الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أحمد في الرجل يصلي في فضاء ليس بين يديه سترة ولا خط: "صلاته جائزة"، وقال:"أُحِبُّ أن يفعل، فإن لم يفعل يجزيه"[مسائل أبي داود (315)، المغني (2/ 41)].
وبه قال الشافعي، وابن جرير الطبري [اختلاف الحديث (10/ 123 - أم)، تهذيب الآثار ص (318) (الجزء المفقود)]، وغيرهما، لكن مع اختلاف مدركهم، والله أعلم.
***
115 - باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء
719 -
. . . أبو أسامة، عن مجالد، عن أبي الودَّاك، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقطعُ الصلاةَ شيءٌ"، وادرؤوا ما استطعتم، فإنما هو شيطان".
• حديث ضعيف.
تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (698).
***
720 -
. . . عبد الواحد بن زياد: حدثنا مجالد: حدثنا أبو الوداك، قال: مرَّ شابٌّ من قريش بين يدَيْ أبي سعيد الخدري وهو يصلي، فدفعه، ثم عاد فدفعه، ثلاث مرات، فلما انصرف قال: إن الصلاة لا يقطعها شيء، ولكن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ادرؤوا ما استطعتم؛ فإنه شيطان".
• حديث ضعيف.
وهو حديث ضعيف مضطرب، والأقرب وقف موضع الشاهد على أبي سعيد، وإسناده ضعيف أيضًا، وقد سبق الكلام عليه تحت الحديث رقم (698).
• وفي الباب عن عددٍ من الصحابة مرفوعًا:
1 -
عن جابر بن عبد الله:
رواه يحيى بن ميمون: نا جرير بن حازم، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا يصلي، فذهبت شاة تمر بين يديه فساعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ألزقها بالحائط، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يقطع الصلاة شيء، وادرؤوا ما استطعتم".
أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 377/ 7774).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن محمد بن المنكدر إلا جرير بن حازم، تفرد به: يحيى بن ميمون".
قال الهيثمي في المجمع (2/ 62): "رواه الطبراني في الأوسط، وفيه يحيى بن ميمون التمار، وهو ضعيف، وقد ذكره ابن حبان في الثقات".
قلت: هو حديث باطل، يحيى بن ميمون بن عطاء أبو أيوب التمار: متروك، منكر الحديث، كذبه الفلاس والساجي [التهذيب (4/ 394)، الميزان (4/ 411)]، وقد حدث بأحاديث بواطيل، وهذا منها، وقد تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (709).
2 -
عن أبي أمامة:
رواه عُفَير بن معدان، عن سليم بن عامر، عن أبي أمامة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يقطع الصلاة شيء".
أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 165/ 7687)، والدارقطني (1/ 368)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 426/ 582)، والذهبي في تاريخ الإسلام (41/ 401)، وضعفه.
وهذا حديث منكر؛ عفير بن معدان: ضعفوه، منكر الحديث، يروي عن سليم بن عامر، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما لا أصل له [التهذيب (3/ 119)، الميزان (3/ 83)].
3 -
عن عائشة:
رواه عبد الله بن محمد بن يعقوب البخاري: حدثنا موسى بن أفلح بن خالد أبو عمران البخاري: حدثنا أبو حذيفة إسحاق بن بشر البخاري: حدثنا سفيان الثوري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا يقطع الصلاة شيء؛ ولكن امنع ما استطعت في نفسه".
أخرجه ابن عدي في الكامل (1/ 337).
وهذا حديث موضوع؛ إسحاق بن بشر، وعبد الله بن محمد بن يعقوب البخاري الحارثي، كلاهما: متهم بوضع الحديث [اللسان (2/ 44) و (4/ 580)،، قال ابن عدي بعد أن ساق عدة أحاديث في ترجمة إسحاق بن بشر، وهذا منها:"وهذه الأحاديث مع غيرها؛ مما يرويه إسحاق بن بشر هذا: غير محفوظة كلها، وأحاديثه منكرة؛ إما إسنادًا أو متنًا، لا يتابعه أحد عليها".
4 -
عن ابن عمر:
رواه إسحاق بن البهلول: ثنا يحيى بن المتوكل: ثنا إبراهيم بن يزيد: ثنا سالم بن عبد الله، عن أبيه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر، قالوا:"لا يقطع صلاة المسلم شيء، وادرأ ما استطعت".
أخرجه الدارقطني في السنن (1/ 367)، وفي الأفراد (1/ 526 و 527/ 3007 و 3011 - أطرافه)، ومن طريقه: ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 445/ 761).
وأخرجه ابن عدي في الكامل (7/ 207) مطولًا بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر قالوا: "لا تُقطعُ صلاةُ المسلم بشيءٍ، وادرؤوا ما استطعتم"، وكانوا يقرؤونها: {مَالِكِ يَوْمِ
الدِّينِ (4)} [الفاتحة: 4]، وكانوا يستفتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} [الفاتحة: 2].
وأخرج بعضه بدون موضع الشاهد: الخطيب في الموضح (1/ 383).
قال ابن عدي: "وهذا عن سالم يرويه: إبراهيم بن يزيد المكي، وعن إبراهيم بن يزيد: أبو عقيل".
وقال الدارقطني: "تفرد به إبراهيم عن سالم، وتفرد به يحيى بن المتوكل عنه، ولا نعلم حدث به غير إسحاق بن بهلول، ورواه الزهري عن سالم عن أبيه، من قوله".
وهذا حديث منكر؛ تفرد برفعه إبراهيم بن يزيد الخوزي، وهو: متروك، منكر الحديث [التهذيب (1/ 94)]، وأنكره على الخوزي: ابن حبان في المجروحين (1/ 101).
إلا أن ابن عدي جعل التبعة فيه على أبي عقيل يحيى بن المتوكل [صاحب بُهية، وقد ضعفوه. التهذيب (4/ 384)]، حيث أورد هذا الحديث في ترجمته، وبين أنه هو المتفرد به، ثم قال:"عامة أحاديثه غير محفوظة".
لكن وقع في الإسناد منسوبًا: يحيى بن المتوكل الباهلي، والراوي عنه: إسحاق بن بهلول التنوخي، والباهلي الذي يروي عنه إسحاق بن بهلول غير أبي عقيل صاحب بهية، وكلام ابن عدي يدل على أنه جعلهما واحدًا، ولم يفرق بينهما، وقد فرق بينهما: ابن معين والبخاري وأبو حاتم وابن حبان [التهذيب (4/ 384)، التاريخ الكبير (8/ 306)، الجرح والتعديل (9/ 189 و 190)، الثقات (7/ 612)، المجروحين (3/ 116)]، وأبو عقيل صاحب بهية قد ضعفوه، وأما الباهلي: فقال ابن معين: "لا أعرفه"؛ يعني: لا يعرف حاله، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"كان يخطئ"، وقال الذهبي:"صدوق"، وقال مرة:"ما علمت به بأسًا"، وقال ابن حجر:"صدوق يخطئ"[تاريخ الإسلام (13/ 478)، المغني (2/ 742)، ذيل الميزان (734)، التقريب (667)].
وأما قول الدارقطني الآتي ذكره في العلل: "ويحيى بن المتوكل، وإبراهيم بن يزيد: ضعيفان"، فلعله أراد صاحب بهية، والله أعلم.
• والمعروف: موقوف على ابن عمر قوله:
فقد روى مالك، ومعمر، وابن عيينة:
عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: لا يقطع الصلاة شيء، وادرؤوا ما استطعتم. أو قال: ما استطعت. لفظ معمر.
ولفظ مالك: لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي.
ولفظ ابن عيينة: قيل لابن عمر: إن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة يقول: يقطع الصلاة الكلب والحمار؟ فقال ابن عمر: لا يقطع صلاة المسلم شيء.
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 222/ 429)، وعبد الرزاق (2/ 30/ 2366)، وابن أبي شيبة (1/ 250/ 2885)(2/ 530/ 2902 - ط عوامة)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار
(515 - الجزء المفقود)، والطحاوي (1/ 463)، والبيهقي (2/ 278).
وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
قال الدارقطني في العلل (13/ 143/ 3019): "رواه عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن إبراهيم بن يزيد، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه.
وخالفه يحيى بن المتوكل، فرواه عن إبراهيم بن يزيد، عن سالم، عن أبيه، وقال فيه: عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر.
ويحيى بن المتوكل، وإبراهيم بن يزيد: ضعيفان.
وقول عبد الأعلى: عن إبراهيم بن يزيد، عن الزهري: أشبه بالصواب.
