الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كعمر وابن مسعود، كما سبق ذكره في مرور الرجل بين يدي المصلي، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بدفعه وبمقاتلته، وقال:"إنما هو شيطان"، وفي رواية:"أن معه القرين".
لكن النقص الداخل بمرور هذه الحيوانات التي هي بالشيطان أخص أكثر وأكثر، فهذا هو المراد بالقطع، دون الإبطال والإلزام بالإعادة، والله أعلم".
وقال ابن حجر في الفتح (1/ 590): "ووجه الدلالة من حديث عائشة الذي احتج به ابن شهاب أن حديث: "يقطع الصلاة المرأة
…
" إلخ يشمل ما إذا كانت مارة أو قائمة أو قاعدة أو مضطجعة، فلما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم صلى وهي مضطجعة أمامه؛ دل ذلك على نسخ الحكم في المضطجع، وفي الباقي بالقياس عليه، وهذا يتوقف على إثبات المساواة بين الأمور المذكورة، وقد تقدم ما فيه، فلو ثبت أن حديثها متأخر عن حديث أبي ذر لم يدل إلا على نسخ الاضطجاع فقط، وقد نازع بعضهم في الاستدلال به مع ذلك من أوجه أخرى، أحدها: إن العلة في قطع الصلاة بها ما يحصل من التشويش، وقد قالت: إن البيوت يومئذ لم يكن فيها مصابيح، فانتفى المعلول بانتفاء علته، ثانيها: إن المرأة في حديث أبي ذر مطلقة، وفي حديث عائشة مقيدة بكونها زوجته، فقد يحمل المطلق على المقيد، ويقال: يتقيد القطع بالأجنبية لخشية الافتتان بها، بخلاف الزوجة فإنها حاصلة، ثالثها: أن حديث عائشة واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال، بخلاف حديث أبي ذر فإنه مسوق مساق التشريع العام، وقد أشار ابن بطال إلى أن ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يقدر من ملك أربه على ما لا يقدر عليه غيره، وقال بعض الحنابلة يعارض حديث أبي ذر وما وافقه أحاديث صحيحة غير صريحة وصريحة غير صحيحة فلا يترك العمل بحديث أبي ذر الصريح بالمحتمل؛ يعني: حديث عائشة وما وافقه، والفرق بين المار وبين النائم في القبلة: أن المرور حرام بخلاف الاستقرار نائمًا كان أم غيره، فهكذا المرأة يقطع مرورها دون لبثها"، وهذا تحرير جيد، والله الموفق للصواب.
وانظر أيضًا: معالم السنن (1/ 164 و 165)، الذخيرة (2/ 159)، إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 284)، التنقيح لابن عبد الهادي (2/ 320)، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 314)، الفتح لابن حجر (1/ 572 و 589)، وغيرها.
***
أبواب تفريع استفتاح الصلاة
116 - باب رفع اليدين
721 -
. . . سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاةَ رفع يديه حتى تحاذي [وفي نسخة: يحاذي] مَنكِبَيه، وإذا أراد أن يركعَ، وبعدما يرفعُ رأسَه من الركوع -وقال سفيان مرةً: وإذا رفع
رأسه، وأكثر ما كان يقول: وبعدما يرفع رأسه من الركوع-، ولا يرفعُ بين السجدتين.
• حديث متفق عليه، من حديث الزهري.
أخرجه البخاري في جزء رفع اليدين (18)، ومسلم (390/ 21)، وأبو عوانة (1/ 423 و 424/ 1572 - 1575)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 12/ 856)، والترمذي (255 و 256)، وقال:"حسن صحيح"، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 100 / 236)، والنسائي في المجتبى (2/ 182/ 1025) و (2/ 231/ 1144)، وفي الكبرى (1/ 367/ 734) و (2/ 29/ 1099)، وابن ماجه (858)، وابن خزيمة (1/ 294/ 583)، وابن حبان (5/ 177/ 1864)، وابن الجارود (177)، وأحمد (2/ 8)، والشافعي في الأم (8/ 542 و 711/ 3647 و 3916 م)، وفي اختلاف الحديث (10/ 166/ 185 - الأم)، وفي المسند (35 و 176)، والحميدي (1/ 515/ 626)، وابن أبي شيبة (1/ 211 و 212/ 2409 و 2425)، والبزار (12/ 252/ 6002)، وأبو يعلى (9/ 295 و 367 و 399/ 5420 و 5481 و 5534)، والروياني (1402)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 195 و 222)، وفي المشكل (15/ 41 / 5827)، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 634 و 675/ 1257 و 1348) و (3/ 919/ 1929)، وأبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث (50)، وأبو بكر ابن المقرئ في جزء نافع (28)، وابن سمعون في الأمالي (273)، وتمام في الفوائد (113)، وابن حزم في المحلى (3/ 235)، والبيهقي في السنن (2/ 23 و 69)، وفي المعرفة (1/ 495 و 540/ 678 و 757)، والخطيب في تاريخ بغداد (2/ 398)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (5/ 428)، وابن الجوزي في التحقيق (419).
وهذا الحديث قد رواه عن سفيان بن عيينة جمع غفير، منهم: أحمد بن حنبل، والشافعي، والحميدي، وعلي بن المديني، ويحيى بن يحيى التميمي، وسعيد بن منصور، وأبو بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وعمرو بن محمد الناقد، وأبو خيثمة زهير بن حرب، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وابن أبي عمر العدني، وقتيبة بن سعيد، وهشام بن عمار، وعثمان بن أبي شيبة، وأبو عمر حفص بن عمر الضرير، وأحمد بن عبدة، وعبد الجبار بن العلاء، وعلي بن حجر، وعلي بن خشرم، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي، وأبو الربيع سليمان بن داود الزهراني، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وسعدان بن نصر، والحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، ويونس بن عبد الأعلى الصدفي، ومحمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، وعبد الله بن محمد الزهري، ويوسف بن موسى، وعتبة بن عبد الله اليحمدي، وهارون بن إسحاق الهمداني، ومحمد بن رافع، وعلي بن الأزهر، وعلي بن محمد الطنافسي، وعلي بن حرب الطائي، وشعيب بن عمرو، والفضل بن الصباح البغدادي، وعبد الرحمن بن بشر بن الحكم، وعلي بن المنذر
الكوفي، ومحمد بن عاصم بن عبد الله الثقفي، وعبد الله بن محمد بن أيوب المخرمي [وله فيه زيادة شاذة، عند ابن الأعرابي في المعجم (1929)]، وغيرهم، وهذا لفظ أحمد بن حنبل.
ولفظ يحيى بن يحيى عند مسلم: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه، وقبل أن يركع، وإذا رفع من الركوع، ولا يرفعهما بين السجدتين.
ولفظ الحميدي، والشافعي: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكببه [وفي رواية للشافعي: حتى يحاذي منكبيه]، وإذا أراد أن يركع، وبعدما يرفع رأسه من الركوع، ولا يرفع بين السجدتين.
قال سعيد بن عبد الرحمن المخزومي: "وأي إسناد أصح من هذا"[صحيح ابن خزيمة].
وقال ابن المديني: "قال سفيان: هذا مثل هذه الأسطوانة"[صحيح ابن خزيمة. شعار أصحاب الحديث (50)، الإتحاف (8/ 365/ 9568)].
وقال البخاري: "قال علي بن عبد الله [يعني: ابن المديني]-وكان أعلم أهل زمانه-: رفع اليدين حقٌّ على المسلمين؛ بما روى الزهري عن سالم عن أبيه".
وقال الشافعي: "روى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم بضعة عشر رجلًا"[الأم (8/ 542)].
وانظر في الأوهام والمناكير: كتاب الصلاة لابن حبان (8/ 339/ 9510 - إتحاف المهرة)، المعجم الصغير للطبراني (2/ 280/ 1168).
***
722 -
. . . بقية: حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن سالم، عن عبد الله بن
عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى تكونا حَذْوَ مَنكِبيه، ثم كبَّر وهما كذلك، فيركع، ثم إذا أراد أن يرفعَ صُلْبَه رفعهما حتى تكونا حذو منكبيه، ثم قال:"سمع الله لمن حمده"، ولا يرفع يديه في السجود، ويرفعُهما في كل تكبيرةٍ يكبِّرها قبل الركوع، حتى تنقضيَ صلاتُه.
• حديث صحيح، وهو متفق عليه من حديث الزهري بدون الزيادة في آخره.
أخرجه أبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2294)، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 45/ 1777)، والدارقطني (1/ 288)، والبيهقي (2/ 83) و (3/ 292)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 22/ 561).
وعندهم زيادة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى إذا كانتا حذو منكبيه كبر، ثم إذا أراد أن يركع يرفعهما حتى يكونا حذو منكبيه وكبر وهما كذلك فركع، ثم إذا أراد أن يرفع صلبه رفعهما حتى يكونا حذو منكبيه، ثم قال:
…
فذكره.
رواه عن بقية بن الوليد: يحيى بن عثمان بن سعيد، ويزيد بن عبد ربه، ومحمد بن مصفى، وأبو عتبة أحمد بن الفرج الحمصيون.
قلت: أبو عتبة أحمد بن الفرج: ضعفه أهل بلده، واغتر به الغرباء، قال محمد بن عوف:"ليس له في حديث بقية أصل، هو فيها أكذب الخلق"[التهذيب (1/ 40)، اللسان (1/ 575)]، وشيخ الطبراني فيه: إبراهيم بن محمد بن الحارث بن عرق؛ قال الذهبي: "شيخ للطبراني غير معتمد"[الميزان (1/ 63)، اللسان (1/ 355)].
ومحمد بن مصفى بن بهلول الحمصي: صدوق، مدلس، يسوي حديث بقية.
ويحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي: صدوق، ويزيد بن عبد ربه الزبيدي الحمصي: ثقة، قال أبو بكر بن أبي داود:"أوثق من روى عن بقية"[التهذيب (4/ 421)].
وبرواية هذَين ومتابعة الآخرَين: فإن الحديث ثابت عن بقية، وكذلك هو ثابت من حديث الزبيدي؛ محمد بن الوليد بن عامر الحمصي، وهو: ثقة ثبت، من أثبت أصحاب الزهري، صحبه عشر سنين، قدمه الأوزاعي على أصحاب الزهري، وقدمه أبو حاتم على معمر في الزهري خاصة [التهذيب (3/ 723)، شرح علل الترمذي (2/ 671)].
• ولم ينفرد الزبيدي بهذا اللفظ عن الزهري؛ فقد تابعه عليه:
ابن أخي الزهري، عن عمه: حدثني سالم بن عبد الله؛ أن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى إذا كانتا حذو منكبيه كبر، ثم إذا أراد أن يركع رفعهما حتى يكونا حذو منكبيه كبر وهما كذلك، فركع، ثم إذا أراد أن يرفع صلبه رفعهما حتى يكونا حذو منكبيه، ثم قال:"سمع الله لمن حمده"، ثم يسجد، فلا يرفع يديه في السجود، ويرفعهما في كل ركعة وتكبيرة كبرها قبل الركوع، حتى تنقضي صلاته.
أخرجه ابن الجارود (178)، وأحمد (2/ 134)، وأبو العباس السراج في مسنده (90)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1594)، والدارقطني (1/ 289).
وهذه متابعة جيدة، ابن أخي الزهري هو: محمد بن عبد الله بن مسلم، وهو صالح في المتابعات؛ وهو في الأصل صدوق، تُكُلِّم في حديثه عن الزهري، وهو من أهل الطبقة الثالثة من أصحاب الزهري، وقد استشهد به البخاري ومسلم في المتابعات.
• وهذا الحديث رواه أيضًا عن الزهري:
مالك، ومعمر بن راشد، ويونس بن يزيد، وشعيب بن أبي حمزة، وعقيل بن خالد، وإبراهيم بن سعد [وهم ثقات، من الطبقة الأولى من أصحاب الزهري]، وهشيم بن بشير، وإبراهيم بن أبي عبلة، وجعفر بن ربيعة، وخالد بن يزيد الجمحي المصري [وهم ثقات]، وابن جريج، وسفيان بن حسين، وإسحاق بن راشد، ومحمد بن أبي حفصة [وهم ثقات في الجملة، تُكُلِّم في حديثهم عن الزهري]، وأبو أويس عبد الله بن عبد الله بن أويس [صدوق يهم]، وعبد الله بن عمر العمري [ليس بالقوي]، وقرة بن عبد الرحمن بن حيويل [ليس بقوي؛ روى أحاديث مناكير. انظر: التهذيب (3/ 438) وغيره] [والراوي عنه: ابن
لهيعة، وهو: ضعيف]، والوليد بن محمد الموقري [متروك] [18]:
رووه عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة، رفع يديه حذو منكبيه، [وإذا كبر للركوع] [وفي رواية: وإذا أراد أن يركع] [وفي رواية: وإذا ركع]، وإذا رفع رأسه من الركوع، رفعهما كذلك أيضًا، وقال:"سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، وكان لا يفعل ذلك في السجود.
وهذا لفظ مالك.
ولفظ يونس: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة، رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه، ثم يكبر، قال: وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع، ويفعل ذلك حين يرفع رأسه من الركوع، ويقول:"سمع الله لمن حمده"، ولا يفعل ذلك في السجود.
ولفظ شعيب عند البخاري: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم افتتح التكبير في الصلاة، فرفع يديه حين يكبر، حتى يجعلهما حذو منكبيه، وإذا كبر للركوع فعل مثله، وإذا قال:"سمع الله لمن حمده" فعل مثله، وقال:"ربنا ولك الحمد"، ولا يفعل ذلك حين يسجد، ولا حين يرفع رأسه من السجود. وبمثله لفظ إبراهيم بن أبي عبلة وأبي أويس.
ولفظ معمر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا دخل إلى الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، ولا يفعل ذلك في السجود.
وفي رواية عبد الرزاق عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حين يكبر حتى يكونا حذو منكبيه، أو قريبًا من ذلك، وإذا ركع رفعهما، وإذا رفع رأسه من الركعة رفعهما، ولا يفعل ذلك في السجود.
أخرجه البخاري في الصحيح (735 و 736 و 738)، وفي رفع اليدين (33 و 86 و 101 و 137 و 138 و 176)، ومسلم (390/ 22 و 23)، وأبو عوانة (1/ 424/ 1576 - 1579)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 12 و 13/ 857 - 859)، والنسائي في المجتبى (2/ 121 و 122/ 876 - 878) و (2/ 194 و 195/ 1057 و 1059) و (2/ 206/ 1088)، وفي الكبرى (1/ 331 و 332 و 344/ 648 و 650 و 679)(1/ 458/ 952 - 954)، والدارمي (1/ 316/ 1250) و (1/ 342/ 1308 و 1309)، ومالك في الموطأ (1/ 124/ 196 - رواية يحيى الليثي)، وابن خزيمة (1/ 232/ 456)، وابن حبان (5/ 172/ 1861)، وأحمد (2/ 18 و 47 و 62 و 147)، والشافعي في الأم (8/ 541 - 542/ 3646)، وفي المسند (212)(193 - بترتيب سنجر)، وابن وهب في الجامع (386)، وعبد الرزاق (2/ 67/ 2517 و 2518) و (2/ 165/ 2911)، وابن أبي شيبة (1/ 212/ 2428)، والبزار (12/ 252/ 6004)، وأبو يعلى (9/ 416/ 5564)، والروياني (1402)، وأبو العباس السراج في مسنده (89 و 91 و 95 و 96 و 98)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (81 و 1726 و 1925)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 72/ 1253 و 1254) و (3/ 137/ 1381)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 195 و 223)، وفي المشكل (15/ 42/ 5828)،
والطبراني في الكبير (12/ 279 و 280/ 13111 و 13112)، وفي الأوسط (2/ 222/ 1801)، وفي مسند الشاميين (1/ 69/64) و (4/ 229/ 3150)، وأبو أحمد الحاكم في عوالي مالك (85 و 121)، وأبو بكر ابن المقرئ في المعجم (99 و 100 و 437)، وفي الأربعين (33)، والجوهري في مسند الموطأ (176)، والدارقطني في السنن (1/ 287 - 288 و 288 و 289)، وفي العلل (13/ 114/ 2993)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 157 و 223)، وفي معرفة الصحابة (3/ 1713/ 4315)، وابن حزم في المحلى (3/ 261)، والبيهقي في السنن (2/ 26 و 69 و 70 و 94)، وفي المعرفة (1/ 758/540 و 759)، والخطيب في الموضح (2/ 507)، وفي التاريخ (3/ 260)، وأبو القاسم المهرواني في فوائده (127)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 20/ 559)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته"، والجوزقاني في الأباطيل (2/ 19 و 20/ 391 و 392)، وقال:"هذا حديث صحيح"، وابن عساكر في تاريخ دمشق (9/ 208) و (14/ 353) و (54/ 62).
• تنبيهات:
1 -
اختلف أصحاب مالك عليه في ذكر رفع اليدين إذا كبر للركوع:
أ - فرواه عنه بإثباته: الشافعي [كما في الأم]، وعبد الله بن مسلمة القعنبي [عند البخاري (735)]، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وعبد الرحمن بن القاسم (59 - تلخيص القابسي)، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن المبارك، وقتيبة بن سعيد، وعبد الله بن وهب، وعثمان بن عمر بن فارس، وبشر بن عمر الزهراني، وخالد بن مخلد، ومحمد بن الحسن الشيباني (99).
ب - ورواه عنه بإسقاطه: الشافعي [كما في المسند، وكذا هو عمن رواه من طريق الشافعي]، وعبد الله بن مسلمة [في موطئه (109)، وفي مسند الموطأ]، ويحيى بن يحيى الليثي (196)، وأبو مصعب الزهري (204)، وسويد بن سعيد الحدثاني (78)، ويحيى بن سعيد [في رواية عنه][عند النسائي (1057)]، وكامل بن طلحة.
قال الدارقطني في الأحاديث التي خولف فيها مالك (18): "روى مالك في الموطأ، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك، ولم يذكر رفعه يديه عند التكبير للركوع، ورواه عنه جماعة في غير الموطأ؛ فذكروا فيه: رفع اليدين عند التكبير للركوع، منهم: يحيى القطان، وابن مهدي، وغيرهما، وكذلك رواه أصحاب الزهري عنه، وهو الصواب؛ خلاف ما في الموطأ".
وقال في العلل (13/ 12 / 2993): "ورواه مالك بن أنس، واختلف عنه في لفظه: فرواه يحيى القطان، وعبد الله بن المبارك، وجويرية بن أسماء، وعبد الله بن وهب، وعبد الرحمن بن القاسم، وإبراهيم بن طهمان، وعبد الله بن نافع، وإسماعيل بن أبي أويس، رووه عن مالك، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح
الصلاة رفع يديه حذو منكببه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.
وخالفهم أصحاب الموطأ، منهم: القعنبي، ومعن، ويحيى بن يحيى، وكامل بن طلحة، وإسحاق الطباع، والشافعي، وخالد بن مخلد، رووه عن مالك بهذا الإسناد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع، ولم يذكروا في روايتهم: الرفع عند الركوع.
وأحسب أن مالكًا لم يذكر هذا اللفظ في موطئه، وقصر عنه؛ لأن مذهبه كان لا يرفع يديه للركوع، ولا يرفع إلا في التكبيرة الأولى".
فتعقبه أبو العباس بن طاهر الداني في كتاب الإيماء (2/ 343) بقوله: "وليس الأمر كما ظن؛ لأن مالكًا ذكر في الحديث رفع اليدين عند رفع الرأس من الركوع، وليس من مذهبه رفعهما عند الرفع من الركوع خاصةً دون الانحطاط إليه بوجه، بل قد رُوي عنه عكس ذلك.
روى أشهب عن مالك: أن المصلي يرفع يديه إذا ركع، ولا يرفعهما إذا رفع، وساوى بينهما في سائر الروايات منعًا أو إباحة، وروى ابن وهب عنه رفع اليدين في الحالين، وفي رواية ابن القاسم وغيره، وهو المشهور عنه: أنه لا يرفعهما في خفض ولا رفع.
فلو راعى مالك مذهبه في ترك الرفع لأسقط من الحديث رفع اليدين عند رفع الرأس من الركوع خاصة، وأثبت فيه رفعهما عند الانحطاط على ما ذهب إليه في رواية أشهب، أو كان يسقط منه رفع اليدين في الحالين، على ما هو المشهور من مذهبه، والله أعلم".
قال ابن المنذر في الأوسط (3/ 147): "وحكى يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن مالك أنه سئل: هل يرفع يديه في الركوع في الصلاة؟ قال: نعم، فقيل: وبعد أن يرفع رأسه من الركوع؟ قال: نعم، قال: وهذا في سنة سبع وسبعين، قال يونس: وهي آخر سنة فارق فيها ابن وهب مالك".
وقول مالك هذا أسنده إلى يونس: الحميدي في جذوة المقتبس (199) في ترجمة أحمد بن عمرو بن منصور الإلبيري.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (9/ 213): "وروى ابن وهب والوليد بن مسلم وسعيد بن أبي مريم وأشهب وأبو المصعب عن مالك: أنه كان يرفع يديه على حديث ابن عمر هذا إلى أن مات".
وقال البيهقي في المعرفة بعد أن أخرج حديث مالك من طريق ابن وهب بإثبات الرفع عند الركوع: "وكذلك رواه يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وجويرية بن أسماء، وإبراهيم بن طهمان، ومعن بن عيسى، وخالد بن مخلد، وبشر بن عمر، وغيرهم، عن مالك، ذكروا فيه رفع اليدين عند الافتتاح، وعند الركوع، وعند رفع الرأس من الركوع، وكذلك رواه عامة أصحاب الزهري، عن الزهري: يونس بن يزيد،
وشعيب بن أبي حمزة، وعقيل بن خالد، وابن جريج، وغيرهم، وكذلك رواه سليمان الشيباني، والعلاء بن عبد الرحمن، وغيرهما، عن سالم بن عبد الله، ووصف أكثر هؤلاء الرواة رفعه عند الركوع، ورفع الرأس منه، بما وصفه عند الافتتاح".
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 407): "هكذا رواية يحيى، لم يذكر الرفع عند الركوع، وتابعه مِن رواةِ الموطأ جماعة، وروته أيضًا جماعة عن مالك، فذكرت فيه رفع اليدين عند الافتتاح، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع، وكذلك رواه أصحاب ابن شهاب، وهو الصواب".
وقال في التمهيد (9/ 210): "هكذا رواه يحيى عن مالك، لم يذكر فيه الرفع عند الانحطاط إلى الركوع، وتابعه على ذلك جماعة من الرواة للموطأ عن مالك، منهم: القعنبي، وأبو مصعب، وابن بكير، وسعيد بن الحكم بن أبي مريم، ومعن بن عيسى، والشافعي، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وإسحاق بن الطباع، وروح بن عبادة، وعبد الله بن نافع الزبيري، وكامل بن طلحة، وإسحاق بن إبراهيم الحنيني، وأبو حذافة أحمد بن إسماعيل، وابن وهب في رواية ابن أخيه عنه.
ورواه ابن وهب، وابن القاسم، ويحيى بن سعيد القطان، وابن أبي أويس، وعبد الرحمن بن مهدي، وجويرية بن أسماء، وإبراهيم بن طهمان، وعبد الله بن المبارك، وبشر بن عمر، وعثمان بن عمر، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وخالد بن مخلد، ومكي بن إبراهيم، ومحمد بن الحسن الشيباني، وخارجة بن مصعب، وعبد الملك بن زياد النصيبي، وعبد الله بن نافع الصائغ، وأبو قرة موسى بن طارق، ومطرف بن عبد الله، وقتيبة بن سعيد، كل هؤلاء رووه عن مالك فذكروا فيه الرفع عند الانحطاط إلى الركوع، قالوا فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة حذو منكبيه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.
ذكر الدارقطني الطرق عن أكثرهم عن مالك كما ذكرنا، وهو الصواب، وكذلك رواه سائر من رواه عن ابن شهاب، وممن روينا ذلك عنه من أصحاب ابن شهاب: الزبيدي، ومعمر، والأوزاعي، ومحمد بن إسحاق، وسفيان بن حسين، وعقيل بن خالد، وشعيب بن أبي حمزة، وابن عيينة، ويونس بن يزيد، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعبيد الله بن عمر، كلهم رووا هذا الحديث: عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما رواه ابن وهب ومن ذكرنا معه من أصحاب مالك،
…
وقال جماعة من أهل العلم: إن إسقاط ذكر الرفع عند الانحطاط في هذا الحديث إما أتى من مالك، وهو الذي كان ربما وهم فيه؛ لأن جماعة حفاظًا رووا عنه الوجهين جميعًا.
وقال ابن حجر في الإتحاف (8/ 9568/365): "ولم يذكر الرفع عند الركوع في الموطأ، وذكره في غيره".
• وانظر فيمن كذب فيه على مالك ومن دونه، فرواه عنه بهذا الإسناد، مرفوعًا بلفظ: كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، ثم لا يعود [أخرجه البيهقي في الخلافيات (2/ 90 - 91 - مختصره) (314 - المنار المنيف) (1/ 404 - نصب الراية) (3/ 482 - البدر المنير)، وعزاه إليه ابن كثير في كتاب الأحكام الكبير (3/ 272)، من طريق: أحمد بن محمد بن خالد البراثي [قال الدارقطني: "ثقة مأمون"، سؤالات السهمي (123)، تاريخ بغداد (5/ 3)]، عن عبد الله بن عون [ثقة]، عن مالك به، قال البيهقي:"وهذا باطل موضوع"].
• وانظر أيضًا فيمن كذب فيه على ابن المبارك، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، فقلب إسناده، وأتى بمتن مختلق، فقال فيه أحدهما:"من رفع يديه في الصلاة فلا صلاة له"، وقال الآخر:"من رفع يديه في الركوع فلا صلاة له"[أخرجهما أو أحدهما: ابن حبان في المجروحين (3/ 46)، والجوزقاني في الأباطيل (2/ 18 و 22/ 390 و 393)، وقال في أحدهما: "هذا حديث باطل، لا أصل له"، وقال في الآخر: "هذا حديث موضوع باطل"، وابن عساكر في تاريخ دمشق (54/ 234)، وابن الجوزي في التحقيق (427 و 428)، وفي الموضوعات (2/ 387/ 963 و 964)، وعلقه أبو عبد الله الحاكم في المدخل إلى معرفة الإكليل (113)، وحكم عليه بالوضع][قال الذهبي في تلخيص الموضوعات (401): "وضعه مأمون بن أحمد على ثقات، وسرقه محمد بن عكاشة"، قلت: مأمون بن أحمد السلمي، ومحمد بن عكاشة الكرماني: روياه عن المسيب بن رافع، عن ابن المبارك، وكلاهما: كذاب خبيث، يضع الحديث. اللسان (6/ 447) و (7/ 350)][وانظر: كتاب الأحكام الكبير (3/ 274)، المنار المنيف (316)، البدر المنير (3/ 482 و 496)، الدراية (1/ 152)، التلخيص (1/ 222)، وأدرجه كل من صنف في الموضوعات].
2 -
نصَّ بعضُ من روى هذا الحديث عن الزهري على تأخير التكبير عن رفع اليدين، منهم: الزبيدي، وابن أخي الزهري، وابن جريج، وعقيل، ويونس، وفي رواية الزبيدي: رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه، ثم كبَّر وهما كذلك، وفي رواية يونس: رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه، ثم يكبر.
3 -
خالف هشيم [عند ابن أبي شيبة والسراج] الجماعة في لفظه، فقال: لا يجاوز بهما أذنيه، فوهم هو أو من رواه عنه، إذ قد رواه كالجماعة عند البخاري في رفع اليدين (137)، لكن لم يقيد الرفع بشيء، والمحفوظ عن الزهري: حذو منكبيه.
وقد وجدت نصًّا للإمام أحمد أن هشيمًا لم يسمع هذا الحديث من الزهري، قال أبو نعيم في الحلية (9/ 223) بعد حديث هشيم:"قال عبد الله: قال أبي: لم يسمعه هشيم من الزهري، قال عبد الله: وحدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا هشيم، عن سفيان بن حسين، عن الزهري نحوه"، وسفيان بن حسين ضعيف في الزهري خاصة، وعلى هذا فيكون هشيم قد دلس هذا الحديث عن الزهري.
4 -
وقع في معجم ابن المقرئ بعد أن ساق الحديث من طريق ابن المبارك عن معمر؛ وكان ابن المبارك يفعله، فقيل له: تفعل هذا يا أبا عبد الرحمن؟ ولم يكن أصحابك يفعلونه! قال: جاءني به الثقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وانظر في الأوهام أو المناكير: المجروحين (1/ 160)، الكامل لابن عدي (2/ 345)، تاريخ دمشق (14/ 277).
• ورواه عبيد الله بن عمر العمري، عن ابن شهاب الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه، وإذا قام من الركعتين، يرفع يديه في ذلك كله [حذو المنكبين]، وكان عبد الله يفعله.
أخرجه البخاري في رفع اليدين (136 و 139)، والنسائي في المجتبى (3/ 3/ 1182)، وفي الكبرى (2/ 32/ 1106)، وأبو عوانة (1/ 424/ 1579)، وابن خزيمة (1/ 344/ 693)، وابن حبان (5/ 185 و 197/ 1868 و 1877)، والبزار (12/ 252/ 6003)، والروياني (1402)، والطحاوي في المشكل (15/ 42/ 5829 و 5830)، وابن حزم في المحلى (4/ 90).
صححه البخاري في جزء رفع اليدين ضمن أحاديث، فقال (164):"هذه الأحاديث كلها صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يخالف بعضها بعضًا، وليس فيها تضاد؛ لأنها في مواطن مختلفة"، وقال في موضع آخر (170) فيما نقله عنه ابن حجر في الفتح (2/ 222):"ما زاده ابن عمر وعلي وأبو حميد في عشرة من الصحابة: من الرفع عند القيام من الركعتين: صحيح؛ لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فاختلفوا فيها، وإنما زاد بعضهم على بعض، والزيادة مقبولة من أهل العلم".
وقد احتج به النسائي، وبوب له بقوله:"باب رفع اليدين للقيام إلى الركعتين الأخريين حذو المنكبين".
وأما ما نقله المزي في التحفة (5/ 6876/132 - ط دار الغرب) عن النسائي قوله: ""وإذا قام من الركعتين": لم يذكره عامة الرواة عن الزهري، وعبيد الله ثقة، ولعل الخطأ من غيره"، فلا أظنه يثبت عن النسائي، فإني لم أجده لا في الصغرى ولا في الكبرى، وسياق النسائي يدل على احتجاجه به، حيث احتج بحديث أبي حميد، ثم بحديث ابن عمر هذا، وليس في تبويبه وسياقه ما يشعر بالإعلال، والله أعلم.
ثم قال المزي أيضًا: "وقال حمزة بن محمد الكناني: لا أعلم أحدًا قال في هذا الحديث: "وإذا قام من الركعتين" غير معتمر عن عبيد الله، وهو خطأ، وبالله التوفيق".
فتعقبه ابن حجر في النكت الظراف بحاشية التحفة (5/ 381 - ط المكتب الإسلامي) فقال: "لم يتفرد به المعتمر، فقد أخرج السراج في مسنده من رواية عبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله بن عمر، فقال فيه: "وإذا قام من الركعتين"".
قلت: هذا الحديث قد رواه عن عبيد الله بن عمر: معتمر بن سليمان [وعنه: محمد بن أبي بكر المقدمي، ومحمد بن عبد الأعلى الصنعاني، وأبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي]، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وعبد الله بن المبارك [وقرن عبيد الله بن عمر بيونس ومعمر ومحمد بن أبي حفصة، كما عند أبي عوانة، لكنه لم يذكر الزيادة].
