الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
118 - باب من ذكر أنَّه يرفع يديه إذا قام من اثنتين
743 -
. . . محمد بن فضيل، عن عاصم بن كليب، عن محارب بن دِثار، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في الركعتين كبر ورفع يديه.
• الصحيح موقوف على ابن عمر بغير هذا اللفظ.
أخرجه البخاري في رفع اليدين (53)، وأحمد (4/ 145)، وابن أبي شيبة (1/ 211 و 213/ 2420 و 2439)[واقتصر على الموقوف في الموضع الأول]، وأبو يعلى (10/ 38/ 5670)، وأبو العباس السراج في مسنده (97)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (352 و 1485)، وابن حزم في المحلى (4/ 90).
وفي رواية: رأيت ابن عمر يرفع يديه كلما ركع، وكلما رفع رأسه من الركوع، فقلت له: ما هذا؟ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام بين الركعتين كبر ورفع يديه.
وفي أخرى: رأيته يرفع يديه في الركوع والسجود، فقلت له: ما هذا؟ فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الركعتين كبر ورفع بيديه.
قال ابن حجر في الفتح (2/ 222): "صححه البخاري"؛ يعني: في جزء رفع اليدين ضمن أحاديث.
• خالف ابنَ فضيل [وهو: صدوق]:
أ - عبدُ الله بن إدريس، فرواه عن عاصم بن كليب، عن محارب، قال: لو رأيتَ عبد الله بن عمر إذا قام إلى الصلاة، قال: هكذا، ورفع يديه حذو وجهه.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 211 / 2420).
هكذا موقوفًا على ابن عمر، فلم يذكر المرفوع، ولم يذكر رفع اليدين لا مع الركوع والرفع منه، ولا عند القيام من الركعتين.
• ولابن إدريس في رفع اليدين أحاديث، هذا أحدها.
وتقدم معنا منها:
ب - عبد الله بن إدريس، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: قدمت المدينة، فقلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكبر ورفع يديه حتَّى رأيت إبهاميه قريبًا من أذنيه،
…
فذكر الحديث، وقال مرة: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرفع كلما ركع ورفع. وقال أخرى: فافتتح الصلاة فكبر ورفع يديه، فلما رفع رأسه رفع يديه.
تقدم تحت الحديث رقم (728)، وهو حديث صحيح.
ج - عبد الله بن إدريس، قال: سمعت عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنَّه كان يرفع يديه في كل تكبيرة على الجنازة، وإذا قام من الركعتين.
وفي رواية: أنَّه كان يرفع يديه حذو منكبيه.
تقدم تحت الحديث الأسبق برقم (741)، وهو صحيح، لكن قصر ابن إدريس في رفعه، واقتصر منه على الموقوف.
د - عبد الله بن إدريس، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، عن عبد الله قال: علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، فكبر ورفع يديه، ثم ركع فطبق يديه بين ركبتيه.
وسيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى، برقم (747).
وابن إدريس: كوفي، ثقة ثبت فقيه، يحتمل منه التعدد في الأسانيد، لسعة روايته، وحفظه وإتقانه، وهو ثقة عند جميعهم، بل ثبته المتشددون.
• تابعه على الوقف: عبد الواحد بن زياد [ثقة]، قال: حدثنا محارب بن دثار، قال: رأيت عبد الله بن عمر إذا افتتح الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع. موقوف.
أخرجه البخاري في رفع اليدين (102).
وهذا اللفظ هو المحفوظ عن محارب بن دثار، والله أعلم.
قال الدارقطني في العلل (13/ 16/ 2902): "ورواه أبو إسحاق الشيباني، والنضر بن محارب بن دثار، عن محارب، عن ابن عمر: موقوفًا".
وأبو إسحاق الشيباني سليمان بن أبي سليمان الكوني: ثقة، والنضر بن محارب بن دثار: روى عنه اثنان، ولم أر من وثقه، فهو في عداد المجاهيل [ترجم له ابن ماكولا في الإكمال (7/ 343) بروايته عن أبيه حسب].
• فهؤلاء ثلاثة رووه عن محارب به موقوفًا على ابن عمر، وهو الصواب، واختلف فيه على عاصم بن كليب، فمرة كان يرفعه، ومرة يوقفه، فلعل الوهم في رفعه كان من قبل عاصم بن كليب نفسه [وهو: صدوق]، وقول جماعة الثقات أولى بالصواب، والله أعلم.
وعليه: فهو موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح.
***
744 -
. . . سليمان بن داود الهاشمي: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنَّه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة؛ كبر ورفع يديه حذو منكبيه، ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته وأراد أن يركع، ويصنعُه إذا رفع من الركوع، ولا يرفع يديه في شيءٍ من صلاته وهو قاعدٌ، وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر.
• حديث صحيح.
أعاده أبو داود بنفس هذا الإسناد، وزاد في متنه شيئًا من الدعاء، في باب: ما
يستفتح به الصلاة من الدعاء، برقم (761)، وسوف يأتي عند أبي داود من وجه آخر برقم (760 و 1509)، وقد سبق تخريجه في الذكر والدعاء برقم (79 و 86 و 94 و 109) وتحت الحديث رقم (90)، فانظره.
أخرجه من طريق سليمان بن داود الهاشمي: الترمذي (3423)(6/ 46/ 3721 - ط الرسالة) مطولًا. وابن ماجة (864)، وابن خزيمة (1/ 294/ 584)، وأحمد (1/ 93)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 137/ 1382)، والطحاوي في المشكل (15/ 31/ 5822)، والدارقطني (1/ 287)، والبيهقي في السنن (2/ 137)، وفي المعرفة (1/ 546/ 773).
ولفظه بتمامه عند الترمذي: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة رفع يديه حذو منكبيه، ويصنع ذلك إذا قضى قراءته وأراد أن يركع، ويصنعه إذا رفع رأسه من الركوع، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد، فإذا قام من سجدتين رفع يديه كذلك فكبر.
ويقول حين يفتتح الصلاة بعد التكبير: "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللَّهُمَّ أنت الملك لا إله إلا أنت، سبحانك، أنت ربي، وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنبي جميعًا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيِّئها، لا يصرف عني سيِّئها إلا أنت، لبيك وسعديك، وأنا بك وإليك، ولا منجى منك ولا ملجأ إلا إليك، أستغفرك وأتوب إليك".
ثم يقرأ، فإذا ركع كان كلامه في ركوعه أن يقول:"اللَّهُمَّ لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وأنت ربي، خشع سمعي وبصري ومخي وعظمي لله رب العالمين".
فإذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده"، ثم يتبعها: "اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد".
فإذا سجد قال في سجوده: "اللَّهُمَّ لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وأنت ربي، سجد وجهي للدي خلقه، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين".
ويقول عند انصرافه من الصلاة: "اللَّهُمَّ اغفر لي ما قدَّمت وما أخَّرت، وما أسررت وما أعلنت، وأنت إلهي لا إله إلا أنت".
• تابع سليمان بن داود الهاشمي عليه:
1 -
إسماعيل بن أبي أويس: حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد به مثله، وقال: الركعتين، بدل: السجدتين.
أخرجه البخاري في رفع اليدين (8 و 27)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (37/ 399).
وإسماعيل بن أبي أويس، ابن أخت مالك، وزوج ابنته: مدني، ليس به بأس، له غرائب لا يتابع عليها، لكنه أخرج أصوله للبخاري، وأذن له أن ينتقي منها، وأن يُعلم له
على ما يحدث به، ليحدث به، ويعرض عما سواه، قال ابن حجر:"وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه هو من صحيح حديثه؛ لأنَّه كتب من أصوله"[التهذيب (1/ 157)، ترتيب المدارك (1/ 213)، هدي الساري (1/ 39)].
2 -
عبد الله بن وهب [المصري: ثقة حافظ]: أخبرني ابن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة به، مطولًا.
وقال في الركوع: فإذا ركع كان كلامه في ركوعه: "اللَّهُمَّ لك ركعت، وبك آمنت، [ولك أسلمت]، أنت ربي، خشع لك سمعي وبصري، وعصبي، وعظمي ومخي، وما استقلت به قدمي لله رب العالمين".
أخرجه ابن خزيمة (464 و 584 و 673)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 158 و 160 و 188/ 1412 و 1415 و 1475)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 195 و 199 و 222 و 233 و 239)، وفي المشكل (13/ 158/ 5159) و (15/ 30/ 5821)، والدارقطني (1/ 287)، وأبو طاهر المخلص في الثالث من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (165)(531 - المخلصيات)، والبيهقي في السنن (2/ 33 و 74).
3 -
عبد الجبار بن سعيد بن سليمان بن نوفل بن مساحق العامري [مدني، روى عنه أبو زرعة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال العقيلي: "في حديثه مناكير، وما لا يتابع عليه"، الجرح والتعديل (6/ 32)، الثقات (8/ 418)، ضعفاء العقيلي (3/ 86)، المتفق والمفترق (3/ 1581)، اللسان (5/ 57)]: ثنا ابن أبي الزناد به.
أخرجه ابن حبان في كتاب الصلاة (11/ 552/ 14609 - إتحاف المهرة)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (10/ 312).
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح.
والعمل على هذا الحديث عند الشافعي وبعض أصحابنا.
وقال بعض أهل العلم من أهل الكوفة وغيرهم: يقول هذا في صلاة التطوع، ولا يقوله في المكتوبة، [وأحمد لا يراه].
سمعت أبا إسماعيل الترمذي [محمد بن إسماعيل بن يوسف]، يقول: سمعت سليمان بن داود الهاشمي، يقول: وذكر هذا الحديث، فقال: هذا عندنا مثل حديث الزهري، عن سالم، عن أبيه".
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي (9/ 269): "يعني: أن حديث علي هذا من أصح الأحاديث سندًا وأقواها، مثل حديث الزهري عن سالم عن أبيه".
قلت: اختلف الأئمة فيما هو أصح الأسانيد، وممن ذهب إلى أن سلسلة: الزهري عن سالم عن أبيه؛ هي أصح الأسانيد: الإمامان أحمد وإسحاق بن راهويه [معرفة علوم الحديث (54)، الكفاية (397)، تاريخ دمشق (20/ 59)]، وكلام شيخ أحمد: سليمان بن داود الهاشمي البغدادي يُشعِر بذلك أيضًا.
وعليه: فإن هذا القول من سليمان بن داود - أحد رواة هذا الحديث عن ابن أبي الزناد - يدل على تصحيحه له، والله أعلم.
وهذا الإسناد إسناد جيد حسن؛ فإن:
أ - رجاله كلهم مدنيون، عدا الهاشمي، فقد سكن بغداد، وتابعه اثنان من أهل المدينة، ومصري هو من أعلم الناس بحديث أهل المدينة.
ب - وابن أبي الزناد لم يسلك فيه الجادة والطريق السهل، فلم يقل فيه: عن أبيه، ولا عن هشام بن عروة، وإنما رواه - كما رواه الناس - عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب، وهذا الإسناد لا يأتي به إلا حافظ، مما يدل على أنَّه حفظ الحديث، وضبط إسناده.
