الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متن الباب 22
باب: ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان
وقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 50] . وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة: 60] . وقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً} [الكهف: 21] .
عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال:"فمن"؟ أخرجاه، ولمسلم عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم. وإن ربي قال: يا محمد، إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة بعامة، وألا أسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي
بعضهم بعضًا"، ورواه البرقاني في "صحيحه"، وزاد: "وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذَّابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي. ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى".
فيه مسائل:
الأولى: تفسير آية النساء.
الثانية: تفسير آية المائدة.
الثالثة: تفسير آية الكهف.
الرابعة: وهي أهمها: ما معنى الإيمان بالجبت والطاغوت في هذا الموضع؟: هل هو اعتقاد قلب، أو هو موافقة أصحابها مع بغضها ومعرفة بطلانها؟
الخامسة: قولهم إن الكفار الذين يعرفون كفرهم أهدى سبيلاً من المؤمنين.
السادسة: وهي المقصود بالترجمة أن هذا لا بد أن يوجد في هذه الأمة، كما تقرر في حديث أبي سعيد.
السابعة: التصريح بوقوعها، أعني عبادة الأوثان في هذه الأمة في جموع كثيرة.
الثامنة: العجب العجاب خروج من يدّعي النبوة، مثل المختار، مع تكلمه بالشهادتين وتصريحه بأنه من هذه الأمة، وأن الرسول حق، وأن القرآن حق وفيه أن محمداً خاتم النبيين، ومع هذا يصدق في هذا كله مع التضاد الواضح. وقد خرج المختار في آخر عصر الصحابة، وتبعه فئام كثيرة.
التاسعة: البشارة بأن الحق لا يزول بالكلية كما زال فيما مضى، بل لا تزال عليه طائفة.
العاشرة: الآية العظمى أنهم مع قلتهم لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم.
الحادية عشرة: أن ذلك الشرط إلى قيام الساعة.
الثانية عشرة: ما فيه من الآيات العظيمة، منها: إخباره بأن الله زوى له المشارق والمغارب، وأخبر بمعنى ذلك فوقع كما أخبر، بخلاف الجنوب والشمال، وإخباره بأنه أعطي الكنزين، وإخباره بإجابة دعوته لأمته في الاثنتين، وإخباره بأنه منع الثالثة، وإخباره بوقوع السيف، وأنه لا يرفع إذا وقع، وإخباره بإهلاك بعضهم بعضاً وسبي بعضهم بعضاً، وخوفه على أمته من الأئمة المضلين، وإخباره بظهور المتنبئين في هذه الأمة، وإخباره ببقاء الطائفة المنصورة. وكل هذا وقع كما أخبر، مع أن كل واحدة منها أبعد ما يكون من العقول.
الثالثة عشرة: حصر الخوف على أمته من الأئمة المضلين.
الرابعة عشرة: التنبيه على معنى عبادة الأوثان.
شرح الباب 22
باب: ما جاء أن بعض هذه الأمة المحمدية تعبد الأوثان وتسلك مسالك من مضى من الأمم الماضية شبراً بشبر وذراعاً بذراع من الكتاب والسنة
أما الكتاب فدلالته على الترجمة بالتضمن وذلك قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 50] . وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة: 60] . وقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً} [الكهف: 21] . يخبر الله تعالى عن جهل هؤلاء وظلمهم، أما جهلهم فهو أنهم تركوا حكمَ الله الذي هو ربهم وملكهم، وسنَّة نبيهم، وعملوا بحكم الجبت والطاغوت. وأما ظلمهم فإنَّهم عصوا الله وآمنوا بالجبت والطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به كما قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} . [النحل: 36] .
وأما دلالة الآيات على الترجمة أنه يتصور ويمكن أن هذه الأمة الذين أوتوا القرآن يعبدون الجبت والطاغوت كما أن الذين أوتوا التوراة والإنجيل عبدوا الجبت والطاغوت.
