الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد بن عبد الله بن عبيد الله بن عمير، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره.
أخرجه الدارقطني (1/ 317)، والحاكم (1/ 238)، والبيهقي في القراءة خلف الإمام (171 و 172).
قال الدارقطني: "محمد بن عبد الله بن عبيد الله: ضعيف".
وذهل الحاكم فخالف شيخه الدارقطني حين قال بأن إسناده مستقيم.
وتبع البيهقي فيه الدارقطني، وضعفه.
قلت: هو حديث منكر؛ محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي المكي: متروك، منكر الحديث [اللسان (7/ 227 و 404)]، وقد تلوَّن في إسناده ومتنه [انظر: سنن الدارقطني (1/ 320)، القراءة خلف الإمام للبيهقي (173)، التحقيق لابن الجوزي (484)]، وفيض بن إسحاق الرقي: صاحب حديث، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"كان ممن يخطئ"[طبقات ابن سعد (7/ 486)، التاريخ الكبير (7/ 139)، الجرح والتعديل (7/ 88)، الثقات (9/ 12)، تاريخ الإسلام (15/ 349)].
ورواه أيضًا ابن لهيعة والمثنى بن الصباح [وهما ضعيفان]، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، مرفوعًا بمعناه مطولًا، ولا يصح أيضًا [أخرجه: عبد الرزاق (2/ 133/ 2787)، والبيهقي في القراءة خلف الإمام (168 - 170)].
هذا ما ترجح لي في هذه المسألة، وللفقهاء فيها كلام يطول ذكره، وسوف يعقد له أبو داود أبوابًا بعد باب القراءة في الفجر، وانظر: القراءة خلف الإمام للبخاري. الأوسط لابن المنذر (3/ 118)، القراءة خلف الإمام للبيهقي. التمهيد لابن عبد البر (11/ 38)، الاستذكار (1/ 468)، المغني (1/ 291)، المجموع (3/ 349)، وغيرها.
***
124 - باب ما جاء في من لم ير الجهر بـ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
782 -
. . . هشام، عن قتادة، عن أنس، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ وعمرَ وعثمانَ كانوا يفتتحون القراءةَ بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
• حديث متفق على صحته.
أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (133)، والدارمي (1/ 311/ 1240)، وأحمد (3/ 114 و 183 و 273)، وابن أبي شيبة (1/ 361/ 4145)، وأبو يعلى (5/ 345/ 2983) و (5/ 434/ 3128)، والدولابي في الكنى (2/ 855/ 1501)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2542)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 463
و 464/ 610 و 612)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 203)، وفي الإنصاف (16 و 17 و 20)، والخطيب في تاريخ بغداد (11/ 71).
• ورواه أيضًا عن قتادة غيرُ هشامٍ الدستوائي:
1 -
شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يستفتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
لفظ أبي عمر حفص بن عمر الحوضي [عند البخاري، بدون ذكر عثمان، وقال: يفتتحون]، ويزيد بن هارون، وعمرو بن مرزوق.
وفي رواية عمرو بن مرزوق: قال شعبة: قلتُ: أنتَ سمعتَه؟ قال [يعني: قتادة]: نحن سألناه عنه [الجرح والتعديل (1/ 167)].
وفي رواية غندر محمد بن جعفر، وحجاج بن محمد المصيصي، ومعاذ بن معاذ، وبشر بن عمر الزهراني، ومحمد بن بكر البرساني، وآدم بن أبي إياس، وأبي النضر هاشم بن القاسم، وعلي بن الجعد، وعبد الرحمن بن غزوان، وبدل بن المحبر، وعقبة بن خالد، وعبد الرحمن بن زياد الرصاصي: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ [وقال بعضهم: يجهر بـ]: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وهو لفظه عند مسلم من رواية غندر.
وفي رواية لغندر: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكر، وخلف عمر
وعثمان، لم يكونوا يستفتحون القراءة بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
قال شعبة: فقلت لقتادة: أسمعته من أنس؟ قال: نعم، ونحن سألناه عنه [عند أبي يعلى (3005)]، ومثلها رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة [عند عبد الله بن أحمد في زيادات المسند. وأبي يعلى (3245)، والسراج (195 و 2540)، والرامهرمزي].
وقال حجاج: حدثنا شعبة: قال قتادة: سألت أنس بن مالك: بأي شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح القراءة؟ فقال: إنك لتسألني عن شيء ما سألني عنه أحد [عند أحمد (3/ 176 و 273)].
وفي رواية وكيع وشاذان: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم يجهروا [وفي رواية لوكيع: فكانوا لا يجهرون [بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
وفي رواية لعلي بن الجعد (923): أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا لا يجهرون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
وفي رواية عبيد الله بن موسى، وزيد بن الحباب: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلم أسمعهم يجهرون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، قال شعبة: قلت لقتادة: أنت سمعته؟ قال: نعم.
ووقع في روايةٍ لابن المنذر من طريق أبي جابر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، قال: سألت أنسًا: أيقرأ الرجل في الصلاة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ؟ فقال: صليت وراء
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
وأبو جابر محمد بن عبد الملك الأزدي البصري، نزيل مكة، قال أبو حاتم:"أدركته، وليس بقوي"، وذكره ابن حبان في الثقات، وله عن شعبة ما لا يتابع عليه [التهذيب (3/ 635)، اللسان (7/ 316)]، لكن روايته هنا ليس فيها نكارة في تعيين ما سأل قتادةُ أنسًا عنه، بل هي معنى ما روى غندر والطيالسي وحجاج [وهم من ثقات أصحاب شعبة] في أن قتادة سأل أنسًا عن الاستفتاح بالبسملة.
أخرجه البخاري في الصحيح (743)، وفي القراءة خلف الإمام (124 و 125)، ومسلم (399)، وأبو عوانة (1/ 448/ 1656)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 22/ 885)، والنسائي في المجتبى (2/ 135/ 907)، وفي الكبرى (1/ 470/ 981)، وابن خزيمة (492 و 494 و 495)، وابن حبان (5/ 103/ 1799)، وابن الجارود (183)، وأحمد (3/ 176 و 179 و 273 و 275)، وابنه عبد اللَّه في زيادات المسند (3/ 278)، والطيالسي (3/ 477/ 2087)، وابن أبي شيبة (1/ 361/ 4144)، والبزار (13/ 417/ 7144)، وأبو يعلى (5/ 360/ 3005) و (18/ 6/ 3245)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (195 و 2540)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (922 و 923 و 1986)، وفي جزء فيه (33) حديثًا من حديثه (6 و 11)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 119 و 120/ 1342 و 1346 و 1347)، والطحاوي (1/ 202)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/ 167)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (605)، وابن عدي في الكامل (1/ 105)، وأبو الشيخ في الفوائد (8)، والدارقطني (1/ 315 و 316)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (141)، وأبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (107)(1126 - المخلصيات)، وفي التاسع (21)(1908 - المخلصيات)، وفي المنتقى من سبعة أجزاء من حديث المخلص (11)(3050 - المخلصيات)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (616 و 617)، والبيهقي في السنن (2/ 51)، وفي المعرفة (1/ 524/ 725)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 209)، وفي الإنصاف (18 و 22 - 25)، والخطيب في التاريخ (2/ 335)، وفي الجهر بالبسملة (32 - مختصره للذهبي)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (343/ 13) و (47/ 335)، وابن الجوزي في التحقيق (456).
• هكذا روى هذا الحديث عن شعبة ثقات أصحابه: حفص بن عمر الحوضي، وغندر محمد بن جعفر، ويحيى بن سعيد القطان، وأبو داود الطيالسي، وعلي بن الجعد، وعقبة بن خالد، وحجاج بن محمد، ومعاذ بن معاذ، ووكيع بن الجراح، وآدم بن أبي إياس، وأبو النضر هاشم بن القاسم، ويزيد بن هارون، وعمرو بن مرزوق، وعبيد الله بن موسى، وشاذان أسود بن عامر، ومحمد بن بكر البرساني، وبشر بن عمر الزهراني، وقراد أبو نوح عبد الرحمن بن غزوان، والحسن بن موسى الأشيب، وزيد بن الحباب، وخالد بن أبي يزيد المزرفي، وعبد الرحمن بن زياد الرصاصي [صدوق، قال أحمد: "وكان قد سمع
من شعبة حديثًا كثيرًا"، العلل ومعرفة الرجال (2/ 313/ 2387)، التاريخ الكبير (5/ 283)، الجرح والتعديل (5/ 235)، الثقات (8/ 374)، المتفق والمفترق (3/ 1492)، مغاني الأخيار (2/ 598)، اللسان (5/ 102)]، وغيرهم.
• وخالفهم في إسناده: أبو الجواب الأحوص بن جواب، عن عمار بن رزيق [لا بأس به]، عن الأعمش، عن شعبة، عن ثابت، عن أنس، قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فكانوا يفتتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
وفي رواية: فلم يجهروا بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 58)، والترمذي في العلل (97)، وابن خزيمة (497)، وأحمد (3/ 264)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (3/ 267)، والبزار (13/ 284/ 6854)، وبحشل في تاريخ واسط (250)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2548)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1373)، وابن المنذر (3/ 120/ 1348)، والطحاوي (1/ 203)، وابن الأعرابي في المعجم (787)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (4/ 164)، وفي ذكر الأقران (27)، وابن المقرئ في المعجم (525)، وتمام في الفوائد (866)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 466/ 622 - 624)، وأبو عمرو الداني في البيان في عدِّ آي القرآن (55)، والخليلي في الإرشاد (2/ 492)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 209)، والخطيب في تاريخ بغداد (7/ 334 و 335) و (8/ 19 و 163) و (10/ 128)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 52/ 582).
قال البخاري: "وحدثنا أصحاب شعبة، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس".
وقال الترمذي: "هذا وهمٌ، والأصح: شعبة عن قتادة عن أنس".
وقال أبو حاتم: "هذا خطأ؛ أخطأ فيه الأعمش، إنما هو: شعبة عن قتادة عن أنس"[العلل لابن أبي حاتم (1/ 86/ 229)].
وقال ابن خزيمة: "خبر غريب"[الإتحاف (1/ 537/ 669)].
وقال البزار: "ولا نعلم روى الأعمش عن شعبة غير هذا الحديث، ولا نعلم حدث به عن الأعمش إلا عمار بن زريق".
وقال جعفر المستغفري: "هذا حديث حسن غريب من حديث الأعمش عن شعبة، يدخل في رواية الكبار عن الصغار، تفرد به أبو الجواب عن عمار بن رزيق".
وقال ابن عبد البر في الإنصاف (29): "ولا يصح لشعبة عن ثابت؛ لأنه لم يروه إلا الأحوص بن جواب، عن عمار بن رزيق، عن الأعمش، عن شعبة، عن ثابت، عن أنس، ولم يروه أصحاب شعبة الذين هم فيه حجة، ولا يعرف للأعمش عن شعبة رواية محفوظة، والحديث لشعبة صحيح عن قتادة، لا عن ثابت".
قلت: هو حديث منكر بهذا الإسناد؛ تفرد به الأحوص بن جواب الضبي، والحديث لا يُعرف إلا به، فالحمل فيه عليه -والله أعلم- فإنه: صدوق، وله أوهام، وهذه منها
[وانظر ترجمته وحديثًا وهِم فيه: تحت الحديث رقم (266)، في المبحث التي يسبق الحديث رقم (267)].
• فإن قيل: لم ينفرد به الأحوص، فقد توبع عليه:
رواه سليمان بن الربيع: ثنا كادح بن رحمة، ومحمد بن عبد الأعلى، قالا: ثنا عمار بن رزيق، عن الأعمش، عن شعبة، عن ثابت، عن أنس، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أى بكر وعمر، فلم يجهروا بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 83).
قال ابن عدي: "وهذا يُعرف بأبي الجواب الأحوص بن جواب، عن عمار بن رزيق، وقد رواه كادح ومحمد بن عبد الأعلى أيضًا معه".
ثم قال في آخر ترجمة كادح بن رحمة: "ولكادح غير ما أمليت أحاديث، وأحاديثه عامة ما يرويه غير محفوظة، ولا يتابع عليه في أسانيده ولا في متونه، ويشبه حديثه حديث الصالحين، فإن أحاديثهم يقع فيها ما لا يتابعهم عليه أحد"، قلت: وقد كذبه غير واحد، وقال فيه ابن حبان:"كان ممن يروي عن الثقات الأشياء المقلوبات، حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها، أو غفل عن الإتقان حتى غلب عليه الأوهام الكثيرة، فكثر المناكير في روايته، فاستحق بها الترك"، وقال أبو نعيم:"روى عن الثوري ومسعر أحاديث موضوعة"، وقال الدارقطني:"يقال: كادح بن رحمة له اسم كان يعرف به، فغيره سليمان بن الربيع فسماه كادحًا، ذهب إلى قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ} [الانشقاق: 6] "[المجروحين (2/ 229)، الضعفاء لأبي نعيم (200)، تاريخ بغداد (9/ 54)، اللسان (6/ 407)]، والراوي عنه: سليمان بن الربيع النهدي الكوفي: متروك، غيَّر أسماء مشايخ، وروى عنهم مناكير [تاريخ بغداد (9/ 54)، اللسان (6/ 408) و (4/ 152) و (8/ 343)]، ومحمد بن عبد الأعلى إن كان هو الصنعاني؛ فهو باطل من حديثه، وإلا فلا أدري من هو؛ وعليه: فهي متابعة ساقطة، وإسناد تالف، والحديث إنما يُعرف بالأحوص بن جواب، وهو المتفرد به، والله أعلم.
وانظر في الغرائب والمناكير عن شعبة: علل ابن أبي حاتم (1/ 86/ 229)، الكامل لابن عدي (2/ 344)، ذكر الأقران لأبي الشيخ (28)، غرائب حديث شعبة لابن المظفر (139)، فوائد ابن مخلد (25)، تاريخ أصبهان (1/ 267).
2 -
سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتتحون القراءة [في صلاتهم] بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
وفي رواية: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم يجهروا بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
وفي أخرى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان.
أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (129)، وأبو عوانة (1/ 449/ 1659)، والنسائي في المجتبى (2/ 135/ 907)، وفي الكبرى (1/ 470/ 981)، وابن خزيمة (496)، وابن حبان (5/ 101 و 106/ 1798 و 1803)، وابن الجارود (181)، وأحمد في المسند (3/ 101 و 205 و 255)، وفي العلل ومعرفة الرجال (3/ 395/ 5740)، وابن أبي شيبة (1/ 360/ 4130)، والبزار (13/ 363/ 7011)، وأبو يعلى (5/ 344 و 345/ 2980 - 2982 و 2984) و (5/ 435/ 3131)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (2/ 87/ 228)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (191 - 194 و 2534 - 2537)، والطحاوي (1/ 202)، وابن المقرئ في المعجم (861)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 464/ 615)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 203 و 209)، وفي الإنصاف (19 و 20 و 25)، ومسعود بن الحسن الثقفي في عروس الأجزاء (18)، وابن الجوزي في التحقيق (446).
رواه عن ابن أبي عروبة: يزيد بن زريع، وإسماعيل ابن علية، ومعاذ بن معاذ، وسفيان الثوري، ومحمد بن بشر، وعبد الله بن إدريس، وعقبة بن خالد، وابن أبي عدي، وأسباط بن محمد، وغندر محمد بن جعفر، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، وسعيد بن عامر، وابن المبارك [وفيهم جماعة ممن روى عن ابن أبي عروبة قبل الاختلاط].
وانظر فيمن وهم فيه على ابن علية، أو على ابن أبي عروبة: العلل ومعرفة الرجال (3/ 395/ 5740)، الكشف والبيان (1/ 107)، تاريخ بغداد (13/ 80).
3 -
همام بن يحيى: حدثنا قتادة: حدثنا أنس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يستفتحون القراءة بعد التكبير بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، في الصلاة.
أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (131)، وأحمد (3/ 289)، وأبو يعلى (5/ 261/ 2881)، وأبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات"(412)، والدارقطني (1/ 316)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 464/ 613).
هكذا رواه عن همام: حجاج بن منهال، وعفان بن مسلم، وبهز بن أسد، وهدبة بن خالد، وعبيد الله بن موسى [مقرونًا بشعبة، وبلفظه][وهم ثقات].
4 -
أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يفتتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (135)، والنسائي في المجتبى (2/ 133/ 903)، وفي الكبرى (1/ 468/ 978)، وابن ماجه (813)، وابن الجارود (182)، وأحمد (3/ 111)، والحميدي (1199)، والشافعي في الأم (2/ 244/ 208)، وفي السنن (41)، وفي المسند (36)، وابن وهب في الجامع (355)، والبزار (13/ 363/ 7010)، وأبو
العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2541)، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 618/ 1223)، وأبو الشيخ في ذكر الأقران (114)، والبيهقي في السنن (2/ 51)، وفي المعرفة (1/ 523/ 724)، وابن عبد البر في الإنصاف (15).
من طرقٍ عن سفيان بن عيينة، عن أيوب به.
وانظر فيمن وهم فيه على ابن عيينة، أو على أيوب: أطراف الغرائب والأفراد (1/ 158/ 654)، الحلية (7/ 316) و (10/ 320)، البيان في عد آي القرآن (55).
قال البزار: "ولا نعلم أسند أيوب عن قتادة عن أنس غير هذا الحديث".
• واختلف فيه على أيوب:
أ- فراوه ابن عيينة، عن أيوب، عن قتادة، عن أنس.
ب- ورواه جرير بن حازم، عن أيوب، عن أنس بن مالك، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يفتتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ويسلموا تسليمة.
أخرجه البزار (13/ 141/ 6536)، وأبو العباس الأصم في جزء من حديثه (63 - رواية أبي الحسن الطرازي)[(471) مجموع مصنفات الأصم].
من طريق يونس بن محمد المؤدب [ثقة ثبت]، عن جرير به.
قال البزار: "لا نعلم رواه عن أيوب إلا جرير".
وكلام الدارقطني في العلل (12/ 162/ 2573) يشير إلى إعلاله، حيث قال بعد أورده في ذكر الخلاف فيه على أيوب:"وزاد فيه [يعني: جريرًا] زيادة لم يأت بها غيره عن أيوب، وهي قوله: وكانوا يسلمون تسليمة واحدة".
قلت: رواية جرير بن حازم هذه رواية منكرة، فإن جريرًا وإن كان ثقةً؛ إلا أن في حديثه عن قتادة ضعفًا، وله أوهام إذا حدَّث من حفظه، وقال الأثرم، عن أحمد:"جرير بن حازم يروي عن أيوب عجائب"[التهذيب (1/ 294)، شرح علل الترمذي (2/ 702 و 786)]، وقد وهم في إسناده: بإسقاط قتادة منه، وفي متنه بزيادة: ويسلموا تسليمة، والله أعلم.
قال ابن رجب في الفتح (5/ 210) بعد ذكر رواية جرير هذه: "وأيوب رأى أنسًا، ولم يسمع منه، قاله أبو حاتم [المراسيل (39)]، وقال الأثرم: هذا حديث مرسل، وهو منكر، وسمعت أبا عبد الله يقول: جرير بن حازم يروي عن أيوب عجائب".
وانظر: علل الدارقطني (12/ 162/ 2573).
5 -
الأوزاعي، قال: كتب إليَّ قتادة، قال: حدثني أنس بن مالك؛ أنه صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون [القراءة] بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، لا يذكرون:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول القراءة، ولا في آخرها.
أخرجه مسلم (399/ 52)، والبخاري في القراءة خلف الإمام (126 و 127)، وأبو عوانة (1/ 448/ 1657)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 23/ 886)، وأحمد (3/ 223)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2543)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (442)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 51)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 465/ 618)، والبيهقي (2/ 50)، وابن عبد البر في الإنصاف (26 و 27).
• وقد اختلف فيه على الأوزاعي:
أ- فرواه الوليد بن مسلم، والوليد بن مزيد، وأبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج، ومحمد بن يوسف الفريابي، وبشر بن بكر التنيسي، والهقل بن زياد، وإبراهيم بن أدهم، والمفضل بن يونس الجعفي، ومحمد بن شعيب بن شابور [وهم تسعة من ثقات أصحاب الأوزاعي، وفيهم جماعة من أثبت أصحابه]، ويحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي [ضعيف]، ومحمد بن كثير بن أبي عطاء الثقفي مولاهم، أبو يوسف الصنعاني، نزيل المصيصة [صاحب الأوزاعي؛ إلا أنه لم يكن يفهم الحديث، وهو صدوق كثير الغلط، وهو ضعيف الحديث في معمر خاصة. تقدمت ترجمته تحت الحديث رقم (236)، وفي الحديث (386)]:
كلهم عن الأوزاعي به، واللفظ لبشر وأبي المغيرة، وبنحوه لفظ الوليد، وزاد في أوله عند مسلم، قال: حدثنا الأوزاعي، عن عبدة؛ أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات، يقول: سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك، تبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك، وعن قتادة؛ أنه كتب إليه يخبره عن أنس. . . الحديث.
وعبدة هذا هو: ابن أبي لبابة، وروايته عن عمر مرسلة [المراسيل (241)، العلل لابن أبي حاتم (1845)، تاريخ دمشق (37/ 381)، تحفة التحصيل (215)]، قال رشيد الدين العطار في غرر الفوائد (69):"وفي رواية عبدة عن عمر رضي الله عنه نظر، والصحيح أنه مرسل، وإنما احتج مسلم بحديث قتادة عن أنس، والله أعلم"، وإنما فعل مسلم ذلك لأنه سمعه هكذا فأداه كما سمعه، ومقصوده الثاني المتصل؛ دون الأول المرسل، قاله النووي [شرح مسلم (4/ 112)].
ووقع في رواية الهقل بن زياد عن الأوزاعي، قال: كتبت إلى قتادة أسأله عن الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فكتب إليَّ يذكر قال: حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكانوا يستفتحون بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، لا يذكرون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، في أول القراءة، ولا في آخرها [ذكره ابن حجر في النكت (2/ 754)].
ورواية هقل هذه تفسر بقية الروايات، حيث إن سؤال الأوزاعي لقتادة إنما وقع تنصيصًا عن الجهر بالبسملة، لذا أتى جواب قتادة جامعًا بين الأمرين معًا، بين الاستفتاح بهذه الآية من سورة الفاتحة دون ما عداها:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وبين
عدم قراءة البسملة في أول السورة، ولا شك أن هذا لا ينفي فراءتها سرًّا، وإنما غايته أن أنسًا لم يسمع قراءة البسملة جهرًا، والله أعلم.
وهقل بن زياد: ثقة حافظ، من أثبت أصحاب الأوزاعي، وجعله بعضُ الأئمة أثبتَ أصحاب الأوزاعي وأعلمَهم بحديثه بإطلاق [التهذيب (4/ 283)].
ب- ورواه أيضًا: الوليد بن مسلم، ومحمد بن كثير:
عن الأوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم يفتتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، لا يقرؤون:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول السورة، ولا في آخرها.
أكثر الرواة لم يذكروا: لا يقرؤون:. . . إلخ، وهي زيادة ثابتة من حديث الوليد بن مسلم، رواها عنه: صفوان بن صالح الدمشقي، وهو: ثقة، من أصحاب الوليد، والأقرب عندي: أن رواية محمد بن مهران مثل رواية صفوان، فإنه وإن لم يسق متن حديث إسحاق، إلا أنه أحال على حديث قتادة، وهو بهذه الزيادة.
أخرجه مسلم (399/ 52)[وأحال لفظه على لفظ قتادة]، والبخاري في القراءة خلف الإمام (128)، وأبو عوانة (1/ 448/ 1658)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 23/ 887)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2543 - 2545)، والطحاوي (1/ 203)، والدارقطني (1/ 316)، وأبو طاهر المخلص في التاسع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (257)(2144 - المخلصيات)[واللفظ له بإسناد صحيح إلى الوليد بن مسلم]، وابن عبد البر في الإنصاف (28 و 29)، وابن الجوزي في التحقيق (445).
وكذا في رواية الثقات من أصحاب الوليد بن مسلم [محمد بن مهران الجمال، وصفوان بن صالح، ودحيم عبد الرحمن بن إبراهيم، ومحمد بن الصباح الجرجرائي، وأبو همام الوليد بن شجاع السكوني]، قالوا: يفتتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
وخالفهم: هشام بن عمار، فرواه عن الوليد بلفظ: كنا نصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بأم القرآن، فيما يُجهر فيه. وهو شاذ بهذا اللفظ [هذه الرواية عند الدارقطني وابن الجوزي][وقرن أبو نعيم في المستخرج بين هشام ودحيم على هذا اللفظ، لكن لا يستبعد حمل لفظ دحيم على لفظ هشام، والله أعلم][وصرح ابن حجر في النكت (2/ 764) بأنها رواية بالمعنى، فلا تنتهض الحجة بذلك].
بل لقد صح عن هشام بن عمار، أنه قال: ثنا الوليد بن مسلم، وعبد الحميد بن أبي العشرين، قالا: ثنا الأوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا لا يجهرون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
أخرجه الخطيب في الجهر بالبسملة (36 - مختصره للذهبي).
بإسناد صحيح إلى أحمد بن المعلي بن يزيد الدمشقي [وهو: لا بأس به]، عن هشام به هكذا، وهذه الرواية أولى من الرواية الأولى، والتي رواها عن هشام بن عمار: عبيد بن عبد الواحد بن شريك، وهو: بغدادي صدوق، حدث عن جماعة من أهل مصر، وله أوهام [الثقات (8/ 434)، سؤالات الحاكم (154)، تاريخ بغداد (11/ 99)، تاريخ دمشق (38/ 208)، سير أعلام النبلاء (13/ 385)، اللسان (5/ 355)]؛ فإن رواية أهل بلد الرجل أولى من رواية الغرباء، ولعل عبيد بن عبد الواحد رواه عن هشام بعدما تغير وصار يتلقن، فإن هشامًا ربما لُقِّن أحاديث فتلقنها، والله أعلم.
قال ابن رجب في الفتح (4/ 351) عن رواية الأوزاعي بزيادة عدم ذكر البسملة: "فهذه الرواية صحيحة، متصلة الإسناد بالسماع المتصل عن قتادة وإسحاق عن أنس".
