المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌119 - باب من لم يذكر الرفع عند الركوع - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٨

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌109 - باب ما ينهي عنه من المرور بين يدي المصلي

- ‌110 - باب ما يقطع الصلاة

- ‌111 - باب سُترة الإمام سترةُ مَن خلفَه

- ‌112 - باب من قال: المرأة لا تقطع الصلاة

- ‌(1/ 462)].***113 -باب من قال: الحمار لا يقطع الصلاة

- ‌114 - باب من قال: الكلب لا يقطع الصلاة

- ‌115 - باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء

- ‌أبواب تفريع استفتاح الصلاة

- ‌116 - باب رفع اليدين

- ‌117 - باب افتتاح الصلاة

- ‌118 - باب من ذكر أنَّه يرفع يديه إذا قام من اثنتين

- ‌119 - باب من لم يذكر الرفع عند الركوع

- ‌120 - باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة

- ‌121 - باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء

- ‌(13/ 496/ 14370)].***122 -باب من رأى الاستفتاح بسبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك

- ‌123 - باب السكتة عند الافتتاح

- ‌124 - باب ما جاء في من لم ير الجهر بـ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}

- ‌125 - باب ما جاء في من جهر بها

- ‌126 - باب تخفيف الصلاة للأمر يحدث

- ‌127 - باب في تخفيف الصلاة

- ‌128 - باب ما جاء في نقصان الصلاة

- ‌(1/ 116/ 444)].***129 -باب ما جاء في القراءة في الظهر

الفصل: ‌119 - باب من لم يذكر الرفع عند الركوع

[التحقيق (1/ 335)، تهذيب السنن (1/ 368)]، والصواب بخلافه، فإن دخول عبد الرحمن بن الأسود على عائشة وسماعه منها: ثابت صحيح [انظر: التاريخ الكبير (5/ 252)، الطبقات لابن سعد (6/ 289)، الصيام للفريابي (39)، المعرفة والتاريخ (3/ 92)، شرح المعاني (1/ 60)، سنن الدارقطني (2/ 189)، وغيرها]، وقد أثبت سماعه منها: مسلم والدارقطني والبيهقي وأبو أحمد الحاكم وابن عساكر، وهو ما يقتضيه صنيع البخاري في تاريخه، والمثبِت مقدَّم على النافي كأبي حاتم [انظر: كنى مسلم (620)، تاريخ الدوري (4/ 5/ 2851)، الثقات (5/ 78)، تاريخ دمشق (34/ 225)، تحفة التحصيل (194)، [المراسيل (464)، الجرح والتعديل (5/ 209)][وانظر: بحث هل أتم النبي صلى الله عليه وسلم رباعية في سفر؟ في مسائل الفقه (6/ 307)]، وعليه: فإذا ثبت سماعه من عائشة؛ فسماعه من علقمة من باب أولى.

هذا من وجه، ومن وجه آخر فقد أثبت له السماع من علقمة: الخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1487) حيث قال: "دخل على عائشة وهو صغير، وسمع أباه وعلقمة بن قيس"، ويزيده قوةً قولُ ابن حبان عنه في الثقات (5/ 78):"وكان سنُّه سنَّ إبراهيم النخعي"، وسماع ابراهيم من علقمة مشهور، والله أعلم [وانظر: نصب الراية (1/ 395)، البدر المنير (3/ 493)].

وقد تقدم ذكر بعض طرق حديث ابن مسعود في التطبيق تحت الأحاديث السابقة برقم (432 و 574 و 613)، ويأتي ذكر بعضها تحت الحديث الآتي برقم (749)، وسيأتي في موضعه من السنن برقم (868) إن شاء الله تعالى.

***

‌119 - باب من لم يذكر الرفع عند الركوع

748 -

. . . وكيع، عن سفيان، عن عاصم -يعني: ابن كليب-، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، قال: قال عبد الله بن مسعود: ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فصلَّى، فلم يرفع يديه إلا مرةً.

[وفي رواية ابن العبد: قال أبو داود: هذا حديث مختصر من حديث طويل، وليس هو بصحيح على هذا اللفظ].

• حديث شاذ.

أخرجه الترمذي (257)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 102 - 103/ 237)، والنسائي في المجتبى (2/ 195/ 1058)، وفي الكبرى (1/ 331/ 649)، وأحمد في المسند (1/ 388)، وفي العلل ومعرفة الرجال (1/ 369/ 709)، وابن

ص: 288

أبي شيبة في المصنف (1/ 213/ 2441)، وفي المسند (323)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (3/ 105/ 4015)، وأبو يعلى (8/ 454/ 5040) و (9/ 203/ 5302)، وابن المنذر (3/ 149/ 1392)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 224)، وفي المشكل (15/ 35/ 5826)، وابن حزم في المحلى (3/ 235) و (4/ 87)، والبيهقي في السنن (2/ 78)، وفي المعرفة (1/ 551/ 780)، وابن عبد البر في التمهيد (9/ 215)، وابن الجوزي في التحقيق (423).

هكذا رواه عن وكيع: أحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وعثمان بن أبي شيبة، وهناد بن السري، ومحمود بن غيلان المروزي، ويوسف بن موسى القطان، ومحمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي، ويحيى بن يحيى النيسابوري [وهم ثقات]، ويحيى بن عبد الحميد الحماني [حافظ، إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث]، ونعيم بن حماد [ضعيف، وأحسن أحواله أن يقال فيه: صدوق، كثير الوهم والخطأ، له مناكير كثيرة تفرد بها عن الثقات المشاهير. انظر: التهذيب (4/ 234)، الميزان (4/ 267)]، وحميد بن الربيع اللخمي [ذاهب الحديث، منهم من مشَّاه وحسَّن القول فيه، ومنهم من طعن فيه واتهمه. اللسان (3/ 297)، الكامل (2/ 279)، تاريخ بغداد (8/ 162)].

كذا في رواية أحمد وعثمان وزهير والقطان واللخمي، وقال أبو بكر ومحمود والأحمسي: إلا مرة واحدة، وفي رواية هناد: فلم يرفع يديه إلا في أول مرة، وفي روايةٍ لزهير: ثم لم يَعُد، وفي رواية الحماني: فرفع يديه، ثم لم يعد، وفي رواية يحيى بن يحيى ونعيم بن حماد عند الطحاوي: كان يرفع يديه في أول تكبيرة، ثم لا يعود.

ورواه أيضًا: أحمد بن حنبل، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، قال: قال عبد الله: أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فرفع يديه في أول.

أخرجه أحمد في المسند (1/ 442).

قال الترمذي: "وفي الباب عن البراء بن عازب".

ثم قال: "حديث ابن مسعود: حديث حسن، وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين، وهو قول: سفيان الثوري وأهل الكوفة".

وصححه ابن حزم، مغترًا في ذلك بصحة إسناده، غافلًا عن تضعيف الأئمة له، فقال:"إن هذا الخبر صحيح".

وقال ابن عبد البر في حديث ابن مسعود هذا، وحديث البراء الآتي:"وهذان حديثان معلولان عند أهل العلم بالحديث، مرفوعان عند أهل الصحة عندهم [كذا، ولعلها: مدفوعان عن الصحة عندهم] "، وقال في موضع آخر (23/ 160):"وهما حديثان معلولان".

وقال النووي في الخلاصة (1080): "اتفقوا على تضعيفه".

ص: 289

وقال ابن الملقن في البدر المنير (3/ 492): "حديث ضعيف".

وسيأتي في بقية كلام الأئمة ما يبين علته، وبذا يظهر أن تحسين الترمذي له إنما هو على أصله، وأنه من قسم الضعيف عنده، وقد سبق أن ذكرت ذلك مرارًا، فإن تحسين الترمذي للحديث ليس دليلًا على ثبوت الحديث عنده، وإنما الأصل فيه أنه داخل في قسم الضعيف حتى يأتي دليل على تقويته، وهو كما قال الذهبي في الميزان (4/ 416):"فلا يغتر بتحسين الترمذي، فعند المحاققة غالبها ضعاف".

