الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإياس بن عامر الغافقي: صحح له ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وقال ابن حبان:"من ثقات المصريين"، وذكره في ثقاته، وقال العجلي:"لا بأس به"، وقال ابن يونس:"كان من شيعة علي، والوافدين عليه من أهل مصر"[صحيح ابن خزيمة (600 و 601 و 670)، صحيح ابن حبان (1898)، المستدرك (1/ 225) و (2/ 477)، إكمال ابن ماكولا (7/ 248)، التهذيب (1/ 196)، [وانظر ما قلته في تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 168/ 83)، ويأتي هذا الإسناد عند أبي داود برقم (869 و 870)].
وعليه: فالإسناد حسن، لكن لعل هذا الحديث مما أنكره ابن المديني على موسى بن أيوب الغافقي، وقال العقيلي:"والمتن معروف بإسناد جيد من غير هذا الوجه"، والله أعلم.
• وفي الباب أحاديث أخرى لكنها ليست صريحة في المقصود [انظر ما تقدم برقم (369 و 370 و 656)، [وانظر أيضًا: سنن أبي داود (4148)، سنن ابن ماجه (957)، مسند أحمد (6/ 322)، شرح المعاني
(1/ 462)].
***
113 -
باب من قال: الحمار لا يقطع الصلاة
715 -
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: جئتُ على حمارٍ، ح، وحدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: أقبلتُ راكبًا على أتانٍ، وأنا يومئذٍ قد ناهزتُ الاحتلامَ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى، فمررتُ بين يدي بعض الصف فنزلتُ، فأرسلتُ الأتانَ ترتع، ودخلتُ في الصفِّ، فلم ينكرْ ذلك أحدٌ.
قال أبو داود: وهذا لفظ القعنبي، وهو أتم، قال مالك: وأنا أرى ذلك واسعًا إذا قامت الصلاة.
• حديث متفق على صحته.
• أخرجه من طريق ابن عيينة:
مسلم (504/ 256)، وأبو عوانة (1/ 392/ 1430)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 113/ 1116)، وأبو داود (715)، والنسائي في المجتبى (2/ 64/ 752)، وفي الكبرى (1/ 408/ 830)، وابن ماجه (947)، والدارمي (1/ 386/ 1415)، وابن خزيمة (2/ 22/ 833)، وابن الجارود (168)، وأحمد (1/ 219)، والشافعي في السنن (128)، والحميدي (475)، وابن أبي شيبة (1/ 249 و 251/ 2865 و 2887)، ويعقوب بن سفيان
في المعرفة والتاريخ (1/ 282)، وأبو يعلى (4/ 269 - 270/ 2382)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (495 و 549 - الجزء المفقود)، وأبو العباس السراج في مسنده (376)، والطحاوي (1/ 459)، والبيهقي في السنن (2/ 276)، وفي المعرفة (2/ 121/ 1056)، وابن عبد البر في التمهيد (4/ 191) و (9/ 19)، والخطيب في الأسماء المبهمة (250)، وأبو الحسن الخلعي في السابع من فوائده "الخلعيات"(49/ ب- 50/ أ)(الأزهرية)(18)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (56/ 271)، والحازمي في الاعتبار (1/ 320/ 82).
ولفظه عند الحميدي وأحمد وغيرهما [وما بين المعكوفين لأحمد]: جئت أنا والفضلُ، [ونحن] على أتانٍ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم[يصلي بالناس] بعرفة، فمررنا على بعض الصف، فنزلنا [عنها] فتركناها ترتع، ودخلنا [في الصف] مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فلم يقل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا.
هكذا رواه عن ابن عيينة، فقال: بعرفة: أحمد، والحميدي، وابن أبي شيبة، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وعمرو بن محمد الناقد، وإسحاق بن راهويه، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وهشام بن عمار، ومحمد بن منصور الجواز، وإبراهيم بن بشار الرمادي، وابن المقرئ محمد بن عبد الله بن يزيد، وأبو موسى محمد بن المثنى، وعبد الجبار بن العلاء، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي، وهارون بن عبد الله الحمال، وأبو قدامة عبيد الله بن سعيد، ومحمود بن آدم، ويونس بن عبد الأعلى، وأحمد بن حماد الدولابي، وزياد بن أيوب، وسعدان بن نصر، والحسن بن محمد الزعفراني، وإسحاق بن إسماعيل بن العلاء الأيلي، وشعيب بن عمرو بن نصر الدمشقي [وهم أربعة وعشرون رجلًا، وهم ثقات في الجملة]، وسفيان بن وكيع [ضعيف].
ورواه أبو نعيم الفضل بن دكين [ثقة ثبت] عن سفيان به فقال: بمنى، أو: بعرفة، هكذا شك فيه ابن عيينة، ورواه الشافعي [الإمام الحافظ الثبت] وعبد الله بن مسلمة القعنبي [ثقة ثبت] عن ابن عيينة به، فلم يذكرا الموضع، لا منى، ولا عرفة.
وعلي هذا فالأقرب أن سفيان بن عيينة كان يقول فيه: بعرفة، إلا أنه شك مرة، فقال: بمنى، أو: بعرفة، ورواه أحيانًا فلم يذكر الموضع، وهذا من دلائل عدم حفظ ابن عيينة لذلك، لا سيما وقد خالف فيه من روى الحديث عن الزهري، مثل: مالك وغيره.
قال ابن خزيمة: "رواه معمر ومالك، فقالا: يصلي بالناس بمنى"؛ يعني: أن ابن عيينة أخطأ في قوله: بعرفة، وإنما هو كما رواه مالك ومعمر: بمنى.
• وأما طريق مالك: فرواه مالك في الموطأ (1/ 221/ 426 - رواية يحيى الليثي)، (225 - رواية القعنبي)، (413 - رواية أبي مصعب الزهري)، (48 - رواية ابن القاسم، بتلخيص القابسي)، (129 - رواية سويد بن سعيد الحدثاني).
ومن طريقه: البخاري في الصحيح (76 و 493 و 861 و 4412)، وفي التاريخ الأوسط (1/ 126/ 542)، ومسلم (504/ 254)، وأبو عوانة (1/ 392/ 1431)، وأبو نعيم
في مستخرجه على مسلم (2/ 112/ 1114)، وأبو داود (715)، والنسائي في الكبرى (5/ 371/ 5833)، وابن خزيمة (2/ 23/ 834)، وابن حبان (5/ 525/ 2151) و (6/ 152/ 2393)، وأحمد في المسند (1/ 342)، وفي العلل ومعرفة الرجال (2/ 105 و 107/ 1715 و 1718 و 1719)، والشافعي في اختلاف الحديث (10/ 122/ 120 - الأم)، وفي السنن (129)، وفي المسند (170)، وابن وهب في الجامع (403)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 282)، وأبو العباس السراج في مسنده (378)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (364)، وأبو القاسم البغوي في حديث مصعب (139)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 105/ 2477)، والطحاوي (1/ 459)، والجوهري في مسند الموطأ (184)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (62)، والبيهقي في السنن (2/ 273 و 277)، وفي المعرفة (2/ 119/ 1051 و 1052)، والبغوي في شرح السُّنَّة (2/ 459/ 548)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته".
هكذا رواه عن مالك: عبد الله بن مسلمة القعنبي [في أكثر الروايات عنه، وكذا هو في موطئه]، وعبد الرحمن بن مهدي، والشافعي، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وعبد الرحمن بن القاسم، ومعن بن عيسى، وأحمد بن أبي بكر أبو مصعب الزهري، وعبد الله بن وهب، ويحيى بن يحيى الليثي، ومصعب بن عبد الله الزبيري، ويحيى بن قزعة [وهم ثقات، وفيهم جماعة من أثبت أصحاب مالك]، وسويد بن سعيد الحدثاني [صدوق في نفسه؛ إلا أنه تغير بعدما عمي، وصار يتلقن، فضعف بسبب ذلك].
• خالفهم: عبد الله بن مسلمة القعنبي [ثقة ثبت][في رواية البخاري عنه (861)].