وأما دعوى من ردَّ هذا الحديث لكونه مكاتبةً جُهلت فيها الواسطة، فهي دعوى مردودة؛ فقد جرى عمل المحدثين على قبول الرواية بالمكاتبة، وعدُّوها من المتصل، وعليه عمل البخاري ومسلم في صحيحيهما، وقد وقع في صحيح مسلم أحاديث رُويت بالمكاتبة فوق العشرة، واختلف العلماء في اتصال ذلك، قال القاضي عياض:"والجمهور على العمل بذلك، وعدُّوه متصلًا، وذلك بعد ثبوت صحتها عند المكتوب إليه خط الكاتب كاتبها"، وقد شرح رشيد الدين العطار كلام القاضي بحكايته، فقال:"وذكر القاضي عياض أن الذي عليه الجمهور من أرباب النقل وغيرهم: جواز الرواية لأحاديث المكاتبة، ووجوب العمل بها، وأنها داخلة في المسند، وذلك بعد ثبوت صحتها عند المكتوب إليه بها، ووثوقه بأنها عن كاتبها"، والأوزاعي إمام فقيه، عالم بما يروي، وقد قبل هذه المكاتبة من قتادة، لوثوقه بها، وعدم قدحه في ناقلها إليه، أو فيمن كتبها لقتادة، فقد كان الأوزاعي يأخذ بهذا الحديث، ويحتج به، ولا يرى قراءة البسملة قبل الفاتحة سرًّا ولا جهرًا، كقول مالك [قال بعضه ابن رجب]، فيا عجبًا ممن ردَّ هذه الرواية التي احتج بها الأوزاعي نفسه، واحتج بها مسلم في صحيحه، بدعوى باردة، وشبهة ساقطة! لكي يصحح بذلك مذهبه! [الإلماع للقاضي عياض (86)، غرر الفوائد لرشيد الدين العطار (515)، النكت على مقدمة ابن الصلاح لبدر الدين الزركشي (3/ 546)، البحر المحيط له (3/ 447)، الفتح لابن رجب (4/ 357)، إرشاد الفحول (117)][وانظر: معرفة علوم الحديث (312)، الكفاية (336)، تذكرة المحتاج (45)، التقييد والإيضاح (121)، النكت لابن حجر (2/ 755)].
6 -
أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر وعثمان يفتتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (132)، والترمذي (246)، والنسائي في المجتبى (2/ 133/ 902)، وفي الكبرى (1/ 468/ 977)، وابن ماجه (813)، وابن خزيمة (491)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2539)، وجعفر المستغفري في
فضائل القرآن (1/ 464/ 614)، وابن عبد البر في الإنصاف (21)، والخطيب في تاريخ بغداد (5/ 233).
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
7 -
شيبان بن عبد الرحمن النحوي، عن قتادة، قال: سمعت أنس بن مالك؛ قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم، فلم أسمع أحدًا [منهم] يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
أخرجه أبو القاسم البغوي في مسند علي بن الجعد (922 و 1986)، وفي جزء فيه (33) حديثًا من حديثه (6 و 11)، وابن حبان (5/ 103/ 1799)، والطحاوي (1/ 202)، والدارقطني (1/ 315)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (141)، وأبو طاهر المخلص في السادس من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (107)(1126 - المخلصيات)، وفي التاسع (21)(1908 - المخلصيات)، وفي المنتقى من سبعة أجزاء من حديث المخلص (11)(3050 - المخلصيات)، والخطيب في التاريخ (2/ 335)، وفي الجهر بالبسملة (32 - مختصره للذهبي)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (13/ 343) و (47/ 335).
من طريق علي بن الجعد، قال: أخبرنا شعبة وشيبان به.
8 -
الحجاج بن الحجاج الباهلي البصري الأحول، عن قتادة، عن أنس بن مالك؛ أنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
أخرجه جعفر المستغفري في فضائل القرآن (619 و 620) بإسناد حسن إلى حجاج، وبه تُروى نسخةٌ عن الحجاج الباهلي، من حديث إبراهيم بن طهمان عنه.
9 -
حماد بن سلمة، عن قتادة وثابت وحميد، عن أنس بن مالك؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر وعمر [وعثمان] كانوا يستفتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
وفي رواية عفان بن مسلم عن حماد: إلا أن حميدًا لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (130 و 131)، وابن حبان (5/ 104/ 1800)، وأحمد (3/ 168 و 203 و 286)، وأبو يعلى (5/ 412/ 3093) و (6/ 232/ 3522) و (6/ 467/ 3874)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (351)[ولفظ روايته شاذ من حديث حماد]، وابن المنذر في الأوسط (3/ 119/ 1343)، وأبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات"(411)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (345)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 52/ 581).
10 -
هشام بن حسان، عن قتادة، عن أنس، قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يفتتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
أخرجه أبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (3211)، وأبو بكر الإسماعيلي في معجم شيوخه (2/ 663)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 203).
11 -
معمر بن راشد، عن قتادة وحميد وأبان، عن أنس؛ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان يقرؤون [وفي رواية: يفتتحون القراءة بـ]: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
أخرجه عبد الرزاق (2/ 88/ 2598)، ومن طريقه: أبو يعلى (5/ 375/ 3031).
كذا رواه عبد الرزاق عن معمر، ورواه ابن المبارك، عن معمر وابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس نحوه.
أخرجه أبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (191 و 2534)، ومن طريقه: مسعود بن الحسن الثقفي في عروس الأجزاء (18).
وأبان بن أبي عياش: متروك.
ورواية سر عن قتادة محفوظة، وأما روايته عن حمبد الطويل فهي شاذة، كما سيأتي بيانه؛ فإن المحفوظ عن حميد في هذا الحديث موقوف، بدون ذكر النبي صلى الله عليه وسلم.
12 -
محمد بن أبي عدي: نا حميد وسعيد -يعني: ابن أبي عروبة-، عن قتادة، عن أنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر وعمر [وعثمان] يفتتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
أخرجه ابن حبان (5/ 101/ 1798)، والبزار (13/ 363/ 7011)، وأبو يعلى (5/ 345/ 2981)[ولم يقرن فيه حميدًا إلى ابن أبي عروبة]، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2538)[ولم يقرن فيه ابن أبي عروبة إلى حميد]، وابن الأعرابي في المعجم (797)[ولم يقرن فيه ابن أبي عروبة إلى حميد]، والدارقطني في الأفراد (1/ 206/ 978 - أطرافه)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 462/ 607)[ولم يقرن فيه ابن أبي عروبة إلى حميد]، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 202)[ولم يقرن فيه ابن أبي عروبة إلى حميد].
قال البزار: ". . .، ولا أسند حميد عن قتادة عن أنس إلا حديثين، هذا أحدهما".
وقال ابن الأعرابي: "قال الصاغاني [هو: محمد بن إسحاق بن جعفر أبو بكر الصاغاني: ثقة ثبت]: سمعت يحيى بن معين، قال: كان حميد إذا قال: عن قتادة عن أنس، رفعه، وإذا قال: عن أنس، لم يرفعه".
وقال الدارقطني: "تفرد به ابن أبي عدي عن حميد عنه، ورواه يحيى بن معين وعمرو بن علي عن ابن أبي عدي، وقال يحيى: كان حميد إذا حدَّث به عن قتادة رفعه، وإذا حدَّث به عن أنس لم يرفعه، وكذلك قال العباس بن يزيد في حديثه".
وقال ابن عبد البر في الإنصاف (14): "ولست أعلم أحدًا ذكره عن حميد عن قتادة عن أنس؛ إلا ابن أبي عدي، فيما علمت".
قلت: هو غريب من حديث حميد عن قتادة عن أنس، تفرد به محمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وهو: ثقة، والمشهور: عن حميد عن أنس، ولم يرفعه، كما سيأتي.
13 -
يحيى بن السكن: ثنا حماد بن سلمة وشعبة وعمران القطان، عن قتادة، عن أنس، قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فكانوا يستفتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
أخرجه الدارقطني (1/ 316)(2/ 94/ 1206 - ط الرسالة)، بإسناد صحيح إلى ابن السكن.
ويحيى بن السكن: ضعيف، يتفرد عن أبي العوام وشعبة بما لا يتابع عليه، قال أبو حاتم:"ليس بالقوي"، وقال في العلل:"ضعيف الحديث"، وضعفه صالح جزرة، قال:"بصري، كان يكون بالرقة، وكان أبو الوليد يقول: هو يكذب، وهو شيخ مقارب"، وقال مرة:"لا يسوي فلسًا"، وله أوهام يخالف فيها الثقات، فالعجب بعد ذلك من ذكر ابن حبان له في الثقات [الجرح والتعديل (9/ 155)، العلل (2/ 57/ 1657)، الثقات (9/ 253)، علل الدارقطني (5/ 298/ 897) و (10/ 89/ 1884)، أطراف الغرائب والأفراد (3/ 346/ 2858) و (5/ 106/ 4828)، تاريخ بغداد (14/ 146)، اللسان (1/ 233) و (8/ 447)]، لكنه هنا وافق الثقات في روايته عن شعبة وحماد بن سلمة.
• وانظر فيمن رواه عن قتادة من الضعفاء أو المجاهيل:
وقد زاد بعضهم فيه علي بن أبي طالب، وهي زيادة منكرة، تفرد بها عن قتادة أحد الضعفاء [معجم ابن الأعرابي (401)] [وفي إسناده: طلحة بن عبد الرحمن أبو سليمان المعلم، وله مناكير، وقد روى عن قتادة ما لا يُتابع عليه. الكامل (4/ 113)، اللسان (4/ 356)].
[مسند عبد بن حميد (1191)، حديث خيثمة الأطرابلسي (72)][وفي إسناده محمد بن عبيد الله العرزمي، وهو: متروك].
[المعجم الأوسط للطبراني (2/ 16/ 1080)][وفي إسناده خليد بن دعلج: ضعيف، روى عن قتادة أحاديث منكرة. التهذيب (1/ 550)].
[المعجم الأوسط للطبراني (5/ 331/ 5462)][وفي إسناده حجاج بن أرطأة: ليس بالقوي، يدلس عن الضعفاء والمتروكين. التهذيب (1/ 356)].
[المعجم الأوسط للطبراني (8/ 18/ 7824)][وفي إسناده أبان بن بشير المعلم، قال ابن أبي حاتم: "مجهول"، وذكره ابن حبان في الثقات. اللسان (1/ 220)].
[أطراف الغرائب والأفراد (1/ 178/ 781)][زيد في إسناده الحسن بين قتادة وأنس، وهي زيادة باطلة، تفرد به عن قتادة: سعيد بن بشير، وهو: ضعيف، وتفرد به عن سعيد: عمار بن مطر الرُّهاوي: أحاديثه بواطيل، وكان يكذب. اللسان (6/ 52)].
[الكشف والبيان (1/ 107)][وفي إسناده: سعيد بن بشير، وهو: ضعيف، يروي عن قتادة المنكرات، وقد زاد فيه لفظةً، فقال: كانوا لا يجهرون ويخفون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}].
• وقلب بعضهم متنه:
فقد رواه زيد بن الحسين بن عيسى بن زيد [لم أجد له ترجمة، ولا رواية]: حدثني عمر بن محمد بن عمر بن علي بن الحسين [له رواية، ولم أجد من تكلم فيه بجرح أو تعديل]، عن حاتم بن إسماعيل، عن شريك بن عبد الله، عن إسماعيل المكي، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
أخرجه الدارقطني (1/ 308).
قال الدارقطني في العلل (12/ 205/ 2623): "وهذا خلاف ما روى أصحاب قتادة".
قلت: هو حديث منكر؛ إسماعيل بن مسلم المكي: ضعيف، عنده عجائب، ويروي عن الثقات المناكير [العلل ومعرفة الرجال (2/ 352/ 2556)، ضعفاء العقيلي (1/ 92)، الكامل (1/ 283)، التهذيب (1/ 167)]، والإسناد إليه لا يصح.
• وله طرق أخرى عن أنس، يرومها:
1 -
الأوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم يفتتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، لا يقرؤون:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول السورة، ولا في آخرها.
أخرجه مسلم (399/ 52)، ولم يسق لفظه، وتقدم تحت طرق حديث قتادة برقم (5).
2 -
حماد بن سلمة، عن قتادة وثابت وحميد، عن أنس بن مالك؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يستفتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
وفي رواية عفان بن مسلم عن حماد: إلا أن حميدًا لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم.
تقدم ذكره في طرق حديث قتادة عن أنس، برقم (9)، وهو صحيح.
3 -
معمر، عن قتادة وحميد وأبان، عن أنس؛ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان يقرؤون:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
تقدم ذكره في طرق حديث قتادة عن أنس، برقم (11)، ويأتي الكلام عليه ضمن حديث حميد؛ إذ المحفوظ عنه الوقف.
4 -
سفيان بن عيينة [في رواية ابن المديني، وابن أبي عمر العدني، وابن وهب، وبعض الضعفاء عنه]، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، ومروان بن معاوية الفزاري، ومحمد بن إسحاق، ومحمد بن عجلان، وعبد الوارث بن سعيد، وأبو بكر بن عياش [وهم ثقات]، وعبد الله بن عمر العمري [ليس بالقوي]:
عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتتحون الصلاة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
قال ابن عيينة [في رواية العدني]: يخفي {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ويجهر بالحمد.
أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (134)[عن علي بن المديني عن ابن عيينة به مرفوعًا]، والشافعي في السنن (42)، وابن أبي عمر العدني في مسنده (2/ 334/ 1817 - إتحاف الخيرة)، وابن وهب في الجامع (356)، وابن عدي في الكامل (1/ 186)[واستنكر رفعه عن ابن عيينة]، وتمام في الفوائد (1024)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 462 و 464/ 608 و 611)، والخليلي في الإرشاد (1/ 433)، والبيهقي في المعرفة (1/ 522/ 723)، وذكره الدارقطني في العلل (12/ 55/ 2408).
قال ابن عدي: "وهذا الحديث لا يُعرف عن مالك، ولا عن سفيان بن عيينة إلا موقوفًا من قول أنس".
• ورواه عن حميد، عن أنس به موقوفًا على أبي بكر وعمر، وزاد بعضهم عثمان، ثم ذكر تردد حميد في ذكر النبي صلى الله عليه وسلم:
زهير بن معاوية [ثقة ثبت]، وهشيم بن بشير [ثقة ثبت]، قال زهير: ويرى حميد أنه قد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وقال هشيم: قال حميد: وأحسبه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 360/ 4129)، والطحاوي (1/ 202)، وابن المقرئ في المعجم (560).
• خالفهم فأوقفه، ولم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم:
حماد بن سلمة [وهو أثبت الناس في حميد] في الرواية المتقدمة برقم (2).
وتابعه على وقفه عن حميد، فلم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم: إسماعيل بن جعفر [ثقة]، ومالك بن أنس [إمام دار الهجرة، وهو رأس المتقنين، وكبير المتثبتين]، وابن أبي عدي [ثقة]، ومعاذ بن معاذ [ثقة متقن]، وسفيان بن عيينة [في رواية الشافعي عنه] [ثقة إمام]:
عن حميد، عن أنس، أنه قال: صليت مع أبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون الصلاة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . لفظ إسماعيل، وبنحوه لفظ معاذ.
ولفظ مالك: قمت وراء أبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم كان لا يقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} إذا افتتح الصلاة.
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 131/ 214 - رواية يحيى الليثي)(121 م - رواية القعنبي)(227 - رواية أبي مصعب الزهري)(86 م - رواية سويد بن سعيد الحدثاني)، والشافعي في السنن (40)، وعلي بن حجر في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (98)، وأبو يعلى (5/ 346/ 2985)، والطحاوي (1/ 202)، وابن المظفر في غرائب مالك (120)، وأبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (90)(90 - المخلصيات)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 462/ 609) و (1/ 469/ 631)، وأبو عمرو الداني في البيان في عد آي القرآن (55)، والبيهقي في السنن (2/ 51 - 52 و 52)، وفي المعرفة (1/ 522/ 723)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 53/ 583).
وانظر أيضًا: مصنف ابن أبي شيبة (1/ 360/ 4140).
• وانظر فيمن وهِم فيه على مالك فرفعه، أو قلب متنه [الكامل لابن عدي (1/ 186)، غرائب مالك لابن المظفر (119)، معجم الشيوخ لابن جميع الصيداوي (379)، الإرشاد (1/ 433)، التمهيد (2/ 228 - 230)، الطيوريات (32)، مستدرك الحاكم (1/ 234)، مع التلخيص للذهبي، وقد حكم عليه الذهبي بالوضع، وكذبه ابن رجب في الفتح (4/ 365)، وانظر: التنقيح (2/ 196)، نصب الراية (1/ 351 و 352)، نخب الأفكار (3/ 562)].
قال ابن عبد البر في التمهيد (2/ 228): "هكذا هو في الموطأ عند جماعة رواته فيما علمت موقوفًا"، وقال أيضًا:"هو موقوف في الموطأ، وأسندته طائفة عن مالك ليسوا في الحفظ هناك".
وقال في الاستذكار (1/ 436): "فهو في الموطأ عند جمهور رواته عن مالك: موقوف على فعل الخلفاء الثلاثة، ليس فيه للنبي عليه السلام ذكر.
ورواه الوليد بن مسلم، وموسى بن طارق أبو قرة، عن مالك، عن حميد الطويل، عن أنس، قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم لا يقرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، هذا لفظ الوليد بن مسلم، ولفظ حديث أبي قرة: فكانوا لا يجهرون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ورواه إسماعيل بن موسى السدي، عن مالك، عن حميد، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتتحون بالقراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وفي بعض الروايات عن إسماعيل عن مالك بإسناده مرفوعًا: كانوا يستفتحون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ويرفعه أيضًا ابن أخي ابن وهب، قال: حدثني عمي، قال: حدثنا عبد الله بن عمر، ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، عن حميد، عن أنس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يجهر في القراءة بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، لم يروه عن ابن وهب عن مالك هكذا غيره".
وانظر أيضًا: "كتاب الإنصاف فيما بين علماء المسلمين في قراءة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في فاتحة الكتاب من الاختلاف" لابن عبد البر، ص (14).
• قال ابن الأعرابي في معجمه (797): "قال الصاغاني [هو: محمد بن إسحاق بن جعفر أبو بكر الصاغاني: ثقة ثبت]: سمعت يحيى بن معين، قال: كان حميد إذا قال: عن قتادة عن أنس، رفعه، وإذا قال: عن أنس، لم يرفعه".
وقال الدارقطني في الأفراد (978 - أطرافه) عن رواية ابن أبي عدي المتقدمة برقم (12): "تفرد به ابن أبي عدي عن حميد عنه [يعني: عن قتادة]، ورواه يحيى بن معين وعمرو بن علي عن ابن أبي عدي، وقال يحيى: كان حميد إذا حدَّث به عن قتادة رفعه، وإذا حدَّث به عن أنس لم يرفعه، وكذلك قال العباس بن يزيد في حديثه".
وقال ابن رجب في الفتح (4/ 353): "والصحيح عن مالك: ليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا الصحيح عن حميد، قال أحمد: حميد لم يرفعه"، ثم ذكر قول الدارقطني:"والمحفوظ: أن حميدًا رواه عن أنس، وشك في رفعه، وأخذه عن قتادة عن أنس مرفوعًا".
قلت: الذي في علل الدارقطني (12/ 56/ 2408) بعد ذكر الاختلاف فيه على حميد: "والمحفوظ من ذلك: أن حميدًا رواه عن أنس؛ أن أبا بكر وعمر، ليس فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذه [صحفت في المطبوع إلى: وآخره] عن قتادة عن أنس مرفوعًا، والله أعلم".
وانظر أيضًا: النكت لابن حجر (2/ 758).
قلت: الذي يظهر لي أن حميدًا كان يرويه موقوفًا، كذا رواه عنه جماعة الحفاظ، وفيهم أثبت الناس فيه، وهو حماد بن سلمة، وتابعه على ذلك من الحفاظ المتقنين: مالك ومعاذ بن معاذ وغيرهما، ثم تردد فيه حميد وشك في رفعه، كما رواه عنه: هشيم وزهير، ثم رواه بعد ذلك حميد مرفوعًا، كما رواه عنه جماعة من الثقات، واختلفت الرواية فيه عن ابن عيينة، والمحفوظ فيه عن حميد -كما قال أحمد وابن معين والدارقطني-: موقوف، ليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
• وقد أعلَّ الشافعي لفظ مالك، لمخالفته أصحاب حميد فيه؛ قلت: ومالك مَن هو في الحفظ والإتقان، وضبط الألفاظ، مع فقهه وعلمه بما يحيل المعاني، لا سيما وهذه اللفظة ثابتة من حديث قتادة عن أنس، كما تقدم بيانه، والله أعلم [انظر: سنن البيهقي (2/ 52)].
5 -
أشعث بن عبد الملك الحمراني [ثقة]، وسالم بن عبد الله الخياط [صدوق، سيئ الحفظ]، وعمران بن مسلم القصير [صدوق، لكن الراوي عنه: سويد بن عبد العزيز، وهو: ضعيف]:
عن الحسن، عن أنس؛ قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فكان يفتتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وكان أخف الناس صلاة في تمام. لفظ الحمراني، ولم يذكر سالم وعمران القصير آخره في التخفيف، وزادا ذكر أبي بكر وعمر، وقال القصير: كانوا يُسِرُّون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُسِرُّ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في الصلاة، وأبو بكر وعمر، ورواية عمران هذه لا تصح؛ لأن راويها عنه: سويد بن عبد العزيز، وهو: ضعيف.
أخرجه ابن خزيمة (498)، والبزار (13/ 199/ 6662) و (13/ 214/ 6690)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 121/ 1349) معلقًا. والطحاوي (1/ 203)، وأبو القاسم الحامض في المنتقى من الجزء الأول من حديثه (29)، وفي المنتقى من الجزء الثالث من حديثه (17)، وابن عدي في الكامل (3/ 427)، وأبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث (39)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 467/ 625 و 626)، وانظر: حديث الأنصاري (50).
قلت: هذا إسناد بصري صحيح، والحسن قد صح سماعه من أنس، لكن رواية عمران القصير غير محفوظة.
قال ابن عدي: "وهذان الحديثان عن عمران القصير، وهو عمران بن سالم، وهو
بصري، وهو عزيز الحديث، لا يحدثهما عنه غير سويد"، ثم قال في آخر ترجمة سويد: "ولسويد أحاديث صالحة غير ما ذكرت، وعامة حديثه مما لا يتابعه الثقات عليه، وهو ضعيف كما وصفوه".
قال ابن حجر في الإتحاف (1/ 587/ 816): "سويد ليس من شرط ابن خزيمة؛ لأنه ضعيف جدًّا".
قال ابن خزيمة بعد خبر سويد: "هذا الخبر يصرح بخلاف ما توهم من لم يتبحر العلم، وادعى أن أنس بن مالك أراد بقوله: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يستفتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وبقوله: لم أسمع أحدًا منهم يقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، أنهم لم يكونوا يقرؤون: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} جهرًا ولا خفيًّا، وهذا الخبر يصرح أنه أراد: أنهم كانوا يُسِرُّون به، ولا يجهرون به عند أنس".
ونقله ابن المنذر بتصرف في الأوسط (3/ 121).
• ورواه هشام بن حسان، عن ابن سيرين والحسن، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يستفتحون بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
أخرجه الطحاوي (1/ 203)، والدارقطني في الأفراد (1/ 244/ 1250 - أطرافه).
قال الدارقطني: "تفرد به سليمان بن عبيد الله الرقي عن مخلد بن الحسين عن هشام عن ابن سيرين والحسن عن أنس".
وإسناده ضعيف إلى هشام، فيه: سليمان بن عبيد الله الرقي، وهو ضعيف [تقدمت ترجمته تحت الحديث رقم (562)]، وقد سلك فبه الجادة، والطريق السهل، والمعروف في هذا: عن هشام بن حسان، عن قتادة، عن أنس [تقدم في طرق قتادة برقم (10)].
وقد روي أيضًا من حديث يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس، ولا يصح من حديثه، والله أعلم.
6 -
جرير بن حازم، عن أيوب، عن أنس بن مالك، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يفتتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ويسلموا تسليمة.
تقدم ذكره تحت الطريق الرابعة من طرق حديث قتادة عن أنس، وهو حديث منكر، كما قال الأثرم.
7 -
أبو حمزة السكري، عن منصور بن زاذان، عن أنس بن مالك، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يُسمعنا قراءة:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وصلى بنا أبو بكر وعمر فلم نسمعها منهما.
أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 135/ 906)، وفي الكبرى (1/ 469/ 980)، ومن طريقه: ابن عبد البر في التمهيد (20/ 208)، وفي الإنصاف (32).
قال النسائي: أخبرنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، قال: سمعت أبي، يقول:
أنبأنا أبو حمزة [محمد بن ميمون المروزي: ثقة، وابن شقيق من أصح الناس حديثًا عنه] به.
قلت: هذا إسناد رجاله ثقات، ومنصور بن زاذان: ثقة ثبت، كبير الشأن، من أصحاب الحسن، وهو يُدخل بينه وبين أنس: قتادة والحسن، فقد روى هشيم عن منصور عن قتادة عن أنس [انظر: مستخرج أبي عوانة (2/ 2763/ 181)، شرح معاني الآثار (1/ 177)، المعجم الكبير (5/ 116/ 4793)، الحلية لأبي نعيم (3/ 61)، وكذا معرفة الصحابة (3/ 1157/ 2918)، وانظر هذا الحديث فيما تقدم برقم (424)، حديث زيد بن ثابت في أحاديث التغليس]، وهشيم أروى الناس عن منصور، وأعلمهم بحديثه [انظر: العلل ومعرفة الرجال (1/ 542/ 1287)، الجرح والتعديل (9/ 115)، ذخيرة الحفاظ (1/ 528)]، وروى منصور أيضًا عن الحسن عن أنس [راجع ما تحت الحديث (492)، آخره]، وقد وجدت لمنصور سماعًا من أنس [عند: بحشل في تاريخ واسط (62)، وأبي نعيم في الحلية (3/ 59)]؛ إلا أنه لا يصح، وقال العلائي:"ووجدت بخط الحافظ الضياء: قيل: لم يسمع من أنس بن مالك شيئًا"[جامع التحصيل (801)، تحفة التحصيل (317)][وانظر أيضًا: تحفة الأشراف (1/ 688/ 1605 - ط دار الغرب)].
ويؤكد عدم سماع منصور من أنس أن البخاري في تاريخه الكبير (7/ 346) لم يذكر له رواية عن أنس، فضلًا عن ذكر السماع، وإنما قال:"سمع الحسن وابن سيرين وقتادة، وروى عنه: شعبة وهشيم".
وعليه ففي السند انقطاع؛ وهو صالح في المتابعات.
8 -
يحيى بن آدم [ثقة حافظ]: حدثنا سفيان [الثوري]، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا لا يجهرون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
أخرجه ابن حبان (5/ 105/ 1802)، والبزار (13/ 261/ 6789)، والدارقطني في العلل (12/ 247/ 2674)، وفي الأفراد (1/ 260/ 1357 - أطرافه).
قال البزار: "وهذا الحديث هكذا رواه يحيى بن آدم عن الثوري، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أنس، ورواه غير يحيى بن آدم، عن الثوري، عن خالد، عن أبي نعامة، عن أنس"[وانظر: علل الدارقطني (12/ 247/ 2674)].
وقال الدارقطني في الأفراد: "هكذا قال يحيى بن آدم في هذا الحديث، وقيل ذلك عن أبي حذيفة، والمحفوظ: عن خالد عن أبي نعامة عن أنس".
قلت: تابع يحيى بن آدم على قوله في الإسناد: "عن أبي قلابة": أبو حذيفة، قال: حدثنا سفيان به؛ إلا أنه قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفتتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
أخرجه الدارقطني في العلل (12/ 247/ 2674).
وأبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي: صدوق، كثير الوهم، سيئ الحفظ، ليس بذاك في الثوري، وضعفه جماعة فيه [التقريب (619)، شرح علل الترمذي (2/ 726)، التهذيب (4/ 188)].
