المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ - فتح البيان في مقاصد القرآن - جـ ٤

[صديق حسن خان]

الفصل: وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ

وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ‌

(46)

(وبينهما حجاب) أي حاجز بين الفريقين أو بين الجنة والنار والحجاب هو السور المذكور في قوله تعالى (فضرب بينهم بسور)(وعلى الأعراف) جمع عرف وهو كل مرتفع من الأرض وهي هنا شرفات السور المضروب بينهم، ومنه عرف الفرس، وعرف الديك لارتفاعه على ما سواه من الجسد، سمي بذلك لأنه بسبب ارتفاعه صار أعرف وأبين مما انخفض، والأعراف في اللغة المكان المرتفع.

وهذا الكلام خارج مخرج المدح كما في قوله (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) عن حذيفة قال: الأعراف سور بين الجنة والنار وبه قال مجاهد، وقال ابن عباس: هو الشيء المشرف، وقال سعيد بن جبير: الأعراف جبال بين الجنة والنار فهم على إعرافها أي على ذراها.

وقيل: إنها تلّ بينهما حبس عليه ناس من أهل الذنوب، وعن ابن جريج قال: زعموا أنه الصراط، وقال ابن عباس أيضاً: سور له عرف كعرف الديك وقيل الأعراف هو نفس الحجاب عبر عنه تارة بالحجاب وتارة بالأعراف قاله الواحدي، ولم يذكر غيره ولذلك عرف الأعراف لأنه عنى به الحجاب.

وقال القرطبي: الأعراف جبل أحد يوضع هناك، وذكر الزهراوي حديثاً فيه ما ذكر (رجال) من أفاضل المسلمين أو من آخرهم دخولاً في الجنة أو من لم يرض عنه أحد أبويه.

وقد اختلف العلماء في أصحاب الأعراف من هم، على ثلاثة عشر قولاً

ص: 364

ذكر الخازن منها ثمانية وزاد عليه القرطبي خمسة فقيل هم الشهداء ذكره القشيري وشرحبيل بن سعد، وقيل هم فضلاء المؤمنين فرغوا من شغل أنفسهم وتفرغوا لمطالعة أحوال الناس، ذكره مجاهد وقيل هم قوم أنبياء ذكره الزجاج وحكاه ابن الأنباري.

وقيل هم قوم استوت حسناتهم وسيآتهم قاله ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وابن عباس والشعبي والضحاك وسعيد بن جبير، وقيل هم العباس وحمزة وعلي وجعفر الطيار يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسوادها، حكى ذلك عن ابن عباس وقيل هم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم وهم في كل أمة، واختار هذا القول النحاس، وقال هو من أحسن ما قيل فيهم وقيل هم أولاد الزنا روى ذلك القشيري عن ابن عباس.

وقيل هم أطفال المشركين وقال مجاهد هم قوم صالحون فقهاء علماء، وقيل هم ملائكة موكلون بهذا السور يميزون الكافرين عن المؤمنين قبل إدخالهم الجنة والنار، ذكره أبو مجلز وضعفه الطبري وقال: إن لفظ الرجال في لسان العرب لا يطلق إلا على المذكور من بني آدم دون إناثهم ودون سائر الخلق.

وفي هذه الأقوال ما يدل على أن أصحاب الأعراف دون أهل الجنة في الدرجات وإن كانوا يدخلون الجنة برحمة الله تعالى، وفيها ما يدل على أنهم أفضل من أهل الجنة وأعلى منهم منزلة، وليس في الباب ما يقطع به من نص جلي وبرهان نير.

وقال حذيفة: أصحاب الأعراف قوم كانت لهم أعمال أنجاهم الله بها من النار وهم آخر من يدخل الجنة قد عرفوا أهل الجنة وأهل النار، وقيل هم قوم كانت لهم صغائر لم تكفر عنهم بالآلام والمصائب في الدنيا وليست لهم كبائر فيحبسون عن الجنة لينالهم بذلك غم فيقع في مقابلة صغائرهم.

ص: 365

وذكر ابن الجوزي أنهم قوم رضي عنهم آباؤهم دون أمهاتهم أو أمهاتهم دون آبائهم، ورواه عن إبراهيم.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن أبي زرعة بن عمر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف فقال: هم آخر من يفصل بينهم من العباد فإذا فرغ رب العالمين من الفصل بين العباد قال: أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار، ولم تدخلوا الجنة فأنتم عتقائي فارعوا من الجنة حيث شئتم، قال ابن كثير وهذا مرسل حسن (1).

وأخرج البيهقي في البعث عن حذيفة أراه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يجمع الناس يوم القيامة فيؤمر بأهل الجنة إلى الجنة، ويؤمر بأهل النار إلى النار ثم يقال لأصحاب الأعراف ما تنتظرون؟ قالوا ننتظر أمرك فيقال لهم إن حسناتكم تجاوزت بكم النار أن تدخلوها، وحالت بينكم وبين الجنة خطاياكم فادخلوا بمغفرتي ورحمتي.