وعبد الله بن يوسف التنيسي [ثقة متقن، من أثبت الناس في الموطأ][صحيح البخاري (493)].
ويحيى بن عبد الله بن بكير [صدوق، تُكلم في سماعه من مالك، وضعفه النسائي، وقيل: إنه سمع الموطأ بعرض حبيب، وكان شر العرض، كان يقرأ على مالك وكان يخطرف للناس يصفح ورقتين وثلاثة، وقد ردَّ ذلك القاضي عياض، وأبطل هذه الحكاية، وقال: "لأن مالكًا رحمه الله تعالى ومن حضره لم يصح جواز مثل هذا عليهم؛ لحفظ حديث الموطأ، وقد أنكر هذا بعض أصحاب مالك الجلة، وقال: إنما كان عرضتنا على مالك ورقتين من الموطأ، فكيف يصح هذا، قال الباجي: تكلم بعض أهل الحديث في سماعه للموطأ، وأنه إنما سمعه بقراءة حبيب، وهو ثبت في الليث، وقد روي عنه من طريق بقي بن مخلد وغيره: أنه سمعه من مالك سبع عشرة مرة، وأن بعضها بقراءة مالك"، التهذيب (4/ 368)، الميزان (4/ 391)، تاريخ ابن معين للدوري (4/ 458/ 5258)، ضعفاء العقيلي (1/ 264)، الكامل (2/ 411)، ترتيب المدارك (1/ 219 و 307)، شرح علل الترمذي (2/ 830)، [المعرفة والتاريخ. سنن البيهقي (2/ 273)، المعرفة (1051)].
وإسماعيل بن أبي أويس [ابن أخت مالك، وزوج ابنته، ليس به بأس، له غرائب لا
يتابع عليها، لكنه أخرج أصوله للبخاري، وأذن له أن ينتقي منها، وأن يعلم له على ما يحدث به، ليحدث به، ويعرض عما سواه، قال ابن حجر:"وهو مشعر بأن ما أخرجه البخاري عنه هو من صحيح حديثه؛ لأنه كتب من أصوله"، التهذيب (1/ 157)، ترتيب المدارك (1/ 213)، هدي الساري (391)، وهذا الحديث مما أخرجه البخاري لإسماعيل في صحيحه] [صحيح البخاري (76)].
ومطرف بن عبد الله بن مطرف [ابن أخت مالك: مدني ثقة، وهو مقدم في مالك على ابن أبي أويس. التهذيب (4/ 91)، ترتيب المدارك (1/ 206)، [مسند السراج]:
فرووه عن مالك به، وزادوا فيه:"إلى غير جدار"، بعد قوله:"بمنى".
[وانظر: أحاديث الموطأ للدارقطني (80)، الإيماء إلى أطراف الموطأ (2/ 526/ 222)].
قال البيهقي في السنن (2/ 273): "أخبرنا أبو عبد الله الحافظ [يعني: الحاكم]: ثنا أبو العباس [يعني: الأصم]: أنبأ الربيع، عن الشافعي، قال: قول ابن عباس: "إلى غير جدار"؛ يعني -والله أعلم-: إلى غير سترة"[كذا قال الشافعي في اختلاف الحديث (123)].
قال البيهقي: "وهذه اللفظة ذكرها مالك بن أنس رحمه الله في هذا الحديث في كتاب المناسك، ورواه في كتاب الصلاة دون هذه اللفظة، ورواه الشافعي رحمه الله عنه في القديم، كما رواه في المناسك، وفي الجديد كما رواه في الصلاة".
وقال أيضًا (2/ 277): "وروينا في رواية مالك في كتاب المناسك من الموطأ أنه قال: قال في هذا الحديث: "إلى غير جدار"، قال الشافعي رحمه الله: يعني -والله أعلم-: إلى غير سترة، وذلك يدل على خطأ من زعم أنه صلى إلى سترة، وإن سترة الإمام سترة المأموم، فلذلك لم يقطع مرور الحمار بين أيديهم صلاتهم، ففي رواية مالك دليل على أنه صلى إلى غير سترة، والله تعالى أعلم"، ولذلك فقد احتج البيهقي بحديث ابن عباس هذا في باب الصلاة إلى غير سترة (2/ 273).
قلت: هذه الزيادة ثابتة في حديث مالك، ومن حديث ابن عباس، وإن تفرد بها مالك، فقد رواها عن مالك جماعة من أصحابه، وهي في الموطأ كما قال البيهقي، وهو ظاهر كلام الشافعي، ولم أجدها في المطبوع من الموطآت، وقد أخرج البخاري الحديث من طريق مالك بهذه الزيادة في ثلاثة مواضع من صحيحه (76 و 493 و 861) من طريق عبد الله بن يوسف وعبد الله بن مسلمة القعنبي وإسماعيل بن أبي أويس، كما تقدم بيانه.
وقول ابن حزم في المحلى (4/ 12) أوجَه، وأولى بالصواب من قول البيهقي في نفي السترة، فقد احتج ابن حزم بحديث أبي جحيفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بمكة، وهو بالأبطح، وبين يديه عنزة، يمر من ورائها الكلب والمرأة والحمار [وهو حديث متفق عليه، تقدم برقم (520 و 688)]، على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستتر بالعنزة، وقد كان ذلك منه بمكة، في حجة الوداع، كما أن حديث ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه؛ فيصلي إليها، والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر [متفق عليه، تقدم
برقم (687)، يدل على أن عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كانت تحمل له العنزة في السفر والفضاء، لكي يستتر بها في الصلاة، وهو نفس المعنى الذي لأجله كان أنس يحمل العنزة، فقد قال أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغُلامٌ نَحْوِي إِداوةً من ماء وعَنَزة، فيستنجي بالماء [متفق عليه، وتقدم برقم (43)]، وهذا هو ما فعله بلال في الأبطح بمكة في حجة الوداع، حيث ركزها بين يديه صلى الله عليه وسلم، ليصلي إليها، كما في حديث أبي جحيفة، ومما يدل على اتخاذه صلى الله عليه وسلم للسترة في السفر أيضًا كما في الحضر: حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنيَّة أذاخِرَ، فحضرت الصلاة، فصلَّى -يعني: إلى جِدار- فاتخذه قبلةً ونحن خلفه، فجاءت بَهْمة تمرُّ بين يديه، فما زال يُدارِئُها حتى لصِق بطنُه بالجدار، ومرَّت من ورائه [وهو حديث حسن، تقدم برقم (708)]، فلما كانت هذه عادته صلى الله عليه وسلم في حضره وسفره، فمن الممكن أن يكون ابن عباس أغفل ذكرها في هذا الحديث لكونها معلومة، لا تخفى على أحد، والله أعلم.
فإن كان ابن عباس يريد بقوله: "إلى غير جدار" نفي مطلق السترة لعبر بأقل ما يطلق عليه اسم السترة، مثل: العنزة والحربة ومؤخرة الرحل ونحو ذلك، ولما احتاج إلى التعبير عنها بأكبر ما يطلق عليه اسم السترة كالجبل والجدار ونحوه، ولما عبر بالأخص عن الأعم، وعلى هذا: فالذي يظهر لي من قول ابن عباس: "إلى غير جدار" أنه أراد به التنبيه على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في فضاء إلى غير جدار؛ لا أنه أراد نفي مطلق الاستتار؛ فإن صلاته صلى الله عليه وسلم إلى غير جدار لا يلزم منه عدم وجود سترة، كالعنزة ونحوها مما كان يستتر به صلى الله عليه وسلم في صلاته في السفر والفضاء، كما قال ابن دقيق العيد في الإحكام (1/ 284):"ولا يلزم من عدم الجدار عدم السترة"، وكما قال ابن الملقن في الإعلام (3/ 321):"لأنه لا يلزم من عدم الأخص عدم الأعم"، ويؤيد هذا المعنى الذي ذهبت إليه ما جاء في حديث أبي الصهباء عن ابن عباس (716 و 717)، حيث قال في رواية جرير وزائدة عن منصور: يصلي بالناس في أرض خلاء، وهو حديث ضعيف؛ وهو صالح للاستشهاد به في هذا الموضع، وإن كان قد أخطأ راويه في مواضع من سياقه، لا سيما من رواية شعبة [كما سيأتي بيانه في موضعه].