ووهم إبراهيم بن يزيد في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن مالكًا، وشعيب بن أبي حمزة، وسفيان بن عيينة، رووه عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، من قوله.
ورواه الأوزاعي، عن الزهري، عن عياش، عن ابن عمر موقوفًا، وهو وهم.
وإنما أراد: عن الزهري، عن سالم؛ أن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، قال: الحمار يقطع الصلاة، وأنكر ذلك ابن عمر، فقال: لا يقطع الصلاة شيء.
والصحيح عن ابن عمر موقوفًا.
وكذلك رواه نافع، عن ابن عمر موقوفًا".
وقال البيهقي في السنن (2/ 278): "والصحيح: موقوف".
5 -
عن أبي هريرة:
رواه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه:"لا يقطع الصلاة امرأة، ولا كلب، ولا حمار، وادرأ ما مر أمامك ما استطعت، فإن أبى إلا أن تلاطِمَه فلاطِمْه؛ فإنما تلاطم الشيطان".
وهو حديث منكر، تقدم ذكره تحت الحديث السابق برقم (698).
6 -
عن أنس بن مالك:
روى إدريس بن يحيى أبو عمرو المعروف بالخولاني، عن بكر بن مضر، عن صخر بن عبد الله بن حرملة؛ أنه سمع عمر بن عبد العزيز، يقول: عن أنس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالناس، فمر بين أيديهم حمار، فقال عياش بن أبي ربيعة: سبحان الله! سبحان الله! سبحان الله! فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من المسبِّح آنفًا، سبحان الله؟ " قال: أنا، يا رسول الله! إني سمعت أن الحمار يقطع الصلاة، قال:"لا يقطع الصلاة شيء".
وهذا الحديث صوابه مرسل بإسناد لا بأس به، وتقدم تخريجه مفصلًا تحت الحديث رقم (702).
• والثابت عن أنس في هذا خلاف ذلك:
فقد روى جماعة الحفاظ من أصحاب شعبة، عن شعبة، عن عبيد الله بن أبي بكر،
قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: يقطع الصلاة: المرأة، والحمار، والكلب.
وهذا موقوف على أنس، بإسناد صحيح على شرط الشيخين، وتقدم تخريجه مفصلًا تحت الحديث رقم (702).
• والحاصل: أنه لا يصح شيءٌ في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يقطع الصلاة شيء".
والعقيلي لما أخرج هذا من قول حذيفة موقوفًا عليه، في ترجمة الزبرقان بن عبد الله العبدي (2/ 82)، قال:"وفي هذا رواية من غير هذا الوجه فيها لين وضعف".
وقال النووي في شرح مسلم (4/ 227): "حديث: "لا يقطع صلاة المرء شيء": ضعيف".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والذين خالفوا أحاديث القطع للصلاة لم يعارضوها إلا بتضعيف بعضها، وهو تضعيف من لم يعرف الحديث،
…
، أو بأن عارضوها بروايات ضعيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا يقطع الصلاة شيء"" [مجموع الفتاوى (21/ 16)، القواعد النورانية (1/ 84)].
وقال ابن رجب في الفتح (2/ 697): "وقد روي هذا المتن من حديث: علي، وأبي هريرة، وعائشة، وأبي أمامة، ولا يثبت منها شيء".
***
قال أبو داود: إذا تنازع الخبران عن النبي صلى الله عليه وسلم نُظِر إلى ما عَمِل به أصحابه من بعده.
قلت: لم يتفق الصحابة في ذلك، بل قد اختلفوا فيه أيضًا:
• أولًا: الآثار الواردة عن الصحابة في أن الصلاة لا يقطعها شيء:
1 -
عن أبي بكر وعمر:
رواه يحيى بن المتوكل: ثنا إبراهيم بن يزيد: ثنا سالم بن عبد الله، عن أبيه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر، قالوا:"لا يقطع صلاة المسلم شيء، وادرأ ما استطعت".
وهو حديث منكر؛ والمعروف: موقوف على ابن عمر قوله، وتقدم ذكره تحت حديث ابن عمر في الشواهد برقم (4).
2 -
عن عثمان بن عفان:
أ- روى عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: أراد رجل أن يجيز أمام حميد بن عبد الرحمن بن عوف، فانطلق به إلى عثمان، فقال للرجل: ما يضرك لو ارتددت حين ردَّك؟! ثم أقبل على حميد، فقال له: ما ضرَّك لو أجاز أمامك، إن الصلاة لا يقطعها شيء؛ إلا الكلام والأحداث.
قال عبد الرزاق: ذكره ابن جريج عن محمد بن يوسف، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 29/ 2362).
قلت: وهذا رجاله ثقات، وأخاف أن يكون وهم فيه محمد بن يوسف [والأقرب أنه القرشي مولى عثمان، وهو: ثقة]، فقد رواه غيره عن إبراهيم فلم يذكر فيه هذه اللفظة: إن الصلاة لا يقطعها شيء، أو أن يكون ابن جريج دلسه عن بعض الضعفاء.
• فقد روى عبد الله بن صالح، قال: حدثني بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن بكير [هو: ابن عبد الله بن الأشج]، أن بشر بن سعيد وسليمان بن يسار حدثاه، أن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف حدثهما؛ أنه كان في صلاة فمرَّ به سليط بن أبي سليط، فجذبه إبراهيم فخرَّ فشُجَّ، فذهب إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، فأرسل إليَّ، فقال لي: ما هذا؟ فقلت: مرَّ بين يدي فرددته؛ لئلا يقطعَ صلاتي، قال: ويقطع صلاتك؟ قلت: أنت أعلم، قال: إنه لا يقطع صلاتك.
أخرجه الطحاوي (1/ 464)، قال: حدثنا علي بن عبد الرحمن: حدثنا عبد الله به.
وهذا موقوف على عثمان بإسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات؛ غير بشر بن سعيد الكندي، روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (2/ 75)، الجرح والتعديل (2/ 358)، الثقات (4/ 70)، مغاني الأخيار (1/ 80)]، وشيخ الطحاوي: علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة المخزومي مولاهم المصري: ثقة.
• وروى شعبة، وإبراهيم بن سعد [وعنه: سويد بن سعيد الحدثاني، وهو: صدوق في نفسه؛ إلا أنه تغير بعدما عمي، وصار يتلقن، فضعِّف بسبب ذلك، لكن هذا الحديث من رواية عبد الله بن أحمد عنه، وكان الإمام أحمد ينتقي عليه لولديه فيسمعان منه. انظر: التهذيب (2/ 133)]:
عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه؛ أنه كان يصلي فمر بين يديه رجل، قال: فمنعته، فغلبني إلا أن يمر بين يديَّ، فذكرت ذلك لعثمان بن عفان رضي الله عنه وكان خال أبيه-، فقال: لا يضرك.
أخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته على المسند (1/ 72)، والطحاوي (1/ 464).
وهذا مثل سابقه: موقوف على عثمان بإسناد صحيح.
وفي هاتين الروايتين أن القصة وقعت لإبراهيم بن عبد الرحمن، وليست لأخيه حميد، وبدون هذه الزيادة: إن الصلاة لا يقطعها شيء.
وهذا عندي الأقرب للصواب، إذ هو من رواية ثلاثة عن إبراهيم، أحدهم: ابنه سعد، وأهل بيت الرجل أعلم بحديثه من الغرباء، والله أعلم.
ب- وروى هشام الدستوائي، وسعيد بن أبي عروبة، وشعبة، وهمام بن يحيى:
عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن علي وعثمان أنهما قالا: لا يقطع الصلاة شيء، وادرؤوا ما استطعتم.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 250/ 2884)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (503 - 507 - الجزء المفقود)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 103/ 2471)، والطحاوي (1/ 464)، والبيهقي (2/ 278).
وصحح إسناده ابن حجر في الفتح (1/ 588).
وهو كما قال، موقوف على عثمان وعلي بإسناد صحيح، ورواية ابن المسيب عنهما في الصحيحين [انظر: تحفة الأشراف (6/ 545/ 9804 - ط دار الغرب) و (7/ 42/ 10114 - دار الغرب)].
وانظر فيمن وهم فيه على قتادة، وخالف أثبت أصحابه: مصنف عبد الرزاق (2/ 31/ 2367)، تهذيب الآثار لابن جرير الطبري (502 - الجزء المفقود).
3 -
عن علي بن أبي طالب:
قد صح ذلك عن علي، كما تقدم.
وروي عنه من طرق أخرى، لكن لا تصح:
أ - فعن مالك؛ أنه بلغه أن علي بن أبي طالب، قال: لا يقطع الصلاة شيء مما يمرُّ بين يدي المصلي.
