المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌123 - باب السكتة عند الافتتاح - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٨

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌109 - باب ما ينهي عنه من المرور بين يدي المصلي

- ‌110 - باب ما يقطع الصلاة

- ‌111 - باب سُترة الإمام سترةُ مَن خلفَه

- ‌112 - باب من قال: المرأة لا تقطع الصلاة

- ‌(1/ 462)].***113 -باب من قال: الحمار لا يقطع الصلاة

- ‌114 - باب من قال: الكلب لا يقطع الصلاة

- ‌115 - باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء

- ‌أبواب تفريع استفتاح الصلاة

- ‌116 - باب رفع اليدين

- ‌117 - باب افتتاح الصلاة

- ‌118 - باب من ذكر أنَّه يرفع يديه إذا قام من اثنتين

- ‌119 - باب من لم يذكر الرفع عند الركوع

- ‌120 - باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة

- ‌121 - باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء

- ‌(13/ 496/ 14370)].***122 -باب من رأى الاستفتاح بسبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك

- ‌123 - باب السكتة عند الافتتاح

- ‌124 - باب ما جاء في من لم ير الجهر بـ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}

- ‌125 - باب ما جاء في من جهر بها

- ‌126 - باب تخفيف الصلاة للأمر يحدث

- ‌127 - باب في تخفيف الصلاة

- ‌128 - باب ما جاء في نقصان الصلاة

- ‌(1/ 116/ 444)].***129 -باب ما جاء في القراءة في الظهر

الفصل: ‌123 - باب السكتة عند الافتتاح

وقال إسحاق بن منصور في مسائله لأحمد (185): "قلت: ما يقول إذا افتتح الصلاة؟ قال: أما أنا فاذهبُ إلى قول عمر رضي الله عنه، وإنْ قال كُل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس به بأس، وعامته ما قال في صلاة الليل، ذُكِر له حديث علي بن علي؛ فلم يعبأ به شيئًا"، قلت: يعني: حديث أبي سعيد المتقدم (775)، وانظر: الفتح لابن رجب (4/ 348).

وفي هذه النقول عن الإمام أحمد ما يدل على أن هذا الذكر لا يصح عنده مرفوعًا من وجه، إنما يصح عن عمر بن الخطاب موقوفًا عليه.

وقال البيهقي في سننه الكبرى (2/ 34): "وأصح ما روي فيه: الأثر الموقوف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه".

وانظر: الفتح لابن رجب (4/ 346).

وانظر بقية ما ورد في باب أدعية الاستفتاح في تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 150 - 164)، والله أعلم.

***

‌123 - باب السكتة عند الافتتاح

777 -

. . . إسماعيل، عن يونس، عن الحسن، قال: قال سَمُرة: حفِظْتُ سَكتَتَين في الصلاة، سكتةً إذا كبَّر الإمامُ حتى يقرأ، وسكتةً إذا فرغ من فاتحةِ الكتاب وسورةٍ عند الركوع.

قال: فأنكر ذلك عليه عِمرانُ بن حُصَين، قال: فكتبوا في ذلك إلى المدينة إلى أبيٍّ فصدَّق سمرة.

قال أبو داود: كذا قال حميد في هذا الحديث: وسكتةً إذا فرغ من القراءة.

• حديث صحيح.

أخرجه ابن ماجه (845)، وأحمد (5/ 21)، والدارقطني (1/ 336)، والبيهقي (2/ 196)، وابن عبد البر في التمهيد (11/ 41)، والخطيب في الموضح (1/ 421).

ووقع عند الدارقطني في رواية: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين في الصلاة، وهذا صريح في الرفع، واللفظ الآخر لا يضيره عدم التصريح، إذ لا يُحفظ مثل هذا إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ هو المصدر الذي يتلقى عنه الصحابة صلاتهم وعبادتهم، وأما لفظ رواية الدارقطني فشاذة، فقد رواه جماعة من الحفاظ عن ابن علية بدون التصريح، والله أعلم.

قال الدارقطني: "الحسن مختلف في سماعه من سمرة، وقد سمع منه حديثًا واحدًا، وهو حديث العقيقة؛ فيما زعم قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد"[وانظر: الإتحاف (6/ 17/ 6057)].

ص: 404

قلت: راجع مسألة تدليس الحسن، وسماعه من سمرة: الحديث رقم (27) و (355)، ومما خلُصت إليه هناك بشأن سماع الحسن من سمرة:

أن الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة، والباقي كتاب غير مسموع؛ إلا أنه وجادة صحيحة معمول بها عند الأئمة، وعليه فإنه إذا صح الإسناد إلى الحسن البصري؛ فحديثه عن سمرة محمول على الاتصال، وهو صحيح.

وسيأتي الكلام عن هذا الحديث بخصوصه في آخره إن شاء الله تعالى.

• وقد اختلف في هذا الحديث على يونس بن عبيد:

أ- فرواه إسماعيل ابن علية [وهو ثقة ثبت]، عن يونس به هكذا.

تابعه على رفعه: عبيد الله بن تمام [ضعفوه، روى عن يونس وغيره أحاديث منكرة. اللسان (5/ 319)]، عن يونمس، عن الحسن، عن سمرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسكت في الصلاة سكتتين.

أخرجه ابن المقرئ في المعجم (182).

ب- ورواه هشيم بن بشير [ثقة ثبت]، قال: أنبأنا منصور ويونس، عن الحسن، عن سمرة بن جندب؛ أنه كان إذا صلى بهم سكت سكتتين: إذا افتتح الصلاة، وإذا قال:{وَلَا الضَّالِّينَ} سكت أيضًا هُنَيَّةً، فأنكروا ذلك عليه، فكتب إلى أُبيِّ بن كعب، فكتب إليهم أُبيٌّ: إن الأمر كما صنع سمرة.

وفي رواية الدارقطني: هشيم، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن سمرة؛ أنه كان إذا افتتح الصلاة سكت هنيهة، وإذا قرأ:{وَلَا الضَّالِّينَ} سكت سكتةً، فأُنكِر ذلك عليه، فكُتِب في ذلك إلى أُبيِّ بن كعب، فكَتب: أن الأمر كما صنع سمرة.

