الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ
(93)
(ومن أظلم) هذه الجملة مقررة لمضمون ما تقدم من الاحتجاج عليهم بأن الله أنزل الكتب على رسله أي كيف تقولون ما أنزل الله على بشر من شيء وذلك يستلزم تكذيب الأنبياء عليهم السلام، ولا أحد أظلم وأعظم خطأً وأجهل فعلاً (ممن افترى على الله كذباً) فزعم أنه نبي وليس بنبي (أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء) عطف خاص على عام، قاله أبو حيان أو عطف تفسير.
والأحسن أنه من عطف المغاير باعتبار العنوان وتكون أو للتنويع، وقد صان الله أنبياءه عما يزعمون عليهم، وإنما هذا شأن الكذابين رؤوس الضلال كمسيلمة الكذاب، ادعى النبوة باليمامة من اليمن، والأسود العنسي صاحب صنعاء وسجاح.
قال شرحبيل بن سعد: نزلت في عبد الله بن أبي سرح لما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة فر إلى عثمان أخيه من الرضاعة فغيبه عنده حتى اطمأن أهل مكة ثم استأمن له، وقال ابن جريج: نزلت في مسيلمة الكذاب من ثمامة ونحوه ممن دعا إلى مثل ما دعا إليه، وقيل في مسيلمة بن حبيب من بني حنيفة وكان صاحب نير نجات وكهانة وسجع ادعى النبوة في اليمن.
عن عكرمة قال: لما نزلت (والمرسلات عرفاً) قال النضر وهو من بني
عبد الدار والطاحنات طحناً والعاجنات عجناً قولاً كثيراً فأنزل الله هذه الآية.
(ومن قال سأنزل) معطوف على من افترى أي ومن أظلم ممن افترى أو ممن قال أوحي إلي وممن قال سأنزل أي سآتي وأنظم وأجمع وأتكلم (مثل ما أنزل الله) وهم القائلون لو نشاء لقلنا مثل هذا، وقيل هو عبد الله ابن أبي سرح فإنه كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأملى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم أنشأناه خلقاً آخر) فقال عبد الله:(فتبارك الله أحسن الخالقين) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزل، فشك عبد الله حينئذ وقال لئن كان محمد صادقاً لقد أوحي إلي كما أوحي إليه، ولئن كان كاذباً لقد قلت كما قال، ثم ارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين، ثم أسلم يوم الفتح كما هو معروف.
قال أهل العلم: وقد دخل في حكم هذه الآية كل من افترى على الله كذباً في ذلك الزمان وبعده لأنه لا يمنع خصوص السبي من عموم الحكم.
(ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت) الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو
لكل من يصلح له، والمراد كل ظالم ويدخل فيه الجاحدون لما أنزل الله والمدعون للنبوات افتراء على الله دخولاً أولياً وجواب لو محذوف أي لرأيت أمراً عظيماً، والغمرات جمع غمرة وهي الشدة، وأصلها الشيء الذي يغمر الأشياء فيغطيها، ومنه غمرة الماء، ثم استعملت في الشدائد ومنه غمرة الحرب قال الجوهري: والغمرة الشدة والجمع غمر مثل نوبة ونوب، قال ابن عباس: غمرات الموت سكراته.
(والملائكة باسطوا أيديهم) بقبض أرواح الكفار كالمتقاضي الملظ الملح يبسط يده إلى من عليه الحق ويعنف عليه في المطالبة من غير إمهال وتنفيس، قال ابن عباس: هذا ملك الموت عليه السلام، وقيل باسطوا أيديهم للعذاب وفي أيديهم مطارق الحديد، قاله الضحاك ومثله قوله تعالى:(ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم).
(أخرجوا أنفسكم) أي قائلين لهم تعنيفاً أخرجوا أنفسكم من هذه الغمرات التي وقعتم فيها أو أخرجوا أنفسكم من الدنيا وخلصوها من العذاب أو أخرجوا أنفسكم من أجسادكم وسلموها إلينا لنقبضها.
(اليوم) أي اليوم الذي تقبض فيه أرواحكم أو أرادوا باليوم الوقت الذي يعذبون فيه الذي مبدؤه عذاب القبر.
(تجزون عذاب الهون) أي الهوان الذي تصبرون به في إهانة وذلة بعدما كنتم فيه من الكبر والتعاظم.