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 428/222).
ب- وروى أبو إسحاق السبيعي، عن الحارث الأعور، عن علي، قال: لا يقطع الصلاة شيء، وادرأ عن نفسك ما استطعت.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 29/ 2361)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (500 و 501 - الجزء المفقود)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (2517)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 103/ 2472)، والطحاوي (1/ 464).
وهذا إسناد ضعيف؛ لأجل الحارث الأعور، وأبو إسحاق لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث.
4 -
عن ابن عمر:
روى مالك، ومعمر، وابن عيينة:
عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، قال: لا يقطع الصلاة شيء، وادرؤوا ما استطعتم. أو قال: ما استطعت. لفظ معمر.
ولفظ مالك: لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي.
ولفظ ابن عيينة: قيل لابن عمر: إن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة يقول: يقطع الصلاة الكلب والحمار؟ فقال ابن عمر: لا يقطع صلاة المسلم شيء.
وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
وتقدم ذكره تحت حديث ابن عمر في شواهد الأحاديث المرفوعة برقم (4).
• وروي من طرقٍ أخرى عن ابن عمر:
أ - عبيد الله بن عمر، عن نافع [وفي رواية: وسالم]، عن ابن عمر، قال: لا يقطع الصلاة شيء، وذُبُّوا عن أنفسكم. وفي رواية: وادرأ ما استطعت.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 251/ 2886)(2/ 530/ 2903 - ط عوامة)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (513 و 524 - الجزء المفقود)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 103/ 2473)، والطحاوي (1/ 463)، والدارقطني (1/ 368).
وإسناده صحيح على شرط الشيخين، موقوف.
ب - عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لا يقطع الصلاة شيء، وادرأ ما استطعت، قال: وكان لا يصلي إلا إلى سترة.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 31/ 2368).
موقوف، وإسناده صالح في المتابعات، عبد الله بن عمر العمري: ليس بالقوي.
• خالفهما: مطر بن طهمان الوراق، فرواه عن نافع؛ أن ابن عمر مرَّ بين يديه كلب أصفر وهو في الصلاة، فأعاد الصلاة.
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (5/ 101/ 2465).
ومطر: صالح الحديث، كثير الخطأ، وليس هو من أصحاب نافع، إذ لم يعدَّه فيهم: ابن المديني ولا النسائي، ولا حتى في الضعفاء منهم [الطبقات للنسائي. شرح علل الترمذي (2/ 615)]، فأين هو من عبيد الله بن عمر العمري؟ الذي هو من أثبت أصحاب نافع، وقدمه بعضهم في نافع على مالك وأيوب، وجعله أثبت أصحاب نافع على الإطلاق، وقد تابعه عليه أخوه عبد الله، وعليه: فرواية مطر هذه وهم محض، والله أعلم.
ج - وروى شعبة، عن أبي عبد الله العسقلاني، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط: أنه رأى ابن عمر يصلي على جنازة، وحمار يمر بين أيديهم، فناداه رجل: الحمار! فلما انصرف ابن عمر، قال: أيها الصارخ! إن الصلاة لا يقطعها شيء، ولكنه أذى، فادرؤوا الأذى عنكم ما استطعتم.
أخرجه يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/ 314)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (514 - الجزء المفقود)، واللفظ له، وابن عساكر في تاريخ دمشق (65/ 265).
وهذا إسناد ضعيف، أبو عبد الله العسقلاني هو: الحسن بن عمران: قال أبو حاتم: "شيخ"، وذكره ابن حبان في الثقات، وله حديث في عدم إتمام التكبير، وهو حديث معلول، يأتي عند أبي داود برقم (837)، ضعَّفه: الطيالسي والبخاري، ونقل البخاري في التاريخ عن أبي داود الطيالسي أنه قال:"هذا عندنا باطل"، وقال الطبري والبزار:"تفرد به الحسن بن عمران، وهو مجهول"، وقال النووي:"ضعيف؛ لأن راويه الحسن بن عمران ليس معروفًا" [سؤالات أبي داود (129)، التاريخ الكبير (2/ 300)، الجرح والتعديل
(3/ 27)، الثقات (6/ 162)، المجموع شرح المهذب (3/ 353)، الذيل على الميزان (283)، التهذيب (1/ 411)، فتح الباري (2/ 269)، مغاني الأخيار (1/ 201)].
5 -
عن جابر بن عبد الله:
روى إبراهيم بن يزيد، عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث، عن جابر بن عبد الله، قال: لا يقطع صلاةَ المسلم شيءٌ، وادرؤوا ما استطعتم.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 31/ 2369).
وهذا إسناد واهٍ، إبراهيم بن يزيد الخوزي: متروك، منكر الحديث [التهذيب (1/ 94)]، والوليد بن عبد الله بن أبي مغيث: ثقة، من السادسة، يروي عن التابعين، فهو منقطع.
6 -
عن عبد الله بن الزبير:
روى وكيع، وابن وهب:
عن حنظلة الجمحي، عن سالم بن عبد الله، قال: صلى بنا ابن الزبير، فمرَّت بين أيدينا امرأةٌ بعد ما قد صلينا ركعة أو ركعتين، فلم يُبالِ بها. لفظ وكيع.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 258/ 8757)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (517 - الجزء المفقود).
وهذا موقوف على ابن الزبير بإسناد صحيح، وحنظلة هو: ابن أبي سفيان الجمحي المكي: ثقة حجة.
• ورواه ابن جريج، قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار [تصحف عند عبد الرزاق من ابن أبي عمار، إلى: أبي بن أبي عامر]، قال: رأيت ابن الزبير يصلي، فمرت امرأة بين يديه تطوف بالبيت، فوضع جبهته في موضع قدمها.
ولفظ عبد الرزاق: رأيت ابن الزبير يصلي في المسجد، فتريد المرأة أن تجيز أمامه وهو يريد السجود، حتى إذا هي أجازت سجد في موضع قدميها.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 35/ 2386)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (516 - الجزء المفقود)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 104/ 2475).
وهذا موقوف على ابن الزبير بإسناد مكي صحيح.
7 -
عن عائشة:
قد ثبت عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: ما تقولون ما يقطع الصلاة؟ قال: فقالوا: الكلب والحمار والمرأة، فقالت عائشة: إن المرأة إذًا دابة سوء؛ لقد رأيتني وأنا معترضة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتراض الجنازة، وهو يصلي، وقالت: بئسما عدَلتُمونا بالحمار والكلب؛ لقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا معترضةٌ بين يديه؛ فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي، فضممتُها إليَّ، ثم يسجد، وقالت: ألا أراهم قد عدلونا بالكلاب والحمر، ربما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل، وأنا على السرير بينه وبين القبلة، فتكون لي الحاجة،
فأنسل من قِبَل رِجْل السرير، كراهية أن أستقبله بوجهي، وذكر عندها ما يقطع الصلاة، فقالوا: يقطعها الكلب والحمار والمرأة، قالت: لقد جعلتمونا كلابًا، لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، وإني لبينه وبين القبلة، وأنا مضطجعة على السرير، فتكون لي الحاجة، فأكره أن أستقبله، فأنسل انسلالًا.
وهذه الروايات في الصحيحين، وقد تقدم تخريجها فيما سبق برقم (710 - 714).
• ومما روي عنها في هذا أيضًا:
أ - شعبة، عن الحكم، عن خيثمة، عن الأسود [وفي رواية: قال: سمعته يحدث عن الأسود]، عن عائشة، قالت: لا يقطع الصلاة شيء؛ إلا الكلب الأسود.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 251/ 2890)، وأبو القاسم البغوي في مسند ابن الجعد (164)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (3/ 77/ 3901)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (605 - الجزء المفقود)، وأبو العباس السراج في مسنده (414)، وفي حديثه بانتقاء زاهر الشحامي (895)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 102/ 2468).
وهذا موقوف على عائشة بإسناد صحيح، رجاله ثقات أئمة، رجال الشيخين، وخيثمة هو: ابن عبد الرحمن بن أبي سبرة الكوفي: تابعي ثقة.
ب - شعبة، قال: سمعت عبد الرحمن بن سعيد، قال: سمعت صفية بنت شيبة، تقول: كانت امرأة تصلي عند البيت إلى مرفقة، فمرت عائشة رضي الله عنها بينها وبين المرفقة، فقالت عائشة رضي الله عنها: إنما يقطع الصلاة الكلب والهر الأسود.
أخرجه أحمد في مسائل ابنه عبد الله (2/ 686 - الفتح لابن رجب)، والفاكهي في أخبار مكة (2/ 110/ 1232)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (587 - الجزء المفقود).
