الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
109 - باب ما ينهي عنه من المرور بين يدي المصلي
701 -
. . . مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن بُسر بن سعيد؛ أن زيد بن خالد الجهني أرسله إلى أبي جُهَيم يسأله: ماذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في المارِّ بين يدي المصلي؟ فقال أبو جهيم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المارُّ بين يدَي المصلي ماذا عليه؛ لكان أن يقف أربعين خيرٌ له من أن يمرَّ بين يديه".
قال أبو النضر: لا أدري قال: أربعين يومًا، أو شهرًا، أو سنة؟.
• حديث متفق على صحته.
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 220/ 422 - رواية يحيي الليثي)(223 م- رواية القعنبي)(409 - رواية أبي مصعب الزهري)(422 - رواية ابن القاسم بتلخيص القابسي)(128 م- رواية الحدثاني)(272 - رواية محمد بن الحسن).
ومن طريق مالك أخرجه: البخاري (510)، ومسلم (507)، وأبو عوانة (1/ 383 و 384/ 1391 و 1392)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 115/ 1121)، وأبو داود (701)، والترمذي (336)، وقال:"حسن صحيح"، والنسائي في المجتبى (2/ 66/ 756)، وفي الكبرى (1/ 410/ 834)، والدارمي (1/ 387/ 1417)، وابن حبان (6/ 130/ 2366)، وأحمد (4/ 169) و (5/ 456 - سقط من الميمنية)(14/ 69/ 17437 - الإتحاف)(6/ 124/ 7910 - أطراف المسند)، وعبد الرزاق (2/ 19/ 2322)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 107 - 108/ 2078)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 92/ 2440)، والطحاوي في المشكل (1/ 82/ 85)، والطبراني في الكبير (5/ 247/ 5235)[من طريق عبد الرزاق، وقلبه]، والجوهري في مسند الموطأ (389)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2850/ 6716)، والبيهقي في السنن (2/ 268)، والبغوي في شرح السُّنَّة (2/ 454/ 543)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته"، [وانظر: أحاديث الموطأ (231)].
قال ابن عبد البر في التمهيد (21/ 146): "أبو جهيم هذا هو: أبو جهيم بن الحارث بن الصِّمَّة الأنصاري، وهو: ابن أخت أبي بن كعب، وقد قيل فيه: عبد الله بن جهيم، أبو جهيم،
…
، ولم تختلف الرواة عن مالك في شيء من هذا الحديث".
قلت: زيادة: "من الإثم" لا تثبت في حديث مالك هذا، فلا هي في الموطآت، ولا في رواية أصحاب مالك عنه، ولا هي في الأصول المذكورة في التخريج فيمن روي الحديث من طريق مالك، وأما ما جاء في بعض نسخ البخاري فلا يُعتمد عليه في إثبات هذه الزيادة لعدم ثبوتها في أكثر نسخ البخاري، ولاحتمال وهم من زادها في الصحيح من
الرواة، وعليه: فإن من عزاها إلى الشيخين أو إلى البخاري فقد أخطأ، والله أعلم.
قال ابن رجب في الفتح (2/ 678): "وهي غير محفوظة".
وقال ابن حجر في الفتح (1/ 585): "زاد الكشميهني: "من الإثم"، وليست هذه الزيادة في شيء من الروايات عند غيره، والحديث في الموطأ بدونها، وقال ابن عبد البر: لم يختلف على مالك في شيء منه، وكذا رواه باقي الستة وأصحاب المسانيد والمستخرجات بدونها، ولم أرها في شيء من الروايات مطلقًا، لكن في مصنف ابن أبي شيبة: يعني من الإثم، فيحتمل أن تكون ذكرت في أصل البخاري حاشية، فظنها الكشميهني أصلًا؛ لأنه لم يكن من أهل العلم، ولا من الحفاظ، بل كان راويةً، وقد عزاها المحب الطبري في الأحكام للبخاري وأطلق، فعيب ذلك عليه، وعلى صاحب العمدة في إيهامه أنها في الصحيحين، وأنكر ابن الصلاح في مشكل الوسيط على من أثبتها في الخبر، فقال: لفظ الإثم ليس في الحديث صريحًا، ولما ذكره النووي في شرح المهذب دونها، قال: وفي رواية رويناها في الأربعين لعبد القادر الهروي: ماذا عليه من الإثم".
