الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأنبياء» (1). وهذا القول مروي عن علي ومسروق، كما ذكره الماوردي (2).
ومع هذا الرد للخطأ، فقد تولى بعض المفسرين توجيه أقوال للسلف منبهاً على سبب قولهم بها. [83]
أمثلة لتوجيه أقوال السلف:
1 -
في قوله تعالى: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} [ق: 22].
قال ابن زيد: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لقد كنت في غفلة من هذا الأمر يا محمد، كنت مع القوم في جاهليتهم {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 22].
2 -
في قوله تعالى: {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 22].
قال الطبري: «وقد روي عن الضحاك أنه قال: معنى ذلك {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} : لسان الميزان.
وأحسبه أراد بذلك أن معرفته وعلمه بما أسلف في الدنيا شاهد عدل عليه، فشبَّه بصره بذلك بلسان الميزان الذي يعدل به الحق في الوزن، ويعرف مبلغ الواجب لأهله عما زاد على ذلك أو نقص، فكذلك علم من وافى القيامة بما اكتسب في الدنيا شاهد عليه كلسان الميزان» (4).
3 -
في قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195].
(1) انظر: «التبيان في أقسام القرآن» (ص86).
(2)
تفسير الماوردي (4/ 391).
(3)
و (4)«تفسير الطبري» (26/ 164).
قال أبو الليث: «ومعنى قول ابن عباس: ولا تمسكوا من الصدقة فتهلكوا؛ أي: لا تمسكوا عن النفقة والعون للضعفاء، فإنهم إذا تخلفوا عنكم غلب عليكم العدو، فتهلكوا.
ومعنى آخر: ولا تمسكوا؛ فيرث منكم غيركم، فتهلكوا بحرمان منفعة أموالكم.
ومعنى آخر: ولا تمسكوا؛ فيذهب عنكم الخلف في الدنيا والثواب في الآخرة» (1). [84]
4 -
في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ *لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24، 25].
قال ابن عطية: «وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: المحروم: الكلب.
أراد ـ والله أعلم ـ أن يعطي مثالاً من الحيوان ذي الكبد الرطبة لما فيه من الأجر، حسب الحديث المأثور» (2).
5 -
في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].
قال ابن القيم: «وفي تفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} قال: الذين يقولون إن الله على كل شيء قدير. وهذا من فقه ابن عباس وعلمه بالتأويل ومعرفته بحقائق الأسماء والصفات، فإن أكثر أهل الكلام لا يوفون هذه الجملة حقها، ولو كانوا يقرون بها، فمنكرو القدر وخلق أفعال العباد لا يقرون بما على وجهها ومنكرو أفعال الرب القائمة به لا يقرون بها على وجهها، بل يصرحون أنه لا يقدر على فعل يقوم به، ومن لا يقر بأن الله سبحانه كل يوم هو في شأن يفعل ما يشاء لا يقر بأن الله على كل شيء قدير، ومن لا يقر بأن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ـ وأن سبحانه مقلب القلوب حقيقة، وأنه إن شاء أن يقيم القلب أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه ـ لا يقر بأن الله على كل
شيء قدير، ومن لا يقر بأنه استوى على عرشه بعد أن خلق السموات والأرض، وأنه ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا يقول: من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، وأنه نزل إلى الشجرة فكلم موسى كلمه منها، وأنه ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة حين تخلو من سكانها، وأنه يجيء يوم القيامة فيفصل بين عباده، وأنه يتجلى لهم يضحك، وأنه يريهم نفسه المقدسة، وأنه يضع رجله على النار فيضيق بها أهلها، وينزوي بعضها إلى بعض .. إلى غير ذلك من شؤونه وأفعاله التي من لم يقر بها لم يقر بأنه على كل شيء قدير، فيا لها كلمة من حبر الأمة وترجمان القرآن» (1).
6 -
في قوله تعالى: {إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا} [البقرة: 69].
علق ابن جرير على قول الحسن: {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ} : سوداء شديدة السواد. [85]
قال: قال أبو جعفر: وأحسب أن الذي قال في قوله: {صَفْرَاءُ} يعني به سوداء ذهب إلى قوله في نعت الإبل السود: هذه إبل صفر، وهذه ناقة صفراء: يعني بها سوداء، وإنما قيل ذلك في الإبل لأن سوادها يضرب إلى الصفرة، ومنه قول الشاعر:
تِلْكَ خَيْلي مِنْها وتِلْكَ ركابي
…
هُنَّ صُفْرٌ أولادُها كالزَّبيبِ
يعني بقوله: هنّ صفر: هنّ سود، وذلك إن وصفت الإبل به، فليس مما توصف البقر (2). [86]
* * *
(1)«شفاء العليل» (ص54)، وانظر توجيهات أخرى في:«التبيان في أقسام القرآن» (ص49 - 51).
(2)
«تفسير الطبري» (1/ 345).