أخرجه أحمد (5/ 23)، والدارقطني (1/ 336)، ومن طريقه: البيهقي في القراءة خلف الإمام (300).

هكذا وقع في رواية هشيم من فعل سمرة، موقوفًا عليه، لكن كتابة أُبي إليهم دالة على رفعها، فإن قوله: الأمر كما صنع سمرة؛ دالٌّ على ما عهدوه من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، إذ إنه مصدر التشريع لا غيره.

ج- ورواه يزيد بن زريع [ثقة ثبت]: حدثنا يونس، عن الحسن، عن سمرة، قال: كان إذا كبر سكت هُنيَّة، وإذا فرغ من قراءة السورة سكت هُنيَّة، فانكر ذلك عليه عمران بن حصين، فكتبوا إلى أُبيِّ بن كعب، فكتب أُبيٌّ يصدِّقه.

أخرجه أحمد (5/ 11 و 23)، والبيهقي في القراءة خلف الإمام (299).

هكذا رواه عن يزيد: عفان بن مسلم، ومحمد بن المنهال التميمي المجاشعي [وهما: ثقتان حافظان]، ويقال فيه مثل ما قيل في رواية هشيم.

ورواه البزار (10/ 403/ 4542)، قال: حدثنا الفضيل بن الحسين، قال: نا يزيد بن

ص: 405

زريع، عن يونس، عن الحسن، عن سمرة رضي الله عنه قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتان: سكتة إذا ابتدأ الصلاة، وسكتة إذا فرغ من قراءته.

وأظن هذه الرواية وهمًا لما وقع فيها من التصريح بالرفع، والمحفوظ ما تقدم، وأبو كامل الجحدري فضيل بن حسين بن طلحة، وإن كان ثقة، موصوفًا بالإتقان، إلا أن كلًّا من عفان بن مسلم ومحمد بن المنهال أحفظ منه، ويحتمل أن يكون قد دخل لأبي كامل حديث في حديث؛ فقد روى يزيد بن زريع أيضًا: ثنا سعيد: ثنا قتادة، عن الحسن؛ أن سمرة بن جندب وعمران بن حصين تذاكرا، فحدَّث سمرة اْنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين: سكتةً إذا كبر، وسكتةً إذا فرغ من قراءته عند ركوعه [ويأتي برقم (779)]، فلعل الحديث كان عند أبي كامل عن يزيد على الوجهين، ثم دخل له حديث يزيد عن يونس في حديث يزيد عن سعيد، كما أن هذا المتن معروف من حديث حميد وقتادة عن الحسن، والله أعلم.

د- ورواه عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي [ثقة]، عن يونس، عن الحسن، قال: يسكت الإمام سكتتينِ: إذا كبَّر قبل أن يقرأ، وسكتةً إذا فرغ من السورة قبل أن يركع.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 247/ 2842)(2/ 518/ 2859 - ط عوامة).

هكذا من قول الحسن مقطوعًا عليه، لم يذكر أحدًا فوق الحسن.

قلت: والمحفوظ من حديث يونس بن عبيد عن الحسن: رواية الجماعة [ويونس: ثقة ثبت، من أثبت أصحاب الحسن البصري]، وله حكم الرفع [كما سبق تقريره]، وأما السكتتان: فالأولى: إذا كبَّر الإمامُ حتى يقرأ، والثانية: إذا فرغ من قراءة السورة قبل الركوع، وأما قول هشيم: وإذا قرأ: {وَلَا الضَّالِّينَ} سكت سكتةً؛ فهو شاذ، وقول ابن علية ويزيد بن زريع وغيرهما: أولى بالصواب، والله أعلم.

• وأما روايه حميد [التي علَّقها أبو داود]:

فرواها عفان بن مسلم، وأبو الوليد الطيالسي، وموسى بن إسماعيل، وأبو داود الطيالسي، ويزيد بن هارون، وأبو كامل مظفر بن مدرك، وهدبة بن خالد، وأبو عمر حفص بن عمر الضرير، وشيبان بن فروخ [وهم ثقات]:

عن حماد بن سلمة، عن حُميد، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ كان يسكت سكتتين: إذا دخل في الصلاة، وإذا فرغ من القراءة، فأنكر ذلك عمران بن حصين، فكتبوا إلى أُبيِّ بن كعب، فكتب إليهم أن: صدق سمرة.

وفي رواية أبي الوليد: سكتة حين يكبر، وسكتة حين يفرغ من قراءته.

وفي رواية يزيد بن هارون: سكتة حين يفتتح الصلاة، وسكتة إذا فرغ من السورة الثانية قبل أن يركع.

أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (278)، والدارمي (1/ 313/ 1243)، وأحمد (5/ 15 و 20 و 21)، وابن أبي شيبة (1/ 247/ 2840)، وابن المنذر في الأوسط

ص: 406

(3/ 118/ 1340)، والطبراني في الكبير (7/ 226/ 6942)، والدارقطني (1/ 309)، والبيهقي في المعرفة (2/ 58/ 929)، وفي الخلافيات (2/ 46 - مختصره).

وأما ما رُوي عن عفان، قال: حدثنا حماد به، وفيه: سكتة إذا قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم [كما عند: الدارقطني والبيهقي في الخلافيات]، فهي رواية شاذة عن عفان، فضلًا عن شذوذها من حديث حماد بن سلمة، فقد رواه الأئمة الحفاظ [مثل: أبي بكر بن أبي شيبة وأحمد والدارمي، وتابعهم من الثقات: أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري] عن عفان، بلفظ: إذا دخل في الصلاة، وتابعه على هذا اللفظ جماعة ممن رواه عن حماد [مثل: أبي كامل، وهدبة، وشيبان]، وهو معنى ما روى بقية الرواة عن حماد، وعليه: فإن ذكر البسملة في هذا الحديث لا يثبت بحال؛ لتفرد: جعفر بن محمد بن شاكر بها، وهو وإن كان ثقة، إلا أنه لا يبلغ رتبة ابن أبي شيبة وأحمد والدارمي في الحفظ والإتقان، وضبط حديث عفان، فلم يتابع جعفر على هذه اللفظة، لا عن عفان، ولا ممن روى الحديث عن حماد، والله أعلم [وانظر: الطيوريات (390)].