ولو كان ثابتًا صحيحًا عند الترمذي لقال: "حديث حسن صحيح"، أو قال:"حديث صحيح"، لا سيما وهذا الحديث رجاله ثقات، رجال الشيخين عدا عاصم بن كليب؛ فمن رجال مسلم، فما الذي يجعل الترمذي يعدل عن تصحيحه إلى تحسينه؛ إلا وهو يريد بيان ضعفه عنده، وعدم ثبوته، وهو -كما قلت- على أصله الذي أصَّله في الحديث الحسن عنده، والله أعلم.

وأما تصحيح ابن حزم له، فهو كما قال ابن رجب في الفتح (1/ 362) تعليقًا على من أخطأ وخالف الأئمة فصحح حديث أبي إسحاق:"كان ينام جنبًا من غير أن يمس ماءً": "وأما الفقهاء المتأخرون فكثير منهم نظر إلى ثقة رجاله، فظن صحته وهؤلاء يظنون أن كل حديث رواه ثقة فهو صحيح، ولا يتفطنون لدقائق علم علل الحديث".

وكما قال ابن القيم عن تصحيح ابن حزم في كتابه الفروسية (186): "قالوا: وأما تصحيح أبي محمد بن حزم له، فما أجدره بظاهريته، وعدم التفاته إلى العلل والقرائن التي تمنع ثبوت الحديث، بتصحيح مثل هذا الحديث وما هو دونه في الشذوذ والنكارة، فتصحيحه للأحاديث المعلولة وإنكاره لتعليلها نظير إنكاره للمعاني والمناسابات والأقيسة التي يستوي فيها الأصل والفرع من كل وجه، والرجل يصحِّح ما أجمع أهل الحديث على ضعفه، وهذا بيِّنٌ في كتبه لمن تأمله".

قلت: وهذا الحديث حديث شاذ مردود، والصواب فيه: ما رواه عبد الله بن إدريس، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، قال: قال عبد الله: علَّمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصلاةَ، فكبر ورفع يديه، فلما ركع طبَّق يديه بين ركبتيه.

قال: فبلغ ذلك سعدًا، فقال: صدق أخي، قد كنا نفعلُ هذا، ثم أُمِرْنا بهذا؛ يعني: الإمساكَ على الركبتين [الحديث السابق، قبل هذا، وهو حديث صحيح].

وقد سيق هذا الحديث لبيان نسخ التطبيق، وذِكرُ الرفعِ فيه عند الافتتاح لا يعني الاقتصار على الرفع في هذا الموضع وحده، وإنما سيق عَرَضًا لا لبيان مواضع رفع اليدين في الصلاة، وإثباتُ موضعٍ منها لا يعني نفي ما عداها، لا سيما والأحاديث التي أثبتت زيادة الرفع في المواضع الثلاثة الأخرى أحاديث صحيحة ثابتة، وما جاء فيها من زيادةٍ يلزم قبولها، إذ إن راوي الزيادة قد أخبر بما شاهد وعاين، بخلاف من لم يروها، قال الإمام الشافعي: "والقول قول الذي قال: رأيته فعل؛ لأنه شاهد، ولا حجة في قول الذي

ص: 290

قال: لم يره"؛ لأنه "قد يغيب عنه ذلك، أو يحضره فينساه" [المعرفة (1/ 553)].

وقد يكون صلى الله عليه وسلم رفعَ يديه في بقية المواضع فلم ينقله ابن مسعود، كما لم ينقل سائر سنن الصلاة، وقد يكون ذلك في الابتداء قبل أن يُشرع رفعُ اليدين في الركوع، ثم صار التطبيق منسوخًا، وصار الأمر في السُّنَّة إلى رفع اليدين عند الركوع ورفع الرأس منه، وخفيا جميعًا على عبد الله بن مسعود، قاله البيهقي وغيره.

• وقد اختلف الأئمة فيمن هو الواهم في هذا الحديث: وكيع، أم سفيان الثوري، أم أن حديث عاصم بن كليب كله مردود:

فذهب الإمام أحمد وابن حبان، وهو ظاهر صنيع أبي داود، ذهبوا إلى توهيم وكيع فيه، قال عبد اللّه بن أحمد في العلل (709 - 711)، وبنحوه في مسائله لأبيه (253): "حدثني أبي، قال: حدثناه وكيع مرة أخرى، بإسناده سواء، فقال: قال عبد الله: أصلي بكم صلاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فرفع يديه في أول.

حدثني أبي، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الضرير، قال: كان وكيع ربما قال: يعني: ثم لا يعود. قال أبي: كان وكيع يقول هذا من قبل نفسه: يعني: ثم لا يعود.

قال أبي: وقال الأشجعي: فرفع يديه في أول شيء".

ثم قال (713 و 714): "قال أبي: حديث عاصم بن كليب رواه ابن إدريس فلم يقل: ثم لا يعود".

ثم أسنده من طريق يحيى بن آدم، قال: أملاه عليَّ عبد اللّه بن إدريس من كتابه، عن عاصم بن كليب،

فذكره باللفظ المتقدم برقم (747)، ثم قال:"قال أبي: هذا لفظٌ غيرُ لفظِ وكيعٍ، وكيعٌ يثبِّج الحديث؛ لأنه كان يحمل على نفسه في حفظ الحديث".

وفي المسائل: "لفظ غيرُ لفظِ وكيعٍ، وكيعٌ كان رجل يحمل على نفسه في حفظ الحديث"[يثبج الحديث؛ يعني: يضطرب فيه، ويخلط].

وقال ابن المنذر في الأوسط (3/ 149): "وحكى الأثرم عن أحمد؛ أنه ذكر وكيعًا، فقال: كان يروي الأحاديث على غير ألفاظها، ويستعمل يعني كثيرًا، ويلحقها في الحديث، وذكر حديث عاصم بن كليب في الرفع؛ حديث ابن مسعود.

وقال أحمد: قال لي أبو عبد الرحمن الوكيعي: كان وكيع يقول فيه: يعني: ثم لم يعد، وقد تكلم بعض أصحابنا في هذا الحديث، فذكر أن ابن إدريس روى هذا الحديث بإسناده عن عاصم بن كليب عن عبد الله، وليس فيه: ثم لم يعد".

وقال ابن حبان في كتاب الصلاة: "هذا الحديث له علة توهنه؛ لأن وكيعًا اختصره من حديث طويل، ولفظة: ثم لم يعد؛ إنما كان وكيع يقولها في آخر الخبر من قِبَله، وقَبْلها يعني، فربما أسقطت يعني"[حاشية ابن القيم على السنن (2/ 318)].

وقال أبو داود: "هذا حديث مختصر من حديث طويل، وليس هو بصحيح على هذا اللفظ"؛ يعني: أن المحفوظ هو حديث ابن إدريس المتقدم، وحديث وكيع هذا وهمٌ، فقد

ص: 291

رواه جماعة عن الثوري، فلم يذكروا فيه صيغة الحصر الواردة في لفظ وكيع، ولا لفظة: ثم لا يعود.

***

749 -

قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي: حدثنا معاوية، وخالد بن عمرو، وأبو حذيفة، قالوا: حدثنا سفيان، بإسناده بهذا، قال: فرفع يديه في أوَّلِ مرةٍ، وقال بعضهم: مرةً واحدة.

• حديث شاذ.

لم أجد من أخرجه موصولًا من طريق أحد ممن رواه عن سفيان بهذا اللفظ غير أبي داود، وقد علَّقه الإمام أحمد في العلل (711)، وفي مسائل ابنه عبد الله (253)، قال:"وقال الأشجعي: فرفع يديه في أول شيء".

هكذا رواه عن سفيان بدون زيادة وكيع: عبيد الله بن عبيد الرحمن الأشجعي [ثقة مأمون، أثبت الناس كتابًا في الثوري، وهو من أصحابه المقدمين فيه؛ وهو أثبت فيه من الفريابي وقبيصة وأصحابهما. التهذيب (3/ 20)، التقريب (406)، شرح العلل (2/ 722)]، ومعاوية بن هشام القصار [صدوق، كثير الخطأ، قريب من قبيصة والفريابي في الثوري. التهذيب (4/ 112)]، وأبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي [صدوق، كثير الوهم، سيئ الحفظ، ليس بذاك في الثوري، وضعفه جماعة في سفيان. التقريب (619)، شرح علل الترمذي (2/ 726)، التهذيب (4/ 188)]، وخالد بن عمرو الأموي السعيدي [كذاب، نسب إلى الوضع. التهذيب (1/ 528)، الميزان (1/ 635)].