وقد صححه أيضًا، وترجم لهذه الزيادة: ابن خزيمة، وابن حبان.
• تابع عبيد الله بن عمر على هذا الوجه:
أخوه عبد الله بن عمر العمري [ليس بالقوي]، فرواه عن ابن شهاب، عن سالم، قال: كان ابن عمر إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، وإذا ركع رفعهما، فإذا رفع رأسه من الركعة رفعهما، وإذا قام من مثنى رفعهما، ولا يفعل ذلك في السجود، قال: ثم يخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله.
قال عبد الله: سمعت نافعًا يحدث عن ابن عمر مثل هذا؛ إلا أنه قال: يرفع يديه حتى يكونا حذو أذنيه.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 68/ 2519).
وبهذه المتابعة يقوى القول بثبوت هذه الزيادة من حديث الزهري.
• خالف رواية الجماعة عن عبيد الله:
عبد الأعلى بن عبد الأعلى، قال: حدثنا عبيد الله، عن نافع؛ أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه البخاري في الصحيح (739)، وفي رفع اليدين (103)، وأبو داود (741)، والبزار (12/ 149/ 5742)، وابن حبان في كتاب الصلاة (9/ 207/ 10901 - إتحاف المهرة)، وابن حزم في المحلى (4/ 90)، والبيهقي في السنن (2/ 70 و 136)، وفي المعرفة (1/ 542/ 762)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 21/ 560)، وقال:"هذا حديث صحيح".
هكذا رواه عن عبد الأعلى: عياش بن الوليد الرقام، ونصر بن علي الجهضمي، وإسماعيل بن بشر بن منصور السليمي، والحسين بن معاذ بن خليف [وهم ثقات].
• واختلف فيه على نصر بن علي:
أ- فرواه أبو داود، والبزار [وهما إمامان حافظان كبيران]، وأبو الحسين عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يونس السمناني [ثقة حافظ. تاريخ دمشق (32/ 221)، السير (14/ 194)، تذكرة الحفاظ (2/ 718)، تاريخ الإسلام (23/ 122)]، ومحمد بن صالح بن عبد الله الطبري [فيه لين، واتهم بالكذب. تاريخ الإسلام (23/ 330)، اللسان (7/ 199)]، عن نصر بن علي به هكذا.
ب- وخالفهم: إسحاق بن إبراهيم: حدثنا نصر بن علي الجهضمي: حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه كان يرفع يديه في كل خفض ورفع، وركوع وسجود، وقيام وقعود بين السجدتين، ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
أخرجه الطحاوي في المشكل (15/ 46/ 5831)، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم به.
قلت: وهو شاذ بهذا اللفظ، والمحفوظ ما رواه جماعة الحفاظ عن نصر بن علي الجهضمي، موافقًا لما رواه جماعة الثقات عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، وشيخ الطحاوي هو: إسحاق بن إبراهيم بن يونس بن موسى البغدادي المنجنيقي، وهو: ثقة [التهذيب (1/ 114)، مغاني الأخيار (1/ 39)]، وأخاف أن يكون الوهم منه، والله أعلم.
وقد نبهت عليه؛ لأن ابن القطان الفاسي احتج بلفظ الطحاوي هذا [في بيان الوهم (5/ 613/ 2831)] على ثبوت الرفع بين السجدتين، وما بين السجود حين النهوض إلى ابتداء الركعة، من حديث ابن عمر، وهو شاذ مردود؛ كما ترى.
وانظر: علل الدارقطني (13/ 14/ 2902)، الرابع من فوائد أبي عثمان البحيري (32).
قال البيهقي: "رواه البخاري في الصحيح عن عياش عن عبد الأعلى، وعبد الأعلى ينفرد برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ثقة، وقد روي ذلك في حديث أبي حميد الساعدي".
وقال أيضًا: "فيثبت هذا الحديث من جهة سالم بن عبد الله، ونافع مولى ابن عمر، كلاهما عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم "[المعرفة (1/ 542)].
قلت: عبيد الله بن عمر العمري: ثقة ثبت، واسع الرواية، يحتمل من مثله التعدد في الأسانيد، وعليه فإن كلا القولين محفوظ عن عبيد الله، لا سيما وقد صحح الثاني البخاري في صحيحه، واحتج به في بابه، حيث ترجم له بقوله:"باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين"، وسيأتي الكلام على الاختلاف الواقع في حديث نافع عن ابن عمر هذا، ونقل كلام أهل العلم في رفعه ووقفه في موضعه قريبًا إن شاء الله تعالى [برقم (741)].
وحديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر هذا، قد اختلف في رفعه ووقفه على عبيد الله، والصواب قول عبد الأعلى، قال الدارقطني في العلل (13/ 14/ 2902):"وأشبهها بالصواب: ما قاله عبد الأعلى بن عبد الأعلى".
• قال عبد الله بن المبارك: "لم يثبت عندي حديث ابن مسعود؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه أول مرة، ثم لم يرفع، وقد ثبت عندي حديث من يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع"، قال ابن المبارك:"ذكره عبيد الله العمري، ومالك، ومعمر، وسفيان، ويونس، ومحمد بن أبي حفصة، عن الزهري، عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم"[سنن الدارقطني (1/ 293)].
قلت: فكأنه يثبت حديث عبيد الله بن عمر عن الزهري بهذه الزيادة.
وفي مسائل ابن هانئ (236) عن الإمام أحمد، قال: "سئل: إذا نهض الرجل من
الركعتين، يرفع يديه؟ قال: إن فعله فما أقربه، فيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو حميد: أحاديث صحاح، ولكن قال الزهري في حديثه: ولم يفعل في شيء من صلاته، وأنا لا أفعله" [انظر: الفتح لابن رجب (4/ 321)، وقال:"وهذا اللفظ لا يُعرف في حديث الزهري"].
قلت: المعروف من حديث الزهري: [ولا يفعل ذلك في السجود"، وفي رواية: "ولا يفعل ذلك حين يسجد، ولا حين يرفع رأسه من السجود"، وهذا لا يخالف ما جاء في حديث عبيد الله بن عمر عن الزهري عن سالم، فإنه زاد فيه الرفع عند القيام من الركعتين، وعبيد الله بن عمر العمري: ثقة ثبت متقن، وهو من أصحاب الزهري، وعدَّه بعضهم في الطبقة الأولى من أصحابه [شرح علل الترمذي (2/ 613)]، وقد قبل زيادته هذه عن الزهري: البخاري، والنسائي، وابن خزيمة، وابن حبان، والبيهقي، والإمام أحمد قد صحح الحديث، ولم يرده؛ إلا أنه لم يستعمله.
قال أبو داود في مسائله (236): "سمعت أحمد سئل عن الرفع إذا قام من الثنتين؟ قال: أما أنا فلا أرفع يدي، فقيل له: بين السجدتين أرفع يدي؟ قال: لا".
فلو كان حديث عبيد الله بن عمر لا يثبت عنده، لصرح بنفي الرفع في هذا الموطن، كما صرح به فيما بين السجدتين، مما يدل على أنه يثبت حديث عبيد الله، ولم أقف له على نص صريح في رده، والله أعلم.
وقال النووي في المجموع (3/ 363): "قال البخاري: وأما رواية الذين رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم الرفع عند الافتتاح، وعند الركوع، والرفع منه، ورواية الذين رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع في هذه المواضع وفي القيام من الركعتين: فالجميع صحيح؛ لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة، واختلفوا فيها بعينها، مع أنه لا اختلاف في ذلك، وإنما زاد بعضهم على بعض، والزيادة مقبولة من أهل العلم، والله تعالى أعلم"[وانظر: البدر المنير (3/ 504)].
وقال ابن حجر في الفتح (2/ 222): "وقال البخاري في الجزء المذكور: ما زاده ابن عمر وعلي وأبو حميد في عشرة من الصحابة: من الرفع عند القيام من الركعتين: صحيح؛ لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فاختلفوا فيها، وإنما زاد بعضهم على بعض، والزيادة مقبولة من أهل العلم"[وانظر: عمدة القاري (5/ 277)][وهذا النص الذي نقله النووي وابن حجر عن البخاري لم أجده بهذا اللفظ في كتابه: "رفع اليدين"، ويحتمل أن يكون ثمة سقط في المطبوع، تبعًا لأصله المخطوط، أو يكون في نقلِ مَن نقلَ عن البخاري شيء من التصرف، والله أعلم، وهذا نص ما في المطبوع (170): "قال البخاري: والذي يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه عند الركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وما زاد علي وأبو حميد في عشرة من أصحابه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا قام من السجدتين: كله صحيح؛ لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فيختلفوا في تلك الصلاة بعينها، مع أنه لا اختلاف في ذلك، إنما زاد بعضهم على بعض، والزيادة مقبولة من أهل العلم"].
قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (2/ 357): "والرفع عند القيام زيادة في هذا الحديث على ما رواه ابن شهاب عن سالم فيه، يجب قبولها لمن يقول بالرفع، وليس في حديث ابن شهاب ما يدفعها بل فيه ما يثبتها، وهو قوله: وكان لا يفعل ذلك بين السجدتين، فدليله أنه كان يفعلها في كل خفض ورفع ما عدا السجود، وكان أحمد بن حنبل لا يرفع بين السجدتين، ولا عند القيام من الركعتين، وهو ممن يقول بالرفع في كل خفض ورفع، فيمكن أن يرد عليه البخارى بهذا الحديث".
وقال البيهقي في الخلافيات (2/ 70 - مختصره): "ورفع اليدين عند القيام من الركعتين سُنَّة؛ وإن لم يذكره الشافعي؛ فإن إسناده صحيح، والزيادة من الثقة مقبولة، وقال الشافعي رحمه الله: إذا وجدتم في كتابي خلاف سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت، وهو مذكور في حديث أبي حميد في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، وقد ذكر الشافعي حديث أبي حميد الساعدي، وفيه هذه الزيادة، ثم قال في آخره: وبه نقول".
وقال البغوي في شرح السُّنَّة (3/ 23): "ولم يذكر الشافعي رفع اليدين عند القيام من الركعتين؛ لأنه بنى قوله على حديث ابن شهاب عن سالم، ومذهبه اتباع السُّنَّة إذا ثبتت، وثبت رفع اليدين عند القيام من الركعتين برواية عبيد الله بن عمر عن نافع، وسائر الروايات".
وانظر: المجموع شرح المهذب (3/ 410)، إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (1/ 220)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام (22/ 453)، فتح الباري لابن رجب (4/ 739).
رتابع الزهري على هذا الحديث: سليمان بن أبي سليمان الشيباني، وهو ثقة:
روى أبو حمزة السكري محمد بن ميمون [وهو: ثقة، والراوي عنه: علي بن الحسن بن شقيق، وهو: ثقة حافظ، من قدماء أصحاب أبي حمزة، ممن روى عنه قبل ذهاب بصره. شرح العلل (2/ 754)]، قال: حدثنا سليمان الشيباني، قال: رأيت سالمًا يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، فسألته، فقال: رأيت ابن عمر يفعله، فسألته، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.
أخرجه أبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (115)، وأبو بكر الإسماعيلي في معجم شيوخه (3/ 725)، وأبو طاهر المخلص في الحادي عشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (91)(2596 - المخلصيات).
وهذا حديث صحيح.
قال الدارقطني في العلل (13/ 114/ 2993): "ورفعه صحيح من رواية الزهري، والشيباني، وعمر بن عبد العزيز، عن سالم".
• وانظر فيمن رواه أيضًا عن سالم، وفي بعضه ما يستنكر:
مسند أحمد (2/ 45)، مسند السراج (99)، وحديثه بانتقاء الشحامي (82 و 1727)،
شرح المعاني (1/ 195 و 223)، كتاب الصلاة لابن حبان (8/ 339/ 9510 - إتحاف المهرة)، المعجم لابن الأعرابي (2/ 608/ 1201)، المعجم الكبير للطبراني (12/ 323/ 13243)، علل الدارقطني (13/ 114/ 2993)، الحلية لأبي نعيم (3/ 163)، التدوين (2/ 425).
• ولحديث ابن عمر أسانيد أخرى عن نافع عن ابن عمر:
أما الأول: فهو عند: الطبراني في الأوسط (1/ 10/ 16)[وإسناده شامي غريب، تفرد به أهل الشام عن أهل المدينة، ولفظه: كان يرفع يديه عند التكبير للركوع، وعند التكبير حين يهوى ساجدًا].
وأما الثاني: فهو عند: الطبراني في الأوسط (1/ 29/ 71)، وابن عدي في الكامل (6/ 316) [وفي إسناده: مسلمة بن علي الخشني، وهو: متروك، منكر الحديث، وقد تفرد به عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر به، وزاد: وإذا سجد، فهو حديث منكر] [انظر: التهذيب (4/ 76)].
وأما الثالث: فهو عند: الطبراني في الأوسط (8/ 208/ 8417)[وإسناده واهٍ: عبد الله بن محرر، وعباد بن صهيب: متروكان. التقريب (338)، اللسان (4/ 390)، وهو حديث منكر بهذا اللفظ: كان يرفع يديه عند التكبير في كل صلاة، وعلى الجنائز].
• قال الترمذي في الجامع (256): "وفي الباب: عن عمر، وعلي، ووائل بن حجر، ومالك بن الحويرث، وأنس، وأبي هريرة، وأبي حميد، وأبي أسيد، وسهل بن سعد، ومحمد بن مسلمة، وأبي قتادة، وأبي موسى الأشعري، وجابر، وعمير الليثي.
قال أبو عيسى: حديث ابن عمر: حديث حسن صحيح.
وبهذا يقول بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وأنس، وابن عباس، وعبد الله بن الزبير، وغيرهم.
ومن التابعين: الحسن البصري، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، ونافع، وسالم بن عبد الله، وسعيد بن جبير، وغيرهم.
وبه يقول: مالك، ومعمر، والأوزاعي، وابن عيينة، وعبد الله بن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال عبد الله بن المبارك: قد ثبت حديث من يرفع يديه، وذكر حديث الزهري عن سالم عن أبيه، ولم يثبت حديث ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع يديه إلا في أول مرة".
ثم نقل الرفع عن مالك [من رواية إسماعيل بن أبي أويس عنه]، ومعمر، وسفيان بن عيينة، وعمر بن هارون، والنضر بن شميل.
وقال الجوزقاني بعد هذا الحديث: "ورفع اليدين في الصلاة سُنَّة صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواها عنه: أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الرحمن بن عوف، والحسين بن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس،
وعبد الله بن عمر بن الخطاب، ومالك بن الحويرث، ووائل بن حجر، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وجابر بن عبد الله، وأبو حميد الساعدي، ومعاذ بن جبل، وأبو سعيد الخدري، والبراء بن عازب، وسلمان الفارسي، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعقبة بن عامر، وأبو أمامة الباهلي، وعمار بن ياسر، وأبو موسى الأشعري، وسهل بن سعد الساعدي، وعمر بن قتادة الليثي، وعمران بن حصين، وبريدة بن الحصيب الأسلمي، وعائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم أجمعين" [28].
***
723 -
. . . عبد الوارث بن سعيد، قال: حدثنا محمد بن جحادة: حدثني عبد الجبار بن وائل بن حجر، قال: كنتُ غلامًا لا أعقِلُ صلاةَ أبي، قال: فحدثني وائل بن علقمة، عن أبي: وائل بن حجر، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا كبر رفع يديه، قال: ثم التحف، ثم أخذ شماله بيمينه، وأدخل يديه في ثوبه، قال: فإذا أراد أن يركع أخرج يديه، ثم رفعهما، وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع رفع يديه، ثم سجد ووضع وجهه بين كفَّيْه، وإذا رفع رأسه من السجود أيضًا رفع يديه، حتى فرغ من صلاته.
قال محمد: فذكرت ذلك للحسن بن أبي الحسن، فقال: هي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلَه مَن فعلَه، وتركه من تركه.
قال أبو داود: روى هذا الحديث: همام، عن ابن جحادة، لم يذكر الرفعَ مع الرفعِ من السجود.
• هذا حديث خطأ، أخطأ فيه بن جحادة، والصواب: ما رواه عنه همام، من رواية عفان عنه.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 55/ 905)، وابن حبان (5/ 173/ 1862)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 78/ 2619)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 257)، وفي أحكام القرآن (1/ 189/ 338)، والطبراني في الكبير (22/ 28/ 61)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 889/24)، وابن حزم في المحلى (4/ 91)، وابن عبد البر في التمهيد (9/ 227) و (20/ 71)، وأبو موسى المديني في اللطائف (817).
هكذا رواه أبو داود عن عبيد الله بن عمر بن ميسرة الجشمي القواريري، عن عبد الوارث به، وقال: وائل بن علقمة، ومن طريق أبي داود أخرجه ابن حزم.
وقال ابن خزيمة: حدثنا عمران بن موسى القزاز: ثنا عبد الوارث: ثنا محمد بن جحادة: نا عبد الجبار بن وائل، قال: كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي، فحدثني وائل بن علقمة، أو: علقمة بن وائل، عن أبي وائل بن حجر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل
في الصلاة رفع يديه، ثم كبر، ثم التحف، ثم أدخل يديه في ثوبه، ثم أخذ شماله بيمينه،
…
ثم ذكر الحديث، هكذا قال، فلم يسقه بتمامه [انظر: الإتحاف (13/ 657/ 17270)، تهذيب الكمال (30/ 423)]، ومن طريقه أخرجه أبو نعيم.
ورواه ابن حبان، من طريق: إبراهيم بن الحجاج السامي، قال: حدثنا عبد الوارث به، إلى قوله: ثم وضع وجهه بين كفيه، فقط، ثم ساق كلام محمد بن جحادة، فلم يذكر الرفع مع الرفع من السجود؛ فلا أدري أقصر فيه راويه واختصره، أم لم تقع له هذه الزيادة في روايته، وقال في إسناده: وائل بن علقمة [وانظر: موارد الظمآن (489)، تهذيب الكمال (30/ 423)، البدر المنير (3/ 512)].
ورواه ابن أبي عاصم بتمامه، قال: حدثنا محمد بن عبيد بن حِسَاب، عن عبد الوارث به، وقال: وائل بن علقمة.
ورواه الطحاوي وابن عبد البر من طريق أبي معمر المقعَد عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج، عن عبد الوارث به، وقال: وائل بن علقمة.
ورواه الطبراني من طريق أبي معمر، وابن حِسَاب، عن عبد الوارث به نحوه، وذكر فيه الرفع مع الرفع من السجود، دون قول ابن جحادة، وقال: علقمة بن وائل.
قال زهير بن حرب: "إنما هو علقمة بن وائل"[تهذيب الكمال (30/ 424)].
وقال ابن خزيمة: "هذا علقمة بن وائل لا شك فيه، لعل عبد الوارث أو من دونه شك في اسمه، ورواه همام بن يحيى: ثنا محمد بن جحادة: حدثني عبد الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل ومولى لهم، عن أبيه وائل بن حجر"، وفي هذا ترجيح من ابن خزيمة لرواية عفان عن همام، والتي أخرجها مسلم في صحيحه، كما سيأتي ذكره.
وقال ابن حبان: "محمد بن جحادة: من الثقات المتقنين، وأهل الفضل في الدين؛ إلا أنه وَهِم في اسم هذا الرجل، إذ الجوادُ يَعْثُر، فقال: وائل بن علقمة، وإنما هو: علقمة بن وائل".
وقال ابن عبد البر: "قال في إسناد هذا الحديث: وائل بن علقمة، وإنما أعرف علقمة بن وائل".
وقال عبد الحق في الأحكام الكبرى (2/ 190): "كذا وقع عند أبي داود: وائل بن علقمة، والصواب: علقمة بن وائل، كذلك ذكره مسلم في كتابه، وابن أبي حاتم والبخاري في تاريخيهما، وهو: علقمة بن وائل بن حجر، أخو عبد الجبار بن وائل بن حجر، وعبد الجبار: لم يسمع من أبيه، إنما يحدثه عنه أخوه علقمة وغيره".
وقال المزي في التحفة (8/ 335/ 11774 - ط دار الغرب)، وفي التهذيب (30/ 420):"وهو وهم".
وقال أيضًا (8/ 399/ 11788): "تابعه [يعني: القواريري] عليُّ بن مسلم الطوسي، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، وهو خطأ، وقيل: عن عبد الوارث بهذا
الإسناد، فحدثني علقمة بن وائل، وهو الصواب، ورواه همام بن يحيى، عن محمد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل، عن أبيه، وهو الصواب"، وذكر نحوه مفصلًا في التهذيب (30/ 423)، وتبعه على ذلك ابن حجر وغيره.
قلت: الذين رووه عن عبد الوارث كلهم ثقات، وعبد الوارث كان يرويه هكذا:"فحدثني وائل بن علقمة" كما هو في كتابه؛ قال عبد الله بن أحمد في العلل (1/ 437/ 974): "سمعت القواريري يقول: ذهبت أنا وعفان إلى عبد الوارث، فقال: أيش تريدون؟ فقال له عفان: أخرج حديث ابن جحادة، فأملاه من كتابه: حدثنا محمد بن جحادة، قال: حدثني وائل بن علقمة، عن أبيه وائل بن حجر، قال: فقال له عفان: هذا كيف يكون؟ حدثنا به همام، فلم يقل هكذا، قال: فضرب بالكتاب الأرضَ، وقال: أخرج إليكم كتابي ويقولون أخطأت".
ولعل عبد الوارث بعد أن روجع فيه حدث به مرةً على الشك، كما جاء في رواية عمران بن موسى عنه، وأما رواية الطبراني فأخاف أن يكون انقلب عليه، أو يكون الطبراني نفسه هو الذي صححه، وبهذا يظهر أن الخطأ فيه لم يكن من عبد الوارث نفسه، وإنما حدثه به هكذا ابن جحادة، فوهم فيه، كما قال ابن حبان، وهو الذي يدل عليه سياق القصة التي ساقها عبد الله في العلل، والله أعلم.
• والحديث قد رواه عن ابن جحادة على الصواب:
عفان بن مسلم [ثقة ثبت]: حدثنا همام: حدثنا محمد بن جحادة: حدثني عبد الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل ومولى لهم؛ أنهما حدثاه عن أبيه وائل بن حجر: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة؛ كبر -وصف همام: حيال أذنيه-، ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما، ثم كبر فركع، فلما قال:"سمع الله لمن حمده" رفع يديه، فلما سجد سجد بين كفيه. هكذا بدون ذكر الرفع مع الرفع من السجود.
أخرجه مسلم (401)، وأبو عوانة (1/ 428/ 1596) و (1/ 503/ 1879)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 24/ 889)، وابن خزيمة (2/ 55/ 906)، وأحمد (4/ 317 - 318)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 971/ 4163 - السفر الثاني)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 188/ 337)، وأبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث (57)، وابن حزم في المحلى (4/ 112)، والبيهقي في السنن (2/ 28 و 71)، وفي المعرفة (1/ 498 و 543/ 680 و 766)، والجوزقاني في الأباطيل (2/ 24/ 395)، وقال:"هذا حديث صحيح"، وأبو موسى المديني في اللطائف (825).
قال أبو داود بعد حديث عبد الوارث: "روى هذا الحديث: همام، عن ابن جحادة، لم يذكر الرفعَ مع الرفعِ من السجود"، وفي هذا إعلال لرواية عبد الوارث، وتقديم رواية همام عليها، وعليه يحمل أيضًا قول ابن خزيمة في ترجيح رواية عفان عن همام، والله أعلم.
• تابع ابن جحادة على هذا الوجه:
أ - قيس بن سليم العنبري [ثقة]، قال: حدثني علقمة بن وائل بن حجر، عن أبيه، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر حين افتتح الصلاة ورفع يديه، وحين أراد أن يركع رفع يديه، وبعد ما رفع رأسه من الركوع.
وفي رواية: حدثني أبي، قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا قال:"سمع الله لمن حمده"، هكذا، وأشار قيس إلى نحو الأذنين.
هكذا فلم يذكر رفعَ اليدين مع الرفعِ من السجود.
أخرجه البخاري في رفع اليدين (28)، والنسائي في المجتبى (2/ 194/ 1055)، وفي الكبرى (1/ 330/ 646)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 970/ 4158 - السفر الثاني)، والطبراني في الكبير (22/ 19/ 27).
هكذا رواه عن قيس: عبد الله بن المبارك، وأبو نعيم الفضل بن دكين.
ب - ورواه موسى بن عمير العنبري [ثقة]: حدثني علقمة بن وائل، عن أبيه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام في الصلاة قبض على شماله بيمينه، ورأيت علقمه يفعله.
وفي رواية: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعًا يمينه على شماله في الصلاة.
أخرجه أحمد (4/ 316)، وابن أبي شيبة (1/ 343/ 3938)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (3/ 200)، وابن المنذر (3/ 90/ 1282)، والطبراني في الكبير (22/ 9/ 1)، والدارقطني (1/ 286)، والبيهقي (2/ 28)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 72)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 30/ 569).
قال يعقوب بن سفيان: "وموسى بن عمير: كوفي ثقة، روى إسحاق بن كعب عن موسى بن عمير؛ ليس هو هذا العنبري، وهو ضعيف".
هكذا رواه عن موسى بن عمير: أبو نعيم الفضل بن دكين [ثقة ثبت]، ووكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، وخلاد بن يحيى السلمي [صدوق].
• ورواه عبد الله بن المبارك [ثقة ثبت، إمام حافظ]، عن موسى بن عمير العنبري، وقيس بن سليم العنبري، قالا: نا علقمة بن وائل، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان قائمًا في الصلاة قبض بيمينه على شماله.
أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 125 - 126/ 887)، وفى الكبرى (1/ 462/ 963)، ومن طريقه: الدارقطني في السنن (1/ 286)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 72).
وخالفهم: بكر بن بكار القيسي [وهو: ضعيف]، فرواه عن موسى بن عمير به؛ إلا أنه قال: كان يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى إذا قام في الصلاة.
أخرجه الطحاوي في أحكام القرآن (1/ 88/ 336).
وهذه رواية منكرة، وإنما تُعرف هذه اللفظة من حديث سهل بن سعد الساعدي، قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة [عند:
البخاري (740)، وهو في الموطأ (437)، وفي المسند (5/ 336)].
• والحاصل أن هذه الأسانيد الثلاثة: أسانيد صحيحة لا مطعن فيها؛ فإن قيل:
قال ابن أبي خيثمة: "سئل يحيى بن معين: عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه؟ فقال: مرسل"[تاريخ ابن أبي خيثمة (3/ 48/ 3769) و (1/ 591/ 2458 - السفر الثاني) و (2/ 90/ 4159 - السفر الثاني)].
وفي التهذيب (3/ 142)، نقلًا من إكمال مغلطاي (9/ 275):"وحكى العسكري عن ابن معين أنه قال: علقمة بن وائل عن أبيه: مرسل".
وفي جامع التحصيل (240)، وتحفة التحصيل (233):"قال ابن معين: لم يسمع من أبيه شيئًا".
وقال الترمذي في العلل (356 - ترتيبه): "سألت محمدًا عن علقمة بن وائل: هل سمع من أبيه؟ فقال: إنه ولد بعد موت أبيه بستة أشهر".
وبناءً على هذين النقلين؛ يمكن أن يُحكم على هذا الإسناد بالانقطاع، لكن بعد جمع أقوال الأئمة في علقمة بن وائل، وأخيه عبد الجبار، وإنعام النظر فيها، يتبين لي خلاف ما بدا لأول وهلة:
• فأقول وبالله التوفيق: أما النقل عن البخاري فلا يصح، والأقرب عندي أن الخطأ وقع من قِبَل الذي قام بترتيب علل الترمذي على الأبواب، وهو: أبو طالب محمود بن علي بن أبي طالب القاضي، صاحب التعليقة المشهورة في الخلاف، فلم أقف في ثنايا ترجمته على أنه كان مشتهرًا بالحديث، وإن كان قد ذكر في مقدمة ترتيبه للعلل بأن له سماعًا وروايةً، والحاصل أنه إنما كان مشتهرًا بالفقه والقضاء، ووصف بأنه كان صاحب فنون، وكان آية في الوعظ [وفيات الأعيان (5/ 174)، السير (21/ 227)، طبقات الشافعية الكبرى (7/ 286)، شذرات الذهب (4/ 284)].
والدليل على كون المنقول في ترتيب العلل خطأ محض:
1 -
قال البخاري في التاريخ الكبير (7/ 41): "علقمة بن وائل بن حجر الحضرمي الكندي الكوفي: سمع أباه"، وكلام البخاري في مصنفه أثبت من النقل المذكور، لا سيما وقد أعيد ترتيب كتاب العلل، مما يعرضه لوقوع الخلل فيه، والله أعلم.
2 -
أخرج البخاري في جزء رفع اليدين عدة أحاديث لعلقمة بن وائل عن أبيه (28 و 49 و 93)، ثم شهد لها بالصحة مع غيرها من الأحاديث التي احتج بها على إثبات رفع اليدين، فقال (164):"هذه الأحاديث كلها صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فلو كان علقمة عن أبيه عنده منقطعًا لأشار إلى ذلك، ولم يحكم عليها بالصحة، بل قد صرح علقمة نفسه في أحد هذه الأسانيد [عند البخاري] بالسماع من أبيه، فقال: حدثني أبي.
3 -
قال البخاري في التاريخ الكبير (6/ 106): "عبد الجبار بن وائل بن حجر الحضرمي: عن أخيه عن أبيه، قال محمد بن حجر: ولد بعد أبيه لستة أشهر"، وهذا
صريح في أن البخاري قال هذا الكلام في عبد الجبار، وأنه هو الذي ولد بعد موت أبيه بستة أشهر، وليس علقمة، فإن علقمة أكبر سنًّا من عبد الجبار، وقد أثبت له البخاري السماع من أبيه في تاريخه، كما تقدم.
4 -
قال البخاري في التاريخ الكبير (1/ 69) في ترجمة محمد بن حجر: "كوفي، فيه نظر، سمع عمه سعيد بن عبد الجبار عن أبيه، قال لي ابن حجر: وولد عبد الجبار بعد موت أبيه بستة أشهر، وقال فطر عن أبي إسحاق عن عبد الجبار: سمعت أبي، ولا يصح"، فقدم البخاري قول ابن حُجر في جده عبد الجبار على غيره، مع كون فطر بن خليفة أثبت بكثير من محمد بن حُجر، بل لا مقارنة؛ فإن فطرًا صدوق، روى له البخاري مقرونًا بغيره، بينما قال البخاري في ابن حُجر هذا:"فيه نظر"، وهو قدح شديد عند البخاري، لكن ابن حُجر هنا ينقل واقعةً عن جده عبد الجبار، وأهل بيت الرجل أعلم بحاله من الغرباء، لا سيما وهذا النقل مما يقدح في اتصال إسناد جده عبد الجبار بأبيه وائل، فهو إذن لا يتزيد بهذا النقل، وعليه فقبول قوله في جده أولى من قبول رواية فطر، والتي خالف فيها غيره ممن لم يذكر السماع، والله أعلم.