(بما كنتم تقولون على الله غير الحق) أي بسبب قولكم هذا من إنكار إنزال الله كتبه على رسله والإشراك به.
(وكنتم عن آياته تستكبرون) أي عن التصديق لها والعمل بها فكان ما جوزيتم به عذاب الهون جزاء وفاقاً.
وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94) إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)
(و) يقال لهم إذا بعثوا، والقائلون هم الملائكة وقيل هو قول الله تعالى:(لقد جئتمونا فرادى) قرئ بالتنوين وهي لغة بني تميم وبألف التأنيث للجمع وهو جمع فرد وفريد قاله الفراء، وقال ابن قتيبة: هو جمع فردان كسكران وسكارى، وقال الراغب: جمع فريد كأسير وأسارى، وقيل هو اسم جمع لأن فرداً لا يجمع على فرادى والمعنى جئتمونا منفردين واحداً واحداً كل واحد منفرد عن أهله وماله وولده وما كان يعبده من دون الله فلم ينتفع بشيء من ذلك.
قال سعيد بن جبير: كيوم ولد يرد عليه كل شيء نقص منه يوم ولد، وعن عكرمة قال: قال النضر بن الحرث سوف تشفع لي اللات والعزى فنزلت هذه الآية.
(كما خلقناكم أول مرة) أي على الصفة التي كنتم عليها عند خروجكم من بطون أمهاتكم حفاة عراة غًرْلاً يعني: خلقاً كما ولدتكم أمهاتكم في أول مرة في الدنيا ولا شيء عليكم ولا معكم.
(وتركتم ما خولناكم) أي ما أعطيناكم من المال والولد والخدم في الدنيا، والخول ما أعطاه الله للإنسان من متاع الدنيا (وراء ظهوركم) أي تركتم ذلك خلفكم لم تأتونا بشيء منه ولا انتفعتم به بوجه من الوجوه.
(وما نرى معكم شفعاءكم الذين) عبدتموهم وقلتم ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى و (زعمتم أنهم فيكم شركاء) لله يستحقون منكم العبادة كما يستحقها فإذا كان يوم القيامة وبخ الله المشركين وقرعهم بهذه الآية.
ثم قال: (لقد تقطع بينكم) أي ما بينكم من الوصل وتواصلكم في الدنيا كما يدل عليه (وما نرى معكم شفعاءكم) وقيل لقد تقطع الأمر بينكم، وقرأ ابن مسعود لقد تقطع ما بينكم وقرئ بينكم برفع النون ومعناه وصلكم والبين من الأضداد يكون وصلاً ويكون هجراً (وضل عنكم ما كنتم تزعمون) في الدنيا من الشركاء والشرك وحيل بينكم وبينهم.
(إن الله فالق الحب) هذا شروع في تعداد عجائب صنعه تعالى، وذكر ما يعجز آلهتهم عن أدنى شيء منه والفلق الشق أي هو سبحانه شاق الحب فيخرج منه النبات (و) فالق (النوى) فيخرج منه الشجر الصاعد في الهواء، وقيل معناه الشق الذي فيه من أصل الخلقة وقيل معنى فالق خالق، وبه قال ابن عباس والضحاك ومقاتل، قال الواحدي: ذهبوا بفالق مذهب فاطر، وأنكر الطبري هذا وقال لا يعرف في كلام العرب فلق الله الشيء بمعنى خلق، ونقل الأزهري عن الزجاج جوازه والأول أولى.
والحب هو الذي ليس فيه نوى كالحنطة والشعير والأرز وما أشبه ذلك، والنوى جمع نواة يطلق على كل ما فيه عجم كالتمر والمشمش والخوخ، والمعنى أنه إذا وقعت الحبة أو النواة في الأرض الرطبة ثم مر عليها زمان أظهر الله منهما ورقاً أخضر، ثم يخرج من ذلك الورق سنبلة يكون فيها الحب، ويظهر من النواة شجرة صاعدة في الهواء وعروقاً ضاربة في الأرض، فسبحان من أوجد جميع الأشياء بقدرته وإبداعه وخلقه، وتبارك الله أحسن الخالقين.