وانظر: المغني (2/ 41)، المجموع (3/ 220)، الخلاصة (1749 - 1751)، عمدة الأحكام (113)، الإلمام (305)، المحرر (280)، نصب الراية (2/ 79)، بلوغ المرام (180)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 302)، البدر المنير (4/ 204)، التلخيص (1/ 286).
• تابع مالكًا عليه:
سفيان الثوري، فرواه عن سالم أبي النضر، عن بسر بن سعيد، قال: أرسلني زيد بن خالد الجهني إلى أبي جهيم أسأله: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الذي يمر بين يدي المصلي؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لأن يقوم الرجل مقامه خير له من أن يمر بين يدي المصلي". لفظ قبيصة، وبنحوه رواية ابن مهدي.
وفي رواية عن وكيع، قال فيه: عن عبد الله بن جهيم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم أحدكم ما له في الممر بين يدي أخيه وهو يصلي"؛ يعني: من الإثم "لوقف أربعين". هكذا تفرد فيه وكيع بقوله: عن عبد الله بن جهيم، فأخطأ [وانظر: الكنى للدولابي (1/ 195/ 598)، الجرح والتعديل (5/ 21)، الأسامي والكني لأبي أحمد الحاكم (3/ 185/ 1224)، معرفة الصحابة (3/ 1611 / 4056)].
وفي رواية له: أن زيد بن خالد أَرسل إلى أبي جهيم الأنصاري يسأله: ما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يمر بين يدي الرجل وهو يصلي؟ فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لو يعلم أحدكم ما له [في] أن يمر بين يدي أخيه وهو يصلي، كان لأن يقف أربعين" قال: لا أدري أربعين عامًا، أو أربعين شهرًا، أو أربعين يومًا "خير له من ذلك".
أخرجه مسلم (507)، وأبو عوانة (1/ 384/ 1392 و 1393 و 1395)، وابن ماجه (945)، وأحمد (5/ 456 - سقط من الميمنية)(14/ 69/ 17437 - الإتحاف)
(6/ 124/ 7910 - أطراف المسند)، وعبد الرزاق (2/ 19/ 2322)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 253/ 2910)(2/ 537/ 2927 - ط عوامة)(2/ 146/ 2924 - ط الرشد)، وفي المسند (574)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 289/ 1514)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 107/ 2077)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 92/ 2440)، والطحاوي في المشكل (1/ 83/ 86)، والطبراني في الكبير (5/ 247/ 5235)[من طريق عبد الرزاق، وقلبه]، وأبو طاهر المخلص في العاشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (323)(2478 - المخلصيات)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 611/ 4056)، والخليلي في الإرشاد (1/ 376)، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 147).
هكذا رواه عن الثوري جماعة من أثبت أصحابه وغيرهم: عبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، وقبيصة بن عقبة، وعبد الرزاق بن همام، وأبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي.
قال ابن عبد البر في التمهيد (21/ 147) عن رواية وكيع: "هكذا قال: عبد الله بن جهيم،
…
، وهو وهمٌ من وكيع، والصحيح في ذلك: رواية مالك ومن تابعه".
• وخالفهم: أبو قتيبة سلم بن قتيبة [صدوق]: حدثنا سفيان الثوري، عن عبيد الله بن عبد الله بن موهب، قال سمعت عبيد الله بن عتبة، يقول: سمعت أبا هريرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المار بين يدي الرجل وهو يصلي ماذا عليه؛ لكان أن يقوم حولًا خيرًا له من الخطوة التي خطاها".
أخرجه الطبراني في الصغير (1/ 256/ 420)، قال: حدثنا حمزة بن عمارة الأصبهاني [قليل الرواية، ولم يُوثَّق، فهو مجهول الحال. طبقات المحدثين (3/ 360)، تاريخ أصبهان (1/ 352)]: حدثنا عبد الله بن عمر أخو رستة [عبد الله بن عمر بن يزيد بن كثير الزهري الأصبهاني أخو رستة: قال أبو الشيخ: "وقد حدث بغير حديث يتفرد به"، وقال أبو نعيم الأصبهاني: "تفرد بغير حديث"، وقال ابن مردويه: "له أحاديث يتفرد بها"، وقال الذهبي: "له أفراد وغرائب"، الجرح والتعديل (5/ 111)، طبقات المحدثين (2/ 389)، تاريخ أصبهان (2/ 8)، تكملة الإكمال (2/ 697)، تاريخ الإسلام (19/ 183)]: حدثنا أبو قتيبة به.
