الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتعلُّم التفسير واجب على الأمة من حيث العموم، فلا يجوز أن تخلو الأمة من عالم بالتفسير يعلّم الأمة معاني كلام ربها.
أما الأفراد فعلى كلٍّ منهم واجبٌ منه، وهو ما يقيمون به فرائضهم، ويعرفون به ربهم.
ولابن عباس تقسيم للتفسير، ويمكن تقسيم الحكم على كل قسم بحسبه، ومنه معرفة ما يجب على أفراد الأمة (1) كما سيأتي:
أقسام التفسير:
للتفسير أقسام عدة، وكل قسم مبني على اعتبار، ويكون هذا الاعتبار بالنظر إلى جهة من جهات التفسير.
ويمكن تقسيم هذه الاعتبارات إلى ما يلي:
1 -
باعتبار معرفة الناس له.
2 -
باعتبار طريق الوصول إليه.
3 -
باعتبار أساليبه.
4 -
باعتبار اتجاهات المفسرين فيه.
هذه بعض الاعتبارات، وهناك اعتبارات أخرى يمكن تقسيم التفسير
= لِمَنْ كَانَ بِمَعَانِي بَيَانِهِ عَالِماً، وَبِكَلَامِ الْعَرَبِ عَارِفاً، وَإِلَاّ بِمَعْنَى الامْرِ لِمَنْ كَانَ بِذَلِكَ مِنْهُ جَاهِلاً، أَنْ يَعْلَمَ مَعَانِي كَلَامِ الْعَرَبِ، ثُمَّ يَتَدَبَّرُهُ بَعْدُ، وَيَتَّعِظُ بِحِكَمِهِ وَصُنُوفِ عِبَرِهِ [ص:78] فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، قَدْ أَمَرَ عِبَادَهُ بِتَدَبُّرِهِ، وَحَثَّهُمْ عَلَى الاِعْتِبَارِ بِأَمْثَالِهِ، كَانَ مَعْلُوماً أَنَّهُ لَمْ يَامُرْ بِذَلِكَ مَنْ كَانَ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ آيُهُ جَاهِلاً. وَإِذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَامُرَهُمُ بِذَلِكَ، إِلَاّ وَهُمْ بِمَا يَدُلُّهُمْ عَلَيْهِ عَالِمُونَ = صَحَّ أَنَّهُمْ بِتَاوِيلِ مَا لَمْ يَحْجُبْ عَنْهُمْ عِلْمَهُ مِنْ آيِهِ، الَّذِي اسْتَاثَرَ اللهُ بِعِلْمِهِ مِنْهُ دُونَ خَلْقِهِ، الَّذِي قَدْ قَدَّمْنَا صِفَتَهُ آنِفاً عَارِفُونَ.
وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ، فَسَدَ قَوْلُ مَنْ أَنْكَرَ تَفْسِيرَ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَتَنْزِيلِهِ، مَا لَمْ يَحْجُبْ عَنْ خَلْقِهِ تَاوِيلَهُ». «تفسير الطبري» ، تحقيق د. عبد الله التركي (1/ 78).
(1)
أفادني بترتيب هذه الأحكام على هذا التقسيم الأخ محمد عبد العزيز الخضيري.
عليها، كاللفظ [16] والمعنى ـ وسيأتي ـ والاعتبار الزماني، والمكاني وغيرها.
أولاً: باعتبار معرفة الناس له:
قسَّم حبر الأمة ابن عباس التفسير، وجعله أربعة أوجه (1):
1 -
وجه تعرفه العرب من كلامها.
2 -
وتفسير لا يعذر أحد بجهله.
3 -
وتفسير يعلمه العلماء.
4 -
وتفسير لا يعلمه إلا الله، ومن ادعى علمه فقد كذب.
تفصيل هذه الأوجه وبناء الحكم عليها (2):
الوجه الأول: ما تعرفه العرب من كلامها:
يشمل هذا القسم ألفاظ القرآن، وأساليبه في الخطاب، وذلك لأنه نزل بلغتهم وعلى طرائقهم في الكلام.
وهذه الألفاظ والأساليب معلومةٌ لديهم غير خافية، وإن كان قد يخفى على أفراد منهم شيء منها، وذلك لغرابتها على مسمعه، أو لعدم اعتياده عليها في لغة قومه، كما خفي على ابن عباس بعض معاني مفرداته؛ كلفظ «فاطر» ، وغيرها.
ولذا تجد في تفاسير السلف تفسيرهم اللغوي لمعنى الصمد، والكفؤ، والفلق، والغاسق
…
إلخ.
والأساليب لما كانت على سَنَنِهم في الكلام (3) لم يَخْفَ عليهم
(1)«تفسير الطبري» (1/ 34)، وانظر ما قبله من كلام الطبري، و «إيضاح الوقف والابتداء» (1/ 101).
