الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قواعد التفسير
القواعد هي: الأمور الكلية المنضبطة التي يستخدمها المفسر في تفسيره، ويكون استخدامه لها إما ابتداءً، ويبني عليها فائدة في التفسير، أو ترجيحاً بين الأقوال (1).
ويمكن استنباط هذه القواعد من كتب التفسير، وكتب اللغة، والبلاغة، والأصول. وتنقسم هذه القواعد إلى قسمين:
القواعد العامة
، والقواعد الترجيحية، وبينهما تداخل ظاهر عند التأمل.
أولاً: القواعد العامة
المراد بهذه القواعد: القواعد التي يمكن أن يعملها المفسر عندما يفسر آية من القرآن.
ويبدو على بعض هذه القواعد أنها بمثابة الفوائد، ومنها ما يكون لغوياً، ومنها ما يكون أصوليّاً، ومنها ما يكون بلاغيّاً
…
وسأذكر جملة منثورة من هذه القواعد من غير تبويب وترتيب، نظراً لقلة ما سأذكره منها، وما هي إلا أمثلة لهذه القواعد:
1 -
قال ابن القيم: «المعهود من ألفاظ القرآن أنها تكون دالة على جملة معان» (2).
2 -
قال الشنقيطي: «تقرَّر عند العلماء أن الآية إن كانت تحتمل معاني
(1) يرجع في هذه القواعد إلى كتاب الدكتور حسين الحربي «قواعد الترجيح عند المفسرين» وكتاب الدكتور خالد السبت «قواعد التفسير» .
(2)
«جلاء الأفهام» (ص308).
كلها صحيح تعيَّن حملها على الجميع، كما حققه بأدلة الشيخ تقي الدين أبو العباس ابن تيمية في رسالته في علوم القرآن» (1).
3 -
ما أبهم في القرآن فلا فائدة في بحثه.
قال الشنقيطي: «ففي القرآن العظيم أشياء كثيرة لم يبينها الله لنا ولا رسوله، ولم يثبت في بيانها شيء، والبحث عنها لا طائل تحته ولا فائدة فيه» (2). [87]
4 -
إذا عرف تفسير القرآن من جهة النبي صلى الله عليه وسلم فلا حاجة إلى قول من بعده (3).
5 -
قول الصحابة مقدم على غيرهم في التفسير، وإن كان ظاهر السياق لا يدل عليه؛ لأنهم أعلم بمعاني القرآن، والسبب الذي فيه نزل، وما أريد به.
ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} [الأحقاف: 10].
قال مسروق: والله ما نزلت في عبد الله بن سلام، وما نزلت إلا بمكة، وما أسلم عبد الله إلا بالمدينة، ولكنها خصومة خاصم محمد صلى الله عليه وسلم بها قومه، قال فنزلت: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ
(1)«أضواء البيان» (3/ 124)؛ وانظر: «التحرير والتنوير» (1/ 93، 100).
(2)
«أضواء البيان» (4/ 43).
(3)
«التفسير الكبير» لابن تيمية (1/ 119).
وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} [الأحقاف: 10] قال: فالتوراة مثل القرآن، وموسى مثل محمد صلى الله عليه وسلم فآمنوا بالتوراة وبرسولهم، وكفرتم به. وقال سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن سلام وابن عباس: الشاهد عبد الله بن سلام، وبه قال مجاهد، وقتادة، والضحاك، والحسن، وابن زيد.
قال الطبري:
6 -
إعراب القرآن ينبغي أن يكون على أفصح الوجوه، ولا يفسر بمجرد الاحتمال النحوي الإعرابي الذي يحتمله تركيب الكلام، ويكون الكلام به له معنى ما.
مثال: في قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]، ذكر ابن القيم قول من قال: إنه من باب حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه؛ كأنه قال: إن رحمة الله شيء قريب من المحسنين، ثم رد على هذا القول من وجوه وذكر أحدها، وهو:
«أن الشيء أعم من المعلومات، فإنه يشمل الواجب والممكن، فليس في تقديره ولا في اللفظ به زيادة فائدة يكون الكلام بها فصيحاً بليغاً، فضلاً عن أن يكون بها في أعلى مراتب الفصاحة والبلاغة، فأي فصاحة وبلاغة في قول القائل في حائض وطامث وطالق: شيء حائض، وشيء طامث، وشيء طالق؟ وهو لو صرح بهذا لاستهجنه السامع. فكيف يقدر في الكلام مع أنه لا يتضمن فائدة أصلاً؟
(1)«تفسير الطبري» (26/ 9).
إذ كونه شيئاً أمر معلوم عام لا يدل على مدح ولا ذم، ولا كمال ولا نقصان.
وينبغي أن يتفطن ههنا لأمر لا بدّ منه، وهو أنه لا يجوز أن يحمل كلام الله عز وجل ويفسر بمجرد الاحتمال النحوي الإعرابي الذي يحتمله تركيب الكلام، ويكون الكلام به له معنى ما، فإن هذا مقام غلط فيه أكثر المعربين للقرآن، فإنهم يفسرون الآية ويعربونها بما يحتمله تركيب تلك الجملة، ويفهم من ذلك التركيب أي معنى اتفق، وهذا غلط عظيم يقطع السامع بأن مراد القرآن غيره، وإن احتمل ذلك التركيب هذا المعنى في سياق آخر وكلام آخر، فإنه لا يلزم أن يحتمله القرآن، مثل قول بعضهم في قراءة من قرأ:{وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] بالجر: إنه قسم. ومثل قول بعضهم في قوله تعالى: {وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 217] إن المسجد مجرور بالعطف على الضمير المجرور في به، ومثل قول بعضهم في قوله تعالى:{لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ} [النساء: 162] إن {المقيمين} مجرور بواو القسم. ونظائر ذلك أضعاف أضعاف ما ذكرنا، وأوهى بكثير؛ بل للقرآن عرف خاص ومعان معهودة لا يناسبه تفسيره بغيرها، ولا يجوز تفسيره بغير عرفه والمعهود من معانيه، فإن نسبة معانيه إلى المعاني كنسبة ألفاظه إلى الألفاظ، بل أعظم، فكما أن ألفاظه ملوك الألفاظ وأجلها وأفصحها، ولها من الفصاحة أعلى مراتبها التي يعجز عنها قدر [89] العالمين، فكذلك معانيه أجل المعاني وأعظمها وأفخمها، فلا يجوز تفسيره بغيرها من المعاني التي لا تليق به، بل غيرها أعظم منها وأجل وأفخم، فلا يجوز حمله على المعاني القاصرة بمجرد الاحتمال النحوي الإعرابي.
