الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير بالمأثور
يعد بعض من كتب في علوم القرآن التفسير بالمأثور أنه تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسنة، ثم بأقوال الصحابة، ثم بأقوال التابعين، مع حكاية الخلاف في إدخال التابعين في التفسير المأثور، وهذا التقسيم للتفسير بالمأثور فيه نظر، ويحتاج إلى تحرير (1).
ومن الإشكالات الواردة على هذا المصطلح أن هؤلاء يذكرون قول العلماء في حكم تفسير التابعي وأنه لا يكون حجة، ثم يقولون في نهاية بحث التفسير بالمأثور: إنه يجب الأخذ به.
والمراد هنا أن لفظة مأثور غير دقيقة في إعطاء الوصف، فلو سألت: لم سمي تفسيراً بالمأثور؟
هل هو مجرد اصطلاح لا معنى له؟
أم يراد به ما أثر عمَّن سلف بدءاً بالرسول صلى الله عليه وسلم وختماً بالتابعين؟
أما الاستفسار الأول، فالذي يظهر أنه غير وارد؛ لأنه لا بد أنه اصْطُلح عليه لمعنى.
أما الثاني، وهو الظاهر من اللفظة، فعليه اعتراضان:
الأول: أن تفسير القرآن بالقرآن لا نقل فيه، بل هو داخل ضمن تفسير من فسر به، فإن كان المفسِّر هو الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو من التفسير النبوي.
وإن كان المفسر هو الصحابي، فهو من تفسير الصحابي.
(1) ناقشتُ هذا في كتابي «مفهوم التفسير والتأويل والاستنباط والتدبر والمفسر» (ص19 - 50)؛ وكذا أشرتُ إليه في كتابي «مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير» (ص227 - 229).
وإن كان المفسر هو التابعي، فهو من تفسير التابعي.
ثم لاحظ أن تفسير الصحابي أو التابعي القرآن بالقرآن هو من التفسير بالرأي، وذلك لأن طريق الوصول إلى تفسير هذه الآية هو الرأي والاجتهاد.
ولا يلزم أن كل من فسر آية بآية أن تفسيره هذا يقبل، بل قد يكون مرجوحاً وبناء عليه فحكمه حكم تفسير الصحابي والتابعي، ولو كان يلزم قَبول قول كل من [53] فسر آية بآية لما رُدَّ شيء من هذه الأقوال، وهذا مجاهد فسر قوله تعالى:{ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} [عبس: 20] بقوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} [الإنسان: 3] ومع ذلك رجح الطبري القول الآخر بأنه خروجه من بطن أمه (1)، ولو كان تفسير الآية بالآية من التابعي مُلزِماً لما عدل عنه الطبري، وهذا واضح عند أدنى تأمل.
الثاني: لم توقف النقل عند التابعين ولم يذكر من بعدهم، مع أن فيهم من الأئمة في التفسير مَنْ فيهم، وأقوالهم مدونة ومحفوظة، والطريق إليهم هو بالأثر؛ كالتابعين؟.
والذي يظهر لي أن ما يمكن أن يطلق عليه تفسير بالمأثور، ويجب الأخذ به، ثلاث أنواع:
الأول: ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تفسيره القرآن.
الثاني: ما روي عن الصحابة مما له حكم المرفوع؛ كأسباب النزول والمغيبات.
الثالث: ما أجمع عليه الصحابة أو التابعون، وهذا يلحق بالمأثور، لوجوب الأخذ به؛ لأن الإجماع حجة.
وأما تفسير الصحابة فإن كان مجمعاً عليه، أو كان سبب نزول، أو إخباراً عن أمر غيبي فهو في حكم المرفوع ـ كما مرَّ ـ.
(1) انظر: «تفسير الطبري» (30/ 55).
وإن كان غير ذلك، فهو من باب الاجتهاد والرأي، سواءً كان معتمده اللغة، أو غيرها من أدوات الاجتهاد في التفسير.
وتفسير التابعي يُلحقُ بالمأثور إذا كان مما أجمع عليه التابعون، وما عداه فهو تفسير بالرأي.
وقد سبق تفصيل لتفسير الصحابي والتابعي، فراجعه. [54]
* * *