قلت: خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس: طريق مسلوكة، وقد سلك فيه يحيى بن آدم وأبو حذيفة الجادة والطريق السهل، ووهما في ذكر أبي قلابة في الإسناد:
• خالفهما فأصاب وحفظ الإسناد: عبيد الله بن عبيد الرحمن الأشجعي [ثقة مأمون، أثبت الناس كتابًا في الثوري، وهو من أصحابه المقدمين فيه؛ وهو أثبت فيه من الفريابي وقبيصة وأصحابهما. التهذيب (3/ 20)، التقريب (406)، شرح العلل (2/ 722)]، ومحمد بن يوسف الفريابي [ثقة، من الطبقة الثانية من أصحاب الثوري، من المكثرين عنه، وهو مقدَّم فيه على عبد الرزاق، وقبيصة، وأبي حذيفة النهدي. انظر: التهذيب (3/ 740)، شرح العلل (2/ 722)]، وعبد الله بن الوليد [وهو: ابن ميمون، المكي العدني: صدوق، صحيح السماع من الثوري، أملى عليه إملاءً، وروى عنه جامعه، وله عنه غرائب. انظر: التهذيب (2/ 452)، سؤالات أبي داود (239)، المعرفة والتاريخ (1/ 718)، الميزان (2/ 520)]، وأبو داود الحفري عمر بن سعد بن عبيد [ثقة عابد، من أصحاب الثوري، مقدم فيه على قبيصة وطبقته]، وعلي بن قادم [صدوق، ضعفه ابن معين، روى عن الثوري أحاديث غير محفوظة. التهذيب (3/ 188)، الميزان (3/ 150)]:
رووه عن سفيان الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي نعامة قيس بن عباية الحنفي، عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر لا يقرؤون -يعني: لا يجهرون- {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 442)، وأحمد (3/ 216)، والبزار (13/ 261/ 6790)، وأبو يعلى (7/ 211/ 4205)، وأبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (3569)، والبيهقي (2/ 52).
[وانظر: علل الدارقطني (12/ 247/ 2674)].
وهذا هو الصواب عن الثوري في هذا الحديث.
وقد ذهب أحمد [في رواية مهنا بن يحيى] وابن المديني إلى أن رواية يحيى بن آدم، عن سفيان، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس: وهمٌ، وأن الصواب: عن أبي نعامة، عن أنس، كما رواه جماعة الثقات من أصحاب الثوري [النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر (2/ 751)]، وهو نفس ما ذهب إليه البزار والدارقطني، وقد سبق نقل قولهما.
وبذا تعلم خطأ ما ذهب إليه ابن عبد البر حيث قال في الإنصاف (31): "يمكن أن يكون هذا الحديث عن خالد الحذاء عن أبي نعامة الحنفي، وعن أبي قلابة، فيكون عنده بإسنادين، ولا يكون اختلافًا على خالد الحذاء".
• وقد اختلف فيه أيضًا على أبي نعامة قيس بن عبابة الحنفي البصري [وهو: ثقة]:
أ- فرواه خالد بن مهران الحذاء [وهو: بصري ثقة]، عن أبي نعامة قيس بن عباية الحنفي، عن أنس بن مالك، قال:. . . فذكره.
ب- وخالفه: سعيد بن إياس الجريري [وهو: بصري ثقة، وقد رواه عنه جماعة من الثقات ممن روى عنه قبل الاختلاط، مثل: إسماعيل ابن علية، ووهيب بن خالد، وبشر بن المفضل، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي]، وعثمان بن غياث [بصري: ثقة]، وراشد بن نجيح الحماني أبو محمد [بصري: صالح الحديث. التهذيب (1/ 584)، الميزان (2/ 36)]:
عن أبي نعامة قيس بن عباية، قال: حدثني ابن عبد الله بن المغفل، عن أبيه، وفيه قصة.
ويأتي تخريجه مفصلًا قريبًا في الشواهد.
قال البخاري في التاريخ الكبير (8/ 442): "والأول أصح"؛ يعني: حديث الجماعة هذا، وأنه من حديث ابن مغفل، لا من حديث أنس.
وقال الدارقطني في العلل (12/ 247/ 2674) عن هذا الوجه الأخير: "وهو أشبه بالصواب؛ لأنهم ثلاثة، وقد خالفوا خالدًا في الإسناد".
قال ابن حجر في النكت (2/ 752): "ولا يمتنع أن يكون لأبي نعامة فيه شيخان".
قلت: نعم؛ لو كان أبو نعامة حافظًا مكثرًا، ولو كان خالد من الأثبات المتفق على توثيقهم، لكن لا هذا ولا ذاك، فأبو نعامة مُقلٌّ إذا قيس بالمكثرين، وخالد فقد تُكُلِّم فيه؛ إلا أن العمل على توثيقه، لكنه لم يكن في مثل مرتبة الثوري ومالك وأضرابهما، فالقول: قول البخاري والدارقطني.
كذلك فإن راشد بن نجيح -وهو ممن رواه عن أبي نعامة بالإسناد الثاني- ممن يروي عن أنس، فلو كان عنده عن أنس، لما ترك الإسناد العالي، ليرويه بنزولٍ برواية مبهمٍ عن عبد الله بن مغفل، والله أعلم.
فإن قيل: ألم يرجح أربعة من الأئمة رواية أصحاب الثوري على رواية يحيى بن أيوب عنه؟ مما يدل على كونها محفوظة؟ فيقال: نعم، هي محفوظة؛ لكن من حديث الثوري حسب، لكن وهِم في إسناده: خالد الحذاء حين جعله من مسند أنس، أو حدَّثه به شيخه أبو نعامة على الوهم، وإنما هو من مسند عبد الله بن المغفل، كما رواه ثلاثة من ثقات البصريين عن أبي نعامة، والله أعلم.
9 -
أبو إسحاق خازم بن حسين الحُمَيسي، عن مالك بن دينار، عن أنس بن مالك، قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فكانوا يفتتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ويقرؤون:(مَلك يوم الدين).
أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (136)، وأبو يعلى (7/ 180/ 4159)،
والطحاوي في المشكل (14/ 11/ 5410)، وأبو إسحاق الهاشمي إبراهيم بن عبد الصمد في الأول من أماليه (64)، وأبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (3501)، وابن الأعرابي في المعجم (360)، والطبراني في الأوسط (5/ 184/ 5018)، وابن عدي في الكامل (3/ 73)، وأبو أحمد العسكري في تصحيفات المحدثين (2/ 549)، وتمام في الفوائد (1691)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (628 - 630)، والخطيب في التاريخ (10/ 106)، وفي الموضح (1/ 308)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (56/ 393 و 394).
قال أبو العباس المستغفري: "أبو إسحاق الحميسي اسمه خازم بن الحسين: ليس بقوي في الحديث".
قلت: الحميسي: ضعيف، له غرائب كثيرة، حتى قال فيه ابن عدي:"وعامة حديثه عن من يروي عنهم لا يتابعه أحد عليه، وأحاديثه شبه الغرائب، وهو ضعيف يكتب حديثه"[التهذيب (1/ 513)]، وهذا الحديث من غرائبه عن مالك بن دينار، وقد زاد فيه ذكر علي بن أبي طالب، وذكره في هذا الحديث غير محفوظ، وقد رواه عن الحميسي جماعة من الثقات والضعفاء والمتروكين، فيهم: جبارة بن المغلس وغيره.
10 -
عبد الله بن وهب، عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب؛ أن محمد بن نوح أخا بني سعد بن بكر حدثه، عن أنس بن مالك به.
أخرجه الطحاوي (1/ 203).
وانظر فيمن وهم فيه على ابن وهب: علل الدارقطني (12/ 164/ 2577)، أطراف الغرائب والأفراد (1/ 189/ 852).
وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة محمد بن نوح هذا، ولم أقف على من ترجم له [انظر: التاريخ الكبير (1/ 249)، الجرح والتعديل (8/ 109)، غنية الملتمس (529 - 535)]، وابن لهيعة: ضعيف، وإن كان من رواية العبادلة عنه.
11 -
روى أبو همام الوليد بن شجاع، وخلف بن هشام البزار المقرئ، وأحمد بن يونس [وهم ثقات مشهورون]، وسحيم واسمه محمد بن القاسم [الحراني: صدوق. الجرح والتعديل (4/ 304) و (8/ 66)، الثقات (9/ 83)، صحيح ابن حبان (2560)]:
ثنا أبو الأحوص: حدثني يوسف بن أسباط، عن عائذ بن شريح، عن أنس بن مالك، قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم، كانوا يفتتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
قال أبو همام: فلقيت يوسف بن أسباط، فحدثنيه عن عائذ، عن أنس مثله. وهذا لفظه، وقال خلف بن هشام وأحمد بن يونس: فلم أسمع أحدًا منهم يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ولم يذكر أحمد بن يونس عليًّا.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 385)، وابن عدي في الكامل (7/ 158)،
وابن المقرئ في المعجم (1316)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 245)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 468/ 627)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 204)، ومسعود بن الحسن الثقفي في عروس الأجزاء (50).
قال البخاري بعد أن ذكره في ترجمة يوسف: "قال صدقة: دفن يوسف كتبه، فكان بعدُ يُقلب عليه، فلا يجيء به كما ينبغي".
وقال ابن عدي في آخر ترجمة يوسف بن أسباط بعد أن ذكر هذا الحديث في ترجمته: "ويوسف هذا هو عندي من أهل الصدق؛ إلا أنه لما عَدِم كتبه كان يحمل على حفظه فيغلط ويشتبه عليه، ولا يتعمد الكذب"[قلت: وحاله كما قال ابن عدي. اللسان (8/ 548)، الجرح والتعديل (9/ 218)].
وقال ابن عبد البر: "ذِكرُ عليٍّ في هذا الحديث غيرُ محفوظ، ولا يصح، والله أعلم"، وكان قال قبلُ:"وقد روى هذا الحديث عائذ بن شريح عن أنس، فزاد فيه ذكر علي، ولم يقله غيره".
وذكر الدارقطني في العلل (12/ 162/ 2573) أن يوسف بن أسباط قد خولف فيه، فرواه العلاء بن الحصين، عن عائذ، عن ثمامة، عن أنس.
والعلاء بن الحصين أبو الحصين الكوفي قاضي الري: قال أبو حاتم: "صالح الحديث"، وذكره ابن حبان في الثقات [الجرح والتعديل (6/ 354)، الثقات (8/ 503)، تاريخ الإسلام (13/ 329)]، وعليه: فروايته -إذا صح الإسناد إليه- أولى من رواية يوسف بن أسباط، وثمامة بن عبد الله بن أنس: ثقة، وروايته عن جده في الصحيحين؛ لكن الشأن في عائذ بن شريح، فقد قال فيه أبو حاتم:"في حديثه صنعة"، وفي نسخةٍ:"في حديثه ضعف"، وكذا نقله في الميزان، لكن الأول عندي أقرب، فقد جعله أبو حاتم ميزانًا يزن به أحوال المتروكين، فقد قال أبو حاتم في سعيد بن ميسرة البكري [وهو متروك، منكر الحديث، كذبه يحيى القطان، واتهمه بالوضع ابن حبان والحاكم. اللسان (4/ 78)]: "هو منكر الحديث، ضعيف الحديث، يروي عن أنس المناكير، بابة عائذ بن شريح"، وقال ابن حبان في عائذ:"كان قليل الحديث، ممن يخطئ على قلته، حتى خرج عن حد الاحتجاج به إذا انفرد، وفيما وافق الثقات فإن اعتبر به معتبر لم أر بذلك بأسًا"، وقال ابن طاهر:"ليس بشيء"[الجرح والتعديل (4/ 63) و (7/ 16)، المجروحين (2/ 194)، الميزان (2/ 363)، تاريخ الإسلام (9/ 448)، اللسان (4/ 383)].
وعليه فهذا الحديث من مناكير عائذ بن شريح، ولا يصح فيه ذكر علي بن أبي طالب، والله أعلم.
• هذا ما وقفت عليه من طرق حديث أنس، بقي أن نتبعها بما يأتي:
• أولًا: فقد خالف هؤلاء الثقات من أصحاب أنس: سعيد بن يزيد:
روى غسان بن مضر، وشعبة، وابن علية:
عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد الأزدي، قال: سألت أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح [القراءة] بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، أو بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}؟ فقال: إنك تسألني عن شيء ما أحفظه، وما سألني عنه أحد قبلك، قلت: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في النعلين؟ قال: نعم.
أخرجه أحمد (3/ 166 و 190)، والدارقطني (1/ 316)، والبيهقي في المعرفة (1/ 524/ 727)، والخطيب في الجهر بالبسملة (33 و 34 - مختصره للذهبي)، والحازمي في الاعتبار (1/ 339 - 340/ 95)، وابن الجوزي في التحقيق (458).
قال الدارقطني: "هذا إسناد صحيح".
وذهب في العلل (12/ 206/ 2623) إلى إعلال حديث قتادة عن أنس بحديث أبي مسلمة هذا، فقد أورد الاختلاف على قتادة في لفظ الحديث، ثم أتبعه بذكر لفظ الحسن وحميد عن أنس، ثم ذكر رواية أبي مسلمة، ثم قال:"فقد اضطرب حديث أنس، يشك فيه".
قلت: قول الثقات الذين نقلوا عن أنس ما حفظه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر وعمر وعثمان، أولى من قول من روى عن أنس بعد نسيانه، والحجة في قول من حفظ، لا في قول من نسي، لا سيما وقتادة أحفظ من أبي مسلمة بلا نزاع، فكيف ولم ينفرد بذلك قتادة، بل تابعه: ثابت البناني، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، والحسن البصري، ومنصور بن زاذان، ولم يسمع منه، والله أعلم.
قال ابن عبد البر في الإنصاف (33): "الذي عندي أنه من حفظه عنه حجة على من سأله في حين نسيانه".
• وحديث أبي مسلمة هذا: قد أخرجه الشيخان بطرفه الثاني فقط دون أوله، وكذا الترمذي والنسائي [البخاري (386 و 5850)، ومسلم (555)، والترمذي (400)، وقال: "حسن صحيح"، والنسائي في المجتبى (2/ 74/ 775)، وفي الكبرى (1/ 417/ 853)، والدارمي (1/ 370/ 1377)، وقد سبق تخريجه تحت الحديث رقم (653)]، وقد صححوا في المقابل حديث قتادة عن أنس، مما يدل على تعمد إعراضهم عن هذه الرواية مع صحة سندها، ومع كونها طرفًا للحديث الذي صرحوا بصحته، وصنيعهم هذا يؤيد صحة ما ذهب إليه ابن عبد البر، والله أعلم.
وسيأتي في الجواب عنه مزيد بيان من كلام الأئمة، وانظر: التنقيح (2/ 183)، نصب الراية (1/ 361).
• ثانيًا: وقد رواه بعضهم عن أنس مقلوبًا:
أ- روى أصبغ بن الفرج [مصري، ثقة]: ثنا حاتم بن إسماعيل، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
أخرجه الحاكم (1/ 233)(1/ 114/ أ- ب)(رواق المغاربة)[وانظر: الإتحاف (2/ 49/ 1196)]، قال: حدثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ [هو: الحسين بن علي بن يزيد بن داود، أبو علي النيسابوري: إمام ناقد، حافظ ثبت. تاريخ نيسابور (246)، الإرشاد (3/ 842)، تاريخ بغداد (8/ 71)، تاريخ دمشق (14/ 271)، السير (16/ 51)]: ثنا علي بن أحمد بن سليمان [هو: علي بن أحمد بن سليمان بن ربيعة بن الصيقل، علانٌ المصري: ثقة مكثر. الأنساب (3/ 576) و (4/ 265)، السير (14/ 496)، تاريخ الإسلام (23/ 543)]: ثنا سليمان بن داود المهري [مصري، ثقة]: ثنا أصبغ به.
قال الحاكم: "رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات".
قلت: لكنه إسناد غريب؛ فهو إسناد بصري، ثم مدني، ثم مصري، ثم نيسابوري.
وقد أخرجه الدارقطني (1/ 308) من طريق: زيد بن الحسين بن عيسى بن زيد: حدثني عمر بن محمد بن عمر بن علي بن الحسين، عن حاتم بن إسماعيل، عن شريك بن عبد الله، عن إسماعيل المكي، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
وهذا مع أنه في إسناده مجهولان؛ إلا أنه أولى من إسناد الحاكم، وقد سبق الكلام عليه في آخر طرق حديث قتادة عن أنس، وهو حديث منكر، والله أعلم.
تنبيه شريك المذكور في رواية الحاكم هو ابن أبي نمر المدني، وأما المذكور في رواية الدارقطني فهو النخعي الكوفي، وكلاهما متكلَّم في حفظه.
قال ابن رجب في الفتح (4/ 363) عن رواية الحاكم: "هذا لا يثبت"، ثم ذكر رواية الدارقطني ثم قال:"فتبين بهذه الرواية أنه سقط من رواية الحاكم من إسناده رجلان: أحدهما إسماعيل المكي، وهو: ابن مسلم: متروك الحديث، لا يجوز الاحتجاج به".
ب- وروى محمد بن المتوكل بن أبي السري، قال: صليت خلف المعتمر بن سليمان من الصلوات ما لا أحصيها، الصبح والمغرب، فكان يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قبل فاتحة الكتاب وبعدها، وسمعت المعتمر يقول: ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي، وقال أبي: ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس بن مالك، وقال أنس: ما آلو أن أقتدي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه الحاكم (1/ 233 - 234)، والدارقطني (1/ 308)، والبيهقي في المعرفة (1/ 728/ 525).
هذا هو المحفوظ عن ابن أبي السري، وانظر فيمن وهم فيه عليه، فرواه عنه، عن أبيه، عن الحسن، عن أنس: المعجم الكبير للطبراني (1/ 255/ 739)، مستخرج العراقي على المستدرك (47).
قال الحاكم: "رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات".
وتابع ابن أبي السري على ذلك: إبراهيم بن محمد القاضي التيمي [قال الدارقطني:
بصري، ثقة. تاريخ بغداد (6/ 150)]: ثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
أخرجه الدارقطني (1/ 359)، قال: حدثني سهل بن إسماعيل القاضي [هو: سهل بن إسماعيل بن سهل، أبو صالح الجوهري الطرسوسي، نزل بغداد وحدث بها، قال الخطيب: "وكان ثقة"، تاريخ بغداد (9/ 121)]: ثنا أحمد بن محمد القاضي السحيمي [هو: أحمد بن محمد بن الحسين، أبو بكر السحيمي، قاضي همذان: صدوق. تاريخ بغداد (4/ 434)، تاريخ دمشق (5/ 247)، تاريخ الإسلام (23/ 620)]: ثنا عبد الله بن محمد بن إبراهيم الطائي [لم أجد له ترجمة]: ثنا إبراهيم بن محمد به.
قال الدارقطني: "هذا إسناد صالح"[ساقط من المطبوع، وهو في تخريج الأحاديث الضعاف للغساني (252)].
لكن قال ابن رجب في الفتح (4/ 363): "وفي إسناده مجاهيل، لا يُعرفون".
قلت: إنما هو مجهول واحد، والبقية معروفون، فالمتابعة لا تثبت، وإنما يُعرف هذا الحديث بابن أبي السري، والله أعلم.
قال الدارقطني في العلل (12/ 205/ 2623) بعد أن ذكر رواية ابن أبي السري وإبراهيم القاضي: "وهذا بخلاف رواية أصحاب أنس عنه".
• وقد خولف ابن أبي السري في موضع الشاهد منه:
فقد روى ابن الأعرابي في المعجم (3/ 941/ 1997): نا أبو رفاعة العدوي، قال: سمعت عبد الله بن حرب الليثي [ثقة. الجرح والتعديل (5/ 41)، تاريخ الإسلام (17/ 214)]، قال: سمعت معتمر بن سليمان، يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أنسًا، يقول: ما آليت ما اقتديت بكم به من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبي: ما آليت ما اقتديت بكم من صلاة أنس، قال المعتمر: ما آليت ما اقتديت بكم من صلاة أبي، قال عبد الله بن حرب: وصلى لنا المعتمر، فكان إذا كبر رفع يديه في كل خفض ورفع، وبين الركعتين.
وأبو رفاعة العدوي هو: عبد الله بن محمد بن عمر بن حبيب البصري، وثقه الخطيب البغدادي، وله أوهام في رفع الموقوفات [علل الدارقطني (10/ 325/ 2036)، تاريخ بغداد (10/ 83)، المنتظم (12/ 247)، تاريخ الإسلام (20/ 378)]، لكنه هنا لم يرفع ما وقفه ابن أبي السري في روايته، وإنما خالفه في موضع الشاهد من صفة الصلاة [وانظر: نصب الراية (1/ 352)].
فهذا الاختلاف مما يضعف الاعتماد على رواية ابن أبي السري، ويقوي القول بوهمه فيها، وأخيرًا: يبقى الحديث قريبًا من حديث معتمر بن سليمان التيمي.
• بل هو معلول بما رواه: يحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه، ومسدد بن مسرهد [وهم: ثقات حفاظ أئمة]، وأحمد بن عبدة الضبي، ومحمد بن عبد الله بن محمد الرقاشي، وأبو الأشعث أحمد بن المقدام [وهم ثقات]:
عن المعتمر بن سليمان، قال: حدثني إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان، عن أبي خالد الوالبي، عن ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
ويأتي تخريجه تحت الحديث رقم (788).
وعلى هذا فيكون من قال فيه: عن المعتمر عن أبيه عن أنس؛ قد سلك فيه الجادة والطريق السهل، وهذا الإسناد الأخير لا يضبطه إلا حافظ، ورواية جماعة الحفاظ المتقنين أولى من رواية الواحد والاثنين، فكيف وقد تُكُلِّم في ابن أبي السري، فإنه وإن وثقه ابن معين، فقد قال أبو حاتم:"لين الحديث"، وقال ابن عدي وجماعة:"كثير الغلط"، وهو كثير الوهم والخطأ [التهذيب (3/ 686)، الميزان (4/ 23)، وقال: "ولمحمد هذا أحاديث تستنكر"]، فهذا الحديث من مناكيره، والله أعلم.
فإن قيل: في طريق ابن أبي السري قصة تدل على أنه قد حفظ الإسناد والحديث، فيقال: ولو سلمنا جدلًا بذلك فليس فيه دليل على الجهر بالبسملة، ولا يصلح متمسكًا على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر في صلاته بالبسملة، بل غايته أن المعتمر كان يجهر بها، في جملة صفة صلاته، قال ابن رجب في الفتح (4/ 364):"ليس فيه تصريح برواية معتمر للجهر بالبسملة بهذا الإسناد، وإنما فيه اقتداء كليٌّ في الصلاة، ومثل هذا لا يثبت به نقل تفاصيل أحكام الصلاة الخاصة".
وقد أطال شيخ الإسلام ابن تيمية في ردِّ حديث المعتمر هذا من عدة أوجه؛ حيث قال: "وأما حديث المعتمر بن سليمان عن أبيه، فيُعلم أولًا: أن تصحيح الحاكم وحده وتوثيقه وحده لا يوثَق به فيما دون هذا، فكيف في مثل هذا الموضع الذي يعارَض فيه بتوثيق الحاكم، وقد اتفق أهل العلم في الصحيح على خلافه، ومن له أدنى خبرة في الحديث وأهله لا يعارض بتوثيق الحاكم، وقد ثبت في الصحيح خلافه، فإن أهل العلم متفقون على أن الحاكم فيه من التساهل والتسامح في باب التصحيح، حتى أن تصحيحه دون تصحيح الترمذي والدارقطني وأمثالهما بلا نزاع، فكيف بتصحيح البخاري ومسلم، بل تصحيحه دون تصحيح أبي بكر بن خزيمة وأبي حاتم بن حبان البستي وأمثالهما، بل تصحيح الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في مختاره خير من تصحيح الحاكم، فكتابه في هذا الباب خير من كتاب الحاكم بلا ريب عند من يعرف الحديث، وتحسين الترمذي أحيانًا يكون مثل تصحيحه أو أرجح، وكثيرًا ما يصحح الحاكم أحاديث يُجزم بأنها موضوعة لا أصل لها، فهذا هذا.
والمعروف عن سليمان التيمي وابنه معتمر أنهما كانا يجهران بالبسملة، لكن نقْلُه عن أنس هو المنكر، كيف وأصحاب أنس الثقات الأثبات يروون عنه خلاف ذلك، حتى أن شعبة سأل قتادة عن هذا، قال: أنت سمعث أنسًا يذكر ذلك؟ قال: نعم، وأخبره باللفظ الصريح المنافي للجهر، ونقل شعبة عن قتادة ما سمعه من أنس في غاية الصحة، وأرفع
درجات الصحيح عند أهله، إذ قتادة أحفظ أهل زمانه أو من أحفظهم، وكذلك إتقان شعبة وضبطه هو الغاية عندهم، وهذا مما يرَدُّ به قول من زعم: أن بعض الناس روى حديث أنس بالمعنى الذي فهمه، وأنه لم يكن في لفظه إلا قوله: يستفتحون الصلاة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ففهم بعض الرواة من ذلك نفي قراءتها فرواه من عنده، فإن هذا القول لا يقوله إلا من هو أبعد الناس علمًا برواة الحديث وألفاظ روايتهم الصريحة التي لا تقبل التأويل، وبأنهم من العدالة والضبط في الغاية التي لا تحتمل المجازفة، أو أنه مكابر صاحب هوى يتبع هواه، ويدع موجب العلم والدليل.
ثم يقال: هب أن المعتمر أخذ صلاته عن أبيه، وأبوه عن أنس، وأنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا مجمل ومحتمل، إذ ليس يمكن أن يثبت كل حكم جزئي من أحكام الصلاة بمثل هذا الإسناد المجمل؛ لأنه من المعلوم أن مع طول الزمان وتعدد الإسناد لا تضبط الجزئيات في أفعال كثيرة متفرقة حق الضبط إلا بنقل مفصل لا مجمل، والا فمن المعلوم أن مثل منصور بن المعتمر وحماد بن أبي سليمان والأعمش وغيرهم أخذوا صلاتهم عن إبراهيم النخعي وذويه، وإبراهيم أخذها عن علقمة والأسود ونحوهما، وهم أخذوها عن ابن مسعود، وابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد أجل رجالًا من ذلك الإسناد، وهؤلاء أخذ الصلاة عنهم أبو حنيفة والثوري وابن أبي ليلى وأمثالهم من فقهاء الكوفة، فهل يجوز أن يجعل نفس صلاة هؤلاء هي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الإسناد حتى في موارد النزاع، فإن جاز هذا: كان هؤلاء لا يجهرون، ولا يرفعون أيديهم إلا في تكبيرة الافتتاح، ويسفرون بالفجر، وأنواع ذلك مما عليه الكوفيون.