وهذا الذي قررته هو ما ذهب إليه جماعة من المحدثين لما ترجموا لهذا الحديث: أ- فهذا الإمام البخاري عقد في صحيحه بابًا في كتاب الصلاة، فقال:"باب سترة الإمام سترة من خلفه"[برقم (90)]، ثم أسند تحته ثلاثة أحاديث، الأول (493): حديث ابن عباس هذا، بزيادة:"إلى غير جدار"، ثم حديث ابن عمر في الاستتار بالحربة (494)[المتقدم ذكره آنفًا]، ثم حديث أبي جحيفة في الاستتار بالعنزة (495)[المتقدم ذكره آنفًا]، وذِكر هذه الأحاديث الثلاثة في نسق واحد تحت هذه الترجمة مما يدل على أن حديث ابن عباس لا يخالف حديثي ابن عمر وأبي جحيفة، بل يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مستترًا على عادته بالعنزة، إلا أن ابن عباس لم يصرح بها، والله أعلم.
قال ابن حجر في الفتح (1/ 571): "وكأن البخاري حمل الأمر في ذلك على المألوف المعروف من عادته صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يصلي في الفضاء إلا والعنزة أمامه، ثم أيد ذلك بحديثي ابن عمر وأبي جحيفة، وفي حديث ابن عمر ما يدل على المداومة، وهو قوله بعد ذكر الحربة: وكان يفعل ذلك في السفر".
ب- وهذا الإمام مسلم في صحيحه لما ذكر أحاديث السترة بدأ بحديث ابن عمر، ثم بحديث أبي جحيفة، ثم بحديث ابن عباس، إلا أنه أخرج حديث مالك بدون هذه الزيادة.
ج- وهذا أبو عوانة الإسفراييني في مستخرجه على مسلم يترجم لحديث ابن عباس بقوله: "الدليل على أن الإمام سترة لمن خلفه، وأن الحمار إذا مر بين يدي من خلف الإمام لم تقطع عليهم الصلاة".
د- وهذا ابن حبان في صحيحه (6/ 153/ 2394)، بعدما أخرج حديث ابن عباس، يقول:"ذكر البيان بأن صلاة المصطفي صلى الله عليه وسلم بمنى كانت السترة قدامه، حيث كان الأتان ترتع قدام المصطفي صلى الله عليه وسلم"، ثم احتج بحديث أبي جحيفة، والله أعلم.
وهذا لا يخالف ترجمته للحديث في الموضع الأول (5/ 525) حيث قال: "ذكر الإباحة للإمام أن يصلي بالناس جماعة في فضاء إلى غير جدار"، فهو كما قلنا؛ فإن نفي الجدار لا يلزم منه نفي مطلق الاستتار بما هو أصغر منه؛ كالعنزة والحربة والعصا ومؤخرة الرحل ونحو ذلك، والله أعلم.
قال ابن رجب في الفتح (2/ 609): "ولا نعلم أحدًا ذكر في حديث ابن عباس: "إلى غير جدار" غير مالك، وقد خرجه في الموطإ في موضعين، ذكر في أحدهما هذه الكلمة، وأسقطها في الأخرى.
وقد قال الشافعي: قول ابن عباس: (إلى غير جدار)، أراد -والله أعلم-: إلى غير سترة، واستدل بذلك على أن السترة غير واجبة في الصلاة.
وحمله غيره على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى عنزة، فإن هذه كانت عادته في الأسفار، على ما يأتي إن شاء الله تعالى، فكلام البخاري قد يدل على هذا؛ لإدخاله هذا الحديث في أن سترة الإمام سترة لمن خلفه.
وحمله الإمام أحمد -في رواية ابن منصور والأثرم- على مثل هذا.
لكن البخاري قد خرج الحديث، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى غير جدار، كما تقدم، إلا أن يقال: لا يلزم من عدم الجدار نفي استتاره بحربة ونحوها.
وقد ذكر الأثرم أن ابن أخي الزهري روي هذا الحديث عن الزهري، وذكر فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى غير سترة.
وقد روي عن الإمام أحمد مثل قول الشافعي، وأنه حمل الحديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى غير سترة، نقله عنه الحسن بن ثواب".
قلت: سيأتي ذكر رواية ابن أخي الزهري، وليس فيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى غير سترة، والله أعلم [وانظر: صحيح ابن خزيمة (2/ 25)، نصب الراية (2/ 81)، طرح التثريب (2/ 347 و 349)، فتح الباري لابن حجر (1/ 171 و 751)].
• تابع مالكًا عليه، دون قوله:"إلى غير جدار":
أ- يونس بن يزيد الأيلي [ثقة، من أصحاب الزهري]، ولفظه: أنه أقبل يسير على حمارٍ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائم بمنىً في حجة الوداع يصلي بالناس، فسار الحمار بين يدي بعض الصف، ثم نزل عنه فصف مع الناس.
وفي رواية: كنت راكبًا على أتان، وقد ناهزت الحلم، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى، فسرت على الأذنان بين يدي بعض الصف، ثم نزلت فأرسلتها، ودخلت في الصف مع الناس، فلم ينكر ذلك عليَّ أحد.
أخرجه البخاري (1857 و 4412) تعليقًا، ومسلم (504/ 255)، وأبو عوانة (1/ 393/ 1433)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 112/ 1115)، وابن وهب في الجامع (403)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (552 - الجزء المفقود)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 105/ 2477)، والطحاوي (1/ 459)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (61)، [وانظر: الفتح لابن رجب (2/ 607)، التغليق (4/ 161)].
ب- ابن أخي الزهري [صدوق، من أصحاب الزهري]، ولفظه: أقبلت وقد ناهزت الحُلُم، أسير على أتانٍ لي، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ يصلي بمنى، حتى سرت بين يدي بعض الصف الأول، ثم نزلت عنها، فرتعت، فصففت مع الناس وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه البخاري (1857)، وأحمد في المسند (1/ 264)، وفي العلل ومعرفة الرجال (2/ 105/ 1715)، وأبو العباس السراج في مسنده (379)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (365).
ج- عبد الرحمن بن إسحاق [المدني: صدوق، يروي عن الزهري]، بنحو لفظ مالك.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (551 - الجزء المفقود)، وأبو الفضل الزهري في حديثه (63).
د- ابن سمعان [عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان المخزومي المدني: متروك، اتهم بالكذب]، مقرونًا بمالك ويونس.
أخرجه ابن وهب في الجامع (403)، ومن طريقه: ابن المنذر في الأوسط (5/ 105/ 2477).
هـ- ورواه قرة بن عبد الرحمن بن حيويل [ليس بقوي؛ روي أحاديث مناكير. انظر: التهذيب (3/ 438) وغيره][رواه عن قرة: سويد بن عبد العزيز، وهو: ضعيف]، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: أقبلت على أتان، وقد قاربت الحلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، حتى جاوزت بعض الصف، ثم سرحتها، فرجعت، ثم صليت، فلم يُعد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا.
أخرجه الطبراني في الأوسط (1/ 174/ 551).
• ورواه معمر بن راشد [ثقة، من أثبت الناس في الزهري]، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع -أو قال: يوم الفتح-، وهو يصلي، وأنا والفضل مرتدفان على أتانٍ، فقطعنا الصف، ونزلنا عنها، ثم دخلنا الصف، والأذنان تمر بين أيديهم، لم تقطع صلاتهم.
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (2/ 2359/29)، ومن طريقه: مسلم (504/ 257)، وأبو عوانة (1/ 393/ 1432)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 113/ 1117)، وأحمد في المسند (1/ 365)، وفي العلل ومعرفة الرجال (2/ 107/ 1721)، وأبو العباس السراج في مسنده (377).