ومن رأى ثبوتها -على أنها مروية بالمعنى- فقد تأولها، قال النووي في المجموع (3/ 297):"قال الخطيب: فقوله: سكتة إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم؛ يعني: إذا أراد أن يقرأ؛ لأن السكتة إنما هي قبل قراءة البسملة، لا بعدها"[وانظر أيضًا: الأحكام الكبير لابن كثير (3/ 58)، الفتح لابن رجب (4/ 369)].

وفي المجموع (3/ 297)، وغيره:"قال الدارقطني: كلهم ثقات"[انظر: تخريج الأحاديث الضعاف للغساني (253)].

وقال البيهقي في الخلافيات: "ورواة هذا الحديث كلهم ثقات، وكان علي بن المديني يثبت سماع الحسن من سمرة".

قلت: وهذا إسناد صحيح إلى الحسن البصري، وحميد الطويل من ثقات أصحاب الحسن، وفيه التصريح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

***

2778 -

قال أبو داود: حدثنا أبو بكر بن خلاد: حدثنا خالد بن الحارث، عن أشعثَ، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يسكُتُ سكتتين: إذا استفتح، وإذا فرغ من القراءة كلِّها، فذكر معنى [حديث] يونس.

• حديث صحيح.

أخرجه من طريق أبي داود: ابن عبد البر في التمهيد (11/ 42).

وهذا إسناد صحيح إلى الحسن البصري، أشعث هو: ابن عبد الملك الحمراني [انظر: التحفة (3/ 579/ 4576 - ط دار الغرب)]، وهو: ثقة، من أصحاب الحسن

ص: 407

البصري، ثبْتٌ فيه، وقد صرح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تابع في روايته: يونسَ بن عبيد وحميدًا الطويل في موضع السكتتين، الأولى: عند الاستفتاح، والثانية: قبل الركوع، وبعد الفراغ من القراءة، والله أعلم.

***

779 -

قال أبو داود: حدثنا مسدد: حدثنا يزيد: حدثنا سعيد: حدثنا قتادة، عن الحسن؛ أن سَمُرةَ بن جُندُبٍ وعِمران بن حُصين تذاكرا، فحدَّث سمرةُ بن جندب أنه حفِظَ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سكتتينِ: سكتةً إذا كبر، وسكتةً إذا فرغ من قراءة:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ، فحفظ ذلك سمرة، وأنكر عليه عمرانُ بن حصين، فكتبا في ذلك إلى أُبيِّ بن كعب، فكان في كتابه إليهما، أو: في ردِّه عليهما: أنَّ سمرة قد حفظ.

• حديث شاذ بجعل السكتة الثانية بعد الفاتحة، وهو محفوظ من وجه آخر، بلفظ: إذا فرغ من قراءته عند ركوعه.

أخرجه من طريق مسدد بن مسرهد [وهو: ثقة حافظ]: البخاري في القراءة خلف الإمام (277)، والحاكم (1/ 215)، والطبراني في الكبير (18/ 146/ 310)، والبيهقي (2/ 195).

• ورواه محمد بن عبد الله بن بزيع [ثقة]، ومحمد بن المنهال التميمي المجاشعي [ثقة حافظ]، ومحمد بن إسماعيل بن أبي سمينة [ثقة][إلا أنه اختصره، ولم يذكر موضع السكتتين]:

نا يزيد بن زريع: ثنا سعيد: ثنا قتادة، عن الحسن؛ أن سمرة بن جندب وعمران بن حصين تذاكرا، فحدَّث سمرة أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين: سكتةً إذا كبر، وسكتةً إذا فرغ من قراءته عند ركوعه.

زاد في رواية ابن المنهال: فعاب ذلك عليه عمران بن حصين، فكتبوا إلى أُبي بن كعب في ذلك، فكتب أبي: صدق سمرة، ويقول: إن سمرة حفظ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه ابن خزيمة (3/ 35/ 1578)، وابن حبان في الصلاة (6/ 16/ 6057 - إتحاف المهرة)، والحاكم (1/ 215)، والطبراني في الكبير (7/ 211/ 6875 و 6876)، والبيهقي (2/ 195) معلقًا.

ورواية الجماعة أقرب إلى الصواب، والله أعلم.

ويزيد بن زريع: ثقة ثبت، قال أحمد:"إليه المنتهى في التثبت بالبصرة"، سمع من سعيد بن أبي عروبة قبل اختلاطه، وهو من أثبت الناس فيه [الكواكب النيرات (25)، سؤالات ابن بكير (55)، شرح العلل (2/ 743)].

***

ص: 408

780 -

. . . عبد الأعلى: حدثنا سعيد بهذا، قال: عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال: سكتتانِ حفظتُهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال فيه: قال سعيد: قلنا لقتادة: ما هاتان السكتتانِ؟ قال: إذا دخل في صلاته، وإذا فرغ من القراءة، ثم قال بعدُ: وإذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} .

• حديث شاذ بهذا اللفظ، وهو محفوظ عن قتادة، مرفوعًا بلفظ: إذا فرغ من قراءته عند ركوعه.

أخرجه الترمذي (251)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(233)، وابن ماجه (844)، وابن حبان في صحيحه (5/ 112/ 1807)، وفي الصلاة (6/ 16/ 6057 - إتحاف المهرة)، والبيهقي في السنن (2/ 196).

ولفظه بتمامه عند الترمذي من نفس الوجه الذي أخرجه به أبو داود:

عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال: سكتتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكر ذلك عمران بن حصين، وقال: حفظنا سكتةً، فكتبنا إلى أبي بن كعب بالمدينة، فكتب أبي: أنْ حفِظَ سمرة.

قال سعيد: فقلنا لقتادة: ما هاتان السكتتان؟ قال: إذا دخل في صلاته، وإذا فرغ من القراءة، ثم قال بعدَ ذلك: وإذا قرأ: {وَلَا الضَّالِّينَ} ، قال: وكان يعجبه إذا فرغ من القراءة أن يسكت حتى يترادَّ إليه نفَسُه.

وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي: ثقة، قال ابن عدي بأنه أروى الناس عن ابن أبي عروبة.

• تابع عبد الأعلى على هذا الوجه:

مكي بن إبراهيم البلخي: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له سكتتان، فقال عمران بن حصين: ما أحفظهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتبوا فيه إلى أُبيِّ بن كعب، فكتب أُبي: أنَّ سمرة قد حفظ.

قلنا لقتادة: ما السكتتان؟ قال: سكتة حين يكبر، والأخرى حين يفرغ من القراءة عند الركوع، ثم قال الأخرى -يعنى: المرة الأخرى-: سكتة حين يكبر، وسكتة إذا قال:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} .

أخرجه البيهقي في السنن (2/ 196)، وفي المعرفة (2/ 58/ 930)، بإسناد صحيح إلى مكي بن إبراهيم.

ومكي بن إبراهيم: ثقة ثبت، لكنه من طبقة من سمع من ابن أبي عروبة بعد الاختلاط، وهو بلخي، كان مولده سنة (126)، وكان اختلاط سعيد سنة (145)، وعلى هذا فسماع مكي منه قبل الاختلاط مستبعد.

ص: 409

وقد أورد عبد الحق الإشبيلي حديث عبد الأعلى في الأحكام الوسطى (1/ 371)، وسكت عنه مصححًا له.

فتعقبه ابن القطان في بيان الوهم (4/ 153/ 1598) بقوله: "وسعيد بن أبي عروبة مشهور الاختلاط، وعبد الأعلى لا يُعرف متى سمع منه".

قلت: قد رواه عنه: يزيد بن زريع، وهو ممن سمع منه قبل الاختلاط، وقد رواه عن الحسن أيضًا: يونس بن عبيد، وأشعث الحمراني، وحميد الطويل [وانظر: شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي (5/ 238)].

• ورواه عن سعيد بن أبي عروبة به مختصرًا بدون ذكر موضع السكتتين:

غندر محمد بن جعفر [ثقة، وهو ممن سمع من ابن أبي عروبة بعد الاختلاط]، وعباد بن العوام [ثقة، في روايته عن ابن أبي عروبة اضطراب. شرح علل الترمذي (2/ 746)]، والمطعم بن المقدام الصنعاني [شامي، ثقة، من الطبقة السادسة، والإسناد إليه: شامي، ليس بأس به].

أخرجه أحمد (5/ 7)، والطبراني في الكبير (7/ 211/ 6876)، وفي مسند الشاميين (2/ 58/ 915).

وكذا ابن المظفر في غرائب حديث شعبة (121)[من طريق عباد بن العوام][لكن تصحف على بعض الرواة: سعيد إلى شعبة، وهو خطأ، وأظن الواهم فيه: العباس بن صالح بن علي بن مساور الحراني: لم يوثقه غير ابن حبان (8/ 514)، وكلام ابن القطان الفاسي فيه يدلُّ على جهالته عنده (3/ 267/ 1017 - بيان الوهم)].

• وعلى هذا فقد اختلفت رواية يزيد بن زريع، ورواية عبد الأعلى ومكي:

أما رواية يزيد ففيها: أن سمرة حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين: سكتةً إذا كبر، وسكتةً إذا فرغ من قراءته عند ركوعه، فعاب ذلك عليه عمران بن حصين، فكتبوا إلى أُبي بن كعب في ذلك، فكتب أبي: صدق سمرة، ويقول: إن سمرة حفظ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هكذا روى الحديث مرفوعًا ببيان السكتتين، وأن السكتة الثانية عند فراغه من القراءة قبل الركوع.

وأما رواية عبد الأعلى ومكي ففيها: أن سمرة، قال: سكتتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،. . . وذكرا باقي القصة، إلا أنهما جعلا بيان موضع السكتتين من قول قتادة، مقطوعًا عليه، ولم يسنداه، مع تردد قتادة في السكتة الثانية؛ أهي بعد الفاتحة، أم بعد السورة وقبل الركوع.

والأقرب عندي: أن هذه الرواية مما حدَّث به سعيد بعد اختلاطه، لا سيما مع وقوع هذا التردد فيها، حيث اتفقت رواية مكي [وهو متأخر الطبقة] مع رواية عبد الأعلى، بينما خالفتهما رواية يزيد بن زريع، وهو: ثقة ثبت متقن، إليه المنتهى في التثبت بالبصرة، وهو

ص: 410

أثبت من روى هذا الحديث عن ابن أبي عروبة، وهو المقدَّم فيه على غيره، قديم السماع منه، روى عنه قبل الاختلاط.

وعليه: فإن رواية بزيد هي المقدَّمة على رواية هذين، وهي الصواب، والله أعلم.

• فإن قيل: تابع عبد الأعلى ومكيَّ بن إبراهيم عن ابن أبي عروبة على هذا الوجه:

سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، قال: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم سكتتان، فقال عمران بن حصين: ما حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتبوا في ذلك إلى أُبي بن كعب، فقال: حفظ سمرة، قال سعيد: سكتة حين يكبر، وأخرى إذا قال:{وَلَا الضَّالِّينَ} .

أخرجه الطبراني في مسند الشاميين (4/ 31/ 2652).

فيقال: هي متابعة قاصرة، فإن سعيد بن بشير لم يذكر بيان السكتتين من قول قتادة، وإنما قاله من قِبَل نفسه، فلو قيل بأنه تابع غندرًا ومن معه، لكان أقرب.

ثم إن سعيد بن بشير: ضعيف، يروي عن قتادة المنكرات [تقدم ذكره تحت الأحاديث المتقدمة برقم (27 و 73 و 180 و 306 و 490 و 570 و 671 و 675) وغيرها]، والإسناد إليه لا يصح، شيخ الطبراني: موسى بن عيسى بن المنذر الحمصي: قال النسائي: "ليس بثقة"، وترك الرواية عنه [تاريخ الإسلام (20/ 478) و (21/ 312)، اللسان (8/ 215)].

