الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
الحمدُ لله، منزل القرآن، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، القائل:«خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه» ، وعلى آله وصحبه البررة الذين تعلَّموا كتاب ربهم وعملوا به
…
وبعد:
فإن شرف (علوم القرآن) لا يخفى على طالب العلم، إذ شَرَفُ هذا العلم بمعلومه، وهو القرآن، ولا شك أن مباحث هذا العلم تتفاضل تفاضلاً بيِّناً، وأن من أعلاها (علم التفسير) الذي هو بيان عن معنى كلام الله سبحانه وتعالى.
والناظر في هذا العلم يحتاج إلى مقدمات يدرسها لتتبيَّن له معالمه، وتتَّضح له سُبله، فلا يتيه إذا قرأ كتب هذا العلم، ولا يختلط عليه الغث بالسمين. وهذه المقدمات هي ما اصطلح عليه باسم (أصول التفسير)(1).
وهذا المصطلح قد اتخذ عنواناً لمادة دراسية في بعض المعاهد والكليات، وقد اجتهد القائمون على مفردات هذا المنهج باختيار الموضوعات المناسبة له.
بيد أني لا أزال أرى أن هذه المفردات من حيث الغالب هي في علوم القرآن أكثر منها في (أصول التفسير).
وبما أني قمت بتدريس هذه المادة في (كلية المعلِّمين بالرياض)، فإني
(1) سيأتي إيضاح لهذا المصطلح (ص21).
قد اخترت بعض المباحث التي رأيت أنها ألصق بهذا العلم، اجتهدت في تحرير مسائلها على ما يأذن به الله.
ولا يزال في ذهني بعض المباحث، لكنها تتطلب استقراء كتب التفسير، فأرجو من الله أن ييسر لي ذلك، وأن يعينني عليه، إنه خير مسؤول، وأعظم معطٍ.
وقد اجتهدت أن أعزِّز مسائل هذا البحث بالأمثلة الموضحة لها، وإن كان بعضها قد يخلو منها، إلا أنني سأبحث عنها حتى أضعها في مكانها فيما بعد ـ إن شاء الله ـ. [5]
ثم إن المراد بهذه الأمثلة مطلق المثال، فلا يلزمني صحته، ومتابعة تحريره، كما قيل: ليس من عادات الفحل الاعتراض على المثل؛ لأن المراد بيان مسائل هذا العلم وإيضاحها.
وقد يمر بك بعض التقسيمات التي تدخل ضمن المجال الفني فحسب، والمراد بها التنويع والتفنن في إيراد المسائل.
وبعد
…
فإن ما ستراه مطروحاً في هذا البحث إنما هو اجتهاد، وما عليك أيها القارئ إلا أن تراسلني بملحوظاتك، وتعينني بآرائك، سواء كان ذلك في تحديد موضوعات هذا العلم، أم كان في المسائل المطروحة، ولك مني جزيل الشكر.
وأخيراً لا يفوتني أن أشكر ـ بعد الله ـ والديَّ، حيث أعاناني على تحصيل العلم، ثم على من له يدٌ عليَّ في البحث، كالشيخ محمد بن صالح الفوزان ـ رئيس قسم الدراسات القرآنية بالكلية ـ الذي تقبل مشكوراً قراءتي عليه هذا البحث، وأبدى لي ملحوظاته، والأخ محمد بن عبد العزيز الخضيري ـ الأستاذ في القسم نفسه ـ الذي قرأ معي هذا البحث، وأعانني بآرائه وتصويباته.
وبعض الإخوة الذين امتنعوا من التصريح بذكرهم، فقد كان لهم الأثر ـ من خلال مدارستي معهم هذا العلم ـ في بناء لبناته، وصياغة أفكاره، فجزاهم الله خيراً.
ولا أنسى أم عبد الملك التي أعانتني بما استطاعت، فجزاها ربي خيراً، وجعلها خير معين لي دنيا وأخرى.
أبو عبد الملك مساعد بن سليمان الطيار الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود
[6]
attyyar@gmail.com
www.attyyar.net
* * *
تمهيد
إن «علوم القرآن» علم مترامي الأطراف بموضوعاته المتناثرة؛ كالمكي والمدني، والناسخ والمنسوخ، وعدد الآي، والقراءات
…
إلخ.
ولا يزال احتمال اكتشاف موضوعات جديدة في هذا العلم قائماً، ومن ذلك ظهور (علم التفسير الموضوعي)، و (علم مناهج المفسرين)، وغيرها.
ومن هذه العلوم التي ظهرت ـ ولكن لم تلق عناية متكاملة ـ (علم أصول التفسير)، وهو في الحقيقة جزء من علوم القرآن، وإن كان بعضهم يجعله مرادفاً لمصطلح علوم القرآن.
ولما كان (أصول التفسير) جزءاً من (علوم القرآن)، فإني سأطرح بين يديك بعض آراء في مادة علوم القرآن، أجعلها مدار نقاش ومدارسة، رجاء أن توصل هذه المدارسة هذا العلم إلى مستوى مما هو فيه، وأن يكون لطلبة العلم اهتمام به، كما ظهر وبرز اهتمامهم بعلم الحديث وعلم الفقه.