وعن عبد الرحمن المزني قال سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أصحاب الأعراف فقال: هم قوم قتلوا في سبيل الله في معصية آبائهم فمنعهم من النار قتلهم في سبيل الله، ومنعهم من الجنة معصيتهم آباءهم (2) أخرجه البيهقي والطبراني وسعيد بن منصور وابن منيع وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وغيرهم، وروي بطرق عن جماعة من الصحابة نحوه مرفوعاً فإن ثبت الرفع فالمصير إليه متعين ولا قول لأحد بعده والله أعلم.

(يعرفون كلاًّ بسيماهم) السيما العلامة أي يعرفون كلاًّ من أهل الجنة والنار بعلاماتهم كبياض الوجوه وسوادها أو مواضع الوضوء من المؤمنين أو علامة

(1) ابن كثير 2/ 216.

(2)

ابن كثير 2/ 216.

ص: 366

يجعلها الله لكل فريق في ذلك الموقف يعرف رجال الأعراف بها السعداء من الأشقياء، قال السدي: إنما سمي الأعراف لأن أصحابه يعرفون الناس أي زيادة على معرفتهم بكونهم في الجنة وكونهم في النار (1).

(ونادوا) أي نادى رجال الأعراف (أصحاب الجنة) حين رأوهم (أن سلام عليكم) أي نادوهم بقولهم هذا تحية لهم وإكراماً وتبشيراً أو أخبروهم بسلامتهم من العذاب والآفات (لم يدخلوها) أي لم يدخل الجنة أصحاب الأعراف ولا محل له لأنه استئناف (وهم يطمعون) أي والحال يطمعون في دخولها، وأنهم قيل معنى يطمعون يعلمون أنهم يدخلونها وذلك معروف عند أهل اللغة أي طمع بمعنى علم ذكره النحاس، وهذا القول أعني كونهم أهل الأعراف مروي عن جماعة منهم ابن عباس وابن مسعود، وقال أبو مجلز: هم أهل الجنة أي إن أهل الأعراف قالوا لهم سلام عليكم حال كون أهل الجنة لم يدخلوها، والحال أنهم يطمعون في دخولها، قال الحسن ما جعل الله ذلك الطمع في قلوبهم إلا لكرامة

يريدها بهم.

(1) قال القرطبي: روى القشيري عن ابن عباس في قوله عز وجل: " وعلى الأعراف رجال " قال: الأعراف موضع عالٍ على الصراط، عليه العباس وحمزة وعلي بن أبي طالب وجعفر ذو الجناحين، رضي الله عنهم، يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسواد الوجوه. وحكى الزهراوي أنهم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم، وهم في كل أمة. واختار هذا القول النحاس، وقال: وهو من أحسن ما قيل فيه؛ فهم على السور بين الجنة والنار. وقال الزجاج: هم قوم أنبياء. وقيل: هم قوم كانت لهم صغائر لم تكفر عنهم بالآلام والمصائب في الدنيا وليست لهم كبائر فيحبسون عن الجنة لينالهم بذلك غم فيقع في مقابلة صغائرهم.

وتمنى سالم مولى أبي حذيفة أن يكون من أصحاب الأعراف؛ لأن مذهبه أنهم مذنبون. وقيل: هم أولاد الزنى.

ص: 367

وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49)

ص: 368

(وإذا صرفت أبصارهم) أي أبصار أهل الأعراف لا عن قصد لأن المكروه لا ينظر إليه الإنسان قصداً في العادة (تلقاء أصحاب النار) أي وجاههم وحيالهم، وأصل معنى تلقاء جهة اللقاء وهي جهة المقابلة ولم يأت مصدر على تفعال بكسر أوله غير مصدرين أحدهما هذا والآخر تبيان، وما عداهما بالفتح وزاد بعضهم الزلزال.

(قالوا) أي أهل الأعراف إذا نظروا إليهم وإلى سواد وجوههم وما هم فيه من العذاب (ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) سألوا الله أن لا يجعلهم منهم.

ص: 368

(ونادى أصحاب الأعراف رجالاً) من الكفار كانوا عظماء في الدنيا (يعرفونهم بسيماهم) أي بعلاماتهم (قالوا ما أغنى عنكم جمعكم) الذي كنتم تجمعون من الأموال والعدد في الدنيا للصد عن سبيل الله، والاستفهام للتقريع والتوبيخ (و) ما أغنى عنكم (ما كنتم تستكبرون) أي استكباركم عن الإيمان شيئاً.

ص: 368

(أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة) هذا من كلام أصحاب الأعراف أي قالوا للكفار مشيرين إلى المسلمين الذين صاروا إلى الجنة هذه المقالة، وقد كان الكفار يقسمون في الدنيا عند رؤيتهم لضعفاء المسلمين بهذا القسم، وهذا تبكيت للكفار وتحسير لهم (أدخلوا الجنة) بفضلي ورحمتي (لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون) هذا تمام كلام أصحاب الأعراف أي قالوا للمسلمين أدخلوا الجنة فقد انتفى عنكم الخوف والحزن بعد الدخول.

ص: 368