كذا رواه عن معمر: عبد الرزاق بن همام الصنعاني.
ورواه عنه: يزيد بن زريع [بصري، ثقة ثبت]، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي [بصري، ثقة] فلم يذكرا فيه الشك، وقالا: يصلي بأصحابه بمنىً.
ولفظ يزيد: كنت رديف الفضل على أتان، فجئنا والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه بمنى، قال: فنزلنا عنها، فوصلنا الصف، فمرَّتْ بين أيديهم، فلم تقطع صلاتهم.
أخرجه الترمذي (337)، وقال:"حديث حسن صحيح"، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 113/ 1117)، وابن خزيمة (2/ 23/ 834)، وأحمد في المسند (1/ 365)، وفي العلل ومعرفة الرجال (2/ 107/ 1721)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (550 - الجزء المفقود).
وقد ساق مسلم لفظ حديث مالك، وبدأ به، وثنى بلفظ حديث يونس؛ إلا أنه اختصر حديث ابن عيينة ومعمر، واقتصر منهما على ذكر ما خالفا فيه أصحاب الزهري، وذلك إعلالًا منه، لا تصحيحًا، ولا جمعًا بين الروايات المتعارضة إلا لبيان حالها، ومما يؤكد ذلك أن أبا عوانة لما أخرج الحديث من طرقه نبه على مخالفة معمر، للدلالة على شذوذها، والله أعلم.
قال البيهقي في السنن (2/ 277): "وحجة الوداع: أصح".
وقال ابن طاهر الداني في الإيماء إلى أطراف الموطأ (2/ 527 / 222): "كان هذا في حجة الوداع".
وقال ابن رجب في الفتح (2/ 608): "وذكر يوم الفتح لا وجه له؛ فإن ابن عباس لم يكن قد ناهز يومئذ الاحتلام، ولا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي يومئذ بمنى ولا عرفة".
وقال ابن حجر في الفتح (1/ 572): "قوله: يصلي بالناس بمنى، كذا قال مالك وأكثر أصحاب الزهري، ووقع عند مسلم من رواية ابن عيينة: بعرفة، قال النووي: يحمل ذلك على إنهما قضيتان، وتعقب بأن الأصل عدم التعدد، ولا سيما مع اتحاد مخرج الحديث، فالحق: أن قول ابن عيينة بعرفة: شاذ ووقع عند مسلم أيضًا من رواية معمر عن
الزهري: وذلك في حجة الوداع أو الفتح، وهذا الشك من معمر لا يعول عليه، والحق: أن ذلك كان في حجة الوداع".
قلت: وهو كما قالوا: إنما كان ذلك في حجة الوداع، وشذ ابن عيينة بقوله: بعرفة، والمحفوظ رواية الجماعة: بمنى، وأما ذكر الفضل بن العباس فمحفوظ؛ اتفق عليه: ابن عيينة ومعمر، والله أعلم.
• وأما قول أبي داود: "قال مالك: وأنا أرى ذلك واسعًا إذا قامت الصلاة".
فقد اختصره أبو داود من السياق، وهكذا هو في الموطأ (1/ 222/ 427 - رواية يحيى الليثي): "حدثني مالك؛ أنه بلغه أن سعد بن أبي وقاص كان يمر بين يدي بعض الصفوف، والصلاة قائمة.
قال مالك: وأنا أرى ذلك واسعًا، إذا أقيمت الصلاة، وبعد أن يحرم الإمام، ولم يجد المرء مدخلًا إلى المسجد إلا بين الصفوف".
وانظر: رواية أبي مصعب الزهري (414 و 415)، ورواية الحدثاني (129).
***
716 -
قال أبو داود: حدثنا مسدد: حدثنا أبو عوانة، عن منصور، عن الحكم، عن يحيى بن الجزَّار، عن أبي الصهباء، قال: تذاكرنا ما يقطعُ الصلاةَ عند ابن عباس، فقال: جئتُ أنا وغلامٌ من بني عبد المطلب على حمارٍ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فنزلَ ونزلتُ، وتركنا الحمار أمام الصف، فما بالاه، وجاءت جاريتان من بني عبد المطلب، فدخلتا بين الصف فما بالى ذلك.
• حديث ضعيف.
لم أقف على من أخرجه من طريق أبي عوانة.
***
717 -
قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، وداود بن مخراق الفريابي، قالا: حدثنا جرير، عن منصور، بهذا الحديث بإسناده، قال: فجاءت جاريتان من بني عبد المطلب اقتتلتا، فأخذهما، قال عثمان: ففرَع بينهما، وقال داود: فنزع إحداهما من الأخرى، فما بالى ذلك.
• حديث ضعيف.
أخرجه من طريق جرير بن عبد الحميد: ابن خزيمة (2/ 25 و 47/ 837 و 882)، وابن حبان (6/ 120 و 142/ 2356 و 2381)، وأبو يعلى (5/ 133/ 2749)، وابن جرير
الطبري في تهذيب الآثار (543 - الجزء المفقود)، والبيهقي (2/ 277).
هكذا رواه عن جرير: علي بن المديني، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وعثمان بن أبي شيبة، وداود بن مخراق الفريابي، ويوسف بن موسى القطان، وسفيان بن وكيع، ومحمد بن حميد [وهم ثقات؛ عدا الأخيرين فضعيفان].
قال عثمان: ففرَع بينهما، وقال الباقون: فنزع إحداهما من الأخرى.
ولفظ أبي خيثمة زهير بن حرب: كنت عند ابن عباس، فذكرنا ما يقطع الصلاة، فقالوا: الحمار والمرأة، فقال ابن عباس: لقد جئت أنا وغلام من بني عبد المطلب مرتدِفَيْ حمارٍ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس في أرض خلاء، فتركنا الحمار بين أيديهم، ثم جئنا حتى دخلنا بينهم، فما بالى ذلك، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، فجاءت جاريتان من بني عبد المطلب تشتدَّان، اقتتلتا، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزع إحداهما من الأخرى، وما بالى ذلك.
• ورواه أيضًا: زائدة بن قدامة [ثقة متقن]، عن منصور، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن أبي الصهباء، عن ابن عباس، قال: أقبلتُ على حمارٍ ومعي رِدْفٌ من بني عبد المطلب، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلي في أرض خلاء، فنزلنا، ثم جئنا حتى دخلنا في الصلاة، وتركنا الحمار قدَّامهم، فما بالى ذلك.
وأقبلَتْ جاريتان من بني عبد المطلب يشتدَّان، يَتْبَع إحداهما الأخرى، حتى انتهتا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وهو يصلي، ففرَّق بينهما، فما بالى ذلك.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (544 - الجزء المفقود)، والطبراني في الكبير (12/ 201/ 12892)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 242)، والضياء في المختارة (11/ 39/ 28).
• تابع منصور بن المعتمر عليه:
شعبة، أن الحكم أخبره، قال: سمعت يحيى بن الجزار، يحدث عن صهيب -وهو رجل من أهل البصرة-، قال: سمعت ابن عباس؛ يحدث أنه مر بين يدي رسول الله هو وغلام من بني هاشم، على حمار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي [وفي رواية: فمررنا بين يديه]، فنزلوا ثم دخلوا معه فصلوا، فلم ينصرف [لذلك]، وجاءت جاريتان تسعيان من بني عبد المطلب، فأخذنا بركبتيه ففرَع بينهما، [يعني: فرَّق بينهما]، ولم ينصرف [لذلك]، وقد اختصره بعضهم.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 315)، والنسائي في المجتبى (2/ 65/ 754)، وفي الكبرى (1/ 409/ 832)، وفي الإغراب (121 و 122 - الرابع)، وابن خزيمة (2/ 24/ 836)، والضياء في المختارة (11/ 36 - 38/ 23 - 27)، وأحمد (1/ 235 و 341)، والطيالسي (4/ 478/ 2885)، وأبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (1/ 177)، وأبو يعلى (4/ 422/ 2548)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (541 و 542 و 545 و 546 -
الجزء المفقود)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (159)، والطحاوي (1/ 459)، والطبراني في الكبير (12/ 201/ 12891)، والخطابي في غريب الحديث (1/ 165)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 242)، والبيهقي (2/ 277)، والخطيب في الأسماء المبهمة (249)، وفي الكفاية (220)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (27/ 259).