وهذا موقوف على عائشة بإسناد صحيح، وعبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني: ثقة، روى له مسلم.
ورواه ابن أبي عدي، عن حميد، عن طلق بن حبيب، عن صفية ابنة شيبة، قالت: كنت أصلي فمرت عائشة بين يدي، فمنعتها فقالت: ألم أقل لكِ: إنه لا يقطع الصلاة إلا الكلب والسنور.
أخرجه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (586 - الجزء المفقود).
وهذا أيضًا موقوف على عائشة بإسناد صحيح.
• خالفهما: يعلى بن حكيم، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة، قالت: المرأة السوداء تقطع الصلاة.
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (5/ 101/ 2467)(5/ 91/ 2452 - ط دار الفلاح)، قال: حدثنا يحيى بن محمد، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا يحيى، عن قرة بن خالد، قال: حدثني يعلى به.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، شيخ مسدد هو القطان، وشيخ ابن المنذر هو يحيى بن محمد بن يحيى الذهلي النيسابوري، ولكنها رواية شاذة، مخالفة لما رواه الثقات من أصحاب عائشة رضي الله عنها، فإنها كانت ترى أن مرور المرأة لا يقطع الصلاة، وأنكرت على من شبَّه المرأة وعدلها بالكلب والحمار، وممن روى عنها ذلك من أصحابها: ابن أختها عروة بن الزبير، وابن أخيها القاسم بن محمد بن أبي بكر، والأسود بن يزيد النخعي، ومسروق بن الأجدع الهمداني [انظر الأحاديث المتقدمة برقم (710 - 714)]، وهؤلاء من أثبت أصحابها، وأكثرهم عنها رواية، وكذلك فقد رواه اثنان من الثقات: عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني، وطلق بن حبيب، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة بما يوافق رواية أصحابها، وحفظا فيه القصة، فدل ذلك على شذوذ رواية يعلى بن حكيم، ولا يقال بأن رواية يعلى مقيدة بالمرأة السوداء دون غيرها، فيقال: لون بشرة المرأة لا أثر له في الحكم، وهو وصف طردي غير مؤثر في قطع الصلاة، بخلاف وصف الكلب بالأسود، فإنه وصف مؤثر، حيث جاء النص بتعليله بكونه شيطانًا، بخلاف غيره من الكلاب، وهذا المعنى غير موجود في المرأة، والله أعلم.
• نعود مرة أخرى إلى رواية صفية بنت شيبة [في المحفوظ عنها]:
فإن قيل: لعل عائشة قالت ذلك في تخصيص القطع بالكلب والهر الأسود، لما روي عنها مرفوعًا من أن الكلب الأسود شيطان:
فقد روى شيبان أبو معاوية، عن ليث بن أبي سليم [ضعيف]، عن مجاهد، عن الأسود، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكلب الأسود البهيم شيطان".
أخرجه أحمد (6/ 157 و 280)، والطبراني في الأوسط (3/ 233/ 3013)، والدارقطني في الأفراد (2/ 421/ 5994 - أطرافه)، وأبو طاهر المخلص في العاشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (334)(2489 - المخلصيات).
قال الطبراني: "لم يرو مجاهد عن الأسود عن عائشة غير هذا، ولا رواه عنه إلا ليث، ولا عن ليث إلا شيبان".
وقال الدارقطني: "تفرد به شيبان عن ليث عن مجاهد، ولم يروه بهذا الإسناد غير الحسن بن موسى الأشيب".
قلت: لم يتفرد به الحسن بن موسى، تابعه عليه: أبو النضر هاشم بن القاسم، فالمتفرد به شيبان بن عبد الرحمن النحوي، وهو: ثقة.
وهذه رواية منكرة، وهي من تخاليط ليث بن أبي سليم، فقد رواه ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: الكلب الأسود البهيم شيطان، وهو يقطع الصلاة.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 252/ 2897).
ورواه خيثمة بن عبد الرحمن، عن الأسود، عن عائشة، قالت: لا يقطع الصلاة شيء؛ إلا الكلب الأسود. وتقدم.
ج - عبد الرزاق، عن إبراهيم، عن حماد، عن إبراهيم؛ أن عائشة قالت: قرنتموني يا أهل العراق بالكلب والحمار، إنه لا يقطع الصلاة شيء، ولكن ادرؤوا ما استطعتم.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 30/ 2365).
وهذا منكر؛ فقد روى الأعمش، ومنصور، وحماد بن أبي سليمان:
عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة؛ بلغها أن ناسًا يقولون: إن الصلاة يقطعها الكلب والحمار والمرأة، قالت: ألا أراهم قد عدلونا بالكلاب والحمر، ربما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل، وأنا على السرير بينه وبين القبلة، فتكون لي الحاجة، فأنسل من قِبَل رِجْل السرير، كراهية أن أستقبله بوجهي.
وهو حديث متفق على صحته، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (714).
وإبراهيم شيخ عبد الرزاق سواء أكان أحد الثقات، أم كان أحد المتروكين، مثل: إبراهيم بن يزيد الخوزي، أو: إبراهيم بن محمد الأسلمي، فإن روايته هذه منكرة، لمخالفة جماعة الأئمة الثقات في روايتهم عن إبراهيم النخعي، والله أعلم.
ولأثر عائشة إسناد آخر ضعيف أيضًا، عند: ابن جرير في تهذيب الآثار (606 - الجزء المفقود).
• والحاصل: أن مجموع ما صح عن عائشة يدل على أنها كانت ترى أن الكلب والحمار يقطعان الصلاة دون المرأة، وإلا لما قالت: عدلتمونا بالحمار والكلب، وقد صح عنها صريحًا أنها قالت: لا يقطع الصلاة شيء؛ إلا الكلب الأسود، والله أعلم.
8 -
عن حذيفة بن اليمان:
يرويه إسرائيل، عن الزبرقان، عن كعب بن عبد الله، عن حذيفة، قال: لا يقطع الصلاة شيء، وادرؤوا ما استطعتم.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 251/ 2889)، والطحاوي (1/ 464)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 82).
قال العقيلي: "وفي هذا رواية من غير هذا الوجه فيها لين وضعف".
قلت: إسناده ضعيف؛ كعب بن عبد الله العبدي: مجهول، ذكره ابن حبان في الثقات، ولم يرو عنه سوى الزبرقان بن عبد الله العبدي [الطبقات الكبرى (6/ 232)، التاريخ الكبير (7/ 224)، الجرح والتعديل (7/ 162)، الثقات (5/ 334)].
والزبرقان بن عبد الله العبدي: روى عنه جماعة من الثقات، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن سعد:"وكان قليل الحديث"، وقال ابن عدي:"وزبرقان هذا: لا أعرف له حديثًا مسندًا له ضوء، وما يروي عنه الثوري وإسرائيل لعله مقاطيع"، وقول البخاري:"وهم فيه"؛ يعني: أن شعبة وهم في قوله عنه: عن عبد الله بن كعب، وإنما هو: كعب بن عبد الله [الطبقات الكبرى (6/ 348)، التاريخ الكبير (3/ 435) و (7/ 224)، الجرح والتعديل (3/ 611) و (7/ 162)، الثقات (6/ 340)، الكامل (3/ 240)، اللسان (3/ 491)].
9 -
عن ابن عباس:
روى الثوري، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، قال: ذُكر لابن عباس: ما يقطع الصلاة؟ فقيل له: المرأة والكلب [والحمار]؟ فقال ابن عباس: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] فما يقطع هذا [ولكن يكره].
أخرجه عبد الرزاق (2/ 29/ 2360)، وابن أبي شيبة (2/ 258/ 8760)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (518 - الجزء المفقود)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 104/ 2474)، والطحاوي (1/ 459)، والبيهقي في السنن (2/ 279)، وفي المعرفة (2/ 125/ 1062).
وهذا موقوف على ابن عباس بإسناد صحيح، لكنه شاذ عنه، وتقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (704).
• والحاصل: أنه قد صح عن بعض الصحابة، أنه قال: لا يقطع الصلاة شيء، وهم: عثمان، وعلي، وابن عمر، وصح عن ابن الزبير، وعائشة: أن المرأة لا تقطع الصلاة.
• ثانيًا: الآثار الواردة عن الصحابة في قطع الصلاة:
1 -
عن أبي هريرة:
قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن أبي هريرة، قال: يقطعُ الصلاةَ: المرأةُ، والكلبُ، والحمارُ.
وهذا موقوف على أبي هريرة بإسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين.
وله حكم الرفع، فقد صح عن أبي هريرة مرفوعًا من وجه آخر، كما تقدم بيانه مفصلًا تحت الحديث رقم (702).
