الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
(117)
(ما قلت لهم إلا ما أمرتني به) هذه الجملة مقررة لمضمون ما تقدم أي ما أمرتهم إلا بما أمرتني والاستثناء مفرغ (أن اعبدوا الله ربي وربكم) هذا تفسير لمعنى ما قلت لهم أي ما أمرتهم إلا أن وحدوا الله ولا تشركوا به شيئاً (وكنت عليهم شهيداً) أي حفيظاً ورقيباً أرعى أحوالهم وأمنعهم عن مخالفة أمرك (ما دمت) أي مدة دوامي (فيهم).
(فلما توفيتني) قيل هذا يدل على أن الله سبحانه توفاه قبل أن يرفعه، وليس بشيء لأن الأخبار قد تضافرت بأنه لم يمت، وأنه باق في السماء على الحياة التي كان عليها في الدنيا حتى ينزل إلى الأرض آخر الزمان، وإنما المعنى فلما رفعتني إلى السماء وأخذتني وافياً بالرفع.
قيل الوفاة في كتاب الله سبحانه قد جاءت على ثلاثة أوجه بمعنى الموت ومنه قوله تعالى: (الله يتوفى الأنفس حين موتها) وبمعنى النوم ومنه قوله تعالى: (وهو الذي يتوفاكم بالليل) أي ينيمكم، وبمعنى الرفع ومنه (فلما توفيتني) وإذ قال الله يا عيسى إني متوفيك والتوفي يستعمل في أخذ الشيء وافياً أي كاملاً.
(كنت أنت الرقيب) أصل المراقبة المراعاة أي كنت الحافظ لهم والعالم بهم والشاهد (عليهم وأنت على كل شيء شهيد) أي شاهد لما كان وما يكون أو أنت العالم بكل شيء فلا يعزب عن عملك شيء ومنه قولي لهم وقولهم بعدي.
إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)
(إن تعذبهم)(1) أي من أقام على الكفر منهم (فإنهم عبادك) أي تصنع بهم ما شئت وتحكم فيهم بما تريد لا اعتراض عليك (وإن تغفر لهم) أي لمن آمن منهم (فإنك أنت العزيز) أي القادر على ذلك (الحكيم) في أفعاله، قيل: قاله على وجه الاستعطاف كما يستعطف السيد بعبده، ولهذا لم يقل إن تعذبهم فإنهم عصوك.
وقيل: قاله على وجه التسليم لأمر الله والانقياد له، ولهذا عدل عن الغفور الرحيم إلى العزيز الحكيم، قال ابن عباس: يقول عبيدك قد استوجبوا العذاب بمقالتهم وإن تغفر لهم أي من تركت منهم ومد في عمره حتى أهبط من السماء إلى الأرض لقتل الدجال فزالوا عن مقالتهم ووحدوك فإنك أنت العزيز الحكيم.
(1) وقد روى أبو ذر قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم: قيام ليلةٍ بآيةٍ يرددها: (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم).
رواه أحمد في " المسند " 5/ 149 ولفظه عن أبي ذر قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) فلما أصبح قلت: يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت تركع بها وتسجد بها.
قال: " سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي فأعطانيها، وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله عز وجل شيئاً " ورجاله ثقات، خلا جسرة بنت دجاجة العامرية، فإنه لم يوثقها سوى العجلي وابن حبان، وقال البخاري. عند جسرة عجائب. انظر " تهذيب التهذيب " 12/ 406.
(قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) كعيسى في الدنيا وقيل في الآخرة والأول أولى، عن ابن عباس هذا يوم ينفع الموحدين توحيدهم، والمراد بالصادقين النبيون والمؤمنون لأن الكفار لا ينفعهم صدقهم يوم القيامة وكذا صدق إبليس بقوله: إن الله وعدكم وعد الحق لكذبه في الدنيا التي هي دار العمل.
(لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً) قد تقدم تفسيره وهذا إشارة إلى ما يحصل لهم من الثواب الدائم الذي لا انقطاع له ولا انتهاء رضي الله عنهم بما عملوه من الطاعات الخالصة له (ورضوا عنه) بما
جازاهم به مما لا يخطر لهم على بال، ولا تتصوره عقولهم، والرضا منه سبحانه هو أرفع درجات النعيم وأعلى منازل الكرامة والرضا باب الله الأعظم ومحل استرواح العابدين، وسيأتي لهذا مزيد في سورة البينة.
(ذلك) أي ما نالوه من دخول الجنة والخلود فيها أبداً ورضوان الله عنهم (الفوز العظيم) أي: إنهم فازوا بالجنة ونجوا من النار، والفوز الظفر بالمطلوب على أتم الأحوال.
(لله ملك السموات والأرض وما فيهن) جاء سبحانه بهذه الخاتمة تحقيقاً للحق وتنبيهاً على كذب النصارى، ودفعاً لما سبق من إثبات من أثبت الإلهية لعيسى عليه السلام وأمه وأخبر بأن ملك السموات والأرض له دون عيسى وأمه ودون سائر مخلوقاته.
وقيل: المعنى أن له ملك السموات والأرض وما فيها من العقلاء وغيرهم يتصرف فيها كيف يشاء إيجاداً وإعداماً وإحياء وإماتة أمراً ونهياً من غير أن يكون لشيء من الأشياء مدخل في ذلك، وهو الذي يعطي الجنات للمطيعين جعلنا الله تعالى منهم آمين (وهو على كل شيء) من المنع والإعطاء والإيجاد والإفناء (قدير) أي قادر، نسأله أن يوفقنا لمرضاته، ويجعلنا من الفائزين بجناته.