ج - وابن أبي الزناد إنما يروي عن أبيه عن الأعرج، ليس فيه بينه وبين الأعرج سوى رجل واحد [وقد علق له البخاري في صحيحه ثلاث متابعات بهذا الإسناد. انظر: تحفة الأشراف (9/ 576/ 13785 - 13787 - ط دار الغرب)]، وهذا إسناد نازل بالنسبة لابن أبي الزناد بينه وبين الأعرج فيه رجلان، ونزوله في هذا الإسناد دليل على ضبطه للحديث، وحفظه له؛ فلا تُستغرب حينئذٍ زيادتُه في متنه.
د - والرواة عن ابن أبي الزناد لم يختلفوا عليه، لا في إسناده، ولا في متنه، وإنما وقع في المتن اختصار من بعض الرواة، لموضع الحاجة، وما وقع من زيادةٍ فمحتملةٌ، وطول متن الحديث مع عدم الاختلاف عليه فيه اختلافًا مؤثرًا: دليل على حفظه له، وضبطه إياه، والله أعلم.
هـ - وهذا الحديث قد رواه عن ابن أبي الزناد أهل المدينة وغيرهم، ورواه عنه من أهل بغداد: سليمان بن داود الهاشمي، وقد كان ثبتًا في ابن أبي الزناد، وأما ابن وهب فقد كان عالمًا بحديث أهل المدينة [صحيح ابن خزيمة (829)].
وقد سقت هذه الدلائل ردًّا على من ضعَّف هذا الحديث بابن أبي الزناد، والصواب أن في حديثه تفصيلًا: فإن حديثه بالمدينة: صحيح، وما حدث ببغداد أفسده البغداديون؛ إلا ما كان من رواية سليمان بن داود الهاشمي؛ فأحاديثه عنه حسان [انظر ما تقدم تحت الحديث رقم (148)].
قال ابن المديني: "ما حدث بالمدينة فهو صحيح، وما حدث ببغداد أفسده البغداديون، ورأيت عبد الرحمن بن مهدي يخط على أحاديثه، وكان يقول في حديثه عن مشيختهم: ولقَّنه البغداديون عن فقهائهم، عدَّهم: فلان وفلان وفلان".
وقال عمرو بن علي الفلاس: "فيه ضعف، فما حدث بالمدينة أصح مما حدث ببغداد، كان عبد الرحمن يخط على حديثه".
وقال يعقوب بن شيبة: "ثقة صدوق، وفي حديثه ضعف، سمعت علي بن المديني
يقول: حديثه بالمدينة مقارب، وما حدث به بالعراق فهو مضطرب، قال علي: وقد نظرت فيما روى عنه سليمان بن داود الهاشمي فرأيتها مقاربة".
وقال الساجي: "فيه ضعف، وما حدث بالمدينة أصح مما حدث ببغداد"[تاريخ بغداد (10/ 228)، التهذيب (2/ 504)، الميزان (2/ 575)].
فاتفق هؤلاء الأئمة الثلاثة على أن حديث ابن أبي الزناد بالمدينة أصح منه ببغداد.
وأما توثيق مالك له فيحمل على ما حدث به بالمدينة قبل انتقاله إلى بغداد، ثم ضعَّفه بعد ذلك وتكلم فيه لأجل ما كان منه ببغداد.
وهذا الحديث مما حدث به ابن أبي الزناد بالمدينة، وببغداد، ولم يختلف حفظه له، ولم يكن مما تلقنه ببغداد، فقد رواه عنه: سليمان بن داود الهاشمي البغدادي، وقد قوَّى ابن المديني روايته عنه، كما أن الرواة عنه لم يختلفوا عليه، مما يدل على حفظه لهذا الحديث، وضبطه له.
وقد حمل العلامة المعلمي اليماني كلام ابن المديني على أن ابن أبي الزناد حدث الهاشمي من أصل كتابه، وأن ما حدثه به مما لم يلقَّنه ببغداد، قال العلامة اليماني:"بل الأقرب أن سماع الهاشمي منه من أصل كتابه، فعلى هذا تكون أحاديثه عنه أصح مما حدث به بالمدينة من حفظه"[التنكيل (2/ 35)].
وقال أيضًا: "وقد دل كلام الإمام أحمد أن التلقين إنما أوقعه في الاضطراب، فعلى هذا إذا جاء الحديث من غير وجه عنه على وتيرة واحدة دل ذلك على أنَّه من صحيح حديثه"[التنكيل (2/ 35)].
• وهذا الحديث قد رواه جماعة بدون زيادة رفع اليدين في أوله:
• فقد رواه ابن جريج [ثقة حافظ]، قال: أخبرني موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل، عن عبد الرحمن بن هرمز [الأعرج]، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ابتدأ الصلاة المكتوبة، قال:"وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا [مسلمًا]، وما أنا من المشركين؛ إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين [وفي رواية: وأنا من المسلمين]، [اللَّهُمَّ لك الحمد]، اللَّهُمَّ أنت الملك، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، أنت ربي، وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، [إنه] لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، [إنه] لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير [كله] بيديك، [والشر ليس إليك]، والمهديُّ من هديت، وأنا بك وإليك، [لا منجا منك إلا إليك]، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك".
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد في الصلاة المكتوبة، قال:"اللَّهُمَّ لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، أنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين".
وكان إذا ركع، قال:"اللَّهُمَّ لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، أنت ربي، خشع [لك] سمعي وبصري، ومخي وعظمي، وعصبي، وما استقلت به قدمي لله رب العالمين".
وكان إذا رفع رأسه من الركوع في الصلاة المكتوبة، قال:"اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد".
وهذا اللفظ بتمامه لحجاج بن محمد المصيصي، وهو: ثقة ثبت، من أثبت الناس في ابن جريج، وما بين المعكوفين رواية لحجاج أو لغيره، وفي هذه الرواية: قدم ذكر السجود على ذكر الركوع والرفع منه، وفي بعض الروايات عن حجاج بتقديم ذكر الركوع والرفع منه، على ترتيب أفعال الصلاة، ومن الرواة من رواه مفرقًا مختصرًا.
أخرجه ابن ماجة (1054)، وابن خزيمة (607)، وابن حبان (5/ 68/ 1771) و (5/ 70/ 1772) و (5/ 74/ 1774) و (15/ 228 / 1901) و (5/ 230/ 1904) و (5/ 315/ 1978)، وأبو عوانة (1/ 433/ 1608) و (1/ 505/ 1887)، وأحمد (1/ 119)، والشافعي في الأم (2/ 240 و 254 و 257/ 203 و 224 و 227)، وفي السنن (283 - 285)، وفي المسند (35 و 38 و 39 و 46)، والطحاوي (1/ 233)، والطبراني في الدعاء (496 و 528 و 551 و 582)، وأبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث (42)، والدارقطني (1/ 297 و 342)، والبيهقي في السنن (2/ 32 و 87)، وفي المعرفة (1/ 500/ 682) و (1/ 565/ 802) و (2/ 11/ 846)، وفي القضاء والقدر (396).
قال الدارقطني: "هذا إسناد حسن صحيح".
• وتابعه على هذا الوجه عن موسى بن عقبة، فلم يذكر رفع اليدين في أوله:
عبد الله بن جعفر المديني [ضعيف]، وعاصم بن عبد العزيز الأشجعي [ليس بالقوي]، وإبراهيم بن طهمان [ثقة، يُغرب][وهو غريب من حديثه]، وغيرهم، فرووه عن موسى بن عقبة به بدون الزيادة.
أخرجه الطبراني في الدعاء (496 و 528 و 551 و 582)، وابن سمعون في الأمالي (261)، وابن منده في التوحيد (2/ 161/ 309).
• قلب بعضهم إسناده، وأوهم فيه متابعةً لموسى بن عقبة:
روى الطبراني في الدعاء (497 و 529 و 552 و 583)، وفي الأوسط (5/ 17/ 4552)، والدارقطني في الأفراد (1/ 98/ 345 - أطرافه)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (27/ 53).
من طريق: سهل بن عثمان [العسكري: حافظ، له غرائب]: ثنا جنادة بن سلم، عن عبيد الله بن عمر، عن عبد الله بن الفضل، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة
…
فذكر الحديث بطوله، وفي آخره: قال عبيد الله بن عمر: وحدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
قال الطبراني في الأوسط: "لم يرو هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر إلا جنادة بن سلم، تفرد به: سهل بن عثمان".
وقال الدارقطني: "تفرد به: جنادة بن سلم - والد سلم -، عن عبيد الله بن عمر، عن عبد الله بن الفضل، عن الأعرج، عنه".
وهذا باطل من حديث عبيد الله بن عمر العمري، إنما هو حديث موسى بن عقبة، فإن جنادة بن سلم بن خالد بن جابر بن سمرة العامري السُّوائي، أبا الحكم الكوني: ضعيف؛ قال أبو حاتم: "ضعيف الحديث، ما أقربه من أن يترك حديثه، عمد إلى أحاديث موسى بن عقبة فحدث بها عن عبيد الله بن عمر"، وله عجائب [انظر: جامع الترمذي (1/ 399)، علل الترمذي الكبير (703)، الجرح والتعديل (2/ 515)، الأسامي والكنى لأبي أحمد الحاكم (4/ 29)، تاريخ الإسلام (12/ 106)، الميزان (1/ 424)، التهذيب (1/ 317)].
وانظر أيضًا: الدعاء (755)، المعجم الكبير (11/ 45/ 10993)، أحاديث أبي الزبير عن غير جابر (119).
وانظر فيمن رواه عن موسى بن عقبة من المتروكين، أو فيمن وهم عليه فيه: مصنف عبد الرزاق (2/ 80/ 2567) و (2/ 163 / 2903)، معرفة الصحابة لأبي نعيم (2/ 1088/ 2748)، تاريخ دمشق (54/ 218).
• ورواه عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة [ثقة فقيه]: حدثنا عبد الله بن الفضل والماجشون [يعقوب بن أبي سلمة]، عن الأعرج به، دون الزيادة التي في أوله.
أخرجه ابن خزيمة (463)، وأبو عوانة (1/ 431/ 1606)، وأحمد (1/ 94 و 103)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 199 و 233)، وفي المشكل (13/ 158 و 159/ 5160 و 5161) و (15/ 32 / 5823)، والطبراني في الدعاء (495 و 527 و 550 و 581)، والبيهقي في الشعب (3/ 140 / 3133).
رواه عن عبد العزيز بهذا الوجه فقرن الماجشون بعبد الله بن الفضل، أو أفرد ابن الفضل: أبو سعيد مولى بني هاشم، عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد [صدوق]، وأحمد بن خالد الوهبي [صدوق]، وحجين بن المثنى [ثقة]، وعبد الله بن صالح [كاتب الليث: صدوق]، وعبد الله بن رجاء الغُدَاني البصري [صدوق]، وسريج بن النعمان [ثقة].