• هكذا حمل الإمام أحمد وابن حبان وأبو داود: الوهمَ فيه على وكيع، لكنه لم ينفرد بهذه الزيادة عن سفيان الثوري، ووكيع: ثقة حافظ، من أثبت الناس في الثوري:

فقد رواه عبد الله بن المبارك، عن سفيان، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، عن عبد الله، قال: ألا أخبركم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فقام فرفع يديه أول مرة، ثم لم يعُدْ [كذا في المجتبى، وفي الكبرى: ثم لم يرفع].

أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 182/ 1026)، وفي الكبرى (2/ 30/ 1100).

وابن المبارك: ثقة ثبت، حجة متقن، حافظ إمام، وهو ثبت في كل المشايخ، وكان يحدث من كتاب، وبروايته هذه يظهر أن الوهم في هذا الحديث من الثوري نفسه، لا من وكيع، كيف لا؟! وقد تابعهما أيضًا على هذه الزيادة: أبو حذيفة، فيما نسبه إليه الدارقطني، فقد قال في العلل (5/ 172/ 804):"وفيه لفظة ليست بمحفوظة، ذكرها أبو حذيفة في حديثه عن الثوري، وهي قوله: ثم لم يعُد".

• فتبين بذلك أن هذه الزيادة ثابتة من حديث الثوري، وليس الوهم فيها من وكيع،

ص: 292

وإنما التبعة فيها على الثوري نفسه، حيث لم يأت بها غيره، وقد روى الحديث بدون هذه الزيادة فيه:

أ- عبد الله بن إدريس، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، قال: قال عبد الله: علَّمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصلاةَ، فكبر ورفع يديه، فلما ركع طبَّق يديه بين ركبتيه،

الحديث، وتقدم برقم (747).

ب- وروى إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة والأسود: أنهما كانا مع عبد الله، فحضرت الصلاة، فتأخر علقمة والأسود، فأخذ عبد الله بأيديهما، فأقام واحدًا عن يمينه، والآخر عن شماله، ثم ركعا، فوضعا أيديهما على ركبهما، فضرب أيديهما، ثم طبق يديه وشبك، ثم جعلهما بين فخذيه، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله هكذا.

أخرجه أحمد (1/ 413 - 414)، وإسناده صحيح، وتقدم تحت الحديث رقم (613).

ج- وروى الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود وعلقمة، قالا: أتينا عبد الله بن مسعود في داره، فقال: أصلى هؤلاء خلفكم؟ فقلنا: لا. قال: فقوموا، فصلوا. فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة. قال: وذهبنا لنقوم خلفه، فأخذ بأيدينا، فجعل أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، قال: فلما ركع، وضعنا أيدينا على ركبنا، قال: فضرب أيدينا، وطبق بين كفيه، ثم أدخلهما بين فخذيه، قال: فلما صلى، قال: إنه ستكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها، ويخنقونها إلى شرق الموتى، فإذا رأيتموهم قد فعلوا ذلك؛ فصلوا الصلاة لميقاتها، واجعلوا صلاتكم معهم سبحة، وإذا كنتم ثلاثة فصلوا جميعًا، وإذا كنتم أكثر من ذلك؛ فليؤمكم أحدكم، وإذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه، وليجنأ، وليطبق بين كفيه، فلكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراهم.

أخرجه مسلم (534/ 26 و 27)، وتقدم ذكره تحت الحديث رقم (432).

د- وروى إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود: أنهما دخلا على عبد الله، فقال: أُصلي من خلفكم؟ قالا: نعم، فقام بينهما، وجعل أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، ثم ركعنا فوضعنا أيدينا على ركبنا، فضرب أيدينا، ثم طبق بين يديه، ثم جعلهما بين فخذيه، فلما صلى قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه مسلم (534/ 28)، وتقدم ذكره تحت الحديث رقم (574).

وبذا يظهر مراد أبي داود من أن حديث وكيع مختصر من حديث طويل، وأنه ليس بصحيح على هذا اللفظ، والله أعلم.

• قال عبد الله بن المبارك: "لم يثبت عندي حديث ابن مسعود؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه أول مرة، ثم لم يرفع، وقد ثبت عندي حديث من يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع"، قال ابن المبارك:"ذكره عبيد الله العمري، ومالك، ومعمر، وسفيان، ويونس، ومحمد بن أبي حفصة، عن الزهري، عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم"، وفي رواية: ثم قال عبد الله:

ص: 293

"كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يرفع يديه في الصلاة؛ لكثرة الأحاديث، وجودة الأسانيد"[جامع الترمذي (256)، سنن الدارقطني (1/ 293)، سنن البيهقي (2/ 79)، المعرفة (1/ 551/ 781 و 782)، مختصر الخلافيات (2/ 75)].

وقال الزعفراني: "قال الشافعي في القديم: ولا يثبت عن علي وابن مسعود؛ يعني: ما رووه عنهما من أنهما كانا لا يرفعان أيديهما في شيء من الصلاة إلا في تكبيرة الافتتاح، قال الشافعي رحمه الله:

ولو كان هذا ثابتًا عن علي وعبد الله؛ كان يشبه أن يكون رآهما مرة أغفلا فيه رفع اليدين، ولو قال قائل: ذهب عنهما حفظ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحفظه ابن عمر لكانت له الحجة" [سنن البيهقي (2/ 81)، المعرفة (1/ 553)].

وقال البخاري: "وقال أحمد بن حنبل عن يحيى بن آدم، قال: نظرت في كتاب عبد الله بن إدريس عن عاصم بن كليب، ليس فيه: ثم لم يعد.

فهذا أصح؛ لأن الكتاب أحفظ عند أهل العلم؛ لأن الرجل ربما حدث بشيء، ثم يرجع إلى الكتاب فيكون كما في الكتاب".

ثم قال: "وهذا المحفوظ عند أهل النظر من حديث عبد الله بن مسعود".

وقال أبو حاتم: "هذا خطأ، يقال: وهِم فيه الثوري، وروى هذا الحديثَ عن عاصمٍ جماعةٌ، فقالوا كلهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح فرفع يديه، ثم ركع فطبق، وجعلها بين ركبتيه، ولم يقل أحد ما رواه الثوري"[العلل (1/ 258/96)].

قلت: وهذا الذي ذهب إليه البخاري وأبو حاتم هو الصواب، فإن رواية ابن إدريس مقدَّمة على رواية الثوري؛ لأن رواية ابن إدريس اتفق فيها الحفظ والكتاب، بينما رواية الثوري انفردت بكونها رواية حافظ، قد تخونه حافظته، قال الحازمي عند ذكر وجوه الترجيح:"الوجه الرابع والعشرون: أن يكون راوي أحد الحديثين مع حفظه صاحب كتاب يرجع إليه، والراوي الآخر حافظ غير أنه لا يرجع إلى كتاب، فالحديث الأول أولى أن يكون محفوظًا؛ لأن الخاطر قد يخون أحيانًا، وقال علي بن المديني: قال لي سيدي أحمد بن حنبل رحمه الله: لا تحدِّثنَّ إلا من كتاب"[الاعتبار (1/ 144)].

وقال أبو داود: "هذا حديث مختصر من حديث طويل، وليس هو بصحيح على هذا اللفظ".

وقال ابن حبان في كتاب الصلاة "وصف الصلاة بالسُّنَّة": "هذا أحسن خبر روى أهل الكوفة في نفي رفع اليدين في الصلاة عند الركوع وعند الرفع منه، وهو في الحقيقة أضعفُ شيءٍ يعوَّل عليه؛ لأن له عللًا تبطله، وأسبابًا توهيه، ومعاني تدحضه"[لبدر المنير (3/ 494)، التلخيص الحبير (1/ 222)].

وقال الدارقطني في العلل (5/ 172/ 804) عن حديث ابن إدريس: "وإسناده صحيح، وفيه لفظة ليست بمحفوظة، ذكرها أبو حذيفة في حديثه عن الثوري، وهي قوله: ثم لم يعُد، وكذلك قال الحماني عن وكيع، وأما أحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، وابن

ص: 294

نمير، فرووه عن وكيع، ولم يقولوا فيه: ثم لم يعد، وكذلك رواه معاوية بن هشام أيضًا عن الثوري، مثل ما قال الجماعة عن وكيع.