هكذا رواه عن شعبة:
خالد بن الحارث، وغندر محمد بن جعفر، ويزيد بن زريع، وعلي بن الجعد، وعفان بن مسلم، ووكيع بن الجراح، وأبو داود الطيالسي، وعبد الله بن المبارك، وسليمان بن حرب، وعبد الله بن رجاء، وابن أبي عدي، وعبيد الله بن موسى، وسعيد بن عامر، ووهب بن جرير، وروح بن عبادة، ويحيى بن أبي بكير.
• ولشعبة فيه شيخ آخر غير الحكم بن عتيبة:
فقد رواه علي بن الجعد، وعفان بن مسلم، وابن أبي عدي، وعبد الوهاب بن عطاء:
قال علي بن الجعد: أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت يحيى بن الجزار، عن ابن عباس، قال: جئت أنا وغلام من بني هاشم على حمار، فمررنا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فنزلنا، وتركنا الحمار يأكل من بقل الأرض، أو قال: من نبات الأرض، فدخلنا معه في الصلاة. قال رجل لشعبة: كان بين يديه عنزة؟ قال: لا.
وفي رواية عفان: مررت أنا وغلام من بني هاشم على حمار، وتركناه يأكل من بقل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينصرف، وجاءت جاريتان تشتدان، حتى أخذتا بركبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينصرف.
أخرجه أحمد (1/ 250 و 254)، وأبو يعلى (4/ 311/ 2423)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (463 - الجزء المفقود)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (90).
قال ابن القطان في بيان الوهم (2/ 385/ 385): "ينبغي أن يكون منقطعًا".
قلت: وهو كما قال، وقد تقدم بيان ذلك عند الحديث رقم (709)، وقلت هناك: إسناده منقطع، ورجاله ثقات.
قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 90/ 241): "سألت أبي عن حديث رواه الحكم بن عتيبة، عن يحيى بن الجزار، عن صهيب أبي الصهباء، عن ابن عباس، قال: كنت راكبًا على حمار، فمررت بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي؟
قال أبي: رواه عمرو بن مرة، عن يحيى بن الجزار، عن ابن عباس، ولم يذكر صهيبًا.
قلت لأبي: أيهما أصح؟ قال: هذا زاد رجلًا، وذاك نقص رجلًا، وكلاهما صحيحين".
وهو كما قال أبو حاتم؛ فإن الحكم بن عتيبة وعمرو بن مرة كلاهما: ثقة ثبت.
• وممن رواه عن الحكم فخالف منصورًا وشعبة، وأسقط صهيبًا من إسناده، أو قلبه، وخالف في سياق متنه، حيث اختصره، فأخلَّ به، وحدَّث به على التوهم:
أ- رواه ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن ابن عباس، قال: جاءت جاريتان تمشيان في القبلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، حتى أخذتا فخذيه، فلما أراد أن يركع فرق بينهما، ثم ركع.
أخرجه البزار (11/ 54/ 4748)[وتصحف عنده: ابن أبي ليلى، إلى: ابن أبي يعلى]، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (547 - الجزء المفقود).
وهذا حديث شاذ سندًا ومتنًا، فالمحفوظ في إسناده إثبات صهيب فيه، كما رواه منصور وشعبة عن الحكم، وأما المتن فقد خالف فيه ابن أبي ليلى [وهو: سيئ الحفظ جدًّا] هذين الحافظين الكبيرين، فزاد فيه قوله: تمشيان في القبلة،
…
أخذتا فخذيه، فلما أراد أن يركع فرق بينهما، ثم ركع.
ب- ورواه الحجاج بن أرطأة، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن ابن عباس، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضاء [من الأرض] ليس بين يديه شيء.
أخرجه أحمد (1/ 224)، وابن أبي شيبة (1/ 249/ 2866)، وأبو يعلى (4/ 469/ 2601)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (494 - الجزء المفقود)، وأبو جعفر ابن البختري في جزء فيه ستة مجالس من أماليه (1)، والطبراني في الكبير (12/ 149/ 12728)، وفي الأوسط (3/ 264/ 3098)، والبيهقي (2/ 273)، وابن عبد البر في الاستذكار (2/ 285).
وهذا حديث شاذ سندًا ومتنًا، فالمحفوظ في إسناده إثبات صهيب فيه، كما رواه منصور وشعبة عن الحكم، وأما المتن فقد خالف فيه حجاج هذين الحافظين الكبيرين، فرواه على التوهم، حيث قال فيه: ليس بين يديه شيء، وحجاج بن أرطاة: ليس بالقوي، يدلس عن الضعفاء والمتروكين، ولم يذكر سماعًا في هذا الحديث عن الحكم، فلعله دلسه.
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن الحكم عن يحيى بن الجزار إلا الحجاج.
ورواه هريم بن سفيان، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس.
ورواه إسماعيل بن مسلم، عن الحكم، عن مجاهد".
قلت: المحفوظ في هذا الحديث سندًا ومتنًا: هو ما رواه الإمامان الحافظان منصور وشعبة عن الحكم.
• ومما ينبغي التنبيه عليه أن ابن قدامة قد عزا هذا الحديث في المغني (2/ 41) للبخاري، فقال:"لما روى ابن عباس قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في فضاء ليس بين يديه شيء، رواه البخاري"، وتبعه صاحب الشرح الكبير (1/ 629)، وقد علمت أن البخاري إنما أخرج حديث مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس،
قال: أقبلتُ راكبًا على أتانٍ،
…
الحديث، وتقدم (715)، وليست فيه هذه اللفظة.
ج- وروى أبو معاوية، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مررت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار، وهو يصلي بالناس، فلم يعد تلك الصلاة من أجل ذلك.
أخرجه البزار (11/ 161/ 4896).
قال البزار: "وهذا الحديث رواه غير واحد عن الحكم عن يحيى بن الجزار عن ابن عباس، وقال بعضهم: عن يحيى بن الجزار عن صهيب عن ابن عباس.
إسماعيل بن مسلم: لين الحديث، وهو بصري، وينسب، ويقال: إسماعيل المكي، ولكنه نزل البصرة فنسب إليها، وقد روى عنه الأعمش والثوري وجماعة، وهذا الحديث قد رواه غيره عن الحكم بخلاف إسناده".
قلت: هذا حديث منكر؛ تفرد به إسماعيل بن مسلم المكي، وهو: ضعيف، عنده عجائب، ويروي عن الثقات المناكير [العلل ومعرفة الرجال (2/ 352/ 2556)، ضعفاء العقيلي (1/ 92)، الكامل (1/ 283)، التهذيب (1/ 67)]، وهو هنا تفرد بإسنادٍ على شرط الشيخين [انظر: التحفة (4/ 680 - دار الغرب)]، وخالف فيه إمامين حافظين.
• يبقى بعد ذلك السؤال: من هو أبو الصهباء صهيب هذا؟
قال أبو نعيم في الحلية: "اختلف في أبي الصهباء هذا، فقيل: إنه صلة [يعني: ابن أشيم]، وقيل: بل هو صهيب، ومما دل على أنه صلة: ما حدثناه أبو أحمد الغطريفي، قال: ثنا عبد الله بن شيرويه، قال: ثنا إسحاق بن راهويه، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن يحيى الجزار، عن رجل من قرى البصرة، عن ابن عباس، بنحو من ذلك".
وقال عبد الحق في الأحكام الكبرى (2/ 161): "أبو الصهباء اسمه: صهيب مولى ابن عباس: مدني ثقة، قاله أبو زرعة فيما ذكر عنه أبو محمد بن أبي حاتم، ويحيى بن الجزار: ثقة مشهور".