5 -
وهذا هو ما اعتمده وصرح به الترمذي نقلًا عن البخاري في الجامع وفي العلل؛ قال الترمذي في الجامع (1453) بعد حديث رواه عبد الجبار عن أبيه: "هذا حديث غريب؛ وليس إسناده بمتصل
…
، سمعت محمدًا يقول: عبد الجبار بن وائل بن حجر: لم يسمع من أبيه، ولا أدركه، يقال: إنه ولد بعد موت أبيه بأشهُر"، ثم قال بعد الحديث الذي يليه من طريق علقمة بن وائل عن أبيه (1454): "هذا حديث حسن غريب صحيح، وعلقمة بن وائل بن حجر: سمع من أبيه، وهو أكبر من عبد الجبار بن وائل، وعبد الجبار: لم يسمع من أبيها، وقال في العلل (426):"وعبد الجبار: لم يسمع من أبيه، ولد بعد موت أبيه".
وهذا النقل عن البخاري إضافة إلى ما قال به الترمذي نفسه ليؤكد عدم صحة ذاك النقل المذكور، ولو كان الترمذي نقله عن البخاري لكان أولى الناس بالقول به؛ لا أن يقول بخلافه مما هو ثابت عن البخاري في كتبه.
6 -
وهناك دليل آخر على صحة ما أقول؛ فإن الترمذي نفسه قد حكم على نفس الحديث المذكور في العلل، حكم عليه في الجامع (1340) بالصحة، فقال:"حديث وائل بن حجر: حديث حسن صحيح"، فلو كان عنده منقطعًا بناءً على النقل السابق ذكره؛ لما حكم عليه بالصحة، ولقال فيه كما قال في رواية عبد الجبار آنفًا:"وليس إسناده بمتصل"، أو اكتفى بالحكم عليه بالحسن فقط؛ إشارةً إلى وجود ضعف في الإسناد من جهة الانقطاع ونحوه كعادته؛ فلما حكم عليه بالحسن والصحة معًا علمنا أنه لا يعلم لهذا الحديث علةً، وأنه حديث صحيح ثابت عنده، وقد صحح الترمذي لعلقمة عن أبيه أكثر من حديث، انظر: الجامع (2046 و 2199).
فدلت هذه الدلائل مجتمعة على خطأ هذا النقل الذي وقع في ترتيب علل الترمذي، والله أعلم.
• وأما النقل الأول عن ابن معين؛ فإنه ثابت عنه، نقله عنه ابن أبي خيثمة في تاريخه، وهو من أصحاب ابن معين المعروفين بالإمامة والعلم والحفظ والإتقان [انظر ترجمته في: تاريخ بغداد (4/ 162)، السير (11/ 492)، اللسان (1/ 463)]، وهذا بغض النظر عن صحة نقل أبي أحمد العسكري عنه، فإن أبا أحمد العسكري الحسن بن عبد الله بن سعيد، صاحب كتاب التصحيف، إنما ينقل عن ابن معين بواسطة رجل أو رجلين، وهو معروف بالرواية عن محمد بن يحيى الصولي عن الغلابي، والغلابي يروي عن ابن معين، وقد تُكُلِّم في هذه السلسلة [انظر: معجم الأدباء (1/ 415)، اللسان (7/ 584)، معجم الشعراء (382)، تاريخ بغداد (3/ 427)، السير (15/ 301)].
ويقابله أنه قد ثبت عن ابن معين أنه قال ذلك أيضًا في عبد الجبار، قال عباس الدوري في تاريخه (3/ 11/ 44):"سمعت يحيى يقول: عبد الجبار بن وائل بن حجر: ثبت، ولم يسمع من أبيه شيئًا، إنما كان يحدث عن أهل بيته عن أبيه"، وقال في موضع آخر (3/ 390/ 1890):"سمعت يحيى يقول: عبد الجبار بن وائل: لم يسمع من وائل، يقولون: إنه مات وهو حبل، يعني: يحيى: أن أمه به حبلى"، وقال الآجري:"قلت لأبي داود: عبد الجبار بن وائل سمع من أبيه؟ قال: سمعت يحيى بن معين يقول: مات وهو حمل"[سؤالات الآجري (70)]، وقال ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 591/ 2458 - السفر الثاني):"وسئل يحيى بن معين: عن عاصم بن وائل [كذا، وإنما هو علقمة بن وائل] عن أبيه؟ قال: مرسل، وقال: عبد الجبار بن وائل عن أبيه: مرسل، مات أبوه وأمه حمل به بعيد الحياة"، وقال ابن أبي خيثمة (2/ 970 - 971/ 4161 - السفر الثاني):"سئل يحيى بن معين: عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه؟ قال: مرسل؛ مات أبوه وأمه حامل به".
وقد تتابعت أقوال الأئمة في الجزم بعدم سماع عبد الجبار بن وائل من أبيه، وممن اعتمد في ذلك كلام حفيده محمد بن حجر أيضًا: ابن حبان؛ فقد قال في الثقات (7/ 135) في ترجمة عبد الجبار: "ومن زعم أنه سمع أباه فقد وهم؛ لأن وائل بن حجر مات وأمه حامل به، ووضعته بعد موت وائل بستة أشهر"، وقال نحوه في مشاهير علماء الأمصار (1293)، وقال في ترجمة علقمة (5/ 209):"علقمة: سمع أباه، وعبد الجبار: لم يره، مات أبوه وأمه حامل به"، وقال في ترجمة محمد بن حجر في كتابه المجروحين (2/ 273):"وأما عبد الجبار بن وائل: فإنه ولد بعد موت أبيه بستة أشهر، مات وائل بن حجر وأم عبد الجبار حامل به، وهذا ضرب من المنقطع الذي لا تقوم به الحجة، وقد وهم فطر بن خليفة حيث قال: عن أبي إسحاق، عن عبد الجبار بن وائل، قال: سمعت أبي".
وابن حبان في هذا كله متابع للبخاري، وهذا أيضًا مما يؤكد عدم صحة النقل السابق ذكره عن البخاري في ترتيب علل الترمذي.
وممن جزم أيضًا بعدم سماع عبد الجبار من أبيه، أو حكى القول به: ابن سعد، وابن المديني، وأبو حاتم، والنسائي، ويعقوب بن سفيان، وابن جرير الطبري، ويعقوب بن شيبة، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، وابن عبد البر، وآخرون [الطبقات الكبرى (6/ 312)، الجرح والتعديل (6/ 30)، السنن الصغرى للنسائي (3/ 105/ 1404)، السنن الكبرى (1/ 460/ 958)، المعرفة والتاريخ (3/ 367)، السنن الكبرى للبيهقي (1/ 397) و (8/ 235)، الاستيعاب (4/ 1563/ 2736)، الأنساب (5/ 105)، تاريخ دمشق (62/ 383)، الأحكام الكبرى (2/ 191)، الفتح لابن رجب (5/ 90)، جامع التحصيل (413)، تحفة التحصيل (192)، التلخيص (1/ 254/ 379) (1/ 271/ 420)، التهذيب (2/ 470)].
ولا يُعرف عن أئمة الحديث خلاف هذا القول؛ ولذلك قال النووي في المجموع (3/ 112): "أئمة الحديث متفقون على أن عبد الجبار لم يسمع من أبيه شيئًا، وقال جماعة منهم: إنما ولد بعد وفاة أبيه بستة أشهر"[وانظر أيضًا: (3/ 253 و 381 و 408)]، وقال في الخلاصة (1/ 1367/422):"ولم يدركه باتفاقهم، وقيل: ولد بعد موته بستة أشهر".
قلت: وهذا الاتفاق على أن عبد الجبار لم يسمع من أبيه شيئًا، أو أنه ولد بعد موت أبيه بستة أشهر؛ هذا مما يؤكد شذوذ رواية عبد الوارث عن ابن جحادة، والتي فيها إثبات كون عبد الجبار كان طفلًا صغيرًا في حياة أبيه، والله أعلم.
وأما قول المزي في التهذيب (16/ 395) في الرد على ما قال به: ابن معين والبخاري والترمذي وابن حبان؛ بأن عبد الجبار ولد بعد موت أبيه بستة أشهر، قال:"وهذا القول ضعيف جدًّا؛ فإنه قد صح عنه أنه قال: كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي، ولو مات أبوه وهو حمل لم يقل هذا القول".
وقال في تحفة الأشراف (9/ 83/ 11760) ردًّا على ما قال الترمذي: "كذا قال، وقد روى مسلم في صحيحه: عن عبد الجبار بن وائل قال: كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي
…
الحديث،
…
وهذا يبطل قول من قال: ولد بعد موت أبيه، والله أعلم" [وانظر أيضًا: تحفة الأشراف وبحاشيته النكت الظراف (9/ 88/ 11774)].
وتبعه على ذلك جماعة، منهم: ابن الملقن؛ فقال بعد أن نقل كلام النسائي وابن معين في عدم سماع عبد الجبار من أبيه، قال: "ونقل النووي اتفاق أئمة الحديث على ذلك، ثم نقل عن جماعة: أنه إنما ولد بعد وفاة أبيه بستة أشهر، وهذا القول بعيد فإن في صحيح مسلم عن عبد الجبار بن وائل قال: كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي
…
الحديث، وهذا يبطل قول من قال إنه ولد بعد موت أبيه، وقد نبه على ذلك المزي في أطرافه بعد أن نقل هذا القول عن الترمذي، ونبه عليه أيضًا غيره من شيوخنا، لكن لم يعز ما أسلفناه إلى مسلم؛ بل عزاه إلى الطبراني [المعجم الكبير (22/ 28/ 61)]، وأنه رواه عن عبد الله بن أحمد بن حنبل: ثنا محمد بن عبيد بن حساب: ثنا عبد الوارث: نا محمد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل قال: كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي، فحدثني علقمة بن وائل، عن
أبي وائل
…
فذكره" [البدر المنير (3/ 389)][وانظر: جامع التحصيل (413)، تحفة التحصيل (192)، التلخيص (1/ 205/ 301)].
قلت: يقال: ثبت العرش ثم انقش، فإن هذه الرواية التي احتج بها المزي -وتبعه من تبعه-: رواية شاذة مردودة، وليست هي في صحيح مسلم، كما ادعى بعضهم، والمحفوظ: ما رواه ابن جحادة عن عبد الجبار [من رواية عفان عن همام عن ابن جحادة به، وهي التي أخرجها مسلم]، وتابعه: قيس بن سليم العنبري، وموسى بن عمير العنبري، رواه ثلاثتهم: عن علقمة بن وائل، عن أبيه وائل بن حجر.
وقد سبق أن بينت أن رواية عبد الوارث هذه وهم من ابن جحادة، فلا يُعوَّل عليها، وليست هي في صحيح مسلم، إنما أخرجه مسلم من حديث عفان عن همام عن ابن جحادة، وليس فيه قول عبد الجبار: كنت غلامًا لا أعقل صلاة أبي، كما تقدم تفصيل القول في ذلك، وعلى هذا فلا يصلح ما ذكروه مستمسكًا في رد ما اتفق عليه أئمة الحديث؛ من الجزم بعدم سماع عبد الجبار بن وائل من أبيه، فإنهم إذا اتفقوا على شيء كان حجة، وكذا ما اتفق عليه ابن معين والبخاري والترمذي وابن حبان، بأن عبد الجبار ولد بعد موت أبيه بستة أشهر، والله أعلم.
والمقصود أن هذا الحديث إنما هو حديث علقمة بن وائل، وعبد الجبار إنما يرويه بواسطة علقمة، ولا تصح هذه اللفظة في حديثه، وقد بيَّن الحفيد محمد بن حجر أن جده عبد الجبار قد ولد بعد موت أبيه بستة أشهر، وأهل بيت الرجل أعلم بحاله، وبهذا أخذ الأئمة، واحتجوا به على عدم سماع عبد الجبار من أبيه، لا سيما مع ثبوت الواسطة بينه وبين أبيه، ولم تكن لتخفى عليهم رواية عبد الوارث عن ابن جحادة، والله أعلم.
• وحاصل ما تقدم: فإن علقمة بن وائل قد سمع من أبيه وائل بن حجر، وقد أثبت هذا السماع إمام الأئمة، وجبل الحفظ والإتقان، وإمام هذا الفن في زمانه بلا مدافع: الإمام البخاري، وتبعه على ذلك: الترمذي وابن حبان، ولا يُعارض هذا بنفي ابن معين له، فإن المثبِت مقدَّم على النافي، لما معه من زيادة علم، لا سيما إذا كان مشهورًا بالتثبت في هذه المسألة على وجه الخصوص، وهي مسألة ثبوت سماع الرواة من شيوخهم؛ فإذا انضم إلى هذا: احتجاج مسلم بما رواه علقمة عن أبيه، فإنه يزداد قوة؛ ومما يجعل النفس تقطع بصحة ما ذهب إليه الأئمة، وعدم صحة قول ابن معين: ما قد ثبت من طرق صحيحة من التصريح بسماع علقمة بن وائل من أبيه، انظر على سبيل المثال ما أخرجه: مسلم (1680)، والبخاري في رفع اليدين (28)، وأبو عوانة (4/ 105/ 6186)، وأبو داود (4499)، والنسائي (2/ 194/ 1055) و (8/ 16 و 17/ 4728 و 4729)، والبيهقي (8/ 54).
إذا تبين هذا؛ فلم يعد لأحد حجة في إعلال ما رواه علقمة بن وائل عن أبيه، لمجرد عدم السماع، أو بدعوى الإرسال والانقطاع، بل هو إسناد صحيح متصل، على شرط مسلم، أخرج به مسلم عدة أحاديث [انظر: تحفة الأشراف (8/ 331 - 335 - ط دار الغرب)، والله أعلم.
• خالف عفانَ بنَ مسلم: حجاج بن منهال [وهو: ثقة]، قال: ثنا همام، قال: حدثنا محمد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل بن حجر، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه وكبر، ثم التحف بثوبه، ووضع اليمنى على اليسرى، فإذا أراد أن يركع قال هكذا بثوبه، فأخرج يديه، ثم رفعهما وكبر، [وركع]، فلما أراد أن يسجد وقعت ركبتاه على الأرض قبل أن تقعا كفاه [وفي رواية: قبل كفيه]، فلما سجد وضع جبهته بين كفيه، وجافى عن إبطيه.
فقال همام: وحدثنا شقيق: حدثنا عاصم [بن كليب]، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال مثل هذا.
قال [حجاج]: وفي حديث أحدهما، قال همام: وأكبر علمي أنه في حديث محمد بن جحادة: فإذا نهض نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذيه.
أخرجه أبو داود (736 و 839) ببعضه، وابن المنذر في الأوسط (3/ 166 و 261/ 1432 و 1623) بأوله فقط، وأبو جعفر ابن البختري في المنتقى من السادس عشر من حديثه (36)[(705) مجموع مصنفاته]، واللفظ له بتمامه، والطبراني في الكبير (22/ 28/ 60)، وما بين المعكوفين له، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 889/24)، وأبو بكر القطيعي في جزء الألف دينار (182)، والبيهقي (2/ 99).
• ورواه أبو عمر حفص بن عمر الحوضي، عن همام به متابعًا لحجاج على إسناده.
أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 28/ 60)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 24/ 889).
وحفص بن عمر الحوضي: ثقة ثبت، لكني لم أقف على لفظه هنا، فإن الطبراني وأبا نعيم قد قرنا بين أبي عمر الحوضي وحجاج في إسناد واحد ولفظ واحد، ولم يسوقا لفظ الحوضي مستقلًا.
ثم وجدت بعد ذلك الطبراني أخرج حديث شقيق من طريق حفص بن عمر، بما يدل على أن لفظه غير لفظ حجاج، وأنه لم يكن متابعًا له على لفظه، وإنما على إسناده فقط:
فقد أخرج الطبراني في الأوسط (6/ 97/ 5911)، قال: حدثنا محمد بن يحيى القزاز [لا بأس به. سؤالات الحاكم (194)، الثقات (9/ 153)، السير (13/ 418)]، قال: نا حفص بن عمر، قال: نا همام، قال: ثنا شقيق، عن عاصم بن كليب، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد وقعتا ركبتاه على الأرض قبل أن يقع كفاه، وإذا نهض في فصل الركعتين نهض على ركبتيه، واعتمد على فخديه.
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن شقيق بن أبي عبد الله إلا همام".
قلت: فظهر بذلك أن حفص بن عمر لم يتابع حجاجًا على لفظه، وأنه ميز حديث شقيق من حديث ابن جحادة، والذي اختلط على حجاج، ولم يميزه، فأدرج بعض حديث شقيق في حديث ابن جحادة، أو يكون الوهم من همام نفسه لما حدث به حجاجًا، حدَّثه
به من حفظه فوهم، وحدَّث به عفان بن مسلم وحفص بن عمر من كتابه فأصاب، وقد كان همام يخطئ إذا حدث من حفظه، وكان ثبتًا في كتابه [انظر: التهذيب (4/ 284)].
وقد وهم بعضهم في هذا الإسناد على حفص بن عمر أبي عمر الحوضي، فجعله عن سفيان الثوري، بدلًا من شقيق، هكذا رواه الطحاوي (1/ 255)، ثم قال:"كذا قال ابن أبي داود من حفظه: سفيان الثوري، وقد غلِطَ، والصواب: شقيق أبو الليث".
• فرواية حجاج هذه وهمٌ، سندًا ومتنًا، ورواية عفان هي الصواب، وفيها: إثبات علقمة بن وائل في الإسناد، وعدم ذكر الرفع مع الرفع من السجود، وعدم ذكر هيئة الهوي والنهوض، من حديث ابن جحادة، وإنما هي من حديث شقيق، وتابعه على المتن: حفص بن عمر الحوضي.
وعفان بن مسلم أثبت من روى هذا الحديث عن همام، وقد كان متيقظًا فطنًا، ضابطًا للألفاظ والأخبار، لا يجاريه في ذلك أقرانه، قدَّمه أحمد وغيره على بعض المتثبتين من أقرانه، مثل: بهز بن أسد، وحَبان بن هلال، وكلاهما: ثقة ثبت، بل قال أحمد مرة:"عفان أثبت من عبد الرحمن بن مهدي"، وقدمه ابن معين على أبي الوليد الطيالسي وأبي نعيم، وكلاهما: ثقة ثبت، وقدمه مرة على ابن مهدي، وكان يحيى بن سعيد القطان يرجع إلى قوله؛ لشدة تثبته، وكان أبو داود يقدمه على حجاج وحَبان عند الاختلاف، ويكفي شهادةً له على ضبطه وتثبته في الرواية قول أبي حاتم -الإمام المتشدد-، إذ يقول فيه:"ثقة متقن متين"، فإنه يندر أن يقول هذا في أحد، وقد قدَّمه مرة في الاختلاف على همام [انظر: التهذيب (3/ 118)، السير (10/ 242)، الميزان (3/ 81)، العلل ومعرفة الرجال (3/ 434/ 5847)، الجرح والتعديل (7/ 30)، علل الحديث (2750)، سؤالات الآجري (4/ ق 7) و (5/ ق 7)، تاريخ بغداد (12/ 273)، وغيرها].
وقد تابعه على هذا الوجه من حديث علقمة: قيس بن سليم العنبري، وموسى بن عمير العنبري، فلم يذكرا هذه الزيادات، وهو الصواب.
• ومما يبين أن عفان قد ضبط هذا الحديث، أنه ميز رواية ابن جحادة، من رواية شقيق، والتي اختلطت على حجاج، أو وهم فيها همام لما حدث بها حجاجًا:
فقد رواه عفان، قال: حدثنا همام: حدثنا محمد بن جحادة: حدثني عبد الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل ومولى لهم؛ أنهما حدثاه عن أبيه وائل بن حجر: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة،
…
فذكر الحديث، ولم يذكر زيادة حجاج، وقد تقدم ذكره قريبًا.
ثم روى عفان مرة أخرى، قال: ثنا همام: ثنا شقيق أبو الليث، قال: حدثني عاصم بن كليب، عن أبيه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد وقعت ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقع كفاه، قال: وكان إذا نهض في فصل الركعتين نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذيه.
أخرجه أبو داود في السنن [من رواية أبي الحسن بن العبد. تحفة الأشراف
(8/ 329/ 11762 - ط دار الغرب) و (12/ 465/ 19245 - ط دار الغرب)]، وفي المراسيل (42)، والبيهقي (2/ 99).
قال عفان: "وهذا الحديث غريب، ورواه يزيد بن هارون عن شريك".
وقال البيهقي: "هذا حديث يُعدُّ في أفراد شريك القاضي، وإنما تابعه همام من هذا الوجه مرسلًا، هكذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين رحمهم الله تعالى".
وقال ابن رجب في الفتح (5/ 148): "وفي النهوض على صدور القدمين أحاديث مرفوعة، أسانيدها ليست قوية، أجودها: حديث مرسل، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، وقد خرجه أبو داود بالشك في وصله وإرساله، والصحيح: إرساله جزمًا، والله عز وجل أعلم".
وقال المزي في التحفة في الموضع الثاني: "كذا وقع عنده [يعني: عند أبي داود في الصلاة وفي المراسيل]، وقال غيره: عن عاصم بن شنتم عن أبيه، كذلك ذكره أبو نصر ابن ماكولا، وكذلك ذكره عبد الباقي بن قانع في حرف الشين من معجمه، والله أعلم".
• تابع عفان بن مسلم، وأبا عمر الحوضي حفص بن عمر على رواية هذا الحديث عن همام به هكذا:
حَبان بن هلال [ثقة ثبت، قال أحمد: "إليه المنتهى في التثبت بالبصرة"]، قال: ثنا همام، عن شقيق أبي ليث، عن عاصم بن كليب، عن أبيه به.
أخرجه الطحاوي (1/ 255)، وقال:"وشقيق أبو ليث هذا: فلا يُعرف".
• قلت: هكذا قال عفان وحجاج والحوضي وحبان في هذا الحديث عن همام: "عن عاصم بن كليب":
لكن رواه أبو القاسم البغوي المعروف بابن بنت منيع، قال: نا هارون بن عبد الله [هو الحمال: ثقة]: نا عباس بن الفضل الأزرق: نا همام: نا شقيق أبو ليث، عن عاصم بن شنتم، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد وقعت ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقع كفاه، وكان إذا قام في فصل الركعتين نهض على ركبتيه، وادَّعم على فخديه.
أخرجه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (3/ 319/ 1258)، وعنه: ابن قانع في المعجم (1/ 350)[لكن وقع عنده: شتيم، وأخرجه في ترجمة من اسمه: شتيم، وقد ذكر ابن حجر في الإصابة (3/ 362) أن ابن قانع قال فيه: شنتم]، وابن السكن في الصحابة [الأصابة (3/ 362)].
قال أبو القاسم: "روى هذا الحديث: شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: تقع ركبتاه إلى الأرض قبل يديه،
…
، ولا أعلم حدَّث به عن شريك غير يزيد، ولم أسمع لشنتم ذكرًا إلا في هذا الحديث".
قال ابن حجر: "قال البغوي وابن السكن: ليس له غيره".
وقال ابن السكن: "لم يثبت، وهو غير مشهور في الصحابة، ولم أسمع به إلا في هذه الرواية"[الإصابة (3/ 362)].
ثم رواه: أبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة (3/ 1491/ 3789)، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد [بن يعقوب بن عبد الله، أبو بكر المفيد، الجرجرائي: رحل وجمع، وكتب عن الغرباء، إلا أنه روى مناكير عن مشايخ مجهولين، وقد ضعفوه، وقال الذهبي في الميزان: "وهو: متهم"، ونعته في السير على عادته في التوسع، فقال: "المفيد الشيخ الإمام، المحدث الضعيف"، تاريخ بغداد (1/ 346)، الإكمال لابن ماكولا (7/ 217)، الأنساب (2/ 42) و (5/ 358)، تاريخ دمشق (51/ 118)، السير (16/ 269)، الميزان (3/ 460)]: ثنا أحمد بن موسى الخطمي [أحمد بن موسى بن إسحاق بن موسى الخطمي: قال الخطيب: "وكان ثقة"، طبقات المحدثين (4/ 243)، تاريخ أصبهان (1/ 179)، تاريخ بغداد (5/ 144)]: ثنا القاسم بن نصر [بن سالم، الملقب: دُويسْت: موصوف بالعبادة والصلاح، قال الخطيب: "كان من خيار المسلمين، وأعيان المتعبدين"، تاريخ بغداد (4/ 350) و (12/ 436)، تكملة الإكمال (2/ 544)، تاريخ الإسلام (20/ 420)]: ثنا عباس بن الفضل: ثنا همام بن يحيى: ثنا شقيق أبو ليث، عن عاصم بن شُيَيْم، عن أبيه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد وقعت ركبتاه إلى الأرض قبل أن يبلغ كفاه، وإذا قام في فصل الركعتين اعتمد على فخذيه، ونهض على ركبتيه.
قال أبو نعيم: "ذكر المنيعي هذا الحديث عن هارون الحمال عن عباس، وقال: شنتم بالنون والتاء، وقال: لم أسمع لشنتم ذكرًا إلا في هذا الحديث".
قال ابن الأثير في أسد الغابة (2/ 610): "ذكر المنيعيُّ في هذا الحديث: شنتم، بالنون والتاء، وقال: لم أسمع لشنتم ذكرًا إلا في هذا الحديث، وأما ابن منده وأبو نعيم فلم يعرفا هذا، وقد أخرجا شييم، بياءين مثناتين من تحت، وفرَّق الحسين بن علي البرذعي وأبو العباس المستغفري وابن ماكولا وغيرهم بينهما، ويرد في الشين مع الياء أكثر من هذا، إن شاء الله تعالى، أخرجه هاهنا أبو موسى"، ثم ذكره في ترجمة شييم (2/ 616).
وقال ابن ناصر الدين في التوضيح (5/ 305): "وشقيق وعاصم: مجهولان"، بعد أن قال في العباس:"هو أبو عثمان الأزرق ذاك الواهي".
وقال ابن حجر في الإصابة (3/ 362): "شنتم: غير منسوب، بوزن أحمد، ضبطه الدارقطني والبغوي وابن السكن وغيرهم، بنون ثم مثناة، وذكره بعضهم بالمثناة بالتصغير".
وقال ابن حجر أيضًا بعد أن ذكر الحديث من طريق حجاج عن همام بالزيادة في آخره: "وهذه الزيادة إنما هي في رواية عاصم بن شنتم، فيغلب على الظن أنه لما كتبه من حفظه وقع له فيه وهم".
وانظر: [كمال ابن ماكولا (5/ 41)، تهذيب الكمال (12/ 558)، الميزان (2/ 352)، التقريب (273 و 274)، وغيرها.
قلت: رواية أبي القاسم البغوي هي الصواب: شنتم، وراوية أبي نعيم الأصبهاني: تصحيف، على فرض ثبوتها.
• ثم أقول: عندنا في هذا الحديث رواية خمسة اختلفوا فيه على همام:
أحدهم: ثقة ثبت، حافظ متقن، وهو: عفان بن مسلم، فميَّز حديث ابن جحادة من حديث شقيق: سندًا ومتنًا، وحفظ أسماء رواته وضبطهم، وجاء به على الصواب، وروايته هي العمدة عندنا، وهي التي اعتمدها مسلم، وأخرجها في صحيحه.
ورواية ثقة ثبت، وهو حفص بن عمر الحوضي تابع عفان بن مسلم، إلا أنه أسقط علقمة بن وائل من حديث ابن جحادة، وميز حديث شقيق من حديث ابن جحادة.
ورواية ثقة ثبت، وهو حبان بن هلال، جاء بحديث همام عن شقيق على وجهه، مثل رواية عفان والحوضي، ولم أقف على روايته لحديث همام عن ابن جحادة.
ورواية ثقةٍ وهم في روايته وشك فيها، ولم يضبطها، وهو: حجاج بن منهال، أو كان الوهم فيها من شيخه همام لما حدثه به من حفظه فوهم.
لكن اتفق أربعتهم [وهم ثقات حفاظ] على قولهم في شيخ شقيق أبي ليث: "عاصم بن كليب".
وخالفهم: رجل متروك، ذهب حديثه، وترك أبو زرعة حديثه، وأنكر عليه ابن المديني حديثًا، وضعفه جدًّا، وقال ابن معين:"كذاب خبيث"، وهو: العباس بن الفضل بن العباس العبدي الأزرق البصري [التهذيب (2/ 293)، تاريخ الإسلام (16/ 216)، سؤالات البرذعي (2/ 702)، علل الدارقطني (12/ 50/ 2401)، تاريخ بغداد (12/ 134)]، فقال في روايته لحديث شقيق:"عن عاصم بن شنتم"، أو: ابن شييم، ولا يصح عنه، وقد قال بعضهم: إن عاصم بن كليب، يقال لجده في قولٍ: شتير، فيحتمل أن يكون نُسب عاصم إلى جده، ثم تصحف عليه شتير إلى شنتم، وهو محتمل، والله أعلم.
فكيف نُعرض عن الرواية المحفوظة، التي اتفق عليها أربعة من الثقات المشاهير، ثم نذهب إلى رواية هذا المتروك الواهي، فنثبتها، ونبني عليها أحكامًا، ونثبت بها الصحبة لمن لا يُعرف له ذِكرٌ إلا في رواية ذاك الواهي، ولا ذكر له في أمهات كتب الرجال، مثل: التاريخ الكبير للبخاري، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، والثقات أو المجروحين لابن حبان، ولا في كتب التواريخ، أو السؤالات، أو العلل، أو الضعفاء، لأحد من الأئمة المتقدمين، فهذه الرواية ما هي إلا محض خطأ حادث، ووهم من هذا الراوي؛ على فرض الاعتبار بروايته، وإلا فمثله لا يُعتبر به ولا كرامة، إذ لا حقيقة ولا وجود لصحابي يقال له: شنتم، أو: شتيم، أو شييم، إنما هي أباطيل، كان ينبغي على العالم اطراحها لأول وهلة، حتى لا يأتي بعد ذلك من يحشو بها المصنفات، فيُذكر مثل هذا في أسماء الصحابة، فللَّه درُّ الحفاظ الأوائل، الذين مزقوا صحف الكذابين والمتروكين، وتركوا التحديث بها، بل وتركوا التحديث بأوهام الرواة وأخطائهم، حتى لا يختلط على الناس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأوهام الرواة وأخطائهم، بل وكذبهم، والله المستعان [انظر: ترجمة شقيق من التهذيب (2/ 179)].
• والحاصل: فإن هذه الرواية: شقيق، عن عاصم بن شنتم، عن أبيه: رواية باطلة.
وكذلك فإن رواية حجاج: خطأ من حديث همام، والمحفوظ ما رواه عنه عفان ومن تابعه، والله أعلم.
• أما حديث عفان: حدثنا همام: حدثنا محمد بن جحادة: حدثني عبد الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل ومولى لهم؛ أنهما حدثاه عن أبيه وائل بن حجر: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة؛ كبر -وصف همام: حيال أذنيه-، ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما، ثم كبر فركع، فلما قال:"سمع الله لمن حمده" رفع يديه، فلما سجد سجد بين كفيه. هكذا بدون ذكر الرفع مع الرفع من السجود.
فهو حديث صحيح، أخرجه مسلم (401)، وتقدم الكلام عليه.
• وأما حديث عفان والحوضي وحَبان بن هلال:
ثنا همام: ثنا شقيق أبو ليث، قال: حدثني عاصم بن كليب، عن أبيه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد وقعت ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقع كفاه، قال: وكان إذا نهض في فصل الركعتين: نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذيه.
فهذا هو المحفوظ، وجعله من حديث ابن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه: وهم، وخطأ محض.
