم ليردوا عليه يوم القيامة والمخصوص بالذم هو.
(أن سخط الله عليهم) أي موجب سخط الله عليهم على حذف مضاف أو سخط الله على حذف المبتدأ أي بما فعلوا من موالاة الكفار (وفي العذاب هم خالدون) يعني في الآخرة.
(ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي) أي نبيهم محمد (وما أنزل إليه) من الكتاب (ما اتخذوهم) أي المشركين والكفار (أولياء) لأن الله سبحانه ورسوله المرسل إليهم وكتابه المنزل عليه نهوهم عن ذلك.
(ولكن كثيراً منهم فاسقون) أي خارجون عن ولاية الله وعن الإيمان به وبرسوله وبكتابه قال مجاهد هم المنافقون.