. . . لكن مثل هذه الأسانيد المجملة لا يثبت بها أحكام مفصلة تنازع الناس فيها، ولئن جاز ذلك ليكونن مالك أرجح من هؤلاء؛ فإنه لا يستريب عاقل أن الصحابة والتابعين وتابعيهم الذين كانوا بالمدينة أجلُّ قدرًا وأعلم بالسُّنَّة وأتبع لها ممن كان بالكوفة ومكة والبصرة، وقد احتج أصحاب مالك على ترك الجهر بالعمل المستمر بالمدينة، فقالوا: هذا المحراب الذي كان يصلي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم الأئمة وهلم جرا، ونقلهم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نقل متواتر، كلهم شهدوا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلاة خلفائه، وكانوا أشدَّ محافظةً على السُّنَّة، وأشد إنكارًا على من خالفها من غيرهم، فيمتنع أن يغيروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا العمل يقترن به عمل الخلفاء كلهم من بني أمية وبني العباس، فإنهم كلهم لم يكونوا يجهرون، وليس لجميع هؤلاء غرض بالإطباق على تغيير السُّنَّة في مثل هذا، ولا يمكن أن الأئمة كلهم أقرتهم على خلاف السُّنَّة، بل نحن نعلم ضرورةً أن خلفاء المسلمين وملوكهم لا يبدلون سُنَّة لا تتعلق بأمر ملكهم، وما يتعلق بذلك من الأهواء، وليست هذه المسألة مما للملوك فيها غرض.
وهذه الحجة إذا احتج بها المحتج لم تكن دون تلك، بل نحن نعلم أنها أقوى منها، فإنه لا يشك مسلم أن الجزم بكون صلاة التابعين بالمدينة أشبه بصلاة الصحابة بها،
والصحابة بها أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقرب من الجزم بكون صلاة شخص أو شخصين أشبه بصلاة آخر حتى ينتهي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا لم يذهب ذاهب قط إلى أن عمل غير أهل المدينة أو إجماعهم حجة، وإنما تنوزع في عمل أهل المدينة وإجماعهم، هل هو حجة أم لا؟ نزاعًا لا يقصر عن عمل غيرهم واجماع غيرهم إن لم يزد عليه.
فتبين دفع ذلك العمل عن سليمان التيمي وابن جريج وأمثالهما بعمل أهل المدينة، لو لم يكن المنقول نقلًا صحيحًا صريحًا عن أنس يخالف ذلك، فكيف والأمر في رواية أنس أظهر وأشهر وأصح وأثبت من أن يعارض بهذا الحديث المجمل الذي لم يثبت، وإنما صححه مثل الحاكم وأمثاله" [المجموع (22/ 426)].
• وانظر طرقًا أخرى عن أنس لا تخلو من مقال:
[مصنف عبد الرزاق (2/ 88/ 2598 و 2599)].
[المعجم الأوسط (7/ 187/ 7234)][وهو منكر من حديث إبراهيم التيمي عن أنس؛ تفرد به عبد الله بن خراش، وهو: متروك، منكر الحديث، عن الثقة الثبت العوام بن حوشب، وقد أكثر الرواية عن عمه العوام بن حوشب بما لا يتابع عليه؛ حتى قال ابن عدي: "ولا أعلم أنه يروي عن غير العوام أحاديث، وعامة ما يرويه غير محفوظ"، الكامل (4/ 210)، التهذيب (2/ 326)، الميزان (2/ 413)].
[مسند ابن أبي عمر العدني (2/ 334/ 1818 - إتحاف الخيرة)][وراويه عن أنس: أبان بن أبي عياش، وهو: متروك].
[أطراف الغرائب والأفراد (1/ 186/ 834)، مسألة التسمية لابن طاهر المقدسي (44)][وفي إسناده علي بن ظبيان، وهو: متروك، منكر الحديث، وداود بن أبي هند: لم يسمع من أنس].
[أطراف الغرائب والأفراد (1/ 217/ 1043)][وقال: "غريب من حديث مسعر عن قتادة عن أنس،. . . "].
[علل الدارقطني (12/ 204/ 2623)][من حديث الزهري عن أنس، ولا يصح عنه].
[فضائل القرآن لجعفر المستغفري (1/ 466/ 621)][وفي إسناده: محمد بن القاسم الأسدي: متروك، منكر الحديث، كذبه أحمد والدارقطني. التهذيب (3/ 678)، الميزان (4/ 11)].
[تاريخ بغداد (3/ 165)][وإسناده واهٍ بمرة].
• وأما ما ذهب إليه الدارقطني، وتبعه عليه البيهقي والخطيب وغيرهما من الشافعية [انظر: الخلافيات (2/ 58 - مختصره)، مختصر ذكر الجهر بالبسملة للخطيب ص (54)، الاعتبار في الناسخ والمنسوخ (1/ 336)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 233)] من كون حديث شعبة بلفظ: يفتتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هو
المحفوظ عن شعبة، وعن قتادة، وأما قول من قال: فلم يجهروا بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وما كان في معناه من عدم الجهر بالبسملة، فهو غير محفوظ من حديث قتادة عن أنس؛ هذا الذي ذهبوا إليه: قول ضعيف.
فإن الذين رووا الحديث عن شعبة بلفظ عدم الجهر بالبسملة هم من ثقات أصحاب شعبة، لا سيما وفيهم غندر، والذي كان كتابه حَكَمًا بين أصحاب شعبة إذا اختلفوا عليه، وكان قد لزمه عشرين سنة، وتابعه عليه: حجاج بن محمد، ومعاذ بن معاذ، وبشر بن عمر، ومحمد بن بكر البرساني، وآدم بن أبي إياس، ووكيع بن الجراح، وشاذان الأسود بن عامر، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وعلي بن الجعد، وعبد الرحمن بن غزوان، وبدل بن المحبر، وعقبة بن خالد، وعبيد الله بن موسى، وزيد بن الحباب، وعبد الرحمن بن زياد الرصاصي، فهؤلاء ستة عشر رجلًا من ثقات أصحاب شعبة -فيما وقفت عليه-، وهم جمهور من روى هذا الحديث عن شعبة.
ولم ينفرد بها شعبة [وهو الثقة الحافظ الحجة، الثبت المتقن] عن قتادة، بل تابعه عليها: ابن أبي عروبة [في رواية عنه]، والأوزاعي، وشيبان النحوي، وحجاج الباهلي.
ولم ينفرد بها قتادة، فقد روى الأوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم يفتتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، لا يقرؤون:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول السورة، ولا في آخرها.
وروى أبو حمزة السكري، عن منصور بن زاذان، عن أنس بن مالك، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يُسمعنا قراءة:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وصلى بنا أبو بكر وعمر فلم نسمعها منهما.
وهذا وإن كان منقطعًا؛ إلا أنه صالح في المتابعات.
وقد اعترض الشافعية على هذه الرواية والتي جاء فيها التصريح بعدم الجهر بالبسملة، فقالوا: إنما رواها من رواها بالمعنى، خلافًا للفظ المحفوظ.
قال البيهقي في الخلافيات (2/ 58 - مختصره): "فالأشبه والله أعلم: أن من رواه على اللفظ الذي اتفق البخاري ومسلم على صحته أدَّاه على اللفظ الذي سمعه، ومن رواه على اللفظ الذي تفرد به سلم بإخراجه أدَّاه على المعنى الذي وقع له، فقد روينا عن أنس بن مالك رضي الله عنه بأسانيد عدة في القراءة بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، يشهد القلب أن القول قول من رواه على اللفظة الأولى، وفي ذلك جمع بين الأخبار وقبولها دون إسقاط بعضها"، ثم احتج أيضًا برواية أبي مسلمة عن أنس.
وقال النووي في المجموع (3/ 298): "وأما الرواية التي في مسلم: فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فقال أصحابنا: هي رواية للفظ الأول بالمعنى الذي فهمه الراوي، عبر عنه على قدر فهمه فأخطأ، ولو بلَّغ الحديث بلفظه الأول لأصاب، فإن
اللفظ الأول هو الذي اتفق عليه الحفاظ، ولم يخرج البخاري والترمذي وأبو داود غيره، والمراد به اسم السورة كما سبق، وثبت في سنن الدارقطني عن أنس قال: كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكانوا يفتتحون بأم القرآن فيما يجهر به، قال الدارقطني: هذا صحيح، وهو دليل صريح لتأويلنا، فقد ثبت الجهر بالبسملة عن أنس وغيره كما سبق، فلا بد من تأويل ما ظهر خلاف ذلك".
قلت: الرد على ما احتجوا به من أوجه:
• أما قولهم عن رواية شعبة ومن تابعه في التصريح بعدم الجهر بالبسملة بأنها رواية بالمعنى، فهو قول ضعيف؛ سبق ردُّه قريبًا، ببيان أن هذه الرواية محفوظة من حديث أنس، وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:"ونقل شعبة عن قتادة ما سمعه من أنس في غاية الصحة، وأرفع درجات الصحيح عند أهله، إذ قتادة أحفظ أهل زمانه أو من أحفظهم، وكذلك إتقان شعبة وضبطه هو الغاية عندهم، وهذا مما يرَدُّ به قول من زعم: أن بعض الناس روى حديث أنس بالمعنى الذي فهمه، وأنه لم يكن في لفظه إلا قوله: يستفتحون الصلاة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، ففهم بعض الرواة من ذلك نفي قراءتها فرواه من عنده، فإن هذا القول لا يقوله إلا من هو أبعد الناس علمًا برواة الحديث وألفاظ روايتهم الصريحة التي لا تقبل التأويل، وبأنهم من العدالة والضبط في الغاية التي لا تحتمل المجازفة، أو أنه مكابر صاحب هوى يتبع هواه، ويدع موجب العلم والدليل"[وقد سبق نقله قريبًا].
كذلك فإن رواية الأوزاعي في الجمع بين اللفظين: فكانوا يستفتحون بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، لا يذكرون:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول القراءة، ولا في آخرها، هذه الرواية الثابتة [والتي أخرجها مسلم] دالة على أن قتادة كان يروي الحديث باللفظين مرة هكذا، ومرة هكذا، فلما كتب به إلى الأوزاعي جمع بينهما، وهذا يدل على أن قتادة قد سمعه من أنس على الوجهين، وقتادة هو أحفظ من روى هذا الحديث عن أنس؛ فلا تُعَلُّ روايته برواية غيره، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وهو أحفظ وأكثر رواية عن أنس من سعيد بن يزيد أبي مسلمة، فرواية من روى الإثبات مقدمة على رواية من روى النفي، والله أعلم.
قال الذهبي في السير (7/ 218) بعد حديث علي بن الجعد عن شعبة وشيبان بلفظ: فلم أسمع أحدًا منهم يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، قال:"هذا حديث ثابت ما عليه غبار، وقتادة فحافظ يؤدي الحديث بحروفه".
وقال في تعقب كلام الخطيب في مصنفه في الجهر بالبسملة ص (57 - مختصره) بعد رواية الأوزاعي عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة عن أنس الصريحة بذكر البسملة، قال:"ما أدري عذر الخطيب في رده لمثل هذا، فإنا لو تنازلنا وسلمنا أن حديث قتادة على زعمه معلولًا، يرد عليه هذا الحديث؛ فإنه لا علة له".
والحاصل: فإن لفظ: كانوا لا يجهرون، أو: فلم أسمع أحدًا منهم يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ثابت صحيح من حديث أنس.
قال الطحاوي (1/ 203): "ففي ذلك دليل أنهم كانوا يقولونها من غير طريق الجهر، ولولا ذلك لما كان لذكرهم نفي الجهر معنى، فثبت بتصحيح هذه الآثار ترك الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وذكرها سرًّا".
وقال ابن رجب في الفتح (4/ 354): "ما ذكروه من اختلاف ألفاظ الرواية يدل على أنهم كانوا يروون الحديث بالمعنى، ولا يراعون اللفظ، فإذا كان أحد الألفاظ محتملًا، والآخر صريحًا لا احتمال فيه، علم أنهم أرادوا باللفظ المحتمل هو ما دل عليها اللفظ الصريح الذي لا احتمال فيه، وأن معناهما عندهم واحد، وإلا لكان الرواة قد رووا الحديث الواحد بألفاظ مختلفة متناقضة، ولا يُظَنُّ ذلك بهم مع علمهم وفقههم وعدالتهم وورعهم.
لا سيما وبعضهم قد زاد في الحديث زيادة تنفي كل احتمال وشك، وهي عدم ذكر قراءة البسملة في القراءة، وهذه زيادة من ثقات عدول حفاظ، تقضي على كل لفظ محتمل، فكيف لا تقبل؟ لا سيما وممن زاد هذه الزيادة الأوزاعي فقيه أهل الشام وإمامهم وعالمهم، مع ما اشتهر من بلاغته وفصاحته وبلوغه الذروة العليا من ذلك.
والذي روى نفي قراءة البسملة من أصحاب حميد هو مالك، ومالكٌ مالكٌ في فقهه وعلمه وورعه وتحريه في الرواية، فكيف ترد روايته المصرحة بهذا المعنى برواية شيوخ ليسوا فقهاء لحديث حميد بلفظ محتمل؟
فالواجب في هذا ونحوه: أن تجعل الرواية الصريحة مفسرة للرواية المحتملة؛ فإن هذا من باب عرض المتشابه على المحكم، فأما ردُّ الروايات الصريحة للرواية المحتملة فغير جائز، كما لا يجوز رد المحكم للمتشابه.
ومن زعم: أن ألفاظ الحديث متناقضة فلا يجوز الاحتجاج به فقد أبطل، وخالف ما عليه أئمة الإسلام قديمًا وحديثًا في الاحتجاج بهذا الحديث والعمل به".
وقال ابن حجر في النكت (2/ 766) في الرد على الدارقطني ومن تبعه في تعليل رواية عدم الجهر بالبسملة: "وفي ذلك نظر؛ لأنه يستلزم ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى مع إمكان الجمع بينهما، وكيف يحكم على رواية عدم الجهر بالشذوذ وفي رواتها عن قتادة مثل شعبة؟ "، ثم ذكر بأنه قد تابع شعبة عليها: سعيد بن أبي عروبة، وشيبان، إلى أن قال:"فيظهر أن قتادة كان يرويه على الوجهين، وكذلك شعبة".
وقال أيضًا (2/ 753): "والجمع بين هذه الألفاظ ممكن بالحمل على عدم الجهر"، وهو ما ذهب إليه في مؤلفاته أمثل: الفتح (2/ 228 و 267)، والدراية (1/ 133)، وغيرها]: أن محصل روايات حديث أنس: نفي الجهر بالبسملة، إلا أنه يُثبت حديث نعيم المجمر بدلالته على الجهر، والله أعلم.
وقال الزيلعي في نصب الراية (1/ 330): "وكل ألفاظه ترجع إلى معنى واحد، يصدق بعضها بعضًا".
• وأما قولهم بأن المراد بحديث أنس هذا اسم السورة؛ فسيأتي رده مفصلًا بعد استيفاء ذكر شواهد حديث أنس.
• وأما استدلالهم بالرواية التي رواها الدارقطني وغيره: عن أنس قال: كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكانوا يفتتحون بأم القرآن فيما يجهر به، فقد تقدم بيان حكمها، وأنها رواية شاذة [راجع ما كتب تحت الطريق الخامسة من طرق حديث قتادة عن أنس].
• وأما استدلالهم بأنه قد ثبت الجهر بالبسملة عن أنس وغيره، فهو استدلال ساقط، إذ لا يصح عن أنس في هذا الباب خلاف ما رواه عنه أصحابه الثقات [كما تقدم بيانه]، وما هي إلا روايات شاذة أو منكرة لا تقوم بها حجة؛ فضلًا عن أن يُعارض بها ما صححه الشيخان، وسيأتي الكلام عن بقية أحاديث الجهر مفصلًا قريبًا إن شاء الله تعالى.
• وأما قول ابن عبد البر في التمهيد (2/ 230) بعد أن ذكر الاختلاف في لفظ حديث أنس: "وهذا اضطراب لا يقوم معه حجة لأحد من الفقهاء"، فليس بمقبول منه؛ إذ يكفينا تصحيح الشيخين البخاري ومسلم لهذا الحديث، فهما إماما هذا الفن، مع عدم قيام المعارض الدال على تضعيفه، إذ ليس مع الخصم حجة قوية في تضعيف هذا الحديث وردِّه، ولا يُعَدُّ مثل هذا اختلافًا قادحًا، فإن قول أنس: كانوا يستفتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، هو معنى قوله: فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ [أو قال: يجهر بـ]: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فأي اضطراب في هذا؟!، كما أن ابن عبد البر جمع إلى الألفاظ المحفوظة ما ليس بمحفوظ من حديث أنس، مثل رواية من قال فيه: كانوا لا يتركون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وهي غير محفوظة من حديث أنس، فلا يُعلُّ الصحيح الثابت المحفوظ بالمنكر أو الشاذ، وكذا فعل الخطيب في مصنفه في الجهر، حيث جمع من طرق أنس ما فيه التصريح بالجهر بالبسملة، وكلها طرق واهية ساقطة، لا يُعارض بمثلها الثابت الصحيح، والله أعلم [انظر: النكت لابن حجر (2/ 753)].
كما أن ابن عبد البر قد ناقض نفسه حيث حكم عليه بالاضطراب في هذا الموضع، ثم هو في موضع آخر من التمهيد (20/ 202) يقول:"فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يفتتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} "، وكذا في الاستذكار (1/ 454).
ومثله تصرف الخطيب البغدادي في كتابه الجهر بالبسملة ص (54 - مختصره) حيث قال: "وقد اختلف في لفظ هذا الحديث أصحابُ شعبة: عليه اختلافًا شديدًا، وإنما اعتبرنا هذه الألفاظ المختلفة، فوجدنا ذكر التسمية غير ثابت"، ثم احتج على ذلك برواية أبي
مسلمة، ولما جعل الخطيب اختلاف أصحاب شعبة عليه علةً لأصل الحديث؛ قال الذهبي متعقبًا إياه:"هذا هوى وغلو منه".
ولما احتج الخطيب برواية أبي مسلمة على رد حديث قتادة، قال الذهبي:"سأله عن افتتاح الصلاة بالبسملة، وفي اللفظ الآخر عن قراءتها، وما في ذلك ما يدل على أنه سأله عن الجهر بها، فيحتمل أنه سأله عن الجهر، فقال له: تسألني عن شيء ما سألني عنه أحد، على سبيل التعجب والإنكار، كما إذا سأل الشخص عن أمر واضح فيقال له ذلك، ويحتمل أنه سأله عن قراءتها سرًّا قبل الحمد، ولم يكن عند أنس علمٌ من أن النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها سرًّا أم لا، فلذلك قال: لتسألني عن شيء لا أحفظه، ويحتمل أنه سأله عن الجهر بها، فقال له: لا أحفظ الجهر بها؛ أي: ما حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهر بها، فيكون الضمير في: لا أحفظه، عائدًا إلى المسؤول عنه، وقد صح عن شعبة أنه قال في روايته عن قتادة عن أنس: قلت لقتادة: أسمعته من أنس؟ قال: نحن سألناه عنه، فعلم أن الذي سألوا عنه أنسًا فرواه لهم هو الاستفتاح بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وأن الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} لم يحفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم".
وقال في السير (21/ 171) في حديث أبي مسلمة: "هذا حديث حسن غريب، وهو ظاهر في أن أبا مسلمة سعيد بن يزيد سأل أنسًا عن الصلوات الخمس: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح، -يعني: أول ما يحرم بالصلاة- بدعاء الاستفتاح، أم بالاستعاذة، أم بالحمد لله رب العالمين؟ فأجابه أنه لا يحفظ في ذلك شيئًا.
فأما الجهر وعدمه بالبسملة فقد صح عنه من حديث قتادة وغيره عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا لا يجهرون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ".
ويؤيد كلام الذهبي رواية حجاج بن محمد: قال شعبة: قال قتادة: سألت أنس بن مالك: بأي شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح القراءة؟ فقال: إنك لتسألني عن شيء ما سألني عنه أحد [عند أحمد (3/ 176)].
وقال ابن حجر في النكت (2/ 760) بعد أن ساق رواية الطيالسي عن شعبة في إثبات السماع وسؤال قتادة، قال:"فهذا اللفظ صريح في أن السؤال كان عن عدم سماع القراءة [يعني: بالبسملة] لا عن سماع الاستفتاح بأي سورة"، وقال نحوه في الفتح (2/ 228).
وقال أيضًا (2/ 762) في الجمع بين حديث قتادة عن أنس، وحديث أبي مسلمة عن أنس:"فوضح بذلك أن سؤال قتادة ليس مخالفًا لسؤال أبي مسلمة، فطريق الجمع بينهما أن يقال: إن سؤال أبي مسلمة كان متقدمًا على سؤال قتادة، بدليل قوله في روايته: لم يسألني عنه أحد قبلك، فكأنه كان إذ ذاك غير ذاكر لذلك، فأجاب بأنه لا يحفظه، ثم سأله قتادة عنه فتذكر ذلك، وحدثه بما عنده فيه".
• وله شواهد من حديث:
1 -
عائشة:
يرويه بُدَيل بن ميسرةَ، عن أبي الجَوزاء، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -
يفتتح الصلاةَ بالتكبير، والقراءةَ بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ،. . . الحديث.
أخرجه مسلم (498)، ويأتي في السنن بعد حديث أنس برقم (783).
2 -
عبد الله بن مغفل:
يرويه إسماعيل ابن علية، ووهيب بن خالد، وبشر بن المفضل، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي [وهؤلاء ثقات أثبات، وسماعهم من الجريري قديم، قبل اختلاطه]، ويزيد بن هارون [ثقة متقن، سمع من الجريري بعد اختلاطه][الكواكب النيرات (24)، شرح علل الترمذي (2/ 742)]:
عن الجريري، عن قيس بن عباية، قال: حدثني ابن عبد الله بن المغفل [وفي رواية إسماعيل ابن علية عند أحمد (4/ 85) (27/ 342 - ط الرسالة) (7/ 3701/ 17060 - ط المكنز) زيادة: يزيد بن عبد الله]، عن أبيه، قال: وقلما رأيت رجلًا أشد عليه في الإسلام حدثًا منه، فسمعني وأنا أقرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فقال: أي بني إياك والحدث، فإني صليت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر، ومع عمر، ومع عثمان، فلم أسمع رجلًا منهم يقول ذلك [وفي رواية وهيب: فكانوا لا يستفتحون القراءة بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ]، فإذا قرأت فقل:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (123 و 138)، والترمذي (244)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 85/ 227)، وابن ماجه (815)، وأحمد (4/ 85) و (5/ 55)، وابن أبي شيبة (1/ 359/ 4128)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 123/ 1350)، والطحاوي (1/ 202)، والبيهقي في المعرفة (1/ 526/ 729)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 206)، وفي الإنصاف (5)، والخطيب في الموضح (2/ 372)، وابن الجوزي في التحقيق (457).
وقد وهم فيه معمر على الجريري [انظر: مصنف عبد الرزاق (2/ 88/ 2600)، فضائل القرآن للمستغفري (636)].
• تابع الجريري عليه [وهو: بصري ثقة]:
أ- راشد بن نجيح أبو محمد [بصري، صالح الحديث. التهذيب (1/ 584)، الميزان (2/ 36)]، قال: حدثني قيس بن عباية به، وفي آخره: فكانوا يفتتحون بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
أخرجه الدولابي في الكنى (3/ 953/ 1664).
ب- ورواه عثمان بن غياث [بصري، ثقة]، قال: أخبرني أبو نعامة الحنفي، قال: حدثنا ابن عبد الله بن مغفل، قال: كان عبد الله بن مغفل إذا سمع أحدَنا يقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، يقول: صليتُ خلف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكر، وخلف عمر رضي الله عنهما، فما سمعت أحدًا منهم قرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 441)، والنسائي في المجتبى (2/ 135/ 908)،
وفي الكبرى (1/ 470/ 982)، وأحمد (5/ 54)، والروياني (884)، والبيهقي (2/ 52)، وابن عبد البر في الإنصاف (6)، والخطيب في الموضح (2/ 372).
وقد تقدم ذكر الاختلاف في هذا الإسناد على أبي نعامة، وأن المحفوظ فيه: أنه عن أبي نعامة، عن ابن عبد الله بن مغفل، عن أبيه [انظر: الطريق الثامنة من طرق حديث أنس].
وانظر فيمن وهم فيه على أبي نعامة، فأسقط ذكر ابن عبد الله بن مغفل من الإسناد: التاريخ الكبير (8/ 442)، طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 7).
قال الترمذي: "حديث عبد الله بن مغفل: حديث حسن".
وقال البيهقي في السنن: "وأبو نعامة قيس بن عباية: لم يحتج به الشيخان، والله أعلم".
وقال في الخلافيات (2/ 61 - مختصره): "ابن مغفل لا نعرفه بما يثبت به حديثه"، وأعله أيضًا بالاختلاف على أبي نعامة.
وقال في المعرفة (1/ 526): "وابن عبد الله بن مغفل وأبو نعامة: لم يحتج بهما صاحبا الصحيح".
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 455): "حديث ضعيف؛ لأنه لم يُعرف ابن عبد الله بن مغفل".
وقال في التمهيد: "قيس بن عباية هذا هو أبو نعامة الحنفي، وهو ثقة، لكن ابن عبد الله بن مغفل غير معروف بحمل العلم، مجهول، لم يرو عنه أحد غير أبي نعامة هذا".
وقال في الإنصاف (3) بعد أن وثَّق أبا نعامة والجريري: "وأما ابن عبد الله بن مغفل فلم يرو عنه أحد إلا أبو نعامة قيس بن عباية فيما علمت، ومن لم يرو عنه إلا رجل واحد فهو مجهول عندهم، والمجهول لا تقوم به حجة".
وقال النووي في المجموع (3/ 300): "فقال أصحابنا والحفاظ: هو حديث ضعيف؛ لأن ابن عبد الله بن مغفل مجهول، قال ابن خزيمة: هذا الحديث غير صحيح من جهة النقل؛ لأن ابن عبد الله مجهول"، ثم نقل ذلك أيضًا عن ابن عبد البر والخطيب البغدادي.
وقال النووي في الخلاصة (1139): "رواه النسائي والترمذي، وقال: حديث حسن، ولكن أنكره عليه الحفاظ، وقالوا: هو حديث ضعيف؛ لأن مداره على ابن عبد الله بن مغفل، وهو مجهول، وممن صرح بهذا: ابن خزيمة، وابن عبد البر، والخطيب البغدادي، وآخرون، ونُسِب الترمذي فيه إلى التساهل"[وانظر: نصب الراية (1/ 332)].
قلت: تحسين الترمذي للحديث إنما هو على شرطه، وإنه من قسم الضعيف عنده، وقد سبق أن ذكرت ذلك مرارًا، فإن تحسين الترمذي للحديث ليس دليلًا على ثبوت الحديث عنده، وإنما الأصل فيه أنه داخل في قسم الضعيف حتى يأتي دليل على تقويته، وهو كما قال الذهبي في الميزان (4/ 416): "فلا يغتر بتحسين الترمذي، فعند المحاققة
غالبها ضعاف"، ولو كان ثابتًا صحيحًا عند الترمذي لقال: "حديث حسن صحيح"، أو قال: "حديث صحيح".