وهو حديث ضعيف؛ كليب بن شهاب الجرمي، والد عاصم: تابعي، ثقة، سمع عمر وعليًّا وأبا هريرة وغيرهم، وليست له صحبة، فروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلة [التاريخ الكبير (7/ 229)، معرفة الثقات (1555)، الجرح والتعديل (7/ 167)، الثقات (3/ 356) و (5/ 337)، التهذيب (3/ 474)]، ووهم من عدَّه في الصحابة [انظر: معجم الصحابة لابن قانع (2/ 384)، المعجم الكبير (19/ 199)، معرفة الصحابة لأبي نعيم (5/ 2396)، الاستيعاب (3/ 1329)، أسد الغابة (4/ 525)، الإصابة (5/ 668)].
وعاصم بن كليب: ثقة، وشقيق أبو ليث: لا يُعرف له ذكر في غير هذا الحديث، ولا روى عنه غير همام، فهو مجهول، قال الطحاوي:"لا يعرف"، وضعفه ابن القطان معللًا ذلك بقوله:"لا يُعرف بغير رواية همام عنه"[الجرح والتعديل (4/ 373)، شرح المعاني (1/ 255)، بيان الوهم (2/ 66/ 36)، التهذيب (2/ 179)].
وعليه فهو مرسل بإسناد ضعيف، وسيأتي مزيد كلام عليه عند حديث شريك عن عاصم بن كليب، برقم (728).
قال النووي في الخلاصة (1280): "وزاد أبو داود في رواية أخرى ضعيفة منقطعة: وإذا نهض نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذه".
وقال ابن عبد البر في التمهيد (9/ 227): "زيادة وائل بن حجر في حديثه رفع اليدين بين السجدتين قد عارضه في ذلك ابن عمر بقوله: وكان لا يرفع بين السجدتين، والسنن لا
تثبت إذا تعارضت وتدافعت، ووائل بن حجر إنما رآه أيامًا قليلة في قدومه عليه، وابن عمر صحبه إلى أن توفي صلى الله عليه وسلم، فحديث ابن عمر: أصح عندهم، وأولى أن يعمل به من حديث وائل بن حجر، وعليه العمل عند جماعة فقهاء الأمصار القائلين بالرفع، قال أبو بكر الأثرم: قيل لأحمد بن حنبل: رفع اليدين من السجدتين؟ فذكر حديث سالم عن ابن عمر: ولا يرفع بين السجدتين، ثم قال: نحن نذهب إلى حديث ابن عمر، وقال الربيع عن الشافعي: كل تكبير كان في افتتاح أو في قيام ففيه رفع اليدين".
قلت: نحتاج إلى هذا التأويل لو ثبت حديث وائل؛ فأما إذ كان شاذًا لا يثبت -كما تقدم بيانه من رواية حجاج-، فقد استرحنا من ذلك، إذ المحفوظ من حديث وائل بن حجر ليس فيه رفع اليدين في السجود، وسيأتي له مزيد بيان، إن شاء الله تعالى.
• وقد روى خالد بن عبد الله الواسطي الطحان [ثقة ثبت، رواه عنه: مسدد]: حدثنا حصين، عن عمرو بن مرة، قال: دخلت مسجد حضرموت فإذا علقمة بن وائل يحدث عن أبيه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه قبل الركوع [وبعده].
فذكرت ذلك لإبراهيم فغضب، وقال: رآه هو، ولم يره ابن مسعود صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه؟!
أخرجه البخاري في رفع اليدين (49)، والطحاوي (1/ 224)، والطبراني في الكبير (22/ 12/ 9)، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (484)[ولفظه فيه منكر؛ فإن راويه عن خالد الطحان هو ابنه محمد، وهو ضعيف، وقد روى عن أبيه مناكير. التهذيب (3/ 553)].
ورواه زائدة بن قدامة [ثقة متقن]، عن حصين، قال: ذكر عمرو بن مرة عن علقمة بن وائل، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في رفع يديه للصلاة، قال حصين: فقال إبراهيم: ما أدري! لعل وائلًا لم ير النبي صلى الله عليه وسلم غير ذلك اليوم؟ فكيف حفظه؟! ولم يحفظه عبد الله وأصحابه! هو أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم أم عبد الله؟! فإنما كان يرفع يديه افتتاح.
أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 8/12)، بإسناد صحيح إلى زائدة.
ورواه هشيم بن بشير [ثقة ثبت]، وجرير بن عبد الحميد [ثقة]، ويعقوب بن إبراهيم [أبو يوسف القاضي: صدوق، كثير الخطأ. اللسان (8/ 518)، الجرح والتعديل (9/ 201)] [وانظر في أوهامه مما تقدم معنا: الأحاديث (300 و 440) وما قبل (534)]، واللفظ لجرير:
عن حصين بن عبد الرحمن، قال: دخلنا على إبراهيم فحدثه عمرو بن مرة، قال: صلينا في مسجد الحضرميين، فحدثني علقمة بن وائل، عن أبيه؛ أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حين يفتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا سجد، فقال إبراهيم: ما أرى أباك رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ذلك اليوم الواحد؛ فحفظ ذلك، وعبد الله لم يحفظ ذلك منه! ثم قال إبراهيم: إنما رفع اليدين عند افتتاح الصلاة.
أخرجه محمد بن الحسن في الحجة على أهل المدينة (1/ 96)، وفي زياداته على
موطأ مالك (107)، والدارقطني (1/ 291)، والبيهقي (2/ 81)، وعلقه عبد الله بن أحمد في العلل (1/ 463/ 1058).
ورواه ورقاء بن عمر، عن حصين، قال: كان عمرو بن مرة يحدثهم عن علقمة بن وائل، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قام إلى الصلاة رفع يديه، وحين رفع رأسه من الركوع فعل ذلك.
أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 12/ 10)، بإسناد ضعيف إلى ورقاء.
في إسناده: اليمان بن سعيد المصيصي؛ وهو: ضعيف، يرفع الموقوفات، ويقلب الأسانيد [الثقات (9/ 292)، الكامل (7/ 182)، ضعفاء الدارقطني (609)، المستدرك (2/ 620)، المعرفة للبيهقي (1/ 304/ 353)، نصب الراية (1/ 157)، مجمع الزوائد (3/ 167)، اللسان (8/ 456 و 546)]، وراويه عن ورقاء: أشعث بن شعبة المصيصي: وثقه أبو داود والطبراني، وذكره ابن حبان في الثقات، ولينه أبو زرعة، وضعفه الأزدي، وقال ابن الفرضي:"إنه يخالف في بعض حديثه"، قلت: وقد وقعت له أوهام [الدعاء للطبراني (187)، بيان الوهم (4/ 427/ 2006)، بغية الطلب في تاريخ حلب (4/ 1885)، إكمال مغلطاي (2/ 237)، التهذيب (1/ 179)، الميزان (1/ 265)، التقريب (85)، وقال: "مقبول"، وانظر في أوهامه: علل ابن أبي حاتم (1/ 268 / 789) و (2/ 215 و 232/ 2133 و 2184)، علل الدارقطني (12/ 296/ 2727)].
قال ابن حبان في صحيحه (5/ 194) بعد الحديث (1874): "كان ابن مسعود رحمه الله ممن يشبِّك يديه في الركوع، وزعم أنه كذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، وأجمع المسلمون قاطبةً من لدن المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا على أن الفعل كان في أول الإسلام، ثم نسخه الأمر بوضع اليدين للمصلي في ركوعه، فإن جاز لابن مسعود في فضله وورعه وكثرة تعاهده أحكام الدين وتفَقُّده أسباب الصلاة خلف المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو في الصف الأول إذ كان من أولى الأحلام والنهى أن يخفى عليه مثل هذا الشيء المستفيض الذي هو منسوخ بإجماع المسلمين، أو رآه فنسيه، جاز أن يكون رفع المصطفى صلى الله عليه وسلم يديه عند الركوع وعند رفع الرأس من الركوع مثل التشبيك في الركوع؛ أن يخفى عليه ذلك، أو ينساه بعد أن رآه"[وانظر: الأوسط لابن المنذر (3/ 150)].
وقال البيهقي: "قال أبو بكر بن إسحاق الفقيه: هذه علة لا تسوى سماعها؛ لأن رفع اليدين قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم عن الخلفاء الراشدين، ثم عن الصحابة والتابعين، وليس في نسيان عبد الله بن مسعود رفع اليدين ما يوجب أن هؤلاء الصحابة رضي الله عنه لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه، قد نسي ابن مسعود من القرآن ما لم يختلف المسلمون فيه بعد، وهي المعوذتان، ونسي ما اتفق العلماء كلهم على نسخه وتركه من التطبيق، ونسي كيفية قيام اثنين خلف الإمام، ونسي ما لم يختلف العلماء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح يوم النحر في وقتها، ونسي كيفية جمع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة، ونسي ما لم يختلف العلماء فيه من وضع المرفق
والساعد على الأرض في السجود، ونسي كيف كان يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم:{وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)} [الليل: 3]، وإذا جاز على عبد الله أن ينسى مثل هذا في الصلاة خاصة، كيف لا يجوز مثله في رفع اليدين؟ ".
وانظر: معرفة السنن (1/ 552)، المجموع شرح المهذب (3/ 361)، الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية (2/ 448)، تنقيح التحقيق (1/ 334)، البدر المنير (3/ 494)، وغيرها.
• قلت: قد خالف حصينَ بنَ عبد الرحمن في إسناده وسياقه:
شعبةُ، فرواه عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن عبد الرحمن بن اليحصبي، عن وائل بن حجر الحضرمي، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبير.
وفي رواية: أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يكبر إذا خفض، وإذا رفع، ويرفع يديه عند التكبير، ويسلم عن يمينه وعن يساره، قال شعبة: قال لي أبان -يعني: ابن تغلب-، في الحديث: حتى يبدو وَضَح وجهه، فقلت لعمرو: أفي الحديث: حتى يبدو وضح وجهه؟، فقال عمرو: أو نحو ذلك.
أخرجه الدارمي (1/ 317/ 1252)، وابن حبان في كتاب الصلاة (13/ 661/ 17272 - إتحاف المهرة)، وأحمد (4/ 316)، والطيالسي (2/ 359/ 1114)، وابن أبي شيبة (1/ 265/ 3042)، وأبو العباس السراج في مسنده (1221)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (873 و 2495)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (125)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 269)، والطبراني في الكبير (22/ 41 و 42/ 103 و 104)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2713/ 6481)، والبيهقي في السنن (2/ 26).
رواه عن شعبة: يحيى بن سعيد القطان، وغندر محمد بن جعفر، ووكيع بن الجراح، وأبو داود الطيالسي، وعلي بن الجعد، وحفص بن عمر الحوضي، ووهب بن جرير، وسهل بن حماد.
قال عبد الله بن أحمد في العلل (1/ 463 / 1058): "سألت أبي عن حديث: هشيم، عن حصين، عن عمرو بن مرة، عن علقمة بن وائل، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: في الرفع؟ قال: رواه شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن عبد الرحمن اليحصبي، عن وائل، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ خالف حصين شعبة، فقال: شعبة أثبت في عمرو بن مرة من حصين، القول: قول شعبة، من أين يقع شعبة على [وفي شرح العلل: عن] أبي البختري عن عبد الرحمن اليحصبي عن وائل؟ ".
قال ابن رجب في شرح العلل (2/ 843): "يشير إلى أن هذا إسناد غريب؛ لا يحفظه إلا حافظ، بخلاف علقمة بن وائل عن أبيه، فإنه طريق مشهور".
تابعه: قيس بن الربيع [صدوق، تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه، فحدث به، فهو جيد في المتابعات]، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن عبد الرحمن
اليحصبي، عن وائل بن حجر، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن شماله، حتى يرى بياض خده.
أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 105/42).
خالفهما: حمزة بن حبيب الزيات، فرواه عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن اليحصبي، عن وائل بن حجر، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يرفع يديه عند التكبير، ويسلم عن يمينه وعن يساره:"السلام عليكم ورحمة الله". أسقط أبا البختري.
أخرجه أبو بكر محمد بن العباس بن نجيح البزاز في الأول من حديثه (189)، والخطيب في الموضح (1/ 393 - 394).
من طريقين عن إبراهيم بن هراسة، عن حمزة الزيات به.
وفي كلا الطريقين من لا يُعرف، ومن هو متكلم فيه، كأبي العباس ابن عقدة، وأما إبراهيم بن هراسة فهو: متروك، أطلقوا عليه الكذب [اللسان (1/ 380)]، فلا يصح إسناده إلى حمزة الزيات.
وعليه: فإن المحفوظ هو ما رواه شعبة ومن تابعه.
وأبو البختري هو: سعيد بن فيروز الطائي مولاهم، الكوفي: ثقة ثبت، وقد توبع عليه:
فرواه محمد بن كثير [هو العبدي: ثقة]، وأبو غسان [مالك بن إسماعيل: ثقة متقن]:
عن إسرائيل [هو: ابن يونس بن أبي إسحاق: ثقة]، عن عبد الأعلى [هو: ابن عامر الثعلبي: ليس بذاك القوي. تقدمت ترجمته تحت الحديث رقم (621 و 694)]، قال: صليت خلف عبد الرحمن اليحصبي، فسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره مثل ذلك، قال: قلت له: من أين أخذت هذا؟ قال: صليت خلف وائل بن حجر، قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل مثل ذلك حتى رأيت بياض خديه. لفظ العبدي.
أخرجه ابن الأعرابي في المعجم (2/ 745/ 1511)، والطبراني في الكبير (22/ 42/ 106).
وعبد الرحمن اليحصبي، أو: ابن اليحصبي: روى عنه أبو البختري وعبد الأعلى بن عامر، وذكره ابن حبان في الثقات، ولا يُعرف بغير هذا الحديث وحديث آخر عن وائل أيضًا، وله ذكر في حديث ثالث عن وائل، لكن لا يصح الإسناد إليه، فضلًا عن نكارته، وعليه: فهو في عداد المجاهيل [التاريخ الكبير (5/ 369)، الجرح والتعديل (5/ 303)، الثقات (5/ 107)، التعجيل (1/ 815/ 651)].
وعليه فالحديث ضعيف من هذا الطريق، وبهذا اللفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبير، أو: كان يكبر إذا خفض، وإذا رفع، ويرفع يديه عند التكبير.
قال ابن رجب في الفتح (4/ 326): "ويجاب عن هذه الروايات كلِّها على تقدير أن يكون ذكر الرفع فيها محفوظًا، ولم يكن قد اشتبه ذكر التكبير بالرفع: بأن مالك بن الحويرث ووائل بن حجر لم يكونا من أهل المدينة، وإنما كانا قد قدما إليها مرة أو
مرتين، فلعلهما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مرة، وقد عارض ذلك نفي ابن عمر، مع شدة ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم، وشدة حرصه على حفظ أفعاله، واقتدائه به فيها، فهذا يدل على أن أكثر أمر النبي صلى الله عليه وسلم: كان ترك الرفع فيما عدا المواضع الثلاثة والقيام من الركعتين".
قلت: حديث وائل هذا في رفع اليدين مع كل تكبير: لا يثبت؛ فكيف يُعارض به حديث ابن عمر المتفق على صحته؟!
• ومما رواه علقمة بن وائل أيضًا في صفة الصلاة عن أبيه:
ما رواه عبدة بن عبد الله الصفار [ثقة]، وأبو الشعثاء علي بن الحسن [ثقة]:
ثنا يحيى بن آدم [ثقة حافظ]: ثنا موسى بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كُهَيل، عن علقمة بن وائل، عن أبيه، قال: صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يسلِّم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله.
أخرجه أبو داود (997)، والطبراني في الكبير (22/ 45/ 115)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 204 / 696)، وابن حجر في نتائج الأفكار (2/ 236).
قال الطبراني: "هكذا رواه موسى بن قيس عن سلمة، قال: عن علقمة بن وائل، وزاد في السلام: وبركاته".
وقال النووي في الخلاصة (1459)، وفي المجموع (3/ 442)، وابن عبد الهادي في المحرر (271)، وتبعه ابن حجر في بلوغ المرام (252):"رواه أبو داود بإسناد صحيح".
وقال ابن حجر في النتائج بعد أن أخرجه من طريق الطبراني: "هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود عن عبدة بن عبد الله، والسراج عن محمد بن رافع، كلاهما عن يحيى بن آدم، ولم أر عندهم: "وبركاته" في الثانية".
قلت: اختلفت نسخ أبي داود في إثبات هذه الزيادة في التسليمة الثانية، وأكثر النسخ على عدم إثباتها، لا سيما رواية اللؤلؤي، ووقعت هذه الزيادة في نسخة تركية [محفوظة في المكتبة السليمانية][وهي نسخة ملفقة](1/ 305/ 997 - ط العلمية)، وكذا في حاشية إحدى النسخ الهندية برواية اللؤلؤي (1/ 151 - مكتبة رحمانية).
وكذا وقعت هذه الزيادة في الموضعين في: المغني لابن قدامة (1/ 324)، المجموع (3/ 442)، الخلاصة (1459)، الإلمام (297) [وانظر: طبقات الشافعية الكبرى (9/ 247)، فقد تعقبه فيما نسبه لأبي داود من لفظ الحديث]، المحرر لابن عبد الهادي (271)، بلوغ المرام (252).
وممن أسند هذا الحديث من طريق أبي داود، أو عزاه إليه؛ فلم يذكر فيه هذه الزيادة، انظر مثلًا: شرح السُّنَّة (3/ 204/ 696)، جامع الأصول (5/ 410/ 3565)، الأحكام الكبرى للإشبيلي (2/ 284)، الأحكام الوسطى (1/ 413)، تنقيح التحقيق (2/ 286/ 876)، الفتح لابن رجب (5/ 215)، نصب الراية (1/ 432)، نتائج الأفكار (2/ 236)، بذل المجهود (5/ 337).
قال السيوطي في تحفة الأبرار بنكت الأذكار (71): "وقال الشيخ ولي الدين العراقي في شرح سنن أبي داود: وقد ذكر النووي في الخلاصة أن حديث أبي داود إسناده صحيح، والموجود في أصولنا من سنن أبي داود: ذكرها في التسليمة الأولى دون الثانية، وعزاه جماعة إليه بذكرها في التسليمتين".
قال النووي في المجموع (3/ 442) نقلًا عن ابن الصلاح قوله عن زيادة: "وبركاته": "لم أجده في شيء من الأحاديث؛ إلا في حديث رواه أبو داود من رواية وائل بن حجر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، وعن شماله: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، وهذه الزيادة نسبها الطبراني إلى موسى بن قيس الحضرمي، وعنه رواها أبو داود، قلت [القائل هو الإمام النووي]: هذا الحديث إسناده في سنن أبي داود إسناد صحيح"، ونقله أيضًا: ابن الملقن في البدر المنير (4/ 63)، ثم ذكر بأن هذه الزيادة رويت من طريقين من حديث ابن مسعود.
ومع كون النووي عقب بتصحيح إسناد أبي داود لهذه الزيادة، إلا أنه قال في الأذكار (2/ 232 - نتائج الأفكار):"ولا يستحب أن يقول معه: "وبركاته"؛ لأنه خلاف المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد جاء في روايةٍ لأبي داود"، فكأنه في الأذكار مال إلى قول ابن الصلاح في حكاية المذهب واستغراب هذه الزيادة.
وتعقبه ابن حجر في نتائج الأفكار (2/ 236) بتحسين حديث أبي داود، وذكر هذه الزيادة من عدة طرق من حديث ابن مسعود [وما هي إلا زيادات شاذة من حديث ابن مسعود، يأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى في موضعها من تخريج السنن برقم (996)].
بل ذهب النووي في شرحه لصحيح مسلم (4/ 153) إلى أبعد من ذلك، حيث قال ببدعية هذه الزيادة، فقال في شرحه لحديث جابر بن سمرة عند مسلم (431):"وفيه: أن السُّنَّة في السلام من الصلاة أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه، السلام عليكم ورحمة الله عن شماله، ولا يسن زيادة: "وبركاته"، وإن كان قد جاء فيها حديث ضعيف، وأشار إليها بعض العلماء، ولكنها بدعة؛ إذ لم يصح فيها حديث، بل صح هذا الحديث وغيره في تركها"، وانظر: شروح وحواشي الشافعية على المنهاج.
• قلت: ما قاله النووي هو الصواب إذ لم تصح هذه الزيادة: "وبركاته" في حديث، والعبرة في ذلك بثبوت الرواية، لا بثبوت الزيادة في نسخ الكتب والمصنفات، ونقتصر هنا بالكلام عن حديث وائل؛ فهل تثبت هذه الزيادة من جهة الرواية من حديث سلمة بن كهيل، ثم من حديث وائل بن حجر؟
فإن هذا الحديث قد اختلف فيه على سلمة بن كهبل:
1 -
فرواه موسى بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كُهَيل، عن علقمة بن وائل، عن أبيه، قال: صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يسلِّم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله.
صحح إسناده جماعة تقدم ذكرهم، جريًا على ظاهر السند، لكن الطبراني قد أعله، حين قال:"هكذا رواه موسى بن قيس عن سلمة، قال: عن علقمة بن وائل، وزاد في السلام: وبركاته".
وفي هذا إشارة إلى أن الحفاظ مثل: شعبة والثوري ومن تابعهما قد خالفوا موسى بن قيس في إسناده ومتنه، كما سيأتي بيانه.
وموسى بن قيس الحضرمي: صدوق، قليل الحديث، وئقه ابن نمير وابن معين -في رواية إسحاق بن منصور عنه-، وقال في رواية ابن طهمان:"ليس به بأس"، وقال أبو حاتم:"لا بأس به"، وقال أحمد:"ما أعلم إلا خيرًا"، وذكره ابن حبان في الثقات [من كلام أبي زكريا في الرجال (309)، العلل ومعرفة الرجال (774 و 1606)، التاريخ الكبير (7/ 293)، ضعفاء العقيلي (4/ 164)، الجرح والتعديل (8/ 157)، الثقات (7/ 455)، تاريخ أسماء الثقات (1342 و 1350)، الموضوعات (2/ 160/ 716)، الميزان (4/ 217)، التهذيب (4/ 186)]، وأما ما اتهمه به العقيلي وابن الجوزي فلا يصح عندي، لاحتمال عدم ثبوت هذه اللفظة التي اتهماه بها:"غير دجال" أو: "لستَ بدجال"، فقد رواه جماعة بدونها [انظر: معجم الصحابة للبغوي (2/ 130/ 501)، المعجم الكبير للطبراني (4/ 34/ 3570 و 3571)، معرفة الصحابة لأبي نعيم (2/ 895/ 2311)]، وعلى فرض ثبوتها من حديث موسى بن قيس؛ يمكن تأويلها بإرجاع الضمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم على أنه قد وفي بوعده لعلي رضي الله عنه، قال ابن سعد:"لستُ بدجال" يعني: لستُ بكذاب، وذلك أنه كان قد وعد عليًّا بها قبل أن يخطب إليه أبو بكر وعمر"، وقال البزار: "يدل على أنه قد كان وعده، فقال: إني لا أخلف الوعد" [انظر: الطبقات الكبرى (8/ 19)، كشف الأستار (2/ 151/ 1406)، غريب الحديث للخطابي (1/ 626)، وانظر أيضًا: سنن النسائي الصغرى (6/ 62/ 3221)، السنن الكبرى (5/ 153/ 5310) و (7/ 452/ 8454)، صحيح ابن حبان (15/ 399/ 6948)، المستدرك (2/ 167 - 168)، السلسلة الضعيفة (13/ 2/ 880/ 6392)، وغيرها،، والله أعلم.
والحاصل: فإن حديث موسى بن قيس هذا: شاذ سندًا ومتنًا، فقد خالفه فيه شعبةُ والثوري، وأين موسى هذا من هذين الإمامين الجليلين الحافظين، ولو خالف واحدًا منهما لرُدَّت روايته بغير مرية، فكيف وقد اجتمعا على خلافه، فلم يذكر واحدٌ منهما صيغةَ السلام، فضلًا عن زيادة:"وبركاته"، ولا تُحفظ هذه الزيادة من حديث وائل بن حجر، وانظر رواية عبد الرحمن اليحصبي المتقدمة قريبًا، وما سيأتي من طرق حديث وائل، وأما من جهة الإسناد: فإن هذا الحديث إنما يرويه حُجْر بن عنبس عن وائل بن حجر، وليس فيه علقمة.
2 -
ورواه شعبة، واختلف عليه فيه:
أ - رواه محمد بن جعفر غندر [ثقة، من أثبت الناس في شعبة، وأطولهم له صحبة،
وكتابه حكم بينهم] [وعنه بهذا الوجه: أحمد بن حنبل]، ويزيد بن زريع [ثقة ثبت، من أصحاب شعبة]:
ثنا شعبة، عن سلمة بن كُهَيْلٍ، عن حُجْرٍ أبي العَنْبَس، قال: سمعت علقمة يحدث عن وائل، أو سمعه حُجْرٌ من وائل، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قرأ:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] قال: "آمين"، وأخفى بها صوته، ووضع يده اليمنى على يده اليسرى، وسلم عن يمينه وعن يساره.
أخرجه أحمد (4/ 316)، وأبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (2/ 837)، والدارقطني (1/ 334).
هكذا شك شعبة، هل سمعه حُجر من علقمة عن وائل، أم سمعه حجر من وائل بلا واسطة.
ب - ورواه أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك [ثقة ثبت][من رواية معاذ بن المثنى بن معاذ العنبري عنه، وهو: ثقة. تاريخ بغداد (13/ 136)، السير (13/ 527)]، وأبو عامر العقدي [عبد الملك بن عمرو: ثقة]، وحجاج بن نصير [ضعيف]:
ثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت أبا عنبس، يحدث عن وائل الحضرمي: أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم . . . فذكر مثله، زاد حجاج في وضع اليد: وجعلها على بطنه، وكان إذا قال: سمع الله لمن حمده، قال: اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد، ويسلم عن يمينه وعن يساره تسليمتين، وقوله فيه:"وجعلها على بطنه": زيادة منكرة؛ تفرد بها حجاج بن نصير عن شعبة، وكان يروي عن شعبة المناكير، كما كان يقبل التلقين [انظر: التهذيب (1/ 362)، الميزان (1/ 465)].
أخرجه مسلم في التمييز (36)، والطبراني في الكبير (22/ 43 و 44/ 109 و 110)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2713/ 6482).
وهذه الرواية عن شعبة هي الموافقة لرواية الثوري، بإسقاط علقمة، كما سيأتي.
ج - ورواه أبو داود الطيالسي [ثقة حافظ، من أصحاب شعبة]، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني سلمة بن كهيل، قال: سمعت حجرًا أبا العنبس، قال: سمعت علقمة بن وائل، يحدث عن وائل، وقد سمعت من وائل: أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قال: "آمين"، خفض بها صوته، ووضع يده اليمنى على يده اليسرى، وسلم عن يمينه وعن يساره.
أخرجه الطيالسي في مسنده (2/ 360 - 361/ 1117)، ومن طريقه: الطحاوي في شرح المعاني (1/ 269)، وفي أحكام القرآن (1/ 188/ 335)، البيهقي (2/ 57 و 178).
وفي هذه الرواية: سمعه حجر من علقمة عن وائل، وسمعه أيضًا من وائل.
د - ورواه أبو الوليد الطيالسي أيضًا [من رواية إمامين جليلين عنه: إسماعيل القاضي وأبي إسحاق الحربي]، وغندر [وعنه: محمد بن بشار، قرنه بالقطان]، ويحيى بن سعيد
القطان، ويزيد بن هارون، وسليمان بن حرب، ووهب بن جرير، ووكيع بن الجراح، وعبد الصمد بن عبد الوارث [وهم: ثقات]، وعفان بن مسلم [ثقة ثبت][وأخشى ألا يكون محفوظًا عنه، إذ الراوي عنه: أحمد بن محمد بن يحيى بن مهران السوطي البغدادي، روى عنه جماعة، ولم يوثق. تاريخ بغداد (5/ 99 و 118)، تكملة الإكمال (3/ 368)، تاريخ الإسلام (21/ 93)]:
عن شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت حجرًا [بن عنبس] أبا العنبس، يقول: حدثني علقمة بن وائل، عن وائل بن حجر: أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فوضع اليد اليمنى على اليد اليسرى، فلما قال:{وَلَا الضَّالِّينَ} قال: "آمين"[يخفى بها صوته]، وسلم عن يمينه وعن يساره.
أخرجه مسلم في التمييز (36)، وابن حبان في صحيحه (5/ 109/ 1805)، وفي الصلاة (13/ 662/ 17273 - إتحاف)، والحاكم (2/ 232)، وأبو عمر حفص بن عمر الدوري في جزء فيه قراءات النبي صلى الله عليه وسلم (11)[وسقط من إسناده حجر، ولعله من الناسخ]، وأبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (2/ 837)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (429)، والطبراني في الكبير (9/ 22 و 45/ 2 و 3 و 112)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 73).
وهذه الرواية هي رواية أكثر أصحاب شعبة، وفيهم من أثبت أصحابه: يحيى بن سعيد القطان، وغندر، وهي التي بنى عليها البخاري كلامه.
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".
هذا هو المحفوظ في هذا الحديث عن شعبة -فيما رواه عنه أصحابه-، أنه أخطأ في متنه حيث قال فيه:"خفض بها صوته"؛ لكن رواه البيهقي في السنن (2/ 58) بإسناد صحيح إلى: إبراهيم بن مرزوق البصري: ثنا أبو الوليد: ثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت حجرًا أبا عنبس، يحدث عن وائل الحضرمي؛ أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قال:{وَلَا الضَّالِّينَ} ، قال:"آمين"، رافعًا بها صوته.
وهذه رواية منكرة من حديث أبي الوليد الطيالسي عن شعبة، إذ المعروف عن شعبة فيه الخطأ، وإبراهيم بن مرزوق بن دينار البصري، نزيل مصر: لا بأس به، وكان يخطئ فلا يرجع [التهذيب (1/ 86)]، وهذا من أوهامه، فقد رواه جماعة من الثقات [إسماعيل بن إسحاق القاضي، وأبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي، ومعاذ بن المثنى العنبري] عن أبي الوليد عن شعبة به، على الخطأ، كما رواه عن شعبة كافة أصحابه، والله أعلم.
والحاصل: فإن شعبة قد اختلف الثقات من أصحابه عليه في إسناد هذا الحديث، فأكثر أصحابه على زيادة علقمة في الإسناد، ومنهم من حكى شكه فيما إذا كان في إسناده علقمة أم لا، ومنهم من روى عنه أن حجرًا سمعه من وائل، وسمعه أيضًا من علقمة عن وائل، ومنهم من أسقط علقمة من الإسناد.
فإما أن يكون المحفوظ عنه رواية الجماعة من أصحابه، أو يكون شعبة قد اضطرب في إسناده، ولم يُقمه، وهذا هو الأقرب؛ بدليل أنه كان يشك فيه أحيانًا، ومرة يثبت الواسطة، ومرة يسقطها؛ فإن زيادة علقمة في إسناده لم تكن موضع جزم عند شعبة نفسه، ولذا قدم الحفاظ رواية الثوري عليه، والله أعلم.
قال أبو بكر الأثرم: "اضطرب فيه شعبة في إسناده ومتنه، ورواه سفيان فضبطه، ولم يضطرب في إسناده، ولا في متنه"[التلخيص (1/ 237/ 353)].
3 -
ورواه سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن حُجْر بن عنبس، قال: سمعت وائل بن حجر، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقال: "آمين"، ومدَّ بها صوته.