وقال ابن رجب في الفتح (2/ 611): "وذكر الإمام أحمد هذا الحديث، واستدل به على أن الصلاة إلى غير سترة صحيحة، وقال: ليس هو بذاك؛ يعني: من جهة إسناده، ولعله رأى أن صهيبًا هذا غير معروف، وليس هو بأبي الصهباء البكري مولى ابن عباس؛ فإن ذاك مدني".
قلت: جاء في رواية شعبة: عن صهيب رجل من أهل البصرة، وكناه منصور بأبي الصهباء، وكلاهما ذكر سماعه من ابن عباس، وأورد البخاري في تاريخه الكبير حديثه هذا في ترجمة صهيب أبي الصهباء البكري، وذكر مسلم في الكنى أبا الصهباء صهيب البكري فذكر فيمن روى عنه: يحيى بن الجزار، وسئل أبو زرعة عن أبي الصهباء صهيب مولى ابن عباس؟ فقال:"مديني ثقة"، لكنه لما سئل عن اسم أبي الصهباء البكري الراوي عن علي بن
أبي طالب؟ قال: "لا أعرف اسمه"، فكأنه فرَّق بينهما، وقال النسائي:"أبو الصهباء صهيب: ضعيف، بصري"، وقال العجلي:"أبو الصهباء البكري: تابعي ثقة"، وذكره ابن حبان في موضعين من ثقاته، قال في الأول:"صهيب أبو الصهباء البكري، من أهل البصرة، يروي عن علي وابن مسعود وابن عباس، روي عنه سعيد بن جبير وطاوس"، وقال في الموضع الثاني:"أبو الصهباء: يروي عن ابن عباس، روى عنه يحيى بن الجزار، وليس هذا بصلة بن أشيم"، جعلهما اثنين، ففرق بين من روى عنه سعيد بن جبير ومن روى عنه يحيى بن الجزار، وله ذكر في صحيح مسلم (1594) في حديث أبي سعيد في الصرف [التاريخ الكبير (4/ 315)، الكنى لمسلم (1700)، معرفة الثقات (2185)، الجرح والتعديل (4/ 444) و (9/ 394)، الثقات (4/ 381) و (5/ 592)، فتح الباب (3978)، إكمال مغلطاي (7/ 8)، المغني (1/ 310)، الميزان (2/ 321)، تاريخ الإسلام (5/ 555)، التهذيب (2/ 219)، التقريب (284)، وقال: "مقبول"].
قلت: حديثه هذا لا يصح عندي، فإن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي أبا عبد الله المدني: كان ثقةً ثبتًا، إمامًا عالمًا، فقيهًا شاعرًا، كان أحد فقهاء المدينة السبعة، وكان من بحور العلم، كثير الرواية والحديث، لازم ابن عباس زمنًا طويلًا [السير (4/ 475)، التهذيب (3/ 15)]، فهذا العالم الفقيه الإمام الثبت الحافظ الذي صحب ابن عباس، لم يزد في روايته عن ابن عباس [والتي اتفق على إخراجها الشيخان] على أن قال: أقبلتُ راكبًا على أتانٍ [وفي رواية: جئت أنا والفضلُ ونحن على أتانٍ]، وأنا يومئذٍ قد ناهزتُ الاحتلامَ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى [وفي رواية: في حجة الوداع] [وفي رواية: إلى غير جدار]، فمررتُ بين يدي بعض الصف [وفي رواية: بين يدي بعض الصف الأول] فنزلتُ، فأرسلتُ الأتانَ ترتع، ودخلتُ في الصفِّ، فلم ينكرْ ذلك عليَّ أحدٌ [وفي رواية: فلم يقل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا] [وفي رواية: فلم تقطع صلاتهم].
فلم يذكر في الحديث قصة الجاريتين، ولا أن ابن عباس مرَّ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أن: الحمار مرَّ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، ولا قال: فمررنا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فنزلنا وتركنا الحمار.
• فكيف يُعارض حديث عبيد الله بن عبد الله بحديث صهيب هذا، لا سيما وقد قال أحمد في حديث صهيب هذا:"ليس هو بذاك"، وضعفه النسائي، ولا شك أن الحديث الذي اتفق الشيخان على إخراجه مع صحة إسناده وشهرة رجاله: مقدَّم على الحديث الذي اتفقا على عدم إخراجه، مع لين إسناده، وعدم الاتفاق على توثيق راويه، والله أعلم.
• والذين صححوا حديث صهيب هذا؛ إما حملوه على مذهبهم في عدم القطع، أو أنهم تأولوه، لا سيما وقد اختلفت الرواية فيه على الحكم؛ فإن رواية منصور بن المعتمر في قصة الحمار يمكن حملها على حديث عبيد الله، بخلاف رواية شعبة.
فممن حمله على مذهبه: الطحاوي حيث قال في شرح المعاني (1/ 459): "ففي
حديث عبيد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنهما مرَّا على الصف، فقد يجوز أن يكونا مرَّا على المأمومين دون الإمام، فكان ذلك غير قاطع على المأمومين، ولم يكن في ذلك دليل على حكم مرور الحمار بين يدي الإمام، ولكن في حديث صهيب عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه مرَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينصرف، فدلَّ ذلك على أن مرور الحمار بين يدي الإمام أيضًا غير قاطع للصلاة".
قلت: التصريح بمرور الحمار أمام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي إنما ورد في رواية شعبة دون رواية منصور، كما أن في رواية عبيد الله عن ابن عباس أنه مر بين يدي بعض الصف، دليل ظاهر أنه لم يمر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
ومن الذين تأولوا حديث صهيب:
أ- قال ابن خزيمة بعد رواية غندر عن شعبة، وفيها: فمررت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي (835): "وليس في هذا الخبر أن الحمار مر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما قال: فمررت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه اللفظة تدل أن ابن عباس مر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزوله عن الحمار؛ لأنه قال: فمررت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي؛ إلا أن عبيد الله بن موسى رواه عن شعبة قال: فمررنا بين يديه ثم نزلنا فدخلنا معه في الصلاة،
…
، والحُكم لعبيد الله بن موسى على محمد بن جعفر محال؛ لا سيما في حديث شعبة، ولو خالف محمد بن جعفر عددًا مثل عبيد الله في حديث شعبة لكان الحكم لمحمد بن جعفر عليهم، وقد روى هذا الخبر منصور بن المعتمر عن الحكم عن يحيى بن الجزار عن أبي الصهباء، وهو صهيب، قال: كنا عند ابن عباس فذكرنا ما يقطع الصلاة، فقالوا: الحمار والمرأة، فقال ابن عباس: لقد جئت أنا وغلام من بني عبد المطلب مرتدفين على حمار، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس في أرض خلاء، فتركنا الحمار بين أيديهم، ثم جئنا حتى دخلنا بين أيديهم، فما بالى ذلك،
…
[وذكر الحديث بقصة الجاريتين، ثم قال:] وهذا الخبر ظاهره كخبر عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس: أن الحمار إنما مر بين يدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بذلك، فإن كان في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم بمرور الحمار بين يدي بعض من كان خلفه، فجائز أن تكون سترة النبي صلى الله عليه وسلم كانت سترة لمن خلفه؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يستتر بالحربة إذا صلى بالمصلى،
…
" ثم أطال في الرد فانظره في موضعه، وإنما اقتصرت على المراد.
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم بذلك يقينًا، دل على ذلك قول ابن عباس في رواية ابن عيينة: فلم يقل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، وفي رواية مالك ويونس: فلم ينكرْ ذلك عليَّ أحدٌ.
وكان قال قبل ذلك (2/ 23): "وليس في هذا الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأتان تمر، ولا ترتع بين يدي الصفوف، ولا أن النبي صلى الله عليه وسلم أُعلم بذلك فلم يأمر من مرت الأتان بين يديه بإعادة الصلاة، والخبر ثابت صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الكلب الأسود والمرأة
الحائض والحمار يقطع الصلاة، وما لم يثبت خبرٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم بضد ذلك لم يجز القول والفتيا بخلاف ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم".