فهذا الحديث قد استوفى شروط الترمذي الثلاثة في الحديث الحسن، فالحديث قد رُوي من غير وجه [كما تقدم من حديث أنس، ومن حديث عائشة، وكما سيأتي من حديث أبي هريرة]، وليس في إسناده متهم، وليس هو بالشاذ، فهذا وجه تحسين الترمذي، فكيف يقال إذًا بأنه متساهل، والله أعلم.
ثم وقفت على كلام جيد لأبي الفتح اليعمري في النفح الشذي (4/ 304)، حيث قال:"والحديث عندي ليس معللًا بغير الجهالة في ابن مغفل، وهي جهالة حالية لا عينية؛ للعلم بوجوده، فقد كان لعبد الله بن مغفل سبعة أولاد، سمي هذا منهم: يزيد، وما رُمي بأكثر من أنه لم يرو عنه إلا أبو نعامة، فحكمه حكم المستور، وأما الترمذي، فإنه لما عرَّف بالحسن عنده قال: هو الذي لا يتهم راويه بكذب، وليس في رواة هذا الخبر من يُتهم بكذب، فهو جارٍ على رسم الحسن عنده، وأما تعليله بجهالة ابن عبد الله بن مغفل، فما أراه يخرجه عن رسم الحسن عند الترمذي ولا غيره، إذ الجهالة كما ذكرنا،. . .".
وعليه: فهذا الإسناد رجاله ثقات؛ غير ابن عبد الله بن مغفل، وهو مجهول الحال، كما قال أبو الفتح اليعمري، والله أعلم.
قال الزيلعي في نصب الراية (1/ 333): "وبالجملة فهذا حديث صريح في عدم الجهر بالتسمية، وهو وإن لم يكن من أقسام الصحيح؛ فلا ينزل عن درجة الحسن، وقد حسنه الترمذي، والحديث الحسن يحتج به، لا سيما إذا تعددت شواهده وكثرت متابعاته، والذين تكلموا فيه وتركوا الاحتجاج به لجهالة ابن عبد الله بن مغفل قد احتجوا في هذه المسألة بما هو أضعف منه، بل احتج الخطيب بما يعلم هو أنه موضوع، ولم يُحسِن البيهقي في تضعيف هذا الحديث،. . .".
قلت: الحديث بهذا الإسناد لا يحسَّن لذاته، لكن إن كان له متابعات وشواهد فعندئذ يحسن لغيره، والله أعلم.
• قال الزيلعي في نصب الراية (1/ 332): "ورواه الطبراني في معجمه، عن عبد الله بن بريدة، عن ابن عبد الله بن مغفل، عن أبيه مثله".
قلت: لم أقف على إسناده، فإن كان يصح إلى ابن بريدة، فيكون قد انضاف راوٍ آخر ممن يروي هذا الحديث عن ابن عبد الله بن مغفل، غير أبي نعامة، وإلا فلا.
• وقد ذكر ابن رجب أن أبا حنيفة وحمزة الزيات روياه عن أبي سفيان، عن يزيد بن عبد الله بن مغفل، عن أبيه نحوه [الفتح لابن رجب (4/ 373)].
وقد وقفت من ذلك على ما رواه ابن بشران في الأمالي (1237)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 472/ 638).
من طريق: محمد بن غالب بن حرب [هو الحافظ الإمام الملقب تمتام، وهو: ثقة
مأمون]: ثنا عبد الصمد بن النعمان: ثنا حمزة الزيات، عن أبي سفيان، عن يزيد بن عبد الله بن مغفل، قال: صلى بنا إمامٌ فجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فلما فرغ قال له أبي: ما هذا الذي تجهر به؟ فإني قد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر -فقال له رجل: وعثمان، فسكت- فلم يجهروا بها.
وبهذه السلسلة تُروى أحاديث عن حمزة بن حبيب الزيات، وعبد الصمد بن النعمان البغدادي البزاز: صدوق مكثر، ولم يخرج له أصحاب الكتب الستة شيئًا، وحديثه في صحيح أبي عوانة وابن خزيمة وابن حبان، وفي مستدرك الحاكم، وفي مسند البزار، وفي الغيلانيات لأبي بكر الشافعي، وفي معاجم الطبراني، وفي سنن الدارقطني، وفي مصنفات البيهقي، وغيرها، وله أوهام [كما في علل الدارقطني]، ولعله لأجلها قال النسائي والدارقطني:"ليس بالقوي"، لكن قد وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم [وهو المعروف بتشدده في الرجال]:"صالح الحديث، صدوق"، وقال العجلي:"ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي في العبر:"وكان أحد الثقات"، وقال في المغني:"صدوق مشهور، قال النسائي: ليس بالقوي"[تاريخ ابن معين للدوري (2/ 364)، سؤالات ابن الجنيد (709)، الجرح والتعديل (6/ 51)، معرفة الثقات (1102)، ثقات ابن حبان (8/ 415)، سنن الدارقطني (2/ 204)، تخريج الأحاديث الضعاف للغساني (601)، إتحاف المهرة (11/ 662/ 14831)، من تكلم فيه الدارقطني في كتاب السنن لابن زريق (209)، تاريخ بغداد (11/ 39)، السير (9/ 518)، العبر (1/ 291)، تاريخ الإسلام (15/ 266)، المغني (2/ 396)، اللسان (5/ 190)].
وقد عزاه ابن رجب لأبي بكر عبد العزيز بن جعفر في كتاب الشافي.
ثم وجدت ابن كثير في جامع المسانيد (4/ 194 - ط الدهيش) ذكر أن الطبراني روى هذا الحديث، عن الحسين بن إسحاق [هو التستري: ثقة حافظ]، عن زياد بن يحيى [هو الحساني النكري: ثقة]، عن حمزة الزيات، عن أبي سفيان، عن يزيد بن عبد الله بن مغفل، عن أبيه، فذكره.
فالحديث محفوظ عن حمزة الزيات، وهو حمزة بن حبيب الزيات المقرئ: صدوق.
ولم ينفرد به، فقد تابعه عليه: أبو حنيفة [النعمان بن ثابت، الإمام الفقيه، وهو: ضعيف في الحديث]، عن أبي سفيان، عن يزيد بن عبد الله بن مغفل، عن أبيه رضي الله عنه؛ أنه صلى خلف إمام جهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فقال له: اغنَ عني كلماتك، فإني قد صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلم أسمعها من أحد منهم.
أخرجه أبو يوسف في الآثار (107)، ومحمد بن الحسن في الآثار (1/ 106/ 81)، وأبو نعيم في مسند أبي حنيفة (132)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (637 و 643)، وغيرهم.
قلت: أبو سفيان السعدي، طريف بن شهاب: متروك، ليس بشيء [التهذيب (2/ 236)، الميزان (2/ 336)].
وعلى هذا فقد جاء اسم هذا الراوي -يزيد بن عبد الله بن مغفل- مصرحًا به في رواية أبي سفيان هذا، وروايته هذه ليست بشيء، وهي لا تصلح في المتابعات، كما جاء مصرحًا به أيضًا في رواية ابن علية عن الجريري، كما وقع في مسند أحمد، لكن الأقرب عندي أن التصريح باسمه ليس محفوظًا من رواية ابن علية؛ فإن ابن حجر لم يذكر التصريح باسمه في أطراف المسند (4/ 243/ 5809)، ولا في أطراف العشرة (10/ 561/ 13422 - إتحاف المهرة)، ولم يذكر ابن الجوزي هذه الرواية في جامع المسانيد (5/ 158 - 166/ 4237 - 4257)، وابن كثير لما أوردها في جامع المسانيد والسنن (4/ 194/ 6788 - ط الدهيش) لم يذكر هذه الزيادة أيضًا، وإنما قال:"عن ابن عبد الله بن مغفل، قال: سمعني أبي"، هكذا مبهمًا، فلم يذكر زيادة:"يزيد بن عبد الله"، والذي يظهر لي أنها مقحمة في المسند، وكأنها وضعت تفسيرًا للإبهام الوارد في الإسناد على الهامش، ثم ألحقها بعض النساخ بعد ذلك بالأصل بعد قول ابن علية:"عن ابن عبد الله بن مغفل" فألحق بها تفسيرًا: "يزيد بن عبد الله"، والله أعلم.
وهذا الحديث قد رواه عن ابن علية بالإبهام: أبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن منيع، وهما إمامان حافظان كبيران، من كبار الحفاظ في زمانهما، وتابعهما أيضًا: مؤمل بن هشام اليشكري، وهو ثقة بصري، مكثر عن ابن علية، بل هو ختن إسماعيل ابن علية، وأهل بيت الرجل أعلم بحديثه من الغرباء.
وقد رواه عن الجريري أيضًا بالإبهام: وهيب بن خالد، وبشر بن المفضل، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي [وهؤلاء ثقات أثبات، وسماعهم من الجريري قديم، قبل اختلاطه]، ويزيد بن هارون [ثقة متقن، سمع من الجريري بعد اختلاطه].
• والحاصل: فإن المحفوظ في هذا الحديث أنه عن ابن عبد الله بن مغفل، هكذا مبهمًا، ولم يصح في التصريح باسمه شيء، بل إن البخاري وابن أبي حاتم لما ترجما له قالا:"ابن عبد الله بن مغفل"، فلم يسمياه، ولم يترجما له بغير هذا الإسناد [التاريخ الكبير (8/ 441)، الجرح والتعديل (9/ 324)].
قال ابن رجب في الفتح (4/ 373): "ويزيد هذا: لم نعلم فيه جرحًا، وقد حسن حديثه الترمذي، وما قاله طائفة من المتأخرين: إنه مجهول، كابن خزيمة وابن عبد البر، فقد علله ابن عبد البر، بأنه لم يرو عنه إلا واحد فيكون مجهولًا؛ يجاب عنه: بأنه قد روى عنه اثنان، فخرج بذلك عن الجهالة عند كثير من أهل الحديث".
قلت: تقدم بيان نكارة الرواية التي جاء فيها التصريح باسمه، فهو مبهم، لكنه أحد أولاد ابن مغفل، بغير تعيين، فهو مجهول الحال، ولم يثبت عندنا رواية من رواه عن عبد الله بن بريدة، عن ابن عبد الله بن مغفل به، فيبقى أبو نعامة على تفرده بهذا الحديث، وأنه قد تفرد بروايته وحده عن ابن عبد اللَّه بن مغفل، واللَّه أعلم.
قال ابن حجر في النكت (2/ 769): "وهو حديث حسن؛ لأن رواته ثقات، ولم يصب من ضعفه بأن ابن عبد الله بن مغفل مجهول لم يُسمَّ".
وقال العيني في نخب الأفكار (3/ 589): "حديث حسن".
قلت: أما حسن لذاته فلا؛ وأما حسن لغيره، لمجيئه من حديث أنس، وعائشة، وأبي هريرة، فنعم؛ فإنه مع ضعف إسناده، لكون تابعيه مجهول الحال، إلا أن مثله صالح في الشواهد، ولقد أجاد العيني في عمدة القاري (5/ 284)، وفي نخب الأفكار (3/ 590) حين قال:"والذين تكلموا فيه وتركوا الاحتجاج به لجهالة ابن عبد الله بن مغفل قد احتجوا في هذه المسألة بما هو أضعف منه؛ بل احتج الخطيب بما يعلم أنه موضوع، فذلك جرأة عظيمة لأجل تعصبه، وحميته بما لا ينفعه في الدنيا ولا في الآخرة".
• وحاصل ما تقدم: فإن حديث عبد الله بن مغفل: حسن لشواهده، والله أعلم.
3 -
ابن عمر:
أ- يرويه يحيى بن المتوكل الباهلي، عن إبراهيم بن يزيد المكي: حدثنا سالم، عن أبيه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر قالوا:"لا تُقطعُ صلاةُ المسلم بشيء، وادرؤوا ما استطعتم"، وكانوا يقرؤونها:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ، وكانوا يستفتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
أخرجه ابن عدي في الكامل (7/ 207)، والدارقطني في السنن (1/ 367)، وفي الأفراد (1/ 526 و 527/ 3007 و 3011 - أطرافه)، والخطيب في الموضح (1/ 383)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 445/ 761).
قال ابن عدي: "وهذا عن سالم يرويه: إبراهيم بن يزيد المكي، وعن إبراهيم بن يزيد: أبو عقيل".
وقال الدارقطني: "تفرد به إبراهيم عن سالم، وتفرد به يحيى بن المتوكل عنه، ولا نعلم حدث به غير إسحاق بن بهلول، ورواه الزهري عن سالم عن أبيه، من قوله".
وقال في العلل (12/ 308/ 2740): "ولا يصح هذا، وإبراهيم متروك".
قلت: هو حديث منكر، وتقدم تخريجه موسعًا تحت الحديث رقم (720).
ب- ورواه عبد الرحيم بن محمد بن زيد السكري: ثنا عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم يقنتوا ولم يجهروا.
قال ابن رجب في الفتح (4/ 375): "وهذا الإسناد كلهم ثقات مشهورون،. . .
ذكر الدارقطني في العلل أنه تفرد به السكري، عن ابن إدريس مرفوعًا، قال: ورواه زائدة والقطان ومحمد بن بشر وابن نمير، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا.
قال: وكذلك رواه مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر موقوفًا.
قال: وهو الصواب" [وكذا هو في علل الدارقطني (12/ 311/ 2742)].
وعلقه الحازمي في الاعتبار (1/ 374/ 119)، من طريق عبد الرحمن بن محمد الدَّيبُلي، عن ابن إدريس به، ولم أعثر للديبلي هذا على ترجمة، ولعله تحرف عن
عبد الرحيم بن محمد السكري، وعبد الرحيم هذا: بغدادي، وثقه الدارقطني [تاريخ بغداد (11/ 86)، تاريخ الإسلام (16/ 260)].
وقد روي عن ابن عمر خلاف ذلك مرفوعًا وموقوفًا، وإنما يصح عنه موقوفًا، ويأتي ذكره في آخر الباب القادم في شواهد أحاديث من قال بالجهر بالبسملة.
4 -
ابن مسعود:
قال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (1/ 17): حدثنا أبو الحسن عبيد الله بن الحسين الكرخي رحمه الله، قال: حدثنا الحضرمي، قال: حدثنا محمد بن العلاء: حدثنا معاوية بن هشام، عن محمد بن جابر، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله، قال: ما جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة مكتوبة بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ولا أبو بكر، ولا عمر رضي الله عنهما.
وهذا إسناد حسن غريب إلى محمد بن جابر اليمامي، والحضرمي هو: الحافظ مطين، محمد بن عبد الله بن سليمان، وشيخ الجصاص: فقيه معتزلي رأس في الاعتزال، وإليه انتهت رياسة أصحاب أبي حنيفة في وقته، والجصاص من كبار تلامذته [تاريخ بغداد (10/ 353)، السير (15/ 426)، الجواهر المضية في طبقات الحنفية (1/ 337)، اللسان (5/ 321)].
قال النووي في المجموع (3/ 301): "ضعيف؛ لأنه من رواية محمد بن جابر اليمامي عن حماد عن إبراهيم عن ابن مسعود، ومحمد بن جابر: ضعيف باتفاق الحفاظ، مضطرب الحديث، لا سيما في روايته عن حماد بن أبي سليمان، هذا وفيه ضعف آخر: وهو أن إبراهيم النخعي لم يدرك ابن مسعود بالاتفاق، فهو منقطع ضعيف، وإذا ثبت ضعفه من هذين الوجهين لم يكن فيه حجة،. . .".
وقال الزيلعي في نصب الراية (1/ 335): "وهذا حديث لا تقوم به حجة، لكنه شاهد لغيره من الأحاديث، فإن محمد بن جابر تكلم فيه غير واحد من الأئمة، وإبراهيم لم يلق عبد الله بن مسعود، فهو ضعيف ومنقطع، والحضرمي هو: محمد بن عبد الله الحافظ المعروف بمطين، وشيخه ابن العلاء هو: أبو غريب الحافظ، روى عنه الأئمة الستة بلا واسطة، والله أعلم".
قلت: هو حديث منكر بهذا الإسناد؛ ومحمد بن جابر بن سيار السحيمي اليمامي: ضعيف؛ وكان قد ذهبت كتبه في آخر عمره، وعمِي، وساء حفظه، وكان يُلقَّن، ويُلحَق في كتابه [انظر: التهذيب (3/ 527)، الميزان (3/ 496)]، قال الإمام أحمد:"محمد يروي أحاديث مناكير، وهو معروف بالسماع، يقولون: رأوا في كتبه لحقًا، حديثه عن حماد فيه اضطراب"[الجامع في العلل ومعرفة الرجال (3/ 61/ 4176)]، وقد سبق أن تكلمت على هذا الإسناد تحت الحديث رقم (749).
• والمعروف في هذا عن ابن مسعود فعله موقوف عليه:
فقد روى يحيى بن سعيد القطان، قال: حدثنا سعيد [يعني: ابن أبي عروبة]، قال: حدثنا عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن عبد الله؛ أنه كان يستفتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
أخرجه العقيلي في الضعفاء (2/ 114).
وهذا موقوف على ابن مسعود بإسناد حسن.
وانظر فيمن وهم فيه على ابن أبي عروبة: المعجم الكبير للطبراني (9/ 263/ 9305).
5 -
أم الحصين:
يرويه هارون بن موسى النَّحْوي: ثنا إسماعيل بن مسلم، عن أبي إسحاق، عن ابن أم الحصين، عن جدته أم الحصين [وفي رواية ابن راهويه: عن أمِّه]؛ أنها كانت تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم في صفٍّ من النساء، فسمعته يقول:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} حتى إذا بلغ: {وَلَا الضَّالِّينَ} قال: "آمين"، حتى سمعتُه وأنا في صفِّ النساء، وكان يكبر إذا سجد، وإذا رفع.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 226)[وفي سنده تحريف وسقط]، وإسحاق بن راهويه في مسنده (5/ 244 - 245/ 2396) مختصرًا، وأبو يعلى في المعجم (313) مختصرًا، والطبراني في الكبير (25/ 158/ 383)، واللفظ له، والدارقطني في الثاني من الأفراد (1)(2/ 403/ 5916 - أطرافه) مختصرًا، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3487 - 3488/ 7910) مختصرًا.
قال الدارقطني: "هذا حديث غريب من حديث أبي إسحاق السبيعي، عن يحيى بن الحصين، عن جدته أم الحصين، تفرد به: إسماعيل بن مسلم المكي عنه، ولم يروه عنه غير هارون بن موسى النحوي".
قلت: ابن أم الحصين هو: يحيى بن الحصين الأحمسي البجلي، وهو ثقة، والراوي عنه: أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله، وهو من أئمة التابعين بالكوفة، وهذا حديث منكر؛ حيث تفرد به عن أبي إسحاق: إسماعيل بن مسلم المكي، وهو: ضعيف، عنده عجائب، ويروي عن الثقات المناكير [العلل ومعرفة الرجال (2/ 352/ 2556)، ضعفاء العقيلي (1/ 92)، الكامل (1/ 283)، التهذيب (1/ 167)]، وأما الراوي عنه: هارون بن موسى أبو إسحاق النحوي البصري الأعور، فهو: ثقة.
6 -
جبير بن مطعم:
وروى عبيد الله بن عمرو الرقي، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجهر في صلائه بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
ذكره الدارقطني في علله.
عزاه ابن حجر في النكت (2/ 769) للإسماعيلي في مسند زيد بن أبي أنيسة، قال ابن حجر:"بسنده الصحيح إليه، عن عمرو بن مرة، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة يجهر فيها بالقراءة، فلما صفَّ الناسُ، كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه"، ثم قرأ بفاتحة الكتاب، ولم يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ".
ويبدو أن هذه الرواية هي التي ذكرها الدارقطني في العلل (13/ 426) عن زيد، فيدل على ثبوتها عنه، والله أعلم.
وهذه الزيادة في آخره [وهي موضع الشاهد] تفرد بها عن عمرو: زيد بن أبي أنيسة [وهو: ثقة]، وقد رواه عن عمرو بدونها: شعبة، ومسعر، وحصين، وهم ثقات أثبات؛ إلا أنهم اختلفوا فيه على عمرو:
فرواه شعبة بن الحجاج [ثقة متقن، حافظ حجة، إمام]، عن عمرو بن مرة، عن عاصم العنزي، عن ابن جبير بن مطعم، عن أبيه.
ورواه مسعر بن كدام [ثقة ثبت]، عن عمرو بن مرة، عن رجل، عن نافع بن جبير، عن أبيه.
ورواه حصين بن عبد الرحمن السلمي [ثقة، ساء حفظه في آخر عمره]، عن عمرو، واختلف عليه فيه، والأشبه من روايته من قال فيها: عن حصين، عن عمرو بن مرة، عن عبَّاد بن عاصم العنزي، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه.
وهو حديث ضعيف؛ لأجل جهالة شيخ عمرو بن مرة، سواء أكان عاصمًا العنزي، أو عباد بن عاصم، وقد خرجته في الذكر الدعاء تحت الحديث رقم (81)(1/ 161)، وتقدم في السنن برقم (764 و 765)، والله أعلم.
قال ابن رجب في الفتح (4/ 374): "وهذا الإسناد رجاله كلهم ثقات مشهورون، ولكن له علة، وهي: أن هذا الحديث قطعة من حديث جبير بن مطعم في صفة تكبير النبي صلى الله عليه وسلم وتعوذه في الصلاة، وقد رواه الثقات عن عمرو بن مرة، عن عاصم العنزي، عن نافع بن جبير، عن أبيه بدون هذه الزيادة؛ فإنه تفرد بها الرقي عن زيد".
وانظر: مسند أبي يعلى (13/ 414/ 7419)، المطالب العالية (15/ 449/ 3784)، مجمع الزوائد (10/ 134)، الدر المنثور (8/ 658).
7 -
عصمة بن مالك الخطمي:
قال الطبراني في الكبير (17/ 178 و 182/ 468 و 484): حدثنا أحمد بن رشدين المصري: ثنا خالد بن عبد السلام الصدفي: ثنا الفضل بن المختار، عن عبيد الله بن موهب، عن عصمة بن مالك الخطمي، قال:. . . ثم ساق أحاديث، إلى أن قال: وبإسناده عن عصمة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستفتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.
وهذا حديث باطل؛ الفضل بن المختار: أحاديثه منكرة، يحدث بالأباطيل، عامة ما يرويه لا يتابع عليه [اللسان (6/ 352)]، وخالد بن عبد السلام الصدفي المصري: قال فيه أبو حاتم: "صالح الحديث"، وقال ابن يونس:"ثقة"[الجرح والتعديل (3/ 342)، الإكمال لابن ماكولا (1/ 62)، تاريخ الإسلام (18/ 254)]، وشيخ الطبراني: أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد: ضعيف، واتهم [انظر: اللسان (1/ 594)].
وأحاديث عصمة بن مالك هذا أخرجها الطبراني، والدارقطني، وغيرهما، ومدارها على الفضل بن المختار، فلا يثبت له حديث [انظر: معجم الصحابة لابن قانع (2/ 294)، المعجم الكبير (17/ 178 - 187)، الكامل (6/ 14)، معرفة الصحابة (4/ 2145)، الإصابة (4/ 504)، وغيرها].
قال الهيثمي في المجمع (2/ 46): "ولا يصح عن عصمة حديث".
8 -
أزهر بن منقر:
يرويه علي بن قرين: ثنا عيسى بن الصلت الكناني، قال: سمعت عبثر [وفي رواية: غثير] بن جابر، سمعته يحدث عن أزهر بن منقر، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وصليت خلفه، فسمعته يفتتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ويسلم تسليمتين.
أخرجه الأزدي في المخزون (7)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 344/ 1066).
قال ابن منده: "غريب؛ لا يعرف إلا من هذا الوجه"[الإصابة (1/ 47)].
قلت: هو حديث موضوع؛ وضعه علي بن قرين، فإنه كذاب خبيث، يضع الحديث [اللسان (6/ 9)، ضعفاء العقيلي (3/ 249)]، ومن فوقه لا يُعرفون إلا من طريقه؛ ولا ذكر لهم إلا في هذه الرواية حسب، فهو إسناد مختلق مصنوع، ولم يُعلُّه ابن حجر في الإصابة بغير عليَّ هذا، حيث قال:"وفي إسناده علي بن قرين، وقد كذبه ابن معين وموسى بن هارون وغيرهما"[انظر: الاستيعاب (1/ 74)، أسد الغابة (1/ 100)، الإصابة (1/ 47)].
9 -
أبي هريرة:
أ- روى عبد الواحد بن زياد: ثنا عمارة بن القعقاع: ثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير: ثنا أبو هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض في الركعة الثانية استفتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ولم يسكت، وفي رواية: إذا قام للركعة الثانية.
وهو حديث صحيح، تقدم تحت الحديث رقم (781).
قال الطحاوي بعده (1/ 200): "ففي هذا دليل أن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ليست من فاتحة الكتاب، ولو كانت من فاتحة الكتاب لقرأ بها في الثانية، كما قرأ فاتحة الكتاب، والذين استحبوا الجهر بها في الركعة الأولى لأنها عندهم من فاتحة الكتاب استحبوا ذلك أيضًا في الثانية، فلما انتفى بحديث أبي هريرة هذا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بها في الثانية، انتفى به أيضًا أن يكون قرأ بها في الأولى، فعارض هذا الحديثُ حديثَ نعيم المجمر، وكان هذا أولى منه، لاستقامة طريقه، وفضل صحة مجيئه على مجيء حديث نعيم".
فاجاب البيهقي في المعرفة (1/ 518) عن هذا بقوله: "ليس يريد به أنه كان لا يقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وإنما يريد به أنه لا يسكت كما سكت في الركعة الأولى عقب التكبير بدعاء الافتتاح، بل يبدأ بقراءة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ يعني: بقراءة سورة {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} كما يقال: قرأ: {الم (1) ذَلِكَ}، و {الم (1) اللَّهُ}، وإنما يراد تلك السورة، وذلك لأن أبا زرعة هو الراوي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في سكوته بين التكبير والقراءة؛ فأراد بهذا أنه كان لا يسكت ذلك السكوت إذا نهض في الركعة الثانية، والذي يؤكد هذا أن بعض رواته قال في متنه: استفتح القراءة ولم يسكت، فدل أن المراد بالحديث ما ذكرنا، والله أعلم".
قلت: السكوت المنفي في حديث أبي هريرة هذا، هو السكوت المثبت في الرواية الأخرى، والذي سأل عنه أبو هريرة رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى بعد تكبيرة الافتتاح؛ يعني: أنه لا يسكت سكوته في الركعة الأولى لدعاء الاستفتاح، ولا ينفي هذا قراءة البسملة سرًّا، لقصر زمنها إذا قيس بدعاء الاستفتاح الوارد في حديث أبي هريرة، وأما قول أبي هريرة: استفتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، فهو على ظاهره، وسيأتي الرد على من قال بأن المراد بها السورة لا الآية، والله أعلم.
ب- وروى بشر بن رافع، عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة، عن أبي هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
أخرجه ابن ماجه (814)، والبزار (15/ 302/ 8818)، وأبو يعلى (11/ 90/ 6221)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 470/ 635).