وفي رواية: عن حُجْرٍ أبي العَنْبَس [وهو: ابن عنبس] الحضرمي، عن وائل بن حجر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ: {وَلَا الضَّالِّينَ} قال: "آمين"، ورفع بها صوته.
أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (223 و 224)، ومسلم في التمييز (37)، وأبو داود (932)، والترمذي في الجامع (248)، وفي العلل (98)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 90/ 230)، والدارمي (1/ 315/ 1247)، وأحمد (4/ 316)، وابن أبي شيبة (2/ 187/ 7960) و (6/ 141/ 30151) و (7/ 312/ 36394)، وأبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (2/ 838)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 131/ 1369)، والطبراني في الكبير (22/ 44/ 111)، والدارقطني (1/ 333 - 334 و 334)، وابن سمعون في الأمالي (165)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (1/ 124)، والبيهقي في السنن (2/ 57)، وفي المعرفة (1/ 530/ 738)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 14)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 58/ 586).
رواه عن الثوري به هكذا: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، ومحمد بن كثير العبدي، وعبد الله بن يوسف، وقبيصة بن عقبة، وأبو داود عمر بن سعد الحفري، وعبيد الله بن عبيد الرحمن الأشجعي، وخلاد بن يحيى، وعبد الرحمن بن محمد المحاربي، ومحمد بن يوسف الفريابي، وقال في رواية عنه:"رفع صوته بآمين، وطوَّل بها".
• ورواه أبو أحمد الزبيري محمد بن عبد الله بن الزبير، قال: حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن حجر بن عنبس، عن وائل بن حجر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن شماله.
أخرجه أحمد (4/ 317).
• تابع سفيان الثوري عليه:
أ - العلاء بن صالح الأسدي [ووقع عند أبي داود: علي بن صالح، وهو وهم، والعلاء: لا بأس به. التهذيب (3/ 344)، الميزان (3/ 101)]، فرواه عن سلمة بن كهيل،
عن حجر بن عنبس، عن وائل بن حجر؛ أنه صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجهر بآمين، وسلم عن يمينه وعن شماله حتى رأيت بياض خده.
أخرجه أبو داود (933)، والترمذي (249)، وابن أبي شيبة (1/ 266/ 3047)، والطبراني في الكبير (22/ 45/ 114).
ب - ورواه محمد بن سلمة بن كهيل [ضعيف، يعتبر به. اللسان (7/ 167)، الجرح والتعديل (7/ 276)، سؤالات البرذعي (2/ 349)، الضعفاء لأبي زرعة (2/ 704)، سؤالات البرقاني (539)]، عن أبيه، عن أبي السكن حجر بن عنبس، قال: سمعت وائل بن حجر الحضرمي، يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم، حتى رأيت بياض خده من ذا الجانب، ومن ذا الجانب.
أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 45/ 113)، بإسناد لا بأس به إلى محمد بن سلمة.
ج - ورواه يحيى بن سلمة بن كهيل [متروك]، عن أبيه، عن أبي سكن حجر بن عنبس الثقفي، قال: سمعت وائل بن حجر الحضرمي، يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من الصلاة، حتى رأيت خده من هذا الجانب ومن هذا الجانب، وقرأ:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ، فقال:"آمين"، يمد بها صوته، ما أراه إلا يعلمنا.
أخرجه الدولابي في الكنى (2/ 610/ 1090)، قال: حدثنا الحسن بن علي بن عفان [العامري: صدوق]، قال: حدثنا الحسن بن عطية [ابن نجيح القرشي، الكوفي: صدوق]، قال: أنبأ يحيى به.
وانظر: علل الحديث لابن أبي حاتم (251)، علل الدارقطني (3/ 349/185).
• وحاصل هذا الاختلاف على سلمة بن كهيل: أن رواية الثوري هي المحفوظة؛ إذ هو أحفظ من رواه عن سلمة، وقد رجح الحفاظ إسناده، حيث ضبطه سفيان، ولم يختلف عليه فيه، وقد ذهبوا إلى تخطئة شعبة في قوله: وخفض بها صوته، وأن المحفوظ فيه: ما رواه الثوري ومن تابعه: أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بآمين، ورفع بها صوته.
قال البخاري في رواية شعبة: "وخولف فيه في ثلاثة أشياء: قيل: حجر أبو السكن، وقال هو: أبو عنبس، وزاد فيه: علقمة، وليس فيه، وقال: خفض، وإنما هو: جهر بها"[التاريخ الكبير (3/ 73)].
وقال الترمذي في الجامع، وبنحوه في العلل: "وسمعت محمدًا يقول: حديث سفيان أصح من حديث شعبة في هذا، وأخطأ شعبة في مواضع من هذا الحديث: فقال: عن حجر أبي العنبس، وإنما هو حجر بن عنبس، ويُكْنَى أبا السكن، وزاد فيه: عن علقمة بن وائل، وليس فيه: عن علقمة، وإنما هو عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر، وقال: وخفض بها صوته، وإنما هو: ومدَّ بها صوته [وفي العلل: والصحيح: أنه جهر بها].
قال أبو عيسى: وسألت أبا زرعة عن هذا الحديث؟ فقال: حديث سفيان في هذا أصح من حديث شعبة، قال: وروى العلاء بن صالح الأسدي عن سلمة بن كهيل نحو رواية سفيان".
وقال أبو بكر الأثرم: "اضطرب فيه شعبة في إسناده ومتنه، ورواه سفيان فضبطه، ولم يضطرب في إسناده، ولا في متنه"[التلخيص (1/ 237/ 353)].
وقال مسلم في التمييز: "أخطأ شعبة في هذه الرواية حين قال: وأخفى صوته".
وقال الدارقطني في السنن: "خالف شعبة في إسناده ومتنه"، ثم ساق حديثه ثم قال:"كذا قال شعبة: "وأخفى بها صوته"، ويقال: إنه وهم فيه؛ لأن سفيان الثوري ومحمد بن سلمة بن كهيل وغيرهما رووه عن سلمة، فقالوا: "ورفع صوته بآمين"، وهو الصواب"[وانظر: إتحاف المهرة (13/ 663/ 17273)].
وقال البيهقي في المعرفة: "ورواه شعبة عن سلمة بن كهيل فقال في متنه: خفض بها صوته، وقد أجمع الحفاظ؛ محمد بن إسماعيل البخاري وغيره: على أنه أخطأ في ذلك".
وقال في السنن: "أما خطؤه في متنه: فبيِّنٌ، وأما قوله: حجر أبو العنبس، فكذلك ذكره محمد بن كثير عن الثوري، وأما قوله: عن علقمة، فقد بيَّن في روايته أن حجرًا سمعه من علقمة، وقد سمعه أيضًا من وائل نفسه، وقد رواه أبو الوليد الطيالسي عن شعبة نحو رواية الثوري".
قلت: تقدم بيان أن هذا اضطراب من شعبة في إسناده، والمحفوظ في إسناده: بدون ذكر علقمة.
وقال في الخلافيات (2/ 64 - مختصره): "ولا أعلم خلافًا بين أهل العلم بالحديث أن سفيان وشعبة إذا اختلفا فالقول قول سفيان، قال ابن معين: ليس أحد يخالف سفيان الثوري إلا كان القول قول سفيان، قيل: وشعبة أيضًا إن خالفه؟ قال: نعم، وقال يحيى بن سعيد: ليس أحد أحب إليَّ من شعبة، ولا يعدله أحد عندي، وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان، وقال شعبة: سفيان أحفظ مني،
…
"، ثم نقل كلام الترمذي والدارقطني، ثم قال البيهقي: "وقد روى أبو الوليد الطيالسي وهو من الثقات عن شعبة بوفاق الثوري في متنه"، فذكره، ثم قال: "ويحتمل أن يكون شعبة رحمه الله تنبه لذلك فعاد إلى الصواب في متنه، وترك ذكر علقمة في إسناده، والله أعلم" [وانظر: إعلام الموقعين (2/ 396)، تهذيب السنن (1/ 438)].
قلت: سبق أن بيَّنت نكارة هذه الرواية في آخر حديث شعبة، والله أعلم.
وقال النووي في الخلاصة (1192): "ورواه شعبة، وقال: خفض بها صوته، واتفق الحفاظ على غلطه فيها، وأن الصواب المعروف: مدَّ، ورفع بها صوته".
• وقد ذهب ابن حبان وابن القطان وابن الملقن وابن حجر إلى أن حجر بن عنبس كنيته أبو العنبس، ولا معارضة في كون كنيته هي اسم أبيه، ويجمع بين قولهم وبين قول البخاري بأن له كنيتين، قال ابن حجر:"ولا مانع أن يكون له كنيتان"، وهو قول قوي، وذلك لأنه قد صحت الرواية عن الثوري أنه قال: عن حجر أبي العنبس، وأما الذي كناه بأبي السكن فهما محمد ويحيى ابنا سلمة بن كهيل، وهما ضعيفان، والله أعلم.
هذا هو الوجه الأول مما ذكره البخاري مما خولف فيه شعبة، وأما الثاني: وهو زيادة علقمة في الإسناد، فقد صح عن شعبة، أنه قال: أخبرني سلمة بن كهيل، قال: سمعت حجرًا أبا العنبس، قال: سمعت علقمة بن وائل، يحدث عن وائل، وقد سمعت من وائل، فوافق بذلك سفيانَ في أن حجرًا قد سمعه من وائل، قال ابن حجر:"فبهذا تنتفي وجوه الاضطراب عن هذا الحديث، وما بقي إلا التعارض الواقع بين شعبة وسفيان فيه في الرفع والخفض، وقد رُجِّحت رواية سفيان بمتابعة اثنين له بخلاف شعبة، فلذلك جزم النقاد بأن روايته أصح، والله أعلم"[التلخيص (1/ 237)].
قلت: قول البخاري وأبي زرعة والأثرم وغيرهم في تقديم إسناد الثوري على إسناد شعبة، وأن شعبة اضطرب فيه، أو وهم في زيادة علقمة في الإسناد، هذا القول هو الصواب، وقد دللت على صحته قريبًا، فلينظر.
والحاصل: أن شعبة قد وهم في إسناد هذا الحديث بزيادة علقمة في الإسناد.
ووهم مرة أخرى في متنه، حيث قال: وخفض بها صوته، والمحفوظ فيه: ما رواه الثوري ومن تابعه: أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بآمين، ورفع بها صوته.
وأما الطرفان الآخران: في السلام عن يمينه وشماله، وفي وضع اليمنى على اليسرى؛ فمحفوظان، والله تعالى أعلم.
• وأخيرًا: فإن المحفوظ من حديث حُجر بن عنبس عن وائل بن حُجر: حديث صحيح، وحجر بن عنبس الحضرمي الكوفي: ثقة، مخضرم، سمع وائل بن حجر [التهذيب (1/ 365)، التاريخ الكبير (3/ 73)].
قال الترمذي: "حديث وائل بن حجر: حديث حسن".
وقال أبو بكر بن أبي داود: "هذه سُنَّة تفرد بها أهل الكوفة"[سنن الدارقطني (1/ 334)].
وقال الدارقطني لما رواه من طرق عن الثوري: "هذا صحيح"[السنن (1/ 333)، بيان الوهم (3/ 375)، البدر المنير (3/ 579)].
وقال البغوي: "هذا حديث حسن".
وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 237/ 353): "وسنده صحيح".
وذكر ابن القطان في بيان الوهم (3/ 1118/375) الاختلاف في إسناده ومتنه، وأن حجر بن عنبس: لا تُعرف حاله، ثم قال:"فالحديث لأن يقال فيه: ضعيف أقرب منه إلى أن يقال: حسن، فاعلم ذلك".
وتعقبه ابن حجر فقال في التلخيص (353): "وأعلَّه ابن القطان بحجر بن عنبس، وأنه لا يُعرف، وأخطأ في ذلك؛ بل هو ثقة معروف، قيل: له صحبة، ووثَّقه يحيى بن معين وغيره، وتصحف اسم أبيه على ابن حزم، فقال فيه: حجر بن قيس، وهو مجهول، وهذا غير مقبول منه".
• ومن غريب ما روي عن علقمة بن وائل في هذا:
ما رواه الطبراني في الكبير (22/ 19 - 20/ 28)، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي [مطين: ثقة حافظ]، قال: حدثتني ميمونة بنت حجر بن عبد الجبار بن وائل بن حجر، قالت: سمعت عمتي أم يحيى بنت عبد الجبار بن وائل بن حجر، عن أبيها عبد الجبار، عن علقمة عمها، عن وائل بن حجر، قال: جئتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"هذا وائل بن حجر، جاءكم؛ لم يجئكم رغبةً ولا رهبةً، جاء حبًا لله ولرسوله"، وبسط له رداءه، وأجلسه إلى جنبه، وضمَّه إليه، وأصعد به المنبر، فخطب الناس، فقال لأصحابه:"ارفقوا به؛ فإنه حديث عهد بالمُلك"، فقلت: إن أهلي قد غلبوني على الذي لي، قال:"أنا أُعطِيكَه، وأعطيك ضِعْفَه" فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا وائل بن حجر! إذا صليتَ فاجعل يديك حِذاء أُذُنَيْك، والمرأة تجعل يديها حِذاء ثدْيَيْها".
وانظر: معرفة الصحابة لأبي نعيم (5/ 2711/ 6475)، تاريخ دمشق (62/ 390).
قلت: وهذا حديث منكر؛ وإسناد مجهول، جشة [بجيم مفتوحة، كذا في تكملة الإكمال وفي التوضيح، وفي المعرفة وتاريخ دمشق: كبشة، بالكاف والباء] أم يحيى بنت عبد الجبار: ترجم لها ابن نقطة في تكملة الإكمال (2/ 250)، وابن ناصر الدين في التوضيح (3/ 243)، ولم يعرفها الهيثمي [مجمع الزوائد (2/ 103) و (9/ 374)]، قلت: أم يحيى وميمونة بنت حجر: مجهولتان.
• ولأم يحيى في هذا رواية أخرى مطولة، فهل هي المذكورة في الإسناد السالف؟ أم هي امرأة أخرى، والأقرب أنها غيرها؛ إذ الأولى: بنت عبد الجبار، والثانية: الأظهر أنها أم عبد الجبار، أو هي زوجته، أم سعيد بن عبد الجبار، والله أعلم:
روى محمد بن حجر بن عبد الجبار بن وائل الحضرمي: حدثني عمي سعيد بن عبد الجبار، عن أبيه، عن أمه أم يحيى، عن وائل بن حجر، قال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أُتي بإناء فيه ماء، فأكفأ على يمينه ثلاثًا، ثم غمس يمينه في الإناء فأفاض بها على اليسرى ثلاثًا، ثم غمس اليمنى في الماء فحفن حفنة من ماء فتمضمض بها واستنشق واستنثر ثلاثًا، ثم أدخل كفيه في الإناء فحمل بهما ماء فغسل وجهه ثلاثًا، وخلل لحيته، ومسح باطن أذنيه، ثم أدخل خنصره في داخل أذنه ليبلغ الماء، ثم مسح رقبته، وباطن لحيته من فضل ماء الوجه، وغسل ذراعه اليمنى ثلاثًا حتى ما وراء المرفق، وغسل اليسرى مثل ذلك باليمنى حتى جاوز المرفق [ثلاثًا]، ثم مسح على رأسه ثلاثًا، ومسح ظاهر أذنيه [ثلاثًا]، ومسح رقبته وباطن لحيته بفضل ماء الرأس، ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثًا، وخلل أصابعها، وجاوز بالماء الكعب، ورفع في الساق الماء، ثم فعل في اليسرى مثل ذلك، ثم أخذ حفنة من ماء بيده اليمنى فوضعه على رأسه حتى تحدر من جوانب رأسه، وقال:"هذا تمام الوضوء"، [ولم أره تنشف بثوب]، [ثم نهض إلى المسجد] فدخل محرابه فصف الناس خلفه، ونظر عن يمينه ويساره، ثم رفع يديه بالتكبير إلى أن حاذتا شحمة أذنيه، ثم
وضع يمينه على يساره على صدره، ثم [افتتح القراءة، فـ] جهر بالحمد حتى فرغ من [سورة] الحمد، ثم جهر بآمين عند فراغه من قراءة الحمد حتى سمع من خلفه، ثم قرأ سورة أخرى مع الحمد، ثم رفع يديه بالتكبير إلى أن حاذتا شحمة أذنيه، ثم انحط راكعًا فوضع كفيه على ركبتيه، وفرج [بين] أصابعه، وأمهل في الركوع حتى اعتدل ركوعه، وصار متناه كأنهما نهرٌ جارٍ لو وضع عليه قدح ملآن ما انكفأ، ثم رفع رأسه بالخشوع، ورفع يديه حتى حاذتا شحمة أذنيه، وقال:"سمع الله لمن حمده"، ثم اعتدل قائمًا، وأمهل فيه حتى رجع كل عظم إلى موضعه، ثم انحط بالتكبير ساجدًا، [فرفع يديه إلى أن حاذتا بشحمة أذنيه]، فأثبت جبهته في الأرض وأنفه، حتى رأى أثر أنفه في الرمل، وفرش [وعند البزار: وقوس] ذراعيه ورأسه بينهما [ولم يمهل بالسجود]، ثم رفع رأسه [فرفع يديه] بالتكبير [إلى أن حاذتا بشحمة أذنيه]، وجلس جلسة خفيفة فاستبطن فخذه اليسرى ونصب قدمه اليمنى أثبت أصابعهما، [فوضع كفه اليمين على ركبته وبعض فخذه، وحلَّق بإصبعه]، ثم انحط ساجدًا مثل ذلك، ثم رفع رأسه بالتكبير [بيديه إلى أن حاذتا بشحمة أذنيه]، [وإلى أن اعتدل في قيامه، ورجع كل عظم إلى موضعه]، ثم فعل مثل ذلك في جميع الصلاة حتى تمت أربع ركعات، ثم جلس في التشهد فوضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى، وبعض فخذه، وحلق إصبعه يدعو به من تحت الثوب، وكان ذلك في الشتاء، وكان أصحابه خلفه أيديهم في ثيابهم يعملون هذا وتنفل، ثم سلم عن يمينه حتى رؤي بياض خده الأيمن، ثم سلم عن يساره حتى رؤي بياض خده الأيسر [وفي رواية البزار: ثم سلم على يمينه حتى يرى بياض خده الأيسر، وسلم عن يساره حتى يرى بياض خده الأيمن].
أخرجه أبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (2/ 838) و (3/ 980) مختصرًا، والبزار (10/ 355/ 4488)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 193/ 300 - مسند ابن عباس) مختصرًا، والطبراني في الكبير (22/ 50 /118)، وابن عدي في الكامل (6/ 156) مختصرًا، والبيهقي (2/ 30 و 99) مختصرًا مفرقًا.
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن وائل بن حجر بهذا الإسناد".
قلت: هو حديث منكر.
وإسناده ضعيف جدًّا؛ مسلسل بالضعفاء والمجاهيل:
أم يحيى: مجهولة، قال ابن القطان:"لا تعرف لها حال"[بيان الوهم (3/ 155/ 864)].
وسعيد بن عبد الجبار: ضعيف [التقريب (382)].
ومحمد بن حجر بن عبد الجبار: قال البخاري: "فيه نظر"، وهذا قدح شديد، وقال أبو حاتم:"كوفي شيخ"، روى بهذا الإسناد نسخة منكرة، منها أشياء لها أصول من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليست من حديث وائل بن حجر، ومنها أشياء من حديث وائل مختصرة
جاء بها على التقصي وأفرط فيها، ومنها أشياء موضوعة ليست من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله أبو حاتم ابن حبان، وضعفه عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى، وقال ابن القطان:"وهو عند البزار حديث طويل، فيه صفة الوضوء والصلاة بألفاظ تُنكر ولا تُعرف في غيره، وعلته ليست ما ذكر، وإنما يرويه محمد بن حجر، عن عمه: سعيد بن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، عن أمه، عن وائل، وأمه هذه لا تعرف لها حال، فأما ابنها عبد الجبار فثقة، وكان إذ مات وائلٌ حملًا، فإنما روايته عنه بواسطة أمه هذه، أو غيرها من أهل بيته، أو عن أخيه عنه"[التاريخ الكبير (1/ 69)، الجرح والتعديل (7/ 239)، المجروحين (2/ 273)، ضعفاء العقيلي (4/ 59)، الكامل (6/ 156)، الأحكام الوسطى (1/ 357 و 368)، بيان الوهم (3/ 155/ 864)، الميزان (3/ 511)، اللسان (5/ 136)]، وتقدم ذكر طرف منه تحت الحديث رقم (145).
***
724 -
. . . الحسن بن عبيد الله النخعي، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، أنه أبصر النبيَّ صلى الله عليه وسلم حين قام إلى الصلاة رفع يديه، حتى كانتا بحِيالِ مَنكِبيه، وحاذى بإبهامَيه أذنَيه، ثم كبر.
• حديث شاذ بهذا اللفظ، وأصله صحيح.
أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 29/ 63)، والبيهقي (2/ 24)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 26/ 562).
قال النووي في المجموع (3/ 253) بعد أن عزا هذه الرواية لأبي داود: "إسنادها منقطع؛ لأنه من رواية عبد الجبار بن وائل عن أبيه، ولم يسمع منه، وقيل: إنه ولد بعد وفاة أبيه".
• الحسن بن عبيد الله النخعي: كوفي ثقة، ورواه أيضًا عن عبد الجبار:
1 -
فطر بن خليفة [صدوق]، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حين افتتح الصلاة، حتى حاذت إبهامُه شحمةَ أذنيه، وفي رواية: حتى تكاد إبهاماه تحاذي شحمة أذنيه.
أخرجه أبو داود (737)، والنسائي في المجتبى (2/ 123/ 882)، وفي الكبرى (1/ 460/ 958)، وأحمد (4/ 316)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 970 - 971/ 4161 - السفر الثاني)، وابن قانع في المعجم (3/ 181 - 182)، والطبراني في الكبير (22/ 32/ 72)، وأبو نعيم الأصبهاني في تسمية الرواة عن أبي نعيم (74)، والخطيب في تاريخ بغداد (10/ 275)، وابن مخلد البزاز في حديثه عن ابن السماك والخلدي (37)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 28/ 566).
هكذا رواه عن فطر: محمد بن بشر العبدي، وعبد الله بن داود، ووكيع بن الجراح، وأبو نعيم الفضل بن دكين [وهم ثقات]، وغيرهم.
ورواه خلاد بن يحيى [صدوق]: نا فطر بن خليفة، عن عبد الجبار الحضرمي، قال: سمعت أبي، وهذه الرواية بذكر السماع وهم، إذ الحفاظ متفقون على أن عبد الجبار لم يسمع من أبيه، وتقدم نقل كلامهم تحت الحديث السابق.
قال النسائي في الكبرى (958): "عبد الجبار بن وائل: لم يسمع من أبيه، والحديث في نفسه صحيح".
وقال ابن أبي خيثمة: "سئل يحيى بن معين: عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه؟ قال: مرسل؛ مات أبوه وأمه حامل به".
2 -
الحجاج بن أرطاة [ليس بالقوي، وقد توبع عليه، لكنه مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمتروكين، ولم يسمع من عبد الجبار، قاله البخاري. علل الترمذي الكبير (426)، سنن البيهقي (8/ 235)]، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع أنفه على الأرض إذا سجد مع جبهته. وفي رواية: يسجد على أرنبته وجبهته، وفي رواية: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "آمين".
أخرجه أحمد (4/ 315 و 317)، وابن أبي شيبة (1/ 2687/234)، ولوين محمد بن سليمان المصيصي في حديثه (115)، والبزار (10/ 348 / 4478)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 192 و 193/ 298 و 299 - مسند ابن عباس)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (2/ 125 و 127 و 128/ 253 و 255 و 256)، والطبراني في الكبير (22/ 30/ 65 - 67)، وانظر: أسد الغابة (4/ 91)، الإصابة (2/ 206) و (5/ 280).
قال الطوسي: "وحديث وائل: حسن".
3 -
الأعمش [ثقة حافظ]، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على الأرض واضعًا جبهته وأنفه في سجوده.
أخرجه أحمد (4/ 317)[وانظر: الإتحاف (13/ 664/ 17274)]، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (1/ 193/ 301 - مسند ابن عباس)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (2/ 126/ 254)، والطبراني في الكبير (22/ 29/ 62).
قال الطوسي: "وحديث وائل: حسن".
4 -
أشعث بن سوار [ضعيف]، عن عبد الجبار بن وائل بن حجر، عن أبيه، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان لي من وجهه ما لا أحب أن لي به من وجه رجل من بادية العرب، صليت خلفه، وكان يرفع يديه كلما كبر ورفع ووضع بين السجدتين، ويسلم عن يمينه وعن شماله [وفي رواية: إذا انصرف حتى أرى بياض خده من ههنا وههنا].
أخرجه أحمد (4/ 317)، والطبراني في الكبير (22/ 31/ 71)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 390).
وهو منكر بذكر الرفع بين السجدتين.
5 -
روى زهير بن معاوية، وأبو الأحوص، ويونس بن أبي إسحاق، وابنه إسرائيل، وزكريا بن أبي زائدة، ومعمر بن راشد، وحديج بن معاوية، وأبو بكر بن عياش، وزيد بن أبي أنيسة، وعمار بن رزيق، والأعمش [وهو غريب من حديثه]، وغيرهم:
عن أبي إسحاق، عن عبد الجبار بن وائل، عن وائل، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة، قريبًا من الرسغ، ويرفع يديه حين يوجب حتى تبلغا أذنيه، وصليت خلفه فقرأ:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقال: "آمين" يجهر. لفظ زهير. وقال إسرائيل وغيره: رفع بها صوته، وقال زيد: مدَّ بها صوته.
ولفظ أبي الأحوص: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما افتتح الصلاة [كبر و] رفع يديه حتى حاذى بأذنيه. فرقه بعضهم أحاديث.
أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 122/ 879) و (2/ 145/ 932) مطولًا بزيادة. وفي الكبرى (1/ 459/ 955) و (1/ 480/ 1006) مطولًا بزيادة. وابن ماجه (855)، والدارمي (1/ 312/ 1241)، وأحمد (4/ 318)، وعبد الرزاق (2/ 95/ 2633)، وابن أبي شيبة (2/ 187/ 7959) و (7/ 312/ 36393)، وأبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (2/ 838)، والبزار (10/ 349/ 4481)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 73/ 1255) و (3/ 130/ 1367)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 188/ 332 و 333)، وأبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات"(466)، والطبراني في الكبير (22/ 20 - 25/ 30 - 53)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 371)، والدارقطني في السنن (1/ 334)، وفي الأفراد (2/ 156/ 4469 - أطرافه)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (10/ 311)، والبيهقي (2/ 58)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 383)، وأبو موسى المديني في اللطائف (816).
قال الدارقطني: "هذا إسناد صحيح".
قلت: زيادة: "قريبًا من الرسغ"؛ زيادة شاذة؛ لم يروها عن أبي إسحاق إلا زهير بن معاوية، وهو ثقة متقن، لكن في حديثه عن أبي إسحاق لين، سمع منه بأخرة، فهو كما قال الذهبي:"لينُ روايته عن أبي إسحاق: من قِبَل أبي إسحاق، لا من قِبَله"؛ فإن أبا إسحاق كان قد تغير في آخر عمره [التهذيب (1/ 640)، الميزان (2/ 86)].
وزادها أيضًا: إسماعيل بن عياش في روايته عن يونس بن أبي إسحاق، وإسماعيل: ضعيف في روايته عن غير أهل الشام، وهذه منها، ورواه غيره عن يونس بدونها.
فإن قيل: لم يتفرد أبو إسحاق بهذه اللفظة: يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة قريبًا من الرسغ، بل تابعه عليها: زائدة بن قدامة [وهو: ثقة متقن]، حيث قال: حدثنا عاصم بن كليب: أخبرني أبي؛ أن وائل بن حجر الحضرمي أخبره،
…
فذكر الحديث، وفيه: ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد.
فيقال: رواية أبي إسحاق السبيعي -على فرض ثبوتها- هي في معنى بقية الروايات
في مطلق الوضع أو القبض؛ لأن قوله: "قريبًا من الرسغ" لا يلزم منه كون اليد اليمنى على رسغ اليد اليسرى، وإنما فقط قريبًا منه، وعليه فهي ليست في معنى حديث زائدة، ولا يشهد أحدهما للآخر.
ورواية زائدة بن قدامة: مع اختلاف سياقها ومعناها، فإنها شاذة أيضًا، وسيأتي بيان ذلك في موضعه عند تخريجه برقم (727)، والشاذ لا يشهد لغيره، ولا يقويه؛ إذ إنه خطأ محض، والمنكر أبدًا منكر، كما قال أحمد [العلل ومعرفة الرجال (281)، إعلام الموقعين (4/ 207)]، والشاذ في معناه، والله الهادي إلى سواء السبيل.
• زاد يونس، وأفرده دون بقية أطراف الحديث: إسرائيل، وأبو الأحوص، وزيد بن أبي أنيسة [وهم ثقاتي، وعبد الحميد بن أبي جعفر الفراء [شيخ، له أوهام، تقدمت ترجمته تحت الحديث رقم (520) طريق رقم (21)، والراوي عنه: سنان بن مظاهر العنزي: روى عنه أبو كريب، وصحح له ابن خزيمة (2918)، وقال الدارقطني: "ثقة"، سؤالات السلمي (140)، الإكمال (4/ 442) و (7/ 34)، الأنساب (4/ 151)، توضيح المشتبه (6/ 381)]، وحُبيِّب [مصغَّر] بن حَبيب [واهي الحديث. اللسان (2/ 557)، المؤتلف للدارقطني (2/ 627)، توضيح المشتبه (3/ 97)]:
فرووا عن أبي إسحاق، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع رجلًا يقول: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال:"من صاحب الكلمات؟ " قال: أنا يا رسول الله، والله ما أردت بها إلا الخير، قال:"لقد فتحت لها أبواب السماء، فما نهنهها شيء دون العرش". لفظ إسرائيل، وقال فيه الباقون -واللفظ لأبي الأحوص-: الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلًا، وفي لفظ يونس شذوذ.
أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 145/ 932)، وفي الكبرى (1/ 480/ 1006)، وابن ماجه (3802)، وأحمد (4/ 317)، والطيالسي (2/ 360/ 1116)، والطبراني في الكبير (22/ 26 - 27/ 54 - 59)، وفي الدعاء (517 - 520).
وانظر شواهد هذا الطرف في: تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 161 و 163/ 81).
• وقد تفرد محمد بن جابر عن أبي إسحاق في هذا الحديث بلفظ: يعتمد بإحدى يديه على الأخرى [كما عند الطبراني برقم (53)]، وهي لفظة منكرة، ومحمد بن جابر بن سيار السحيمي اليمامي: ضعيف؛ وكان قد ذهبت كتبه في آخر عمره، وعمِي، وساء حفظه، وكان يُلقَّن، ويُلحَق في كتابه [انظر: التهذيب (3/ 527)، الميزان (3/ 496)].
• وخالفهم في إسناده فوهم: إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق [ليس بالقوي]، فرواه عن أبيه [ثقة]، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل القَيْل [يقال للملك من ملوك حمير: قَيْل]، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضرب بيمينه على شماله في الصلاة.
أخرجه النسائي في جزء من إملائه (34)، والطبراني في الكبير (22/ 38/ 91)، وفي الأوسط (2/ 198/ 1705)، والدارقطني في الأفراد (2/ 156/ 4471 - أطرافه)، وفي المؤتلف (4/ 1852)، والخطيب في الموضح (2/ 502).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أبي إسحاق إلا يوسف بن أبي إسحاق، ولا عن يوسف إلا إبراهيم، تفرد به: شريح".