2 -
عن الحكم بن عمرو الغفاري:
وروى ابن المبارك، قال: حدثني سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، قال: صلى الحكم الغفاري بالناس في سفرٍ، وبين يديه عنزة، فمرت حمير بين يدي أصحابه، فأعاد بهم الصلاة، فقالوا: أراد أن يصنع كما يصنع الوليد بن عقبة، إذ صلى بأصحابه الغداة أربعًا، ثم قال: أزيدكم، قال: فلحقتُ الحكم، فذكرت ذلك له، فوقف حتى تلاحق القوم، فقال: إني أعدت بكم الصلاة من أجل الحمُر التي مرت بين أيديكم؛ فضربتموني مثلًا لابن أبي معيط، وإني أسأل الله أن يحسن تسييركم، وأن يحسن بلاغكم، وأن ينصركم على عدوكم، وأن يفرق بيني وبينكم، قال: فمضوا فلم يروا في وجوههم ذلك إلا ما يُسَرُّون به، فلما فرغوا مات.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 18/ 2320)، ومن طريقه: الطبراني في الكبير (3/ 209/ 3151).
وهذا موقوف على الحكم بن عمرو الغفاري بإسناد صحيح، وتقدم تخريجه مفصلًا تحت الحديث رقم (702).
3 -
عن أنس بن مالك:
روى شعبة، عن عبيد الله بن أبي بكر، قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: يقطع الصلاة: المرأة، والحمار، والكلب.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 2899/252)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (562 و 563 - الجزء المفقود)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 101 / 2463).
وهذا موقوف على أنس، بإسناد صحيح على شرط الشيخين، وتقدم ذكره تحت الحديث رقم (702).
4 -
عن عائشة:
تقدم في القسم الأول بيان أنها كانت ترى أن الكلب والحمار يقطعان الصلاة، دون المرأة، فليراجع، والله أعلم.
5 -
عن ابن عباس؛ وله أسانيد:
أ - قتادة، قال: سمعت جابر بن زيد، يحدث عن ابن عباس قال: يقطعُ الصلاةَ: المرأةُ الحائضُ، والكلبُ.
وهذا موقوف على ابن عباس بإسناد صحيح، على شرط الشيخين، وتقدم برقم (703).
ب - المعتمر بن سليمان التيمي، عن أبيه، عن عكرمة، وأبي الشعثاء [جابر بن زيد]، عن ابن عباس، قال: تقطع الصلاة: المرأة الحائض، والكلب الأسود.
وهذا أيضًا موقوف على ابن عباس بإسناد صحيح، رجاله رجال الصحيح، وتقدم تحت الحديث رقم (703).
ج - ورواه ابن عيينة، أو ابن جريج:
قال ابن جريج: أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد، أنه سمع ابن عباس، قال: يقطع الصلاة: الكلب، والمرأة الحائض.
وهذا موقوف بإسناد مكي صحيح، على شرط الشيخين، وتقدم تحت الحديث رقم (703).
6 -
عن ابن عمر:
تقدم ذكره تحت الآثار الواردة عنه في عدم القطع، وبينت هناك أنه لا يصح عنه، والثابت عنه: القول بأنه لا يقطع الصلاة شيء.
ومما رُوي عنه في ذلك أيضًا:
ما رواه ابن عيينة، عن أيوب، عن بكر: أن ابن عمر أعاد ركعة الصلاة من جرْوٍ مرَّ بين يديه في الصلاة.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 252/ 2906).
ورواه حماد بن سلمة، عن حميد، عن بكر بن عبد الله، قال: كنت أصلي إلى جنب
ابن عمر، فدخل جرو بيني وبينه، فمر بين يدي، فقال: أما أنت فأعد الصلاة، وأما أنا فلا أعيد؛ لأنه لم يمر بين يدي.
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (5/ 101/ 2464)، بإسناد صحيح إلى حماد.
والثاني عندي أقرب إلى الصواب، فإن حميدًا الطويل مشهور بالرواية عن بكر بن عبد الله المزني، بخلاف أيوب السختياني، ولم يروه عن أيوب أصحابه المشهورون، ورواية حميد عن بكر في الكتب الستة، ولم أجد روايةً لأيوب عن بكر فيها [انظر: تهذيب الكمال (4/ 217)، تحفة الأشراف (5/ 47 - دار الغرب)، وغيرها].
وهذا إسناد بصري صحيح.
وعلى هذا فقد اختلفت الرواية عن ابن عمر، فقد صح عنه أنه قيل له: يقطع الصلاة الكلب والحمار؟ فقال ابن عمر: لا يقطع صلاة المسلم شيء، وصح عنه هنا: أنه أمر بكر بن عبد الله بإعادة الصلاة، مما يدل على أن الكلب عنده يقطع الصلاة، فالله أعلم.
7 -
عن معاذ بن جبل:
روى ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن معاذ بن جبل، قال: الكلب الأسود البهيم شيطان، وهو يقطع الصلاة.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 28/ 2354)، وابن أبي شيبة (1/ 252/ 2898)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 2466/101).
وإسناده ضعيف؛ مجاهد لم يدرك معاذًا [المراسيل (763)، تحفة التحصيل (294)]، وليث بن أبي سليم: ضعيف؛ لاختلاطه وعدم تميز حديثه.
• والحاصل: أنه قد صح عن بعض الصحابة، أنه قال: يقطع الصلاة: المرأة، والحمار، والكلب.
وهم: أبو هريرة، وأنس، وصح عن عائشة: أن الحمار والكلب الأسود يقطعان الصلاة، وصح عن ابن عباس: أن المرأة الحائض والكلب الأسود يقطعان الصلاة، وصح عن ابن عمر في الكلب وحده، وصح عن الحكم بن عمرو الغفاري في الحمار وحده.
كما أن حديث أبي جحيفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بمكة، وهو بالأبطح، وبين يديه عنزة، يمر من ورائها الكلب والمرأة والحمار [وهو حديث متفق عليه، تقدم برقم (520 و 688)]، يدل على أنه مما كان متقررًا في نفوس الصحابة: أن مرور هذه الثلاث بين المصلي وبين سترته تقطع صلاته، قال ابن رجب في الفتح (2/ 622):"وقوله: يمر بين يديه المرأة والحمار: مما يستدل به على أن مرورهما بين يدي المصلي إلى غير سترة يقطع عليه صلاته، ولولا ذلك لم يكن لتخصيص المرأة والحمار بمرورهما بين يديه من وراء السترة معنى"، ويدل على هذا المعنى أيضًا: قول من قال لعائشة وابن عباس: أن المرأة والحمار والكلب تقطع الصلاة، والله أعلم.
• وبهذا يظهر أن الصحابة قد اختلفوا في هذه المسألة، ولم يتفقوا، فكان مردُّنا عند
الاختلاف إلى ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا إلى غيره، وقوله الصريح في ذلك أولى من الفعل؛ إذ إن حديث أبي ذر قد سيق مساق التشريع العام، بخلاف الفعل في حديث ابن عباس وحديث عائشة؛ فإنهما يحتملان من التأويل ما لا يحتمله القول الصريح.
• وعلى هذا فإن عمدة هذه الأبواب هو: حديث أبي ذر، وشاهداه عن أبي هريرة وعبد الله بن مغفل، ففي حديث أبي ذر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل: المرأة، والحمار، والكلب الأسود"، وفيه:"الكلب الأسود شيطان"[تقدم برقم (702)].
وقد عارضه في الحمار [فيما صح] حديث ابن عباس [المتفق عليه] قال: أقبلتُ راكبًا على أتانٍ، وأنا يومئذٍ قد ناهزتُ الاحتلامَ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى، فمررتُ بين يدي بعض الصف فنزلتُ، فأرسلتُ الأتانَ ترتع، ودخلتُ في الصفِّ، فلم ينكرْ ذلك أحدٌ، وقد تقدم تخريجه فيما سبق برقم (715).
وعارضه في المرأة حديث عائشة رضي الله عنها[المتفق عليه]، أنها قالت: ما تقولون ما يقطع الصلاة؟ قال: فقالوا: الكلب والحمار والمرأة، فقالت عائشة: إن المرأة إذًا دابة سوء؛ لقد رأيتني وأنا معترضة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتراض الجنازة، وهو يصلي، وقد تقدم تخريج طرقه فيما سبق برقم (710 - 714).
ولم يعارضه في الكلب شيء يصح، وقد اختلف موقف العلماء من هذه الأحاديث، ولما كانت كلها صحيحة، كان الأولى الجمع بينها، وإعمالها جميعًا؛ إذ إن إعمال جميع الأدلة -طالما أمكن- أولى من إهمال بعضها، طالما لم يثبت لدينا نص يدل على أن بعضها ناسخ لبعض.