قال البزار بعد أن روى حديثين بهذا الإسناد هذا أحدهما: "وهذان الحديثان لا نعلمهما يرويان عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، وبشر بن رافع: ليس بالقوي، وإن كان قد روى عنه جماعة من أهل العلم، وحدثوا عنه".
وقال ابن عبد البر في الإنصاف (10): "وبشر بن رافع عندهم: منكر الحديث، قد اتفقوا على إنكار حديثه، وطرح ما رواه، وترك الاحتجاج به، لا يختلف علماء الحديث في ذلك".
فهو حديث ضعيف؛ ابن عم أبي هريرة: مجهول الحال [التهذيب (4/ 547)]، وبشر بن رافع: ضعيف [انظر: التهذيب (1/ 227) وغيره]، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (305).
ج- وروى أبو حفص عمرو بن علي الفلاس: ثنا أبو داود: ثنا شعبة، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، قال: سمعت عبد الرحمن الأعرج، يحدث عن أبي هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استفتح الصلاة قال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ثم سكت هنيهة.
أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 212/ 7302)، والدارقطني في السنن (1/ 313)، وفي العلل (10/ 300/ 2019).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن شعبة إلا أبو داود".
وقال الدارقطني في السنن: "لم يرفعه غير أبي داود عن شعبة، ووقفه غيره من فعل أبي هريرة".
وقال في العلل: "رفعه عمرو بن علي، عن أبي داود، عن شعبة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووقفه غيره، والموقوف هو المحفوظ".
• قلت: رواه غندر، وعبد الرحمن بن مهدي [وهما من أثبت الناس في شعبة]، قالا: حدثنا شعبة، عن محمد بن عبد الرحمن، قال: سمعت عبد الرحمن الأعرج، قال: صليت مع أبي هريرة، فلما كبر سكت ساعةً، ثم قال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
هكذا موقوفًا على أبي هريرة فعله، وهو المحفوظ.
أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (281)، وابن أبي شيبة (1/ 247/ 2843)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 118/ 1341).
قال البخاري بعد رواية غندر: "تابعه معاذ وأبو داود عن شعبة".
فهو موقوف على أبي هريرة، بإسناد صحيح، وفيه حجة قوية لمن تأول حديث نعيم المجمر عن أبي هريرة [الآتي في أحاديث الجهر]، بأنه قرأ البسملة سرًّا.
• وقد روي عن أبي هريرة خلاف ذلك، ويأتي ذكره في آخر الباب القادم في شواهد أحاديث من قال بالجهر بالبسملة.
• وخلاصة ما تقدم: أنه قد صح في باب عدم الجهر بالبسملة، أو افتتاح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}: حديث أنس، وعائشة، وأبي هريرة، ويستشهد في الباب بحديث عبد الله بن مغفل، والله أعلم.
• فإن قيل: عورض حديث أنس وعبد الله بن مغفل في شأن عمر:
فقد روى عمر بن ذر، عن أبيه، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، أن عمر كان يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}. وفي رواية: صليت خلف عمر فجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 362/ 4157)، وابن المنذر (3/ 127/ 1358)، والطحاوي (1/ 200)، والسهمي في تاريخ جرجان (60)، والبيهقي في السنن (2/ 48)، وفي المعرفة (1/ 517/ 712).
وقد اختلف فيه على عمر بن ذر، وبعضهم رواه عنه بدون ذكر أبيه في الإسناد، ورجح الأول الدارقطني في العلل (2/ 175/ 200).
وهذا إسناد صحيح إلى عمر موقوف عليه، وعبد الرحمن بن أبزى صحابي صغير، وقد سمع عمر [انظر: الحديث المتقدم برقم (322)، التاريخ الكبير (5/ 245)، المراسيل (460)، تحفة التحصيل (193)، التهذيب (2/ 485)].
فيقال: هذا مخالف للصحيح الثابت عن عمر من وجوه عديدة أنه كان لا يجهر بالبسملة، أصحها حديث قتادة عن أنس [نصب الراية (1/ 356)، نخب الأفكار في شرح معاني الآثار (3/ 548)].
وصح عنه أيضًا بما يوافق ما رواه عنه أنس من وجوه آخر بأسانيد قوية [انظر: مصنف عبد الرزاق (2/ 93/ 2621)، مصنف ابن أبي شيبة (1/ 361/ 4148)، الأوسط لابن المنذر (3/ 128/ 1360 و 1361)، شرح المعاني (1/ 204)، الإنصاف لابن عبد البر (41)][وانظر أيضًا: نصب الراية (1/ 356)].
قال ابن عبد البر في الإنصاف (81): "وقد روي عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهم: أنهم كانوا يجهرون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، والطرق عنهم ليست بالقوية".
• مسألة:
قال الترمذي بعد حديث قتادة عن أنس (246): "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين ومن بعدهم: كانوا يستفتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
قال الشافعي: إنما معنى هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، معناه: أنهم كانوا يبدؤون بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة، وليس معناه: أنهم كانوا لا يقرؤون: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وكان الشافعي يرى: أن يبدأ بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وأن يجهر بها إذا جهر بالقراءة" [وانظر: الأم (2/ 244)، سنن البيهقي (2/ 51)، الخلافيات (2/ 55 - مختصره)، الاعتبار في الناسخ والمنسوخ (1/ 337)].
وما ذهب إليه الشافعي من كون: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} اسم لسورة الفاتحة، وأن معنى حديث أنس: أنهم كانوا يبدؤون بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة، فقد خالفه فيه الأئمة، وسياق الحديث لا يدل عليه، قال ابن دقيق العيد [وهو شافعي المذهب، في إحكام الأحكام (1/ 234) في أثناء شرح حديث عائشة الآتي:"واستدل به أصحاب مالك على ترك التسمية في ابتداء الفاتحة، وتأوله غيرهم على أن المراد: يفتتح بسورة الفاتحة قبل غيرها من السور، وليس بقوي؛ لأنه إن أُجريَ مجرى الحكاية فذلك يقتضي البداءة بهذا اللفظ بعينه، فلا يكون قبله غيره؛ لأن ذلك الغير يكون هو المفتتح به، وإن جعل اسمًا فسورة الفاتحة لا تسمى بهذا المجموع؛ أعني: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، بل تسمى بسورة الحمد، فلو كان لفظ الرواية: كان يفتتح بالحمد، لقوي هذا المعنى؛ فإنه يدل حينئذ على الافتتاح بالسورة التي البسملة بعضها عند هذا المتأول لهذا الحديث".
ولهذا المعنى فقد أنكر ابن العربي هذا التأويل على الشافعي إنكارًا شديدًا، حيث
قال في الأحكام (1/ 6): "وهذا يكون تأويلًا لا يليق بالشافعي؛ لعظيم فقهه، وأنس وابن مغفل إنما قالا هذا ردًّا على من يرى قراءة:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
وقال الزيلعي في نصب الراية (1/ 331) بأن هذا التأويل: "مما تستبعده القريحة، وتمجه الأفهام الصحيحة؛ لأن هذا من العلم الظاهر الذي يعرفه الخاص والعام،. . . "[وانظر: نخب الأفكار (3/ 603)].
لكن تُعُقِّب قول ابن دقيق العيد هذا، بأن حديث أبي سعيد بن المعلى قد اشتمل على تسمية السورة بهذا المجموع، ففي حديث ابن المعلى:"ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟ "، ثم قال له صلى الله عليه وسلم:" {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، هي السبع المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيته"[أخرجه البخاري (4474 و 4647 و 4703 و 5006)، ويأتي عند أبي داود برقم (1458)][انظر: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 36)، الفتح لابن حجر (2/ 227) و (8/ 158)، النكت له (2/ 765)].
ويمكن أن يجاب عنه بأن البسملة ليست من الفاتحة على الصحيح، أو على عدِّ أهل المدينة، فهي ليست إذًا من السورة، وهذا الحديث من الأدلة على ذلك، أو يكون معنى كلام النبي صلى الله عليه وسلم: السورة التي تبدأ بقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، هي السبع المثاني. . .، فلم يعُدّ البسملة آية منها، والله أعلم [وانظر: التنقيح (2/ 185)].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن تأول حديث أنس على نفي قراءتها سرًّا، فهو مقابل لقول من قال: مراد أنس أنهم كانوا يفتتحون بفاتحة الكتاب قبل غيرها من السور، وهذا أيضًا ضعيف، فإن هذا من العلم العام الذي ما زال الناس يفعلونه، وقد كان الحجاج بن يوسف وغيره من الأمراء الذين صلى خلفهم أنس يقرؤون الفاتحة قبل السورة، ولم ينازع في ذلك أحد، ولا سئل عن ذلك أحد، لا أنس ولا غيره، ولا يحتاج أن يروي أنس هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ومن روى عن أنس أنه شك: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ البسملة أو لا يقرؤها، فروايته توافق الروايات الصحيحة؛ لأن أنسًا لم يكن يعلم هل قرأها سرًّا أم لا، وإنما نفى الجهر"[المجموع (22/ 279)].
وقال أيضًا: "وكلا الروايتين ينفي تأويل من تاول قوله: يفتتحون الصلاة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أنه أراد السورة، فإن قوله: يفتتحون بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، لا يذكرون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول قراءة ولا في آخرها: صريح أنه في قصد الافتتاح بالآية، لا بسورة الفاتحة التي أولها {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، إذ لو كان مقصوده ذلك لتناقض حديثاه.
وأيضًا فإن افتتاح الصلاة بالفاتحة قبل السورة هو من العلم الظاهر العام الذي يعرفه الخاص والعام، كما يعلمون أن الركوع قبل السجود، وجميع الأئمة غير النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان يفعلون هذا، ليس في نقل مثل هذا فائدة، ولا هذا مما يحتاج فيه إلى نقل أنس، ولا هم قد سألوه عن ذلك، وليس هذا مما يسأل عنه، وجميع الأئمة من أمراء
الأمصار والجيوش وخلفاء بني أمية وبني الزبير وغيرهم ممن أدركه أنس كانوا يفتتحون بالفاتحة، ولم يشتبه هذا على أحد، ولا شك، فكيف يظن أن أنسًا قصد تعريفهم بهذا، وأنهم سألوه عنه، وإنما مثل ذلك مثل أن يقال: فكانوا يصلون الظهر أربعًا، والعصر أربعًا، والمغرب ثلاثًا، أو يقول: فكانوا يجهرون في العشاءين والفجر، ويخافتون في صلاتي الظهرين، أو يقول: فكانوا يجهرون في الأوليين دون الأخيرتين،. . ." [مجموع الفتاوى (22/ 412 - 413)].
وقال ابن رجب في الفتح (4/ 355): "وأيضًا؛ فأي فائدة في رواية أنس أو غيره: أن القراءة تفتتح بفاتحة الكتاب، فتقرأ الفاتحة قبل السورة، وهذا أمر معلوم من عمل الأمة، لم يخالف فيه منهم أحد، ولا اختلف فيه اثنان، لا يحتاج إلى الإخبار به، كما أن أحدًا من الصحابة لم يرو في أمور الصلاة ما كان مقررًا عند الأمة، لا يحتاج إلى الإخبار به، مثل عدد الركعات بعد استقرارها أربعًا، ومثل الجهر فيما يجهر به والإسرار فيما يسر، ونحو ذلك مما لا فائدة في الإخبار به.
فكذلك ابتداء القراءة بالفاتحة، لا يحتاج إلى الإخبار به، ولا إلى السؤال عنه، وقد كان أنس يُسأل عن هذا، كما قال قتادة: نحن سألناه عنه، وقد تقدم، وكان يقول أحيانًا: ما سألني عن هذا أحد، وروي عنه أنه قال: ما أحفظه، وهذا يدل على أنه مما يخفى على السائل والمسؤول، ولو كان السؤال عن الابتداء بقراءة الفاتحة لم يخف على سائل ولا مسؤول عنه،. . .".
***
783 -
. . . حسين المعلِّم، عن بُدَيل بن ميسرةَ، عن أبي الجَوزاء، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاةَ بالتكبير، والقراءةَ بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وكان إذا ركع لم يُشخِصْ رأسَه، ولم يُصَوِّبْه، ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستويَ قائمًا، وكان إذا رفع رأسه من السجود لم يسجد حتى يستويَ قاعدًا، وكان يقول في كل ركعتين:"التحيَّاتُ [لله] "، وكان إذا جلس يَفرْش رجله اليسرى وينصِب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عَقِبِ الشيطان، وعن فِرشَة السَّبُع، وكان يختم الصلاة بالتسليم، عليه السلام.
• حديث صحيح.
أخرجه مسلم (498)، وأبو عوانة (1/ 426/ 1585) و (1/ 428/ 1595) و (1/ 485/ 1802) و (1/ 506/ 1891) و (1/ 535/ 2004)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 107/ 1100 و 1101)، وابن ماجه (812 و 869 و 893)، وابن خزيمة (699) (1/ 696/ 699 - ط ماهر الفحل) [وانظر: الإتحاف (16/ 2/ 1054/ 21605)]، وابن حبان (5/ 65/ 1768)، وأحمد (6/ 31 و 194)، وإسحاق بن راهويه (3/ 724/ 1331)، وابن وهب
في الجامع (357)، وعبد الرزاق (2/ 72/ 2540) و (2/ 89/ 2602) و (2/ 154/ 2873) و (2/ 173/ 2938) و (2/ 188/ 3014) و (2/ 196/ 3050) و (2/ 206/ 3081)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (2/ 131)، وابن أبي شيبة (1/ 208/ 2382) و (1/ 226/ 2586) و (1/ 232/ 2654) و (1/ 254/ 2924) و (1/ 255/ 2939) و (1/ 258/ 2965) و (1/ 360/ 4131)، وأبو يعلى (8/ 127/ 4667)، وأبو العباس السراج في مسنده (353)، وأبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث (60)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (633 و 634)، والبيهقي في السنن (2/ 15 و 85 و 113 و 121 و 133 و 172)، وفي المعرفة (2/ 26/ 876)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 205 و 206)، وفي الإنصاف (8).
وفي رواية مسلم: وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السَّبُع، وهي تفسر رواية أبي داود: وعن فِرشَة السَّبُع.
• تنبيه: رويت في الحديث لفظة: وكان يفرش رجله اليسرى تحت اليمنى، عند ابن خزيمة، وهي غير محفوظة، فقد أثبتها ابن حجر في إتحاف المهرة بلفظ: وكان يفرش رجله اليسرى ويحبس اليمنى، وهي موافقة للرواية المحفوظة، فقد روى الحديث عن حسين المعلم باللفظ المحفوظ جماعة من الثقات، مثل: يحيى بن سعيد القطان، وإسحاق بن يوسف الأزرق، ويزيد بن هارون، وعبد الوارث بن سعيد، ومحمد بن جعفر غندر، وعيسى بن يونس، وأبو خالد الأحمر سليمان بن حيان، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وغيرهم، قالوا: يَفرُش رجله اليسرى، وينصِب رجله اليمنى.
• تابع حسينًا المعلم عليه:
1 -
سعيد بن أبي عروبة، عن بُدَيل، عن أبي الجَوزاء، عِن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاةَ بالتكبير، ويفتتح القراءةَ بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} ، ويختمها بالتسليم.
أخرجه الدارمي (1/ 308/ 1236)، وأحمد (6/ 171)، والطحاوي (1/ 203)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 107/ 1101)، وفي الحلية (3/ 82) و (9/ 252)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 205)، وفي الإنصاف (9).
قال أبو نعيم: "صحيح ثابت من حديث أبي الجوزاء".
رواه عن ابن أبي عروبة: أسباط بن محمد [ثقة، قدمه أحمد على الخفاف في ابن أبي عروبة، وقال: "لأنه سمع بالكوفة"][لكن الراوي عنه عند الطحاوي: محمد بن عمرو بن يونس السوسي، وهو محدِّث مكثر، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال عنه العقيلي: "كوفي كان بمصر، وكان يذهب إلى الرفض، وحدث بمناكير"، ثم أنكر عليه حديثًا متنه محفوظ. تاريخ دمشق (55/ 34)، اللسان (7/ 418)]، وسعيد بن عامر الضبعي [ثقة]، وجعفر بن عون [كوفي: ثقة]، وإسرائيل بن أبي إسحاق [كوفي، ثقة]، وغندر محمد بن جعفر [ثقة، سمع من ابن أبي عروبة بعد اختلاطه].
2 -
ورواه أسود بن عامر [شاذان: ثقة]: ثنا أبان [هو: ابن يزيد العطار: ثقة]، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء، عن عائشة؛ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يستفتح القراءةَ بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
أخرجه أحمد (6/ 110).
3 -
ورواه أسباط بن محمد [ثقة، كوفي]، قال: حدثنا شعبة، عن بُدَيل، عن أبي الجَوزاء، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاةَ بالتكبير، ويفتتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} .
أخرجه أحمد (6/ 281).
وهذا غريب من حديث شعبة.
4 -
ورواه عبد الرحمن بن بديل بن ميسرة [لا بأس به]، عن أبيه، عن أبي الجوزاء، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاةَ بالتكبير، والقراءةَ بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، فإذا ركع لم يشخص رأسه، ولم يخفضه، ولكن بين ذلك، فإذا رفع رأسه لم يسجد حتى يستوي قائمًا، فإذا سجد فرفع رأسه لم يسجد حتى يستوي قاعدًا، وكان يفرُش قدمه اليسرى، وينصِب قدمه اليمنى، وكان يقول في كل ركعتين التحيات، وكان ينهى عن عَقِب الشيطان، وعن افتراشٍ كافتراش السبُع والكلب، وكان يختم الصلاةَ بالتسليم.
أخرجه الطيالسي (3/ 133/ 1651)، ومن طريقه: الطبراني في الأوسط (7/ 320/ 7617)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 63 و 82).
قال أبو داود الطيالسي: حدثنا عبد الرحمن بن بديل العقيلي، بصري ثقة صدوق، عن أبيه به.
وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عبد الرحمن بن بديل إلا أبو داود الطيالسي".
وقال أبو نعيم: "وهو صحيح، أخرجه مسلم في صحيحه".
5 -
ورواه عبد السلام بن حرب [ثقة]، عن بديل، عن أبي الجوزاء، عن عائشة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في الركعتين التحيات.
وفي رواية: كان لا يزيد في الركعتين على التشهد.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 263/ 3023)، وأبو يعلى (7/ 337/ 4373).
• خالفهم في إسناده:
حماد بن زيد [ثقة ثبت]: ثنا بديل، عن عبد الله بن شقيق، عن عائشة رضي الله تعالى عنها؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وفي رواية: قال حماد: حفظي عن ابن شقيق.
أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 119)، والبيهقي (2/ 15).
قلت: كان حمادًا روجع في إسناده، وقيل له: إن بديلًا إنما يرويه عن أبي الجوزاء،
لا عن ابن شقيق، فقال حماد عندئذ: حفظي عن ابن شقيق، ولم يجزم بخطأ من قال فيه: عن أبي الجوزاء، وعلى هذا فرواية الجماعة أولى بالصواب.
ولا عبرة بما رواه أحد المتروكين، وهو الصلت بن دينار، عن عبد الله بن شقيق، عن عائشة به مختصرًا.
أخرجه جعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 470/ 632).
وقد ذكر الدارقطني في العلل (14/ 397/ 3752) الاختلاف في إسناد هذا الحديث، وزاد على الذين رووه عن بديل عن أبي الجوزاء: عبد الأعلى بن حسين بن ذكوان المعلم [ذكره ابن حبان في الثقات، وقال العقيلي: "منكر الحديث"، اللسان (5/ 45)]، وإبراهيم بن طهمان [ثقة]، ليصل عدد من روى هذا الحديث عن بديل عن أبي الجوزاء إلى ثمانية رجال خالفوا حمادًا في إسناده، قال الدارقطني:"والقول: قول من قال: عن أبي الجوزاء، واسمه: أوس بن عبد الله الربعي".
• وخالفهم في متنه:
طَلْق بن غَنَّام: حدثنا عبد السلام بن حرب المُلائي، عن بُدَيل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة، قال:"سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك".
وهو حديث شاذ، تقدم برقم (776)، وقد سبق تخريجه في الذكر والدعاء (1/ 152)، تحت الحديث رقم (78).
• قال ابن عبد البر في التمهيد: "اسم أبي الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي: لم يسمع من عائشة، وحديثه عنها مرسل".
وقال في الإنصاف: "رجال إسناد هذا الحديث ثقات كلهم، لا يختلف في ذلك، إلا أنهم يقولون أن أبا الجوزاء لا يعرف له سماع من عائشة، وحديثه عنها إرسال".
قال الحافظ رشيد الدين العطار في غرر الفوائد (68): "وإدراك أبي الجوزاء هذا لعائشة رضي الله عنها معلومٌ لا يختلف فيه، وسماعه منها جائز ممكن؛ لكونهما جميعًا كانا في عصر واحد، وهذا ومثله محمول على السماع عند مسلم رحمه الله، كما نص عليه في مقدمة كتابه الصحيح؛ إلا أن تقوم دلالة بينة على أن ذلك الراوي لم يلق من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئا، فحينئذ يكون الحديث مرسلًا، والله أعلم.
وقد روى البخاري في تاريخه [(2/ 16)] عن مسدد، عن جعفر بن سليمان، عن عمرو بن مالك النُّكْري، عن أبي الجوزاء، قال: أقمت مع ابن عباس وعائشة اثنتي عشرة سنة، ليس من القرآن آية إلا سألتهم عنها، قال البخاري: في إسناده نظر، قلت: ومما يؤيد قول البخاري رضي الله عنه ما رواه محمد بن سعد كاتب الواقدي، وكان ثقة، عن عارم، عن حماد بن زيد، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، قال: جاورت ابن عباس في داره اثنتي عشرة سنة، فذكره ولم يذكر عائشة، وهذا أولى بالصواب، والله أعلم.
وقد روى أبو الجوزاء هذا عن ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة، وقتل في الجماجم سنة ثلاث وثمانين من الهجرة، ولم يخرج البخاري له عن عائشة شيئًا، وبالله التوفيق.
وقد روى هذا الحديث أعني حديث أبي الجوزاء: إبراهيم بن طهمان الهروي، وهو من الثقات الذين اتفق البخاري ومسلم على إخراج حديثهم في الصحيحين، عن بديل العقيلي، عن أبي الجوزاء، قال: أرسلتُ رسولًا إلى عائشة رضي الله عنها، أسألها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان يفتتح الصلاة بالتكبير، الحديث"، ثم أسنده إلى ابن طهمان، ثم قال: "وهذا الحديث مخرج في كتاب الصلاة لأبي بكر جعفر بن محمد بن الحسين الفريابي، وهو إمام من أئمة أهل النقل، ثقة مشهور، وإسناده إسناد جيد، لا أعلم في أحد من رجاله طعنًا، وقول أبي الجوزاء فيه: أرسلت إلى عائشة يؤيد ما ذكر ابن عبد البر، والله أعلم".
قلت: رواه جعفر الفريابي، قال: حدثنا مزاحم بن سعيد: أخبرنا عبد الله بن المبارك: حدثنا إبراهيم به.
وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير أبي الحسن مزاحم بن سعيد المروزي: شيخ لجعفر الفريابي، وقد أكثر عنه في مصنفاته، يروي عن عبد الله بن المبارك المروزي وغيره، ولم أر من تكلم فيه بجرح أو تعديل، سوى قول العطار: وإسناده إسناد جيد، لا أعلم في أحد من رجاله طعنًا"، وهو مذكور في مشيخة أبي بكر الفريابي التي رتبها المزي على المعجم [كما في سير أعلام النبلاء (14/ 104)].
وقد روي عن ابن طهمان من وجه آخر، لكن بدون ذكر قصة الرسول، أعني بإسقاط الواسطة بين أبي الجوزاء وعائشة.
أخرجه ابن بشران في جزء فيه سبعة مجالس من أماليه (31)، وأبو علي بن شاذان في الأول من حديثه (43)، بطرف من الحديث.
لكنه لا يصح عن ابن طهمان؛ ففي الإسناد إليه: محمد بن عيسى بن حيان المدائني: وهو ضعيف، كان مغفلًا، لم يكن يدري ما الحديث، حدث عن مشايخه بما لا يتابع عليه، وقال الدارقطني والحاكم:"متروك"، ومشاه بعضهم [اللسان (7/ 428)].
وأما قول البخاري: "في إسناده نظر"، فقد حمله العقيلي في ضعفائه على تضعيف أبي الجوزاء نفسه، حيث ترجم له في ضعفائه (1/ 124)، ثم أورد قول البخاري، ثم حمَّل أبا الجوزاء تبعة حديثه عن عبد الله بن عمرو في صلاة التسابيح، ثم قال:"ليس في صلاة التسابيح حديث يثبت"، وقد أخطأ العقيلي في هذا من وجوه، حيث حمَّل كلام البخاري ما لا يحتمله، وأبو الجوزاء برئ من تبعة الحديث، ففي الإسناد إليه: يحيى بن سليم الطائفي [ويقال له أحيانًا: يحيى بن سليمان]، وهو: صدوق، سيئ الحفظ، له أحاديث غلِط فيها [انظر: التهذيب (4/ 362) وغيره]، والراوي عنه: نعيم بن حماد، وهو: ضعيف، وأحسن أحواله أن يقال فيه: صدوق، كثير الوهم والخطأ، له مناكير كثيرة تفرد بها عن الثقات المشاهير [انظر: التهذيب (4/ 234)، الميزان (4/ 267)].
وإنما التبعة فيما قاله البخاري إنما هي على جعفر بن سليمان الضبعي، أو على شيخه عمرو بن مالك النُّكْري، والأرجح أنها على الأول؛ فقد رواه عارم محمد بن الفضل، ويونس بن محمد المؤدب، وسليمان بن حرب [وهم ثقات حفاظ]:
قالوا: حدثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن مالك، قال: سمعت أبا الجوزاء يقول: جاورت ابن عباس ثنتي عشرة سنة [في داره]، وما من القرآن آية إلا وقد سألته عنها.
زاد سليمان بن حرب: وكان رسولي يختلف إلى أم المؤمنين غدوة وعشية، فما سمعت من أحد من العلماء ولا سمعت أن الله تعالى يقول لذنب: إني لا أغفره؛ إلا بالشرك به.
أخرجه ابن سعد في الطبقات (7/ 224)، وعبد الله بن أحمد في العلل ومعرفة الرجال (1/ 43/ 1181) و (2/ 305/ 2356)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 79).
فالمقصود إذًا من قول البخاري: "في إسناده نظر": عدم إثبات سماع أبي الجوزاء من عائشة، قال ابن عدي في الكامل (1/ 411) (2/ 108 - ط العلمية) بعد أن نقل قول البخاري:"وأوس بن عبد الله أبو الجوزاء هذا يحدث عنه عمرو بن مالك النكري، يحدث عن أبي الجوزاء هذا أيضًا عن ابن عباس قدر عشرة أحاديث غير محفوظة، وأبو الجوزاء روى عن الصحابة: ابن عباس، وعائشة، وابن مسعود، وغيرهم، وأرجو أنه لا بأس به، ولا يصحَّح روايته عنهم أنه سمع منهم، وقول البخاري: في إسناده نظر؛ [يريد] أنه لم يسمع من مثل ابن مسعود وعائشة وغيرهما، لا أنه ضعيف عنده، وأحاديثه مستقيمة مستغنية عن أن أذكر منها شيئًا في هذا الموضع".