وقال الدارقطني: "غريب من حديث أبي إسحاق السبيعي عن عاصم عن أبيه، تفرد به عنه: ابن ابنه يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق، وتفرد به عنه ابنه: إبراهيم بن يوسف، ولم يروه عنه غير: شريح بن مسلمة"، قلت: وهو ثقة.
قلت: إنما يرويه أبو إسحاق السبيعي عن عبد الجبار عن أبيه.
• ووهم في إسناده أيضًا على أبي إسحاق: شريك بن عبد الله النخعي، ويأتي ذكره في ذكر الاختلاف على شريك، عند الحديث الآتي برقم (728)، إن شاء الله تعالى.
• وانظر أيضًا فيمن وهم فيه على أبي إسحاق: المعجم الكبير (22/ 43/ 107)، سنن البيهقي (2/ 58) [وفي إسناده: أحمد بن عبد الجبار العطاردي: ثنا أبي، وهو: ضعيف، وأبوه قد ضُعِّف أيضًا. اللسان (5/ 58)]، جزء فيه قراءات النبي صلى الله عليه وسلم (12)، أطراف الغرائب والأفراد (2/ 157/ 4474).
[وانظر فيمن رواه أيضًا عن عبد الجبار عن أبيه: تلخيص المتشابه في الرسم (2/ 626)].
• ورواه بعض الكذابين فجعله عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه عن جده [فوائد تمام (1554)، وفي إسناده: محمد بن الفضل بن عطية، وهو: متروك الحديث، كذاب، روى أحاديث موضوعة. التهذيب (3/ 675)، الميزان (4/ 6)، وعنه: محمد بن عيسى بن حيان المدائني، وهو: ضعيف، يروي عن مشايخه ما لا يتابع عليه. انظر: اللسان (7/ 428)][وانظر: أسد الغابة (1/ 564)].
• والحاصل: فإن هذا الحديث قد رواه جماعة من الثقات عن عبد الجبار بن وائل بن حجر، عن أبيه، ولم يسمع منه، وقال جماعة من الأئمة: ولد بعد موت أبيه بستة أشهر، وتقدم نقل كلامهم في ذلك تحت الحديث السابق.
إلا أن الحديث صحيح، لمتابعاته التي تقدم بعضها، ويأتي ذكر ما بقي منها، ولأن عبد الجبار إنما أخذ هذا الحديث عن أخيه علقمة؛ كما ثبت ذلك في رواية همام، قال: حدثنا محمد بن جحادة: حدثني عبد الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل ومولى لهم؛ أنهما حدثاه عن أبيه وائل بن حجر [تقدم ذكره تحت الحديث السابق].
قال النسائي في الكبرى (958): "عبد الجبار بن وائل: لم يسمع من أبيه، والحديث في نفسه صحيح"، وقال الطوسي:"حديث حسن"، وصحح إسناده الدارقطني.
وأما رواية الحسن بن عبيد الله النخعي، حيث قال: حتى كانتا بحِيالِ مَنكِبيه، وحاذى بإبهامَيه أذنَيه، فالأقرب عندي أنها شاذة، والمحفوظ: رواية بقية الثقات عن عبد الجبار:
حتى حاذت إبهامُه شحمةَ أذنيه، أو: ورفع يديه حتى حاذى بأذنيه، وهذه الرواية هي الموافقة للمحفوظ من حديث وائل بن حجر، كما تقدم معنا في حديث عفان بن مسلم [والذي أخرجه مسلم]، وكما سيأتي بيانه من حديث عاصم بن كليب، إن شاء الله تعالى، والحسن بن عبيد الله النخعي وإن كان ثقة؛ إلا إنه قد تكلم فيه غير واحد [انظر: التهذيب (1/ 401)، سؤالات أبي داود لأحمد (375)] [وقد سبق أن فصلت القول فيه تحت الحديث رقم (664)]، ولا يقاس الحسن بأبي إسحاق السبيعي، والله أعلم.
***
725 -
. . . المسعودي: حدثني عبد الجبار بن وائل: حدثني أهل بيتي، عن أبي؛ أنه حدثهم؛ أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبيرة.
• في إسناده من أُبهم، وقد عينه بن جحادة في روايته؛ فصح الحديث.
أخرجه أحمد (4/ 316)، والطيالسي (2/ 359/ 1115)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 188/ 334)[وفي سنده سقط]، والطبراني في الكبير (22/ 33/ 76 و 77)، والبيهقي في السنن (2/ 26)، وأبو موسى المديني في اللطائف (822 - 824).
هكذا رواه عن المسعودي مطولًا، أو مختصرًا، أو مفرقًا: يزيد بن زريع [وهذا لفظه عند أبي داود]، ووكيع بن الجراح، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وأبو داود الطيالسي، وعمرو بن مرزوق، وأبو حفص عمرو بن علي الفلاس [ولا يصح عنه] [والفلاس: لم يدرك المسعودي، إنما يروي عنه بواسطة].
ولفظ وكيع عند أحمد: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبيرة، ويضع يمينه على يساره في الصلاة. وفي رواية: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد بين كفيه.
ولفظ الطيالسي: أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عن يمينه وعن شماله.
واختلف فيه على المسعودي:
أ - فرواه يزيد بن زريع، ووكيع بن الجراح، وعمرو بن مرزوق [وثلاثتهم ثقات، ممن روى عن المسعودي قبل الاختلاط. الكواكب النيرات (35)، شرح علل الترمذي (2/ 747)]، وأبو النضر هاشم بن القاسم، وأبو داود الطيالسي [وهما ثقتان، ممن روى عن المسعودي بعد الاختلاط]، عن المسعودي به هكذا.
ب - وخالفهم: يزيد بن هارون [ثقة ثبت، ممن روى عن المسعودي بعد الاختلاط]، وأسد بن موسى [المعروف بأسد السُّنَّة: ثقة، وما حدث به من مناكير فالآفة فيها من غيره. انظر: التهذيب (1/ 133) وغيره، والراوي عنه هو شيخ الطبراني، المقدام بن داود الرعيني: ضعيف، واتُّهم. راجع ترجمته تحت الحديث المتقدم برقم (236)، وقد قيل: إن سماعه من أسد صحيح، وإنما نقم عليه روايته عن خالد بن نزار؛ فإنه لم يدركه. ترتيب المدارك (1/ 476)]:
ثنا المسعودي، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، قال: لما قدم أبي على النبي صلى الله عليه وسلم رآه يضع يده اليمنى على اليسرى، ورفع يديه مع كل تكبيرة. لفظ أسد.
ولفظ يزيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد بين كَفَّيْه.
أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 32/ 74 و 75).
وهذه رواية شاذة سندًا ومتنًا.
والمحفوظ: رواية جماعة الثقات الذين رووه عن المسعودي قبل اختلاطه، لكن يبدو أن المسعودي لم يحفظ في إسناده عين الواسطة بين عبد الجبار وأبيه، فقال فيه: حدثني أهل بيتي، عن أبي، وقد حفظه غيره، فقد روى همام، قال: حدثنا محمد بن جحادة: حدثني عبد الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل ومولى لهم؛ أنهما حدثاه عن أبيه وائل بن حجر [تقدم].
فاتصل بذلك الإسناد، وصح الحديث، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وهي زيادة من ثقة حافظ، فوجب قبولها، والله أعلم.
• وروى زهير بن معاوية، قال: قال عاصم [يعني: ابن كليب]: وحدثني عبد الجبار، عن بعض أهله، أن وائلًا قال: أتيته مرة أخرى، وعلى الناس ثياب فيها البرانس وفيها الأكسية، فرأيتهم يقولون هكذا، تحت الثياب.
أخرجه أحمد (4/ 319).
ويأتي ذكره والكلام عليه تحت الحديث رقم (728)، في طريق زهير بن معاوية برقم (10).
وله إسناد آخر، يأتي ذكره في ذكر الاختلاف على شريك بن عبد الله النخعي، تحت الحديث رقم (728).
***
726 -
. . . بشر بن المفضل، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: قلت: لأَنظُرَنَّ إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي! قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة، فكبر فرفع يديه حتى حاذتا أذنيه، ثم أخذ شماله بيمينه، فلما أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك، ثم وضع يديه على ركبتيه، فلما رفع رأسه من الركوع رفعهما مثل ذلك، فلما سجد وضع رأسه بذلك المنزل من بين يديه، ثم جلس فافترش رجله البسرى، ووضع بده اليسرى على فخِذه اليسرى، وحدَّ مِرفَقه الأيمن على فخذه اليمنى، وقبض ثنتين، وحلَّق حلْقةً. ورأيته يقول هكذا: وحلَّق بِشرٌ الإبهامَ والوسطى، وأشار بالسبابة.
• حديث صحيح.
أخرجه أبو داود هنا (726)، ثم أعاده بنفس إسناده في باب: كيف الجلوس في التشهد، برقم (957)، وأخرجه أيضًا من طريق بشر: النسائي في المجتبى (3/ 35 / 1265)،
وفي الكبرى (2/ 60/ 1189)، وابن ماجه (810 و 867)، والبزار (10/ 353/ 4485)، والطبراني في الكبير (22/ 37/ 86)، وابن حزم في المحلى (4/ 126)، والبيهقي في المعرفة (2/ 28/ 880)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 71)، والخطيب في المدرج (1/ 451)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 27/ 563).
***
727 -
. . . زائدة، عن عاصم بن كليب، بإسناده ومعناه، قال فيه: ثم وضع يده اليمنى على ظَهر كفِّه اليسرى والرُّسْغ والساعد، وقال فيه: ثم جئت بعد ذلك في زمانٍ فيه بردٌ شديدٌ، فرأيتُ الناسَ عليهم جلُّ الثياب، تَحَرَّكُ أيديهم تحت الثياب.
• حديث شاذ بهذه الزيادات.
أخرجه البخاري في رفع اليدين (67)، والنسائي في المجتبى (2/ 126/ 889) و (3/ 37/ 1268)، وفي الكبرى (1/ 463/ 965) و (2/ 62/ 1192)، والدارمي (1/ 362/ 1357)، وابن خزيمة (1/ 243 و 354/ 480 و 714)، وابن حبان في صحيحه (5/ 170/ 1860)، وفي الصلاة (13/ 666 و 667 و 672/ 17280 و 17281 و 17289 - إتحاف المهرة)، وابن الجارود (208)، وأحمد (4/ 318)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 93/ 1289)، والطبراني في الكبير (22/ 35/ 82)، والبيهقي في السنن (2/ 28 و 131)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 71)، والخطيب في الفصل للوصل (1/ 444 و 445)، وابن الجوزي في التحقيق (529).
ولفظه عند أحمد: زائدة بن قدامة: حدثنا عاصم بن كليب: أخبرني أبي؛ أن وائل بن حجر الحضرمي أخبره، قال: قلت: لأنظرنَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي؟ قال: فنظرت إليه قام فكبر، ورفع يديه حتى حاذتا أذنيه، ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد، ثم قال: لما أراد أن يركع رفع يديه مثلها، ووضع يديه على ركبتيه، ثم رفع رأسه، فرفع يديه مثلها، ثم سجد، فجعل كفيه بحذاء أذنيه، ثم قعد فافترش رجله اليسرى، فوضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، وجعل حدَّ مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض بين أصابعه [وفي رواية: ثم قبض اثنتين من أصابعه] فحلَّق حلْقة، ثم رفع إصبعه، فرأيته يحرِّكها يدعو بها، ثم جئت بعد ذلك في زمان فيه بردٌ، فرأيت الناس عليهم الثياب تحرَّك أيديهم من تحت الثياب من البرد.
قال ابن خزيمة: "ليس في شيء من الأخبار: "يحركها" إلا في هذا الخبر، زائدة ذكره".
وقال البيهقي: "فيحتمل أن يكون المراد بالتحريك الإشارة بها؛ لا تكرير تحريكها، فيكون موافقًا لرواية ابن الزبير، والله تعالى أعلم".
وقال النووي في المجموع (3/ 258): "رواه أبو داود بإسناد صحيح"، وقال في الخلاصة (1391)، وفي المجموع أيضًا (3/ 417):"رواه البيهقي بإسناد صحيح".
وقال ابن الملقن في البدر المنير (4/ 11): "هذا الحديث صحيح".
• قلت: وهم زائده بن قدامة في هذا الحديث في ثلاثة مواضع:
الأول: زيادة: "على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد"، ولم يتابع عليها، وقد تفرد بها دون من روى الحديث عن عاصم بن كليب، وهم: سفيان الثوري، وشعبة، وسفيان بن عيينة، وبشر بن المفضل، وخالد بن عبد الله الواسطي، وأبو عوانة، وأبو الأحوص سلام بن سليم، وعبد الله بن إدريس، وزهير بن معاوية، وعبد الواحد بن زياد، وجرير بن عبد الحميد، وعبد العزيز بن مسلم القسملي، ومحمد بن فضيل، وأبو بدر شجاع بن الوليد، وعَبيدة بن حميد، وغيلان بن جامع، وقيس بن الربيع، وجعفر بن زياد الأحمر، وصالح بن عمر الواسطي، وهريم بن سفيان.
وهم عشرون نفسًا، وفيهم من الثقات الحفاظ من هو أحفظ وأثبت وأتقن من زائدة بن قدامة، وعليه فإنهم مقدَّمون عليه بالحفظ والعدد، والوهم أبعد عن الاثنين من الواحد، فكيف بهذا العدد الكثير؟!
ولم يتابع عليها أيضًا ممن روى الحديث عن وائل بن حجر، إلا ما يوهم من رواية شاذة عن أبي إسحاق السبيعي، عن عبد الجبار بن وائل، عن وائل، قال فيها: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة، قريبًا من الرسغ، وسبق الكلام عليها تحت الحديث رقم (724)، وبيان أنها ليست في معنى حديث زائدة، مع كونها شاذة أيضًا، والشاذ لا يتقوى بالشاذ، ولا يقوي غيره.
الثاني: زيادة: "يحركها"، تفرد بها زائدة أيضًا دون من سبق ذكرهم، ممن روى الحديث عن عاصم، وقد أعلَّها ابن خزيمة، وتأولها البيهقي، وهي زيادة شاذة معلولة، والله أعلم.
فهاتان الزيادتان: شاذتان.
والموضع الثالث: إدراج قصة رفع الأيدي تحت الثياب في حديث عاصم بن كليب عن أبيه، وسيأتي الكلام عليها قريبًا -إن شاء الله تعالى- عند رواية شريك [برقم (728)، وهو الحديث الآتي]، وزهير بن معاوية [برقم (10) في المتابعات].
وسيأتي الكلام أيضًا عن مسألة وضع اليمنى على اليسرى، أو قبضها، وغير ذلك، قريبًا -إن شاء الله تعالى-، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
***
728 -
. . . شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة رفع يديه حِيالَ أذنَيه، قال: ثم أتيتهم،
فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم في افتتاح الصلاة، وعليهم بَرانِسُ وأكسيةٌ.
• هذا الحديث قد اضطرب فيه شريك، ووهم وأدرج وتفرد.
أخرجه الطحاوي (1/ 196)، والطبراني في الكبير (22/ 39 و 40/ 96 و 98)، والخطيب في المدرج (1/ 455 و 456)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 27/ 564).
هكذا رواه عثمان بن أبي شيبة [وعنه: أبو داود]، ومحمد بن سعيد بن سليمان الكوفي أبو جعفر بن الأصبهاني، ويحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني، وعمار بن مطر الرُّهاوي، عن شريك به.
ولفظ ابن الأصبهاني [عند الطحاوي]: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فرأيته يرفع يديه حذاء أذنيه إذا كبر، وإذا رفع، وإذا سجد، فذكر من هذا ما شاء الله، قال: ثم أتيته من العام المقبل وعليهم الأكسية والبرانس، فكانوا يرفعون أيديهم فيها، وأشار شريك إلى صدره.
وقال الحماني وعمار بن مطر في روايتهما: إلى نحورهم، أو قال: إلى صدورهم [هكذا قرنهما الطبراني على لفظ واحد، وأفرد رواية الحماني مرةً بأوله فقط، بلفظ ابن أبي شيبة عند أبي داود].
• ورواه يحيى بن أبي بكير الكرماني، ويحيى بن آدم الكوفي:
كلاهما عن شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر: أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بآمين. لفظ الكرماني.
أخرجه أحمد (4/ 318)، والطبراني في الكبير (22/ 41/ 102)، بإسناد صحيح إلى يحيى الكرماني.
• وهذا الحديث قد اختلف فيه على شريك بن عبد الله النخعي:
أ - فرواه عثمان بن أبي شيبة [ثقة حافظ، له أوهام]، ومحمد بن سعيد بن سليمان الكوفي أبو جعفر بن الأصبهاني [ثقة ثبت]، ويحيى بن آدم بن سليمان الكوفي [ثقة حافظ]، ويحيى بن أبي بكير الكرماني [ثقة]، ويحيى بن عبد الحميد الحماني [حافظ؛ إلا أنه اتهم بسرقة الحديث، وكان يحفظ حديث شريك]، وعمار بن مطر الرُّهاوي [أحاديثه بواطيل، وكان يكذب. اللسان (6/ 52)]:
ستتهم عن شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر به، على اختلاف بينهم في لفظه.
ب - وخالفهم: سعيد بن منصور [ثقة ثبت، مصنف مشهور]، ومحمد بن جعفر الوَرَكاني [ثقة]، ومحرز بن عون الهلالي [صدوق]، وإبراهيم بن عبد الله بن حاتم الهروي [صدوق حافظ]، وزكريا بن يحيى بن صُبَيح زحمويه [ثقة. التعجيل (1/ 551/ 339)]:
خمستهم عن شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن خاله [الفَلَتان بن عاصم]، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم[في الشتاء] فرأيتهم يصلون في الأكسية والبرانس، أيديهم فيها من البرد.
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (3/ 73/ 1256)، وابن قانع في المعجم (2/ 330)، والطبراني في الكبير (18/ 336/ 861)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (3/ 567)، وتمام في الفوائد (607)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 131)، والخطيب البغدادي في المدرج (1/ 457).
هكذا جعله عن الفلتان بن عاصم، وهو خال كليب بن شهاب الجرمي [انظر: الإصابة (5/ 377)]، ولم يختلفوا على شريك في لفظه، وقد عدَّ الخطيب هذه الرواية وهمًا فظيعًا، وخطأً شنيعًا، لكن عاد بالتبعة فيها على غير شريك ممن هو دونه في الإسناد، وإنما الوهم فيها من شريك نفسه، والله أعلم.
ج - ورواه وكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، قال: حدثنا شريك، عن عاصم بن كليب، عن علقمة بن وائل بن حجر، عن أبيه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في الشتاء، قال: فرأيت أصحابه يرفعون أيديهم في ثيابهم.
أخرجه أبو داود (729)، وأحمد (4/ 316)، والخطيب في المدرج (1/ 455)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 28/ 565).
هكذا جعله عن علقمة بن وائل عن أبيه، بدل: كليب بن شهاب عن وائل.
د - ورواه أسود بن عامر [شامي، نزيل بغداد، يلقب شاذان: ثقة]، ومحمد بن الحسن بن الزبير الأسدي المعروف بالتل [لين الحديث. التهذيب (3/ 541)، الميزان (3/ 512)، المجروحين (2/ 277)]:
ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن علقمة بن وائل، عن أبيه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بآمين. لفظ شاذان.
أخرجه أحمد (4/ 318)، والطبراني في الكبير (22/ 13/ 11)، والبيهقي (2/ 58).
وهذا قد رواه أصحاب أبي إسحاق عنه، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، وهو المحفوظ، وتقدم ذكره تحت الحديث رقم (724).
هـ - ورواه أيضًا: أسود بن عامر: ثنا شريك، عن سماك، عن علقمة، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بآمين.
أخرجه مسلم في التمييز (38).
ولا يُعرف هذا من حديث سماك بن حرب؛ إلا من حديث شريك.
هكذا اضطرب شريك في إسناد هذا الحديث اضطرابًا شديدًا؛ لسوء حفظه، فهو مرة يرويه: عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل، ومرة: عن عاصم عن أبيه عن خاله الفلتان، ومرة: عن عاصم عن علقمة عن أبيه، ومرة عن أبي إسحاق عن علقمة عن أبيه، ومرة: عن سماك عن علقمة عن أبيه.
• هذا وجه من الإعلال؛ ووجهان آخران:
أن هذه الزيادة في آخر الحديث، يرويها زائدة بن قدامة، وسفيان بن عيينة.
ولفظ زائدة: ثم جئت بعد ذلك في زمان فيه بردٌ، فرأيت الناس عليهم الثياب تحرَّك أيديهم من تحت الثياب من البرد، ولفظ ابن عيينة: ثم أتيتهم في الشتاء فرأيتهم يرفعون أيديهم في البرانس، هكذا فلم يذكرا قيد رفعها إلى الصدور.
وهكذا روياها مدرجةً من حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل، مثل شريك، وفصله زهير بن معاوية، وأبو بدر شجاع بن الوليد، قال زهير بعد أن ساق الحديث عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل، قال زهير: قال عاصم: وحدثني عبد الجبار، عن بعض أهله، أن وائلًا قال: أتيته مرة أخرى، وعلى الناس ثياب فيها البرانس وفيها الأكسية، فرأيتهم يقولون هكذا، تحت الثياب.
وقال أبو بدر شجاع بن الوليد: نا عاصم بن كليب، قال: حدثني عبد الجبار بن وائل، عن بعض أهله؛ أن وائل بن حجر قال: ثم أتيته مرة أخرى، وعلى الناس ثياب الشتاء فيها البرانس والأكسية، قال: فرأيتهم يقولون هكذا بأيديهم من تحت الثياب، فوصف عاصم بن كليب رفع أيديهم.
وبذا يكون شريك قد وهم في هذا الحديث مرتين: الأولى: بإدراج هذه الزيادة في حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل، وإنما هي من حديث عاصم بن كليب عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل، والثانية: زاد فيه قيد رفع الأيدي إلى الصدور، وتفرد به شريك -على سوء حفظه- دون من روى هذا الحديث من الثقات، وهم: زهير بن معاوية وأبو بدر شجاع بن الوليد [وهما اللذان فصلاه]، وزائدة بن قدامة وابن عيينة [وهما ممن أدرجاه]، [ويأتي تخريج رواية كل واحد منهم قريبًا، عدا رواية زائدة فقد تقدمت].
• قال موسى بن هارون الحمَّال الحافظ الإمام الناقد [وقد كان إمام وقته في حفظ الحديث وعلله. السير (12/ 116)، تذكرة الحفاظ (689)، العبر (2/ 106)، تاريخ الإسلام (22/ 315)]، قال عن شريك وحديثه هذا: "وهذا حديثٌ لا إسنادَه حفِظَ، ولا متنَه ضبَطَ، فأما الإسناد فإنما رواه عاصم بن كليب، عن عبد الجبار بن وائل، عن بعض أهله، عن وائل بن حجر.
وأما قوله: إلى نحورهم أو صدورهم؛ فلا أعلم أحدًا ذكره في حديث عاصم بن كليب، وإنما هو: قال: أتيتهم في الشتاء، وعليهم الأكسية والبرانس، فجعلوا يرفعون أيديهم من تحت الثياب.
وإنما هذا التخليط في الإسناد وفي المتن من شريك، كان بآخره قد ساء حفظه، ولم يكن رحمه الله بأثبت الناس قبل أن يسوء حفظه" [المدرج (1/ 456)].
وقال أيضًا: "اتفق زهير بن معاوية وشجاع بن الوليد، فرويا صفة الصلاة عن عاصم بن كليب أن أباه أخبره أن وائل بن حجر أخبره، ثم فصلا ذكر رفع الأيدي من تحت الثياب، فرويا عن عاصم بن كليب أنه حدثه به عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله
عن وائل بن حجر، وهذه الرواية مضبوطة اتفق عليها زهير بن معاوية وشجاع بن الوليد، فهما أثبت له روايةً ممن روى رفع الأيدي من تحت الثياب عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر، وقد رواه غير واحد فجعلوه عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر، وذاك عندنا وهم ممن وهم فيه، وإنما سلك به الذي وهم فيه المحجة السهلة؛ لأن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر أسهل عليه من عاصم بن كليب عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل بن حجر" [المدرج (1/ 453)].
• ثم له بعد ذلك علة رابعة، وهي أن شريكًا كان يرويه قريبًا من الصواب قبل أن يسوء حفظه، فلم يكن يزيد فيه هذا القيد برفع الأيدي إلى الصدور، وكان يفصله، لكن يهم فيه، فيجعله عن علقمة بن وائل عن أبيه، بدل أخيه عبد الجبار عن بعض أهله عن وائل:
قال موسى بن هارون الحافظ: "فإن قال قائل: فإن يحيى الحماني وعثمان بن أبي شيبة رويا جميعًا عن شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين افتتح الصلاة حذو أذنيه، ثم لم يذكر شريك في حديثه رفع اليدين للركوع، ولا هذه الصفات؟
قيل له: إنما هذا اختصار من شريك؛ لأنا قد وجدناه من رواية إسحاق الأزرق عن شريك، وفيه رفع اليدين للركوع، وفيه من الصفات أكثر من عشر سنن، قد ذكرها شريك في حديثه عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر، وقال في آخره: قال: وحدثني علقمة ابنه عنه، قال: أتيته في الشتاء -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم وعليهم الأكسية والبرانس، فجعلوا لا يستطيعون أن يرفعوا أيديهم إلا في أكسيتهم.
قال موسى: حدثني به محمد بن بشر: نا تميم بن المنتصر: أنا إسحاق الأزرق، عن شريك [قلت: وإسناده صحيح إلى الأزرق].
وسماع إسحاق من شريك قبل سماع الحماني وعثمان بن أبي شيبة بدهر طويل، وقد وهم شريك إذ ذكر في آخر الحديث: علقمة بن وائل، والصواب: قال: وحدثني عبد الجبار ابنه، فجعل شريك مكان عبد الجبار بن وائل: علقمة بن وائل" [المدرج للخطيب (1/ 454)].
• ومن دلائل عدم حفظ شريك لهذا الحديث، واضطرابه في إسناده ومتنه، وتفرده فيه بما لا يتابع عليه:
• ما رواه يزيد بن هارون: أنا شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه. وفي لفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد تقع ركبتاه قبل يديه وإذا رفع رفع يديه قبل ركبتيه.
أخرجه أبو داود (838)، والترمذي في الجامع (268)، وفي العلل (100)، وأبو
علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 121 - 122/ 251)، والنسائي في المجتبى (2/ 206 / 1089) و (2/ 234/ 1154)، وفي الكبرى (1/ 344/ 680) و (1/ 371/ 744)، وابن ماجه (882)، والدارمي (1/ 347/ 1320)، وابن خزيمة (1/ 318 و 319/ 626 و 629)، وابن حبان (5/ 237/ 1912)، والحاكم (1/ 226) [انظر: الإتحاف (13/ 673/ 17291)]، وابن السكن في صحيحه (1/ 254/ 379 - التلخيص)، والبزار (10/ 351/ 4483)، وابن المنذر (3/ 165/ 1429)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (3/ 319/ 1259)، والطحاوي (1/ 255)، وأبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات"(342)، والطبراني في الكبير (22/ 39 - 40/ 97)، والدارقطني (1/ 345)، والبيهقي في السنن (2/ 98)، وفي المعرفة (2/ 3/ 834)، والخطيب في الموضح (2/ 501)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 133/ 642)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/ 383)، والحازمي في الاعتبار (1/ 330/ 89)، وابن الجوزي في التحقيق (518).
قال يزيد بن هارون: "لم يرو شريك عن عاصم بن كليب غير هذا الحديث [الواحد] ".
وقال الترمذي في الجامع: "هذا حديث حسن غريب، لا نعرف أحدًا رواه مثل هذا غير شريك [وفي بعض النسخ: عن شريك]، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم: يرون أن يضع الرجل ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه، وروى همام عن عاصم هذا مرسلًا، ولم يذكر فيه وائل بن حجر"[جامع الترمذي (268) (1/ 328/ 267 - ط الرسالة)][وانظر: النفح الشذي لأبي الفتح اليعمري (4/ 454) حيث تكلم عن سبب عدول الترمذي عن تصحيح هذا الحديث بهذا الإسناد، مع كونه صحح بهذه الترجمة حديث ابن إدريس عن عاصم بن كليب (292)، ويأتي].
وفي مستخرج الطوسي: "هذا حديث غريب، لا نعرف أحدًا روى مثل هذا غير شريك، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم؛ يرون أن يضع الرجل ركبتيه قبل يديه، وروى همام عن عاصم هذا مرسلًا، ولم يذكر فيه وائل بن حجر"[وهو في ذلك يحكي قول الترمذي].
وقال الترمذي في العلل: "وروى همام بن يحيى عن شقيق عن عاصم بن كليب شيئًا من هذا مرسلًا، لم يذكر فيه: عن وائل بن حجر، وشريك بن عبد الله: كثير الغلط والوهم".
وقال النسائي: "لم يقل هذا عن شريك غير يزيد بن هارون، والله تعالى أعلم".
وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه إلا يزيد بن هارون عن شريك".
وقال ابن المنذر: "وحديث وائل بن حجر: ثابت، وبه نقول"، وتبعه الخطابي في معالم السنن (1/ 180/ 257).
وقال أبو القاسم البغوي: "ولا أعلم حدَّث به عن شريك غير يزيد".
وقال الدارقطني: "تفرد به يزيد عن شريك، ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك، وشريك: ليس بالقوي فيما يتفرد به، واللّه أعلم"[انظر: الأحاديث الضعاف (313)، من تكلم فيه الدارقطني في كتاب السنن لابن زريق (162)، الخلاصة (1280)، التنقيح لابن عبد الهادي (1/ 399)، المحرر في الحديث (247)، الإتحاف (13/ 673/ 17291)].
وقال البيهقي في السنن: "هذا حديث يُعدُّ في أفراد شريك القاضي، وإنما تابعه همام من هذا الوجه مرسلًا، هكذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين رحمهم الله تعالى".
وقال في المعرفة بعد رواية شريك: "قال همام: وحدثنا شقيق -يعني: أبا الليث-، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بهذا مرسلًا، وهو المحفوظ".
وقال البغوي: "حديث حسن".
وقال ابن العربي في العارضة (2/ 61): "حديث غريب"، وقال بأنه لم يصح.
وقال الحازمي في الاعتبار: "هذا حديث حسن، على شرط أبي داود وأبي عيسى الترمذي وأبي عبد الرحمن النسائي، أخرجوه في كتبهم من حديث يزيد بن هارون عن شريك، ورواه همام بن يحيى، عن محمد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه مرفوعًا، قال همام: ونا شقيق -يعني: أبا الليث-، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وهو المحفوظ".
وقال ابن رجب في الفتح (5/ 89): "وهو مما تفرد به شريك، وليس بالقوي".
وقال أيضًا (5/ 148): "وفي النهوض على صدور القدمين أحاديث مرفوعة، أسانيدها ليست قوية، أجودها: حديث مرسل؛ عن عاصم بن كليب، عن أبيه، وقد خرجه أبو داود بالشك في وصله وإرساله، والصحيح: إرساله جزمًا، واللّه سبحانه وتعالى أعلم".