قلت: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "إني أراكم من أمامي ومن خلفي"، وفي لفظ:"إني لأراكم من ورائي كما أراكم من أمامي"، وكلاهما في الصحيح [من حديث أنس، وتقدم برقم (624)]، فكيف يخفى عليه مرور الحمار بين أيدي أصحابه، هذا من وجه، ومن وجه آخر، فإن الله تعالى ما كان ليقرَّ الصحابة على ما لا يرضيه؛ والوحي ينزل على نبيه صلى الله عليه وسلم، فلو لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لأعلمه الله تعالى، وأطلعه على ذلك، والكلام في هذه المسألة يطول، وموضعها من علم الأصول معلوم، لكن اكتفيت بالإشارة، والصواب في ذلك ما قال ابن خزيمة نفسه بعد ذلك: أن سترة النبي صلى الله عليه وسلم كانت سترة لمن خلفه، فلا يضرهم مرور الحمار بين أيديهم، والله أعلم.
ب- قال ابن رجب في الفتح (2/ 612): "فعلى تقدير أن يكون ابن عباس مر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي إلى غير سترة، فإنه يحمل على أنه مر بين يديه من بُعدٍ؛ فإنه لا يُظَن بالفضل وأخيه أن يمرا على حمار بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بالقرب منه، وإذا كان مرورهما بين يديه متباعدًا؛ فإنه لا يضر، ومرورهما على هذه الحال وجوده كعدمه.
وعلى تقدير أن يكونا لم يمرا إلا بين يدي بعض الصف، ولم يمرا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، والروايات الصحيحة إنما تدل على ذلك؛ فمع ما علم من عادة النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته إلى العنزة في أسفاره.
وقد روي ذلك من حديث ابن عباس أيضًا، خرجه الإمام أحمد: ثنا يزيد بن أبي حكيم: حدثني الحكم بن أبان، قال: سمعت عكرمة، يقول: قال ابن عباس: ركزت العنزة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات، فصلى والحمار من وراء العنزة.
والظاهر: أنه أشار إلى مروره على الحمار بين يديه، فيستدل بالحديث حينئذ على أن سترة الإمام سترة لمن خلفه، كما استدل به البخاري، وسواء كان النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ يصلي إلى سترة أو إلى غير سترة؛ لأن قبلته كانت محفوظة عن المرور فيها، وكان هو صلى الله عليه وسلم سترة لمن وراءه؛ فلذلك لم يضرهم مرور الحمار بين أيديهم.
وهذا قول جمهور العلماء: إن سترة الإمام سترة لمن خلفه".
قلت: سيأتي الكلام على رواية الحكم بن أبان قريبًا.
• وأما قصة الجاريتين فلمن صححها أن يحملها على الجارية صغيرة السن التي لم تبلغ، وهذا ظاهر من سياق القصة، حيث قال راويها: وجاءت جاريتان تسعيان من بني عبد المطلب، إذ من المعلوم أن الحجاب كان قد فرض في هذا الوقت، فلم تكن الحرة من بني عبد المطلب لتفعل هذا، وإنما يليق ذلك بالجواري صغار السن، فليس لها أحكام النساء، ولا يقال لها امرأة، إذ لم تحض بعدُ، كما أنه لا يليق بالمرأة البالغة -حتى وإن كانت أمة- أن تجهل أحكام الصلاة، فتسعى إلى النبي مستعيذة به من أختها، وهو في
حال الصلاة، هذا من وجه، ومن وجه آخر: قال الراوي: فأخذتا بركبتيه [كما في رواية شعبة]، وإنما يناسب هذا الجارية الصغيرة، فلِقِصَرها أخذت بركبته، وإلا لأخذت بغير ذلك لو كانت كبيرة، والله أعلم.
قال الخطابي في غريب الحديث (1/ 165): "قوله: فرع بينهما: يريد أنه فرق بينهما، يقال: فرعت بين القوم إذا حجزت بينهم،
…
، وهو مأخوذ من الفصل بين الشيئين،
…
".
• ولحديث ابن عباس طرق أخرى، منها:
أ - ما رواه يحيى بن ميمون الضبي أبو المعلى العطار [ثقة]: حدثنا الحسن العرني، قال: ذُكر عند ابن عباس: يقطع الصلاةَ الكلبُ والحمارُ والمرأةُ، قال: بئسما عدلتم بامرأةٍ مسلمةٍ كلبًا وحمارًا، لقد رأيتني أقبلت على حمارٍ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، حتى إذا كنت قريبًا منه مستقبله نزلت عنه، وخليت عنه، ودخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته، فما أعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، ولا نهاني عما صنعت، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، فجاءت وليدة تخلل الصفوف، حتى عاذت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما أعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، ولا نهاها عما صنعت، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في مسجد، فخرج جدْيٌ من بعض حجرات النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب يجتاز بين يديه، فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس: أفلا تقولون: الجدي يقطع الصلاة؟!.
وفي رواية: عن ابن عباس؛ أنه ذُكر عنده ما يقطع الصلاة، فقال: ما تقولون في الجَدْيِ؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي، فمرَّ جَدْيٌ بين يديه، فبادر رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ولقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، وإن حمارةً للفضل بن عباس ترعى بين يديه.
أخرجه ابن ماجه (953)، وأحمد (1/ 247)، والطبراني في الكبير (12/ 138 و 140/ 12696 و 12704).
ورواه سلمة بن كهيل، عن الحسن العرني، عن ابن عباس، بمعناه.
أخرجه أحمد (1/ 308 و 343)، والدارقطني في الأفراد (1/ 427/ 2313 - أطرافه)، والطبراني في الكبير (12/ 140/ 12703)، والبيهقي (2/ 277).
قال الدارقطني: "تفرد به: أبو حمزة السكري، عن رقبة بن مصقلة، عن سلمة بن كهيل عنه".
قال البخاري: "ولم يسمع الحسن من ابن عباس"، وكذا قال أحمد وابن معين [العلل ومعرفة الرجال (31)، التاريخ الأوسط (1/ 296/ 1441)، المراسيل (155)، الجرح والتعديل (3/ 45)، تحفة التحصيل (77)].
وهذا حديث ضعيف؛ لانقطاعه بين الحسن العرني وابن عباس [وقد تقدم ذكره تحت الحديث رقم (704 و 709)].
ولا يقال بأن ضعفه يسير فينجبر بحديث أبي الصهباء عن ابن عباس، وقد سبق أن
اعتبرت به، وأما هنا فقد رددته، وذلك لمخالفته هو وحديث أبي الصهباء لحديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس، وقد سبق بيان وجه المخالفة، وسبب تقديم حديث عبيد الله، والله أعلم.
ب- وروى ابن جريج، قال: أخبرني عبد الكريم؛ أن مجاهدًا أخبره، عن ابن عباس، قال: ارتدفت أنا والفضل على أتان، فمررنا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، وهو يصلي المكتوبة، ليس شيء يستره ويحول بيننا وبينه.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 25/ 838)، وعبد الرزاق (2/ 28/ 2357)، والبزار (11/ 201/ 4951)، والطبراني في الكبير (11/ 100/ 11172)، وابن عبد البر في التمهيد (9/ 21).
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يُروى إلا عن ابن عباس، وقد رُوي عن ابن عباس من غير وجه بألفاظ، فذكرنا كل حديث منها بلفظه في موضعه".
وقال ابن خزيمة: "وغير جائز أن يحتج بعبد الكريم عن مجاهد، على الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، وهذه اللفظة قد رُويت عن ابن عباس خلاف هذا المعنى".