• وهذا الحديث قد رواه عن الأعرج: يعقوب بن أبي سلمة الماجشون [وهو: صدوق]، فلم يأت بهذه الزيادة التي في أوله، وقد أخرجه من طريقه: مسلم (771)، وغيره، ويأتي حديثه برقم (760 و 1559)، وقد سبق تخريجه في الذكر والدعاء برقم (79 و 86 و 94 و 109) وتحت الحديث رقم (90)، فانظره.
• هكذا لم يأت بهذه الزيادة في أوله، وهي رفع اليدين في المواضع الأربعة، سوى ابن أبي الزناد، وقد سبق أن بيَّنْتُ القرائنَ التي تحملنا على قبول زيادته في هذا الموضع، وأنه قد حفظ الحديث وضبطه، ومن ثم تقبل زيادته فيه، والله أعلم.
قال الطحاوي في المشكل: "ففي هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعه يديه عند التكبير المشروع في الصلاة، ورفعها عند الرفع من الركوع، ورفعها عند القيام من السجود، ولا نعلم أحدًا روى هذا الحديث مذكورًا فيه هذا الرفع غير عبد الرحمن بن أبي الزناد؛ فأما من روى سواه فلم يذكر فيه ذلك، منهم: عبد العزيز الماجشون، رواه عن عبد الله بن الفضل وعن عمه الماجشون، ولم يذكر ذلك فيه".
إلى أن قال بعد حديث الماجشون: "ولم يذكر فيه رفع الأيدي في شيء من الصلاة، وكان هذا الحديث من أحد وجهين: أن يكون ابن أبي الزناد جاء بهذه الزيادة غلطًا منه في الحديث، أو يكون جاء بها عن حقيقة منه، فإن كان جاء بها غلطًا فلا حجة لأحد فيما هو غلط، وإن كان جاء بها من حقيقة [وقال في شرح المعاني: وإن كان ما روى ابن أبي الزناد صحيحًا]، فإنه قد وجدنا عن علي رضي الله عنه مما كان عليه بعد النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه [كذا] أن عليًّا كان يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة ثم لا يرفع بعد".
ثم روى حديث: أبي بكر النهشلي، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، أن عليًّا كان يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة ثم لا يرفع بعد، وهو حديث منكر، سبق الكلام عليه في آخر تخريج الحديث رقم (728).
ثم تابع الطحاوي كلامه قائلًا: "فكان في هذا الحديث ما قد دل أن زيادة ابن أبي الزناد إن كانت صحيحة: أعظم الحجتين بترك الرفع في الصلاة بعد تكبيرة الافتتاح؛ لأنَّ عليًّا لا يفعل بعد النبي صلى الله عليه وسلم من هذا خلاف ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله فيه؛ إلا بعد قيام الحجة عنده في ذلك على نسخ ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله فيه، وبالله التوفيق"[وانظر: شرح معاني الآثار (1/ 225)، شرح سنن ابن ماجة لمغلطاي (5/ 1483)، نخب الأفكار في شرح معاني الآثار (3/ 502) و (4/ 175)].
قلت: كلا الوجهين لا يصح، فالحديث محفوظ، لم يغلط فيه ابن أبي الزناد، ولم يَهِم، وهذا الَّذي عارض به الطحاوي حديثَ عبيد الله بن أبي رافع دليل ساقط، وقد احتج الأئمة على رده ونكارته بحديث عبيد الله بن أبي رافع من رواية ابن أبي الزناد:
قال البخاري بعد أن علَّق حديث النهشلي في جزء رفع اليدين (29): "وحديث عبيد الله: أصح، مع أن حديث كليب هذا لم يحفظ رفع الأيدي، وحديث عبيد الله هو شاهد.
فإذا روى رجلان عن محدث، قال أحدهما: رأيته فعل، وقال الآخر: لم أره فعل، فالذي قال: قد رأيته فعل، فهو شاهد، والذي قال: لم يفعل، فليس هو بشاهد؛ لأنَّه لم يحفظ الفعل".
وقال عثمان بن سعيد الدارمي عن حديث النهشلي: "فهذا قد روي من هذا الطريق الواهي عن علي، وقد روى عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي؛ أنَّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفعهما عند الركوع، وبعدما يرفع رأسه من الركوع، فليس الظن
بعلي أنَّه يختار فعله على فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس أبو بكر النهشلي ممن يحتج بروايته وتثبت به سُنَّة لم يأت بها غيره".
وقال ابن المنذر: "فأما حديث علي الَّذي احتجوا به [يعني: حديث النهشلي]، فقد ثبت عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع" يعني: من طريق ابن أبي الزناد.
هكذا احتج هؤلاء الأئمة بحديث ابن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب، بهذه الزيادة في الحديث، برفع الأيدي في هذه المواطن الأربعة، وردوا به حديث النهشلي.
• ومرة أخرى نقول: إن حديث علي هذا بزيادة رفع اليدين فيه، من رواية ابن أبي الزناد: قد صححه جماعة من كبار الأئمة النقاد:
صححه سليمان بن داود الهاشمي، كما تقدم نقله في أول التخريج.
وقال ابن دقيق العيد في الإمام: "ورأيت في علل الخلال أن أحمد سئل عن حديث علي بن أبي طالب في الرفع؛ فقال: صحيح، وعن حديث أبي حميد الساعدي في الرفع؟ فقال: صحيح"[شرح سنن ابن ماجة لمغلطاي (5/ 1484)، نصب الراية (1/ 412)، الفتح لابن رجب (4/ 311 و 320)، البدر المنير (3/ 466)، الدراية (1/ 153)].
وصححه البخاري في جزء رفع اليدين ضمن أحاديث، فقال (164):"هذه الأحاديث كلها صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يخالف بعضها بعضًا، وليس فيها تضاد؛ لأنَّها في مواطن مختلفة"، وقال في موضع آخر (170) فيما نقله عنه ابن حجر في الفتح (2/ 222):"ما زاده ابنُ عمر، وعلي، وأبو حميد في عشرة من الصحابة: من الرفع عند القيام من الركعتين: صحيح؛ لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فاختلفوا فيها، وإنما زاد بعضهم على بعض، والزيادة مقبولة من أهل العلم".
وصححه الترمذي، فقال:"حسن صحيح".
واحتج به عثمان بن سعيد الدارمي على ثبوت الرفع عند الركوع، وبعدما يرفع رأسه من الركوع، كما تقدم نقله آنفًا.
وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وقال بثبوته ابن المنذر.
وثبَّته أيضًا: ابن العربي في أحكام القرآن (4/ 170)، وقال النووي في المجموع (3/ 409):"هو حديث صحيح"، وذكره في فصل الصحيح من الخلاصة (1/ 351 / 1064)، وصححه ابن تيمية [كما في المجموع (22/ 453)].
فهو حديث صحيح، أخطأ من ضعَّفه، والله أعلم.
• وأما قول الخطابي في معالم السنن (1/ 168): "وأما ما روي في حديث علي رضي الله عنه أنَّه كان يرفع يديه عند القيام من السجدتين؛ فلست أعلم أحدًا من الفقهاء ذهب إليه، وإن صح الحديث فالقول به واجب".
فقد تعقبه فيه غير واحد، قال ابن الملقن في البدر المنير (3/ 467):"وانفرد الخطابي عن العلماء أجمعين، فظن أن المراد: السجدتان المعروفتان، ثم استشكل الحديث، وقال: لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال به، وكأنه لم يقف على طرق الحديث، ولو وقف عليها لحمله على الركعتين، كما حمله الأئمة".
وقال العيني في نخب الأفكار شرح معاني الآثار (4/ 148): "الحديث صحيح، قال الترمذي: حسن صحيح، ووهِم الخطابي في ذلك؛ لكونه لم يقف على طرق الحديث"[وانظر: عمدة القاري (5/ 277)]، والله أعلم.
***
قال أبو داود: وفي حديث أبي حميد الساعدي حين وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتَّى يحاذيَ بهما منكبيه، كما كبر عند افتتاح الصلاة.
• حديث صحيح.
تقدم موصولًا برقم (730).
***
745 -
. . . شعبة، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحُوَيرِث، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبَّر، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، حتَّى يبلغَ بهما فروع أذنيه.
• حديث صحيح.
أخرجه البخاري في رفع اليدين (25 و 169)، والنسائي في المجتبى (2/ 122 - 123/ 880)، وفي الكبرى (1/ 459/ 956)، والدارمي (1/ 317/ 1251)، وأبو عوانة (1/ 426 و 588/ 1427 و 1589)، وابن حبان (5/ 176/ 1863)، وأحمد (5/ 53)، والطيالسي (2/ 582/ 1349)، وأبو العباس السراج في مسنده (93)، والطبراني في الكبير (19/ 284/ 625)، وابن الغطريف في جزئه (80)، والدارقطني (1/ 292)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2460/ 6002)، وابن عبد البر في التمهيد (23/ 161)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 29/ 567)، وابن الجوزي في التحقيق (420).
هكذا رواه عن شعبة: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وخالد بن الحارث، وحفص بن عمر الحوضي، وأبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك، وأبو داود الطيالسي سليمان بن داود، وسليمان بن حرب، وآدم بن أبي إياس، والنضر بن شميل، وعاصم بن علي، وغيرهم.
تنبيه: تصحف سعيد، وهو: ابن أبي عروبة، إلى: شعبة، عند النسائي في المجتبى (2/ 205 - 206/ 1085)، وكذا في التحفة (8/ 8/ 11184 - ط دار الغرب)، وانظر: السنن الكبرى (1/ 343/ 676) والتعليق عليه، وقد رواه الطحاوي وابن حزم من طريق النسائي، ووقع عندهما: سعيد بن أبي عروبة، وكذلك رواه جماعة عن شيخ النسائي؛ محمد بن المثنى، وقالوا: عن سعيد، ويأتي.
• قال أبو نعيم: "ورواه هشام، وأبو عوانة، وسعيد بن أبي عروبة، وحماد بن سلمة، وعمران القطان، وسعيد بن بشير، في آخرين عن قتادة".
قلت: رواه أبو عوانة، وسعيد بن أبي عروبة، وحماد بن سلمة، وعمران بن داور القطان، وسعيد بن بشير:
عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر رفع يديه حتَّى يحاذي بهما أذنيه [قال ابن أبي عروبة: فروع أذنيه]، وإذا ركع رفع يديه حتَّى يحاذي بهما أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع، فقال:"سمع الله لمن حمده" فعل مثل ذلك.
أخرجه البخاري في رفع اليدين (107 و 119)، ومسلم (1/ 39/ 25)، وأبو نعيم في مستخرجه عليه (2/ 13/ 861 و 862)، والنسائي في المجتبى (2/ 123/ 881) و (2/ 182/ 1024) و (2/ 194/ 1056)، وفي الكبرى (1/ 331 / 647) و (1/ 459/ 957) و (2/ 29 / 1098)، وأحمد (5/ 53)، وابن أبي شيبة (1/ 211 و 212/ 2412 و 2427)، والحسن بن عرفة في جزئه (25)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 180/ 922 و 923)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 196 و 224)، والطبراني في الكبير (19/ 284 - 286/ 626 - 628 و 630 و 631)، وفي مسند الشاميين (4/ 48/ 2698)، والدارقطني (1/ 292)، والبيهقي في السنن (2/ 25 و 71)، وفي المعرفة (1/ 544/ 768)، والجوزقاني في الأباطيل (2/ 23 و 30/ 394 و 398)، وقال:"هذا حديث صحيح"، وابن عساكر في تاريخ دمشق (34/ 48) و (36/ 338).