• خالف ابنَ أبي عروبة [وهو: ثقة ثبت، من أثبت الناس في قتادة]:

بحرُ بن كنيز السقاء [وهو: متروك]، فرواه عن قتادة، عن عمران بن حصين، قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سكتةٌ، قال سمرة: سكتتانِ، فكتبوا إلى أُبيِّ بن كعب، فكتب: أن قد حفظتَ يا سمرة، ونسي الناس.

أخرجه الطبراني في الكبير (18/ 146/ 311)، بإسناد فيه ضعف؛ فيه: سويد بن سعيد الحدثاني، وقد ضُعِّف.

وهذا إسناد واهٍ، وهو منكر من حديث قتادة.

• وروي عن قتادة من وجه آخر:

روى الطبراني في الكبير (7/ 244/ 6994)، قال: حدثنا بكر بن مقبل البصري [هو بكر بن أحمد بن مقبل البصري: ثقة حافظ. سؤالات السهمي (219)، تاريخ الإسلام (23/ 29)، السير (14/ 205)]: ثنا ريحان أبو غسان: ثنا الصلت بن محمد أبو همام الخاركي [ثقة]: ثنا عون بن معمَّر العوذي [تصحف في المطبوع إلى: عوف بن معمر العودي][ثقة، يُغرب. تاريخ ابن معين للدوري (4/ 85/ 3264)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 373/ 2662)، الجرح والتعديل (6/ 387)، الثقات (8/ 516)، تاريخ أسماء الثقات (1095)، سؤالات البرقاني (384)، المؤتلف والمختلف (4/ 2026)، الأنساب (4/ 257)، اللسان (6/ 252)]، عن إبراهيم الصائغ [إبراهيم بن ميمون الصائغ: لا بأس به]، قال: سألت مطرًا الوراق [مطر بن طهمان الوراق: صدوق، كثير الخطأ]، فقلت: أيقرأ

ص: 411

الرجل: بسم الله الرحمن الرحيم، ويتعوذ من الشيطان الرجيم في كل ركعة، وفي كل سورة يفتتحها؟ فقال: أخبرني قتادة، عن محمد بن سيرين، عن عمران بن حصين وسمرة بن جندب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"هما السكتتان، يفعل ذلك في نفسه إذا افتتح الصلاة، وإذا نهض من الجلوس في الركعتين".

قال الهيثمي في المجمع (2/ 108): "رواه الطبراني في الكبير، وفيه ريحان أبو غسان، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".

قلت: هو حديث باطل، لا هو من حديث ابن سيرين، ولا من حديث قتادة، وريحان أبو غسان هذا لم أقف له على ترجمة؛ إلا في المقتنى (4920)، بما يدل على جهالته، وأستبعد أن يكون تحرف عن روح أبي غسان، وهو: روح بن حاتم أبو غسان البصري، وقيل: كوفي، وهو: صدوق مشهور، من شيوخ البزار [الجرح والتعديل (3/ 500)، وقال: "روى عنه أُبي، وسئل عنه؟ فقال: صدوق"، مسند البزار (15/ 253/ 8715)، وقال: "وكان من الفهماء الثقات"، الثقات (8/ 244)، وقال: "مستقيم الحديث"، وصحح له (6533)]، وقد ذكره المزي فيمن روى عن الصلت الخاركي [التهذيب (13/ 229)]، وله عند البزار رواية عن الصلت [البحر الزخار (13/ 234/ 6732)]، والله أعلم.

وعلى فرض كونه روح بن حاتم؛ فهو إسناد غريب جدًّا؛ وقد خالف فيه مطرٌ الوراق [على ما فيه من ضعف] سعيدَ بن أبي عروبة، الثقة الثبت، المقدَّم في أصحاب قتادة، فهو على ذلك أيضًا: منكر من حديث قتادة، والله أعلم.

وقد روى هشام بن حسان عن ابن سيرين؛ أنه كان يستعيذ في كل ركعة، هكذا من فعله، مقطوعًا عليه [مصنف عبد الرزاق (2/ 86/ 2591)، الأوسط لابن المنذر (3/ 89)، المحلى (3/ 249)، سنن البيهقي (2/ 36)].

• والحاصل: فإن رواية قتادة في المحفوظ عنه [فيما رواه يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة]: موافقة لرواية الجماعة عن الحسن [يونس بن عبيد، وأشعث بن عبد الملك الحمراني، وحميد الطويل]؛ في موضع السكتتين، الأولى: عند الاستفتاح، والثانية: قبل الركوع، وبعد الفراغ من القراءة، والله أعلم.

• والحديث قد رواه أيضًا: هشيم بن بشير [ثقة ثبت]، قال: أنبأنا منصور ويونس، عن الحسن، عن سمرة بن جندب؛ أنه كان إذا صلى بهم سكت سكتتين: إذا افتتح الصلاة، وإذا قال:{وَلَا الضَّالِّينَ} سكت أيضًا هُنَيَّةً، فأنكروا ذلك عليه، فكتب إلى أُبيِّ بن كعب، فكتب إليهم أُبيٌّ: إن الأمر كما صنع سمرة.

أخرجه أحمد (5/ 23).

وهذه متابعة أخرى لمن روى الحديث عن الحسن، ومنصور بن زاذان: ثقة ثبت، كبير الشأن، من أصحاب الحسن، وهشيم أروى الناس عنه، وأعلمهم بحديثه [انظر: العلل ومعرفة الرجال (1/ 542/ 1287)، الجرح والتعديل (9/ 115)].

ص: 412

لكن هشيمًا خالف في متنه أصحاب يونس، مثل: ابن علية ويزيد بن زريع وغيرهما، حيث جعل السكتة الثانية بعد قول الإمام:{وَلَا الضَّالِّينَ} ؛ وهو شاذ، تقدم التنبيه عليه في حديث يونس برقم (777)، والله أعلم.

فهل حمل هشيمٌ لفظَ يونس على لفظِ منصور؟ فاللَّه أعلم؛ لكن تبقى رواية الجماعة عن الحسن هي الصواب، وهي جعل السكتة الثانية بعد الفراغ من القراءة، واللَّه أعلم.

[وانظر فيما لم يسمعه هشيم من منصور، أو من يونس: تاريخ ابن معين للدوري (4/ 145/ 3620)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 255/ 2168) و (2/ 279/ 2253)].

