الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ
(77)
(فعقروا الناقة) العقر الجرح (1)، وقيل قطع عضو يؤثر في تلف النفس، يقال عقرت الفرس إذا ضربت قوائمه بالسيف، وقيل أصل العقر كسر عرقوب البعير ثم قيل للنحر عقر، لأن العقر سبب النحر في الغالب وأسند العقر إلى الجميع مع كون العاقر واحداً منهم لأنهم راضون بذلك موافقون عليه وقال عاقر الناقة لا أقتلها حتى ترضوا أجمعين، فجعلوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقولون أترضين فتقول نعم، والصبي حتى رضوا أجمعين فعقروها.
وفيه من تهويل الأمر وتفظيعه بحيث أصابت غائلته الكل ما لا يخفى.
قد اختلف في عاقر الناقة ما كان اسمه فقيل قدار بن سالف، وكان رجلاً أحمر أزرق يزعمون أنه ابن زانية، ولم يكن لسالف ولكنه ولد على فراشه وكان عزيزاً منيعاً في قومه، وقيل غير ذلك، وفر ولد الناقة هارباً فانفتحت له الصخرة التي خرجت منها أمه فدخلها وانطبقت عليه، وقيل: إنهم أدركوه وذبحوه.
(وعتوا عن أمر ربهم) أي استكبروا يقال عتا يعتو عتواً استكبر وتعتى فلان إذا لم يطع والليل العاتي الشديد الظلمة والمراد بالأمر الحكم (وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا) من العذاب (إن كنت من المرسلين) هذا استعجال منهم للنقمة وطلب منهم لنزول العذاب وحلول البلية بهم قالوا ذلك استهزاء به وتعجيزاً له.
(1) روى ابن ماجه 2/ 934 عن عمرو بن عبسة: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أي الجهاد أفضل قال: من أهرق دمه وعقر جواده وإسناده ضعيف.
فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79)
(فأخذتهم الرجفة) أي الزلزلة الشديدة العظيمة قال الزجاج والفراء، يقال رجف الشيء يرجف رجفاناً، وأصله حركة مع صوت ومنه يوم ترجف الراجفة، وقيل كانت صيحة شديدة خلعت قلوبهم، قاله مجاهد والسدي وقيل: إنه أخذتهم الزلزلة من تحتهم والصيحة من فوقهم حتى هلكوا، وعلى هذا في الآية كفاية وقد وقع التصريح بها في آية أخرى فكان عذابهم بالرجفة والصيحة فذكر في كل موضع واحدة منهما.
(فأصبحوا في دارهم) أي بلدهم وأرضهم (جاثمين) أي لاصقين بالأرض على ركبهم ووجوههم كما يجثم الطائر، وأصل الجثوم للأرنب وشبهها، وقيل الجثوم للناس والطير بمنزلة البروك للبعير، وجثوم الطير هو وقوعه لاطئاً بالأرض في حال نومه وسكونه بالليل، والمراد أنهم أصبحوا في دورهم ميتين لا حراك بهم.
(فتولى عنهم) صالح عند اليأس من إجابتهم وقيل بعد أن ماتوا وهلكوا (وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين) يحتمل أنه قال لهم هذه المقالة بعد موتهم على طريق الحكاية الماضية كما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم من التكلم لأهل قليب بدر بعد موتهم، أو قالها لهم عند نزول العذاب بهم، وكأنه كان مشاهداً لذلك فتحسر على ما فاتهم من الإيمان والسلامة من العذاب.
وقيل إنما خاطبهم بذلك ليكون عبرة لمن يأتي من بعدهم فينزجر عن مثل تلك الطريقة التي كانوا عليها، ثم أبان عن نفسه أنه لم يأل جهداً في إبلاغهم
الرسالة ومحض النصح، ولكن أبوا ذلك فلم يقبلوا منه فحق عليهم العذاب ونزل بهم ما كذبوا به واستعجلوه.
عن قتادة أن صالحاً قال لهم حين عقروا الناقة: تمتعوا ثلاثة أيام، ثم قال لهم: آية هلاككم أن تصبح وجوهكم غدا مصفرة، واليوم الثاني محمرة، واليوم الثالث مسودة، فأصبحت كذلك فلما كان اليوم الثالث أيقنوا بالهلاك فتكفنوا وتحنطوا ثم أخذتهم الصيحة فأهمدتهم.
وأخرج أحمد من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بالحجر: لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم (1) وأصل الحديث في الصحيحين من غير وجه.