وليس قول من قال: ثم لم يعد: محفوظًا".

وقال أيضًا: "هذا الحديث لم يثبت عندي"؛ يعني: حديث الثوري [البدر المنير (3/ 493)].

وقال أبو عبد الله الحاكم: "وهذه اللفظة: ثم لم يعد: غير محفوظة في الخبر"[مختصر الخلافيات (2/ 75)، نصب الراية (1/ 395)، البدر المنير (3/ 493)].

وقال البيهقي في المعرفة (1/ 551): "وقد رواه عبد الله بن إدريس عن عاصم بن كليب، فذكر فيه: رفع يديه حين كبر في الابتداء، ولم يتعرض للرفع ولا لتركه بعد ذلك، وذكر تطبيق يديه بين فخذيه، وقد يكون رفعهما فلم ينقله، كما لم ينقل سائر سنن الصلاة.

وقد يكون ذلك في الابتداء قبل أن يشرع رفع اليدين في الركوع، ثم صار التطبيق منسوخًا، وصار الأمر في السُّنَّة إلى رفع اليدين عند الركوع ورفع الرأس منه، وخفيا جميعًا على عبد الله بن مسعود".

وقال في السنن: "فإن كان الحديث على ما رواه عبد الله بن إدريس؛ فقد يكون عاد لرفعهما فلم يحكه، وإن كان على ما رواه الثوري؛ ففي حديث ابن إدريس دلالة على أن ذلك كان في صدر الإسلام؛ كما كان التطبيق في صدر الإسلام، ثم سُنَّت بعده السنن، وشُرِعت بعده الشرائع، حفظها من حفظها وأداها، فوجب المصير إليها، وبالله التوفيق".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (9/ 219): "أما حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان لا يرفع يديه في الصلاة إلا مرة في أول شيء، فهو حديث انفرد به عاصم بن كليب، واختلف عليه في ألفاظه، وقد ضعَّف الحديثَ أحمدُ بن حنبل، وعلَّله، ورمى به"، ثم نقل بعض كلامه من رواية ابنه عبد الله والأثرم عنه.

قلت: لم يضعِّف الإمام أحمد حديث عاصم بن كليب كلَّه، لكنه ضعَّف رواية وكيع، وأعلَّها برواية ابن إدريس، فدل على احتجاجه بحديث ابن إدريس عن عاصم بن كليب، والله أعلم.

وقال ابن المنذر في الأوسط (3/ 150): "وفي ثبوت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قد ذكرناه عنه في أول الباب مستغنى عن قول من سواه [يعني: حديث ابن عمر المتفق عليه، وحديث علي بن أبي طالب المتقدم برقم (744)، وما كان في معناهما]، فإن اعتلَّ مُعتلٌّ بخبرٍ رُوي عن ابن مسعود؛ أنه كان يرفع إذا افتتح الصلاة، فلو ثبت هذا عن ابن مسعود، لم يكن حجةً على الأخبار التي ذكرناها؛ لأن عبد الله إذا ما حفظ، وحفظ علي بن أبي طالب وابن عمر وغيرهما، وأبو حميد في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: الزيادةَ التي ذكرناها عنهم، فغيرُ جائزٍ تركُ الزيادة التي حفظها هؤلاء من أجل أن ابن مسعود لم يحفظها، خفيت تلك الزيادة عليه؛ كما خفي عليه السُّنَّة في وضع اليدين على الركبتين،

ص: 295

وكان يطبق يديه على فخذيه، وتبعه عليه أصحابه، والسُّنَّة التي نُقِل الناسُ إليها: وضع اليدين على الركبتين.

فلما جاز أن يخفى مثل هذه السُّنَّة التي عليها المسلمون اليوم جميعًا -لا نعلمهم اليوم يختلفون فيه- على ابن مسعود، ليجوز أن يخفى عليه ما حفظه أولئك، وأقل ما يجب على من نصح نفسه أن ينزِّل هذا الباب منزلة اختلاف أسامة وبلال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة، أثبتَ بلالٌ صلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة، ونفى ذلك أسامةُ، وحَكَم الناسُ لبلالٍ لأنه شاهدٌ، ولم يحكموا لأسامة لأنه نفى شيئًا حفظه غيره.

وكذلك يجب أن يكون حالُ حديث ابن مسعود في اقتصاره على ما حفظه، وحالُ من حفظ ما لم يحفظه ابن مسعود: أن تَثبُت الزيادة التي زادوها؛ لأنهم حفظوا ما لم يحفظ عبد الله بن مسعود، وهذا الذي قلناه بيِّنٌ واضح لمن وفقه الله للقول بالصواب واتباع السنن".

وقال الخطابي في معالم السنن (1/ 167): "والأحاديث الصحيحة التي جاءت بإثبات رفع اليدين عند الركوع، وبعد رفع الرأس منه: أولى من حديث ابن مسعود، والإثبات أولى من النفي.

وقد يجوز أن يذهب ذلك على ابن مسعود كما قد ذهب عليه الأخذ بالركبة في الركوع، وكان يطبق بيديه على الأمر الأول، وخالفه الصحابة كلهم في ذلك".

وقال البغوي في شرح السُّنَّة (3/ 24): "وأحاديث رفع اليدين في المواضع الأربع: أصح وأثبت، فاتباعها أولى".

وانظر: مختصر الخلافيات للبيهقي (2/ 76)، بيان الوهم (3/ 1109/365).

• ولحديث ابن مسعود طريق أخرى:

فقد روى إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: حدثنا محمد بن جابر، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع أبي بكر وعمر، فلم يرفعوا أيديهم إلا عند افتتاح الصلاة.

وفي رواية: فلم يرفعوا أيديهم بعد التكبيرة الأولى.

أخرجه أبو يعلى (8/ 453/ 5039)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 41)، وابن حبان في المجروحين (2/ 270)، وابن عدي في الكامل (6/ 152)، والإسماعيلي في معجم شيوخه (2/ 693)، والدارقطني (1/ 295)، والبيهقي في السنن (2/ 80)، وفي المعرفة (1/ 552/ 783)، والخطيب في التاريخ (11/ 224)، وابن الجوزي في التحقيق (424)، وفي الموضوعات (2/ 22)، وعلقه البخاري في رفع اليدين (193).

قال أحمد في العلل ومعرفة الرجال (1/ 372/ 716): "هذا ابن جابر أيش حديثه؟ هذا حديث منكر"، قال عبد الله عن أبيه:"أنكره جدًّا".

وذكره عبد الله في مسائله لأبيه (269)، ثم قال: "سألت يحيى عن محمد بن جابر؟

ص: 296

فتكلم فيه بكلام غليظ، وقال: ما يحدث عنه إلا من هو أشر منه"، وذكر نحوه في العلل (719 و 770).

وقال عبد الله في العلل لأبيه (3/ 61/ 4176): "سئل [يعني: الإمام أحمد] عن محمد بن جابر، وأيوب بن جابر؟ فقال: محمد يروي أحاديث مناكير، وهو معروف بالسماع، يقولون: رأوا في كتبه لحقًا، حديثه عن حماد فيه اضطراب".

وقال العقيلي بعد أن ساق له هذا الحديث وحديثًا آخر بنفس هذا الإسناد: "لا يتابع عليهما، ولا على عامة حديثه".

وقال ابن حبان في محمد بن جابر، وقد أنكر عليه حديثه هذا:"وكان أعمى يلحق في كتبه ما ليس من حديثه، ويسرق ما ذوكر به".

وقال ابن عدي: "وهذا لم يوصله عن حماد غير محمد بن جابر، ورواه غيره: عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله، ولم يجعل بينهما علقمة".

وقال الدارقطني: "تفرد به: محمد بن جابر -وكان ضعيفًا-، عن حماد عن إبراهيم، وغير حماد يرويه عن إبراهيم مرسلًا عن عبد اللّه، من فعله غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب".