وعن الطبراني رواه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 352).
قال الطبراني: "لم يروه عن سفيان إلا أبو قتيبة".
وقال أبو نعيم: "تفرد به أبو قتيبة عن سفيان".
قلت: لا يصح إسناده إلى أبي قتيبة سلم بن قتيبة، فقد سلم من عهدته، وإنما الحمل فيه على من دونه، وعلى فرض أنه هو المتفرد به عن الثوري، وقد رواه عنه جماعة، فيكون هذا من أفراد أبي قتيبة وأوهامه على الثوري.
فهذا حديث قُلِب إسنادُه ومتنه، ودخل لراويه حديث في حديث، فليس هذا من حديث الثوري، والمحفوظ عنه ما رواه عنه ثقات أصحابه.
• وأما هذا المتن فيرويه ببعض سنده: وكيع، وأبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري، وعمر بن سعد أبو داود الحفري، وأبو بكر عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفي، وابن أبي فديك، وعلي بن قادم [وهم مشهورون بالصدق والعدالة، وفيهم ثقات أثبات]:
عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب [وقال بعضهم: عبيد الله بن عبد الله بن موهب، والصحيح: الأول]، قال: سمعت عمي عبيد الله بن موهب [وقال أبو أحمد: عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، والصحيح: عبيد الله بن عبد الله بن موهب]؛ أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم أحدكم ما له في أن يمشي بين يدي أخيه معترضًا وهو يناجي ربه، لكان أن يقف في ذلك المقام مئة عام أحبَّ إليه من الخطوة التي خطا".
وفي رواية: "لو يعلم أحدكم ما عليه في أن يمر بين يدي المصلي معترضًا؛ كان أن يقف مائة عام خير له من الخطوة التي خطاها". وقال عمر بن سعد: "أربعين عامًا".
أخرجه ابن ماجه (946)، وابن خزيمة (2/ 14/ 814)، وابن حبان (6/ 129/ 2365)، وأحمد (2/ 371)، وعبد بن حميد (1452)، والطحاوي في المشكل (1/ 84/ 87)، وأبو طاهر المخلص في العاشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (324)(2479 - المخلصيات)، وابن عبد البر في الاستذكار (2/ 278).
قال عبد الحق في الأحكام الكبرى (2/ 166): "عم عبيد الله هو: عبيد الله بن عبد الله بن موهب القرشي المدني، والد يحيي، سمع أبا هريرة، سمع منه ابن أخيه عبيد الله بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن موهب، ذكر ذلك البخاري".
وهذا إسناد ضعيف؛ عبيد الله بن عبد الله بن موهب: مجهول [ضعفاء العقيلي (4/ 415)، الثقات (5/ 72)، مشاهير علماء الأمصار (493)، بيان الوهم (5/ 111 و 145/ 2366 و 2387)، التهذيب (3/ 16)].
والراوي عنه: عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب التيمي المدني: ليس بالقوي [انظر: التهذيب (3/ 18)، إكمال مغلطاي (9/ 43)، الميزان (3/ 12)، التاريخ الأوسط (3/ 284/ 450)، تخريج الذكر والدعاء (142)].
قال الطحاوي: "وحديث أبي هريرة هذا هو عندنا -والله أعلم- متأخِّر عن حديث أبي الجهيم الذي رويناه في صدر هذا الباب؛ لأن في حديث أبي هريرة الزيادة في الوعيد للمارِّ بين يدي المصلي، والذي في حديث أبي الجهيم التخفيف، وأولى الأشياء بنا أن نظنه بالله تعالى: الزيادة في الوعيد للعاصي المارِّ بين يدي المصلي؛ لا التخفيف من ذلك عنه في مروره بين يدي المصلي".
قلت: هذا لو صح الحديث، فإذ لم يصح فلنسترح من هذا العناء.
• تنبيه: قال ابن قدامة في المغني (2/ 41): "ولمسلم: "لأن يقف أحدكم مائة عام خير له من أن يمر بين يدي أخيه وهو يصلي""، وهذا ليس في مسلم أصلًا، ومتنه في التحديد بمائة عام لم أجده إلا في حديث أبي هريرة هذا، فلعله اشتبه عليه، والله أعلم [وانظر: البدر المنير (4/ 205)].