وبناءً على ذلك: فيقال بأن حديث ابن عباس إنما كان في مرور الحمار بين يدي المأمومين، ولما كانت سترةُ الإمام سترةً للمأمومين، لم يضر المأمومين مرورُ الحمار بين أيديهم، فإن صلاتهم محفوظة بسترة إمامهم، والله أعلم.
وأما حديث عائشة فهو في المرأة حال كونها معترضة، أو نائمة، أو ساكنة، فيخرج بذلك مرور المرأة أمام المصلي بينه وبين سترته، فتقطع صلاته حينئذ، والله أعلم.
• أسوق بعد ذلك بعض أقوال أهل العلم في هذه المسألة، مرتبًا إياها على وفياتهم، دون تعقب، إذ قد بيَّنت ما ظهر لي من وجه الصواب، والله أعلم.
قال الشافعي في اختلاف الحديث (10/ 126 - الأم): "لا يجوز إذا روي حديث واحد: أن رسول الله قال: "يقطع الصلاة: المرأة والكلب والحمار"، وكان مخالفًا لهذه الأحاديث، فكان كل واحد منها أثبت منه، ومعها ظاهر القرآن؛ أن يُترك إن كان ثابتًا إلا بأن يكون منسوخًا، ونحن لا نعلم المنسوخ حتى نعلم الآخر، ولسنا نعلم الآخر، أو يُرَدُّ ما يكون غيرَ محفوظ، وهو عندنا غير محفوظ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعائشة بينه وبين القبلة، وصلى وهو حامل أمامة، يضعها في السجود، ويرفعها في القيام، ولو كان ذلك يقطع
صلاته لم يفعل واحدًا من الأمرين، وصلى إلى غير سترة، وكل واحد من هذين الحديثين يرد ذلك الحديث؛ لأنه حديث واحد، وإن أخذت فيه أشياء، فإن قيل: فما يدل عليه كتاب الله من هذا؟ قيل: قضاء الله {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]-والله أعلم- أنه لا يُبطل عملُ رجلٍ عملَ غيره، وأن يكون سعيُ كلِّ لنفسه وعليها، فلما كان هذا هكذا، لم يجز أن يكون مرور رجل يقطع صلاة غيره".
وقال عبد الله بن أحمد: "سألت أبي: ما يقطع الصلاة؟ قال: الكلب الأسود، قال: أنس يروي أنه يقطع الصلاة الكلب والمرأة والحمار؟ قال: أما المرأة فاذهب إلى حديث عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وأنا معترضة بين يديه، وإلى حديث ابن عباس: مررت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا على أتان، فقلت لأبي: إذا مرَّ الكلب الأسود بين يدي المصلي، قطع صلاته؟ قال: نعم، فقلت له: يعيد؟ قال: نعم؛ إذا كان أسود"[مسائله (365)].
وقال إسحاق بن منصور الكوسج: "قلت: ما يقطع الصلاة؟ قال: ما أعلمه يقطعها إلا الكلب الأسود الذي لا أشك فيه، وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء، قال إسحاق: لا يقطع إلا الكلب الأسود.
قال الإمام أحمد: ومن الناس من يقول: إن قول عائشة رضي الله عنها حيث قالت: كنت أنام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ليس بحجة على هذا الحديث؛ يعني: من قال: يقطع الصلاة الحمار والمرأة والكلب؛ لأن النائم غير المار، وقول ابن عباس رضي الله عنهما في الحمار حيث مرَّ بين يدي بعض الصف ليس بحجة؛ لأن سترةَ الإمام سترةُ مَن خلفه.
قال إسحاق: كل هذا حجة، ولا يحتاج إلى هذا المبهم مع المفسر، قول عائشة رضي الله عنها: عدلتمونا بالحمار" [مسائله (287 و 288)].
وقال موسى بن سعيد الدنداني [صدوق، حافظ]: قال أبو عبد الله: "في الكلب ست خصال: ثمنه، وسؤره، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها، وتقطع الصلاة، ويقتل الكلب الأسود البهيم؛ إن كان لصاحب ماشية فلا بأس بقتله"[طبقات الحنابلة (1/ 332)].
وقال ابن رجب في الفتح (2/ 701): "وفي مسائل الحسن بن ثواب، عن الإمام أحمد: قيل له: ما ترى في الحمار والكلب والمرأة؟ قال: الكلب الأسود يقطع؛ أنه شيطان. قيل له: حديث أبي ذر؟ قال: هاتوا غير حديث أبي ذر، ليس يصح إسناده، ثم ذكر حديث الفضل بن عباس؛ أنه مر على بعض الصف وهو على حمار. قيل له: إنه كان بين يديه عنزة؟ قال: هذا الحديث في فضاء".
[وانظر أيضًا: مسائل عبد الله (415)، مسائل أبي داود (318)، مسائل ابن هانئ (330)، المغني (2/ 43)، الفتح لابن رجب (2/ 700 و 709)].
وقال الترمذي بعد حديث ابن عباس (337): "وحديث ابن عباس: حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم من
التابعين، قالوا: لا يقطع الصلاة شيء، وبه يقول: سفيان الثوري، والشافعي".
وقال بعد حديث أبي ذر (338): "حديث أبي ذر: حديث حسن صحيح، وقد ذهب بعض أهل العلم إليه، قالوا: يقطع الصلاة: الحمار والمرأة والكلب الأسود، قال أحمد: الذي لا أشك فيه أن الكلب الأسود يقطع الصلاة، وفي نفسي من الحمار والمرأة شيء، قال إسحاق: لا يقطعها شيء إلا الكلب الأسود".
وقال ابن نصر المروزي في اختلاف العلماء (56): "قال سفيان: لا يقطع الصلاة شيء؛ كلب ولا حمار ولا امرأة، وكذلك قال أصحاب الرأي، وهو قول: مالك والشافعي، وقال أحمد وإسحاق والحميدي: يقطعها الكلب الأسود خاصة، ولا يقطعها سواه".
وتأول ابن جرير القطع، فقال في تهذيب الآثار (321 - الجزء المفقود):"فإن قال: أوليس صحيحًا عندك الخبر الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يقطع الصلاة: المرأة، والحمار، والكلب الأسود"؟ قيل: بلى؛ فإن قال: فكيف تجوِّز أن يكون مرور هؤلاء بين يدي المصلي إلى غير سترة قاطعًا صلاته، ثم لا تكون عليه الإعادة؟ قيل: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأشياء الثلاثة أنها تقطع صلاة المصلي، نظير قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته"،
…
ومعلوم أن قطع الشيطان صلاة المصلي ليس بمروره بين يديه وحده دون إحداثه له من أسباب الوسوسة والشك وشغل القلب بغير صلاته ما يفسد به صلاته، ويقطعها عليه، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرض له وهو في صلاته شيطان حتى التبست عليه القراءة، فلم يقطع لذلك صلاته،
…
فلم يستقبل النبي صلى الله عليه وسلم صلاته بعرض الشيطان له فيها، ولم يُعِدها، وقد لبس عليه قراءته فيها؛ إذ أقام صلى الله عليه وسلم حدودها، ولكنه مضى فيها وأتمها، وكذلك معنى قطع المرأة، والكلب الأسود، والحمار: الصلاة، إنما هو بشغل قلب من مر ذلك به في صلاته بمروره به فيها، وإحداثه له فيها من الشك، وحديث النفس ما يقطع به صلاته ويفسدها عليه، فأما من أقام حدودها، وأداها على ما وجبت عليه، فلن يفسدها عليه إفسادًا تجب عليه معه إعادتها شيء مر بين يديه،
…
"، ثم أطال في بيان هذا المعنى، فليراجع في موضعه.
• وذهب ابن خزيمة إلى الجمع بين الأحاديث، وإعمالها جميعًا، فقال:"باب ذكر الدليل على أن هذا الخبر في ذكر المرأة ليس مضاد خبر عائشة؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد: أن مرور الكلب والمرأة والحمار يقطع صلاة المصلي، لا ثوى الكلب، ولا ربضه، ولا ربض الحمار، ولا اضطجاع المرأة: يقطع صلاة المصلي، وعائشة إنما أخبرت أنها كانت تضطجع بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي؛ لا أنها مرت بين يديه".
وقال أيضًا بعد خبر عبيد الله عن ابن عباس: "وليس في هذا الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأتان تمر ولا ترتع بين يدي الصفوف، ولا أن النبي صلى الله عليه وسلم أُعلم بذلك، فلم يأمر من مرت
الأتان بين يديه بإعادة الصلاة، والخبر ثابت صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن: الكلب الأسود والمرأة الحائض والحمار يقطع الصلاة، وما لم يثبت خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بضد ذلك لم يجز القول والفتيا بخلاف ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم".