وما ذهب إليه ابن عدي من عدم ثبوت سماع أبي الجوزاء من عائشة: صحيح؛ إذ تؤيده رواية سليمان بن حرب؛ فإن أبا الجوزاء وإن كان معاصرًا لعائشة، مدركًا لها، إلا أنه كان يتحمل عنها بواسطة رسوله الذي كان يبعثه إليها، ورواية ابن طهمان التي ساقها رشيد الدين العطار في غرر الفوائد من طريق جعفر الفريابي على نفس هذا النسق، تؤكده وتدلل عليه في خصوص هذا الحديث، وبناءً على ذلك؛ يمكن أن يقال: إن مسلمًا حمل هذه الرواية على مطلق الاتصال من جهة ثبوت الواسطة بينه وبين عائشة مع كونها مبهمة، وأنه اعتمد على توثيق أبي الجوزاء لرسوله؛ إذ يبعد أن يتخذ رسولًا غير أمين في النقل، أو أن هذه الرواية خفيت على مسلم، فأعمل في الرواية مطلق الاتصال وإن لم يثبت السماع؛ اكتفاء بالمعاصرة وإمكان اللقاء، والله أعلم.
وفي كلام ابن عدي هذا أيضًا تفسير قول البخاري، وأنه إنما عنى به عدم سماع أبي الجوزاء من عائشة، وأن البخاري لم يقصد بهذا القول تضعيف أبي الجوزاء، ثم ذهب ابن عدي إلى أن أبا الجوزاء وإن كان لم يسمع من عائشة وغيرها؛ إلا أن أحاديثه مستقيمة، بخلاف ما رواه عنه الضعفاء، أو من تكلم فيهم مثل: عمرو بن مالك النكري، وقد عاد ابنُ عدي على عمرو بن مالك النكري بالتضعيف، مبينًا كون البخاري لم يرِد تضعيف أبي
الجوزاء؛ إذ كيف يضعِّفه مع استقامة أحاديثه، وإخراج البخاري نفسه له في الصحيح.
فقد أخرج البخاري في صحيحه، في (65) كتاب التفسير، من سورة النجم، باب:{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19)} [النجم: 19]، (4859)، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا أبو الأشهب: حدثنا أبو الجوزاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله:{اللَّاتَ وَالْعُزَّى} : كان اللاتُ رجلًا يَلُتُّ سَوِيقَ الْحَاجِّ.
وهذه الرواية تبين أن البخاري إنما أنكر من الرواية التي أوردها في تاريخه سماع أبي الجوزاء من عائشة وحدها، لا من ابن عباس، حيث أخرج لأبي الجوزاء عن ابن عباس في صحيحه، والله أعلم.
وقد تكلمت حول هذه المسألة [وذلك تحت الحديث السابق برقم (757)، في آخر البحث]، وحققت القول في عمرو بن مالك النكري، وأنه كما قال ابن حجر:"صدوق، له أوهام"، والله أعلم.
وأما ما جاء عند عبد الرزاق (2/ 72/ 2540) من تصريح أبي الجوزاء بالسماع من عائشة، فلا يصح؛ إذ راويه عن حسين المعلم: عثمان بن مطر، وقد ضعفوه، ومنهم من تركه، وعدَّه منكر الحديث [التهذيب (3/ 79)، الميزان (3/ 53)].
قال الزيلعي في نصب الراية (1/ 334): "يكفينا أنه حديث أودعه مسلم صحيحه، وأبو الجوزاء اسمه أوس بن عبد الله الربعي: ثقة كبير، لا يُنكَر سماعه من عائشة، وقد احتج به الجماعة، وبديل بن ميسرة: تابعي صغير، مجمع على عدالته وثقته، وقد حدث بهذا الحديث عنه الأئمة الكبار، وتلقاه العلماء بالقبول، ولم يتكلم فيه أحد منهم".
وقال ابن الملقن في البدر المنير (3/ 455): "قلت: إدراكه لها ممكن؛ بل ورد مشافهته لها بالسؤال، لكن قال البخاري: في إسناده نظر".
قلت: سبق بيان عدم ثبوت هذه المشافهة، بل لم يسمع منها، كما قال ابن عدي وابن عبد البر.
وقال ابن حجر في التهذيب (1/ 194) بعد رواية ابن طهمان: "فهذا ظاهره أنه لم يشافهها، لكن لا مانع من جواز كونه توجه إليها بعد ذلك فشافهها على مذهب مسلم في إمكان اللقاء، والله أعلم"، قلت: وهذا احتمال عقلي محض، يعارضه ما ثبت عن أبي الجوزاء أنه إنما كان يحمل عن عائشة ما يأتيه به رسوله من عندها، وقد ثبتت الواسطة في هذا الحديث بعينه، ولم يثبت عندنا السماع ولو مرة واحدة، والله أعلم.
• يبقى أن يقال: إن حديث أبي الجوزاء عن عائشة وإن لم يسمعه منها؛ حديث مستقيم، بحكم ابن عدي على مطلق أحاديث أبي الجوزاء بالاستقامة، وبتوثيق أبي حاتم وأبي زرعة والعجلي وابن حبان والسمعاني لأبي الجوزاء [التهذيب (1/ 194)، الجرح والتعديل (2/ 304)، الأنساب (5/ 253)]، مما يقتضي استقامة حديثه عندهم، مع ما علم من تشدد أبي حاتم في الرجال، وبتصحيح مسلم لحديثه هذا عن عائشة، وقد وافق مسلمًا
على تصحيحه: أبو عوانة وأبو نعيم وابن خزيمة وابن حبان، ولكون الحديث له شواهد كثيرة تؤكد صحته وثبوته.
فمنها مما تقدم: حديث أنس وأبي هريرة وابن مغفل في مسألة افتتاح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
ومنها: حديث علي بن أبي طالب وما كان في معناه: في افتتاح الصلاة بالتكبير، واختتامها بالتسليم [تقدم عند أبي داود برقم (61)، وهو حديث صحيح].
• وأما جملة: وكان إذا ركع لم يُشخِصْ رأسَه، ولم يُصَوِّبْه، ولكن بين ذلك، فهي ثابتة صحيحة من حديث أبي حميد الساعدي، ولفظه: ثم عدل صلبه، ولم يُصوِّب رأسه، ولم يُقنِعه [تقدم برقم (730)، وهو حديث صحيح].
• وأما جملة: وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستويَ قائمًا، وكان إذا رفع رأسه من السجود لم يسجد حتى يستويَ قاعدًا، فيشهد لها حديث أبي حميد الساعدي، ولفظه: ثم يقول: "سمع الله لمن حمده"، ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلًا، حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلًا، ثم يكبر ويسجد فيجافي جنبيه، ثم يرفع رأسه، فيثني رجله اليسرى، فيقعد عليها، ويفتخ أصابع رجله اليمنى، [وفي رواية أبي أسامة: حتى رجع كل عظم إلى موضعه].
وفي رواية: واعتدل حتى رجع كلُّ عظمٍ في موضعه معتدلًا، ثم هوى ساجدًا. . . ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها، واعتدل حتى رجع كلُّ عظم في موضعه [معتدلًا].
• وأما جملة: وكان يقول في كل ركعتين: "التَّحيَّاتُ [للَّه] "، فهي ثابتة من عموم أحاديث صفة الصلاة، وأحاديث سجود السهو، وأحاديث التشهد، وغير ذلك، مما فيه إثبات جلسة التشهد الأوسط، وجلسة التشهد الأخير، وذكر التشهد فيهما.
• وأما جملة: وكان إذا جلس يَفرْش رجله اليسرى وينصِب رجله اليمنى، فهي ثابتة من حديث وائل بن حجر، ولفظ رواية ابن عيينة: ورأيته إذا جلس في الصلاة أضجع رجله اليسرى، ونصب اليمنى [تقدم تحت الحديث السابق برقم (728)، وهو حديث صحيح].
ومن حديث أبي حميد الساعدي، بلفظ: فيثني رجله اليسرى، فيقعد عليها، ويفتخ أصابع رجله اليمنى [تقدم برقم (730)، وهو حديث صحيح]، وفي رواية: فإذا جلس في الركعتين جلس على رجلِه اليسرى، ونصب اليمنى [تقدم برقم (732)، وهو حديث صحيح، أخرجه البخاري].
ومن حديث ابن عمر؛ الذي رواه عبد الرحمن بن القاسم، عن عبد الله بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر، أنه قال: إنما سُنَّة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى، وتثني اليسرى.
أخرجه البخاري (827)، ويأتي تخريجه في سنن أبي داود برقم (958) إن شاء الله تعالى.
ومن حديث ميمونة، الذي رواه مروان بن معاوية الفزاري، قال: حدثنا عبيد الله بن
عبد الله بن الأصم، عن يزيد بن الأصم أنه أخبره، عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد خوَّى بيديه -يعني: جنَّح- حتى يُرى وَضَحُ إبطيه من ورائه، وإذا قعد اطمأن على فخذه اليسرى.
أخرجه مسلم (497)، ويأتي تخريجه في سنن أبي داود برقم (898) إن شاء الله تعالى.
• وأما جملة: وكان ينهى عن عَقِبِ الشيطان، أو: عن عقبة الشيطان: وفسِّر بالإقعاء المكروه، وهو إقعاء الكلب، وفيه أحاديث كثيرة لا تخلو من مقال، ويأتي الكلام عليها عند الكلام عن الإقعاء المسنون عند أبي داود برقم (845) إن شاء الله تعالى.
وفسِّر أيضًا بترك العقبين غير مغسولين في الوضوء، كما قاله ابن الأثير في النهاية (3/ 268)، وفي الوعيد على عدم غسل العقبين أحاديث صحيحة كثيرة، راجع الحديث رقم (97).
• وأما جملة النهي: عن فِرشَة السَّبُع، وفي رواية مسلم: وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السَّبُع، فهي ثابتة من حديث أنس:
الذي رواه قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب".
وهو حديث متفق عليه [البخاري (532 و 822)، ومسلم (493)]، ويأتي تخريجه في موضعه من سنن أبي داود برقم (897) إن شاء الله تعالى.
• ولحديث عائشة هذا طرق أخرى لا تصح، وقفت منها على ما رواه:
1 -
خلف بن القاسم، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن كامل: حدثنا أبو أحمد إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم البغدادي: حدثنا الحارث بن محمد: حدثنا أبو مصعب: حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن القاسم بن محمد، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وسمعت أبا بكر الصديق يفتتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وسمعت عمر بن الخطاب يفتتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وسمعت عثمان بن عفان يفتتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (20/ 204)، قال: حدثنا خلف به.
قال ابن عبد البر: "وهذا حديث موضوع بهذا الإسناد، لا أصل له في حديث مالك، ولا في حديث ابن شهاب، وهو منكر كذب عن هؤلاء، وعن القاسم بن محمد أيضًا، ولا يصح عن أحد منهم، والمعروف فيه عن عائشة ما أخبرناه. . ."، ثم أسند حديث بديل عن أبي الجوزاء عن عائشة.
قلت: الحارث بن محمد الأقرب عندي أنه: ابن أبي أسامة صاحب المسند، فإنه يروي عن طبقة أبي مصعب الزهري.
وأما أبو أحمد إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم البغدادي: فإني لم أجده في تاريخ بغداد، وقال عنه ابن حجر في اللسان (1/ 238):"رجاله معروفون إلا هذا، إن كان الحارث بن محمد هو: ابن أبي أسامة؛ وإلا فهو مجهول أيضًا".
2 -
حارثة بن أبي الرِّجال، عن عمرة، قالت: سألت عائشة: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ فوضع يديه في الإناء سمى الله، ويسبغ الوضوء، ثم يقوم مستقبل القبلة، فيكبر، ويرفع يديه حذاء منكبيه، ثم يركع فيضع يديه على ركبتيه، ويجافي بعضديه، ثم يرفع رأسه فيقيم صلبه، ويقوم قيامًا هو أطول من قيامكم قليلًا، ثم يسجد فيضع يديه تجاه القبلة، ويجافي بعضديه ما استطاع فيما رأيت، ثم يرفع رأسه فيجلس على قدمه اليسرى، وينصب اليمنى، ويكره [وفي رواية: كراهية، أن يسقط على شقِّه الأيسر.
أخرجه بتمامه أو طرفًا منه: ابن ماجه (874 و 1062)، واللفظ له في الموضع الثاني.
وإسحاق بن راهويه (2/ 433/ 999) و (2/ 441/ 1008 و 1009) و (2/ 445/ 1013)، وابن أبي شيبة (1/ 12/ 16) و (1/ 220/ 2527) و (1/ 236/ 2712)، والبزار (18/ 260/ 307)(261 - كشف)، والقاسم بن زكريا المطرز في فوائده (111)، وأبو يعلى (8/ 143/ 4687) و (8/ 227/ 4796) و (8/ 278/ 4864)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 169/ 1440)، وأبو جعفر ابن البختري في الرابع من حديثه (115)(359 - مجموع مصنفاته) مطولًا، والطبراني في الدعاء (383 و 384)، وابن عدي في الكامل (2/ 198 و 199)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (2/ 260) و (3/ 581)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (180)، والدارقطني في السنن (1/ 72 و 344)، وفي الأفراد (2/ 503/ 6483 - أطرافه).
قال ابن عدي: "وبلغني عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه نظر في جامع إسحاق بن راهويه؛ فإذا أول حديث قد أخرج في جامعه هذا الحديث، فأنكره جدًّا، وقال: أول حديث في الجامع يكون عن حارثة".
وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 75): "وروى الحربي عن أحمد أنه قال: هذا يزعم [يعني: ابن راهويه] أنه اختار أصح شيء في الباب، وهذا أضعف حديث فيه".
وقال ابن عدي بعد أن أورد له هذا الحديث مقطعًا في جملة من حديثه: "ولحارثة هذا غير ما ذكرت من الحديث، وبعض ما يرويه منكر، لا يتابع عليه".
قلت: هو حديث منكر؛ فإن حارثة بن أبي الرجال: متروك، منكر الحديث [التهذيب (1/ 341)، الميزان (1/ 445)].
وانظر أيضًا في المناكير: حلية الأولياء (10/ 320).
• قال أبو عبيد في غريب الحديث (2/ 131): ""إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوِّبه"، وبعضهم يرويه: "لم يصوِّب رأسه، ولم يقنعه"، يقول: لم يرفعه حتى يكون أعلى من جسده، ولكن بين ذلك"، ثم قال:"فالإقناع: رفع الرأس وإشخاصه".
وقال الخطابي في المعالم (1/ 172): ""لم يصوِّبه" أي: لم يخفضه".
وأما قولها: وكان ينهى عن عَقِبِ الشيطان، فقيل: هو أن يقعد على عقبيه في الصلاة، لا يفترش رجله ولا يتورك، وقيل: هو أن يلصق الرجل إليتيه بالأرض، ناصبًا ساقيه، واضعًا يديه بالأرض، مثل إقعاء الكلب والسبع، والثاني هو الأقرب، وذهب إليه أبو عبيدة معمر بن المثنى، وأبو عبيد القاسم بن سلام [غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 265)، مسائل الكوسج (227)، الأوسط لابن المنذر (3/ 191)، معالم السنن (1/ 172)، مشارق الأنوار (2/ 99)، شرح مسلم للنووي (4/ 214)، إحكام الأحكام (1/ 236)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 48)].
• ومما يحتج به أيضا على ترك الجهر بالبسملة في الصلاة:
حديث أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى صلاةً لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج" ثلاثًا، "غير تمام"، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام، فقال: اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:"قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال: مجدني عبدي، -وقال مرة: فوَّض إليَّ عبدي-، فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)}، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل".
أخرجه مسلم (395)، وسيأتي تخريجه مفصلًا في موضعه من السنن برقم (821)، إن شاء الله تعالى.
وقد احتج النسائي بهذا الحديث على ترك قراءة البسملة، حيث بوب لهذا الحديث في سننه (2/ 135/ 909) بقوله:"ترك قراءة: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في فاتحة الكتاب"، وكذا قال في السنن الكبرى (1/ 470/ 983).
وقال أبو عمرو الداني في البيان في عد آي القرآن (57): "وحديث مالك وغيره، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: يُؤذِن أن الآية السادسة أيضًا {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، ويدلُّ دلالة قطعية على أن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ليست من أم القرآن، ولا من غيرها من السور، وكل من لم ير قراءتها في الصلاة الفريضة فليست عنده آية".
وقال ابن عبد البر في الإنصاف (10): "وهو أصح حديث روي في سقوط {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} من أول فاتحة الكتاب، وأبينه وأبعده من احتمال التأويل"، وقال في موضع آخر (12):"لا أعلم حديثًا في سقوط {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} من أول فاتحة الكتاب أبين من حديث العلاء هذا"، ثم أطال في تقرير ذلك وبيانه.
وقال في الاستذكار (1/ 437): "وهو أقطع حديث وأثبته في ترك قراءة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول فاتحة الكتاب؛ لأن غيره من الأحاديث قد تأولوا فيها فأكثروا التشغيب والتنازع"[وانظر أيضًا: نصب الراية (1/ 339)].
وقال ابن قدامة في المغني (1/ 285): "وهذا يدل على أنه لم يذكر {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ولم يجهر بها".
ثم استدل بهذا الحديث على أنها ليست آية من الفاتحة، ثم قال:"فلو كانت {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آية لعدها وبدأ بها، ولم يتحقق التنصيف؛ لأن آيات الثناء تكون أربعًا ونصفًا، وآيات الدعاء اثنتين ونصفًا، وعلى ما ذكرنا يتحقق التنصيف".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فهذا الحديث صحيح صريح في أنها ليست من الفاتحة، ولم يعارضه حديث صحيح صريح"[المجموع (22/ 277)، [وانظر أيضًا: "22/ 350 و 422)].
• قال البيهقي في المعرفة (1/ 507): "هذا الحديث يرويه عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة: شعبة بن الحجاج، وسفيان بن عيينة، وروح بن القاسم، وأبو غسان محمد بن مطرف، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وإسماعيل بن جعفر، ومحمد بن يزيد البصري، وجهضم بن عبد الله.
ورواه مالك بن أنس، وابن جريج، ومحمد بن إسحاق بن يسار، والوليد بن كثير، ومحمد بن عجلان، عن العلاء عن أبي السائب عن أبي هريرة.
وكأنه سمعه منهما جميعًا، فقد رواه أبو أويس المدني عن العلاء بن عبد الرحمن قال: سمعت من أبي وأبي السائب جميعًا، وكانا جليسين لأبي هريرة، قالا: قال أبو هريرة".
ثم قال: "وقد حكم مسلم بن الحجاج بصحة الإسنادين جميعًا".
وقال ابن عبد البر في الإنصاف (11): "والقول عندي في ذلك: مثل هذا الاختلاف لا يضر؛ لأن أبا السائب ثقة، وعبد الرحمن أبا العلاء ثقة أيضًا، فعن أيهما كان فهو من أخبار العدول التي يجب الحكم بها".
• قلت: خالف هؤلاء جميعًا؛ فأتى فيه بزيادة منكرة:
ابن سمعان، فرواه عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، غير تمام"، قال: فقلت: يا أبا هريرة! إني ربما كنت مع الإمام، قال: فغمز ذراعي، ثم قال: اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"قال الله عز وجل: إني قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها له، يقول عبدي إذا افتتح الصلاة: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فيذكرني عبدي، ثم يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فأقول: حمدني عبدي، ثم يقول: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فأقول: أثنى عليَّ عبدي، ثم يقول: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فأقول: مجدني عبدي، ثم يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فهذه الآية بيني وبين عبدي نصفين، وآخر السورة لعبدي، ولعبدي ما سأل".
أخرجه الدارقطني (1/ 312)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (1/ 103 - 104)، والبيهقي في السنن (2/ 39 و 40)، وفي المعرفة (1/ 508/ 696)، وفي القراءة خلف الإمام (75)، والواحدي في الوسيط (1/ 53).
قال الدارقطني: "ابن سمعان هو: عبد الله بن زياد بن سمعان: متروك الحديث، وروى هذا الحديث جماعة من الثقات عن العلاء بن عبد الرحمن، منهم: مالك بن أنس، وابن جريج، وروح بن القاسم، وابن عيينة، وابن عجلان، والحسن بن الحر، وأبو أويس، وغيرهم، على اختلاف منهم في الإسناد، واتفاق منهم على المتن، فلم يذكر أحد منهم في حديثه: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، واتفاقهم على خلاف ما رواه ابن سمعان أولى بالصواب"[وانظر: علل الدارقطني (9/ 23/ 1617)].
وقال البيهقي في المعرفة: "وعبد الله بن زياد بن سمعان: ضعيف؛ لا يفرح بما ينفرد به".
وقال في القراءة: "وهذه الزيادة مما تفرد به ابن سمعان، وليس بالقوي، والله أعلم، وهذا الحديث دون زيادة ابن سمعان محفوظ صحيح. . .".
وقال ابن عبد الهادي في كتابه الجهر بالبسملة: "وهذه الرواية انفرد بها عنه ابن سمعان، وهو: كذاب، ولم يخرجها أحد من أصحاب الكتب الستة، ولا في المصنفات المشهورة، ولا المسانيد المعروفة، وإنما رواه الدارقطني في سننه التي يروى فيها غرائب الحديث، وقال عقيبه: وعبد الله بن زياد بن سمعان: متروك الحديث،. . ."، إلى أن قال:"وزيادة البسملة في حديث العلاء: باطلة قطعًا، زادها ابن سمعان خطأ أو عمدًا؛ فإنه متهم بالكذب، مجمع على ضعفه"[نصب الراية (1/ 340)].
وقال ابن كثير في الأحكام الكبير (3/ 11): "فلم يذكر البسملة في ذلك، ولم يأت ذكرُها في هذا الحديث من وجهٍ يُرضى، وإنما رواه عبد الله بن سمعان، وقد كذبه مالك، وتركه الأئمة،. . .، وهذا الإسناد لا يُفرح به، فدل الحديث على أنها ليست منها".
قلت: هي زيادة باطلة، تفرد بها: ابن سمعان، وهو: عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان المخزومي المدني: متروك؛ كذبه مالك وأبو داود وغيرهما [التهذيب (2/ 336)].
***
784 -
. . . ابن فضيل، عن المختار بن فُلفُل، قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "أُنزِلتْ عليَّ آنفًا سورةٌ"، فقرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} حتى ختمها، قال:"هل تدرون ما الكوثر؟ "، قالوا: اللَّه ورسوله أعلم، قال:"فإنه نهرٌ وعَدَنِيه ربي عز وجل في الجنة".
• حديث صحيح.
أعاده أبو داود بأتم منه، في (39) كتاب السُّنَّة، باب في الحوض، برقم (4747).
ومن طريق ابن فضيل: أخرجه مسلم (400) و (2304)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 23/ 888)، وأحمد (3/ 102)، وهناد بن السري في الزهد (133)، وبقي بن مخلد في الحوض والكوثر (34)، وأبو يعلى (7/ 42/ 3953)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2547)، والآجري في الشريعة (1088)، والبيهقي في الشعب (2/ 434/ 2317)، وفي البعث والنشور (123)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 210)، وفي الإنصاف (64)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 50/ 579).
ولفظه مطولًا عند أحمد، وبنحوه عند أبي داود: أغفى النبي صلى الله عليه وسلم إغفاءةً، فرفع رأسه متبسمًا، إما قال لهم، وإما قالوا له: لم ضحكت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه أُنزلت عليَّ آنفًا سورةٌ"، فقرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} حتى ختمها، قال:"هل تدرون ما الكوثر؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:"هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة، عليه خيرٌ كثيرٌ، [وفي رواية مسلم: عليه حوض] تَرِدُ عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، يختلج العبدُ منهم فأقول: يا رب، إنه من أمتي! فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك".
• ورواه أيضًا: علي بن مسهر، وعبد الواحد بن زياد، وعبد الرحيم بن سليمان، والقاسم بن مالك المزني [وهم ثقات]، وسفيان الثوري [وعنه: يحيى بن يمان: محله الصدق، لكنه كان يحدِّث من حفظه بالتوهم، وكان يخطئ كثيرًا في حديث الثوري، ويأتي عنه بعجائب، وكان فُلِج فساء حفظه. التهذيب (4/ 401)، الميزان (4/ 416)؛ فهو غريب من حديث الثوري]:
كلهم: عن المختار بن فلفل به، قال علي بن مسهر في أوله: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا في المسجد؛ إذ أغفي إغفاءةً، ثم رفع رأسه متبسمًا، فقلنا له: ما أضحكك يا رسول الله؟! قال:. . . فذكره، وفي رواية له:"عدد نجوم السماء"، بدل:"عدد الكواكب"، وفيه:"هو حوض تَرِدُ عليه أمتي يوم القيامة"، وفي رواية القاسم:"له حوض يرِدُ على أمتي يوم القيامة".
أخرجه مسلم (400) و (2304)، وأبو عوانة (1/ 447 و 448/ 1654 و 1655)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 23/ 888)، والنسائي في المجتبى (2/ 133 - 134/ 904)، وفي الكبرى (1/ 469/ 979) و (10/ 345/ 11638)، وابن أبي شيبة (6/ 305/ 31655) و (7/ 45/ 34097) و (7/ 455/ 37178)، وبقي بن مخلد في الحوض والكوثر (35)، وابن أبي عاصم في السُّنَّة (764)، وأبو يعلى (7/ 40/ 3951)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2546)، وأبو بكر بن أبي داود في البعث (40)، وأبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث (36)، وابن جميع الصيداوي في المعجم (207)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (10/ 308)، وابن بشران في الأمالي (221 و 1063)، وأبو نعيم في صفة الجنة (325)، والبيهقي في السنن (2/ 43)، وفي البعث والنشور (122)، وابن عبد البر في الإنصاف (65).
• وحديث أنس هذا لا يصلح دليلًا على الجهر بالبسملة في الفاتحة من وجوه:
الأول: أن ذكر البسملة هنا اقترن بتلاوة سورة الكوثر، وليس بالفاتحة.
الثاني: أن هذه الواقعة لم تكن في الصلاة، والخلاف بين من أثبت البسملة آيةً من الفاتحة إنما هو في الجهر والإسرار بها في الصلاة، لا خارجها.
الثالث: معلوم أن البسملة ليست من سورة الكوثر، حيث انعقد إجماع أهل العدِّ على أن عدد آيات سورة الكوثر: ثلاث آيات فقط، ليس منها البسملة، قال أبو عمرو الداني في البيان في عدِّ آي القرآن (292):"وهي ثلاث آيات في جميع العدد، ليس فيها اختلاف، ورؤوس الآي: الكوثر، وانحر، الأبتر"، وقال الكاساني في بدائع الصنائع (1/ 204):"انعقد الإجماع من الفقهاء والقرَّاء أن سورة الكوثر ثلاث آيات"، وقال ابن قدامة في المغني (1/ 286):"وأجمع الناس على أن سورة الكوثر ثلاث آيات بدون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ".