وفي لفظ لأحمد من هذا الحديث قال: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على تبوك نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود، قيل وكانت الفرقة المؤمنة من قوم صالح أربعة آلاف خرج بهم صالح إلى حضر موت فلما دخلوها مات صالح فسمي حضر موت، ثم بنوا أربعة آلاف مدينة وسموها حاضوراء، وقال قوم توفي صالح بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة وأقام في قومه عشرين سنة.
(1) مسلم 2980 - البخاري 284.
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81)
(و) اذكر (لوطاً إذ قال لقومه) أي وقت أن قال لقومه، قال الفراء: لوط مشتق من قولهم هذا أليط بقلبي أي ألصق، وقال الزجاج: ومن زعم أنه من لطت الحوض إذا ملسته بالطين فقد غلط لأن الأسماء العجمية لا تشتق، وقال سيبويه: نوح ولوط أسماء أعجمية إلا أنها خفيفة فلذلك صرفت.
ولوط هو ابن هاران بن تارخ فهو ابن أخي إبراهيم، وليس من أنبياء بني إسرائيل وكانا ببابل بالعراق فهاجرا إلى الشام فنزل إبراهيم أرض فلسطين، ونزل لوط بالأردن وهي قرية بالشام وبعثه الله إلى أمة يقال لها سذوم بالذال المعجمة وهي بلد بحمص.
(أتأتون) الخصلة (الفاحشة) الخسيسة المتمادية في الفحش والقبح وهي أدبار الرجال قاله ابن عباس قال ذلك إنكاراً عليهم وتوبيخاً لهم (ما سبقكم بها من أحد من العالمين) أي لم يفعلها أحد من قبلكم، فإن اللواط لم يكن في أمة من الأمم قبل هذه الأمة، والباء للسببية وقال الزمخشري: للتعدية ومن مزيدة للتوكيد للعموم في النفي، وأنه مستغرق لما دخل عليه، والجملة مسوق لتأكيد النكير عليهم والتوبيخ لهم، قال عمرو بن دينار: ما نزى ذكر على ذكر في الدنيا إلا ما كان من قوم لوط.
(إنكم لتأتون الرجال) في أدبارهم هذا توبيخ آخر أشنع مما سبق لتأكيده بأن وباللام واسمية الجملة (شهوة) أي تشتهونهم شهوة أو لأجل الاشتهاء أو مشتهين، يقال شهى يشهى شهوة وشها يشهو شهوة، قال ابن عباس: إنما كان
بدأ عمل قوم لوط أن إبليس جاءهم في هيئة صبي أجمل صبي رآه الناس فدعاهم إلى نفسه فنكحوه ثم جسروا على ذلك.
قرئ إن بهمزة مكسورة وبهمزتين على الاستفهام المقتضى للتوبيخ والتقريع، واختار الأولى أبو عبيد والكسائي وغيرهما والثانية الخليل وسيبويه، وفيه أنه لا غرض لهم بإتيان هذه الفاحشة إلا مجرد قضاء الشهوة من غير أن يكون لهم في ذلك غرض يوافق العقل فهم في هذا كالبهائم التي ينزو بعضها على بعض لما يتقاضاه من الشهوة.
(من دون النساء) أي متجاوزين في فعلكم هذا للنساء اللاتي هن محل لقضاء الشهوة وموضع لطلب اللذة (بل أنتم قوم مسرفون) أي مجاوزون الحلال إلى الحرام يعني من فروج النساء إلى أدبار الرجال. أضرب عن الإنكار المتقدم إلى الإخبار بما هم عليه من الإسراف الذي تسبب عنه إتيان هذه الفاحشة الفظيعة، والمشهور أنه إضراب انتقالي من قصة إلى قصة، وقيل بل للإضراب عن شيء محذوف، قال أبو البقاء: تقديره ما عدلتم بل أنتم الخ وقال الكرماني بل أنتم رد لجواب زعموا أن يكون لهم عذر أي لا عذر لكم بل أنتم.
وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83)
(وما كان جواب قومه) الواقعين في هذه الفاحشة عما أنكره عليهم منها والمستكبرين منهم المتصدين للحل والعقد (إلا أن قالوا) استثناء مفرغ (أخرجوهم) أي لوطاً وأتباعه (من قريتكم) من سذوم بوزن رسول وهي من قرى حمص بالشام، ولم يكن لهم جواب إلا هذا القول المبائن للإنصاف المخالف لما طلبه منهم، وأنكره عليهم.
(إنهم أناس يتطهرون) أي يتنزهون من أدبار الرجال والنساء والتطهر تعليل لما أمروا به من الإخراج ووصفهم بالتطهر يمكن أن يكون على حقيقته، وأنهم أرادوا أن هؤلاء يتنزهون عن الوقوع في هذه الفاحشة فلا يساكنوننا في قريتنا، ويحتمل أنهم قالوا ذلك على طريق السخرية والاستهزاء، وقيل أن البعد عن المعاصي والآثام يسمى طهارة فمن تباعد عنهما فقد تطهر.
(فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين) أخبر سبحانه أنه أنجى لوطاً وأهله المؤمنين به، وقيل المراد بأهله المتصلون به بسبب النسب أو المراد ابنتاه، واستثنى امرأته من الأهل لكونها لم تؤمن به، والمعنى أنها كانت من الباقين في عذاب الله لأنها كانت كافرة، يقال غبر الشيء إذا مضى وغبر إذا بقي فهو من الأضداد وحكى ابن فارس في المجمل عن قوم أنهم قالوا الماضي عابر بالمهملة، والباقي غابر بالمعجمة.
وقال الزجاج: من الغائبين عن النجاة، وقال أبو عبيد: المعنى من المعمرين وكانت قد هرمت وأتى عليها دهر طويل ثم هلكت، وأكثر أهل اللغة على أن الغابر الباقي، قال سعيد بن أبي عروبة: كان قوم لوط أربعة آلاف ولم يقل من الغابرات لأنها هلكت مع الرجال ..
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85)
(وأمطرنا عليهم مطراً) قيل أمطر بمعنى أرسل المطر وقال أبو عبيد: مطر في الرحمة وأمطر في العذاب وهذا مردود بقوله تعالى (هذا عارض ممطرنا) فإنهم إنما عنوا بذلك الرحمة وهو من أمطر رباعياً ومطر وأمطر بمعنى واحد، والمعنى هنا أن الله أمطر عليه حجارة من سجيل قد عجنت بالكبريت والنار.
(فانظر كيف كان عاقبة المجرمين) هذا خطاب لكل من يصلح له ولمحمد صلى الله عليه وسلم قاله الأصفهاني في تفسيره، وسيأتي في هود قصة لوط بأبين مما هنا، قال مجاهد: نزل جبريل فأدخل جناحه تحت مداين قوم لوط فاقتلعها ورفعها إلى السماء ثم قلبها فجعل أعلاها أسفلها ثم اتبعوا بالحجارة.
(و) أرسلنا (إلى مدين) اسم قبيلة وقيل اسم بلد والأول أولى، وسميت القبيلة باسم أبيهم وهو مدين بن إبراهيم كما يقال بكر وتميم، وقيل مدين اسم الماء الذي كانوا عليه، وقيل مشترك بينهما.
(أخاهم شعيباً) وهو شعيب بن ميكائيل بن يشجب بن مدين بن إبراهيم قاله عطاء وابن إسحاق وغيرهما، وقال الشرفي بن القطامي أنه شعيب بن عيفاء ابن ثويب بن مدين بن إبراهيم، وزعم ابن سمعان أنه شعيب بن حرة بن يشجب بن لاوي بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم، وقال ابن إسحق: هو شعيب ابن مكيل بن شجر بن مدين بن إبراهيم، وأم مكيل بنت لوط، وقيل هو شعيب ابن شيرون بن مدين، وقال قتادة: هو شعيب بن صفوان بن عيفاء بن
ثابت ابن مدين.
عن عكرمة والسدي قالا ما بعث الله نبياً مرتين إلا شعيباً مرة إلى مدين، فأخذتهم الصيحة، ومرة إلى أصحاب الأيكة فأخذهم الله بعذاب يوم الظلة وكان شعيب أعمى، وكان يقال له خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه. وكان قومه أهل كفر وبخس في المكيال والميزان.
(قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) قد سبق شرحه في قصة نوح (قد جاءتكم بينة من ربكم) قد تبين تفسيره أيضاً ولم يتبين هذه المعجزة في القرآن العظيم كأكثر معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم. وقيل أن المراد بها نفسه، وقيل أن المراد بها قوله (فأوفوا الكيل والميزان) وقيل غير ذلك وأمرهم بإبقاء الكيل والميزان لأنهم كانوا أهل معاملة بالكيل والوزن وكانوا لا يوفونهما.
وذكر الكيل الذي هو المصدر وعطف عليه الميزان الذي هو اسم للآلة واختلف في توجيه ذلك فقيل المراد بالكيل المكيال فيناسب عطف الميزان عليه، وقيل المراد بالميزان الوزن فيناسب الكيل والمعنى أتموهما وأعطوا الناس حقوقهم.