هكذا رواه عن ابن أبي عروبة: عبد الله بن نمير [ثقة]، ويزيد بن زريع [ثقة ثبت، سمع من سعيد بن أبي عروبة قبل اختلاطه، وهو من أثبت الناس فيه. الكواكب النيرات (25)، سؤالات ابن بكير (55)، شرح العلل (2/ 743)]، وإسماعيل بن علية [ثقة حافظ، ذكر العجلي أنَّه سمع من ابن أبي عروبة في الصحة. شرح العلل (2/ 745)]، وخالد بن الحارث [ثقة ثبت، من أثبت الناس في ابن أبي عروبة، ممن سمع منه قبل الاختلاط. الكواكب النيرات (25)، سؤالات ابن بكير (55)، شرح العلل (2/ 743)].
• وخالفهم: عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي [ثقة، قال ابن عدي بأنه أروى الناس عن ابن أبي عروبة]، ومحمد بن جعفر غندر [ثقة، وهو ممن سمع من ابن أبي عروبة بعد الاختلاط]، ومحمد بن إبراهيم بن أبي عدي [ثقة، وهو ممن سمع من ابن أبي عروبة بعد الاختلاط]:
عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث؛ أنَّه رأى نبي الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه في صلاته إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من السجود، حتَّى يحاذي بهما فروع أذنيه.
أخرجه مسلم (391/ 26)، ولم يسق لفظه، والنسائي في المجتبى (2/ 205 - 206 و 206/ 1085 و 1086)، وفي الكبرى (1/ 343/ 676 و 677)، وأحمد (3/ 436 و 437)، والطحاوي في المشكل (15/ 57 و 59/ 5837 و 5838)، وابن حزم في المحلى (4/ 92)، والبيهقي في السنن (2/ 25 و 71).
والمحفوظ: رواية جماعة الثقات الذين رووا عن ابن أبي عروبة قبل الاختلاط، وهم من أثبت الناس فيه.
وعلى هذا: فلا تثبت هذه الزيادة من حديث ابن أبي عروبة، برفع اليدين مع السجود، ومع الرفع منه، وأنها مما حدَّث به ابن أبي عروبة بعد اختلاطه.
ومسلم إنما ساقه من طريق ابن أبي عدي متابعًا لرواية أبي عوانة، ولم يسق لفظه؛ مما يدل على عدم احتجاجه بهذه الزيادة، وإنما ساقه ليبين موضع المحاذاة من الأذنين، بقوله: حتَّى يحاذي بهما فروع أذنيه، فدل ذلك على أن مسلمًا لم يحتج برواية ابن أبي عدي بزيادة الرفع عند السجود والرفع منه، وإلا لساقه بتمامه، والله أعلم.
• ورواه هشام الدستوائي، واختلف عليه:
أ - فرواه معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث؛ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه، وإذا ركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من السجود فعل مثل ذلك كلُّه؛ يعني: رفع يديه.
أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 602/ 1087) و (2/ 231/ 1143)، وفي الكبرى (1/ 343/ 678) و (1/ 367/ 733)، وأبو عوانة (1/ 426/ 1587)، وأبو العباس السراج في مسنده (94)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (2494 و 2568)، والطحاوي في المشكل (15/ 59/ 5839)، والطبراني في الكبير (19/ 285/ 629)، وابن حزم في المحلى (4/ 92).
قال قتادة: "لم أسمع أحدًا تابعه على السجود"[قلت: كذا في حديث السراج، ولعله تحرَّف "قتادة" عن "أبي قدامة" عبيد الله بن سعيد، شيخ السراج، وراويه عن معاذ، فإن معاذًا هو المتفرد بهذه اللفظة من حديث أبيه هشام الدستوائي، وخالفه في ذلك الحفاظ، والله أعلم].
ب - خالفه: يزيد بن زريع [ثقة ثبت]، وعبد الصمد بن عبد الوارث [ثقة]، وأبو عامر العقدي [ثقة]:
فرووه عن هشام الدستوائي، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن
الحويرث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبَّر رفع يديه حتَّى يجعلهما قريبًا من أذنيه، وإذا ركع صنع مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك.
أخرجه ابن ماجة (859)، وأحمد (5/ 53)، وابن قانع في المعجم (3/ 46)، والطبراني في الكبير (19/ 285/ 629).
ورواية الجماعة هذه هي الصواب، وهِمَ فيه معاذ بن هشام بذكر الرفع مع الرفع من السجود، ومعاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي: صدوق، وهو كما قال ابن عدي:"ربما يغلط في الشيء بعد الشيء"[التهذيب (4/ 102)].
وعليه: فلا تثبت هذه الزيادة أيضًا من حديث هشام الدستوائي، والله أعلم.
• ورواه الحجاج بن الحجاج الباهلي الأحول [ثقة، من أصحاب قتادة]، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث،
…
الحديث.
أخرجه ابن حبان في كتاب الصلاة (13/ 89/ 16457 - إتحاف المهرة)، بإسناد لا بأس به إلى حجاج.
• ورواه همام بن يحيى: ثنا قتادة، عن نصر بن عاصم، عن مالك بن الحويرث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حِيال فروع أذنيه في الركوع والسجود.
أخرجه أحمد (5/ 53)، وأبو عوانة (1/ 427/ 1590).
وهذه الرواية وهمٌ بذكر الرفع مع السجود، والمحفوظ بدونها، كما رواه أصحاب قتادة الأثبات: شعبة، وابن أبي عروبة، وهشام الدستوائي، وتابعهم: أبو عوانة، وحماد بن سلمة، وغيرهما، وهمام: ثقة، لكنه ربما غلِط في الحديث، والله أعلم.
• وانظر فيمن وهم فيه أيضًا على قتادة: مصنف عبد الرزاق (2/ 68/ 2521).
• ورواه خالد بن عبد الله الواسطي، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، أنَّه رأى مالك بن الحويرث، إذا صلى كبر، ثم رفع يديه، وإذا أراد أن يركع رفع يديه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفع يديه، وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل هكذا.
أخرجه البخاري (737)، ومسلم (391/ 24)، وأبو عوانة (1/ 426/ 1586)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 13/ 860)، وابن خزيمة (1/ 295/ 585)، وابن حبان (5/ 191/ 1873)، والبيهقي في السنن (2/ 27 و 71)، وفي المعرفة (1/ 543 / 767).
وانظر أيضًا: رفع اليدين (108)، مصنف ابن أبي شيبة (1/ 213 / 2437).
• وأخيرًا: فإن حديث مالك بن الحويرث في رفع اليدين في المواضع الثلاثة: حديث صحيح، وأما ذكر الرفع فيه مع السجود، أو مع الرفع منه: فشاذٌ؛ لا يثبت، والله أعلم.
***
746 -
قال أبو داود: حدثنا ابن معاذ: حدثنا أبي، ح، وحدثنا موسى بن مروان: حدثنا شعيب -يعني: ابن إسحاق- المعنى، عن عمران، عن لاحقٍ، عن
بشير بن نَهيك، قال: قال أبو هريرة: لو كنتَ قُدَّامَ النبي صلى الله عليه وسلم لرأيتَ إبِطَه [وفي نسخة: إبطيه].
زاد ابن معاذ، قال: يقول لاحقٌ: ألا ترى أنَّه في الصلاة لا يستطيع أن يكون قدَّام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وزاد موسى: يعني: إذا كبَّر رفع يديه.
• حديث شاذ.
معاذ بن معاذ العنبري: ثقة متقن، وابنه عبيد الله بن معاذ: ثقة حافظ، وهما بصريان، وشعيب بن إسحاق الدمشقي، أصله بصري: ثقة، وموسى بن مروان البغدادي، سكن الرقة: ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه أبو حاتم وأبو داود وجماعة من الأئمة والثقات [التهذيب (4/ 187)، الجرح والتعديل (8/ 164 و 165)، تاريخ بغداد (13/ 41)، تاريخ دمشق (61/ 209)].
وعليه: فإسناده صحيح إلى عمران بن حدير السدوسي البصري، وهو: ثقة، ولاحق هو: ابن حميد بن سعيد السدوسي البصري أبو مجلز، وهو: تابعي ثقة.
وعليه: فإن الإسناد الأول لأبي داود: إسناد بصري صحيح، ويعضده الإسناد الثاني ويزيده قوة.
وبشير بن نهيك أبو الشعثاء البصري: ثقة، سمع أبا هريرة، وكان قد كتب عنه كتابًا مما سمعه منه، ثم عرضه على أبي هريرة، واستجازه فأجازه، قال وكيع، عن عمران بن حدير، عن أبي مجلز، عن بشير بن نهيك، قال: كتبت عن أبي هريرة كتابًا، فلما أردت أفارقه، قلت: يا أبا هريرة! إني كتبت عنك كتابًا، فأرويه عنك، قال: نعم، اروِه عني، وفي رواية: كنت أكتب ما أسمعه من أبي هريرة، فلما أردت أن أفارقه أتيته بكتابي، فقلت: هذا ما سمعته منك؟ قال: نعم، وفي رواية معاذ بن معاذ: كنت أكتب ما أسمع من أبي هريرة، فلما أردت أن أفارقه أتيته بكتابه فقرأته عليه، وقلت له: هذا ما سمعت منك؟ قال: نعم، وفي رواية: كنت أكتب بعض ما أسمع من أبي هريرة
…
[العلم لأبي خيثمة (154 و 137)، مصنف ابن أبي شيبة (5/ 314/ 26432)، العلل ومعرفة الرجال (1/ 214/ 238)، سنن الدارمي (1/ 138/ 494)، تاريخ ابن أبي خيثمة (1/ 479/ 1914 - السفر الثاني)، المعرفة والتاريخ (3/ 119)، علل الترمذي الكبير (367 و 368) و (42)، شرح المعاني (4/ 320)، المحدث الفاصل (702)، المدخل إلى السنن الكبرى (771)، الجامع لأخلاق الراوي (2/ 134/ 1407 و 1408)، الكفاية (275)، المطالب العالية (12/ 625/ 3039)، تحفة التحصيل (38)].
[التاريخ الكبير (2/ 105)، كنى مسلم (1599)، الجرح والتعديل (2/ 379)، سؤالات البرقاني (55)، التهذيب (1/ 237)].
وقد روى له البخاري ومسلم عن أبي هريرة أربعة أحاديث، اتفقا على ثلاثة منها، وانفرد مسلم بحديث [البخاري (2492 و 2504 و 2526 و 2527) و (2626) و (5864)، ومسلم (1502 و 1503) و (1559/ 24) و (1626) و (2089)].
• هكذا أخرج أبو داود هذا الحديث في أبواب رفع اليدين في الصلاة، بينما أخرجه النسائي في باب صفة السجود، من كتاب التطبيق.
