الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متن الباب 7
باب: ما جاء في الرقي والتمائم
في "الصحيح" عن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فأرسل رسولاً أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك". رواه أحمد وأبو داود. وعن عبد الله بن عكيم مرفوعاً: "من تعلق شيئاً وُكل إليه". رواه أحمد والترمذي.
"التمائم": شيء يعلق على الأولاد من العين، لكن إذا كان المعلق من القرآن، فرخص فيه بعض السلف، وبعضهم لم يرخص فيه، ويجعله من المنهي عنه، منهم ابن مسعود رضي الله عنه.
و"الرقى": هي التي تسمى العزائم، وخص منه الدليل ما خلا من الشرك، فقد رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العين والحمة.
و"التولة": شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها، والرجل إلى امرأته.
وروى أحمد عن رويفع قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رويفع! لعل الحياة تطول بك، فأخبر الناس أن من عقد
لحيته، أو تقلد وتراً، أو استنجى برجيع دابة أو عظم، فإن محمداً بريء منه".
وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه، قال:"من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة" رواه وكيع. وله عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون التمائم كلها، من القرآن وغير القرآن.
فيه مسائل:
الأولى: تفسير الرقي والتمائم.
الثانية: تفسير التولة.
الثالثة: أن هذه الثلاثة كلها من الشرك من غير استثناء.
الرابعة: أن الرقية بالكلام الحق من العين والحمة ليس من ذلك.
الخامسة: أن التميمة إذا كانت من القرآن فقد اختلف العلماء: هل هي من ذلك أم لا؟.
السادسة: أن تعليق الأوتار على الدواب عن العين، من ذلك.
السابعة: الوعيد الشديد على من تعلق وتراً.
الثامنة: فضل ثواب من قطع تميمة من إنسان.
التاسعة: أن كلام إبراهيم لا يخالف ما تقدم من الاختلاف؛ لأن مراده أصحاب عبد الله بن مسعود.
شرح الباب 7
باب ما جاء في بيان أن الرقى والتمائم والتولة شرك
لما فيها من التعلق على غير الله في كشف الضر وجلب النفع، قد قال تعالى:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} . [الأنعام: 17] .
وما فيها من الهضم لجناب الربوبية، وقد قال تعالى:{قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} . [الأحزاب: 17] . وقال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} . [فاطر: 2] . الآية.
وما فيها من التوكل على غيره، وقد قال تعالى:{فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} . [المائدة: 23] .
هذا والرسول صلى الله عليه وسلم كان من شأنه أن يحمي جناب التوحيد بكل وجه ويسد طرق الشرك من كل جهة حتى إنه صلى الله عليه وسلم حماه بابتعاده عن مظان الشرك حسماً للمادة.
في الصحيح عن أبي بشير الأنصاري أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فأرسل رسولاً "ألاّ يبقينَّ في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت"1. فإن القلادة التي للزينة ليست من الشرك ولكنه مظنة للشرك؛ لأنه يشبه التمائم في التعليق وأنه صلى الله عليه وسلم نهى عنها مطلقاً. فإن قلت: من أين يعرف الإطلاق؟ قلت: من قوله صلى الله عليه وسلم: أو قلادة بالتنكير والنكرة بعد النفي يفيد العموم، وأيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قيد أولاً وقال ألا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر ثم أطلق وقال: أو قلادة نهياً للمشابهة ومظنة للشرك.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول
1 رواه البخاري (3005) ومسلم (2115) من حديث أبي بشير به.
الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك"1. رواه أحمد وأبو داود. وعن عبد الله بن عكيم مرفوعاً "من تعلق شيء وكل إليه". رواه أحمد والترمذي2، والتمائم جمع تميمة والتميمة شيء يعلق على الأولاد من العين.
واختلفت هل هي منهي عنها على العموم أو إذا لم يكن من القرآن، فقال أهل العلم: إن التمائم منهي عنها لكن إذا المعلق من القرآن فرخص فيه بعض السلف وبعضهم لم يرخص فيه ويجعله أيضاً من المنهي عنه حسماً للمادة منهم ابن مسعود والرقى هي التي تسمى العزائم، والعزائم أنواع متعددة منها ما فبه الشرك الصريح كالعزائم التي فيها دعوة الجن والملائكة والأنبياء والاستعانة بهم والاستعاذة بهم كما رأيناه عياناً، ومنها ما فيه البدع كالعزائم التي يتوسل فيها إلى مخلوق نبيّ أو غير نبيّ صالح أو طالح وكلها منهي عنها وخص منها الدليل ما خلا من الشرك والبدع فقد رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العين والحمة قال صلى الله عليه وسلم:"لا رقية إلا من عين أو حُمَة". أحرجه أبو داود3 وحمة بضم الحاء وفتح الميم اللدغة، وعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: كنا نرقى في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: "اعْرِضُوا عليَّ رُقاكم ثم قال: لا بأس بما ليس فيه شرك".