وقال الحاكم أبو عبد الله: "هذا إسناد مقلوب، لا نعلم أحدًا حدث به من أصحاب حماد بن أبي سليمان من المشهورين بالأخذ عنه، ولو كان محفوظًا لبادر بروايته أبو حنيفة وسفيان الثوري عن حماد؛ إذ كان يوافق مذهبهما ذلك، فأما محمد بن جابر بن سيار السحيمي فإنه قد تكلم فيه أئمة أهل الحديث، وأما إسحاق بن أبي إسرائيل فغير محتج برواياته"[مختصر الخلافيات (2/ 78)، الأحكام الكبير لابن كثير (3/ 262)، البدر المنير (3/ 494)].

ونقل عنه البيهقي في المعرفة (1/ 552) قوله: "هذا إسناد ضعيف"، قال البيهقي:"وضعَّف محمد بن جابر، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وإنما الرواية فيه عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن ابن مسعود من فعله مرسلًا، هكذا رواه حماد بن سلمة عن حماد".

وضعفه ابن الملقن في البدر المنير (3/ 494).

قلت: محمد بن جابر بن سيار السحيمي اليمامي: ضعيف؛ وكان قد ذهبت كتبه في آخر عمره، وعمي، وساء حفظه، وكان يُلقَّن، ويُلحَق في كتابه [انظر: التهذيب (3/ 527)، الميزان (3/ 496)]، وإسحاق بن أبي إسرائيل بن كامجرا: ثقة حافظ وله أفراد، وهذا من أفراده [انظر: تاريخ بغداد (6/ 356)، تذكرة الحفاظ (2/ 484)، التهذيب (1/ 115)].

وحديثه هذا منكر جدًّا، فقد روى الثوري، عن حماد، قال: سألت إبراهيم عن ذلك؟ فقال: يرفع يديه أول مرة. وفي رواية: يرفع يديه في أول التكبيرة.

هكذا من قول إبراهيم، لم يجزه إلى غيره.

ص: 297

أخرجه عبد الرزاق (2/ 71/ 2535)، وعلقه البخاري في رفع اليدين (192).

قال البخاري: "وخالفه: محمد بن جابر، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما".

قال البخاري: "وحديث الثوري: أصح عند أهل العلم، مع أنه قد روي عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، من غير وجه أنه رفع".

• وروى الحاكم من طريق: حماد بن سلمة، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم؛ أن ابن مسعود كان إذا دخل في الصلاة كبر، ورفع يديه أول مرة، ثم لا يرفع بعد ذلك.

وأخرجه الطبراني في الكبير (9/ 261/ 9300)، وإسناد صحيح إلى حماد بن سلمة.

قال الحاكم: "فهذا هو المحفوظ، وإبراهيم النخعي: لم ير ابن مسعود، والحديث منقطع، والعجب من ابن جابر أنه لم يرض بأن وصل هذا المنقطع حتى زاد أيضًا فأسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لم يقنعه ذلك إلى أن وصله بذكر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما[مختصر الخلافيات (2/ 79)، الأحكام الكبير (3/ 262)، البدر المنير (3/ 494)].

وقال البيهقي: "وكذلك رواه حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن ابن مسعود: مرسلًا موقوفًا".

• ورواه مسعر [هو: ابن كدام: ثقة ثبت]، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن عبد الله؛ أنه كان يرفع يديه في أوَّل ما يَستفتِحُ، ثم لا يرفعهما.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 213/ 2443).

وهذا إسناد رجاله ثقات، وأبو معشر هو زياد بن كليب: ثقة، من قدماء أصحاب إبراهيم، لكن تُكُلِّم في روايته عن إبراهيم فيما يرويه عن ابن مسعود، ففي مسائل أبي داود، قال الإمام أحمد:"يحدث عن إبراهيم أشياء يرفعها إلى ابن مسعود، نحوٌ من عشرةٍ، لا يُعرف عن ابن مسعود لها أصل"، قال أبو داود:"يعني: أنها مقصورة على إبراهيم"، قال أحمد:"يقولون: كان يأخذ عن حماد"، وقال عبد الله بن أحمد في العلل ومعرفة الرجال:"سمعته يقول: كانوا يرون أن عامة حديث أبي معشر إنما هو عن حماد"[التهذيب (1/ 652)، مسائل الإمام أحمد لأبي داود (2010 و 2011)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 493/ 3250)]، وعلى هذا ترجع هذه الرواية إلى رواية حماد، والله أعلم.

• وقد روى الثوري، وابن عيينة، وأبو الأحوص:

عن حصين، عن إبراهيم، عن ابن مسعود؛ كان يرفع يديه في أول شيء، ثم لا يرفع بعدُ. ولفظ أبي الأحوص: كان عبد الله لا يرفع يديه في شيء من الصلاة؛ إلا في التكبيرة الأولى. هكذا مرسلًا موقوفًا.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 71/ 2533 و 2534)، والطبراني في الكبير (9/ 261/ 9298 و 9299)[وفي السند الأول سقط].

ص: 298

قال عبد الله في العلل (712): "وذكرت لأبي حديث الثوري، عن حصين، عن إبراهيم، عن عبد الله؛ أنه كان يرفع يديه في أول الصلاة، ثم لا يعود؟

قال أبي: حدثنا هشيم، قال: حدثنا حصين، عن إبراهيم؛ لم يجز به إبراهيم، وهشيم أعلم بحديث حصين".

قلت: رواه هشيم بن بشير، وأبو بكر بن عياش:

قال هشيم: أخبرنا حصين ومغيرة، عن إبراهيم؛ أنه كان يقول: إذا كبَّرْت في فاتحة الصلاة فارفع يديك، ثم لا ترفعهما فيما بَقِيَ.

ولفظ ابن عياش: لا ترفع يديك في شيء من الصلاة؛ إلا في الافتتاحة الأولى.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 213 و 214/ 2445 و 2447).

قلت: يحتمل أن إبراهيم كان مرة يفتي به من قبل نفسه، ومرة يرسله عن ابن مسعود فعله، موقوفًا عليه، والله أعلم.

وله إسناد آخر عند ابن أبي شيبة (1/ 2448/214)، مقطوعًا على إبراهيم وخيثمة، وفيه الحجاج بن أرطأة، وهو: ليس بالقوي.

• وقد روى يحيى بن آدم، عن حسن بن عياش، عن عبد الملك بن أبجر، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود، قال: صليت مع عمر، فلم يرفع يديه في شيء من صلاته؛ إلا حين افتتح الصلاة.

قال عبد الملك: ورأيت الشعبي، وإبراهيم، وأبا إسحاق: لا يرفعون أيديهم إلا حين يفتتحون الصلاة.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 214/ 2454)، وابن المنذر (3/ 149/ 1391)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 227)، وفي المشكل (15/ 50)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 87 - مختصره).

وروى أبو الحسن الرافقي في جزئه (12/ أ)[مسند الفاروق (1/ 205/ 93)] بإسناب فيه من يُجهل حاله، إلى عبد اللّه بن داود الخريبي، قال: قال عبد الملك بن أبجر، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر رضي الله عنه؛ أنه رفع يديه في أول تكبيرة، ثم لم يَعُد.

قال الطحاوي: "حديث صحيح".

قلت: عبد الملك بن سعيد بن حيان بن أبجر الكوفي: ثقة، لكن خالفه في متنه من هو أوثق منه، وأحفظ وأضبط:

فقد رواه سفيان الثوري، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود؛ أن عمر بن الخطاب كان يرفع يديه إلى المنكبين. وهو الأشبه بالصواب.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 71/ 2532)، وابن أبي شيبة (1/ 211/ 2413)، والبيهقي (2/ 25).

ص: 299

وهذا هو المحفوظ، وإسناده كوفي صحيح، والأسود بن يزيد النخعي الكوفي: مخضرم، ثقة، سمع عمر [التاريخ الكبير (1/ 449)].

سأل ابنُ أبي حاتم أباه وأبا زرعة عن حديث ابن أبجر، فقال بعد أن ساقه: "هل هو صحيح؟ أو يرفعه [كذا، ولعلها: يدفعه] حديث الثوري، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر؛ أنه كان يرفع يديه في افتتاح الصلاة حتى تبلغا منكبيه، فقط؟

فقالا: سفيان أحفظ، وقال أبو زرعة: هذا أصح؛ يعني: حديث سفيان، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر" [العلل (1/ 95/ 256)].