قال النسائي في المجتبى (2/ 212/ 1107)، وفي الكبرى (1/ 351 / 698):
أخبرنا محمد بن عبد الله بن بزيع [بصري، ثقة]، قال: حدثنا معتمر بن سليمان، عن عمران، عن أبي مجلز، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة، قال: لو كنتُ بين يدَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبصرتُ إبطيه، قال أبو مجلز: كأنه قال ذلك لأنَّه في صلاة.
وهذا إسناد بصري صحيح.
فحمله النسائي على حال السجود، بينما حمله أبو داود على حال رفع اليدين عند التكبير في الصلاة، وهذا هو الأقرب؛ فإن راويه موسى بن مروان هو الَّذي فسره بذلك، وهو ما يؤيده ظاهر النص فإن الإبطين لا يُبصران حال الصلاة في السجود من أمام المصلي؛ بل من ورائه، وأبو هريرة يقول: لو كنت قدامه، لو كنت بين يديه.
فلا يُرى الإبِطانِ حينئذٍ إلا حالًا رفع اليدين رفعًا شديدًا، أو بمحاذاة الأذنين مع مجافاة اليدين عن الجنبين، وهذا الاحتمال الثاني مردود، لا يدل عليه ظاهر النص، فإن المجافاةَ وصفٌ زائد مؤثر يحتاج إلى ذكره والتنبيه عليه، ألا ترى أن الذين رووا بدو بياض الإبطين حال السجود قرنوه بالمجافاة، أو بالتخوية، أو بتفريج الأيدي، مع كونه ملازم له؟
وعلى هذا فإن الاحتمال الأول هو الصواب، ويبدو لي أن هذا وهم من أحد الرواة، فإن الأحاديث الصحيحة قد جاءت برفع اليدين إلى المنكبين، أو إلى محاذاة الأذنين، أو فروعهما، وفي كل ذلك: لا يُرى الإبطان حال الرفع، حتَّى يرفعَ يديه عاليًا فوق أذنيه على أقل تقدير، إن لم يكن فوق رأسه، ولم يثبت هذا من فعله صلى الله عليه وسلم إلا حال الدعاء في الاستسقاء وغيره.
كما روى حميد عن أَنس بن مالك في وصف دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء، فقال: فمد يديه حتى رأيت بياض إبطيه يستسقي الله عز وجل[أخرجه البخاري في رفع اليدين (160)، وفي الأدب المفرد (612)، والنسائي (3/ 165/ 1527)، وابن خزيمة (3/ 145/ 1789)، وابن حبان (7/ 107 / 2859)، وأحمد (3/ 104 و 187)، وابن أبي شيبة (2/ 231/ 8448)، وعبد بن حميد (1417)، وغيرهم، وهو حديث صحيح]، ورواه ثابت عن أَنس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء حتَّى يُرى بياض إبطيه [أخرجه مسلم (895)]، ورواه قتادة عن أَنس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في
الاستسقاء، وإنه يرفع حتَّى يُرى بياض إبطيه [أخرجه البخاري (1031 و 3565)، ومسلم (896)].
وكما جاء في حديث أبي حميد الساعدي، في قصة ابن اللتبية: ثم رفع يديه حتَّى رأيت بياض إبطيه [وفي رواية: عُفرة إبطيه]: "ألا هل بلَّغت"[أخرجه البخاري (2597 و 6636 و 6979 و 7174 و 7197)، ومسلم (1832)].
وكما جاء في حديث أبي موسى الأشعري، في قصة أبي عامر في جيش أوطاس: ثم رفع يديه، ثم قال:"اللَّهُمَّ اغفر لعُبَيدٍ أبي عامر" حتَّى رأيت بياض إبطيه [أخرجه البخاري (4323 و 6383)، ومسلم (2498)].
وانظر: صحيح البخاري، (80) كتاب الدعوات، (23) باب رفع الأيدي في الدعاء، وفي الباب أحاديث أخرى في رؤية بياض الأبطين كلها في الدعاء، أو في الإشهاد، أو الاستنصار، والله أعلم.
وأما الحديث في رؤية الإبطين حال السجود فهو ثابت صحيح [مثل حديث: عبد الله بن مالك بن بحينة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى فرَّج بين يديه، حتَّى يبدو بياض إبطيه. أخرجه البخاري (390 و 807 و 3564)، ومسلم (495)]، لكن حديث الباب ظاهره في رفع اليدين عند التكبير في الصلاة من غير مجافاة، لكن النسائي قد استشكله فعدل عن ظاهر الرواية لما فيها من مخالفة، وأورده في صفة السجود، حيث يجد ما يوافقه من الأحاديث الصحيحة، وكما قلت؛ فإن هذا الحديث إنما هو وهم من الراوي، إنما هو في الدعاء.
• فقد وجدت: ابن أبي عدي [بصري، ثقة] رواه عن سليمان التيمي، عن بركة، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمُدُّ يديه حتَّى إني لأرى بياض إبطيه.
وقال سليمان: يعني: في الاستسقاء.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 334/ 1413)، وأحمد (2/ 235 - 236)، والطبراني في الدعاء (2176).
وهذا إسناد بصري صحيح.
• ورواه إسحاق بن راهويه [ثقة حافظ، إمام فقيه]، وعمرو بن علي الفلاس [ثقة حافظ]، وعفان بن مسلم [ثقة ثبت]، وعارم محمد بن الفضل أبو النعمان [ثقة ثبت]، ومحمد بن يزيد [هو: ابن الرواس: شيخ للبزار، وروى عنه جماعة، يروي عن المعتمر بن سليمان، وعبد الله بن إدريس، وحاتم بن وردان، ويزيد بن زريع، وغيرهم، ولم أر من تكلم فيه بجرح أو تعديل]:
ثنا معتمر، عن أبيه، عن بركة، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى حتَّى رأيت - أو: رُئِي - بياض إبطيه. قال معتمر: أُراه في الاستسقاء.
كذا في رواية عفان، وفي رواية عارم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء حتَّى أرى بياض إبطيه، قال أبي -وهو أبو المعتمر-: لا أظنُّه إلا في الاستسقاء. وبنحوه رواية محمد بن يزيد، وبمعناه رواية الفلاس؛ إلا أنَّه لم يذكر الإبطين.
وقال ابن راهويه: أخبرنا المعتمر بن سليمان: حدثني أبي، عن بركة، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء حتَّى يُرى إبطاه.
قال أبي: أرى ذلك في الاستسقاء.
أخرجه النسائي في الكبرى (2/ 321/ 1834)، وابن ماجة (1271)، وأحمد (2/ 370)، وإسحاق (1/ 158 / 98)، والبزار (4/ 42/ 3147 - كشف)(2154 - مختصر الزوائد)، والدارقطني في المؤتلف (1/ 201).
وهذا أيضًا إسناد بصرى صحيح.
وقد احتجوا به في الاستسقاء، كما هو ظاهر.
وأخرجه الدارقطني في الأفراد (2/ 266/ 5044 - أطرافه)، وقال:"تفرد به سليمان التيمي، عن بركة، عن بشير".
وقد سئل الدارقطني عن حديث بشير بن نهيك عن أبي هريرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعًا يديه في الاستسقاء حتَّى يُرى بياض إبطيه؟
فقال: "يرويه سليمان التيمي، وقد اختلف عنه، فرواه الحارث بن نبهان [وهو: متروك، منكر الحديث]، عن سليمان التيمي، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة.
وخالفه معتمر وابن أبي عدي، فروياه عن التيمي، عن بركة، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة. وهو الصواب" [العلل (9/ 75/ 1652)].
قلت: رواية الحارث بن نبهان وصلها: أبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 181).
• وحاصل ما تقدم:
فقد روى عمران بن حدير، عن أبي مجلز، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة، قال: لو كُنْتُ بين يدَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبصرتُ إبطيه، أو كما قال في لفظ معاذ.
وروى سليمان التيمي، عن بركة، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمُدُّ يديه حتَّى إني لأرى بياض إبطيه. وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء حتَّى أَرى بياض إبطيه، قال سليمان: يعني في الاستسقاء.
وأبو مجلز: تابعي ثقة، وبركة المجاشعي، أبو الوليد البصري، ويقال: أبو العريان: تابعي ثقة، قال أبو زرعة:"ثقة"، وذكره ابن حبان وابن خلفون في الثقات، وقال الدارقطني:"شيخ للبصريين، يُعتبر به"[مسند عمر ليعقوب بن شيبة (106)، سؤالات البرقاني (54)، إكمال مغلطاي (2/ 369)، التهذيب (1/ 218)].
ورواية بركت المجاشعي عندي أشبه بالصواب، من رواية أبي مجلز، ذلك أن رواية بركة موافقة للأحاديث الصحيحة، بينما رواية أبي مجلز مخالفة لما صح من أحاديث في
مقدار رفع اليدين في الصلاة، والحمل فيه عندي على بشير بن نهيك نفسه، فإنه وإن وثقه: أحمد والنسائي والعجلي وابن سعد والدارقطني، فقد قال فيه أبو حاتم:"لا يحتج بحديثه"، ولن يقول ذلك أبو حاتم حتَّى تكون قد قامت عنده الحجة أنَّه قد وهم في بعض ما يروي، بحيث يحتاج في قبول حديثه إلى متابع يعضد روايته، أو شاهد صدق على حفظه وضبطه للحديث.
هذا من وجه، ومن وجه آخر: فقد روي عن بشير أنَّه قال: كنت أكتب بعض ما أسمع من أبي هريرة
…
، فلعل هذا الحديث مما لم يكتبه بشير، ومن ثم فلم يعرضه على أبي هريرة فيما عرض عليه من كتابه، فلم يستثبت فيه بالسماع والعرض معًا، كما وقع له فيما كتبه مما سمع، ويكون الوهم قد دخل عليه من قبل حفظه، فحدّث به أبا مجلز على الوجه الأول فوهم، وحدّث به بركة على الوجه الثاني الموافق لصحيح الأحاديث، فأصاب، والله أعلم.
• وفي الباب أيضًا مما وقفت عليه صريحًا في رفع اليدين عند الركوع، وعند الرفع من الركوع [ولم أتعرض للأحاديث التي جاء فيها الرفع عند الافتتاح لكونه موضع اتفاق، وإنما أردت إيراد الأحاديث التي فيها إثبات الرفع الزائد على الافتتاح]:
1 -
حديث جابر بن عبد الله:
روى أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي: حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير، أن جابر بن عبد الله كان إذ افتتح الصلاة، وفي رواية: رأيت جابر بن عبد الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه إذ كبر، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، ولم يرفع بين ذلك، فقلت له: ما هذا؟ فقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي.
أخرجه ابن ماجة (868)، وأبو العباس السراج في مسنده (92)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 414 - نصب الراية)(3/ 469 - البدر المنير)، وابن عبد البر في التمهيد (9/ 217).
قال البيهقي: "هكذا رواه أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي، عن إبراهيم بن طهمان، وتابعه زياد بن سوقة"، قال:"وهذا حديث صحيح، رواته عن آخرهم ثقات".
وقال مغلطاي: "إسناده صحيح، محتج به"[شرح سنن ابن ماجة (5/ 1488)].