• وقد رواه جماعة من الثقات، فأبهموا من رواه عن الحسن، وهو ثابت عنه، كما تقدم بيانه، حيث رواه عن الحسن جماعة من أصحابه الثقات، مثل: يونس، ومنصور، وأشعث الحمراني، وحميد الطويل، وقتادة.

أ- رواه معمر، وابن جريج، عن غير واحد، عن الحسن، قال: كان سمرة بن جندب يؤمُّ الناس فكان يسكت سكتتين: إذا كبر للصلاة، وإذا فرغ من قراءة أم القرآن، فعاب عليه الناس، فكتب إلى أُبيِّ بن كعب في ذلك؛ أن الناس عابوا عليَّ، فنسيتُ وحفظوا، أو حفظتُ ونسوا، فكتب إليه أبيٌّ: بل حفظتَ ونسوا، فكان الحسن يقول: إذا فرغ الإمام من قراءة أم القرآن فاقرأ بها أنت.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 134/ 2792) و (2/ 141/ 2820).

تقدم بيان أن المحفوظ عن الحسن موصولًا برواية جماعة من ثقات أصحابه: أن السكتة الثانية هي بعد الفراغ من القراءة، والله أعلم.

ب- ورواه عوف بن أبي جميلة الأعرابي، قال: بلغني عن الحسن، عن سمرة بن جندب؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكت سكتتين في الصلاة: سكتةً إذا كبر، وسكتةً إذا فرغ من قراءة السور.

أخرجه الروياني (867).

وهذه الرواية موافقة لرواية الجماعة عن الحسن.

• وعلى هذا يتبين أن الراجح عن الحسن في هذا الحديث أنهما سكتتان، الأولى: بعد تكبيرة الإحرام، والثانية: بعد الفراغ من القراءة، ومن قال: بعد الفاتحة؛ فقد وهِم، قال البيهقي (2/ 196):"ويحتمل أن يكون هذا التفسير وقع من رواية [كذا، ولعلها: من الرواة] عن الحسن فلذلك اختلفوا".

• ونختم طرق الحديث، بذكر رواية منكرة عن الحسن:

فقد روى حفص، عن عمرو، عن الحسن، قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سَكَتاتٍ: إذا افتتح التكبير حتى يقرأ الحمد، وإذا فرغ من الحمد حتى يقرأ السورة، وإذا فرغ من السورة حتى يركع.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 247/ 2837)، عن حفص به.

ص: 413

حفص هو: ابن غياث، وعمرو الأقرب أنه: عمرو بن عبيد بن باب، شيخ القدرية والمعتزلة: متروك، يكذب على الحسن؛ وإنما هما سكتتان لا ثالث لهما، والله أعلم.

• وأخيرًا: فقد ثبت هذا الحديث بالأسانيد الصحيحة إلى الحسن البصري من طرق متعددة، رواه عنه ثقات أصحابه: يونس بن عبيد، وأشعث بن عبد الملك الحمراني، وحميد الطويل، وقتادة، ومنصور بن زاذان.

وقد سبق أن قررتُ في أول الباب: أن الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة، والباقي كتاب غير مسموع؛ إلا أنه وجادة صحيحة معمول بها عند الأئمة، وعليه فإنه إذا صح الإسناد إلى الحسن البصري؛ فحديثه عن سمرة محمول على الاتصال، وهو صحيح.

وهذا الحديث يروي فيه الحسن واقعةً لم يشهدها، فإن الحسن لم يسمع من عمران بن حصين [المراسيل (119 - 126)، نصب الراية (1/ 90)، تحفة التحصيل (71)]، وروايته عن أُبيِّ مرسلة، فإنه لم يدركه، بينهما عُتيُّ بن ضمرة [تحفة الأشراف (9 - 11 و 66 و 67)، إتحاف المهرة (98 - 104)، نصب الراية (1/ 91)، تحفة التحصيل (75)، التهذيب (1/ 388)].

وعلى هذا فالأقرب أن هذا الحديث وقع للحسن من كتاب سمرة، وكما سبق أن ذكرت بأنها وجادة صحيحة، معمول بها، ويشهد له حديث أبي هريرة الآتي بعد هذا، لكن في السكتة الأولى فقط، وليس في هذا ما يستنكر؛ فإن السكتة الثانية سكتة لطيفة، يتراد الإمام فيها نفَسَه، كالفصل بين الآيات أثناء التلاوة، ولذا أنكرها عمران بن حصين لقِصَرها، بينما أثبتها أُبيُّ بن كعب، ووافق سمرةَ على أنها محفوظة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو حديث صحيح، والله تعالى أعلم.

قال الترمذي: "حديث سمرة: حديث حسن".

وقال الطوسي: "ويقال: هو أحسن حديث، وأصحه".

وقال ابن حبان: "الحسن لم يسمع من سمرة شيئًا، وسمع من عمران بن حصين هذا الخبر، واعتمادنا فيه على عمران دون سمرة".

قلت: الأمر على العكس من ذلك، فإن كلام كبار الأئمة النقاد، مثل: أحمد وابن معين وابن المديني وأبي حاتم على أن الحسن لم يسمع من عمران بن حصين، وقد سبق تقرير سماع الحسن من سمرة حديث العقيقة، وباقي حديثه عنه كتاب، وهو معتمدنا في هذا الحديث، والله أعلم.

وقال ابن المنذر في الأوسط (3/ 117): "وفي إسناده مقال، يقال: إن الحسن لم يسمعه من سمرة".

قلت: نعم؛ لم يسمعه من سمرة، لكنه محمول على الاتصال لكونه من كتاب سمرة.

وقال الحاكم بعد حديث يزيد بن زريع عن ابن أبي عروبة: "هذا حديث صحيح على

ص: 414

شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذا اللفظ؛ إنما اتفقا على حديث: عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر سكت بين التكبير والقراءة، وحديث سمرة لا يتوهم متوهم أن الحسن لم يسمع من سمرة؛ فإنه قد سمع منه، وله شاهد بإسناد صحيح".