فتدبر هذه القاعدة ولتكن منك على بالٍ، فإنك تنتفع بها في معرفة ضعف كثير من أقوال المفسرين وزيفها، وتقطع أنها ليست مراد المتكلم تعالى بكلامه.
وسنزيد هذا إن شاء الله تعالى بياناً وبسطاً في الكلام على أصول التفسير. فهذا أصل من أصوله» (1).
مثال آخر:
في قوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2] قال أبو حيان: «وقد ركبوا وجوهاً من الإعراب في قوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ}» .
والذي نختاره منها أن قوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} جملة مستقلة من مبتدأ وخبر؛ لأنه متى أمكن حمل الكلام على غير إضمار ولا افتقار كان أولى أن يسلك به الإضمار والافتقار؛ وهكذا تكون عادتنا في إعراب القرآن لا نسلك فيه إلا الحمل على أحسن الوجوه وأبعدها من التكلف وأسوغها في لسان العرب، ولسنا كمن جعل كلام الله تعالى كشعر امرئ القيس وشعر الأعشى يُحمِّله جميع ما يحتمله اللفظ من وجوه الاحتمالات، فكما أن كلام الله من أفصح كلام فكذلك ينبغي إعرابه أن يحمل على أفصح الوجوه، هذا على أنا إنما نذكر كثيراً مما ذكروه لينظر فيه، فربما يظهر لبعض المتأملين ترجيح شيء منه» (2).
قواعد في العموم:
أـ حذف المتعلق يفيد العموم النسبي (3)؛ أي: يفيد تعميم المعنى المناسب له، ويدخل في ذلك العموم ما كان سياق الكلام جاء من أجله، وهو فرد من أفراد هذا المعنى العام.
ومن أمثلته قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]. [90]
فالمتعلق بالفعل «تتقون» محذوف، ويمكن تقدير عدة متعلقات؛ مثل: تتقون الله، تتقون النار، تتقون المحارم (4).
(1)«التفسير القيم» (268، 269).
(2)
«البحر المحيط» (1/ 36).
(3)
لا يلزم أن حذف المتعلق يراد به العموم، بل له أغراض أخرى غير هذا.
(4)
«القواعد الحسان» (ص46، 47)، وراجع:«إرشاد الفحول» (ص132).
ب ـ إذا دخلت (ال) على الأوصاف، وأسماء الأجناس، فإنها تفيد استغراق من يشمله هذا الوصف أو الاسم.
مثال الوصف: قوله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} إلى قوله: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].
يدخل في هذه الأوصاف كل ما تناوله معاني الإسلام، والإيمان، والقنوت، والصدق
…
إلخ.
مثال اسم الجنس: قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2].
فيشمل البر جميع أنواع الخير، وتشمل التقوى كل ما يلزم اتقاؤه (1).
جـ النكرة في سياق النفي، والنهي، والشرط، والاستفهام، تفيد العموم.
مثال سياق النفي: قوله تعالى: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا} [الانفطار: 19] يعم كل نفس، وكل شيء.
مثال سياق النهي: قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22] تشمل أي ند جعل الله.
مثال سياق الشرط: قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53] تشمل أي نعمة عند العبد.
مثال سياق الاستفهام: قوله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [فاطر: 3] تشمل أي خالق غير الله (2). [91]
د ـ المفرد المضاف يفيد العموم.
ومن أمثلته قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]، وقوله:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] فإنها تشمل كل نعمة أنعمها الله على عبده.
ومن أمثلته: قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَاّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر: 50].
فالأمر، يشمل كل أمر كوني قدري (1).
هـ الفعل المضارع إذا جُزم أو نُفي بـ (لا) فإنه يفيد العموم.
مثاله: قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195].
قال الطاهر بن عاشور: «ووقوع فعل «تلقوا» في سياق النهي يقتضي عموم كل إلقاء باليد إلى التهلكة
…
» (2).
وـ ومن صيغ العموم وألفاظه الواردة في القرآن ـ وهي كثيرة ـ:
كل، وجميع، وأجمعون، وكافَّة، ومن وما الشرطية والاستفهامية، والموصولة والمصدرية، والجمع المضاف، واسم الجمع، كالقوم، والذي، والتي
…
إلخ.
فهذه الألفاظ إذا جاءت فإنها تدل على العموم، وذكر شواهدها يطول.
إنَّ المشددة المكسورة تفيد التعليل:
مثل قوله تعالى: {اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1]
والمعنى: اتقوا ربكم؛ لأن زلزلة الساعة شيء عظيم (3).
الفاء تفيد التعليل:
مثل قوله تعالى: {قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]. [92]
وقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيَهُمَا} [المائدة: 38].
ففي الأولى: لعلة كون المحيض أذى.
(1)«القواعد الحسان» (ص14).
(2)
«التحرير والتنوير» (2/ 215).
(3)
«أضواء البيان» (5/ 14، 60).