كما أن أهل العدد مجمعون على ترك عدِّ البسملة آيةً من غير الفاتحة، واختلفوا في عدِّها في الفاتحة [المجموع شرح المهذب (3/ 203)].
فإن قيل: فلماذا قرأها النبي صلى الله عليه وسلم في أول السورة، كما صح هنا في حديث أنس؟ وقد أُثبتت في المصاحف في أوائل السور جميعًا عدا براءة بخط المصحف، مما يدل على أنها من السور، إما أن تكون آيةً كاملةً من أول كل سورة، وإما بعض آية من أولها؟
فيقال: نحن لا ننكر كونها آيةً من كتاب الله تعالى، إلا أنها آية مستقلة نزلت للفصل بين السور، ولذا فقد كتبت في سطر مستقل بين كل سورتين، ولو كانت {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آية في كل سورة لعُدَّت في آي السور، فقد كتب الناس المصاحف، وكتبوا عدد آي كل سورة؛ فلم يعدوها في عدد آي السور، فمن ذلك أنهم كتبوا: سورة الكوثر ثلاث آيات، ولو عدوا {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} منها لكتبوا عددها أربع آيات، وكذلك جميع السور، لا اختلاف بينهم في شيء منها إلا في فاتحة الكتاب.
قال الزركشي في البحر المحيط (1/ 381): "فإن إثباتها في المصحف بين السور منتهض في كونها من القرآن، ولم يقُمْ دليل على كونها آيةً من أول كل سورة".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الأقوال في كونها من القرآن ثلاثة: طرفان ووسط.
الطرف الأول: قول من يقول أنها ليست من القرآن إلا في سورة النمل، كما قال مالك، وطائفة من الحنفية، وكما قاله بعض أصحاب أحمد مدعيًا أنه مذهبه، أو ناقلًا لذلك رواية عنه.
والطرف المقابل له: قول من يقول أنها من كل سورة آية، أو بعض آية، كما هو المشهور من مذهب الشافعي ومن وافقه، وقد نقل عن الشافعي أنها ليست من أوائل السور غير الفاتحة، وإنما يستفتح بها في السور تبركًا بها، وأما كونها من الفاتحة فلم يثبت عنه فيه دليل.
والقول الوسط: أنها من القرآن حيث كُتبت، وأنها مع ذلك ليست من السور؛ بل كتبت آية في أول كل سورة، وكذلك تتلى آية منفردة في أول كل سورة، كما تلاها النبي صلى الله عليه وسلم حين أنزلت عليه سورة:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} ، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم:"إن سورة من القرآن هي ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له، وهي سورة: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}، رواه أهل السنن وحسنه الترمذي، وهذا القول: قول عبد الله بن المبارك، وهو المنصوص الصريح عن أحمد بن حنبل، وذكر أبو بكر الرازي أن هذا مقتضى مذهب أبي حنيفة عنده، وهو قول سائر من حقق القول في هذه المسألة وتوسط فيها ممن جمَع بين مقتضى الأدلة، وكتابتها سطرًا مفصولًا عن السورة، ويؤيد ذلك قول ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، رواه أبو داود"[مجموع الفتاوى (22/ 434)، بتصرف يسير يقتضيه السياق].
[انظر: الأوسط لابن المنذر (3/ 121)، أحكام القرآن للجصاص (1/ 14)، المغني (1/ 286)، المجموع شرح المهذب (3/ 202)، البحر المحيط في أصول الفقة للزركشي (1/ 381)، عمدة القاري (5/ 284)، التحبير شرح التحرير (3/ 1371)].
***
785 -
قال أبو داود: حدثنا قَطَن بن نُسَير: حدثنا جعفر: حدثنا حميدٌ الأعرج المكي، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، وذكر الإفك، قالت: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكشف عن وجهه، وقال: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} الآية.
قال أبو داود: وهذا حديث منكر، قد روى هذا الحديثَ جماعةٌ عن الزهري، لم يذكروا هذا الكلام على هذا الشرح، وأخاف أن يكون أمرُ الاستعاذة منه كلامَ حميد.
• حديث منكر.
أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (2/ 43).
وروى طرفًا منه من طريق قطن بن نسير به، بدون موضع الشاهد: أبو بكر الإسماعيلي في معجم شيوخه (1/ 342).
وهو حديث منكر؛ كما قال أبو داود، وقد خاف أبو داود أن تكون الاستعاذة والتسمية من كلام حميد بن قيس الأعرج المكي القارئ، وهو وإن كان وثقه الجمهور، والعمل على توثيقه، إلا أن هناك من جرحه، أو أنزله عن رتبة الثقات، فقد قال عنه الإمام أحمد [في رواية ابنه عبد الله عنه]:"ليس هو بقوي في الحديث"، وقد سأل أبو داود الإمامَ أحمد عنه فقال:"حميد بن قيس أخو عمر: هو ثقة؟ "، فقال الإمام أحمد: "هو
صالح"، ولا شك أن عدوله عن قوله: هو ثقة، إلى قوله: هو صالح؛ ليدل دلالة بينة على ما يقع في حديثه من أوهام، ولعله لأجل هذا المعنى خاف أبو داود أن تكون هذه الزيادة في هذا الحديث من كلام حميد الأعرج، وكذلك أنزله أبو حاتم عن مرتبة المتثبتين المتقنين، فقال [كما في العلل عنه]: "ليس بالحافظ"، مشيرًا إلى وقوع الوهم منه، لكن ابن عدي ذهب إلى أن ما يقع في حديث حميد من المناكير إنما الحمل فيها على من يروي عنه من الضعفاء وغيرهم، قال ابن عدي: "وحميد بن قيس هذا له أحاديث غير ما ذكرت صالحة، وهو عندي لا بأس بحديثه، وإنما يؤتى ما يقع في حديثه من الإنكار من جهة من يروي عنه"، وعليه يُحمل توثيق من وثقه بإطلاق، مثل: مالك بن أنس، وأحمد [في رواية عنه]، وابن معين، والبخاري، والعجلي، وابن سعد، وأبي زرعة الرازي، ويعقوب بن سفيان، وأبي زرعة الدمشقي، وأبي داود، وابن خراش، وابن حبان، وتوسط فيه أبو حاتم والنسائي، فقالا: "ليس به بأس"، والله أعلم [انظر: العلل ومعرفة الرجال (1/ 398/ 808)، سؤالات أبي داود (215)، علل الحديث لابن أبي حاتم (1/ 473/ 1419)، الكامل (2/ 271)، التهذيب (1/ 498)، منهج النسائي في الجرح والتعديل (2/ 706)].
وأما الراوي عن حميد فهو: جعفر بن سليمان الضبعي، وهو: صدوق، وله أوهام [انظر: التهذيب (1/ 306)، الميزان (1/ 408)].
وأما قطن بن نسير الذارع فهو متكلَّم فيه بأشد مما تُكُلِّم في صاحبيه، قال ابن أبي حاتم:"سئل أبو زرعة عنه، فرأيته يحمل عليه، ثم ذكر أنه روى أحاديث عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس، مما أنكر عليه"، وقال فيه أبو زرعة أيضًا:"وصل أحاديث عن ثابت، جعلها عن أنس"، وقال ابن عدي:"يسرق الحديث، ويوصله"، ومسلم لم يخرج له إلا متابعة، وقد أنكر عليه أبو زرعة إدخاله في الصحيح [صحيح مسلم (119 و 2750)][سؤالات البرذعي (537 و 675 و 676)، الجرح والتعديل (7/ 138)، الكامل (6/ 52)، تاريخ بغداد (4/ 272)، التهذيب (3/ 442)].
وعليه فإن إلحاق الوهم بقطن بن نسير هو الأليق، إن كان هو المتفرد به، ولما ذكر عبد الحق الإشبيلي هذا الحديث في أحكامه الوسطى (1/ 373)، وأتبعه بكلام أبي داود السابق؛ تعقبه ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (3/ 368/ 1111) بقوله:"هذا ما أتبعه، وليس فيه بيان علته؛ فإن حميد بن قيس: أحد الثقات، ولا يضره الانفراد، وإنما علته أنه من رواية قطن بن نسير، عن جعفر بن سليمان، عن حميد، كذا رواه أبو داود عن قطن، وقطن وإن كان مسلم يروي عنه فقد كان أبو زرعة يحمل عليه، ويقول: إنه روى عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس أحاديث مما أنكر عليه، وجعفر أيضًا مختلف فيه، فليس ينبغي أن يحمل على حميد، وهو ثقة بلا خلاف، في شيء جاء به عنه من يختلف فيه".
قلت: ثم بان لي أن قطن بن نسير لم يتفرد به عن جعفر بن سليمان، تابعه جماعة،
منهم: يحيى بن يحيى النيسابوري [ثقة ثبت]، وفضيل بن عبد الوهاب الغطفاني القناد [ثقة]، وبشار بن موسى الخفاف [ضعيف].
أخرجه من طريقهم مطولًا: أبو عوانة في صحيحه [الإتحاف (17/ 231/ 22163)].
• قلت: وجه حكم أبي داود على هذا الحديث بالنكارة: هو مخالفة جماعة الثقات من أصحاب الزهري المكثرين عنه، وممن هم من الطبقة الأولى من أصحاب الزهري:
فقد رواه صالح بن كيسان، ويونس بن يزيد، ومعمر بن راشد، وعقيل بن خالد [وهم من الطبقة الأولى من ثقات أصحاب الزهري]، وسفيان بن عيينة [ثقة حافظ، من أصحاب الزهري، لكنه لم يسمع هذا الحديث من الزهري، فقد رواه الحميدي وإبراهيم بن بشار وحامد بن يحيى البلخي عنه، عن وائل بن داود، عن ابنه بكر بن وائل، عن الزهري][وانظر: الإتحاف (17/ 231/ 22163)]، ومحمد بن إسحاق، وفليح بن سليمان [صدوقان، من أصحاب الزهري، من الطبقة الثالثة]، ومحمد بن عبد الله بن أبي عتيق [حسن الحديث عن الزهري. التهذيب (3/ 616)]، ومحمد بن علي بن شافع [روى عنه جماعة، ووثقه الشافعي]، وبكر بن وائل بن داود التيمي الكوفي [صدوق]، وابن جريج [ولم يسمع ابن جريج هذا الحديث من الزهري، فقد قال في رواية حجاج الأعور عنه: حدِّثت عن ابن شهاب. الإتحاف (17/ 230/ 22163)]، وإسحاق بن راشد [ثقة، ليس بذاك في الزهري]، وصالح بن أبي الأخضر [ضعيف، وجعل أبا سلمة بن عبد الرحمن مكان سعيد بن المسيب؛ فوهم]، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني [صدوق تكلم في حفظه، والجمهور على توثيقه. الميزان (3/ 74)، المغني (2/ 59) وقال: "صدوق مشهور"، التهذيب (3/ 108)]، والوليد بن محمد الموقري [متروك]:
عن ابن شهاب الزهري، قال: حدثني عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله [منه]، قال [الزهري]: وكلهم حدثني طائفةً من حديثها، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض، وأثبت له اقتصاصًا، وقد وعيت عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة، وبعض حديثهم يصدق بعضًا، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض، قالوا: قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بين أزواجه،. . . فاقتص الحديث بطوله، وموضع الشاهد منه: فسُرِّيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال:"يا عائشة! [احمدي الله]، أما الله فقد برَّأَكِ"، فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، وإني لا أحمد إلا الله، قالت: وأنزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ} [النور: 11] العشر الآيات كلها.
وهذا لفظ صالح بن كيسان، والزيادة لفليح.
وقال فيه معمر: "أبشري يا عائشة! أما الله عز وجل فقد برَّأك"، فقالت لي أمي: قومي
إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عز وجل، هو الذي أنزل براءتي، فأنزل الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} عشر آيات، فأنزل الله عز وجل هذه الآيات [في] براءتي. هكذا وليس فيه الاستعاذة ولا التسمية.
أخرجه بطوله أو طرفًا منه: البخاري في الصحيح (2593 و 2637 و 2661 و 2688 و 2879 و 4025 و 4141 و 4690 و 4749 و 4750 و 6662 و 6679 و 7369 و 7500 و 7545)، وفي خلق أفعال العباد (263 و 264)، وفي التاريخ الأوسط (1/ 43/ 148)، ومسلم (56/ 2770 و 57)، وأبو عوانة (3/ 136/ 4479 و 4480) و (16/ 1105/ 21708 - الإتحاف) و (17/ 229/ 22163 - الإتحاف)، وأبو داود (2138 و 4735)، والنسائي في الكبرى (5/ 445/ 5990) و (8/ 164/ 8874) و (8/ 167 و 168/ 8885 - 8882) و (10/ 132/ 11187) و (10/ 198/ 11296)، وابن ماجه (1970 و 2347)، والدارمي (2/ 194/ 2208)، وابن حبان (2/ 391/ 624) و (10/ 13/ 4212) و (16/ 13/ 7099)، وابن الجارود (723 و 725)، وأحمد (6/ 117 و 194 و 197 و 198 و 264)، والشافعي في الأم (5/ 111 و 142 و 193)، وفي المسند (261)، وإسحاق بن راهويه (2/ 220 و 22/ 729 و 730) و (2/ 516/ 1103 و 1104)، والحميدي (1/ 136/ 284)، وعبد الرزاق (5/ 410/ 9748)، وابن هشام في السيرة (4/ 260)، وابن سعد في الطبقات (8/ 169)، وابن أبي شيبة (5/ 27/ 23385)، وابن شبة في أخبار المدينة (678 و 681 - 683 و 686 و 691)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 12/ 1504)، وأبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (1/ 319)، وأبو يعلى (7/ 362/ 4397) و (8/ 322/ 4927) و (8/ 339/ 4933) و (8/ 348/ 4934 و 4935)، وابن جرير الطبري في التفسير (18/ 89 و 90 و 92 و 102)، والطحاوي في شرح المعاني (4/ 383)، وفي المشكل (2/ 215 و 216)، وابن أبي حاتم في التفسير (8/ 2539/ 14206)، والآجري في الشريعة (1905 - 1907)، والطبراني في الكبير (23/ 50 - 105/ 133 - 135 و 138 - 141 و 143 و 144 و 147) و (23/ 137/ 180)، وفي مسند الشاميين (3/ 332/ 2425)، وعبد الجبار الخولاني في تاريخ داريا (163 و 164)، وابن عدي في الكامل (6/ 72)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (232)، والعسكري في الأوائل (124)، وتمام في الفوائد (3)، واللالكائي في اعتقاد أهل السُّنَّة (6/ 1050/ 1946) و (8/ 1429/ 2757)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (7/ 72)، والبيهقي في السنن (7/ 74 و 296 و 302) و (10/ 36 و 41 و 153 و 287)، وفي المعرفة (5/ 432/ 4385)، وفي الشعب (5/ 381/ 7027)، وفي الدلائل (4/ 64 و 72)، وفي الأسماء والصفات (1/ 234) و (2/ 45)، والخطيب في الكفاية (41)، وفي تاريخ بغداد (14/ 120)، وفي تلخيص المتشابه (1/ 276)[وفي سنده سقط]، والواحدي في أسباب النزول (317)، والبغوي في شرح السُّنَّة (9/ 153/ 2325)، وفي التفسير (1/ 488) و (3/ 328)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (5/ 124) و (29/ 332)، وأبو موسى المديني في اللطائف (29).
وانظر فيما لا يصح عمن رواه عن ابن شهاب: بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث (998)، المعجم الكبير للطبراني (23/ 83/ 142) و (23/ 97 و 102/ 145 و 146) و (23/ 106/ 148)، الكامل لابن عدي (1/ 405) و (3/ 441) و (7/ 188)، أطراف الغرائب والأفراد (1/ 241/ 1233) و (2/ 453/ 6191)، فوائد ابن أخي ميمي الدقاق (480)، فوائد الصوري (44)، شعب الإيمان للبيهقي (5/ 382/ 7028)، دلائل النبوة (4/ 73)، اللطائف لأبي موسى المديني (183)، إتحاف المهرة (17/ 230/ 22163)، التهذيب (1/ 127).
• تنبيه: كان سفيان بن عيينة يروي قطعة من هذا الحديث مقتصرًا عليها، ويهِم فيها أحيانًا، فيرويها مرة على الصواب بنحو حديث الجماعة، فيقول:"يا عائشة إن كنتِ ألممتِ بذنب؛ فاستغفري الله، فإن العبد إذا ألم بذنب ثم تاب، واستغفر الله عز وجل غفر الله له"، وكان ربما يهم فيه، ويرويه بالمعنى، فيقول:"إن كنتِ ألممتِ بذنب، فاستغفري الله؛ فإن التوبةَ من الدنب: النَّدمُ والاستغفار"[انظر: صحيح ابن حبان (2/ 391/ 624)، مسند الحميدي (284)، مسند أحمد (6/ 264)، غريب الحديث للحربي (1/ 319)].
ولفظ الجماعة فيه: "أما بعد يا عائشة! فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا؛ فإن كنتِ بريئةً فسيُبرِّئُكِ الله، وإن كنتِ ألممتِ بذنبٍ فاستغفري الله، وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بدنبٍ ثم تاب، تاب الله عليه".
• ولحديث عائشة في قصة الإفك أسانيد أخرى، وليس فيها ذكر التسمية أيضًا:
أ- فقد روى أبو أسامة حماد بن أسامة، وزهير بن معاوية، وحماد بن سلمة [وهم ثقات]، وفليح بن سليمان، وابن أبي الزناد [وهما صدوقان، ولهما أوهام]، ويحيى بن أبي زكريا الغساني [ضعيف]، وأبو أويس عبد الله بن عبد الله بن أويس [صدوق يهم] [وفي روايته ما يستنكر]:
عن هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة [زاد فليح: وعبد الله بن الزبير]، بحديث الإفك، وموضع الشاهد منه: وأُنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ساعته، فسكتنا، فرُفع عنه وإني لأتبين السرور في وجهه، وهو يمسح جبينه، ويقول:"أبشري يا عائشة! فقد أنزل الله براءتك"، قالت: وكنت أشد ما كنت غضبًا، فقال لي أبواي: قومي إليه،. . . وهذا لفظ أبي أسامة، فذكر الحديث، ولم يذكر الآيات العشر موضع الشاهد.
ولفظ حماد بن سلمة: ونزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما سري عنه حتى رأيت السرور بين عينيه، ثم قال:"يا عائشة أبشري؛ فإن الله عز وجل قد أنزل عذرك"، وقرأ عليها القرآن:{سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} حتى أتى على هذه الآيات، فقال أبواي: قومي فقبلي رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم،. . . الحديث، وتابعه أبو أويس على تقبيل الرأس [عند الطبراني (151)].
أخرجه البخاري (2661 و 5212 و 7370) موصولًا، و (4757) معلقًا، ومسلم (2770/ 58)، وأبو داود (5219)، والترمذي (3180)، وقال: "هذا حديث حسن
صحيح، غريب من حديث هشام بن عروة"، وأحمد (6/ 59)، وإسحاق بن راهويه (2/ 603/ 1177)، وابن شبة في أخبار المدينة (1/ 189/ 679) و (1/ 193/ 685)، والسرقسطي في الدلائل (3/ 1112/ 612)، وأبو يعلى (8/ 334/ 4929) و (8/ 335 و 339/ 4931 و 4932)، وابن جرير الطبري في التفسير (18/ 89 و 93)، وابن أبي حاتم في التفسير (8/ 2544/ 14213)، والطبراني في الكبير (23/ 66/ 136) و (23/ 106 - 11/ 1491 - 151) و (23/ 129/ 166)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (7/ 76)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3366/ 7699)، والبيهقي (10/ 36)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 267).
وانظر في الأوهام: تاريخ بغداد (10/ 12).
ب- ورواه فليح بن سليمان، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، ويحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، عن عائشة.
أخرجه البخاري (2661)، وابن شبة في أخبار المدينة (1/ 190/ 680)، وأبو يعلى (8/ 334/ 4928)، والطبراني في الكبير (23/ 66/ 137).
ج- ورواه محمد بن عمرو بن علقمة: نا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن علقمة بن وقاص، وغيره أيضًا، حدثني أن عائشة خرجت تريد المذهب ومعها أم مسطح،. . . فاقتص حديث الإفك، وموضع الشاهد منه: قالت: فوالله الذي هو أكرمه وأنزل عليه الكتاب! ما زال يضحك حتى إني لأنظر إلى نواجذه سرورًا، فمحا عن عائشة وجهه، وقال:"يا عائشة! أبشري، فإن الله قد أنزل عذرك"، قالت: فقلت: بحمد الله، لا بحمدك وحمد أصحابك، قال الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور: 1] فقرأه إلى قوله: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} إلى قوله: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22].
أخرجه إسحاق بن راهويه (2/ 556 - 560/ 1131 - 1133) و (3/ 977/ 1697)، وابن جرير الطبري في التفسير (18/ 89 و 94).
من طريق محمد بن بشر العبدي [ثقة حافظ]، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة [ثقة متقن]، كلاهما عن محمد بن عمرو به.
وهذا إسناد حسن، والحديث صحيح.
ورواه ابن الأعرابي في المعجم (2/ 755/ 1530)، من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري: نا محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبيه، وعن يحيى بن عبد الرحمن، عن علقمة بن وقاص، قال: لما قال المنافقون لعائشة. . . فذكر حديث الإفك.
قلت: والأول أولى وأشبه بالصواب، ومحمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري: ثقة، وقد تكلم فيه، وليس في رتبة ابن أبي زائدة ومحمد بن بشر.
• خالفهم فوهم وسلك فيه الجادة:
عمرو بن خليفة البكراوي، قال: نا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه،. . . فذكر حديث الإفك.
أخرجه البزار (14/ 334/ 8011)، وأبو يعلى (10/ 508/ 6125)، والطبراني في الكبير (23/ 129/ 165)، والدارقطني في الأفراد (2/ 354/ 5623 - أطرافه).
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد".
وقال الدارقطني: "تفرد به: عمرو بن خليفة البكراوي عن محمد بن عمرو، وهو أخو هوذة بن خليفة".
وانظر: المطالب العالية (8/ 132/ 1580)، وقد ذهب بعض محققي الكتب إلى أن راوي هذا الحديث عن محمد بن عمرو هو عمر بن أبي خليفة العبدي، وهو خطأ محض، فإن الثابت في مخطوط مسند أبي يعلى:"عمرو بن خليفة"، وقد جاء مصرحًا باسمه ونسبه بكراويًا في مسند البزار ومعجم الطبراني وأفراد الدارقطني، وزاد الدارقطني كونه أخا هوذة بن خليفة، وهذا مما يزيل اللبس والإشكال، والله أعلم.
قلت: وهو حديث منكر؛ وهم فيه عمرو بن خليفة البكراوي، وقد ذكره ابن حبان في الثقات (7/ 229)، وقال:"ربما كان في روايته بعض المناكير"، قلت: وهذا منها [انظر: اللسان (6/ 205)].
د- ورواه محمد بن إسحاق، قال: وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها.
وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن حزم الأنصاري، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها، فكل قد اجتمع حديثه في قصة خبر عائشة رضي الله عنها عن نفسها حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفر، أقرع بين نسائه،. . . فاقتص الحديث بنحو حديث الجماعة، وموضع الشاهد منه: ثم سُرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس، وإنه ليتحدر منه مثل الجمان في يوم شاتٍ، فجعل يمسح العرق عن جبينه، ويقول:"أبشري يا عائشة! فقد أنزل الله براءتك"، قالت: فقلت: بحمد الله دونكم، ثم خرج إلى الناس فخطبهم، وتلا عليهم ما أنزل الله في القرآن،. . . .
أخرجه مطولًا أو طرفًا منه: أبو داود (4474 و 4475)، والترمذي (3181)، والنسائي في الكبرى (6/ 490/ 7311)، وابن ماجه (2567)، وأبو عوانة [الإتحاف (17/ 231/ 22163) و (17/ 760/ 23185)]، وأحمد (6/ 35 و 61)، وابن هشام في السيرة (4/ 261)، ابن شبة في أخبار المدينة (1/ 194/ 687) و (1/ 198/ 692)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 12/ 1504) و (2/ 921/ 3926 - السفر الثاني)، وأبو يعلى في المعجم (85)، وابن جرير الطبري في التفسير (18/ 93 و 102)، وفي التاريخ (2/ 112)،
والطحاوي في شرح المعاني (4/ 383)، وفي المشكل (7/ 409)، والطبراني في الكبير (23/ 121 و 122/ 159 و 160) و (23/ 163/ 263)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (232 و 233)[وفي إسناده وهم].
واختلف فيه على ابن إسحاق:
أ- فرواه ابن أبي عدي، وعبد الله بن إدريس، وإسماعيل ابن علية [وهم ثقات أثبات]، وسلمة بن الفضل الأبرش [صدوق، كثير الخطأ، وهو ثبت في ابن إسحاق]، وزياد بن عبد الله البكائي [وهو وإن كان فيه لين؛ إلا أنه ثقة ثبت في مغازي ابن إسحاق][وتقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (393)]، وإبراهيم بن سعد [ثقة حجة][في رواية أحمد بن أيوب عنه، وأحمد هذا: روى عنه عبد الله بن أحمد، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: "ربما أغرب"، التهذيب (1/ 16)]:
عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن حزم الأنصاري، عن عمرة، عن عائشة.
ب- ورواه إبراهيم بن سعد [في رواية ابنه يعقوب عنه، وهو أثبت فيه من أحمد بن أيوب]، عن ابن إسحاق، قال: حدثني يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه، فأيَّتُهنَّ ما خرج سهمُها خرج بها.
أخرجه أحمد (6/ 269)، وابن الأعرابي في المعجم (945).
فكما يكون لابن إسحاق فيه إسنادان عن عبد الله بن أبي بكر، أو تكون رواية الجماعة هي المحفوظة، وهو الأقرب، والله أعلم.
وهو حديث صحيح.
وثمة اختلاف آخر يأتي ذكره في تخريجه في موضعه من السنن إن شاء الله تعالى.
• تابع ابن إسحاق على الوجه الأول: أبو أويس، فرواه عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، عن عمرة، عن عائشة به، لكن في روايته ما يستنكر.
أخرجه الطبراني في الكبير (23/ 111/ 151)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (7/ 76)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 3366/ 7699).
وانظر أيضًا: شرح المعاني (4/ 383)، مشكل الآثار (2/ 216 - 217).
• ولحديث عائشة في قصة الإفك أسانيد أخرى فيها مقال، لعلي آتي على ذكرها إذا حان موعده من السنن إن شاء الله تعالى.
وانظر منها على سبيل المثال: ما أخرجه ابن شبة في أخبار المدينة (684)، والسرقسطي في الدلائل (3/ 616/ 1117)، وابن جرير الطبري في التفسير (18/ 103)، والطبراني في الكبير (23/ 117 - 121/ 152 - 158)، وفي الأوسط (6/ 270/ 6389).
***