(يخرج الحي من الميت) هذه الجملة خبر بعد خبر، وقيل هي جملة
مفسرة لما قبلها لأن معناها معناه، والأول أولى فإن معنى ذلك يخرج الحيوان من مثل النطفة والبيضة وهي ميتة (و) معنى (مخرج الميت من الحي) مخرج النطفة والبيضة وهي ميتة من الحي، وهذا قول الكلبي ومقاتل، وهذا عطف جملة إسمية على فعلية ولا ضير في ذلك.
قال قتادة: يخرج النخلة من النواة والسنبلة من الحبة، ويخرج النواة من النخلة والحبة من السنبلة وقال مجاهد: الناس الأحياء تخرج من النطف والنطفة ميتة تخرج من الناس الأحياء، قال الطبري: من الأنعام والنبات كذلك أيضاً، وقال ابن عباس: يخرج المؤمن من الكافر، وبالعكس وبه قال الحسن، وقيل الطائع من العاصي وبالعكس، ولا مانع من حمل ذلك على الجميع بل اللفظ أوسع من ذلك، وقيل المراد من الحي ما ينمو من الحيوان والنبات وإن لم يكن فيه روح، والميت ما لا ينمو كالنطفة والحبة ولو كان أصل حيوان.
(ذلكم) الإشارة إلى صانع ذلك الصنع العجيب المذكور سابقاً و (الله) خبره، والمعنى أن صانع هذا الصنع العجيب هو المستجمع لكل كمال والمفضل بكل أفضال، والمستحق لكل حمد وإجلال.
(فأنى تؤفكون) أي فكيف تصرفون عن الإيمان مع قيام البرهان وعن الحق مع ما ترون من بديع صنعه وكمال قدرته، قال ابن عباس: فكيف تكذبون، وقال الحسن: أنى تصرفون، وفيه دليل أيضاً على صحة البعث بعد الموت لأن القادر على إخراج البدن من النطفة قادر على إخراجه من التراب للحساب.
فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97)
(فالق الإصباح) بكسر الهمزة مصدر أصبح وبه قال الجمهور، والظاهر أن الإصباح في الأصل مصدر سمي به الصبح وبفتحها جمع صبح، والصبح والصباح أول النهار، وكذا الإصباح قاله الزجاج والليث، والمعنى أنه شاق عمود الضياء عن ظلام الليل وسواده أو يكون المعنى فالق ظلمة الإصباح وهي الغبش في آخر الليل الذي يلي الصبح، قاله الكشاف، أو فالق عمود الفجر إذا انصدع عن بياض النهار لأنه يبدو مختلطاً بالظلمة ثم يصير أبيض خالصاً، وقيل المعنى خالق الإصباح والصبح هو الضوء الذي يبدو أول النهار، قال ابن عباس: خلق الليل والنهار ويعني بالإصباح ضوء الشمس بالنهار، وضوء القمر بالليل، وقال إضاءة الفجر وقال قتادة فالق الصبح.
(وجعل الليل سكناً) السكن محل السكون من سكن إليه إذا اطمأن إليه واستراح به، لأنه يسكن فيه الناس عن الحركة في معاشهم ويستريحون من التعب والنصب، قال قتادة: سكن فيه كل طير ودابة (والشمس والقمر حسباناً) أي الشمس والقمر مجعولان حسباناً معيناً قال الأخفش: الحسبان جمع حساب مثل شهبان وشهاب، وقال يعقوب، حسبان مصدر حسبت الشيء أحسبه حسباً وحسباناً والحساب الإسم، وقيل الحسبان بالضم مصدر حسب بالفتح والحسبان بالكسر مصدر حسب.
والمعنى جعلهما محل حساب يتعلق به مصالح العباد وسيرهما على تقدير لا يزيد ولا ينقص ليدل عباده بذلك على عظيم قدرته وبديع صنعه، وقيل الحسبان الضياء وفي لغة أن الحسبان النار، ومنه قوله تعالى:(يرسل عليها حسباناً من السماء) وقال ابن عباس: يعني عدد الأيام والشهور والسنين، وقال
الكلبي: منازلهما بحساب لا يجاوزانه حتى ينتهيا إلى أقصاها لأن حساب الأوقات يعلم بدورهما وسيرهما.
(ذلك) الجعل المدلول عليه يجعل (تقدير العزيز) القاهر الغالب (العليم) كثير العلم ومن جملة معلوماته تسييرهما على هذا التدبير المحكم.
(وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر) أي خلقها للاهتداء بها في ظلمات الليل عند المسير في البحر والبر، وإضافة الظلمات إلى البر والبحر لكونها ملابسة لهما أو المراد بالظلمات اشتباه طرقهما التي لا يهتدى فيها إلا بالنجوم، وهذه إحدى منافع النجوم التي خلقها الله لها ومنها ما ذكره الله في قوله:(وحفظاً من كل شيطان مارد)(ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين) ومن زعم غير هذه الفوائد فقد أعظم على الله الفرية.
وقيل يستدلون بها أيضاً على القبلة على ما يريدون في النهار بحركة الشمس، وفي الليل بحركة الكواكب، وعن عمر بن الخطاب قال: تعلموا من النجوم ما تهتدون به في بركم وبحركم ثم أمسكوا فإنها والله ما خلقت إلا زينة للسماء ورجوماً للشياطين وعلامات يهتدى بها، وعن قتادة نحوه.
وأخرج ابن مردويه والخطيب عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم انتهوا "(1)، وقد ورد في استحباب مراعاة الشمس والقمر لذكر الله سبحانه لا لغير ذلك أحاديث منها عند الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " أحب عباد الله إلى الله الذين يراعون الشمس والقمر لذكر الله "، وعند ابن شاهين والطبراني والخطيب وأحمد عن ابن أبي أوفى وأبي الدرداء وأبي هريرة نحوه.
(1) ضعيف الجامع الصغير 2455.
وأخرج الحاكم في تاريخه والديلمي بسند ضعيف عن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: التاجر الأمين والإمام المقتصد، وراعي الشمس بالنهار "(1)، وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن سلمان الفارسي قال: سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله فذكر منهم الرجل الذي يراعي الشمس لمواقيت الصلاة.
فهذه الأحاديث مقيدة بكون المراعاة لذكر الله والصلاة لا لغير ذلك، وقد جعل الله انقضاء وقت صلاة الفجر طلوع الشمس وأول صلاة الظهر زوالها، ووقت العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية، ووقت المغرب غروب الشمس، وورد في صلاة العشاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقت مغيب القمر ليلة ثالث عشر، وبهما يعرف أوائل الشهور وأوساطها وأواخرها، فمن راعى الشمس والقمر لهذه الأمور فهو الذي أراده صلى الله عليه وسلم ومن راعاهما لغير ذلك فهو غير مراد بما ورد.
وهكذا النجوم ورد النهي عن النظر فيها كما أخرجه ابن مردويه والخطيب عن علي قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النظر في النجوم، وعن أبي هريرة عندهما وعند المرهبي مثله مرفوعاً، وأخرج الخطيب عن عائشة مرفوعاً مثله.
وأخرج الطبراني والخطيب عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا "(2)، وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود وابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر، زاد
(1) ضعيف الجامع الصغير 2611.
(2)
صحيح الجامع الصغير 559.
ما زاد " (1).
فهذه الأحاديث محمولة على النظر فيها لا عدا الاهتداء والتفكر والاعتبار وما ورد في جواز النظر في النجوم فهو مقيد بالاهتداء والتفكر والاعتبار كما يدل عليه حديث ابن عمر السابق، وعليه يحمل ما روي عن عكرمة أنه سأل رجلاً عن حساب النجوم، فجعل الرجل يتحرج أن يخبره فقال: سمعت ابن عباس يقول علم عجز الناس عنه ووددت أني علمته.
وقد أخرج أبو داود والخطيب عن سمرة بن جندب أنه خطب فذكر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أما بعد فإن ناساً يزعمون أن كسوف هذه الشمس وكسوف هذا القمر، وزوال هذه النجوم عن مواضعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض، وأنهم قد كذبوا، ولكنها آيات من آيات الله يعبر بها عباده لينظر ما يحدث لهم من توبة "(2).
وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما في كسوف الشمس والقمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن يخوف الله بهما عباده ".
(قد فصلنا الآيات) أي بيناها بياناً مفصلاً ليكون أبلغ في الاعتبار (لقوم يعلمون) إن ذلك مما يستدل به على وجود الصانع المختار وكمال قدرته وعظمته وبديع صنعته وعلمه وحكمته.
(1) صحيح الجامع الصغير 595.
(2)
أحمد بن حنبل 5/ 16.