وقال بعد خبر صهيب عن ابن عباس: "وليس في هذا الخبر: أن الحمار مر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما قال: فمررت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه اللفظة تدل أن ابن عباس مر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزوله عن الحمار؛ لأنه قال: فمررت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي،
…
وهذا الخبر ظاهره كخبر عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس: أن الحمار إنما مر بين يدي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بذلك، فإن كان في الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بمرور الحمار بين يدي بعض من كان خلفه، فجائز أن تكون سترة النبي صلى الله عليه وسلم كانت سترة لمن خلفه؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يستتر بالحربة إذا صلى بالمصلى، ولو كانت سترتُه لا تكون سترةً لمن خلفه لاحتاج كل مأموم أن يستتر بحربة، كاستتار النبي صلى الله عليه وسلم بها، فحمل العنزة للنبي صلى الله عليه وسلم يستتر بها دون أن يأمر المأمومين بالاستتار خلفه، كالدال على أن سترة الإمام تكون سترة لمن خلفه،
…
ثم قال: ففي قوله صلى الله عليه وسلم: "مثل مؤخرة الرحل يكون بين يدي أحدكم، ثم لا يضره ما مر بين يديه" دلالة واضحة إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل ضره مرور الدواب بين يديه، والدواب التي تضر مرورها بين يديه هي الدواب التي أعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنها تقطع الصلاة، وهو الحمار والكلب الأسود على ما أعلم المصطفى صلى الله عليه وسلم لا غيرهما من الدواب التي لا تقطع الصلاة".
وقد احتج ابن خزيمة على ما ذهب إليه بحديث هشام بن حسان عن حميد بن هلال بلفظ: "تعاد الصلاة من: ممر الحمار، والمرأة، والكلب الأسود"، وهي رواية شاذة من حديث أبي ذر، والمحفوظ فيه رواية الجماعة:"يقطع الصلاة إذا لم يكن بين يدي الرجل مثل مؤخرة الرحل: المرأة، والحمار، والكلب الأسود"، وقد تبعه على ذلك ابن حبان في صحيحه، حيث قال (6/ 151):"ذكر البيان بأن صلاة المرء إنما تقطع من مرور الكلب والحمار والمرأة، لا كونهن واعتراضهن"، والله أعلم.
وقد ذهب إلى القول بالنسخ: الطحاوي، وابن عبد البر [شرح المعاني (1/ 458)، التمهيد (21/ 168)]، وعزى الحازمي في الاعتبار (1/ 319) القول بالنسخ إلى جماعة من أهل العلم، ولابن حزم كلام طويل في الباب، يراجع المحلى (4/ 12)، وانظر أيضًا: الاستذكار (2/ 84)، التمهيد (21/ 167).
قال ابن عبد البر في التمهيد (21/ 168): "وقال جمهور العلماء: لا يقطع الصلاة شيء، وهو قول: مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وأصحابهم، والثوري، وأبي ثور، وداود، والطبري، وجماعة من التابعين.
قال أبو عمر: الآثار المرفوعة في هذا الباب كلها صحاح من جهة النقل؛ غير أن حديث أبي ذر وغيره في المرأة والحمار والكلب: منسوخ، ومعارَض، فمما عارضه أو نسخه عند أكثر العلماء: حديث عائشة المذكور في هذا الباب".
وقال في التمهيد (4/ 191) أيضًا: "والصحيح عندنا: أن الصلاة لا يقطعها شيء مما يمر بين يدي المصلي بوجه من الوجوه؛ ولو كان خنزيرًا، وإنما يقطعها ما يفسدها من الحدث وغيره؛ مما جاءت به الشريعة".
وانظر: المدونة (1/ 114)، اختلاف الحديث (10/ 122 - الأم)، الأوسط لابن المنذر (5/ 100 - 106)، التمهيد (21/ 170)، شرح السُّنَّة (2/ 462).
وقال ابن قدامة في المغني (2/ 43): "مسألة: قال: ولا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود البهيم؛ يعني: إذا مر بين يديه، هذا المشهور عن أحمد رحمه الله، نقله الجماعة عنه.
قال الأثرم: سئل أبو عبد الله: ما يقطع الصلاة؟ قال: لا يقطعها عندي شيء إلا الكلب الأسود البهيم.
وهذا قول عائشة، وحكي عن طاوس، وروي عن معاذ ومجاهد أنهما قالا: الكلب الأسود البهيم شيطان، وهو يقطع الصلاة.
ومعنى البهيم: الذي ليس في لونه شيء سوى السواد.
وعن أحمد رواية أخرى: أنه يقطعها: الكلب الأسود، والمرأة إذا مرت، والحمار، قال: وحديث عائشة من الناس من قال: ليس بحجة على هذا؛ لأن المار غير اللابث، وهو في التطوع وهو أسهل، والفرض آكد، وحديث ابن عباس مررت بين يدي بعض الصف: ليس بحجة لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه، وروي هذا القول عن: أنس، وعكرمة، والحسن، وأبي الأحوص"، ثم ذكر أن أصحاب هذا القول احتجوا بحديث أبي هريرة وأبي ذر وغيرهما.
ثم قال: "قال عروة والشعبي والثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي: لا يقطع الصلاة شيء"، ثم ذكر حديث أبي سعيد وابن عباس وعائشة وزينب بنت أم سلمة وغيرها، ثم قال:"ولنا حديث أبي هريرة وأبي ذر، وحديث أبي سعيد: "لا يقطع الصلاة شيء": يرويه مجالد بن سعيد، وهو ضعيف، فلا يعارض به الحديث الصحيح، ثم حديثنا أخص؛ فيجب تقديمه لصحته وخصوصه، وحديث الفضل بن عباس في إسناده مقال، ثم يحتمل اْن الكلب لم يكن أسود، ولا بهيمًا، ويجوز أن يكونا بعيدين، ثم هذه الأحاديث كلها في المرأة والحمار تعارض حديث أبي هريرة وأبي ذر فيهما، فيبقى الكلب الأسود خاليًا عن معارض فيجب القول به؛ لثبوته، وخلوه عن معارض".
وقال النووي في المجموع (3/ 222): "وأما الجواب عن الأحاديث الصحيحة التي احتجوا بها فمن وجهين، أصحهما وأحسنهما؛ ما أجاب به الشافعي والخطابي والمحققون من الفقهاء والمحدثين: أن المراد بالقطع القطع عن الخشوع والذكر؛ للشغل بها،
والالتفات إليها، لا أنها تفسد الصلاة، قال البيهقي رحمه الله: ويدل على صحة هذا التأويل أن ابن عباس أحد رواة قطع الصلاة بذلك، ثم روى عن ابن عباس أنه حمله على الكراهة، فهذا الجواب هو الذي نعتمده، وأما ما يدعيه أصحابنا وغيرهم من النسخ فليس بمقبول، إذ لا دليل عليه، ولا يلزم من كون حديث ابن عباس في حجة الوداع وهي في آخر الأمر أن يكون ناسخًا، إذ يمكن كون أحاديث القطع بعده، وقد علم وتقرر في الأصول أن مثل هذا لا يكون ناسخًا، مع أنه لو احتمل النسخ لكان الجمع بين الأحاديث مقدمًا عليه، إذ ليس فيه رد شيء منها، وهذه أيضا قاعدة معروفة، والله أعلم".
• وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في القواعد النورانية (1/ 80): "
…
، ومن تمام هذا: أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم وغيره، من حديث أبي ذر وأبي هريرة رضي الله عنهما، وجاء من حديث غيرهما أنه:"يقطع الصلاة: الكلب الأسود والمرأة والحمار"، وفرَّق النبي صلى الله عليه وسلم بين الكلب الأسود والأحمر والأبيض؛ بأن الأسود شيطان، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الشيطان تفلت على البارحة ليقطع صلاتي؛ فأخدته فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد،
…
" الحديث، فأخبر أن الشيطان أراد أن يقطع عليه صلاته، فهذا أيضًا يقتضي أن مرور الشيطان يقطع الصلاة، فلذلك أخذ أحمد بذلك في الكلب الأسود، واختلف قوله في المرأة والحمار؛ لأنه عارض هذا الحديثَ حديثُ عائشة لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهي في قبلته، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما لما اجتاز على أتانه بين يدي بعض الصف، والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه بمنى.