(2)
أضفت إلى هذا شرحاً، ينظر:«مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير» ، ط. دار المحدث (ص121 - 126).
(3)
راجع في ذلك: «تأويل مشكل القرآن» لابن قتيبة، و «الصاحبي في فقه اللغة» لابن فارس.
المراد بها، فيعلمون من قوله تعالى:{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49]، أن هذا الخطاب خطاب امتهان وتهكم، وإن كانت ألفاظه مما يستعمل في المدح، وذلك لأن السياق يدل على معنى الامتهان (1).
حكمه:
وهذا الوجه من فروض الكفاية، إذ لا يجب على كل مسلم معرفة جميع المعاني اللغوية والأساليب الكلامية الواردة في القرآن. [17]
وقد يرتقي إلى الواجب إذا توقف عمل الواجب على هذه المعرفة.
الوجه الثاني؛ ما لا يعذر أحد بجهله:
وهذا يشمل الأمر بالفرائض، والنهي عن المحارم، وأصول الأخلاق والعقائد.
فقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 110]، وقوله:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97]، وقوله:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] لا يعذر أحد بجهل مثل هذه الخطابات وهو يقرأ القرآن.
وكذا يدخل فيه ما جاء من أمر بالصدق والأمانة والنهي عن الكذب
والخيانة، وعن إتيان الفواحش، وغير هذه من الأوامر والنواهي المتعلقة بالأخلاق.
ويدخل فيه ما يتعلق بالعقائد؛ كقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ} [محمد: 19]، وقوله:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وغيرها من الأوامر والنواهي المتعلقة بالتوحيد.
حكمه:
هذه كلها داخلة ضمن الواجب الذي يجب على المسلم تعلمه من التفسير.
الوجه الثالث؛ ما تعلمه العلماء:
ومما يشمله هذا القسم، ما تشابه منه على عامة الناس، وما يستنبط منه من فوائد وأحكام.
حكمه:
وهذا القسم من فروض الكفاية.
الوجه الرابع؛ ما لا يعلمه إلا الله، ومن ادعى علمه فقد كذب:
ويشمل هذا حقائق المغيبات، ووقت وقوعها (1).
فالدابة التي تخرج في آخر الزمان لا يعلم كيفها وحقيقتها إلا الله، ولا يعلم وقت خروجها إلا الله، وهكذا سائر الغيبيات.
(1) هذا النوع لا يدخل فيه (المعنى)؛ لأن المعنى معلوم لكل المخاطبين، إذ لا يجوز أن يُخاطب العباد بما لا يعلمون معناه، وقد سبق نقل كلام للطبري وفيه إشارة لهذا.
وإنما يصحَّ أن يقال بأنه مما استأثر الله بعلمه في بعض الحِكَم، وفي وقت المغيبات، وفي كيفياتها، فهذه التي يصح إطلاق هذه العبارة عليها، أما المعنى فلا، ولا يُعرف عن واحد من السلف أنه ادعى أن كلمة من القرآن لا يعرف معناها جميع الناس، بل كان الواحد منهم يتوقف عما لا يعلم من المعاني، ولا يدَّعي أن غيره لا يعرفها.
حكمه:
وهذا النوع غير واجب على أحد، بل من تجشم تفسيره فقد أثمَ وافترى على الله [18] وادعى علماً لا يعلمه إلا الله سبحانه.
ثانياً: باعتبار طريق الوصول إليه:
ينقسم بهذا الاعتبار إلى قسمين:
الأول: ما يكون طريق الوصول إليه الأثر، وهو التفسير بالمأثور (1).
الثاني: ما يكون طريق الوصول إليه الاجتهاد، وهو التفسير بالرأي (2).
ثالثاً: باعتبار أساليبه (3):
ينقسم بهذا الاعتبار إلى أربعة أقسام:
1 -
التفسير التحليلي.
2 -
التفسير الإجمالي.
3 -
التفسير المقارن (4).
4 -
التفسير الموضوعي.
وإليك تفصيلاً موجزاً عن هذه الأقسام:
أولاً: التفسير التحليلي:
هذا القسم هو الغالب على التفاسير، ويعمد المفسر بهذا الأسلوب إلى
(1) و (2) سيأتي تفصيل لهذين المصطلحين فيما بعد، انظر:(ص47، 53).
(3)
ظهر لي أن هذا من باب التقسيم الفني، ولا يوجد له فائدة في نظري، وقد أشرت إلى هذا، ينظر:«مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير» ، ط. دار المحدث (ص239).
(4)
اشتهر استعمال مصطلح المقارن في الدراسات المعاصرة، والصحيح لفظ (الموازن)، لأن المقارن من مادة (قرن) التي تعني القرن بين الشيئين، أي الربط بينهما، وما يقوم به من يعمل ما يسمى بالمقارنة، إنما هو موازنة.
التحليل في الآية، فيبين سبب نزولها، وبيان غريبها، وإعراب مشكلها، وبيان مجملها
…
إلخ، ومن أمثلته: تفسير ابن عطية والآلوسي والشوكاني وغيرهم.
ثانياً: التفسير الإجمالي:
يعمد المفسر بهذا الأسلوب إلى بيان المعنى العام للآية دون التعرض للتفاصيل؛ كالإعراب واللغة والبلاغة والفوائد وغيرها.
ومن أمثلته: تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، وتفسير المكي الناصري، وتجده [19] كذلك في تفسير المراغي وأبي بكر الجزائري تحت عنوان «المعنى الإجمالي» .
ثالثاً: التفسير المقارن:
يعمد المفسر بهذا الأسلوب إلى قولين في التفسير، ويقارن بينهما مع ترجيح ما يراه راجحاً (1). ومن أمثلته: تفسير ابن جرير الطبري، وغيره ممن يذكر أقوال المفسرين ويرجح بعضها على بعض.
ومنه ما يقوم به ـ الآن ـ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري من عرضه في الإذاعة لتفسيره المسمى «تفسير التفاسير» .
رابعاً: التفسير الموضوعي (2):
يعتمد هذا الأسلوب على دراسة لفظة، أو جملة، أو موضوع في القرآن، وهو أقسام:
(1) هذه التقسيمات المذكورة من تحليلي وإجمالي ومقارن تقسيمات فنية، ولا يعني هذا أن كل تفسير قد تميز بأحدها فقط، بل قد تجد في تفسير من التفاسير هذه الأقسام، ولكن الحكم للأغلب؛ فابن جرير تجد في تفسيره: التحليل والإجمال والمقارنة.
(2)
ذكرت نقداً لهذا الأسلوب من تناول آيات القرآن، ينظر:«مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير» (ص240 - 249)، وقد ظهر للدكتور سامر رشواني كتاب نفيس في هذا اللون، وهو بعنوان:«منهج التفسير الموضوعي للقرآن الكريم دراسة نقدية» ، دار الملتقى 2009م.
1 -
أن يكون عرض الموضوع من خلال القرآن كله؛ كموضوع (صفات عباد الرحمن في القرآن).
2 -
أن يكون عرض الموضوع من خلال سورة؛ كموضوع (الأخلاق الاجتماعية في سورة الحُجرات).
3 -
أن يستعرض المفسر لفظة أو جملة قرآنية، ويبين معانيها في القرآن؛ كلفظة (الأمة في القرآن)، وجملة {الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [المائدة: 52] في القرآن (1).
رابعاً: باعتبار اتجاهات المفسرين فيه (2):
المراد بالاتجاه: الوجهة التي قصدها المفسر في تفسيره وغلبت عليه، أو كانت بارزة في تفسيره، بحيث تميز بها عن غيره. [20]
والاتجاهات في التفسير لها اعتبارات، فمنها ما يكون بالنظر إلى المذهب العقدي للمفسر، فمثلاً:
الاتجاه السلفي، يمثله: تفسير ابن جرير وابن كثير والشنقيطي.
والاتجاه المعتزلي، يمثله: تفسير الزمخشري.
والاتجاه الأشعري، يمثله: تفسير الرازي.
ومنها ما يكون بالنظر إلى العلم الذي غلب على التفسير، ومن أمثلته:
• كتاب «معاني القرآن» للفراء، و «مجاز القرآن» لأبي عبيدة، وتمثِّل الاتجاه اللغوي.
• كتاب «إعراب القرآن» للنحاس، و «البحر المحيط» لأبي حيان، و «الدر المصون» للسمين الحلبي، وتمثل الاتجاه النحوي.
(1) انظر في موضوع أساليب التفسير: «دراسات في التفسير الموضوعي للقصص القرآني» د. أحمد جمال العمري (ص37، 46)، «أصول التفاسير ومناهجه» للدكتور فهد الرومي، (ص57).
(2)
ألقيت محاضرات في مناهج المفسرين واتجاهاته، وهي موجودة في موقع البث الإسلامي، وقد فصّلت فيها هذا الموضوع.
• كتاب «الكشاف» للزمخشري، و «التحرير والتنوير» للطاهر بن عاشور، وتمثل الاتجاه البلاغي.
وهكذا مما تجده مدوناً في كتب علوم القرآن، أو ما كتب في موضوع اتجاهات المفسرين (1). [21]
* * *
(1) انظر: «التفسير والمفسرون» لمحمد الذهبي، «اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر» د. فهد الرومي، وغيرها مما كتب في هذا الموضوع.