قلت: يتحصل من مجموع كلام الأئمة: أن يزيد بن هارون قد تفرد بهذا الحديث عن شريك، ولا يضره تفرده؛ فإنه ثقة متقن؛ إلا أن يقال: كيف يتفرد به يزيد بن هارون الواسطي دون أهل الكوفة عن شريك الكوفي، على كثرة من روى عن شريك من أصحابه الكوفيين، لا سيما وقد روى جماعة منهم [تقدم ذكرهم قريبًا]، عن شريك حديث عاصم بن كليب هذا، فلم يذكروا فيه ما ذكره يزيد، وهذا وجه قوي للإعلال.
ووجه آخر، وهو الأقرب: أن الشأن إنما هو في شريك بن عبد الله النخعي؛ إذ هو المتفرد بوصل هذا الحديث عن عاصم، ورواه غيره فأرسله، ويحتمل أن يكون شريك خص به يزيد بن هارون، فسلِم يزيد من التبعة، لا سيما وقد قال يزيد نفسه:"لم يرو شريك عن عاصم بن كليب غير هذا الحديث"، فدل ذلك على أن يزيد قد حفظه عن شريك، وإنما الوهم فيه من شريك نفسه، فقد كان سيئ الحفظ، والله أعلم.
• وقد ادَّعى بعض من لا معرفة له بعلم الحديث أن شريكًا قد توبع عليه، وأتى هذا
المدعي في بحثه بما يغني عن حكايته وذكره، لذا أعرضت عنه، لكني وجدت فيما جمعه الأستاذ عبد الله بن محمد بن يعقوب بن الحارث بن خليل الحارثي البخاري الكلاباذي الحنفي الفقيه من مسند أبي حنيفة (1495 - ط المكتبة الإمدادية)(800 م - ط العلمية)، قال: كتب إليَّ صالح بن أبي رميح [وفي طبعة العلمية: صالح بن رميح]: حدثنا محمد بن أحمد بن السكن أبو بكر: حدثنا هوذة بن خليفة: حدثنا النعمان بن ثابت، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا قام رفع يديه قبل ركبتيه.
وهذه متابعة ساقطة، لا تسوي شيئًا، إسنادها تالف؛ ولا أظنها تحفظ عن أبي حنيفة نفسه، وأبو حنيفة النعمان بن ثابت الإمام: ضعيف في الحديث، وأبو بكر محمد بن أحمد بن السكن البغدادي، ويُعرف بأبي خراسان؛ قال الخطيب:"وكان ثقة"، وروى عنه أبو عوانة في صحيحه [صحيح أبي عوانة (3/ 181 و 185/ 4605 و 4625)، معجم ابن الأعرابي (1/ 320/ 610 - 612)، الأسامي والكنى لأبي أحمد الحاكم (4/ 378/ 2092)، تاريخ بغداد (1/ 305)، الموضح (1/ 314)]، وصالح بن أبي رميح: لم أقف له على ترجمة، إلا أن السمعاني لما ترجم في الأنساب (1/ 374) لأبي حامد أحمد بن إبراهيم بن محمد الفقيه الزاهد البَغُولَني قال:"ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ في التاريخ، فقال: أبو حامد البغولني شيخ أهل الرأي في عصره وزاهدهم، درس بنيسابور فقه أبي حنيفة رحمه الله نيفًا وستين سنة، وأفتى قريبًا من هذا، سمع بنيسابور والعراق، وكتب تلك العجائب ببلخ وبترمذ عن صالح بن أبي رميح"، وفي هذا ما يدل على أن صالح بن أبي رميح هذا هو المتهم بتلك العجائب، وابن حجر العسقلاني لما ذكر هذا الكتاب "مسند أبي حنيفة" في معجمه المفهرس (1129) ذكر شيخ المصنف في أول الجزء الخامس من تجزئة الكتاب، بقوله: "ومن قوله: كتب إليَّ صالح بن رميح: أنبأنا
…
"، فإن كان هو صالح بن رميح، فقد قال فيه الدارقطني: "لا شيء" [سؤالات السلمي (170)، اللسان (4/ 285)]، وأما مصنف الكتاب؛ فهو عندي آفة هذه الرواية، فقد كان صاحب عجائب ومناكير وغرائب عن الثقات وغيرهم، وكان شيخًا مكثرًا من الحديث؛ غير أنَّه كان ضعيفًا في الرواية، غيرَ موثوق به فيما ينقله، وقد اتهمه غير واحد بالوضع، وبتلفيق الأسانيد والمتون [سؤالات حمزة السهمي (318)، الإرشاد (3/ 971)، تاريخ بغداد (10/ 126)، الأنساب (1/ 129) و (3/ 213)، السير (15/ 424)، الميزان (2/ 496)، اللسان (4/ 580)].
وانظر: البدر المنير (3/ 657).
• والحاصل: فإن شريك بن عبد الله هو المتفرد بوصل هذا الحديث، وقد وهم فيه، وهذا من سوء حفظه:
فقد رواه عفان بن مسلم، وحفص بن عمر الحوضي، وحَبان بن هلال:
ثنا همام: ثنا شقيق أبو ليث، قال: حدثني عاصم بن كليب، عن أبيه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم -
كان إذا سجد وقعت ركبتاه إلى الأرض قبل أن تقع كفاه، قال: وكان إذا نهض في فصل الركعتين: نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذيه.
وهذا هو المحفوظ من حديث شقيق هذا، وجعْلُه من حديث ابن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه: وهم، وخطأ محض، كما تقدم تحرير ذلك تحت الحديث رقم (723)، وهو مرسل بإسناد ضعيف؛ لكن يبقى أن يقال: كيف تُقدَّم رواية شقيق هذا، وهو مجهول؛ على رواية شريك، وهو في الأصل صدوق، لكنه يخطئ كثيرًا، لسوء حفظه، فيقال: بهذه الرواية أعلَّ الترمذي وغيره رواية شريك، وقد جزموا بغرابة رواية شريك، مع شهرة رواية همام، فرواية همام أولى لشهرتها، وروايةُ شريكٍ وهمٌ لأجل غرابتها، إذ لم يحملها عنه سوى يزيد بن هارون الواسطي، دون أهل الكوفة، وفي هذا ما يجعل النفس لا تطمئن لثبوتها، إذ من المحتمل أن يكون شريك خص بها يزيد؛ ووهم فيها، والله أعلم.
ومع كون رواية شقيق هذه مقدَّمة على رواية شريك، لكن هذا لا يخرجها عن كونها منكرة أيضًا، حيث خالف فيها شقيق هذا - على جهالته - جماعة من الثقات الحفاظ، فرووه عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل، ولم يذكروا فيه هيئة الهوي إلى السجود أو الرفع منه، والله أعلم.
وعلى هذا فالأقرب عندي أن حديث: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه: حديث منكر من حديث وائل بن حجر، والله تعالى أعلم.
• وهذا الحديث في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم رواه أيضًا عن عاصم بن كليب:
1 -
سفيان بن عيينة [ثقة حافظ، فقيه إمام حجة]، عن عاصم بن كليب، قال: سمعت أبي، يقول: حدثني وائل بن حجر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة يرفع يديه حذو منكبيه، وإذا ركع، وبعدما يرفع رأسه، قال وائل: ثم أتيتهم في الشتاء فرأيتهم يرفعون أيديهم في البرانس.
هذا لفظ الشافعي، ولفظ الحميدي: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وبعدما يرفع رأسه من الركوع، ورأيته إذا جلس في الصلاة أضجع رجله اليسرى، ونصب اليمنى، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وبسطها، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض ثنتين وحلَّق حلْقة، ودعا هكذا - ونصب الحميدي السبابة -، قال وائل: ثم أتيتهم في الشتاء فرأيتهم يرفعون أيديهم في البرانس.
ورواه محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ عن ابن عيينة بنحو رواية الحميدي، وزاد: يرفع يديه إذا افتتح الصلاة حتَّى يحاذي منكبيه، وفيه: ونصب أصبعه للدعاء، وفي رواية: أصبعه الدَّعَّاءة.
أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 236/ 1159) و (3/ 34/ 1263)، وفي الكبرى
(1/ 373/ 750) و (2/ 60/ 1187)، والشافعي في الأم (8/ 544/ 3649)، وفي اختلاف الحديث (10/ 166/ 186 - الأم)، وفي المسند (176)، والحميدي (2/ 136/ 909)، وابن خزيمة (1/ 233 و 343 و 353/ 457 و 691 و 713) [وانظر: إتحاف المهرة (13/ 673/ 17292)]، وابن المنذر في الأوسط (3/ 74/ 1257)، والطبراني في الكبير (22/ 36/ 85)، والدارقطني (1/ 290 - 291)، والبيهقي في السنن (2/ 24 و 28)، وفي المعرفة (1/ 497 و 679/ 543 و 765)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 252)، والخطيب في الفصل للوصل (1/ 445 و 446).
وفي رواية ابن عيينة هذه بعض الملاحظات:
أ - قوله فيها: "حذو منكبيه "الأقرب عندي أنَّه انقلب على ابن عيينة لفظه، ودخل له حديث في حديث، فابن عيينة يروي أيضًا عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه [تقدم معنا برقم (721)]، وبهذا يظهر أن ابن عيينة دخل له حديث ابن عمر في حديث وائل؛ إذ المحفوظ من حديث وائل: ما رواه جماعة الحفاظ عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قام إلى الصلاة، فكبر ورفع يديه حتَّى حاذى بهما أذنيه، فانقلب على ابن عيينة، فقال: منكبيه، بدل: أذنيه، ورفع اليدين إلى الأذنين هو المحفوظ من حديث وائل بن حجر، كما رواه عنه جماعة، وممن شذَّ أيضًا فرواه بقيد المنكبين: عبد الواحد بن زياد [يأتي في المتابعات برقم (7)]، والحسن بن عبيد الله النخعي [فيما رواه عن عبد الجبار عن أبيه، وتقدم برقم (724)].
ب - قوله: إذا جلس في الصلاة؛ فإنما يحمل على جلوس التشهد دون الجلسة بين السجدتين ودون جلسة الاستراحة، لما سيأتي في ذلك من مزيد بيان.
ج - قوله: قال وائل: ثم أتيتهم في الشتاء فرأيتهم يرفعون أيديهم في البرانس: هذه الزيادة مدرجة في حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل، وإنما هي من حديث عاصم بن كليب عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل، وتقدم كان ذلك عند الكلام عن أوهام شريك.
2 -
ورواه عبد الله بن إدريس [ثقة فقيه]، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: قدمت المدينة، فقلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكبر ورفع يديه حتَّى رأيت إبهاميه قريبًا من أذنيه، [ثم أخذ شماله بيمينه]، فلما أراد أن يركع كبر ورفع يديه، ثم رفع رأسه فقال:"سمع الله لمن حمده"، ثم كبر وسجد، فكانت يداه من أذنيه على الموضع الَّذي استقبل بهما الصلاة، [فلما جلس افترش قدميه ووضع مِرفَقه الأيمن على فخذه اليمنى وقبض خِنْصَره والتي تليها وجمع بين إبهامه والوسطى ورفع التي تليها يدعو بها]، وقال مرة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرفع كلما ركع ورفع. وقال أخرى: فافتتح الصلاة فكبر ورفع يديه، فلما رفع رأسه رفع يديه.
ولفظه عند الترمذي: فلما جلس -يعني: للتشهد-: افترش رجله اليسرى، ووضع يده اليسرى -يعني: على فخذه اليسرى-، ونصب رجله اليمنى.
أخرجه البخاري في رفع اليدين (128)، والترمذي (292)، والنسائي في المجتبى (2/ 211/ 1102)، وفي الكبرى (1/ 350/ 693)، وابن ماجة (810 و 912)، وابن خزيمة (1/ 242/ 477) و (1/ 323/ 641) و (1/ 343/ 690) و (1/ 353/ 713)، وابن حبان في صحيحه (5/ 271/ 1945)، وفي الصلاة (13/ 660 و 665/ 17271 و 17278 - إتحاف المهرة)، وابن الجارود (202)، وابن أبي شيبة (1/ 211 و 212/ 2415 و 2426) و (1/ 233/ 2666) و (1/ 254/ 2923) و (1/ 342/ 3935) و (2/ 230/ 8442) و (6/ 86/ 29679)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 74)، وابن الجوزي في التحقيق (547).
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 113): "هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات".
هكذا رواه عن ابن إدريس: أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، وأبو غريب محمد بن العلاء، وعلي بن محمد الطنافسي، وعبد الله بن سعيد الأشج، وأحمد بن ناصح، وعلي بن خشرم [وهم ثقات].
شذَّ عنهم سلم بن جنادة: [أبو السائب الكوني: ثقة، قال عنه أبو أحمد الحاكم: "يخالف في بعض حديثه"، التهذيب (2/ 64)، والراوي عنه: محمد بن عمر بن محمد بن يوسف النسوي: أكثر عنه ابن حبان جدًّا، وليس بالمشهور، [عند ابن حبان (1945)]، فزاد فيه الرفع عند السجود، فقال: ثم كبر ورفع يديه ثم سجد، وزاد في أوله: قدمنا المدينة وهم يَنْفُضُون أيديهم من تحت الثياب.
وقد جاء في رواية ابن إدريس هنا تفسير بعض الرواة الجلوس بأنه للتشهد، وكذا قال ابن خزيمة أيضًا (1/ 342 و 345 و 346)، وليس هو مطلق الجلوس في الصلاة، فلا يشمل الجلسة بين السجدتين.
3 -
ورواه شعبة [ثقة حافظ، إمام ثبت حجة]: حدثنا عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر الحضرمي رضي الله عنه: أنَّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم صلى فكبر، فرفع يديه، فلما ركع رفع يديه، فلما رفع رأسه من الركوع رفع يديه، وخوَّى في ركوعه، وخوَّى في سجوده، فلما قعد يتشهد وضع فخذه اليمنى على اليسرى، ووضع يده اليمنى وأشار بإصبعه السبابة، وحلَّق بالوسطى [لفظ هاشم بن القاسم].
وفي رواية: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكبر حين دخل، ورفع يده، وحين أراد أن يركع رفع يديه، وحين رفع رأسه من الركوع رفع يديه، ووضع كفيه، وجافى [يعني: في السجود]، وفرش فخذه اليسرى من اليمنى، وأشار بإصبعه السبابة [يعني: في الجلوس في التشهد] [لفظ غندر].
وفي رواية أسود بن عامر: ووضع يده اليمنى على اليسرى، قال: وزاد فيه شعبة مرةً
أخرى: فلما كان في الركوع وضع يديه على ركبتيه، وجافى في الركوع.
وفي رواية وهب بن جرير:
…
، وقال حين سجد هكذا، وجافى يديه عن إبطبه، ووضع فخذه اليمنى على فخذه اليسرى، .....
وفي أخرى:
…
ثم جلس فوضع حد مرفقه الأيمن على فخذه الأيمن، ورفع السبابة بدعو بها.
أخرجه البخاري في رفع اليدين (54)، وابن خزيمة (1/ 346/ 697 و 698)، وأحمد (4/ 316 - 317 و 319)، والطبراني في الكبير (22/ 35/ 83)، وفي الدعاء (637)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 161)، والخطيب في الفصل للوصل (1/ 447 و 448).
قال ابن خزيمة: "قوله: وفرش فخذه اليسرى اليمنى، يريد: لليمنى؛ أي: فرش فخذه اليسرى ليضع فخذه اليمنى على اليسرى؛ كخبر آدم بن أبي إياس: وضع فخذه اليمنى على اليسرى".
قلت: قوله: وضع فخذه اليمنى على اليسرى، أو: وفرش فخذه اليسرى من اليمنى: هي لفظة شاذة من حديث عاصم بن كليب، وكذا من حديث وائل بن حجر، فقد رواه عن عاصم بن كليب: بشر بن المفضل، وزائدة بن قدامة، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن إدريس، وسفيان الثوري، وعبد الواحد بن زياد، وأبو عوانة، وأبو الأحوص، وزهير بن معاوية، وأبو بدر شجاع بن الوليد، وقيس بن الربيع، وابن فضيل [كذا على ترتيب ذكرهم في هذا البحث، وهم اثنا عشر رجلًا]، فقالوا في روايتهم: ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ووضع يده اليسرى على فخِذه اليسرى، وحدَّ مِرفَقه الأيمن على فخذه اليمنى [وألفاظهم متقاربة][وهذا لفظ بشر]، ولفظ أبي الأحوص: فلما قعد يتشهد افترش رجله اليسرى بالأرض، ثم قعد عليها، ولفظ ابن عيينة: ورأيته إذا جلس في الصلاة أضجع رجله اليسرى، ونصب اليمنى، ولفظ ابن إدريس: افترش رجله اليسرى، ووضع يده اليسرى -يعني: على فخذه اليسرى-، ونصب رجله اليمنى، وذكر نصب اليمنى أيضًا: قيس بن الربيع، وجعفر بن زياد الأحمر.
وعليه: فالمحفوظ من حديث وائل بن حجر هو جلسة الافتراش، لا جلسة التورك.
• قال في القاموس (1653): "وخوَّى في سجوده تخوية: تجافى، وفرَّج ما بين عضديه وجنبيه"، وقال في النهاية (2/ 90):"جافى بطنه عن الأرض ورفعها، وجافى عضديه عن جنبيه، حتَّى يخوى ما بين ذلك"[وانظر: تهذيب اللغة (7/ 250)]، قلت: وهكذا جاء مفسرًا في الروايات الأخرى عن شعبة، وأن التخوية والمجافاة إنما هي في حال الركوع والسجود، لا في حال الهوي، والله أعلم.
• وقال ابن خزيمة: "قوله: ووضع فخذه اليمنى على فخذه اليسرى، يريد: في التشهد"، قلت: قد جاء هذا القيد في رواية أبي النضر هاشم بن القاسم صريحًا، حيث قال:"فلما قعد يتشهد"، وفي هذا قيد تحمل عليه الروايات المطلقة في الجلوس، وأن هذه
الهيئة الواردة في صفة الجلوس إنما هي في التشهد خاصة، وليست في مطلق الجلوس في الصلاة، وعليه فإن قبض أصابع اليد اليمنى، والإشارة بالسبابة: لا يكون في الجلسة بين السجدتين، ولا في جلسة الاستراحة، وإنما هو في الجلوس للتشهد [وانظر: السلسلة الصحيحة (5/ 308/ 2247)].
4 -
ورواه سفيان الثوري [ثقة حافظ، فقيه إمام، ثبت حجة]، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل الحضرمي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كبر فرفع يديه أحداء أذنيه، حين كبر -يعني: استفتح الصلاة-، ورفع يديه حين ركع، ورفع يديه حين قال:"سمع الله لمن حمده"، [وفي رواية عبد الله بن الوليد: ورأيته ممسكا يمينه على شماله في الصلاة]، وسجد فوضع يديه حذو أذنيه [وفي رواية وكيع: ويداه قريبتان من أذنيه]، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى، ثم أشار بسبابته، ووضع الإبهام على الوسطى [وفي رواية عبد الله بن الوليد: حلَّق بالوسطى والإبهام، وأشار بالسبابة]، وقبض سائر أصابعه، ثم سجد، فكانت يداه حذاء أذنيه. [لفظ عبد الرزاق عند أحمد].
ولفظ الفريابي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى، وإذا جلس افترش رجله اليسرى، ووضع ذراعيه على فخذيه، وأشار بالسبابة [يدعو بها].
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 35/ 1264)، وفي الكبرى (2/ 60/ 1188)، وأحمد (4/ 316 و 317 و 318)، وعبد الرزاق (2/ 68/ 2522) و (2/ 175/ 2948) و (2/ 193/ 3038)، وابن أبي شيبة (1/ 233/ 2667)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (3/ 32/ 3709)، والطحاوي (1/ 196 و 223 و 257)، وابن المنذر (3/ 169/ 1438)، والطبراني في الكبير (22/ 33 و 34/ 78 و 81)، وفي الدعاء (637)، والبيهقي (2/ 112)، والخطيب في الفصل للوصل (1/ 447)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 648/ 142).
رواه عن الثوري مطولًا أو مختصرًا: وكيع بن الجراح، وعبد الرزاق بن همام، ويحيى بن آدم، وأبو نعيم الفضل بن دكين، ومحمد بن يوسف الفريابي، وعبد الله بن الوليد، والحسين بن حفص، ومؤمَّل بن إسماعيل.
لكن عبد الرزاق وهم في ذكر السجدة الثانية، والمحفوظ عن الثوري بدونها، فقد رواه عبد الله بن الوليد مطولًا بنحو رواية عبد الرزاق، ولم يذكر فيه السجود، فضلًا عن ذكر السجدة الثانية، وكذا رواه الفريابي فلم يذكر فيه السجود.
واتفاق محمد بن يوسف الفريابي [وهو ثقة، من الطبقة الثانية من أصحاب الثوري، من المكثرين عنه، وهو مقدَّم فيه على عبد الرزاق، وقبيصة، وأبي حذيفة النهدي. انظر: التهذيب (3/ 740)، شرح العلل (2/ 722)]، وعبد الله بن الوليد [وهو: ابن ميمون، المكي العدني: صدوق، صحيح السماع من الثوري، أملى عليه إملاءً، وروى عنه جامعه، وله عنه غرائب. انظر: التهذيب (2/ 452)، سؤالات أبي داود (239)، المعرفة والتاريخ
(1/ 718)، الميزان (2/ 520)]، اتفاق هذين على عدم ذو هذه الزيادة التي تفرد بها عبد الرزاق، لمن دلائل شذوذها وعدم ثبوتها من حديث الثوري، فضلًا عن أن تثبت من حديث وائل، وقد رواه جماعة عن الثوري أيضًا لكن مختصرًا، فلم يذكروا هذه الزيادة، وفيهم من أثبت أصحاب الثوري: وكيع وأبو نعيم.
وقد رواه عن عاصم بن كليب جماعة من الثقات الحفاظ فلم يذكروا فيه هذه الزيادة، والله أعلم.
• ورواه مؤمَّل بن إسماعيل، قال: حدثنا سفيان، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر رضي الله عنه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وضع يديه على صدره، إحداهما على الأخرى.
أخرجه ابن خزيمة (1/ 243/ 479)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 186/ 329)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين (2/ 268)، والبيهقي في السنن (2/ 30)، وفي الخلافيات (2/ 33 - مختصره).
وهذه رواية منكرة؛ خالف فيها مؤمَّل [وهو: صدوق، كثير الغلط، وكان سيئ الحفظ، ثقات أصحاب الثوري، فلم يأت أحد منهم بهذه الزيادة: على صدره.
وقد تقدم معنا تحت الحديث رقم (723)، في آخره: رواية محمد بن حجر بن عبد الجبار بن وائل الحضرمي: حدثني عمي سعيد بن عبد الجبار، عن أبيه، عن أمه أم يحيى، عن وائل بن حجر
…
فذكر حديثًا طويلًا، وفيه: ثم وضع يمينه على يساره على صدره، وقد قلنا هناك بأنه حديث منكر.
قال ابن المنذر في الأوسط (3/ 94) بعد أن ذكر بعض ما روي في الباب: "وقال قائل: ليس في المكان الذي يضع عليه اليد خبر يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن شاء وضعهما تحت السرة، وإن شاء فوقها، وقد روي عن مهاجر النبال أنَّه قال: وضع اليمنى على الشمال ذُلٌّ بين يدي عِزٍّ".
وقال البيهقي بعد أن أسند ما في الباب: مرفوعًا من حديث وائل بن حجر، وعلي بن أبي طالب، وموقوفًا على أَنس، أو مرفوعًا، وموقوفًا على ابن عباس، ومقطوعًا على سعيد بن جبير، وأبي مجلز، قال البيهقي:"وأصح أثر روي في هذا الباب: أثر سعيد بن جبير وأبي مجلز، وروي عن علي رضي الله عنه تحت السرة، وفي إسناده ضعف"[سنن البيهقي (2/ 31)].
وقال في الخلافيات: "رواه الجماعة عن الثوري لم يذكر واحد منهم: على صدره؛ غير مؤمل بن إسماعيل".
[وانظر: مسائل إسحاق بن منصور الكوسج (211)، جامع الترمذي (252)، التمهيد (20/ 75)، المغني لابن قدامة (1/ 281)، شرح مسلم للنووي (4/ 114)، الفتح لابن رجب (4/ 335)].
• وخالفهم أيضًا: علي بن قادم، قال: ثنا سفيان، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام اتكأ على إحدى يديه.
أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 39/ 95)، بإسناد صحيح إلى علي بن قادم.
وهذا حديث منكر؛ علي بن قادم: صدوق، ضعفه ابن معين، روى عن الثوري أحاديث غير محفوظة [التهذيب (3/ 188)، الميزان (3/ 150)].
5 و 6 - ورواه خالد بن عبد الله الواسطي [ثقة ثبت]، وعَبيدة بن حميد [صدوق]:
عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: قلت: لأنظرن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي، وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام إلى الصلاة، فكبر ورفع يديه حتَّى حاذى بهما أذنيه، وأخذ شماله بيمينه، فلما أراد أن يركع رفع يديه [حتى حاذتا بأذنيه، ثم ركع، [فوضعهما على ركبتيه]، فلما رفع رأسه من الركوع رفع يديه [حتى حاذتا أذنيه]، فلما سجد وضع يديه فسجد بينهما، ثم جلس فوضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ومرفقه اليمنى على فخذه اليمنى، ثم عقد الخنصر والبنصر، ثم حلق الوسطى بالإبهام، وأشار بالسبابة. لفظ خالد.
أخرجه الطحاوي (1/ 257)، والبيهقي (2/ 131)، والخطيب في الفصل للوصل (1/ 449 و 451).
7 -
ورواه عبد الواحد بن زياد [ثقة]، قال: حدثنا عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر الحضرمي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: لأنظرن كيف يصلي، قال: فاستقبل القبلة، فكبر، ورفع يديه حتَّى كانتا حذو منكبيه، قال: ثم أخذ شماله بيمينه، قال: فلما أراد أن يركع رفع يديه حتَّى كانتا حذو منكبيه، فلما ركع وضع يديه على ركبتيه، فلما رفع رأسه من الركوع رفع يديه حتَّى كانتا حذو منكبيه، فلما سجد وضع يديه من وجهه بذلك الموضع، فلما قعد افترش رجله اليسرى، ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع حَدَّ مِرفَقه على فخذه اليمنى، وعقد ثلاثين وحلَّق واحدة، وأشار بإصبعه السبابة.
أخرجه أحمد (4/ 316)، وابن المنذر (3/ 203 و 216/ 1512 و 1535)، والبيهقي في السنن (2/ 72 و 111)، والخطيب في الفصل للوصل (1/ 450)، وابن الجوزي في التحقيق (421 و 432).
قلت: قوله: "حذو منكبيه" شاذ من حديث وائل؛ إذ المحفوظ من حديث وائل: ما رواه جماعة الحفاظ بلفظ: حتَّى حاذى بهما أنيه، وتقدم التنبيه على ذلك عند رواية سفيان بن عيينة.
8 -
ورواه أبو عوانة [ثقة ثبت]، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل الحضرمي، قال: قلت: لأنظُرنَّ إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي! فقام، فاستقبل القبلة، فكبر ورفع يديه حتَّى حاذى بهما أذنيه، ثم قبض باليمنى على اليسرى، ثم ركع فرفع يديه فحاذى بهما أذنيه، ثم وضع كفيه على ركبتيه، ثم رفع رأسه ورفع يديه فحاذى بهما
أذنيه، ثم سجد فوضع رأسه بين كفيه، ثم صلى ركعة أخرى مثلها، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ثم دعا، ووضع كفه اليسرى على ركبته اليسرى، وكفه اليمنى على ركبته اليمنى، ودعا بالسبابة.
أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 38/ 90)، والبيهقي في المعرفة (2/ 28/ 879)، والخطيب في الفصل للوصل (1/ 449).
قال البيهقي معلقًا على رواية أبي عوانة: ثم صلى ركعة أخرى مثلها، قال:"فهذا يصرح لك بأنه في التشهد الأول، وأما دعاؤه بالسبابة فإنما هو الإشارة بها عند الشهادة".
قلت: هذه الزيادة دلت عليها الروايات الأخرى التي قيدت هذه الجلسة بالتشهد [مثل رواية شعبة وأبي الأحوص وغيرهما]، إذ التشهد لا يكون إلا بعد ركعتين على الأقل [وذلك على اعتبار أن وائل بن حجر كان يصف صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم إما في فريضة أو في نفل غير الوتر، والله أعلم].
وقع في روايةٍ: وأشار أبو عوانة باصبعه السبابة، ووضع أصبعه الوسطى على مفصل الإبهام وهي لا تصح عن أبي عوانة؛ فإن راويها عنه: عباس بن طالب، وهو: ليس بذاك، له مناكير [انظر: اللسان (4/ 408)، الجرح والتعديل (6/ 216)، المجروحين (1/ 327)].
وانظر فيمن وهم في إسناده على أبي عوانة: المعجم الأوسط للطبراني (1/ 132/ 415).
9 -
ورواه أبو الأحوص سلام بن سليم [ثقة متقن]، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: لأحفظن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما افتتح الصلاة كبر ورفع يديه حتَّى حاذتا بأذنيه، ثم أخذ شماله بيمينه، فلما كبر للركوع رفع يديه أيضًا كما رفعهما لتكبيرة الصلاة، فلما ركع وضع كفيه على ركبتيه، فلما رفع رأسه من الركوع رفع يديه أيضًا، فلما قعد يتشهد افترش رجله اليسرى بالأرض، ثم قعد عليها، فوضع كفه الأيسر على فخذه اليسرى، ووضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم عقد أصابعه، وجعل حلقة بالإبهام والوسطى، ثم جعل يدعو بالأخرى.
زاد في رواية الطيالسي: يعني: بالسبابة، يشير بها.
أخرجه الطيالسي (2/ 358/ 1113)، والطحاوي (1/ 196 و 223 و 230)، والطبراني في الكبير (22/ 34/ 80)، وأبو بكر ابن المقرئ في الأربعين (42)، والدارقطني (1/ 295)، والخطيب في الفصل للوصل (1/ 448).
قوله: فلما قعد يتشهد، سبق التنبيه على ذلك مرارًا، بأن هذا القيد تحمل عليه الروايات المطلقة، وأن المراد بهذه الهيئة جلسة التشهد، لا مطلق الجلوس في الصلاة، فلا يدخل فيها: الجلسة بين السجدتين، ولا جلسة الاستراحة.
10 -
زهير بن معاوية [ثقة ثبت]، عن عاصم بن كليب؛ أن أباه أخبره؛ أن وائل بن حجر أخبره، قال: قلت: لأنظرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي، فقام فرفع يديه حتَّى
حاذتا أذنيه، ثم أخذ شماله بيمينه، ثم قال: حين أراد أن يركع رفع يديه حتَّى حاذتا بأذنيه، ثم وضع يديه على ركبتيه، ثم رفع فرفع يديه مثل ذلك، ثم سجد فوضع يديه حذاء أذنيه [قلت: يعني: حال السجود]، ثم قعد فافترش رجله اليسرى، ووضع كفه اليسرى على ركبتِه اليسرى - فَخِذِه، في صفة عاصم -، ثم وضع حدَّ مِرفَقِه الأيمن على فخذه اليمنى، وقبض ثلاثين [وفي رواية: ثنتين]، وحلَّق حلقة، ثم رأيته يقول هكذا، وأشار زهير بسبابته الأُولى، وقبض إصبعين، وحلق الإبهام على السبابة الثانية.
