الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متن الباب 3
باب: الخوف من الشرك
وقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} . [النساء: 48] . وقال الخليل عليه السلام: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} . [إبراهيم: 35] . وفي حديث: "أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر" فسئل عنه فقال: "الرياء" وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار". رواه البخاري. ولمسلم عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار ".
فيه مسائل:
الأولى: الخوف من الشرك.
الثانية: أن الرياء من الشرك.
الثالثة: أنه من الشرك الأصغر.
الرابعة: أنه أخوف ما يخاف منه على الصالحين.
الخامسة: قرب الجنة والنار.
السادسة: الجمع بين قربهما في حديث واحد.
السابعة: أنه من لقيه لا يشرك به شيئاً دخل الجنة. ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار ولو كان من أعبد الناس.
الثامنة: المسألة العظيمة: سؤال الخليل له ولبنيه وقاية عبادة الأصنام.
التاسعة: اعتباره بحال الأكثر، لقوله:{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ} . [إبراهيم: 36] .
العاشرة: فيه تفسير "لا إله إلا الله" كما ذكره البخاري.
الحادية عشرة: فضيلة من سلم من الشرك.
شرح الباب 3
باب في بيان ما يدل على أن الخوف من الشرك من لوازم المسلم.
وذلك لما كان الشرك أظلم الظلم كما قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} . [الأحقاف: 5، 6] .
وأنه أعظم الظلم قال تعالى لقمان في وصيته لابنه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} . وفي الحديث وقد رواه الإمام أحمد والترمذي من حديث الحارث الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بها فقال له عيسى: إن الله أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقني بها أن يخسف بي أو أعذب، فجمع الناس في بيت المقدس فامتلأ له المسجد وقعدوا على الشرف، فقال: إن الله أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم بهن أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وأن مثل من أشرك به كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو ورق فقال: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدّ لي فكان يعمل ويؤدى إلى غير سيده فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك"1. الحديث.
فأي ظلم أعظم من أن يخلقك ربك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً في أحسن صورة ورزقك من كل نعمة ودفع عنك كل نقمة فتشرك غيره وتعبد غيره كما في الحديث القدسي: "أنا والثقلين في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري، خيري إليهم نازل،
1 رواه الترمذي (2863 و2864) ، والإمام أحمد (4/13 و202) من حديث الحارث الأشعري بنحوه وسنده.
وشرهم إلي صاعد " 1. الحديث.
فالشرك أقبح المنكرات وأعظم الذنب كما في البخاري، قال رجل: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ وفي آخر: أكبر بدل أعظم، قال:"أن تدعو لله ندًّا وهو خالقك". قال ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك". ثم قال: أي: قال: "أن تزني" وفي رواية: "أن تزني بحليلة جارك" فأنول الله تصديقها {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ} 2. [الفرقان: 68-70] .
وأنه أكبر الكبائر. في البخاري ثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكبر الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، وشهادة الزور ثلاثاً أو قول الزور"3. فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. وأنه أبغض المعاصي إليه تعالى وأكرهها عنده وأشد عقوبة ومقتاً قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} . [النساء: 48، 112] . وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} . [التوبة: 28] . وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} . [المائدة: 72] . ولما كان الشرك الأعظم مقتاً عند الله أباح للمسلمين دماءهم وأموالهم وذراريهم قال تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} .
1 رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(4563) من حديث أبي الدرداء رفعه، وفي سنده بقية بن الوليد.
2 رواه البخاري (4477 و6861) ومسلم (86) من حديث ابن مسعود بنحوه.
3 رواه البخاري (5976) .
[التوبة: 5] . وذلك لأن الشرك هضم لحق الربوبية وتنقص لعظمة الألوهية فلأجل ذلك كله حقيق على كل مسلم أن يخاف الشرك ويحذره ويسأل الله ليله ونهاره بل كل ساعة ولحظة أن يجنبه الشرك ويهديه للتوحيد والإخلاص ويثبته عليه ولا يزيغ قلبه عن الهدى.
واعلم أن كلما زادت معرفة العبد بالله وعلمه به وبأحكامه وعقابه وثوابه كان خوفه أشد، قال تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} .ولما كان إمام الحنفاء إبراهيم ومحمد بن عبد الله سيد المرسلين صلوات الله عليهم أجميعن أعلم بالله كان خوفهم أشد وأعظم وطلبه من الله النجاة أكثر قال الخليل عليه السلام: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} . قال: {وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} . [البقرة: 128] . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً} . [الإسراء: 80] . وقال يوسف عليه السلام: {تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} . [يوسف: 101] . وقال سليمان عليه السلام: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} . [النمل: 19] .
واعلم أن الشرك أكبر وأصغر:
فالأكبر يحبط الأعمال كلها ويخرج الإنسان من إسلامه، قال تعالى خطاباً للنبي صلى الله عليه وسلم وتنبيهاً لعباده:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} . [الزمر: 65] .
وأما الأصغر: فيحبط العمل الذي هو فيه وحماه فيه كالرياء والسمعة وكثيراً ما يجري في الإنسان إلا من عصمه الله وحماه نسأل الله حمايته من كل ما يكره. في الحديث: "أخو فما أخاف عليكم الشرك
الأصغر". فسئل عنه قال: "الرياء" 1. وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول: "قال الله: أنا غنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي فيه غيري فأنا بريء منه وهو كله للذي أشرك" 2.
واعلم أن الله تعالى من حكمته وعدله يعامل الذي يقصد غيره في عمل أو قول بنقيض قصده وذلك لأنه تعالى ينظر إلى العامل فإن كان عمله لله خالصاً يجازيه به وإن أشرك معه غيره يرجعه إذاً خائباً خاسراً، قال تعالى:{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} . [طه: 111] . وأيضاً يريد المرائي أن يعظم في أعين الناس بعمله أو قوله فيرائي الله به فيسقط من عين الناس أولاً ثم من عيونهم.
وفي الحديث عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سمّع سمع الله به ومن راءى راءى الله به"3. أخرجاه في الصحيحين. وفي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه "إن أول الناس يقضى يوم القيامة رجل استشهد فأتى به فعرّفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى قتلت، قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه في النار. ورجل تعلم العلم وعلَّمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتى به فعرفه
1 رواه الإمام أحمد (5/428 و429) من حديث محمود بن لبيد، وقال الهيثمي في "المجمع" (1/102) : ورجاله رجال الصحيح.
2 رواه مسلم (2985) من حديث أبي هريرة مرفوعاً.
3 رواه البخاري (6499 و7152) ومسلم (2987) .
نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت لك فيه، قال: كذبت ولكنك فعلت ليُقال: هو جواد فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار" 1.
وعن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وهو يدعو لله ندًّا دخل النار"2.
ولمسلم عن جابر أن رسول اله صلى الله عليه وسلم قال: "من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار"3.
1 روه مسلم (1905) .
2 رواه البخاري (4497 و6683) .
3 رواه مسلم (93) .