• ورواه الحاكم في المعرفة (161)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 203)، والبيهقي في الخلافيات (1/ 414 - نصب الراية)(3/ 469 - البدر المنير)، والخطيب في تاريخ بغداد (1/ 319)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (5/ 88)، وأبو طاهر السلفي في حديثه عن حاكم الكوفة (2).
من طريق: أبي العباس محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي، قال: حدثنا أحمد بن سيار، قال: حدثنا محمد بن كثير العبدي، قال: ثنا سفيان الثوري، قال: حدثني أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر يرفع يديه إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.
قال أبو عبد الله الحاكم: "وهذا الحديث شاذ الإسناد والمتن؛ إذ لم نقف له على علة، وليس عند الثوري عن أبي الزبير هذا الحديث، ولا ذكر أحد في حديث رفع اليدين أنَّه في صلاة الظهر أو غيرها، ولا نعلم أحدًا رواه عن أبي الزبير غير إبراهيم بن طهمان وحده تفرد به؛ إلا حديث يحدث به سليمان بن أحمد الملطي من حديث زياد بن سوقة، وسليمان: متروك، يضع الحديث، وقد رأيت جماعة من أصحابنا يذكرون أن علته: أن يكون عن محمد بن كثير عن إبراهيم بن طهمان، وهذا خطأ فاحش، وليس عند محمد بن كثير عن إبراهيم بن طهمان حرف، وهذا كما يقال: قستَ فأخطأتَ، فإنهم يرون عند أبي حذيفة عن إبراهيم بن طهمان، فيتوهمون قياسًا أن محمد بن كثير يروي عن إبراهيم بن طهمان، كما روى أبو حذيفة؛ لأنهما جميعًا رويا عن الثوري، وليس كذلك فإن أبا حذيفة قد روى عن جماعة لم يسمع منهم محمد بن كثير، منهم: إبراهيم بن طهمان، وشبل بن عباد، وعكرمة بن عمار، وغيرهم من أكابر الشيوخ"[المعرفة (161 - ط الهلال) (380 - ط ابن حزم)].
وقال في موضع آخر: "هذا حديث لم نكتبه من حديث سفيان الثوري عن أبي الزبير إلا عن شيخنا أبي العباس محمد بن أحمد بن محبوب التاجر، وهو: ثقة مأمون، وإنما نعرفه من حديث إبراهيم بن طهمان، عن أبي الزبير"[(3/ 469 - البدر المنير)].
وقال الخطيب: "هذا حديث غريب من حديث الثوري عن أبي الزبير عن جابر، تفرد بروايته عنه: محمد بن كثير العبدي، ولم يروه عن ابن كثير غير أحمد بن سيار المروزي، ولا نعلم رواه عن أحمد بن سيار إلا المحبوبي".
قلت: وهو كما قالوا؛ غريب من حديث الثوري، وبزيادة صلاة الظهر، شاذ من هذا الوجه، وإنما يُعرف من حديث ابن طهمان عن أبي الزبير عن جابر، ولابن طهمان عن أبي الزبير في هذا عن ابن عباس وعن ابن عمر موقوفًا عليهما، انظر: الحديثين المتقدمين برقم (740 و 741).
• ورواه سلمة بن صالح، عن محمد بن المنكدر، عن جابر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.
أخرجه أحمد بن منيع في مسنده (4/ 459/42 - مطالب)، وابن عدي في الكامل (3/ 330)، والخطيب في التاريخ (9/ 133).
وهذا منكر من حديث ابن المنكدر؛ تفرد به سلمة بن صالح الأحمر الواسطي: ضعفوه، وتركه بعضهم، وقد روى عن حماد بن أبي سليمان ومحمد بن المنكدر مناكير، فيترك فيهما، ويكتب حديثه في غيرهما [الكامل (3/ 330)، تاريخ بغداد (9/ 130)، اللسان (4/ 118)][له ذكر تحت الحديث رقم (622)].
• وروى نصر بن باب، عن حجاج، عن الذيال بن حرملة، قال: قلت لجابر بن عبد الله: كم كنتم يوم الشجرة؟ قال: [كنا] ألفًا وأربعمائة، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم فرفع يديه في كل تكبيرة.
وفي رواية: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في كل تكبيرة في الصلاة.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 105)، وأحمد (3/ 310).
قال البخاري بعد أن أخرجه في ترجمة نصر بن باب: "كان بنيسابور، يرمونه بالكذب"؛ يعني: شيخ أحمد، نصر بن باب، وهو أحد الهلكى الذين روى عنهم أحمد، وخفي عليه حالهم، وهو: متروك، كذبه أبو خيثمة وغيره، وقد ضعفوه [اللسان (8/ 257)، التعجيل (1098)]، والحجاج بن أرطأة: ليس بالقوي، يدلس عن الضعفاء والمتروكين، والذيال بن حرملة: فيه جهالة، وهو قليل الرواية، وقد ذكره ابن حبان في الثقات، وصحح له الحاكم [سؤالات الآجري (79)، الثقات (4/ 222)، المستدرك (2/ 253)، التعجيل (300)].
فهو حديث باطل.
2 -
حديث عائشة:
رواه السري بن عاصم: ثنا عصمة بن محمد بن فضالة بن عبيد: ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.
أخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 372).
قال ابن عدي: "وعصمة بن محمد هذا: له غير ما ذكرت عن يحيى بن سعيد وموسى بن عقبة وهشام بن عروة وغيرهم من المدنيين، وكل حديثه غير محفوظ، وهو منكر الحديث".
قلت: هو حديث باطل، وعصمة بن محمد هذا: متروك، قال ابن معين:"كذاب، يضع الحديث"[اللسان (5/ 438)]، والسري بن عاصم: كذاب، يسرق الحديث [اللسان (4/ 22)].
3 -
حديث أنس:
رواه عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي [ثقة]: ثنا حميد، عن أَنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا سجد. وفي لفظ: كان يرفع يديه في الركوع والسجود.
أخرجه البخاري في رفع اليدين (26)، والترمذي في العلل الكبير (99)، وابن ماجة (866)، وابن خزيمة (1/ 300 - مصباح الزجاجة)، وابن حبان في وصف الصلاة بالسُّنَّة (1/ 613/ 889 - إتحاف المهرة)، والضياء في المختارة (6/ 52/ 2025 و 2026)، وابن أبي شيبة (1/ 213/ 2434)، وأبو يعلى (6/ 424/ 3752 و 3793)، والدارقطني (1/ 290)، وأبو طاهر المخلص في الأول من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (116)، وفي السادس (104)(1123 - المخلصيات)، وفي العاشر (120)(2275 - المخلصيات)، وابن حزم في المحلى (4/ 92).
• خالفه فأوقفه:
معاذ بن معاذ العنبري، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي [وهم ثقات حفاظ]:
فرووه عن حميد، عن أَنس؛ أنَّه كان يرفع يديه إذا دخل في الصلاة، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. لفظ معاذ.
أخرجه البخاري في رفع اليدين (130 و 168)، وابن أبي شيبة (1/ 213/ 2433)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 138/ 1386).
هكذا موقوفًا على أنس من فعله، وهو الصواب.
قال الترمذي: "قال محمد [يعني: البخاري]: وعبد الوهاب الثقني: صدوق صاحب كتاب، وقال غير واحد من أصحاب حميد: عن حميد عن أَنس، فِعلُه".
وقال الدارقطني: "لم يروه عن حميد مرفوعًا غير عبد الوهاب، والصواب: من فعل أَنس"، وهو كما قال، فرواية الحفاظ مقدمة على رواية عبد الوهاب الثقفي.
وقد تعقبه الضياء المقدسي صاحب المختارة، بعد أن أسنده في مختارته (6/ 53 / 2027) من طريق: يزيد بن هارون، عن حميد الطويل، عن أَنس بن مالك، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.
فقال: "فرواية يزيد بن هارون مما يقوي رواية عبد الوهاب، والله أعلم"، ثم قال:"إنما يريد الدارقطني تفرد الثقفي بذكر الرفع في السجود".
قلت: هذا المثال مما يُظهر فضل المتقدم على المتأخر، وأنه ينبغي على المتأخر أن لا يعترض على من تقدمه من الأئمة - لا سيما مع شدة فحصهم، وقوة بحثهم، وصحة نظرهم، وتقدمهم؛ بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك، والتسليم لهم فيه [انظر: النكت على ابن الصلاح لابن حجر (2/ 726)]- حتَّى تلوح له القرائن الواضحة المبينة، المقترنة بأقوال أو إشارات بعض معاصريهم، بحيث يمكن الجزم معها بأن الإمام قد فاته ما يمكن الاستدراك به عليه، والله أعلم.
وكلام الضياء هنا غير وجيه؛ لأسباب؛ منها: جزم الدارقطني بأن الثقفي هو المتفرد برفع هذا الحديث عن حميد، وأن غيره قد أوقفه، وهذا مع شدة فحصه، وسعة روايته، فكان ينبغي على الضياء أن يتثبت من صحة الطريق إلى يزيد أولًا، فكما قالوا: ثبت العرش ثم انقش، ومنها: عدم إشارة الدارقطني إلى أن تفرد الثقفي إنما كان بذكر الرفع في السجود دون ما عداه من الحديث، ومنها: أن الحديث المرفوع لو كان معروفًا من طريق يزيد بن هارون لاشتهر عند أئمة هذا الشان، ولأدخلوه في مصنفاتهم، لعلو إسناده، وصحته [وقد أخرج البخاري والترمذي والنسائي - من أصحاب الكتب الستة - بهذه الترجمة تسعة أحاديث (808 - 816 - التحفة)، صحح منها البخاري ثلاثة (378 و 847 و 3575)، وصحح الترمذي منها أربعة (1058 و 2841 م و 3003 و 3201)]، ومنها: عدم صحة
الطريق التي احتج بها الضياء على الدارقطني، فإنها لا تثبت أصلًا إلى يزيد بن هارون، فقد أخرجها الضياء من طريق: أبي بكر عبد الرحمن بن محمد بن علُّويه القاضي: ثنا إسماعيل بن أحمد بن أسد والي خراسان: ثنا أبي، عن يزيد بن هارون به.
وأخرجه أبو عثمان البحيري في الرابع من فوائده (50)، من نفس الطريق، ومن طريقه: أخرجه الضياء.
فهو حديث موضوع، مختلق مصنوع، مركَّب الإسناد، فإن أبا بكر عبد الرحمن بن محمد بن علُّويه القاضي: اتهمه بالوضع الحاكم وغيره، وقال غنجار:"حدث بأحاديث مناكير عن إسماعيل بن أحمد والي خراسان، وكان متهمًا بوضعها، قال: وكان يتولى عمل المظالم بخراسان، وكان كذابًا"[اللسان (5/ 126)]، كما أن في الإسناد مجاهيل، وفي تفردهم به عن يزيد بن هارون نكارة، فضلًا عن كونه مختلقًا مصنوعًا.
