الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - ما يتعلق بالأغلب من لغة العرب
إنما يحمل كلام الله على الأغلب المعروف من لغة العرب، دون الأنكر المجهول أو الشاذ.
وذلك أن يكون للكلمة في لغة العرب أكثر من معنى، فيختار المفسر المعروف الأغلب إلا أن يقع دليل على غير ذلك.
مثال: قوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا} [النبأ: 24].
قيل في البرد قولان:
الأول: هو برد الهواء الذي يبرد جسم الإنسان.
الثاني: النوم.
قال ابن جرير معلقاً على القول الثاني: «والنوم وإن كان يبرد غليل العطش، فقيل له من أجل ذلك: البرد، فليس هو باسمه المعروف، وتأويل كتاب الله على الأغلب من معروف كلام العرب دون غيره» (1).
وتابع النحاسُ أبا جعفر الطبري فقال: «وأصح هذه الأقوال القول الأول؛ لأن البرد ليس باسم من أسماء النوم، وإنما يحتال فيه فيقال للنوم: برد؛ لأنه يهدِّي العطش، والواجب أن يحمل تفسير كتاب الله جل وعز على الظاهر والمعروف من المعاني إلا أن يقع دليل على غير ذلك» (2). [105]
* * *
(1)«تفسير الطبري» (30/ 13).
(2)
«إعراب القرآن» (5/ 132)؛ وانظر: «القطع والائتناف» للنحاس (ص758)؛ و «التحرير والتنوير» (30/ 37).
5 -
ما يتعلق بالمعنى الشرعي
لما كان القرآن نازلاً بلغة العرب، فإنه قد وقع فيه من الألفاظ ما لها دلالات خاصة في الشرع لم تكن معروفة قبل عند العرب، وهذه الألفاظ هي مصطلحات وأسماء شرعية، وقد أُلِّف فيها كتب؛ ككتاب «الزينة في الكلمات الإسلامية» لحمدان الرازي (ت:322هـ).
ومن هذه الألفاظ الجنة والنار، الصلاة والزكاة، العمرة والحج، البعث والنشور، وغيرها من الكلمات التي صار لها مدلول خاص عند المسلم، فإذا سمع أحد هذه الألفاظ تبادر إلى ذهنه المعنى الشرعي لها.
والمقصود هنا أنه إذا اختلف المعنى الشرعي والمعنى اللغوي فإن المقدَّم المعنى الشرعي؛ لأن القرآن نزل لبيان الشرع لا لبيان اللغة، إلا أن يكون هناك دليل يترجح به المعنى اللغوي، فيؤخذ به.
مثال: قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84] ففي قوله: {وَلَا تُصَلِّ} احتمالان:
الأول: الدعاء، وهذا هو المعنى اللغوي.
الثاني: الوقوف على الميت للدعاء له بصفة مخصوصة.
فيقدم هذا المعنى الشرعي؛ لأنه المقصود للمتكلم المعهود للمخاطب.
ومما دل الدليل فيه على إرادة المعنى اللغوي مع احتمال الشرعي قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 103].
فقوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أي: ادع لهم، ويدل على ذلك ما رواه مسلم عن عبد الله بن أبي أوفى قال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بصدقة قوم صلَّى عليهم، فأتاه أبي بصدقة فقال: «اللهم صلِّ على آل أبي أوفى» » (1). [106]
* * *
(1) انظر: «البرهان في علوم القرآن» (2/ 167)؛ و «أصول التفسير» لابن عثيمين (ص29، 30).