الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المخصَّصة، فإنه يلزم معرفة مخصِّصها، والآية المنسوخة، فإنه يلزم معرفة ناسخها
…
وغيرها من العلوم التي لا تدور في كل آية.
وباختلاف الطبقات يختلف المطلوب من العلوم كذلك، فمن كان في طبقة الصحابة، فإنه يلزمه ـ مع ما ذكر ـ معرفة التفسير النبوي للآيات، ومعرفةُ أسباب النزول، وقصص الآية.
ومن كان في طبقة التابعين يلزمه زيادة معرفة تفسير الصحابة؛ كي لا يخرج عن أقوالهم إن أجمعوا أو حكوا سبب نزوله، أو فسَّروا أمراً غيبيّاً، ويجتهد ويختار إن اختلفوا.
وكذا من جاء بعد التابعين، فيلزمه معرفة ما قاله التابعون مما أجمعوا عليه، فلا يخالف، أو ما اختلفوا فيه، فيجتهد في بيان الصحيح.
مسألة:
هل للتفسير المذموم حد يعرف به
؟
إنك في هذه المسألة أمام تفاسير كثيرة يحكي المفسرون ذمَّها؛ كتفسير المعتزلة، والرافضة، والباطنية، وغيرهم. [49]
وحكاية الذم لهذه التفاسير تعني أنهم خالفوا أصولاً متفقاً على ثباتها في التفسير.
وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية في (فصل: الخلاف الواقع في التفسير من جهة الاستدلال)(1) = إلى نوعين يمكن جعلهما سبباً في الحكم على تفسير ما بأنه مذموم.
الأول: من اعتقد معاني، ثم أراد حمل ألفاظ القرآن عليها.
وهؤلاء صنفان:
الصنف الأول: من يسلب لفظ القرآن ما دل عليه، وأريد به.
الصنف الثاني: من يحمل لفظ القرآن على ما لم يدل عليه، ولم يُردْ به.
(1) انظر: «مقدمة في أصول التفسير» (ص81).
وهذان الصنفان قد يكون ما قصدوا نفيه أو إثباته من المعنى باطلاً؛ فيكون خطؤهم في الدليل والمدلول.
وقد يكون حقّاً فيكون خطؤهم في الدليل لا المدلول.
وهذا القسم ينطبق على طوائف من المبتدعة؛ كالجهمية، والمعتزلة، والأشاعرة، والرافضة، والصوفية .. إلخ.
ومن أمثلة خطئهم في الدليل والمدلول: تأبيد النفي في قوله تعالى: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] في قصة موسى، وقد قال به المعتزلة، وذلك لأنهم اعتقدوا قبل هذا أن الله لا يُرى، فعمدوا إلى القرآن، فاستدلوا بآيات لا دلالة فيها على مذهبهم، مثل هذه الآية.
ونفيهم للرؤية في قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23]، وذلك لأنهم اعتقدوا أن الله لا يُرى، فحرفوا معنى هذه الآية لتوافق مذهبهم.
وقد كانت هذه الطريقة سبباً لِوُلُوج كثير من المبتدعة؛ كالرافضة، والفلاسفة والقرامطة .. باب التأويل، وتحريف نصوص كلام الله سبحانه.
ومن أمثلة خطئهم في الدليل لا في المدلول ـ وهو كثير عند الصوفية والوعاظ ـ تفسير بعض الصوفية قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ [50] يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَاّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ}
…
الآية [البقرة: 249]، قال: هذه الآية مَثَلٌ ضَرَبَه الله للدنيا فشبهها الله بالنهر، والشارب منه بالمائل إليها والمستكثر منها، والتارك لشربه بالمنحرف عنها والزاهد فيها، والمغترف بيده غرفة بالآخذ منها قدر الحاجة، وأحوال الثلاثة عند الله مختلفة.
قال القرطبي: «قلت: ما أحسن هذا لولا ما فيه من التحريف في التأويل، والخروج عن الظاهر، لكن معناه صحيح من غير هذا» (1).
(1)«تفسير القرطبي» (3/ 251).
وقد يكون خطؤهم في الدليل والمدلول كذلك؛ كاستدلال بعض المتصوفة بقوله تعالى: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص: 42] على جواز الرقص (1).
الثاني: من فسر القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده بكلامه من كان من الناطقين بلغة العرب، من غير نظر إلى المتكلم بالقرآن، والمنزل عليه والمخاطب به، وملابسات النزول؛ كأسباب النزول وقصص الآيات، وعادات المخاطبين
…
إلخ.
وقد ذكرت مثالاً لذلك في التنبيهات على التفسير باللغة، عند الحديث عن منهج أبي عبيدة.
فهذان النوعان إذا وقعا في تفسير ما فإنه يحكم بذمِّه، نظراً لأنه فسَّر القرآن بما لا يسوغ له، وحمله على غير المراد به.
ولذا فإن تفاسير السلف لا يوجد فيها تفاسير على هذه الشاكلة، وإن كان ورد عن مجاهد بعض التفاسير المذمومة؛ كتفسيره قوله تعالى:{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65].
قال: لم يمسخوا، إنما هو مثل ضُرِب لهم، كما ضرب لهم مثل الحمار يحمل أسفاراً (2).
وهذه التفاسير المذمومة التي وردت عنه، لم تخرجه ـ رحمه الله تعالى ـ عن الإمامة [51] في التفسير، حتى قال سفيان الثوري:«إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به» (3).
وإذا حكم على كتاب في التفسير بأنه مذموم، فإن هذا يكون بالنظر إلى منهج الاستدلال عند هذا المفسر.
(1)«تفسير القرطبي» (15/ 215).
(2)
تفسير الطبري (1/ 332)،وقد ردَّ تأويله الإمام الطبري، وانظر مثالاً آخر من تفاسيره المذمومة في تفسير الطبري (30/ 282).
(3)
تفسير الطبري (1/ 85) ط. هجر.
فالمعتزلة ـ مثلاً ـ مصنفون في هذا النوع من الرأي، نظراً لمنهجهم في الاستدلال ولتحريفهم بعض الآيات لتوافق ما يعتقدون.
ومع الحكم على تفسير ما من تفاسيرهم بأنه مذموم، كتفسير الزمخشري، فإن هذا لا يعني أن كل تفسيره مذموم، بل فيه ما يوافق الحق. [52]
* * *