وقال الحاكم أبو عبد الله عن رواية ابن أبجر: "هذه رواية شاذة، لا تقوم بها الحجة، ولا يعارض بها الأخبار الصحيحة المأثورة: عن طاوس بن كيسان، عن ابن عمر؛ أن عمر كان يرفع يديه في الركوع، وقد روى سفيان الثوري هذا الحديث عن الزبير بن عدي، فقال فيه: أن عمر كان يرفع يديه إلى المنكبين، ولم يزد"[مختصر الخلافيات (2/ 87)، الأحكام الكبير (3/ 290)، مسند الفاروق (1/ 206)].

قلت: أما حديث طاوس عن ابن عمر عن أبيه، فلا يصح، إنما هو عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قاله أحمد والدارقطني [وتقدم تخريجه والكلام عليه تحت الحديث رقم (741)]، والمحفوظ فيه رواية الثوري، كما تقدم، والله أعلم.

***

750 -

. . . شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاةَ رفع يديه إلى قريب من أذنيه، ثم لا يعود.

• حديث ضعيف باتفاق الحفاظ.

أخرجه أبو يعلى (3/ 248/ 1690)، والروياني (344)، وابن عبد البر في التمهيد (9/ 215)، والخطيب في المدرج (1/ 399).

رواه عن شريك: محمد بن الصباح البزاز، ومعلي بن منصور، وإسحاق بن أبي إسرائيل.

قال ابن عبد البر في حديث البراء هذا، وحديث ابن مسعود السابق:"وهذان حديثان معلولان عند أهل العلم بالحديث، مرفوعان عند أهل الصحة عندهم [كذا، ولعلها: مدفوعان عن الصحة عندهم] "، وقال في موضع آخر (23/ 160):"وهما حديثان معلولان".

***

ص: 300

751 -

. . . سفيان، عن يزيد، نحو حديث شريك، لم يقل: ثم لا يعود، قال سفيان: قال لنا بالكوفة بعدُ: ثم لا يعود.

قال أبو داود: روى هذا الحديث هشيم، وخالد، وابن إدريس، عن يزيد، لم يذكروا: ثم لا يعود.

• حديث ضعيف بهذه الزيادة باتفاق الحفاظ.

روى هذا الحديث عن سفيان بن عيينة: الشافعي، والحميدي، وعلي بن المديني، وسعيد بن منصور، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وعبد الله بن محمد الزهري، وعبد الرزاق بن همام، وإبراهيم بن بشار، وغيرهم.

ولفظ الحميدي، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا يزيد بن أبي زياد بمكة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه. قال سفيان: وقَدِمَ الكوفة [وفي أكثر الروايات: فلما قدمتُ الكوفة] فسمعته يحدث به، فزاد فيه: ثم لا يعود، فظننت أنهم لقَّنوه، وكان بمكة يومئذ أحفظ منه يوم رأيته بالكوفة، وقالوا لي: إنه قد تغير حفظه، أو ساء حفظه. وفي رواية: لما كبر الشيخ لقنوه: ثم لم يعد، فقال: ثم لم يعد.

ورواية الشافعي بمثل رواية الحميدي، وقال في آخره: قال سفيان: هكذا سمعت يزيد يحدثه، ثم سمعته بعدُ يحدثه هكذا، ويزيد فيه: ثم لا يعود.

ولفظ ابن المديني: أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه فوق المنكبين، قال سفيان: ثم قدمتُ الكوفة بعدها؛ فإذا هم قد لقَّنوه هذه الكلمة: ثم لا يعود.

ولفظ عبد الرزاق: مرة واحدة، ثم لا تَعُد لرفعها في تلك الصلاة، هكذا مدرجًا.

أخرجه البخاري في رفع اليدين (74)، وأبو داود (751)، والشافعي في اختلاف الحديث (10/ 168/ 188 - الأم)، وفي المسند (176)، والحميدي (1/ 573/ 741)، وعبد الرزاق (2/ 71/ 2531)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (3/ 56 و 175)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/ 43)، وابن حبان في المجروحين (3/ 100)، وابن عدي في الكامل (7/ 276)، والحاكم في معرفة علوم الحديث (81)، والبيهقي (2/ 76 و 77)، والخطيب في المدرج (1/ 394 و 397 و 399)، وفي الكفاية (149).

• تنبيه: زاد فيه ابن بشار، فقال: ثنا سفيان: ثنا يزيد بن أبي زياد بمكة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.

قال سفيان: فلما قدمتُ الكوفة سمعته يقول: يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود، فظننتُ أنهم لقَّنوه.

ص: 301

قال الحاكم أبو عبد الله: "لا أعلم ساق هذا المتن بهذه الزيادة عن سفيان بن عيينة غير إبراهيم بن بشار الرمادي، وهو: ثقة مأمون، من الطبقة الأولى من أصحاب ابن عيينة، جالس ابن عيينة نيفًا وأربعين سنة"[مختصر الخلافيات (2/ 81)، البدر المنير (3/ 489)].

قلت: هكذا تفرد بهذه الزيادة إبراهيم بن بشار الرمادي، ولم يتابع عليها، وهذا الحديث قد رواه عن ابن عيينة: الحميدي والشافعي [وهما: إمامان جليلان، ثقتان حافظان، فقيهان، أثبت أصحاب ابن عيينة]، وعلي بن المديني، وسعيد بن منصور، وعبد الله بن مسلمة القعنبي [وهم ثقات حفاظ أثبات، من أصحاب ابن عيينة]، وعبد الله بن محمد الزهري، وعبد الرزاق بن همام [وهما ثقتان، من أصحاب ابن عيينة،، فلم يذكروا هذه الزيادة.

وإبراهيم بن بشار الرمادي: صدوق، مكثر عن ابن عيينة، لكن أنكروا عليه أحاديث تفرد بها عن ابن عيينة، ولم يتابع عليها، وكان يخالف [التهذيب (1/ 60)، الميزان (1/ 23)، شرح علل الترمذي (2/ 830 و 855)]، فروايته هذه شاذة.

قال ابن عدي: "ورواه هشيم وشريك وجماعة معهما، عن يزيد بإسناده، وقالوا فيه: ثم لم يعد".

قلت: لا تثبت الزيادة من رواية هشيم، إنما هي شاذة عنه، وقد تتابع الحفاظ على أن هشيمًا رواه بدون الزيادة، كما سيأتي بيانه.

• وقد روى القدماء من الحفاظ والثقات هذا الحديث عن يزيد بن أبي زياد بدون الزيادة التي تلقَّنها بعدما ساء حفظه:

1 -

رواه سفيان الثوري، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر رفع يديه، حتى نرى إبهاميه قريبًا من أذنيه.

وفي رواية: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر حذو أذنيه.

أخرجه البخاري في رفع اليدين (76)، وأحمد (4/ 303)، وعبد الرزاق (2/ 70/ 2530)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (3/ 174)، والدارقطني (1/ 293)، والحاكم في معرفة علوم الحديث (80)، والخطيب في المدرج (1/ 396).

هكذا رواه عن الثوري: عبد الله بن المبارك، ومحمد بن يوسف الفريابي، وقبيصة بن عقبة، وعبد الرزاق بن همام الصنعاني، وإبراهيم بن خالد بن عبيد الصنعاني المؤذن [وهم ثقات، من أصحاب الثوري].

وخالفهم: مؤمَّل بن إسماعيل، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا يزيد بن أبي زياد، عن ابن أبي ليلى، عن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر لافتتاح الصلاة رفع يديه، حتى يكون إبهاماه قريبًا من شحمتي أذنيه، ثم لا يعود.

أخرجه الطحاوي (1/ 196 و 224).

وهذه رواية منكرة؛ خالف فيها مؤمَّل [وهو: صدوق، كثير الغلط، وكان سيئ

ص: 302

الحفظ] ثقات أصحاب الثوري، فلم يأت أحد منهم بهذه الزيادة: ثم لا يعود.

2 -

ورواه شعبة، عن يزيد بن أبي زياد، قال: سمعت ابن أبي ليلى، يقول: سمعت البراء يحدث قومًا فيهم كعب بن عجرة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة رفع يديه. زاد محمد بن بكر: في أول تكبيرة.

أخرجه أحمد في المسند (4/ 303)، وفي العلل ومعرفة الرجال (1/ 368/ 708)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (3/ 174)، والمحاملي في الأمالي (463 - رواية ابن البيع)، والدارقطني (1/ 293)، والخطيب في المدرج (1/ 397)[وفي سنده تصحيف].