• قال ابن عبد البر في التمهيد (21/ 147): "وروي ابن عيينة هذا الحديث مقلوبًا عن أبي النضر عن بسر بن سعيد، جعل في موضع زيد بن خالد: أبا جهيم، وفي موضع أبي جهيم: زيد بن خالد، والقول عندنا: قول مالك، وقد تابعه الثوري وغيره".
قلت: رواه سفيان بن عيينة، واختلف عليه:
أ- فرواه الحميدي، وأحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وإبراهيم بن بشار الرمادي، ويونس بن عبد الأعلى، وأحمد بن عبدة، ويحيى بن حسان التنيسي، وعبد الله بن محمد الزهري، ومحمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، وهارون بن عبد الله بن مروان البغدادي، والحسن بن الصباح البزار، وهشام بن عمار [وهم ثلاثة عشر رجلًا من ثقات أصحاب ابن عيينة، لا سيما وفيهم: أثبت أصحابه، والمكثرون عنه]:
عن سفيان، قال: ثنا سالم أبو النضر، عن بسر بن سعيد، قال: أرسلني أبو الجهيم [زاد الجماعة إلا ابن عبدة وابن حسان وابن المقرئ: ابن أخت أُبي بن كعب] أسأل زيدَ بن خالد الجهني: ما سمعتَ في الذي يمر بين يدي المصلي؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لأن يمكث [وقال الجماعة: يقوم] أحدكم أربعين خيرٌ له من أن يمر بين يدي المصلي"، لا يدري أربعين سنة، أو أربعين شهرًا، أو أربعين يومًا، أو أربعين ساعة.
وقال هشام بن عمار: عن بسر بن سعيد، قال: أرسلوني إلى زيد بن خالد أسأله عن المرور بين يدي المصلي
…
فذكر الحديث، وفي آخره: فلا أدري أربعين سنةً، أو شهرًا، أو صباحًا، أو ساعةً. هكذا أبهم أبا الجهيم.
وهذا لفظ الحميدي، وبنحوه لفظ الجماعة، وشذَّ أحمدُ بن عبدة بزيادة:"أربعين خريفًا"، ولفظه بتمامه:"لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه؛ كان لأن يقوم أربعين خريفًا خير له من أن يمر بين يديه".
أخرجه ابن ماجه (944)، والدارمي (1/ 386/ 1416)، وأبو عوانة (1/ 384/ 1394)، وأحمد (4/ 116 - 117)، والحميدي (2/ 62 - 63/ 836)، وعبد بن حميد (282)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 289/ 1014)، والبزار (9/ 239/ 3782)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (2/ 229/ 314)، وأبو العباس السراج في مسنده (390)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (376)، والطحاوي في المشكل (1/ 82/ 84)، والطبراني في الكبير (5/ 247/ 5236)، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 148).
وقد سئل يحيى بن معين عن هذا الحديث، فقال: "خطأ؛ إنما هو زيد إلى أبي
جهيم" [تاريخ ابن أبي خيثمة (1/ 289 / 1014)، التمهيد (21/ 148)].
يعني: كما روي مالك والثوري؛ إذ هما أحفظ وأتقن من ابن عيينة، وأكثر منه عددًا، وأكبر منه سنًّا وقدرًا.
وقال الطحاوي في المشكل بعد رواية سفيان الثوري: "فكان في ذلك أن راويه عن النبي عليه السلام هو أبو الجهيم الأنصاري؛ لا زيد بن خالد، فوجب بذلك القضاء فيما اختلف فيه مالك وسفيان بن عيينة لمالك على ابن عيينة؛ لأن مالكًا والثوري لما اجتمعا في ذلك على شيء كانا أولى بحفظه من ابن عيينة فيما خالفهما فيه".
وتقدم نقل كلام ابن عبد البر في أن ابن عيينة قلبه، ثم قال:"والقول عندنا: قول مالك، وقد تابعه الثوري وغيره".
وقال ابن رجب في الفتح (2/ 678): "وهذا كله وهمٌ، وممن نص على أنَّ جعْلَ الحديث من مسند زيد بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم وهمٌ من ابن عيينة وخطأ: ابن معين في رواية ابن أبي خيثمة، وأشار إليه الإمام أحمد في رواية حنبل.