إنه من خلال مطالعتك لمنهج (علوم القرآن) الذي يدرَّس في المعاهد والجامعات، ستلاحظ أن غالب هذه الكتب نُقول وتلخيص لما في كتابَي:«البرهان» للزركشي، «والإتقان» للسيوطي. وبهذا تفقد هذه الكتب جانبي التحقيق والتجديد، وبالأخص ما وضع منها على أنه مذكرات، ثم طبع فيما بعد على أنه كتاب، والفرق واضح بين من يكتب مذكرات للطلاب، ومن يكتب لعامة طلبة العلم.
وهذا في غالب ما كتب؛ إذ لا تخلو المكتبة القرآنية من نظرات تجديدية.
وإن من سبيل النهوض بهذا العلم: النهوض به من الجانب النظري،
والنهوض به من الجانب التحقيقي، وإن من سبيله ـ فيما أرى ـ ما يأتي:[7]
أولاً: تشتمل مباحث علوم القرآن على جانبين: جانب نظري بحت، وجانب نظري تطبيقي.
فالأول: كعلم عدد الآي (1)، ومعرفة الصيفي والشتائي، والمنامي، والسفري والحضري من النزول
…
ونحوها.
فهذه العلوم يمكن أن تدرَّس للطالب بجانبها النظري، ومن رأى فيها جانباً تطبيقيّاً فليدرسها على الجانب التطبيقي.
والثاني: كقصص القرآن، وأمثال القرآن، وأقسام القرآن
…
ونحوها.
فهذه العلوم ونحوها يمكن أن يُجرى عليها التطبيق بعد المعرفة النظرية لها.
وللتطبيق مجالان: القرآن الكريم، والتفسير، ولكل منهما ما يناسبه من الموضوعات.
والمراد بالتطبيق: أن يقوم الطالب باستخراج الأمثلة من القرآن أو التفسير؛ كما يفعله طالب علم الحديث، حينما يقوم بتخريج الأحاديث أو دراسة الأسانيد.
وعلى هذا، فيمكن أن يُطلب من الطالب استخراج الأمثلة من القرآن لموضوع (أمثال القرآن).
ويطلب منه في (المكي والمدني) دراسة أثر معرفة المكي والمدني من خلال التفسير.
بهذا، سيكون عند دارس هذا العلم ميدان تطبيقي يخرِّج منه ما درسه في الجانب المعرفي النظري.
(1) كنت كتبت هذا بناءً على طريقة عرض بعض كتب عد الآي، ثم ظهر لي أن في هذا العلم تطبيقات مهمة، وأنه يتصل بعلم الوقف والابتداء، وبعلم البلاغة، وله تعلق بفضائل بعض السور والآيات، وأن الآيات المختلف فيها مجال لمثل هذه التطبيقات.
ثانياً: إن مما يعين في التحقيق، ويثري البحث، الرجوع إلى ما كتبه المتقدِّمون ممن نقل عنهم الزركشي والسيوطي؛ لأنهما في الغالب يلخِّصان مسائل الكتاب، وقد يكون فيما تركوا من مسائله علم يحتاج إليه في علوم القرآن.
ومما يعين ـ كذلك ـ جرد مصنفات الحديث وكتب الآثار لتحصيل ما فيها من الأحاديث والآثار في موضوعات (علوم القرآن). [8]
فلو فهرست الكتب الستة مثلاً على موضوعات (علوم القرآن)، تصور الكم الذي ستحصل عليه هذا الموضوعات من الأحاديث والآثار.
إن الفائدة التي ستجنى من هذه الفهرسة هي الاعتماد على هذه الأحاديث والآثار في استنباط المعلومات.
إن بعض المسائل تفتقد ـ في كثير من الأحيان ـ النصوص الدالة على المعلومات التي فيها، فلو بحثت ـ على سبيل المثال ـ دليل من قال: إن عثمان جمع الناس على حرف واحد وألغى الستة الأخيرة، أو دليل من قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقف على رؤوس الآي لتعليم عدِّ الآي، ثم كان بعد ذلك يتتبع المعاني ولا يقف عندها.
إنك إذا قرأت في هذا العلم ستجد مثل هذه الأقوال التي لا يعضدها دليل.
ولذا فإن جمع الأحاديث والآثار في الموضوع الواحد يجلي غوامضه، ويبين فوائده.
وانظر ـ على سبيل المثال ـ كتاب الأحرف السبعة، للدكتور عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ، حيث جمع الآثار الواردة في الأحرف السبعة، ثم استنبط منها الفوائد والمسائل المتعلقة بها.
وأخيراً ـ أيها الأخ الكريم ـ هذه بعض ملحوظات، أضعها بين يديك لتكون مجال مناقشة وإفادة، سدد الله خطاي وخطاك، ووفقنا لما يحب ويرضى. [9]
* * *