ثم أسند حديث أبي هريرة الذي يرويه: ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان، قال: دخل علينا أبو هريرة مسجد الزُّرَقيين، فقال: ترك الناسُ ثلاثةً مما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلُ: كان إذا دخل الصلاة رفع يديه مدًّا، ثم سكت [في رواية: قبل القراءة] [وفي أخرى: ويسكت بين التكبير والقراءة] هُنيَّةً؛ يسأل الله عز وجل من فضله [وفي رواية: يدعو ويسأل الله من فضله]، وكان يكبر إذا خفض ورفع، [وفي رواية: وإذا ركع].

وهو حديث صحيح، تقدم برقم (753)، وقد سبق الرد على باقي كلامه.

وقال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (4/ 217): "أما حديث السكتتين: فهو غير ثابت، ولو ثبت لم يدل على ما ذكرتَ؛ لأن السكتة الأولى إنما هي لذكر الاستفتاح، والثانية إن ثبتت فلا دلالة فيها على أنها بمقدار ما يقرأ فاتحة الكتاب، وإنما هي فصل بين القراءة وبين تكبير الركوع؛ لئلا يظن من لا يعلم أن التكبير من القراءة إذا كان موصولًا بها، ولو كانت السكتتان كل واحدة منهما بمقدار قراءة فاتحة الكتاب لكان ذلك مستفيضًا، ونقلُه شائعًا ظاهرًا، فلما لم ينقل ذلك من طريق الاستفاضة مع عموم الحاجة إليه؛ إذ كانت مفعولة لأداء فرض القراءة من المأموم: ثبت أنهما غير ثابتتين".

قلت: أما الحديث فثابت؛ لما تقدم بيانه، وأما التوجيه فصحيح.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض الكلام عن سكتات الصلاة: "والثالث: إن فيها سكتتين، كما في حديث السنن، لكن روي فيه أنه يسكت إذا فرغ من القراءة، وهو الصحيح، وروي: إذا فرغ من الفاتحة، فقال طائفة من أصحاب الشافعى وأحمد يستحب ثلاث سكتات،. . .، والصحيح أنه لا يستحب إلا سكتتان، فليس في الحديث إلا ذلك، وإحدى الروايتين غلط، وإلا كانت ثلاثًا، وهذا هو المنصوص عن أحمد، وأنه لا يستحب إلا سكتتان، والثانية عند الفراغ من القراءة للاستراحة، والفصل بينها وبين الركوع"[مجموع الفتاوى (22/ 338)].

وقال ابن القيم في الزاد (1/ 208): "وقد صح حديث السكتتين من رواية سمرة وأبي بن كعب وعمران بن حصين، ذكر ذلك أبو حاتم في صحيحه".

***

781 -

. . . عُمارة، عن أبي زُرعة، عن أبي هريرة، قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت بين التكبير والقراءة، فقلت له: بأبي أنت وأمي، أرأيتَ سكوتَك بين التكبير والقراءة؛ أخبرني ما تقول؟ قال: "اللَّهُمَّ باعد بيني وبين خطاياي

ص: 415

كما باعدتَّ بين المشرق والمغرب، اللَّهُمَّ أَنقِني من خطاياي كالثوب الأبيض من الدَّنس، اللَّهُمَّ اغسلني بالثَّلْج والماء والبَرَد".

• حديث متفق على صحته.

سبق تخريجه في الذكر والدعاء (1/ 150)، برقم (77)، وهو حديث متفق عليه [البخاري (744)، مسلم (598)].

ولفظ جرير عند مسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هُنَيئةً [وعند أحمد: هُنيَّةً] قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي! أرأيتَ سكوتَك بين التكبير والقراءة، ما تقول؟ قال:"أقول: اللَّهُمَّ باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللَّهُمَّ نقِّني من خطاياي كما يُنَقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنَس، اللَّهُمَّ اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد".

هكذا رواه عن عمارة بن القعقاع: جرير بن عبد الحميد، ومحمد بن فضيل، وعبد الواحد بن زياد.

• ورواه مختصرًا بدون الدعاء:

سفيان الثوري، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له سكتةٌ إذا افتتح الصلاة.

أخرجه أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (275)، والنسائي في المجتبى (2/ 128/ 894)، وفي الكبرى (1/ 465/ 970)، وأحمد (2/ 448)، وأبو العباس السراج في مسنده (883 و 884)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1582 و 1583).

• وقد اختلف في هذا الحديث على عبد الواحد بن زياد:

أ- فرواه موسى بن إسماعيل، وأبو كامل فضيل بن حسين الجحدري، وأحمد بن إسحاق الحضرمي، وحَبَّان بن هلال، وعباس بن الوليد النرسي، ومحمد بن عبيد بن حِساب، وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبي، وبشر بن آدم الضرير [وهم ثمانية من الثقات]، عن عبد الواحد به كالجماعة.

ب- ورواه يحيى بن حسان التنيسي، ويونس بن محمد المؤدِّب، وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبي [وهم ثقات]:

عن عبد الواحد بن زياد: ثنا عمارة بن القعقاع: ثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير: ثنا أبو هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض في [وعند مسلم وابن حبان والبيهقي: من] الركعة الثانية استفتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ولم يسكت، وفي رواية: إذا قام للركعة الثانية.

أخرجه مسلم (599)، فأبهم فيه شيخه، قال: وحُدِّثت عن يحيى بن حسان، ويونس المؤدب وغيرهما، قالوا: حدثنا عبد الواحد به فذكره.

ص: 416

ووصله من طرق صحيحة: أبو عوانة (1/ 430/ 1601)، وأبو نعيم في المستخرج (2/ 197/ 1330)، وابن خزيمة (3/ 48/ 1603)، وابن حبان (5/ 263/ 1936)، والحاكم (1/ 215)، والبزار (17/ 181/ 9805)، وأبو العباس السراج في مسنده (885)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (1585)، والطحاوي (1/ 200)، وأبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث (44)، والبيهقي في السنن (2/ 196).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه بهذا اللفظ إلا يحيى بن حسان عن عبد الواحد، وأحسبه اختصره من حديث".