1 أخرجه أبو داود (3883) وابن ماجه (353) وأحمد (1/381) من حديث ابن مسعود، وهل طرق يتقوى بها عند الحاكم (4/217، 417)
2 تقدم تخريجه.
3 أخرجه البخاري (5705، 5752) ، ومسلم (220) ، من حديث بريدة مرفوعاً.
أخرجه مسلم وأبو داود1، والتولة بكسر التاء وفتح اللام شيء يصنعونه على أنواع شتى واختراعات متفرقة وتفننات مختلفة من أنواع السحر الذي من فعله ليس له في الآخرة من خلاق.
واعلم أن الله جعل للسحر تأثيراً؛ فتنة واستخباراً ليميز الخبيث من الطيب ومؤثر الدنيا من مؤثر الآخرة، والعاصي من المطيع، والسحر لغة: كل ما لطف مأخذه ودق، وفي الاصطلاح: ما يحدث بخوارق العادات والأمور المستنكرات ويأتي بيانها في الجملة في باب السحر ومنه ما يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته جهلاً بالله وبكتابه المنزل على رسوله المرسل، لأن الزاعم لو علم أنه لا يحرك محرك ولا يسكن ساكن ولا يقع أمر من المحبة والعداوة إلا بإذن الله وحوله وقوته ما تعلق بغير الله لاسيما بأمور قد نهى الله عنها ولا تني عنهم شيئاً، ولو علم قوله تعالى:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} . [الأنعام: 17] . ما تعلق بغيره، وفي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما:"إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، فإن العباد لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله تعالى لك لم يقدروا على ذلك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يكتبه الله تعالى عليك لم يقدروا على ذلك" 2 الحديث، فكيف يتصور عليك من مؤمن صادق بهذه الآية وأشباهها وهذا الحديث وأمثاله ثم يريد نفعاً أو ضراً من غير الله لاسيما من المنهيات، بلى من يدعي الإيمان
1 أخرجه مسلم (2200) من حديث عوف بن مالك مرفوعاً.
2 أخرجه الترمذي (2516) ، وأحمد (1/302 و307) من حديث ابن عباس مرفوعاً، وللحديث طرق أخرى.
ويلبس إيمانه بشرك وكفر فيتصور منه فإذاً يكون كما قال تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} . [البقرة: 102] .
وروى أحمد عن رويفع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رويفع لعل الحياة تطول بك فأخبر الناس أن من عقد لحيته" 1 قيل: إن الرجل في الجاهلية إذا أراد حرب ضِدِّ وقرْنِه ذلك من دون الله، وقيل: عقد لحيته أي: عالجها حتى تنعقد وتتجعد، من قولهم: جاء فلان عاقد عنقه إذا لواها، وقيل: إن الأعاجم كانت تفعل ذلك فنهوا عن التشبه بهم، فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من عقد لحيته بأي مقصد كان "أو تقلد وتراً" كرر لزيادة تأكيد الحرمة والنهي "أو استنجى برجيع دابة" اختلف أهل العلم هل نهى عنه لنجاسته أو لأنه طعام دواب الجن، والصواب أنه لأجل أنه طعام لها لم في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما قدم وفد الجن على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله إنْهَ أمتك أن يستنجوا بعم أو روث أو حممة فإن الله جعل لنا فيها رزقاً، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، أخرجه أصحاب السنن وهذا لفظ أبي داود2. والحممة الفحمة، ولأن الرجيع الذي ورد في الحديث مطلق عام في كل رجيع من أنواع الدواب وليس كل رجيع نجساً، لأن رجيع ما يؤكل لحمه ليس بنجس بالأحاديث المتواترة على الأشهر "أو استنجى بعظم"
1 أخرجه أحمد (4/108، 109) وأبو داود (36) والنسائي (8/135، 136) من حديث رويفع مرفوعاً.
2 أخرجه أبو داود (39) من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعاً، وله شاهد.
والاختلاف فيه كالاختلاف في الرجيع "فإن محمداً بريء منه".
وعن سعيد بن جبير قال: من قطع تميمة بالتنكير تعميماً حسماً للمادة التي تؤول إلى الشرك من إنسان صغيراً أو كبيراً ذكراً أو أنثى كانت كعدل رقبة أعتقها لله تعالى أي أجر قطعها يعادل أجر إعتاق رقبة مسلمة لله تعالى رواه وكيع.
وله عن إبراهيم النخعي: كانوا أي الصحابة ومن تبعهم بإحسان يكرهون التمائم كلها من القرآن وغيره فقد صرح إبراهيم بفعل الصحابة ومن تبعهم بإحسان أنهم لا يعلقون التمائم كلها لا من القرآن ولا من غيره، ومعلوم بالضرورة أنهم -رضي الله تعالى عنهم- يمشون على أثر الرسول ويتبعون قوله وفعله ولو علموا من الرسول رخصة في الذي من القرآن ما كرهوا الكل فتأمل.