الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ
(70)
(وذر الذين اتخذوا دينهم) أي اترك هؤلاء الذين اتخذوا الدين الذي كان يحق عليهم العمل به والدخول فيه ودعوا إليه وهو دين الإسلام (لعباً ولهواً) حيث سخروا به واستهزؤوا فيه، فلا تعلق قلبك بهم فإنهم أهل تعنت وإن كنت مأموراً بإبلاغهم الحجة، وقيل هذه الآية منسوخة بآية القتال، وقيل المعنى أنهم اتخذوا دينهم الذي هم عليه لعباً ولهواً كما في فعلهم بالأنعام من تلك الجهالات والضلالات المتقدم ذكرها.
وقيل المراد بالدين هنا العيد أي اتخذوا عيدهم لعباً ولهواً قال قتادة أي أكلاً وشرباً وكذا من جعل طريقته الخمر والزمر والرقص ونحوه، وفي البيضاوي بنوا أمر دينهم على التشهي وتدينوا بما لا يعود عليهم بنفع عاجلاً وآجلاً كعبادة الصنم وتحريم البحائر والسوائب، والمعنى أعرض عنهم ولا تبال بأفعالهم وأقوالهم، وقال مجاهد: هو مثل قوله: (ذرني ومن خلقت وحيداً) يعني أنه للتهديد، وعلى هذا تكون الآية محكمة.
(وغرتهم الحياة الدنيا) حتى آثروها على الآخرة وأنكروا البعث وقالوا [إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمعوثين](وذكر به) أي بالقرآن أو بالحساب أي لـ (أن) لا (تبسل نفس) الإبسال تسليم المرء نفسه للهلاك ومنه أبسلت ولدي أي رهنته في الدم، لأن عاقبته ذلك الهلاك، وأصل الإبسال والبسل في اللغة التحريم والمنع، يقال هذا عليك بسل أي حرام ممنوع، ومنه أسد باسل لأن فريسته لا تفلت منه أو لأنه ممتنع، والباسل الشجاع لامتناعه
من قرنه، وهذا بسيل عليك أي ممنوع.
قال أبو عبيد: المتبسل الذي يسلم نفسه على الموت أو الضرب وإن استبسل أي أن يطرح نفسه في الحرب ويريد أن يقتل، فالمعنى وذكر به خشية أو مخافة أو كراهة أن تهلك نفس (بما كسبت) أي ترتهن وتسلم للهلكة وتحبس في جهنم وتحرم من الثواب بسبب ما كسبت من الآثام.
وعن ابن عباس: أن تبسل أن تفضح وأبسلوا فضحوا وقال قتادة: تحبس في جهنم وقال الضحاك: تحرق بالنار وقال ابن زيد: تؤخذ به.
(ليس لها) أي لتلك النفس التي هلكت (من دون الله) من لابتداء الغاية وقيل: إنها زائدة نقله ابن عطية وليس بشيء، والأول أظهر (ولي) قريب ناصر يلي أمرها (ولا شفيع) يشفع في الآخرة ويمنع عنها العذاب.
(وإن تعدل كل عدل) العدل هنا الفدية والمعنى وإن بذلت تلك النفس التي سلمت للهلاك كل فدية (لا يؤخذ منها) ذلك العدل حتى تنجو به من الهلاك (أولئك) أي المتخذون دينهم لعباً ولهواً وهو مبتدأ، وخبره (الذين أبسلوا) أي أسلموا للهلاك (بما كسبوا) أي بجرائرهم.
وجملة (لهم شراب من حميم) مستأنفة كأنه قيل كيف هؤلاء فقيل لهم شراب، الآية وهو الماء الحار البالغ نهاية الحرارة ومثله قوله تعالى:(يصبّ من فوق رؤوسهم الحميم) وهو هنا شراب يشربونه فيقطع أمعاءهم (وعذاب أليم) مؤلم (بما كانوا يكفرون) أي بسبب كفرهم.
قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72)
(قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا) أمره الله سبحانه بأن يقول لهم هذه المقالة، والاستفهام للتوبيخ أي كيف ندعو من دون الله أصناماً لا تنفعنا بوجه من الوجوه إن أردنا منها نفعاً، ولا نخشى ضرها بوجه من الوجوه، ومن كان هكذا فلا يستحق للعبادة.
(ونرد على أعقابنا) جمع عقب أي كيف ندعو من كان كذلك ونرجع إلى الضلالة التي أخرجنا الله منها، قال أبو عبيدة: يقال لمن رد عن حاجته ولم يظفر بها قد رد على عقبيه، وقال المبرد: تعقب بالشر بعد الخير، وأصله من المعاقبة والعقبى وهما ما كان تالياً للشيء واجباً أن يتبعه، ومنه (والعاقبة للمتقين) ومنه عقب الرجل ومنه العقوبة لأنها تالية للذنب.
(بعد إذ هدانا الله) إلى دين الإسلام والتوحيد (كالذي استهوته الشياطين في الأرض) هوى يهوى إلى الشيء أسرع إليه، قال الزجاج: هو من هوى النفس أي زين له الشيطان هواه واستهوته الشياطين هوت به أي نرد حال كوننا مشبهين للذي استهوته الشياطين، أي ذهبت به مردة الجن فألقته في هوية من الأرض بعد أن كان بين الإنس، وعلى هذا أصله من الهوى وهو النزول من أعلى إلى أسفل.
(حيران) أي حال كونه متحيراً تائهاً لا يدري كيف يصنع، والحيران
هو الذي لا يهتدي لجهة، وقد يقال حار يحار حيرة وحيرورة إذا تردد وبه سمي الماء المستنقع الذي لا منفذ له حائراً.
(له أصحاب يدعونه إلى الهدى) صفة لحيران أو حال أي له رفقة يقولون له (ائتنا) فلا يجيبهم ولا يهتدي بهديهم وبقي حيران لا يدري أين يذهب.
(قل) أمره سبحانه بأن يقول لهم (إن هدى الله) أي دينه الذي ارتضاه لعباده (هو الهدى) وما عداه باطل (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه).
(وأمرنا لنسلم) هي لام العلة والمعلل هو الأمر أي أمرنا لأجل أن نسلم، قاله الزمخشري وقال الفراء: أمرنا بأن نسلم لأن العرب تقول أمرتك لتذهب وبأن تذهب بمعنى، وقال النحاس: سمعت ابن كيسان يقول هي لام الخفض وقيل زائدة.
(لرب العالمين) لأنه هو الذي يستحق العبادة لا غيره
(و) أمرنا (أن أقيموا الصلاة) ويجوز أن يكون عطفاً على يدعونه أي يدعونه إلى الهدى ويدعونه أن أقيموا (واتقوه) لأن فيهما ما يقرب إليه.
(وهو الذي إليه تحشرون) يوم القيامة فكيف تخالفون أمره مستأنفة موجبة لامتثال ما أمر به من الأمور الثلاثة.