قلت: لم ينفرد به يحيى بن حسان التنيسي، وهو ثقة، بل تابعه: يونس بن محمد المؤدب، وهو: ثقة ثبت، وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبي، وهو: ثقة، ممن رواه عن عبد الواحد باللفظين جميعًا، ولا أُراه إلا محفوظًا، حيث رواه الحجبي عن عبد الواحد على الوجهين، وعبد الواحد بن زياد العبدي: ثقة مأمون، والله أعلم.

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه هكذا".

وقال البيهقي: "وفيه دلالة على أنه لا سكتة في الركعة الثانية قبل القراءة، وهو حديث صحيح، ويحتمل أنه أراد به أنه لا يسكت في الثانية كسكوته في الأولى للاستفتاح، والله أعلم".

وقال الحافظ الرشيد العطار في غرر الفوائد (3): "وهذا أيضًا لا يُسمَّى مقطوعًا عند جماعة من أرباب النقل، وإنما هو مسندٌ، وقع الإبهام في أحد رواته [يعني: عند مسلم]، كما بيناه، ومع ذلك فهو حديث صحيح الإسناد متصل"، ثم ذكر من أخرجه من الأئمة، مثل: البزار في مسنده، وأبي نعيم في مستخرجه، ثم قال بعد أن أسنده من طريق أبي نعيم:"وهذا إسناد صحيح"[وانظر: بيان الوهم (2/ 195/ 177) و (5/ 335 و 691)].

• قال الأوزاعي والشافعي وأبو ثور: "حقٌّ على الإمام أن يسكت سكتة بعد التكبيرة الأولى، وسكتة بعد فراغه بقراءة فاتحة الكتاب، وبعد الفراغ بالقراءة ليقرأ من خلفه بفاتحة الكتاب".

وأنكر مالك السكتات، ولم يعرفها، قال:"لا يقرأ أحد مع الإمام إذا جهر، لا قبل القراءة ولا بعدها".

وقال أبو حنيفة وأصحابه: "ليس على الإمام أن يسكت إذا كبر، ولا إذا فرغ من قراءة أم القرآن، ولا إذا فرغ من القراءة، ولا يقرأ أحد خلف إمامه لا فيما أسر، ولا فيما جهر"[الآثار للشيباني (1/ 108 و 109/ 83 و 84)، القراءة خلف الإمام للبيهقي (247)، التمهيد لابن عبد البر (11/ 42)، الاستذكار (1/ 468)].

وقال صالح بن أحمد في مسائله لأبيه (380): "سألت أبي، قلت: للإمام سكتتين؟ قال: نعم، سكتة إذا افتتح الصلاة، وسكتة بعد ما يفرغ من السورة، ومن الناس من يقول إذا فرغ من الحمد"[وانظر: مسائل عبد اللَّه (270 و 271)، الأوسط لابن المنذر (3/ 118)].

ص: 417

وقال الترمذي: "وفي الباب عن أبي هريرة، حديث سمرة حديث حسن، وهو قول غير واحد من أهل العلم: يستحبون للإمام أن يسكت بعدما يفتتح الصلاة، وبعد الفراغ من القراءة، وبه يقول أحمد وإسحاق وأصحابنا".

• فإن قيل: السكتة الأولى خاصة بالركعة الأولى، أم تعمُّ كلَّ الركعات؟

فيقال: روى في ذلك عبد الواحد بن زياد: ثنا عمارة بن القعقاع: ثنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير: ثنا أبو هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض في الثانية استفتح بالحمد لله رب العالمين، ولم يسكت.

وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه آنفًا.

قال البيهقي: "وفيه دلالة على أنه لا سكتة في الركعة الثانية قبل القراءة، وهو حديث صحيح، ويحتمل أنه أراد به أنه لا يسكت في الثانية كسكوته في الأولى للاستفتاح، والله أعلم".

• وإن قيل: ما يقول المأموم في السكتتين؟

فيقال: أما الأولى فالجواب عنها في حديث أبي هريرة، أنها لدعاء الاستفتاح.

وأما الثانية، فهي قصيرة، والظاهر أنها لاستراحة الإمام عند فراغه من القراءة، وللفصل بين القراءة والركوع، ولا يقول المأموم فيها شيئًا.

قال شيخ الإسلام: "ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يسكت سكتة تتسع لقراءة الفاتحة؛ لكان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فلما لم يَنقُل هذا أحدٌ عُلِم أنه لم يكن، والسكتة الثانية في حديث سمرة قد نفاها عمران بن حصين، وذلك أنها سكتة يسيرة، قد لا ينضبط مثلها، وقد روي أنها بعد الفاتحة، ومعلوم أنه لم يسكت إلا سكتتين فعلم أن إحداهما طويلة، والأخرى بكل حال لم تكن طويلة متسعة لقراءة الفاتحة، وأيضًا فلو كان الصحابة كلهم يقرؤون الفاتحة خلفه إما في السكتة الأولى وإما في الثانية لكان هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فكيف ولم يَنقُل هذا أحدٌ عن أحدٍ من الصحابة أنهم كانوا في السكتة الثانية خلفه يقرؤون الفاتحة، مع أن ذلك لو كان مشروعًا لكان الصحابة أحق الناس بعلمه وعمله؛ فَعُلِم أنه بدعة"[مجموع الفتاوى (23/ 278)][وانظر: زاد المعاد (1/ 208)].

وقال ابن القيم في الصلاة وحكم تاركها (230): "وبالجملة فلم يُنقَل عنه صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه كان يسكت بعد قراءة الفاتحة حتى يقرأها من خلفه، وليس في سكوته في هذا المحل إلا هذا الحديث المختلف فيه كما رأيت، ولو كان يسكت هنا سكتةً طويلةً يدرك فيها قراءة الفاتحة لما اختفى ذلك على الصحابة، ولكان معرفتهم به ونقلهم أهم من سكتة الافتتاح".

• قلت: وأما حديث: "من صلى صلاة مكتوبة مع الإمام فليقرأ بفاتحة الكتاب في سكتاته، ومن انتهى إلى أم القرآن فقد أجزأه"؛ فقد رواه فيض بن إسحاق الرقي: ثنا

ص: 418