وقد اضطرب ابن عيينة في لفظه وإسناده، ولم يحفظه جيدًا، وقد روي عنه كقول مالك وسفيان على الصواب، خرجه ابن خزيمة عن على بن خشرم عنه.
ومن تكلف الجمع بين القولين من المتأخرين، فقوله ليس بشيء، ولم يأت بأمر يُقبل منه".
وقال المزي في التحفة (3/ 184/ 3749 - ط الغرب): "والمحفوظ: حديث سالم أبي النضر (ع)، عن بسر بن سعيد: أن زيد بن خالد أرسله إلى أبي جهيم يسأله: ماذا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في المارِّ بين يدي المصلي، ومن جعل الحديث من مسند زيد بن خالد فقد وهم، والله أعلم".
وقال في موضع آخر (8/ 398/ 11884): "روي عن بسر بن سعيد (ق)، قال: أرسلوني إلى زيد بن خالد أسأله عن المرور بين يدي المصلي، وهو غلط".
وقال ابن حجر في الفتح (1/ 584): "هكذا روي مالك هذا الحديث في الموطأ، لم يختلف عليه فيه؛ أن المرسِل هو زيد، وأن المرسَل إليه هو أبو جهيم، وتابعه سفيان الثوري عن أبي النضر، عند مسلم وابن ماجه وغيرهما، وخالفهما ابن عيينة عن أبي النضر، فقال: عن بسر بن سعيد قال: أرسلني أبو جهيم إلى زيد بن خالد أسأله، فذكر هذا الحديث"، ثم ذكر كلام ابن معين وابن عبد البر في تخطئة ابن عيينة، ثم ذكر كلام ابن القطان الفاسي فيما خالف فيه جماعة الأئمة الحفاظ بتصحيح القولين، ثم رد عليه قوله.
وقال في الإتحاف (5/ 12/ 4875): "كذا قال، ورواه مالك عن أبي النضر، فجعله من مسند أبي جهيم، وأن زيد بن خالد هو الذي أرسل بسر بن سعيد، وهو المحفوظ".
ب- خالف جماعة الثقات من أصحاب ابن عيينة:
علي بن خشرم: ثنا ابن عيينة، عن سالم بن النضر [كذا في المطبوع، وفي الإتحاف
(14/ 68/ 17437): عن سالم أبي النضر]، عن بسر بن سعيد، قال: أرسلني زيد بن خالد إلى أبي جهيم، أسأله عن المار بين يدي المصلي، ماذا عليه؟ قال:"لو كان أن يقوم أربعين خيرًا له من أن يمر بين يديه".
اْخرجه ابن خزيمة (2/ 813/14).
هكذا موقوفًا، وظاهر سياقه في الإتحاف أنه مرفوع.
قلت: والأقرب عندي أن هذه الرواية وهم، والمحفوظ: رواية الجماعة من أصحاب ابن عيينة، وفيهم الأئمة الحفاظ، مثل: الحميدي راويته، وأحمد بن حنبل، وأبي بكر بن أبي شيبة، وأبي خيثمة زهير بن حرب، وعلي بن خشرم من أصحاب عيسى بن يونس المكثرين عنه، لا من أصحاب ابن عيينة المشهورين المكثرين، وهو يستصغر فيه إذا قورن بهؤلاء الجهابذة من قدامى أصحاب ابن عيينة، فهم أكبر منه سنًّا، وأجل قدرًا، وأقدم صحبة لابن عيينة، ولعل ابن عيينة حدثه به هكذا في آخر عمره، فإنه كان تغير حفظه بأخرة، أو روجع فيه سفيان فرجع، والله أعلم.
وانظر: بيان الوهم (2/ 107/ 76)، بغية النقاد النقلة (1/ 297/ 145)، الدراية (1/ 179)، الفتح لابن حجر (1/ 585).
• ورواه الضحاك بن عثمان، عن أبي النضر، عن بسر بن سعيد، عن زيد بن خالد الجهني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المار بين يدي المصلِّي والمصلَّي ما عليهما؛ لكان يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه"، قال أبو النضر: فلا أدري قال: أربعين يومًا، أو شهرًا، أو سنة.
أخرجه أبو العباس السراج في مسنده (391)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (377).
قال ابن رجب في الفتح (2/ 678): "وهذا يوافق رواية ابن عيينة، وهو أيضًا وهم، وزيادته: "والمصلَّى": غير محفوظة أيضًا".