ثم أسند حديث الحكم بن أبان الآتي، ثم قال:"فهذا الخبر مضاد خبر عبد الكريم عن مجاهد؛ لأن في هذا الخبر أن الحمار إنما كان وراء العنزة، وقد ركز النبي صلى الله عليه وسلم العنزة بين يديه بعرفة فصلى إليها، وفي خبر عبد الكريم عن مجاهد قال: وهو يصلي المكتوبة ليس شيء يستره يحول بيننا وبينه، وخبر عبد الكريم وخبر الحكم بن أبان: قريب من جهة النقل؛ لأن عبد الكريم قد تكلم أهل المعرفة بالحديث في الاحتجاج بخبره، وكذلك خبر الحكم بن أبان، غير أن خبر الحكم بن أبان تؤيده أخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم صحاح من جهة النقل، وخبر عبد الكريم عن مجاهد يدفعه أخبار صحاح من جهة النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الفعل الذي ذكره عبد الكريم عن مجاهد عن ابن عباس قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد زجر عن مثل هذا الفعل؛ في خبر سهل بن أبي حثمة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته"".
قلت: وعبد الكريم بن أبي المخارق، أبو أمية البصري: مجمع على ضعفه، وقال النسائي والدارقطني: متروك، وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله:"ضعيف"، وفي رواية أبي طالب:"ليس هو بشيء، شبه المتروك"[التهذيب (2/ 603)، الميزان (2/ 646)، الجرح والتعديل (6/ 60)].
وهذا من أوهام عبد الكريم ومناكيره؛ فإن الحديث لا يُعرف من حديث مجاهد عن ابن عباس من وجهٍ يصح.
ج- وروى ابن أبي ذئب، عن شعبة [مولى ابن عباس]، عن ابن عباس، قال: مررت أنا والفضل [بن عباس] على أتان [بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم]، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس في فضاء من الأرض، فنزلنا ودخلنا معه، فما قال لنا في ذلك شيئًا.
وفي رواية: حتى جاوزنا عامة الصف، فما نهانا، ولا ردنا.
وفي رواية: مررت بين يدي الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بهم بعرفة، وأنا والفضل على أتان مرتدفين، فلم ينكر علينا ذلك.
أخرجه أحمد (1/ 327 و 352)، والطيالسي (4/ 446/ 2849) [وفيه: العباس، بدل: الفضل، وهو خطأ]، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (540 و 548 - الجزء المفقود)، والطبراني في الكبير (11/ 429/ 12217).
وهذا حديث منكر؛ وشعبة هذا هو: ابن دينار المديني، مولى ابن عباس، قال فيه مالك -وهو الحكم في أهل المدينة، ولا قول لأحد فيهم بعده- قال:"ليس بثقة"، وهذا جرح شديد، موافق لقول ابن حبان فيه:"يروي عن ابن عباس ما لا أصل له، كأنه ابن عباس آخر"، والجمهور على تليينه، وأنه ليس بقوي [انظر: التهذيب (2/ 170)، الميزان (2/ 274)، بيان الوهم (5/ 2498/324 و 2499) ولم يعمل شيئًا].
وله في السنن حديث منكر، تقدم برقم (246)، وأنكرت عليه حديثًا آخر في رمي الجمرة مع الفجر.
د- أسلم، قال: ثنا عبد الخالق بن إسماعيل، قال: ثنا محمد بن يزيد، عن أبي الحسن، عن عطاء، عن ابن العباس، قال: جئت أنا والفضل بن عباس رديفين على أتان، فمررنا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات وهو يصلي، فلم نقطع صلاته.
أخرجه بحشل في تاريخ واسط (131).
عطاء هو ابن أبي رباح المكي، وأبو الحسن هو يعقوب بن القعقاع بن الأعلم الخراساني، ومحمد بن يزيد هو الكلاعي الواسطي، وهم ثقات، لكن تفرد عنهم بهذا الإسناد: عبد الخالق بن إسماعيل، شيخ لبحشل، لم أجد له ترجمة، ولم يكثر عنه بحشل، فهو في عداد المجاهيل، وبحشل: أسلم بن سهل الواسطي: حافظ مصنف مؤرخ، وثقه خميس الحوزي وغيره، وليَّنه الدارقطني، فقال:"تكلموا فيه"[سؤالات الحاكم (106)، سؤالات السلفي (111)، السير (13/ 553)، اللسان (2/ 97)].
فهو حديث منكر من حديث عطاء بن أبي رباح المكي، ثم من حديث أبي الحسن الخراساني، ثم من حديث محمد بن يزيد الكلاعي الواسطي، فكيف لم يُعرف الحديث عن أحد من هؤلاء الثقات الثلاثة مع تباين بلدانهم إلا من هذا الطريق الفرد، حتى يتفرد به أحد المجاهيل، وينفرد بإخراجه بحشل في تاريخه.
هـ - ابن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: مررت أنا والفضل بن عباس بن عبد المطلب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي في حجة الوداع، فما قال لنا شيئًا.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (553 - الجزء المفقود)، قال: حدثنا ابن حميد به.
هذا حديث منكر؛ داود بن الحصين: أحاديثه عن عكرمة مناكير [التهذيب (1/ 561)، انظر: ما تقدم برقم (74 و 133)]، ومحمد بن حميد: ضعيف.
• ورواه يزيد بن أبي حكيم العدني [صدوق]، وحفص بن عمر بن ميمون العدني [ضعيف]، وإبراهيم بن الحكم بن أبان العدني [ليس بثقة، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه، كان يوصل المراسيل عن أبيه. التهذيب (1/ 63)]:
عن الحكم بن أبان [العدني: صدوق له أوهام، تقدم الكلام عليه عند الحديث رقم (590)]، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: ركزت العنزة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات، فصلى إليها، والحمار من وراء العنزة.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 26/ 840)، وأحمد (1/ 243)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (471 - الجزء المفقود)، والطبراني في الأوسط (3/ 130/ 2701) و (9/ 136/ 9344)، وفي الكبير (11/ 243 / 11620).
وهذا حديث غريب، من حديث عكرمة عن ابن عباس، والمحفوظ في هذه القصة عن ابن عباس أنها كانت بمنى، ولم يُذكر فيها العنزة، وإن كان معناه غير منكر؛ إذ كانت عادة النبي صلى الله عليه وسلم في السفر والفضاء: الاستتار بالعنزة؛ كما سبق تقريره، فهو أصلح من حديث عبد الكريم عن مجاهد عن ابن عباس، كما قرر ذلك ابن خزيمة، حيث قال:"فهذا الخبر مضاد خبر عبد الكريم عن مجاهد؛ لأن في هذا الخبر أن الحمار إنما كان وراء العنزة، وقد ركز النبي صلى الله عليه وسلم العنزة بين يديه بعرفة فصلى إليها، وفي خبر عبد الكريم عن مجاهد قال: وهو يصلي المكتوبة ليس شيء يستره يحول بيننا وبينه، وخبر عبد الكريم وخبر الحكم بن أبان: قريب من جهة النقل؛ لأن عبد الكريم قد تكلم أهل المعرفة بالحديث في الاحتجاج بخبره، وكذلك خبر الحكم بن أبان، غير أن خبر الحكم بن أبان تؤيده أخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم صحاح من جهة النقل، وخبر عبد الكريم عن مجاهد يدفعه أخبار صحاح من جهة النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم".
و- قال ابن سمعون في الأمالي (187): أخبرنا أبو الحسين عمر بن الحسن الشيباني، قال: أخبرني محمد بن علي بن حمزة العلوي: حدثني أبي: حدثني عمي عبيد الله بن الحسن، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأمامَه حمار، ليس بينه وبين الحمار سترة.
قلت: جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالصادق، هو وأبوه وجده: ثقات، ومحمد بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب الهاشمي العلوي العباسي، قال ابن أبي حاتم:"صدوق ثقة"[تاريخ الإسلام (18/ 459) و (21/ 279)، التهذيب (3/ 652)]، ولم أقف على من ترجم لأبيه، وأما عم أبيه عبيد الله بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب فقد ولي المدينة ومكة وقضاءهما للمأمون، وحج بالناس [نسب قريش (8/ 272)، تاريخ