مع أن المتوجه أن الجميع يقطع، وأنه يُفرَّق بين المار واللابث، كما فرَّق بينهما في الرجل، في كراهة مروره دون لبثه في القبلة إذا استدبره المصلي، ولم يكن متحدثًا، وأن مروره ينقص ثواب الصلاة، دون اللبث.
واختلف المتقدمون من أصحاب أحمد في الشيطان الجني إذا علم بمروره، هل يقطع الصلاة؟ والأوجه أنه يقطعها؛ بتعليل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبظاهر قوله:"يقطع صلاتي"،
…
"، إلى أن قال: "والذين خالفوا أحاديث القطع للصلاة لم يعارضوها إلا بتضعيف بعضهم، وهو تضعيف من لم يعرف الحديث، كما ذكر أصحابه، أو بأن عارضوها بروايات ضعيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا يقطع الصلاة شيء".
أو بما روي في ذلك عن الصحابة، وقد كان الصحابة مختلفين في هذه المسألة، أو برأيٍ ضعيفٍ لو صح لم يقاوم هذه الحجة، خصوصًا مذهب أحمد" [وهو في المجموع (21/ 14)].
وقال ابن رجب في الفتح (2/ 706) بعد أن ذكر جادة مذهب أحمد وأصحابه: "ولهم في ذلك مسلكان آخران:
أحدهما: أن حديث عائشة لا يعارض حديث أبي ذر؛ فإن حديث عائشة في وقوف المرأة بين يدي المصلي، وأنه لا يبطل صلاته، وحديث أبي ذر في مرور المرأة، وأنه
مبطل للصلاة، فيعمل بكلا الحديثين، فتبطل الصلاة بمرور هذه الثلاثة دون وقوفها في قبلة المصلي، وهو رواية عن أحمد.
وهذا يتوجه على إحدى الروايتين عن أحمد في إبطال الصلاة بمرور الثلاثة المذكورة في حديث أبي ذر، وقد رجحها بعض أصحابنا المتأخرين.
وقد تقدم قول عائشة: فأكره أن أسنحه؛ أي: أعترض بين يديه مارة، فدل على أن مرورها بين يديه مما يكره ويتقى، بخلاف نومها معترضة .....
ويدل على أنه يفرَّق بين المرور والوقوف: أن المصلي مأمور بدفع المار ولو كان حيوانًا، وقد وردت السُّنَّة بالصلاة إلى الحيوان البارك والمرأة النائمة، فدل على الفرق بين الأمرين، وقد استدل الإمام أحمد بهذا على التفريق بين المرور والوقوف.
والثاني: أن يحمل حديث عائشة على صلاة النفل، فلا تقطعها المرأة، وحديث أبي ذر على الفريضة، وهذا مسلك آخر لأصحابنا، وقد حكوا رواية عن أحمد بالفرق بين الفريضة والنافلة في قطع الصلاة بمرور هذه الثلاثة .....
وقد سلك بعضهم مسلكًا آخر، وهو نسخ القطع بالمرأة والحمار بحديث عائشة وابن عباس؛ لأن حديث ابن عباس كان في حجة الوداع في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث عائشة يدل بظاهره على استمرار النبي صلى الله عليه وسلم على ما أخبرت به عنه إلى آخر عمره، ولو كان قد ترك ذلك في آخر عمره لما خفي عليها، وبقي الكلب الأسود لا ناسخ له، وهذا المسلك فيه نظر، وقد أنكره الإمام أحمد في رواية حرب، وأنكره أيضًا الشافعي في كتاب مختلف الحديث، وعلى هذا المسلك يتوجه القول بإبطال الصلاة بالكلب الأسود خاصة.
وأحمد كان شديد الورع في دعوى النسخ، فلا يطلقه إلا عن يقين وتحقيق؛ فلذلك عدل عن دعوى النسخ هنا إلى دعوى تعارض الأخبار، والأخذ بأصحها إسنادًا، فأخذ بحديث عائشة في المرأة، وحديث ابن عباس في الحمار، فبقي الكلب الأسود من غير معارض"، ثم أطال النفس في بيان مذهب أحمد، وتوجيه كلامه.
إلى أن قال (2/ 710): "ومتى قيل: إن حديث ابن عباس في مروره بالحمار بين يدي بعض الصف: لم يكن مرورًا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، بل كانت سترته محفوظةً، فلا دليل في حديثه هذا على أن مرور الحمار لا يقطع الصلاة، وإن انضم إلى ذلك التفريق بين مرور المرأة ووقوفها وجلوسها ونومها لم يبق في حديثها [يعني: حديث عائشة] دليل على أن المرأة لا يقطع مرورها، فيسلم حينئذ حديث أبي ذر وما أشبهه من معارض في الكلب والمرأة والحمار".
قلت: وهذا القول عندي هو الصواب كما أسلفت، والذي به تأتلف الأحاديث، ويعمل بها جميعًا، ومتى أمكن إعمال جميع الأدلة كان أولى من إهمالها، أو القول بتأويل القطع المذكور، أو القول بنسخها، لا سيما مع عدم وجود الدليل على تأخر الناسخ من الأدلة على المتقدم منها في الزمن، والله أعلم.
ثم قال في بيان قول الجمهور: "وأما جمهور أهل العلم الذين لم يروا قطع الصلاة وبطلانها بمرور شيء بين يدي المصلي، فاختلفت مسالكهم في هذه الأحاديث المروية في قطع الصلاة:
فمنهم: من تكلم فيها من جهة أسانيدها، وهذه تشبه طريقة البخاري؛ فإنه لم يخرج منها شيئًا، وليس شيء منها على شرطه كما سبق بيانه.
ومنهم: من ادعى نسخها بحديث مرور الحمار وهو في حجة الوداع، وهي في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم، ............
ومنهم من قال: حديث أبي ذر ونحوه قد عارضه ما هو أصح منه إسنادًا، كحديث ابن عباس وعائشة، وقد أعضدهما أحاديث آخر تشهد لهما،
…
إلى أن قال: وسلك آخرون مسلكًا آخر، وهو: أن الأحاديث إذا تعارضت نظر إلى ما عمل به الصحابة فيرجح، وقد عمل الصحابة بأن الصلاة لا يقطعها شيء، وقد روي ذلك عن الخلفاء الراشدين الأربعة وغيرهم.
وقد سلك هذا أبو داود في سننه، وهو من أجل أصحاب الإمام أحمد.
وسلك آخرون مسلكًا آخر، وهو: تأويل القطع المذكور في هذه الأحاديث، وأنه ليس المراد به إبطال الصلاة وإلزام إعادتها، وإنما المراد به القطع عن إكمالها والخشوع فيها بالاشتغال بها، والالتفات إليها، وهذا هو الذي قاله الشافعي في رواية حرملة، ورجح هذا الخطابي والبيهقي وغيرهما من العلماء.
وقد تُعُرِّض عليه بأن المصلي قد يكون أعمى، وقد يكون ذلك ليلًا بحيث لا يشعر به المار ولا من مر عليه، والحديث يعم هذه الأحوال كلها، وأيضًا؛ فقد يكون غير هذه الثلاثة أكثر إشغالًا للمصلي، كالفيل والزرافة والوحوش والخيل المسومة، ولا يقطع الصلاة مرور شيء من ذلك.
وأقرب من هذا التأويل: أن يقال: لما كان المصلي مشتغلًا بمناجاة الله، وهو في غاية القرب منه والخلوة به، أمر المصلي بالاحتراز من دخول الشيطان في هذه الخلوة الخاصة، والقرب الخاص؛ ولذلك شرعت السترة في الصلاة خشية من دخول الشيطان، وكونه وليجة في هذه الحال فيقطع بذلك مواد الأنس والقرب؛ فإن الشيطان رجيم مطرود مبعد عن الحضرة الإلهية، فإذا تخلل في محل القرب الخاص للمصلي أوجب تخلله بعدًا وقطعًا لمواد الرحمة والقرب والأنس.
فلهذا المعنى -والله أعلم- خصت هذه الثلاث بالاحتراز منها، وهي: المرأة؛ فإن النساء حبائل الشيطان، وإذا خرجت المرأة من بيتها استشرفها الشيطان، وإنما توصل الشيطان إلى إبعاد آدم من دار القرب بالنساء، والكلب الأسود: شيطان، كما نص عليه الحديث، وكذلك الحمار؛ ولهذا يستعاذ بالله عند سماع صوته بالليل؛ لأنه يرى الشيطان؛ فلهذا أمر صلى الله عليه وسلم بالدنو من السترة خشية أن يقطع الشيطان عليه صلاته، وليس ذلك موجبًا لإبطال الصلاة وإعادتها -والله أعلم-، وإنما هو منقص لها، كما نص عليه الصحابة،