• وروى علي بن الجعد، قال: أنا الربيع بن صبيح، عن يزيد الرقاشي، قال: قلت لأنس بن مالك: يا أبا حمزة صلِّ لنا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يصلي بكم، فكبر فرفع يديه، فلما أراد أن يركع كبر ورفع يديه، فلما قال: "سمع الله لمن حمده، رفع يديه، وكان يكبر إذا سجد، وإذا نهض من الركعتين.
أخرجه أبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (3156)، وعنه: ابن عدي في الكامل (3/ 133)، وأبو طاهر المخلص في التاسع من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (63)(1950 - المخلصيات)، ورشيد الدين العطار في نزهة الناظر (34).
وإسناده ضعيف؛ يزيد بن أبان الرقاشي: ضعيف؛ والربيع بن صبيح: ليس بالقوي [انظر: التهذيب (1/ 593)، الميزان (2/ 41)].
• وروى الحسين بن الأسود: حدثني محمد بن الصلت: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن حميد، عن أَنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبر، ورفع يديه حتَّى يحاذي بإبهاميه أذنيه، ثم يقول:"سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرك".
أخرجه أبو يعلى (6/ 389/ 3735)، والدارقطني (1/ 299)، ومن طريقه: ابن الجوزي في التحقيق (1/ 341/ 440).
قال أبو حاتم: "هذا حديث كذب، لا أصل له"، ومحمد بن الصلت: لا بأس به، كتبت عنه" [العلل (1/ 135/ 374)].
قلت: آفته: الحسين بن علي بن الأسود هذا، قال ابن عدي:"يسرق الحديث"[الكامل (2/ 368)، التهذيب (1/ 425)، الميزان (1/ 543)، [وقد سبق تخريجه في الذكر والدعاء (1/ 154/ 78)].
• وروى ابن الأعرابي في المعجم (3/ 941 / 1997): نا أبو رفاعة العدوي، قال: سمعت عبد الله بن حرب الليثي [ثقة. الجرح والتعديل (5/ 41)، تاريخ الإسلام
(17/ 214)]، قال: سمعت معتمر بن سليمان، يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أنسًا، يقول: ما آليت ما اقتديت بكم به من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبي: ما آليت ما اقتديت بكم من صلاة أنس، قال المعتمر: ما آليت ما اقتديت بكم من صلاة أبي، قال عبد الله بن حرب: وصلى لنا المعتمر، فكان إذا كبر رفع يديه في كل خفض ورفع، وبين الركعتين.
وهو حديث غريب من حديث معتمر بن سليمان التيمي، وأبو رفاعة العدوي هو: عبد الله بن محمد بن عمر بن حبيب البصري، وثقه الخطيب البغدادي، وله أوهام في رفع الموقوفات [علل الدارقطني (10/ 325/ 2036)، تاريخ بغداد (10/ 83)، المنتظم (12/ 247)، تاريخ الإسلام (20/ 378)].
• وانظر أيضًا في الأباطيل عن أنس: تاريخ ابن أبي خيثمة (1/ 55/ 81 - السفر الثاني)، المجروحين (1/ 316)، المعجم الأوسط للطبراني (9/ 105/ 9257)، الكامل (3/ 387)، سنن الدارقطني (1/ 345)، مستدرك الحاكم (1/ 226)، سنن البيهقي (2/ 99)، تاريخ بغداد (4/ 174)، المختارة للضياء المقدسي (6/ 294/ 2310)، الفتح لابن رجب (4/ 327 - 328).
وانظر فيما صح موقوفًا على أنس: رفع اليدين للبخاري (46 و 118).
4 -
حديث أبي موسى الأشعري:
روى النضر بن شميل، وبهز بن أسد، وزيد بن الحباب [وهم ثقات]:
عن حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس، عن حطان بن عبد الله، عن أبي موسى الأشعري، قال: هل أريكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكبر ورفع يديه، ثم كبر ورفع يديه للركوع، ثم قال:"سمع الله لمن حمده" ثم رفع يديه، ثم قال: هكذا فاصنعوا، ولا يرفع بين السجدتين.
أخرجه الدارقطني (1/ 292).
قال الدارقطني في السنن: "رفعه هذان عن حماد، ووقفه غيرهما عنه"؛ يعني: النضر وزيدًا.
وقال في العلل (2/ 254/ 1333) عن حديث أبي موسى في صفة الصلاة: "ورواه حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس، عن حطان، عن أبي موسى موقوفًا.
وقال بهز بن أسد والنضر بن شميل عن حماد بهذا الإسناد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وغيرهما يرويه عن حماد موقوفًا".
وقال أيضًا: "والصواب من حديث الأزرق بن قيس عن حطان: قول من وقفه عن حماد بن سلمة، واللّه أعلم".
قلت: وممن أوقفه: عبد الله بن المبارك، وحجاج بن منهال، روياه عن حماد بن سلمة به موقوفًا.
أخرجه ابن المنذر (3/ 138/ 1387)، والبيهقي (1/ 415 - نصب الراية)(3/ 472 - البدر المنير).
5 -
حديث عمير بن قتادة، وقيل: ابن حبيب الليثي:
رواه رفدة بن قضاعة الغساني، عن الأوزاعي، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه، عن جده [عمير بن حبيب]؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في كل خفض ورفع.
وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع كل تكبيرة في الصلاة المكتوبة.
أخرجه ابن ماجه (861)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 173/ 910)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 65)، وابن قانع في معجم الصحابة (2/ 228)، وابن حبان في المجروحين (1/ 304)، والطبراني في الكبير (17/ 48/ 104)، وابن عدي في الكامل (3/ 175)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 358)، وفي معرفة الصحابة (4/ / 2091/ 5263)، والخطيب في تاريخ بغداد (2/ 253) و (11/ 400)، والجوزقاني في الأباطيل والمناكير (2/ 26/ 396)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (18/ 154) و (37/ 374) و (41/ 248) و (52/ 350)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 426/ 724).
قال مهنا: "سألت أحمد ويحيى عن هذا الحديث؟ فقالا جميعًا: ليس بصحيح، قال أحمد: لا يعرف رفدة بن قضاعة، وقال يحيى: هو شيخ ضعيف"[بدائع الفوائد (3/ 598)، الفتح لابن رجب (4/ 328)].
وذكر المفضل بن غسان الغلابي هذا الحديث ليحيى بن معين؛ فأنكر يحيى هذا الحديث، والإسناد [تاريخ دمشق (18/ 155)].
وقال البخاري في رفدة: "عن الأوزاعي، لا يتابع في حديثه"[التاريخ الأوسط (2/ 256/ 2515)].
وقال العقيلي: "لا يتابع على حديثه"، ثم أسند حديثه هذا ثم قال:"الرواية في هذا الباب ثابتة عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأما هذا الإسناد فلا يُعرف إلا من حديث رفدة هذا".
قلت: لعله أراد مطلق الرفع في مواضعه الأربعة المحفوظة، فهو الثابت من حديث جماعة من الصحابة، لا أنه أراد الرفع مع كل تكبيرة، فإنه لا يثبت فيه حديث.
وقال ابن حبان في رفدة هذا: "من أهل الشام يروي عن الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز، روى عنه هشام بن عمار، كان ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، لا يحتج به إذا وافق الثقات، فكيف إذا انفرد عن الأثبات بالأشياء المقلوبات".
ثم قال: "وهذا خبر إسناده مقلوب، ومتنه منكر؛ ما رفع النبي صلى الله عليه وسلم يده في كل خفض ورفع قط، وأخبار الزهري عن سالم عن أبيه تصرح بضده، أنه لم يكن يفعل ذلك بين السجدتين"، ونقل بعضه الجوزقاني في الأباطيل.
وقال ابن عدي: "وهذا الحديث يعرف برفدة بن قضاعة عن الأوزاعي"، ثم ذكر أنه
قد تابعه عليه: أحمد بن أبي روح، عن محمد بن مصعب، عن الأوزاعي به، ثم أسنده إليه، وأحمد بن أبي روح هذا يروي عن محمد بن مصعب أحاديث منكرة [اللسان (1/ 461)].
وقال أبو نعيم: "غريب من حديث عبد الله والأوزاعي، لا أعلم أحدًا رواه إلا رفدة بن قضاعة".
وقال الخطيب: "غريب لم أكتبه إلا بهذا الإسناد".
وقال ابن كثير في الأحكام الكبير (3/ 309): "وقوله في الرواية: عن جده عمير بن حبيب: غلط؛ إنما هو عمير بن قتادة بن سعد بن عامر الليثي، والله أعلم".
وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (319): "هذا إسناد فيه رفدة بن قضاعة، وهو ضعيف، وعبد الله لم يسمع من أبيه شيئًا، قاله ابن جريج، حكاه عنه البخاري في تاريخه".
قلت: ما حكاه ابن جريج أن عبد الله بن عبيد لم يسمع من أبيه شيئًا، ولا يذكره، فقد ذكره البخاري في التاريخ الكبير (5/ 455)، لكنه معارض بقول البخاري نفسه في التاريخ (5/ 143) في ترجمة عبد الله بن عبيد بأنه قد سمع أباه، ثم ذكر حجته في سماعه من أبيه، وإنما الآفة فيه من رفدة هذا، والله أعلم.
فهو حديث منكر، ورفدة هذا: منكر الحديث [التهذيب (1/ 610)، الميزان (2/ 53)][وانظر: سؤالات البرذعي (578)]، وقد رواه بإسناد آخر، وتلوَّن فيه:
فرواه رفدة مرة أخرى عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة، ويقول: لو قطعت يدي لرفعت ذراعي، ولو قطعت ذراعي لرفعت عضدي.
ذكره الدارقطني في العلل (9/ 1763/282).
قال الدارقطني: "وخالفه مبشر بن إسماعيل وغيره، فرووه عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة: رأيت أبا هريرة يكبر، لم يذكر الرفع، وفي آخره: إنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الصواب.
وقد رواه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، فرواه عمرو بن علي، عن ابن أبي عدي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ أنه كان يرفع يديه في كل خفض ورفع، يقول: أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولم يتابع عمرو بن علي على ذلك، وغيره يرويه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع، وهو الصحيح".
وحديث عمرو بن علي الفلاس حديث شاذ، وتقدم ذكره تحت الحديث المتقدم برقم (738)، والله أعلم.
6 -
حديث علي بن أبي طالب:
روى إسرائيل بن حاتم المروزي أبو عبد الله: ثنا مقاتل بن حيان، عن الأصبغ بن نُباتة، عن علي بن أبي طالب، قال: لما نزلت هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} [الكوثر:1 - 2]، قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل:"ما هذه النحيرة التي يأمرني بها ربي عز وجل"، قال:"ليست بنحيرة، ولكنه يأمرك إذا تحرَّمت للصلاة: أن ترفع يديك إذا كبرت، وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع [وإذا سجدت]؛ فإنها من صلاتنا، وصلاة الملائكة الذين في السماوات السبع، وإن لكل شيء زينةً، وزينةُ الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة"، وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رفع الأيدي في الصلاة من الاستكانة"، قلت: فما الاستكانة؟ قال: "ألا تقرأ هذه الآية: {فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76]، قال: "هو الخضوع".
أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (10/ 19508/3470)، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 499/ 967)، وابن حبان في المجروحين (1/ 177)، والحاكم في المستدرك (2/ 538)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (10/ 311)، والبيهقي (2/ 75)، وألمح إلى تضعيفه، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 389/ 965).
قال ابن حبان عن إسرائيل بن حاتم هذا: "شيخ يروي عن مقاتل بن حيان الموضوعات، وعن غيره من الثقات الأوابد والطامات، يروي عن مقاتل بن حيان ما وضعه عليه عمر بن صبح، كأنه كان يسرقها منه،
…
"، ثم قال بعد أن أسند هذا الحديث: "وهذا متن باطل إلا ذكر رفع اليدين فيه، وهذا خبر رواه عمر بن صبح عن مقاتل بن حيان، وعمر بن صبح: يضع الحديث، فظفر عليه إسرائيل بن حاتم فحدث به عن مقاتل بن حيان".
وتعقب الذهبيُّ الحاكمَ، فقال في تلخيص المستدرك:"إسرائيل صاحب عجائب لا يعتمد عليه، وأصبغ شيعي، متروك عند النسائي".
وقال ابن الجوزي: "هذا حديث موضوع، وضعه من يريد مقاومة من يكره الرفع، والصحيح يكفي".
وقال ابن كثير في تفسيره (4/ 559): "حديث منكر جدًّا".
وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 273): "وإسناده ضعيف جدًّا، واتهم به ابن حبان في الضعفاء: إسرائيل بن حاتم".
وقال في الإتحاف (11/ 301/ 14054) متعقبًا الحاكم: "لم يتكلم عليه، وإسرائيل: منكر الحديث".
وانظر فيمن سرقه أيضًا وحدث به عن مقاتل بن حيان، أو أبهم راويه عن مقاتل: تاريخ بغداد (14/ 422)، الخلافيات (3/ 291 - الأحكام الكبير لابن كثير).
قلت: هو حديث موضوع، إسرائيل بن حاتم المروزي هو كما قال ابن حبان [انظر:
اللسان (2/ 93)]، والأصبغ بن نُباتة: متروك، منكر الحديث، عامة ما يرويه عن عليٍّ لا يُتابع عليه [انظر: التهذيب (1/ 184)، الميزان (1/ 271)].
7 -
حديث معاذ بن جبل:
رواه محبوب بن الحسن القرشي، عن الخصيب بن جحدر، عن النعمان بن نعيم، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في صلاته رفع يديه قبالة أذنيه، فإذا كبر أرسلهما ثم سكت، وربما رأيته يضع يمينه على يساره، فإذا فرغ من فاتحة الكتاب سكت، فإذا ختم السورة سكت، ثم يرفع يديه قبالة أذنيه، ويكبر ويركع، وكنا لا نركع حتى نراه راكعًا، ثم يستوي قائمًا من ركوعه، حتى يأخذ كل عضو مكانه، ثم يرفع يديه قبالة أذنيه، وبكبر ويخر ساجدًا، وكان يمكن جبهته وأنفه من الأرض، ثم يقوم كأنه السهم لا يعتمد على يديه، وكان إذا جلس في آخر صلاته اعتمد على فخذه اليسرى، ويدُه اليمنى على فخذه اليمنى، ويشير بإصبعه إذا دعا، وكان إذا سلم أسرع القيام.
أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 74/ 139)، بإسناد صحيح إلى محبوب.
وهذا حديث موضوع؛ النعمان بن نعيم: لا يُعرف، هو أحد شيوخ الخصيب المجهولين، والخصيب بن جحدر: كذاب [اللسان (3/ 360) وغيره]، ومحبوب بن الحسن، هو: محمد بن الحسن بن هلال بن أبي زينب، لقبه: محبوب، وهو: ليس به بأس، لينه أبو حاتم، وضعفه النسائي [التهذيب (3/ 542)، الميزان (3/ 514)].
8 -
حديث أعرابي رأى النبي صلى الله عليه وسلم:
رواه سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، قال: حدثني من سمع الأعرابي، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، قال: فرفع رأسه من الركوع، فرفع كفيه حتى حاذتا -أو: بلغتا- فروع أذنيه، كأنهما مِرْوَحَتانِ.
أخرجه أحمد (5/ 6)، والحارث بن أبي أسامة (177 - زوائده)(4/ 181/ 518 - مطالب)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6/ 7199/3124).
وإسناده ضعيف؛ لأجل الواسطة المبهمة، وبقية رجاله ثقات، والله أعلم.
• تنبيه:
قال البيهقي في الخلافيات (2/ 72 - مختصره): "وقد سمعت الحاكم أبا عبد الله يقول: لا نعلم سُنَّةً اتفق على روايتها عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الخلفاءُ الأربعة، ثم العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، فمن بعدهم من أكابر الصحابة على تفرقهم في البلاد [الشاسعة] غير هذه السُّنَّة"، قال البيهقي:"وهو كما قال أستاذنا أبو عبد الله رضي الله عنه"[انظر: الأحكام الكبير لابن كثير (3/ 283)].
وقد تُعُقِّب الحاكم فيما قاله، وتبعه عليه البيهقي:
قال ابن دقيق العيد في الإمام: "وجزْمُ الحاكم برواية العشرة ليس عندي بجيد؛ فإن الجزم إنما يكون حيث يثبت الحديث ويصح، ولعله لا يصح عن جملة العشرة" [نصب
الراية (1/ 417)، الأحكام الكبير (3/ 283)، طرح التثريب (2/ 230)].
وقال ابن كثير في الأحكام الكبير (3/ 293) بعد أن ذكر رواية أبي بكر الصديق وعمر وعلي [وقد تقدمت جميعًا في مواضعها]، قال: "اعلم أني فتشت مسند العشرة من مسند أحمد بن حنبل، ومعجم الطبراني، ومسند الحافظين أبي بكر البزار، وأبي يعلى الموصلي، فلم أجد لغير من ذكرته روايةً في رفع اليدين؛ لا في الافتتاح، ولا الركوع، ولا الرفع منه، وليس ذلك في شيء من الكتب الستة أيضًا.
ولست أدري من أي موضع قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري ما قال من أن هذه السُّنَّة رواها العشرة المشهود لهم بالجنة، ولم يروِ هو ذلك ولا شيئًا منه في مستدركه، ولا ابن حبان، ولا ابن خزيمة، ولا رأيت ذلك في كتاب مسند؛ إلا ما حكاه البيهقي عن الحاكم رحمهما الله تعالى، والله الموفق للصواب.
وأما حديث أبي حميد الساعدي في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بحضرة عشرة من الصحابة، فوافقوه على ما ذكر، لكن العشرة ليسوا هم المشهود لهم بالجنة؛ لأنه قد سُمِّي كثير منهم في الرواية،
…
".
***
747 -
. . . ابن إدريس، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، قال: قال عبد الله: علَّمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصلاةَ، فكبر ورفع يديه، فلما ركع طبَّق يديه بين ركبتيه.
قال: فبلغ ذلك سعدًا، فقال: صدق أخي، قد كنا نفعلُ هذا، ثم أُمِرْنا بهذا؛ يعني: الإمساكَ على الركبتين.
• حديث صحيح.
أخرجه البخاري في رفع اليدين (72)، والنسائي في المجتبى (2/ 184/ 1031)، وفي الكبرى (1/ 321/ 623)، وابن خزيمة (1/ 301/ 595)، وابن حبان في كتاب الصلاة (10/ 357/ 12928 - إتحاف المهرة)، وابن الجارود (196)، والحاكم (1/ 224)، وأحمد في المسند (1/ 418 - 419)، وفي مسائل ابنه عبد الله (253)، وفي العلل ومعرفة الرجال (1/ 370/ 714)، وابن أبي شيبة في المسند (1/ 140/ 188)، وفي المصنف (1/ 222/ 2541)، والبزار (5/ 46/ 1608)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 151/ 1394)، والدارقطني في السنن (1/ 339)، وفي الأفراد (1/ 132/ 527 - أطرافه) و (2/ 30/ 3820 - أطرافه)، والبيهقي في السنن (2/ 78)، وفي المعرفة (1/ 564/ 799)، والحازمي في الاعتبار (1/ 345/ 99).
وفي رواية: ووضع الكفين على الركبتين.
وقد احتج أبو حاتم بهذا الحديث على نسخ التطبيق الوارد في حديث ابن مسعود، فقال:"حديث ابن مسعود في التطبيق منسوخ؛ لأن في حديث ابن إدريس، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، عن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم طبَّق، ثم أُخبر سعدٌ، فقال: صدق أخي، قد كنا نفعل، ثم أُمِرنا بهذا؛ يعني: بوضع اليدين على الركبتين"[العلل (246)].
وكذا احتج به ابن خزيمة في صحيحه على النسخ، فقال:"باب ذكر نسخ التطبيق في الركوع، والبيان على أن وضع اليدين على الركبتين ناسخ للتطبيق؛ إذ التطبيق كان مقدَّمًا، ووضع اليدين على الركبتين مؤخَّرًا بعده، فالمقدَّم منسوخ، والمؤخَّر ناسخ".
وكذا الحازمي في الاعتبار، حيث قال:"ففي إنكار سعد حكم التطبيق بعد إقراره بثبوته، دلالة على أنه عرف الأول والثاني، وفهم الناسخ والمنسوخ".
وقد احتج أحمد والبخاري والبيهقي بحديث ابن إدريس هذا على رد زيادة: فلم يرفع يديه إلا مرةً، أو: ثم لم يعد، والواردة في الحديث الآتي، ويأتي نقل كلامهم هناك.
وقال البزار: "وهذا الحديث رواه عاصم بن كليب، وعاصم في حديثه اضطراب، ولا سيما في حديث الرفع، ذكره عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، عن عبد الله: أنه رفع يديه في أول تكبيرة، ورواه عن أبيه، عن وائل بن حجر: أنه رفع يديه حين افتتح الصلاة، وحين رفع رأسه من الركوع، وروى عن محارب بن دثار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أيضًا، وروى عن أبيه، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه رآه يرفع في أول مرة".
قلت: لم يضطرب فيه عاصم بن كليب، وهو محفوظ عنه على وجوه سبق ذكرها، وقد توبع عليها [انظر الحديث السابق برقم (743)].
وقال الدارقطني في السنن: "هذا إسناد ثابت صحيح".
وقال في العلل (5/ 172/ 804): "وإسناده صحيح".
قلت: وهو كما قال.
وقال في الأفراد: "غريب من حديث علقمة عن سعد بن أبي وقاص، تفرد به: عبد الله بن إدريس، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة".
وتقدم نقل احتجاج الأئمة به على هذا الوجه.
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بهذه السياقة، إنما اتفقا على حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: كنا نطبق، ثم أمرنا بالإمساك بالركب".
وصححه ابن خزيمة وابن الجارود، واحتج به أبو داود والنسائي.
وأما ما قيل عن عدم سماع عبد الرحمن بن الأسود من علقمة، فدعوى لا دليل عليها، ولا يُعرف قائل ذلك، إنما حكاه ابن الجوزي والمنذري، ولم ينسباه لأحد