الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنبيهات حول تفسير القرآن باللغة:
1 -
يعد بعض الباحثين أبا عبيدة معمر بن المثنى والفراء والزجاج أئمة التفسير اللغوي، ولا ينظرون إلى تفاسير الصحابة والتابعين اللغوي، ويعدونها من التفسير بالأثر، وسبب هذا الخطأ اعتماد مصطلح المأثور ـ وسيأتي نقاشه ـ والصواب أن الإمامة في التفسير اللغوي للصحابة والتابعين.
فالصحابة عرب خُلَّص، وبلغتهم نزل القرآن، والتابعون أخذوا عنهم العلم، وهم في عصر الاحتجاج، فكيف لا يكونون أئمة اللغة، ولذا يقع الخطأ حينما يجعل تفسير الصحابة والتابعين اللغوي تفسيراً أثريّاً مقابل تفسير هؤلاء المتأخرين من اللغويين الذي يُجعَل تفسيرهم لغويّاً.
وهذا التقرير لا يعني هضم هؤلاء حقهم في التفسير اللغوي، ولكن المقصود أن رتبتهم فيه دون رتبة الصحابة والتابعين.
2 -
فسَّر أبو عبيدة معمر بن المثنى القرآن معتمداً على اللغة فقط، غير ناظر إلى أسباب النزول وملابساته، فجعل القرآن نصّاً عربيّاً مجرداً، وهذه الطريقة التي سلكها [44] أبو عبيدة من أسباب الخطأ في التفسير كما ذكره شيخ الإسلام (1).
وقد أنكر عليه هذا المسلك علماء عصره ومن جاء بعدهم؛ كالأصمعي (2)، وأبي حاتم السجستاني (3)، والفراء (4)، وأبي عمر الجرمي (5)، والطبري (6)، وغيرهم.
(1)«مقدمة في أصول التفسير» (ص81).
(2)
انظر: «إنباه الرواة» (3/ 287).
(3)
انظر: «طبقات النحويين واللغويين» للزبيدي (ص176).
(4)
«معجم الأدباء» (19/ 159).
(5)
انظر: «طبقات النحويين واللغويين» (ص176).
(6)
انظر عبارته في: التفسير (1/ 58)، وقد تكررت فيه هذه العبارة، وهي في أبي عبيدة. وانظر تصريحه باسمه (27/ 281).
ومن أمثلة تفسيراته التي لم يراع فيها أسباب النزول وملابساته، تفسيره لقوله تعالى: {
…
وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} [الأنفال: 11]، قال في تفسير:{وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} : «مجازه: يفرغ عليهم الصبر وينزله عليهم فيثبتون لعدوهم» (1).
وسبب النزول يدل على أن التثبيت حقيقي؛ أي: يثبت أقدامهم فلا تسوخ في الرمل، وبهذا جاء التفسير عن الصحابة ومن بعدهم.
قال الطبري ـ معلقاً على قول أبي عبيدة ـ: «وذلك قولٌ خلافٌ لقول جميع أهل التأويل من الصحابة والتابعين، وحسب قول خطأ أن يكون خلافاً لقول من ذكرنا، وقد بينا أقوالهم فيه، وأن معناه: ويثبت أقدام المؤمنين بتلبيد المطر الرمل حتى لا تسوخ أقدامهم وحوافر دوابهم» (2).
3 -
فَهْمُ السلف للقرآن حجة يحتكم إليه لا عليه، ولذا فإن ورود تفسير من تفاسيرهم مبني على فهمهم لغتهم يكون حجة يرجع إليها، وقد أغرب أبو حيان في تفسير قوله تعالى:[45]{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف: 24] حيث قال: «والذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب؛ لأنهم قدَّروا جواب (لولا) محذوفاً، ولا يدل عليه دليل؛ لأنهم لم يقدروا لـ (همَّ بها)، ولا يدل كلام العرب إلا على أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشرط؛ لأن ما قبل الشرط دليل عليه، ولا يحذف الشيء لغير دليل عليه» (3).
فقوله رحمه الله: «والذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب» قول غريب، فهل أبو حيان أعلم من السلف ـ الذين نزل بلغتهم القرآن ـ بكلام
(1)«مجاز القرآن» (1/ 242).
(2)
«تفسير الطبري» (9/ 197)؛ وانظر: «تفسير ابن عطية» (13/ 245، 9/ 429)؛ و «معاني القرآن» للنحاس (4/ 309، 110).
(3)
«البحر المحيط» (5/ 295).