قلت: الضحاك بن عثمان بن عبد الله الأسدي الحزامي: صدوق، يهم كثيرًا، ليَّنه بعضهم، وقال ابن عبد البر:"كان كثير الخطأ، ليس بحجة"[التهذيب (2/ 223)، الميزان (2/ 324)، إكمال مغلطاي (7/ 20)، علل ابن أبي حاتم (361)]، فلعله اختصر القصة، فوهم حيث جعله من مسند زيد بن خالد، بدل أبي الجهيم، كما أنه زاد في المتن هذه الزيادة التي لم يتابع عليها، ورواية جبلي الحفظ: مالك والثوري هي المحفوظة، والله أعلم.
• وروي أيضًا عن سعيد بن أبي أيوب [ثقة فقيه]، عن أبي النضر سالم، عن بسر بن سعيد، عن أبي جهيم بن الحارث بن الصِّمَّة الأنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لأن يمكث المارُّ بين يدي المصلي أربعين خير له من أن يمر بين يديه".
أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 89/ 265)، قال: حدثنا أحمد بن رشدين، قال: حدثنا روح بن صلاح، قال: حدثنا سعيد به.
قلت: لا يصح إسناده إلى سعيد، ولا يثبت عنه؛ روح بن صلاح ابن سيابة الحارثي المصري: ضعيف؛ ضعفه ابن عدي والدارقطني وابن ماكولا، وقال ابن منده:"صاحب مناكير"، وقال ابن الجوزي:"هو في عداد المجهولين"، وقال الذهبي:"له مناكير"، وذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه الحاكم [اللسان (3/ 480)، الكامل (3/ 146)، فتح الباب (2139)، العلل المتناهية (1/ 270/ 433)، المغني (1/ 233)، تاريخ الإسلام (17/ 160)]، وشيخ الطبراني: أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد: ضعيف، واتهم [انظر: اللسان (1/ 594)].
• ومما روي في الوعيد على المرور بين يدي المصلي:
1 -
عن عبد الله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الذي يمر بين يدي أخيه وهو يصلي متعمدًا، يتمنى يوم القيامة لو أنه شجرة يابسة".
أخرجه ابن عبد الحكم في فتوح مصر (33)، والدولابي في الكنى (1/ 86/ 185)، والطبراني في الأوسط (2/ 262/ 1928)، وفي الكبير (14/ 106/ 14724).
قال ابن رجب في الفتح (2/ 680): "إسناده ليس بقوي".
وقال الهيثمي في المجمع (2/ 61): "رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه من لم أجد من ترجمه".
قلت: هو حديث ضعيف؛ في سنده اختلاف، وبعض رجال إسناده مجاهيل، وفيهم من ضُعِّف.
2 -
روى عبد الحميد بن عبد الرحمن -عامل عمر بن عبد العزيز- أنه مرَّ رجل بين يديه وهو يصلي فجبذه حتى كاد يخرق ثيابه، فلما انصرف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المار بين يدي المصلي لأحب أن ينكسر فخذه، ولا يمر بين يديه".
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 253/ 2911).
وهذا مرسل أو معضل بإسناد ضعيف جدًّا؛ فيه: عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، وقد ضعفوه، وهو: منكر الحديث، وكان أبو أسامة يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم الشامي، ويسميه: ابن جابر، كما وقع هنا عند ابن أبي شيبة [وانظر: تخريج الذكر والدعاء (2/ 733/ 335)، [الحديث المتقدم برقم (561)].
• قال الترمذي: "والعمل عليه عند أهل العلم: كرهوا المرور بين يدي المصلي، ولم يروا أن ذلك يقطع صلاة الرجل".
وقال ابن عبد البر في التمهيد (21/ 148): "لا خلاف بين العلماء في كراهية المرور بين يدي المصلي لكل أحد، ويكرهون للمصلي أيضًا: أن يدع أحدًا يمر بين يديه، وعليه عندهم أن يدفعه جهده؛ ما لم يخرج إلى حدٍ من العمل يُفسِد به على نفسه صلاته،
…
، والإثم على المارِّ بين يدي المصلي فوق الإثم على الذي يدعه يمر بين يديه، وكلاهما عاصٍ؛ إذا كان بالنهي عالمًا، والمارُّ أشد إثمًا إذا تعمد ذلك، وهذا ما لا أعلم فيه خلافًا،
…
".