قال زهير: قال عاصم: وحدثني عبد الجبار، عن بعض أهله، أن وائلًا قال: أتيته مرة أخرى وعلى الناس ثياب فيها البرانس وفيها الأكسية، فرأيتهم يقولون هكذا، تحت الثياب.
أخرجه أحمد (4/ 318)، والطبراني في الكبير (22/ 36/ 84)، وفي الدعاء (637)، والخطيب في المدرج (1/ 452).
وفي رواية زهير هذه وكذا في رواية أبي بدر شجاع بن الوليد الآتية: كان أن هذه الجملة الأخيرة في تحريك الأيدي تحت الثياب، وقعت مدرجة في رواية زائدة وسفيان بن عيينة وشريك، ولم يذكرها الجماعة، قال الخطيب في المدرج (1/ 446):"اتفق زائدة بن قدامة الثقفي وسفيان بن عيينة الهلالي على رواية هذا الحديث بطوله عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر، وقصة تحريك الناس أيديهم ورفعها من تحت الثياب في زمن البرد لم يسمعها عاصم من أبيه، وإنما سمعها من عبد الجبار بن وائل بن حجر عن بعض أهله عن وائل بن حجر، بيَّن ذلك زهير بن معاوية وأبو بدر شجاع بن الوليد في روايتهما حديث الصلاة بطوله عن عاصم بن كليب، وميَّزا قصة تحريك الأيدي تحت الثياب، وفصلاها من الحديث، وذكرا إسناده"، وقد سبق التنبيه على ذلك.
وانظر: النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي (2/ 247).
11 -
ورواه أبو بدر شجاع بن الوليد [لا بأس به]: نا عاصم بن كليب الجرمي؛ أن أباه حدثه؛ أنَّه سمع وائل بن حجر، يقول: بغيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي، قال: فقام فكبر ورفع يديه حتَّى حاذتا بأذنيه، وساق موسى [يعني: ابن هارون الحمال، راوي الحديث، وهو: ثقة حافظ] الحديث بطوله، نحو رواية زهير، إلى أن قال: ثم رأيته يقول هكذا، وأشار عاصم بالسبابة هكذا.
ثم قال موسى: نا حمدون بن عباد [هو نفس الطريق الَّذي ساق منه حديث أبي بدر، وحمدون: ثقة. تاريخ بغداد (177/ 8)، اللسان (3/ 285)]: نا أبو بدر شجاع بن الوليد: نا عاصم بن كليب، قال: حدثني عبد الجبار بن وائل، عن بعض أهله؛ أن وائل بن حجر قال: ثم أتيته مرة أخرى، وعلى الناس ثياب الشتاء فيها البرانس والأكسية، قال: فرأيتهم يقولون هكذا بأيديهم من تحت الثياب، فوصف عاصم بن كليب رفع أيديهم.
قال أبو عمران موسى بن هارون: "اتفق زهير بن معاوية وشجاع بن الوليد، فرويا
صفة الصلاة عن عاصم بن كليب أن أباه أخبره أن وائل بن حجر أخبره، ثم فصلا ذكر رفع الأيدي من تحت الثياب، فرويا عن عاصم بن كليب أنَّه حدثه به عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل بن حجر، وهذه الرواية مضبوطة اتفق عليها زهير بن معاوية وشجاع بن الوليد، فهما أثبت له روايةً ممن روى رفع الأيدي من تحت الثياب عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر، وقد رواه غير واحد فجعلوه عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر، وذاك عندنا وهم ممن وهم فيه، وإنما سلك به الَّذي وهم فيه المحجة السهلة؛ لأنَّ عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر أسهل عليه من عاصم بن كليب عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل بن حجر".
أخرجه الخطيب في المدرج (1/ 453).
قلت: وهذه الزيادة المروية من حديث عاصم بن كليب، قال: حدثني عبد الجبار بن وائل، عن بعض أهله؛ أن وائل بن حجر قال: ثم أتيته مرة أخرى، وعلى الناس ثياب الشتاء فيها البرانس والأكسية، قال: فرأيتهم يقولون هكذا بأيديهم من تحت الثياب.
هي عندي رواية شاذة، فإن عبد الجبار إنما أخذ هذا الحديث عن أخيه علقمة بن وائل، ومولى لهم، عن وائل بن حجر، وليس فيه رفع الأيدي تحت الثياب:
فقد روى عفان بن مسلم: حدثنا همام: حدثنا محمد بن جحادة: حدثني عبد الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل ومولى لهم؛ أنهما حدثاه عن أبيه وائل بن حجر: أنَّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة؛ كبر - وصف همام: حيال أذنيه -، ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما، ثم كبر فركع، فلما قال: "سمع الله لمن حمده، رفع يديه، فلما سجد سجد بين كفيه.
وهو حديث صحيح، أخرجه مسلم، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (723)، وليس فيه الرفع تحت الثياب، وإنما رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه عند افتتاح الصلاة، ثم التحف بثوبه، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما، هذا هو المحفوظ فيه، والله أعلم.
12 -
ورواه عبد العزيز بن مسلم [القسملي: ثقة]، قال: حدثنا عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ركع، فوضع يديه على ركبتيه.
وفي رواية: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأنظر كيف يصلي، [فكبر]، فرفع يديه حذاء أذنيه.
أخرجه أحمد (4/ 317)، والخطيب في المدرج (1/ 451 - 452).
13 -
ورواه جرير بن عبد الحميد [ثقة]، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة يرفع يديه إلى أذنيه، وإذا ركع، وإذا قال:"سمع الله لمن حمده" رفع يديه.
أخرجه الدارقطني (1/ 292)، بإسناد صحيح إلى جرير. ومن طريقه: الخطيب في المدرج (1/ 450).
14 -
ورواه قيس بن الربيع [صدوق، تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به. التقريب (511)]، عن عاصم بن كليب الجرمي، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم افتتح الصلاة، وكبر ورفع يديه، ثم أخذ شماله بيمينه، فلما أراد أن يركع كبر فرفع يديه فوضع راحتيه على ركبتيه، وفرج بين أصابعه، فلما رفع رأسه كبر ورفع، فلما سجد وضع جبينه بين كفيه، ونصب أصابع رجليه، فلما رفع ثنى رجله اليسرى، ونصب أصابع رجله اليمنى، فلما جلس وضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى، ووضع مرفقه اليمنى على فخذه اليمنى، وعقد الخنصر والتي تليها، وحلق بالوسطى والإبهام، وأشار بالسبابة يدعو بها.
وفي رواية: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد، ونصب قدميه، وصفَّهما.
أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 33 و 39/ 79 و 93 و 94)، وفي الأوسط (5/ 338/ 5485).
الرواية الأُولى المطولة هي لأسد بن موسى عن قيس، وراويه عن أسد بن موسى هو شيخ الطبراني، المقدام بن داود الرعيني: ضعيف؛ واتُّهم [راجع ترجمته تحت الحديث المتقدم برقم (236)]، لكنه توبع على أصل هذه الرواية عن قيس بن الربيع، وقيس في هذه الرواية متابع لرواية الثقات، إلا في قوله عن هيئة الركوع: وفرج بين أصابعه، وفي هيئة السجود: ونصب أصابع رجليه، فإنهما لا يُعرفان من حديث عاصم بن كليب، تفرد بكما قيس، وقد روى بعضه عن قيس مختصرًا: يحيى بن عبد الحميد الحماني [حافظ؛ إلا أنَّه اتهم بسرقة الحديث]، وأبو بلال الأشعري [ضعيف. الميزان (4/ 557)، اللسان (8/ 26) و (9/ 32)]، وقد نظرت في مرويات المقدام عن أسد بن موسى، فوجدته كثير الرواية عنه [يرى هذا جليًّا بالنظر في مؤلفات الطبراني]، وقد أخرج له الطبراني في ترجمته من المعجم الأوسط جملة وافرة من حديثه (8807 - 9079)[(273) حديثًا] تدل على كثرة حديثه، وسعة روايته، وكثرة مشايخه، وهذه الأفراد التي وقعت في مرويات المقدام لم يكن هو المتفرد بها، كما يظهر من كلام الطبراني، فتجد الطبراني مثلًا في مرويات المقدام عن أسد بن موسى، إما أن يحكم عليها بتفرد أسد، أو بتفرد من هو فوقه في السند، مما يعني أن المقدام قد توبع على هذه الأحاديث، ولم يتفرد بها، فإذا انضاف إلى ذلك ما قيل بأن سماع المقدام من أسد صحيح، وأنهم إنما نقموا عليه روايته عن خالد بن نزار؛ لأنَّه لم يدركه [ترتيب المدارك (1/ 476)]، فإن هذه القرائن تدل على أن روايته عن أسد بن موسى خاصة جيدة في المتابعات؛ إلا أن تقتضي القرائن حمل التبعة على المقدام نفسه، والله أعلم.
والرواية الثانية: هي زيادة منكرة، تفرد بها الحسن بن عطية، راويها عن قيس؛ وقد تصحف في المعجم (94) إلى حسين، وإنما هو الحسن بن عطية بن نجيح الكوفي البزاز، وهو صدوق، لكن في النفس شيء من تفرده به عن قيس، كما أن في تفرد قيس بهذه
الزيادة عن عاصم بن كليب دون من رواه عنه من الثقات: نكارة ظاهرة، لا سيما وقد قال أحمد في قيس:"روى أحاديث منكرة"، ولعل هذا منها، والله أعلم.
15 و 16 - ورواه عنبسة بن سعيد الأسدي [ثقة، لكن في الإسناد إليه: محمد بن حميد الرازي، وهو: حافظ ضعيف؛ كثير المناكير، وعنه: محمد بن سعيد بن جابان الجنديسابوري، وهو: مجهول الحال]، وغيلان بن جامع [ثقة، والإسناد إليه صحيح]:
عن عاصم بن كليب به، بنحو حديث بشر بن المفضل.
أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 37/ 87 و 88).
17 -
ورواه موسى بن أبي كثير، قال: حدثني عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: جليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كبر رفع يديه، فلما أراد أن يركع رفع يديه، ولما أراد أن يسجد رفع يديه، وكان إذا جلس للتشهد يشير بإصبعه السبابة.
أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 37 - 38/ 89)، من طريقين عن سويد بن عبد العزيز [السلمي الدمشقي: ضعيف؛ يروي أحاديث منكرة. انظر: التهذيب (2/ 134)، الميزان (2/ 252)، إكمال مغلطاي (166/ 6)]: ثنا موسى به.
وموسى بن أبي كثير أبو الصباح: وثقه ابن معين وابن سعد والفسوي، وقال أبو حاتم:"محله الصدق"، وقال في موضع آخر:"يكتب حديثه، ولا يحتج به"، وذكره في الضعفاء: أبو زرعة، والعقيلي، وابن حبان، وأبو نعيم [انظر: التهذيب (4/ 186)، إكمال مغلطاي (12/ 34)، الميزان (4/ 218)، ضعفاء العقيلي (4/ 167)، أسامي الضعفاء (311)، ضعفاء أبي نعيم (201)].
18 -
ورواه جعفر بن زياد الأحمر [صدوق]، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سجد افترش اليسرى ونصب اليمنى.
أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 38/ 92)، بإسناد صحيح إلى جعفر.
19 -
ورواه موسى بن أبي عائشة [ثقة]، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر رضي الله عنه، قال: تفقدت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته يرفع يديه إذا كبر، ثم يضع يديه واحدة على الأخرى، ثم إذا أراد أن يركع رفع يديه فكبر، ثم قال:"سمع الله لمن حمده"، فرفع - فأوهمت: رفع حين سجد أم لا -، قال: فركع ركعتين فلما قعد للتشهد افترش رجله اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه، ثم عقد بإصبعه، ثم حلق حلقة، وأشار بالسبابة، وسلم عن يمينه وعن يساره، قال: ورأيته يكبر كلما خفض ورفع.
أخرجه البزار (10/ 358/ 4489)، والطبرانى في الدعاء (637) مختصرًا، والدارقطني في الأفراد (2/ 156/ 4471 - أطرافه).
رواه البزار والدارقطني من طريق: عامر بن مُدرِك، قال: نا خلاد بن مسلم الصفار، عن موسى بن أبي عائشة به.
قال البزار: حدثنا معمر بن سهل، قال: نا عامر بن مدرك به.
قال الدارقطني: "تفرد به عامر بن مُدرِك، عن خلاد بن مسلم الصفار أبي مسلم، عن موسى بن أبي عائشة".
قلت: قول الدارقطني بتفرد عامر بن مدرك به دليل على أن شيخ البزار قد توبع عليه؛ وإلا فإن معمر بن سهل بن معمر الأهوازي: شيخ لابن أبي عاصم والبزار، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"شيخ متقن، يُغرب"، وله أفراد وغرائب ذكر بعضها الطبراني في معجمه الأوسط، والدارقطني في أفراده [الثقات (9/ 196)، المعجم الأوسط (6191 و 7184 و 7186 و 7192 و 7196)، أطراف الغرائب والأفراد (791)، الحلية لأبي نعيم (5/ 45)].
وعامر بن مدرك بن أبي الصفيراء، قال أبو حاتم:"شيخ"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"ربما أخطأ"[التهذيب (2/ 271)]، وقال ابن حجر في التقريب (299):"لين الحديث"، وله أوهام وإفرادات [انظر: المعجم الأوسط (2160 - 2163 و 2196 و 7439)، علل الدارقطني (7/ 114/ 1242) و (12/ 339/ 2769) و (13/ 47/ 2937)، السنن له (1/ 244)، أطراف الغرائب والأفراد (1/ 341/ 1867) و (2/ 114/ 4274) و (2/ 758/ 4712)، سنن البيهقي (1/ 383)، [وانظر في أوهامه أيضًا: ما تقدم معنا تحت الحديث رقم (532)].
وخلاد بن مسلم الصفار أبو مسلم، كوفي، ويقال: خلاد بن عيسى، قال الدوري عن ابن معين:"ثقة"، وقال في رواية الدارمي:"ليس به بأس"، وقال أبو حاتم:"حديثه متقارب"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العقيلي:"مجهول بالنقل"، وقال أبو نعيم الأصبهاني:"غريب الحديث"، وقال ابن حجر:"لا بأس به"، وقال أيضًا:"فيه مقال"[مجلس من أمالي الأصبهاني (5)، الميزان (1/ 656)، المغني (1/ 211)، التهذيب (1/ 557)، التقريب (183)، نتائج الأفكار (1/ 197)].
وعليه: فهو غريب من حديث موسى بن أبي عائشة، ولا يثبت عنه، والله أعلم.
وقال الطبراني: حدثنا أحمد بن زهير التستري [أحمد بن يحيى بن زهير: ثقة حافظ. السير (14/ 362)]: ثنا معمر بن سهل: ثنا محمد بن إسماعيل الكوفي، عن سفيان الثوري، عن موسى بن أبي عائشة، عن عاصم بن كليب به.
ثم أتبعه الطبراني بإسناد آخر، قال: وحدثنا عبدان [عبد الله بن أحمد بن موسى الأهوازي: ثقة حافظ. السير (14/ 168)]: ثنا معمر: ثنا محمد بن إسماعيل، عن خلاد الصفار، عن عاصم به.
ومحمد بن إسماعيل الكوفي هذا، هو: الفارسي أبو إسماعيل، نزيل الكوفة، ليس من رجال التهذيب، ترجم له ابن حبان في الثقات (9/ 78)، وقال:"يُغرب"، وأخرج له في صحيحه (5528)، وترجم له الذهبي في تاريخ الإسلام (14/ 343)، وابن حجر في اللسان (6/ 566).
وهذا الحديث من غرائبه، وغرائب معمر بن سهل أيضًا، بل هو منكر من حديث الثوري؛ إنما يرويه الثوري عن عاصم بن كليب بلا واسطة، كذا رواه عنه ثقات أصحابه، كما تقدم ذكره في الطريق الرابعة، ولا يُعرف هذا الحديث من حديث خلاد الصفار عن عاصم بن كليب، إلا من هذا الوجه، فهو منكر أيضًا، والله أعلم.
وقد اختلف فيه على الصفار كما ترى، فرواه عامر بن مدرك، عن خلاد الصفار، عن موسى بن أبي عائشة، عن عاصم به، وخالفه محمد بن إسماعيل الكوفي، فرواه عن خلاد الصفار، عن عاصم به بلا واسطة، وكلاهما لا يثبت، وإن كان عامر بن مدرك كثير الرواية عن خلاد، وهو أشهر من محمد بن إسماعيل الكوفي هذا، والله أعلم.
كما أن معمر بن سهل الأهوازي قد روى هذا الحديث بهذه الأسانيد الثلاثة، ولا يُحتمل من مثله هذا التعدد في الأسانيد، ولا أراه إلا اضطرابًا منه، والله أعلم.
20 -
ورواه صالح بن عمر الواسطي [ثقة]، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأنظر كيف يصلي، فاستقبل القبلة، فكبر، فرفع يديه حتَّى حاذى أذنيه، فلما ركع رفع يديه حتَّى جعلهما بذلك المنزل، فلما رفع رأسه من الركوع رفع يديه حتَّى جعلهما بذلك المنزل، فلما سجد وضع يديه من رأسه بذلك المنزل.
أخرجه الدارقطني (1/ 295)، والخطيب في المدرج (1/ 449).
بإسناد صحيح إلى صالح به.
ولا ينبغي أن توهم هذه الرواية أنَّه رفع يديه لما أراد أن يسجد، وإنما المراد: أنَّه لما سجد وضع رأسه بين كفيه، كما جاء صريحًا في رواية الثقات عن عاصم.
21 -
ورواه محمد بن فضيل [صدوق]، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: كنت فيمن أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي، فرأيته حين كبر رفع يديه حتَّى حاذتا أذنيه، ثم ضرب بيمينه على شماله فأمسكها، [فلما أراد أن يركع رفع يديه، ثم ركع، فوضع يديه على ركبتيه]،
…
، [فلما جلس افترش رجله اليسرى، ثم وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ثم وضع حدَّ مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم عقد -يعني: ثنتين-، ثم حلَّق، وجعل يشير بالسباحة يدعو].
أخرجه ابن خزيمة (1/ 242 و 478/ 353 و 713)، وابن أبي شيبة (1/ 220/ 2525).
22 -
ورواه هريم بن سفيان [ثقة]، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ساجدًا، ويديه قريب من أذنيه.
أخرجه أبو جعفر ابن البختري في الرابع من حديثه (150)(394 - مجموع مصنفاته)، والخطيب في تاريخ بغداد (4/ 181).
بإسنادين إلى هريم؛ أحدهما حسن، وفي الآخر: عبيد بن إسحاق العطار، وهو: منكر الحديث [اللسان (5/ 349)، كنى مسلم (69)، أسامي الضعفاء (195)].
23 -
وروي عن أبي إسحاق السبيعي، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل القَيْل، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضرب بيمينه على شماله في الصلاة.
رواه شريح بن مسلمة [ثقة]، عن إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق [ليس بالقوي]، عن أبيه [ثقة]، عن أبي إسحاق به.
تقدم ذكره تحت الحديث رقم (724)، وهو وهم على أبي إسحاق، إنما يرويه أبو إسحاق السبيعي عن عبد الجبار عن أبيه.
• وقبل أن أذكر الأوهام في إسناد هذا الحديث ومتنه، أحب أن ألخص ما صح عن عاصم بن كليب في هذا الحديث من صفة الصلاة، وأحببت أن أجعل رواية بشر بن المفضل أصلًا، ثم أضيف إليها ما صح من رواية غيره عن عاصم، مع الاستغناء ببعض الروايات عن بعض إذا كان المعنى واحدًا:
عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: قلت: لأَنْظُرَنَّ إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي! قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة، فكبر فرفع يديه حتَّى حاذتا أذنيه، ثم أخذ شماله بيمينه، فلما أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك، ثم وضع يديه على ركبتيه، فلما رفع رأسه من الركوع رفعهما مثل ذلك [وفي رواية ابن إدريس: ثم رفع رأسه فقال: "سمع الله لمن حمده"، [وفي رواية الثوري: ورفع يديه حين قال: "سمع الله لمن حمده"، وبنحوه رواية جرير]، فلما سجد وضع رأسه بذلك المنزل من بين يديه، [وفي رواية شعبة: وخوَّى في ركوعه، وخوَّى في سجوده، وفي رواية أخرى عنه: وجافى يديه عن إبطيه]، [وفي رواية أبي عوانة: ثم صلى ركعة أخرى مثلها]، ثم جلس [وفي رواية أبي الأحوص: يتشهد] فافترش رجله اليسرى [وفي رواية أبي الأحوص: افترش رجله اليسرى بالأرض، ثم قعد عليها، [وفي رواية ابن عيينة: أضجع رجله اليسرى، ونصب اليمنى][وفي رواية ابن إدريس: ونصب رجله اليمنى، وكذا في رواية قيس وجعفر الأحمر]، ووضع يده اليسرى على فخِذه اليسرى [وفي رواية عبد الرزاق عن الثوري، ورواية عبد الواحد وأبي عوانة وزهير: على ركبته اليسرى][وفي رواية ابن عيينة: وبسطها]، و [وضع] حدَّ مِرفَقه الأيمن على فخذه اليمنى، وقبض ثنتين، وحلَّق حلْقةً. ورأيته يقول هكذا: وحلَّق بشرٌ الإبهامَ والوسطى، وأشار بالسبابة [وفي رواية ابن عيينة: ونصب أصبعه للدعاء] [وفي رواية خالد بن عبد الله الواسطي: ثم عقد الخنصر والبنصر، ثم حلق الوسطى بالإبهام، وأشار بالسبابة].
وقد استغنيت عن ذكر من روى الحديث بلفظ: ووضع يده اليمنى على اليسرى، وهو شعبة، وقد تابعه على أصل الوضع زائدة بن قدامة، وأثبته بلفظ: أخذ شماله بيمينه؛ لأنَّها رواية الأكثر، فقد رواها بهذا اللفظ: بشر بن المفضل، وعبد الله بن إدريس، وخالد بن عبد الله الواسطي، وعبيدة بن حميد، وعبد الواحد بن زياد، وأبو الأحوص، وزهير بن معاوية، وقيس بن الربيع، ورواها عبد الله بن الوليد عن سفيان الثوري بلفظ: ورأيته ممسكًا يمينه على شماله في الصلاة، ورواها أبو عوانة بلفظ: ثم قبض باليمنى على اليسرى،
ورواها ابن فضيل بلفظ: ثم ضرب بيمينه على شماله فأمسكها، وكل هذه الروايات معناها واحد، وهو قبض اليسرى باليمنى، وأما رواية الوضع فتحمل عليها؛ إذ إنها لا تخالفها لدخول الوضع في معنى القبض، فهو بعض معناه، وعليه فالصحيح من حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل: رواية القبض، وقد جاء بلفظ القبض أيضًا من حديث موسى بن عمير وقيس بن سليم عن علقمة عن أبيه، وجاء بلفظ الوضع من حديث عفان عن همام عن ابن جحادة، ومن حديث أبي إسحاق عن عبد الجبار عن أبيه، والوضع داخل في معنى القبض، وفي القبض زيادة معنى جاءنا من طريق الثقات فلزمنا قبوله، والله أعلم.
• خالف الجماعة في إسناد هذا الحديث ومتنه:
أ - هشيم، عن عاصم بن كليب، عن علقمة بن وائل بن حجر، عن أبيه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع فرج أصابعه، وإذا سجد ضم أصابعه.
أخرجه ابن خزيمة (1/ 301/ 594) و (1/ 324/ 642)، وابن حبان (5/ 247/ 1920)، والحاكم (1/ 227)، وابن المنذر (3/ 169/ 1439)، والطبراني في الكبير (22/ 19/ 26)، والدارقطني (1/ 339)، والبيهقي (2/ 112)، والخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 579)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (17/ 278).
من طريق الحارث بن عبد الله بن إسماعيل بن عقبة [كذا في سنن البيهقي، وفي الإرشاد واللسان: ابن عقيل] الهمَذاني، يُعرف بابن الخازن: ثنا هشيم به.
وهذا الوهم في المتن والإسناد من الحارث هذا، فإنه وإن وثقه ابن حبان، فاعتمد عليه في صحيحه، وذكره في الثقات، وقال:"مستقيم الحديث"؛ إلا أن أبا زرعة ذكر له حديثًا أخطأ فيه، وأنكر عليه ابن عدي حديثًا آخر، وحمل عليه بسببه، والله أعلم [انظر: الثقات (8/ 183)، الكامل (4/ 5)، الإرشاد (2/ 634)، تاريح الإسلام (17/ 122)، السير (11/ 145)، اللسان (2/ 519)].
فإن قيل: لم ينفرد به ابن الخازن هذا، بل تابعه عليه الثقة الثَّبت: عمرو بن عون:
قال الحاكم في المستدرك (1/ 224): حدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن صفوان الجمحي بمكة: ثنا علي بن عبد العزيز: ثنا عمرو بن عون: ثنا هشيم، عن عاصم بن كليب، عن علقمة بن وائل، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع فرج بين أصابعه.
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه".
قلت: هو غريب من حديث عمرو بن عون، ثم من حديث علي بن عبد العزيز البغوي، وكلاهما: ثقة حافظ، كثير الأصحاب، فكيف يتفرد به شيخ الحاكم هذا، ولم أجد من ترجم له، وهو قليل الرواية، ولم يرو إلا عن علي بن عبد العزيز البغوي، وروى عنه: أبو عبد الله الحاكم، وأبو سعيد النقاش، وأبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى بن سختويه، وأبو محمد عبد الله بن يوسف بن أحمد الأصبهاني، وسَلَمون بن داود، وعبد الملك بن محمد بن عبد الله الواعظ المعروف بابن بشران، وأبو محمد الحسن بن
أحمد بن إبراهيم بن فراس، ونسب شيخه بقوله: أنا أبو حفص عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن عمرو بن أبي سفيان بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي، كما وقع عند ابن حزم والبيهقي [فوائد العراقيين (43)، السنن الواردة في الفتن (709)، الإحكام لابن حزم (6/ 283) و (8/ 513)، سنن البيهقي (3/ 65) و (4/ 235) و (5/ 4) و (9/ 306)، شعب الإيمان (4/ 180/ 4733) و (5/ 331/ 6821) و (5/ 359/ 6940)، الفقيه والمتفقه (1/ 197 و 464) و (2/ 129 و 155 و 231)، رجال الحاكم في المستدرك (2/ 92/ 1080)، وغيرها].
وهشيم لم يسمع من عاصم بن كليب، قاله أحمد [العلل ومعرفة الرجال (2/ 32/ 1459)، المراسيل (863)، جامع التحصيل (294)، تحفة التحصيل (333)].
ج - عبد الله بن مَعْدان: أخبرني عاصم بن كليب الجرمي، عن أبيه، عن جده، قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، وقد وضع يده اليسرى على فخِذه اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه وبسط السبَّابة، وهو يقول:"يا مُقَلِّبَ القلوب ثَبِّت قلبي على دينك".
أخرجه الترمذي (3587)، وأبو يعلى (4/ 191 / 524 - المطالب العالية)[وفي سنده تصحيف]، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (3/ 313/ 1254)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 337) و (2/ 330)، والطبراني في الكبير (7/ 313/ 7232)، وفي الدعاء (1263)، وابن عدي في الكامل (6/ 247)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1476 / 3740 و 3741).
قال الترمذي: "هذا حديث غريب من هذا الوجه".
قلت: أبو معدان عبد الله بن معدان، وقيل: عامر بن مرة؛ قال ابن معين: "صالح"، وقال الدارقطني:"كوفي، لا بأس به"، وقيل بأنه مكي، وقيل: بصري، وقال الأزدي:"فيه شيء"، وفي روايةٍ عن محمد بن حمران بن عبد العزيز، قال:"ثنا أبو معدان، واسمه: عامر بن مرة، مكي"، والأول أصح [التهذيب (4/ 591)، علل الدارقطني (5/ 194/ 815)، الميزان (2/ 507)]، وانظر الإصابة (3/ 365).
وهو حديث غريب؛ كما قال الترمذي؛ خالف فيه عبدُ الله بن معدان جمعًا غفيرًا من الثقات الذين رووه عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر، ولم يأتوا فيه بهذه الألفاظ والزيادات، والله أعلم.
وأما حديث: "يا مُقَلِّبَ القلوب ثَبِّت قلبي على دينك" بدون القيد الوارد في حديث شهاب جد عاصم بن كليب، فهو حديث صحيح من غير هذا الوجه، مروي عن عدد من الصحابة، انظر: تخريج أحاديث الذكر والدعاء (3/ 1110/ 556).
ج - أبو بكر بن عبد الله بن قطاف النهشلي، عن عاصم بن كليب، عن أبيه: أن عليًّا كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، ثم لا يعود. موقوف.
أخرجه أحمد في مسائل ابنه عبد الله (269)، وفي العلل ومعرفة الرجال (1/ 374/ 717)، وابن أبي شيبة (1/ 213/ 2442)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 148/ 1389)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 225)، وفي المشكل (15/ 33/ 5825)، وأبو جعفر ابن البختري في الحادي عشر من حديثه (46)(542 - مجموع مصنفاته)، والبيهقي في السنن (2/ 80)، وفي المعرفة (1/ 550/ 779)، وفي الخلافيات (2/ 86 - مختصره).
قال عبد الرحمن بن مهدي: "ذكرت لسفيان [الثوري]: عن أبي بكر [النهشلي]، عن عاصم بن كليب؛ أن عليًّا كان يرفع يديه ثم لا يعود؟ فأنكره"[الكنى من التاريخ الكبير للبخاري (9)، جزء رفع اليدين للبخاري (32)].
وقال عبد الله بن أحمد: "قال أبي: ولم يروه عن عاصم غير أبي بكر النهشلي! أعلمه، كأنه أنكره".
وقال البخاري بعد أن علقه في رفع اليدين (29): "وحديث عبيد الله: أصح، مع أن حديث كليب هذا لم يحفظ رفع الأيدي، وحديث عبيد الله هو شاهد.
فإذا روى رجلان عن محدث، قال أحدهما: رأيته فعل، وقال الآخر: لم أره فعل، فالذي قال: قد رأيته فعل، فهو شاهد، والذي قال: لم يفعل، فليس هو بشاهد؛ لأنَّه لم يحفظ الفعل".
وقال عثمان بن سعيد الدارمي: "فهذا قد روي من هذا الطريق الواهي عن علي، وقد روى عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي؛ أنَّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفعهما عند الركوع، وبعدما يرفع رأسه من الركوع، فليس الظن بعلي أنَّه يختار فعله على فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس أبو بكر النهشلي ممن يحتج بروايته وتثبت به سُنَّة لم يأت بها غيره".
قلت: حديث عبيد الله بن أبي رافع عن علي يأتي عند أبي داود برقم (744)، ونرجئ الكلام عليه في موضعه.
وقال ابن المنذر: "فأما حديث علي الَّذي احتجوا به، فقد ثبت عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه كان صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع".
وقال البيهقي: "قال الزعفراني: قال الشافعي في القديم: ولا يثبت عن علي وابن مسعود".
وقال في الخلافيات بعد ذكر كلام الدارمي: "والصواب: عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم "، بخلاف هذا، كما رواه الناس عن عاصم.
وانظر: علل الدارقطني (4/ 106/ 457).
قلت: وفي كلام الأئمة وتصرفهم [غير الدارقطني] ما يدل على تفرد أبي بكر النهشلي به عن عاصم، وفي هذا ما يضعّف المتابعة التي أتى بها محمد بن الحسن الشيباني؛