(ولا تبخسوا الناس أشياءهم) البخس النقص وهو يكون بالتعييب للسلعة أو التزهيد فيها أو المخادعة لصاحبها والاحتيال عليه، وكل ذلك من أكل أموال الناس بالباطل، وظاهر الآية أنهم كانوا يبخسون في كل الأشياء، وقيل كانوا مكاسين يمكسون كل ما دخل إلى أسواقهم، وقال ابن عباس: لا تبخسوا أي لا تظلموا الناس وبه قال قتادة.
(ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) أي بعد أن أصلحها الله ببعثه الرسل وإقامة العدل، قيل كانت الأرض قبل أن يبعث الله شعيباً رسولاً تعمل فيها المعاصي وتستحل فيها المحارم، وتسفك فيها الدماء فذلك فسادها، فلما بعث الله شعيباً ودعاهم إلى الله صلحت الأرض، وكل نبي يبعث إلى قوم فهو صلاحهم ويدخل تحته قليل الفساد وكثيره ودقيقه وجليله.
(ذلكم) إشارة إلى العمل بما أمرهم به وترك ما نهاهم عنه (خير لكم)
وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87)
المراد بالخيرية هنا الزيادة المطلقة لأنه لا خير في عدم إيفاء الكيل والوزن وفي بخس الناس وفي الفساد في الأرض أصلاً (إن كنتم مؤمنين) أي مصدقين بما أقول ومريدين الإيمان فبادروا إليه.
(ولا تقعدوا) لهم (بكل صراط) محسوس (توعدون) الصراط الطريق قيل كانوا يقعدون في الطرقات المفضية إلى شعيب فيتوعدون من أراد المجيء إليه ويقولون: إنه كذاب فلا تذهب إليه كما كانت قريش تفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي وغيرهم وقيل المراد القعود على طرق الدين ومنع من أراد سلوكها، وليس المراد به القعود على الطرق حقيقة ويؤيده (وتصدون عن سبيل الله من آمن به) كما سيأتي.
وقيل المراد بالآية النهي عن قطع الطريق وأخذ السلب وكان ذلك من فعلهم وقيل: إنهم كانوا عشارين يأخذون الجباية في الطرق من أموال الناس فنهوا عن ذلك، والقول الأول أقربها إلى الصواب مع أنه لا مانع من حمل النهي على جميع هذه الأقوال المذكورة والمعنى لا تقعدوا بكل طريق موعدين لأهله ولم يذكر الموعد به لتذهب النفس كل مذهب.
(وتصدون عن سبيل الله) أي صادين عنه باغين لها عوجاً والمراد بالصد عنه صد الناس عن الطريق الذي قعدوا عليه ومنعهم من الوصول إلى شعيب
فإن سلوك الناس في ذلك السبيل للوصول إلى نبي الله هو سلوك سبيل الله (1).
والضمير في (من آمن به) يرجح إلى الله أو إلى السبيل أو إلى كل صراط أو إلى شعيب (وتبغونها عوجاً) أي تطلبون سبيل الله أن تكون معوجة غير مستقيمة، وقيل معناه تلتمسون لها الزيغ والضلال ولا تستقيمون على طريق الهدى والرشاد، وقد سبق الكلام على العوج، وقال الزجاج: كسر العين في المعاني وفتحها في الأجرام.
(واذكروا) نعمته عليكم (إذ كنتم) أي عددكم أو مالكم أو قوتكم (قليلاً فكثركم) بالنسل والقوة والغناء (وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين) قبلكم من الأمم الماضية والقرون الخالية حين عتوا على ربهم وعصوا رسله فإن الله أهلكهم وأنزل بهم من العقوبات ما ذهب بهم ومحا أثرهم. وأقربهم إليكم قوم لوط فانظروا كيف أنزل الله عليهم حجارة من السماء.
(1) وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " رأيت ليلة أسري بي خشبة على الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته ولا شيء إلا خرقته فقلت ما هذا يا جبريل قال هذا مثل لقوم من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه -ثم تلا- "(ولا تقعدوا بكل صراطٍ توعدون) الآية.
(وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به) إليكم من الأحكام التي شرعها الله لكم (وطائفة) منكم (لم يؤمنوا) به (فاصبروا) أي انتظروا (حتى يحكم الله بيننا) وبينكم (وهو خير الحاكمين) أي أعدلهم، هذا من باب التهديد والوعيد الشديد لهم، وليس هو من باب الأمر بالصبر على الكفر وحكم الله بين الفريقين هو نصر المحقين على المبطلين ومثله قوله تعالى (فتربصوا إنا معكم متربصون) أو هو أمر للمؤمنين بالصبر على ما يحل بهم من أذى الكفار حتى ينصرهم الله عليهم، وقيل للفريقين وهذا هو الظاهر.