وأما في السنة فقد بين الرسول هذا المعنى بعينه وأفصح به لئلا يشتبه على أحد ويستبعد ذلك، عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله اليهود
والنصارى؟ قال: " فمن". أخرجاه1. فقد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة المحمدية يتبعن سنن من قبلهم ويسلكن مسلكهم ثم أكد المشابهة أي بأنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، جعل صلى الله عليه وسلم غاية المشابهة أمراً محالاً في العادة بمعنى أنكم لا تتركون شيئاً يفعلونه حتى لو فعلوا هذا الأمر المحال لفعلتموه ثم بين أنهم خالفوا الله ورسولهم وهم أهل الكتاب الذين أوتوا العلم فدل ذلك على أن الكتاب والعلم لا يوجب الهداية إلا بفضل الله ورحمته فكونوا على حذر فإنكم على خطر فإن الذي أضلهم من المنظرين إلى يوم القيامة واستلزم بإضلال العباد إلا عباد الله المخلصين قال لعنه الله: {لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} حتى يؤول بكم الإضلال إلى تفرقكم واختلافكم بعضكم من بعض كما تفرقت بنو إسرائيل. عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليأتين على أمتي كما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ما هي يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي" رواه الترمذي2. وفي رواية لأحمد وأبي داود عن معاوية: "ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة، وأنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا
1 أخرجه البخاري (3456) ومسلم (2669) من حديث أبي سعيد الخدري.
2 رواه الترمذي (2641) من حديث عبد الله بن عمرو.
دخله" 1.
ولمسلم عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين: الأبيض والأحمر وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة وأن لا يسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال لي: يا محمد إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني قد أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدوًّا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضًا" 2، رواه الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب البرقاني في صحيحه، وزاد:"وإنما أخاف على أمتي من الأئمة المضلين وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان"3.
قلت: وفي هذا تصريح وتوضيح بأن بعض أمته صلى الله عليه وسلم يلحق بالمشركين وفئام منها تعبد الأوثان. قال أبو السعادات: الفئام الجماعات الكثيرة، وقال البخاري: باب تغير الزمان حتى تعبد الأوثان
1 أخرجه أبو داود (4597) وأحمد (4/102) من حديث معاوية بن أبي سفيان.
2 أخرجه مسلم (2889) من حديث ثوبان.
3 أخرجه بالزيادة المذكورة أبو داود (4252) وابن ماجه (3952) .
وذكر السند إلى أن قال عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة"، قال وذو الخلصة طاغية دوس التي كانوا يعبدونها في الجاهلية1. وروى مسلم من رواية في صحيحه عن عائشة مرفوعاً:"لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى"2.
ففي هذه الأحاديث رد على الذين ينكرون وقوع الشرك وعبادة الأوثان في الأمة المحمدية فمن فهم ما أخبر الله تعالى في كتابه وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته ورأى الناس ورأى الواقع من غالب الناس ما أخبر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم به سواء بل زيَّدوا أموراً شركية ليس في الأولين لها شبيه، وقد نظمت على هذا المعنى:
فعند ثقيف كان قبة لاتهم
…
والآن في كل المواضع ذا الصنع
ففي كل أرض قبة مثل لاتهم
…
تعظم ترجى جلب نفع مع الدفع
وفي نخلة العزى زمان قريشهم
…
وكم سدرة الآن تقصد للنفع
هناك مناة كما مناة زماننا
…
فكم صخرة الآن تقصد للدفع
وأن نزل الوادي استعاذت قريش
…
والآن كل يستعيذ من الخمع
فكم ذبحت للجن سودا دجاجة
…
وكم بيضة كم من بسيس من الوجع
وقد زادني ذا الوقت أهل زماننا
…
تعلقهم بالروث والضرس والودع
وبالعين جحر النمل موط لصالح
…
وبالبيض عظم الرأس في النخل والزرع
معابيدهم شتى مقاصدهم شتى
…
فكل له مولى إذا ناب من فجع
ومهما أرادوا حاجة قصدوا لهم
…
مقاماً وشيئاً من خرى الكلب والضبع
وقالوابها تقضى معاضل أمرنا
…
بقصد صحيح بالخضوع وبالخشع
1 أخرجه البخاري (7116) ومسلم (2906) من حديث أبي هريرة.
2 أخرجه مسلم (2907) من حديث عائشة.
فكم ذبحت للقبر خير ذبيحة
…
وكم صار نذر للقبور من الفجع
وكم سجدوا حول القبور لحاجة
…
وكم راكع مهما أتاها وكم ينعي
وكم هتفوا باسم المشايخ عندما
…
رأوا ضرة بحراً وبرًّا من الفزع
فكل ترى داع إلهاً لقصده
…
إذا اشتدت الحاجات والكرب والجزع
وهم قد نسوا خلاقهم مليكهم
…
وخاضوا كما خاض الذي أول البدع
وكل ما جرى مصداق قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
ثم ذكر صلى الله عليه وسلم "أنه سيكون في أمتي كذَّابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى".