الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اختلاف السلف في التفسير
الاختلاف سنة في البشر، وكل شخص ينظر إلى المسألة من زاوية ويحكم عليها حسب نظره واجتهاده، ويمكن تقسيم الاختلاف الواقع في التفسير إلى قسمين (1):
الأول: اختلاف التنوع.
الثاني: اختلاف التضاد.
وقد وقع هذان القسمان في تفسير السلف، إلا أن الثاني قليل.
قال شيخ الإسلام مشيراً إلى اختلاف التضاد ـ بعد أن ساق اختلاف التنوع ـ: ومع هذا فلا بد من اختلاف محقق بينهم، كما يوجد مثل ذلك في الأحكام (2).
وقد أشار إلى وجود اختلاف التنوع عند السلف: إسحاق، وسفيان بن عيينة، والحسن، نقل ذلك عنهم الإمام محمد بن نصر المروزي (ت:294هـ).
قال الإمام محمد بن نصر: «وسمعت إسحاق يقول في قوله: {وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] قد يمكن أن يكون تفسير الآية على أولي العلم، وعلى أمراء السرايا؛ لأن الآية الواحدة يفسرها العلماء على أوجه، وليس ذلك باختلاف.
(1) ظهرت ـ بحمد الله ـ رسائل علمية في هذا الموضوع، وقد طبع بعضها ـ كرسالة الأخ محمد صالح محمد سليمان ـ «اختلاف السلف في التفسير بين النظرية والتطبيق» .
(2)
«مقدمة في أصول التفسير» (ص54).
وقد قال سفيان بن عيينة: ليس في تفسير القرآن اختلاف إذا صح القول في ذلك (1).
وقال: أيكون شيء أظهر خلافاً في الظاهر من الخُنَّس؟
قال عبد الله بن مسعود: هي بقر الوحش.
وقال علي: هي النجوم.
قال سفيان: وكلاهما واحد؛ لأن النجوم تخنس بالنهار، وتظهر بالليل، والوحشية [55] إذا رأت إِنسيّاً خنست في الغيطان وغيرها، وإذا لم تر إِنسيّاً ظهرت.
قال سفيان: فكل خنس.
قال إسحاق: وتصديق ذلك ما جاء عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الماعون يعني أن بعضهم قال: الزكاة، وقال بعضهم: عارية المتاع.
قال: وقال عكرمة: الماعون أعلاه الزكاة، وعارية المتاع منه.
قال إسحاق: وجَهِل قوم هذه المعاني؛ فإذا لم توافق الكلمةُ الكلمةَ قالوا: هذا اختلاف.
وقد قال الحسن ـ وذكر عنده الاختلاف في نحو ما وصفنا ـ فقال: إنما أُتِيَ القوم من قبل العجمة» (2).
وفصَّل شيخ الإسلام (ت:728هـ) هذه المسألة أتم تفصيل في كتابه «مقدمة في أصول التفسير» (3).
(1) انظر كلام سفيان: «فتح القدير» (1/ 12)، فقد ذكر أن هذا القول أخرجه سعيد بن منصور في سننه، والبيهقي في كتاب «الرؤية» وابن المنذر في تفسيره، وينظر في تفسير سعيد بن منصور المطبوع بتحقيق الدكتور سعد الحميد برقم (1061).
(2)
«السنة» (ص7، 8).
(3)
انظر: (ص38، 55) وعليه اعتمدت في هذا المبحث، وانظر:«اقتضاء الصراط المستقيم» (1/ 128 - 130)، كان لابن جزي تقسيم نفيس لأنواع الاختلاف في التفسير، وهو قائم على اللفظ والمعنى، ولا أدري كيف غفلة عن إثباته ههنا.
قال ابن جزي (ت: 741): «واعلم أنّ التفسير منه متفق عليه ومختلف فيه، ثم إنّ المختلف فيه على ثلاثة أنواع: =
وذكر الشاطبي (ت:790هـ) في «الموافقات» مبحثاً كاملاً في اختلاف التنوع، وجعله من قسم الخلاف الذي لا يعتد به (1).
قال الشاطبي: «من الخلاف ما لا يعتد به وهو ضربان:
أحدهما: ما كان من الأقوال خطأ مخالفاً لمقطوع به في الشريعة، وقد تقدم التنبيه عليه.
والثاني: ما كان ظاهره الخلاف وليس في الحقيقة كذلك، وأكثر ما يقع ذلك في [56] تفسير الكتاب والسنة، فتجد المفسرين ينقلون عن السلف في معاني ألفاظ الكتاب أقوالاً مختلفة في الظاهر، فإذا اعتبرتها وجدتها تتلاقى على العبارة كالمعنى الواحد، والأقوال إذا أمكن اجتماعها والقول بجميعها من غير إخلال بمقصد القائل فلا يصح نقل الخلاف فيها عنه ..» (2).
وللشيخ محمد بن صالح العثيمين تقسيم لاختلاف التنوع والتضاد، اعتمد فيه على اللفظ والمعنى، وهو ثلاثة أقسام:
= الأوّل: اختلاف في العبارة، مع اتفاق في المعنى: فهذا عدّه كثير من المؤلفين خلافاً، وليس في الحقيقة بخلاف لاتفاق معناه، وجعلناه نحن قولاً واحداً، وعبّرنا عنه بأحد عبارات المتقدّمين، أو بما يقرب منها، أو بما يجمع معانيها.
الثاني: اختلاف في التمثيل لكثرة الأمثلة الداخلة تحت معنى واحد، وليس مثال منها على خصوصه هو المراد، وإنما المراد المعنى العامّ التي تندرج تلك الأمثلة تحت عمومه، فهذا عدّه أيضا كثير من المؤلفين خلافاً، وليس في الحقيقة بخلاف لأنّ كل قول منها مثال، وليس بكل المراد، ولم نعدّه نحن خلافا: بل عبّرنا عنه بعبارة عامّة تدخل تلك تحتها، وربما ذكرنا بعض تلك الأقوال على وجه التمثيل، مع التنبيه على العموم المقصود.
الثالث: اختلاف المعنى فهذا هو الذي عددناه خلافا، ورجحنا فيه بين أقوال الناس حسبما ذكرناه في خطبة الكتاب». التسهيل لعلوم التنزيل، تحقيق: أ. د محمد بن سيدي محمد مولاي (1/ 62 - 63).
(1)
انظر: «الموافقات» تحقيق محيي الدين عبد الحميد (4/ 140 - 144)، وينظر: تحقيق مشهور بن حسن آل سلمان (5/ 210 - 218).
(2)
«الموافقات» تحقيق: محيي الدين عبد الحميد (4/ 140)، وينظر: تحقيق مشهور آل سلمان (5/ 210).
الأول: اختلاف في اللفظ دون المعنى.
الثاني: اختلاف في اللفظ والمعنى، والآية تحتمل المعنيين لعدم التضاد بينهما، فتحمل الآية عليهما، وتفسر بهما.
الثالث: اختلاف في اللفظ والمعنى، والآية لا تحتمل المعنيين معاً للتضاد بينهما، فتحمل الآية على الأرجح منهما بدلالة السياق أو غيره (1).
* * *
(1)«أصول في التفسير» (ص30، 31).