الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العرب؟ وهل أبو حيان أعلم بمعاني كلام الله منهم؟ كل هذا بغض النظر عن المرويات التي رويت عنهم؛ لأن المراد هنا هو قضية المنهج الذي انتهجه أبو حيان في هذه العبارة. [46]
سادساً: التفسير بالاجتهاد والرأي (1)
الاجتهاد، والرأي، والاستنباط، والعقل (2)، كلها مصطلحات تدل على مدلول واحد عند علماء علوم القرآن.
وقد غلب مصطلح الرأي على هذه المصطلحات، ولذا فهو الذي سيتكرر ذكره.
مسألة:
هل وقع خلاف في جواز التفسير بالرأي
؟
يذكر بعض الباحثين خلافاً في مسألة ما، وليس هناك خلاف حقيقي، ومن هذه المسائل مسألة التفسير بالرأي.
ويرجع سبب هذا إلى عدم تحرير محل النزاع؛ لأن في تحرير محل النزاع توضيحاً لعدم وجود خلافٍ حقيقي.
والرأي قال به الصحابة والتابعون من بعدهم (3) وعملوا به، ومنهم صدِّيق الأمة أبو بكر الذي قال في الكلالة لما سئل عنها:«أقول فيها برأيي فإن كان صواباً فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان» (4).
(1) انظر هذا المبحث بتفاصيل أخرى في: «مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير» (ص209 - 229)؛ و «مفهوم التفسير والتأويل والاستنباط والتدبر والمفسر» (ص19 - 50).
(2)
يطلق بعض الباحثين هذا المصطلح على سبيل الذم، فيجعلون (التفسير العقلي) من قبيل التفسير الذي يكون عن جهل أو هوى، وهو التفسير المذموم.
(3)
انظر مثالاً له في: «تفسير الطبري» (26/ 162، 163)، وقد سبق نقله في (ص38).
(4)
راجع مرويات هذا الأثر في: «تفسير الطبري» (4/ 284).
وهذا الرأي الذي عمل به الصحابة هو الرأي المحمود، وهو المبني على علم أو غلبة ظن.
أما الرأي المذموم فهو الذي وقع عليه نهي السلف، وشنعوا على صاحبه، وهو ما كان على جهل أو هوى.
والذين حكوا الخلاف في الرأي لم يبينوا نوع الرأي الذي وقع عليه النهي، ولو فعلوا لما احتاجوا إلى جعل قولين في هذه المسألة ثم ترجيح بينهما (1).
وقد تورع بعض السلف عن القول في التفسير (2)، وكان لذلك أسبابٌ؛ كخشية القول على الله بغير علم، والوقوع في الرأي المذموم. [47]
قال عبيد الله بن عمر: «لقد أدركت فقهاء المدينة، وإنهم ليغلظون القول في التفسير، منهم: سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، ونافع» (3).
وكان بعضهم لا يقول في التفسير إلا بما بلغه، ويكره القول فيه فيما لم يبلغه فيه أثر عمن سبقه، ومن ذلك ما رواه يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب، أنه لا يتكلم إلا في المعلوم من القرآن (4).
ويظهر أن هذا المسلك صنيع عدد من الأئمة الذين كتبوا التفسير؛ كعبد الرزاق، وابن أبي حاتم، وسفيان بن عيينة، وغيرهم، ممن كتب عمن سلفه ما وصله من آثارهم، دون أن يكون له عليها تعليق.
وكان الإمام أحمد ممن نهى عن الكتابة في معاني القرآن، ولعل نهي
(1) وبعضهم انتهى إلى أن الخلاف لفظي؛ كالدكتور محمد حسين الذهبي في كتابه «التفسير والمفسرون» (1/ 246 - 255).
(2)
وقع هذا التورع عند بعض التابعين من أهل المدينة وأهل الكوفة من تلاميذ ابن مسعود.
(3)
«تفسير الطبري» (1/ 37)، وانظر ما بعدها.
(4)
«تفسير الطبري» (1/ 38).