هكذا رواه عن شعبة: غندر محمد بن جعفر، ومحمد بن بكر البرساني.

وزيادة البرساني: منكرة من حديث شعبة، فإنه صدوق، له أوهام، قال النسائي:"ليس بالقوي"[التهذيب (3/ 522)، الميزان (3/ 492)، وقال: "له ما يُنكَر"]، والمحفوظ رواية غندر صاحب شعبة، وقد كان كتابه حَكَمًا بين أصحابه.

3 -

ورواه خالد بن عبد الله الواسطي، قال: أخبرنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه.

وفي رواية: رأيت رسول الله حين قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه. وقال: حدثنا خالد بن عبد الله، عن يزيد بن أبي زياد، عن عدي بن ثابت، عن البراء، مثله.

أخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (3/ 174)، والروياني (349)[وفي إسناده خطأ]، والطحاوي (1/ 224)، والدارقطني (1/ 294)، والخطيب في المدرج (1/ 398).

4 -

ورواه هشيم بن بشير، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة رفع يديه، زاد في رواية: حتى كادتا تحاذيان بأذنيه.

أخرجه أحمد (4/ 282)، وابن أبي شيبة (1/ 211/ 2411)، وأبو يعلى (3/ 218/ 1658)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (3/ 175)، والخطيب في المدرج (1/ 397).

واختلف فيه على هشيم:

أ- فرواه أحمد بن حنبل، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وحجاج بن منهال [وهم ثقات حفاظ]، وزكريا بن يحيى بن صُبَيح زحمويه [ثقة. التعجيل (1/ 551/ 339)]، عن هشيم به هكذا.

ب- ورواه إسحاق بن أبي إسرائيل بن كامجرا [ثقة حافظ وله أفراد، وهذا من أفراده. انظر: تاريخ بغداد (6/ 356)، تذكرة الحفاظ (2/ 484)، التهذيب (1/ 115)]:

ص: 303

حدثنا هشيم به، إلا أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة كبر، ورفع يديه حتى كادتا تحاذيان أذنيه، ثم لم يعد.

أخرجه أبو يعلى (3/ 248 - 249/ 1691).

والمحفوظ عن هشيم هو رواية الجماعة، لم يذكروا: ثم لم يعد، وقد صرح غير واحد من الأئمة النقاد [مثل: أبي داود والدارمي وابن عبد البر والخطيب] أن هشيما يرويه بدون هذه الزيادة، مما يؤكد شذوذها، والله أعلم.

5 -

ورواه جرير بن عبد الحميد، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبر ورفع يديه إلى أذنيه، حتى يكون إبهاماه قريبًا من أذنيه.

أخرجه المحاملي في الأمالي (342 - رواية ابن مهدي الفارسي)، بإسناد صحيح إلى جرير. ومن طريقه: الخطيب في التاريخ (7/ 254).

6 -

ورواه أسباط بن محمد: حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه، حتى تكون إبهاماه حذاء أذنيه.

أخرجه أحمد (4/ 301 و 302)، والبيهقي (2/ 25)، والخطيب في المدرج (1/ 398).

قال البيهقي: "يزيد بن أبي زياد: غير قوي".

7 -

ورواه محمد بن فضيل، عن يزيد، عن ابن أبي ليلى، عن البراء، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قام إلى الصلاة رفع يديه حتى كانتا عند منكبيه، وحاذى بإبهاميه أذنيه.

أخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (3/ 175)، والروياني (343).

8 -

ورواه صالح بن عمر الواسطي [ثقة]: حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه، حتى يحاذي بهما أذنيه.

فذكرت ذلك لعدي بن ثابت، فقال: قد سمعت البراء، يذكر ذلك.

أخرجه أبو يعلى (3/ 255/ 1701).

9 -

ورواه عبد الله بن إدريس، عن يزيد به هكذا، لم يذكر: ثم لا يعود.

هكذا علقه أبو داود، ولم أقف على من وصله من هذا الوجه.

لكن رواه أبو يعلى (3/ 249/ 1692)، قال: حدثنا إسحاق: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت يزيد بن أبي زياد، عن ابن أبي ليلى، عن البراء، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين استقبل الصلاة، حتى رأيت إبهاميه قريبًا من أذنيه، ثم لم يرفعهما.

هكذا رواه بالزيادة: شيخ أبي يعلى، وهو: إسحاق بن أبي إسرائيل بن كامجرا، وهو: ثقة حافظ وله أفراد، وهذا من أفراده، وقد شذ برواية هذه الزيادة أيضًا من حديث هشيم، وقد رواه جماعة من كبار الحفاظ عن هشيم بدونها، كما تقدم بيانه قريبًا، وهو هنا

ص: 304

أيضًا يروي هذه الزيادة من حديث ابن إدريس، وقد جزم أبو داود بأن ابن إدريس قد رواه بدونها، وحكاه عنه الخطيب في المدرج (1/ 399)، وأقره عليه، مما يدل على شذوذ رواية ابن كامجرا هذه أيضًا، والله أعلم.

10 -

13 - ورواه أيضًا عن يزيد بن أبي زياد بهذا الإسناد مثله، فلم يذكر: ثم لا يعود.

الجراح بن مليح، وغيلان بن جامع، وزياد بن عبد الله البكائي، وحمزة بن حبيب الزيات [وهم من جملة الثقات] [والراوي عن حمزة الزيات: حفص بن عمر بن بيان الثقفي الكوفي: مجهول. الجرح والتعديل (3/ 180)، علل الحديث (1152)، اللسان (3/ 223 و 232)].

أخرجه أحمد في العلل ومعرفة الرجال (1/ 372/ 715)، والروياني (347)، والطبراني في الأوسط (2/ 84/ 1325)، والخطيب في التاريخ (5/ 40)، وفي الموضح (2/ 547)، وفي سنده سقط.

وممن تابع شريكًا [على سوء حفظه] على إدراج هذه الزيادة التي تلقنها يزيد في الحديث:

إسماعيل بن زكريا [ليس به بأس، مقارب الحديث، وقد ضعفه جماعة. التهذيب (1/ 151)، الميزان (1/ 228)]، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب؛ أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة رفع يديه حتى حاذى بهما أذنيه، ثم لم يعد إلى شيء من ذلك حتى فرغ من صلاته.

ثم رواه إسماعيل، عن يزيد، عن عدي بن ثابت، عن البراء، مثله.

أخرجه الدارقطني (1/ 293 و 294)، والخطيب في المدرج (1/ 394)، وابن الجوزي في التحقيق (425).

وممن رواه أيضًا عن يزيد بهذه الزيادة: إسرائيل بن أبي إسحاق [ثقة][عند البيهقي في الخلافيات، وعزاه إليه ابن التركماني في الجوهر النقي (2/ 76)]، وأبو عمر البزاز حفص بن سليمان القارئ [متروك الحديث] [عند: أبي الفضل الزهري في حديثه (123)].

• وقد ذهب بعضهم إلى أن هذه الزيادة إنما هي من الرواة عن يزيد، لما روى:

علي بن عاصم، قال: حدثنا محمد بن أبي ليلى، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قام إلى الصلاة فكبر، ورفع يديه حتى ساوى بهما أذنيه، ثم لم يَعُد.

قال علي: فلما قدمتُ الكوفةَ قيل لي: إن يزيدَ حيٌّ، فأتيته فحدثني بهذا الحديث، قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم حين قام إلى الصلاة فكبر ورفع يديه حتى ساوى بهما أذنيه، فقلت: إنه أخبرني ابن أبي ليلى، أنك قلت: ثم لم يعد، قال: لا أحفظ هذا، فعاودته، فقال: ما أحفظه.

ص: 305

أخرجه الدارقطني (1/ 294)، ومن طريقه: الخطيب في المدرج (1/ 400)، وابن الجوزي في التحقيق (430).

قال الذهبي في تنقيح التحقيق (1/ 137): "ابن عاصم متكلم فيه من قبل حفظه أيضًا".

قلت: وهو كما قال، فقد كان علي بن عاصم الواسطي كثير الغلط والوهم، فإذا روجع أصر ولم يرجع، لذا فقد تركه بعضهم [التهذيب (3/ 173)، الميزان (3/ 135)، إكمال مغلطاي (9/ 350)]، وهذه الزيادة: ثم لا يعود، إنما هي من قِبَل يزيد بن أبي زياد نفسه، فقد تلقنها بالكوفة، ثم أدرجها بعد ذلك في الحديث، كما قال سفيان بن عيينة، وأقره على ذلك جماعة من الأئمة النقاد، وقد رواه عن يزيد بدونها جمع من الثقات الحفاظ، بل من الأئمة النقاد، مثل: سفيان الثوري، وشعبة، وسفيان بن عيينة، وخالد بن عبد الله الواسطي، وهشيم بن بشير، وعبد الله بن إدريس، وجرير بن عبد الحميد، وأسباط بن محمد، وابن فضيل، وصالح بن عمر الواسطي، وغيرهم.

وأما الذين زادوها في الحديث: فهم ليسوا في مقام هؤلاء في الحفظ والإتقان والضبط، ولا في الكثرة والعدد، لكن يحتمل أنهم حملوها عنه بعدما تلقنها بالكوفة، لقول سفيان بن عيينة أنه حدثه أولًا بمكة بدون الزيادة، ثم قال سفيان: فلما قدمتُ الكوفة سمعته يحدث به، فزاد فيه: ثم لا يعود، فظننت أنهم لقَّنوه، وكان بمكة يومئذ أحفظ منه يوم رأيته بالكوفة، وقالوا لي: إنه قد تغير حفظه، أو ساء حفظه، والله أعلم.

قال أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي: "ومما يحقِّقُ قولَ سفيان بن عيينة أنهم لقَّنوه هذه الكلمة: أن سفيانَ الثوري وزهيرَ بن معاوية وهشيمًا وغيرَهم من أهل العلم: لم يجيئوا بها، إنما جاء بها من سمع منه بأخرة"[سنن البيهقي (2/ 76)، مختصر الخلافيات (2/ 79)].

• وأما محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى فإنه سيئ الحفظ جدًّا، وقد اضطرب في إسناد هذا الحديث ومتنه، وهو من دلائل سوء حفظه، وعدم ضبطه للإسناد والمتن، فقد أدرج هذه الزيادة في متن الحديث، ثم تصرف في روايتها بعد ذلك بالمعنى:

• فقد رواه مرة: عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن، عن البراء بن عازب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه، حتى يكون قريبًا من أذنيه، ثم لا يرفعهما حتى ينصرف.

أخرجه ابن الأعرابي في المعجم (1/ 599/312)، بالإضافة إلى طريق علي بن عاصم المتقدم آنفًا.

• ورواه ثانية: عن أخيه عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب الصلاة فرفع يديه حتى حاذتا بأذنيه، مرة واحدة لا يزيد على ذلك.

أخرجه الروياني (348)، والطحاوي (1/ 224).

ص: 306

• ورواه ثالثة: عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة كبر حتى رأيت إبهاميه حذاء أذنيه، ثم لم يرفعهما حتى سلم.

أخرجه أبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 370)، وذكره البيهقي في السنن (2/ 77).

• ورواه رابعة: عن الحكم وعيسى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه، ثم لا يرفعُ حتى ينصرف.

رواه وكيع، قال: حدثنا ابن أبي ليلى، به هكذا، واختلف فيه على وكيع، وهو الحديث الآتي بعد هذا برقم (753)، ويأتي هناك بيان وجه الصواب في هذا الاختلاف، واللّه أعلم.

• أقوال الأئمة النقاد في هذا الحديث:

قال سفيان بن عيينة: "قدمتُ الكوفة، فسمعته يحدث به، فزاد فيه: ثم لا يعود، فظننت أنهم لقَّنوه، وكان بمكة يومئذ أحفظ منه يوم رأيته بالكوفة، وقالوا لي: إنه قد تغير حفظه، أو ساء حفظه".

وقال الشافعي رحمه الله: "وذهب سفيان إلى أن يغلِّط [وفي أكثر المصادر: إلى تغليط] يزيدَ في هذا الحديث، يقول: كأنه لُقِّنَ هذا الحرف فتلقَّنه، ولم يكن سفيان يرى يزيد بالحافظ لذلك [وفي رواية: ولم يكن يذكر سفيانُ يزيدَ بالحفظ] "[اختلاف الحديث (10/ 168 - الأم)، سنن البيهقي (2/ 76)، المجموع (3/ 359)، البدر المنير (3/ 487)].

وقال الحميدي: "قلنا لقائل هذا -يعني: للمحتج بهذا-: إنما رواه يزيدُ، ويزيدُ يَزِيدُ" يعني: أن يزيد بن أبي زياد يأتي في الحديث بما ليس منه [سنن البيهقي (2/ 76)].

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل (708): "قال أبي: وكان سفيان بن عيينة يقول: سمعناه من يزيد هكذا، قال سفيان: ثم قدمتُ الكوفةَ قدمة فإذا هو يقول: ثم لم يَعُد".

وقال يحيى بن محمد الذهلي: "سمعت أحمد بن حنبل يقول: هذا حديث واهي، قد كان يزيد بن أبي زياد يحدث به برهةٌ من دهره لا يذكر فيه: ثم لا يعود، فلما لُقِّنَ أخذه، فكان يذكره فيه"[حاشية ابن القيم على السنن (2/ 319)، شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي (5/ 1493)، البدر المنير (3/ 488)].

وقال عثمان بن سعيد الدارمي: "سألتُ أحمدَ بنَ حنبل عن هذا الحديث؟ فقال: لا يصح عنه هذا الحديث، قال: وسمعت يحيى بن معين يضعِّف يزيد بن أبي زياد"[معرفة علوم الحديث (81)، سنن البيهقي (2/ 76)، مختصر الخلافيات (2/ 79)].

وقال ابن معين: "ليس هو بصحيح الإسناد"[تاريخ الدوري (3/ 264/ 1239)].

وقال البخاري في رفع اليدين (75): "وكذلك روى الحفاظ من سمع من يزيد بن أبي زياد قديمًا، منهم: الثوري، وشعبة، وزهير، ليس فيه: ثم لم يعد".

وقال أبو سعيد الدارمي: "ومما يحقِّقُ قولَ سفيان بن عيينة أنهم لقَّنوه هذه الكلمة:

ص: 307

أن سفيانَ الثوري وزهيرَ بن معاوية وهشيمًا وغيرَهم من أهل العلم: لم يجيئوا بها، إنما جاء بها من سمع منه بأخرة [سنن البيهقي (2/ 76)، مختصر الخلافيات (2/ 79)].

وقال أيضًا: "فليس في رواية الثوري وزهير وهشيم عنه: أنه كان يرفعهما عند الركوع، وإنما ذكروا صفة الرفع، كيف يرفع؟ وإلى أين يبلغ به؟ ولم يذكر فيه العود من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أنه لم يذكر فيه قراءته وركوعه وسجوده وتسليمه كيف كان؟ فهذا الذي يسبق القلب إلى صحته عن يزيد"[معرفة علوم الحديث (81)].

وقال أيضًا: "ولو صح عن البراء أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه إلا أول مرة، وقال غيره: أنه عاد لرفعهما، كان أولى الحديثين أن يؤخذ به: حديث صاحب الرؤية؛ لأنه لم يقدر على الحكاية إلا بالرؤية الصحيحة والحفظ، والذي قال: لم أر، فقد يمكن أنه عاد ولم يره"[معرفة علوم الحديث (81)].

وقال أبو بكر أحمد بن عمرو البزار: "وهو حديث لا يثبت، ولا يحتج به"، وقال:"لا يصح حديث يزيد بن أبي زياد في رفع اليدين، قوله: ثم لا يعود"[التمهيد (9/ 220)، البدر المنير (3/ 490)].

وقال محمد بن وضاح: "الأحاديث التي تروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في رفع اليدين: ثم لا يعود: ضعيفة كلها"[التمهيد (9/ 221)].

وقال ابن حبان: "هذا خبر عوَّل عليه أهل العراق في نفي رفع اليدين في الصلاة عند الركوع وعند رفع الرأس منه، وليس في الخبر: ثم لم يعد، وهذه الزيادة لقَّنها أهلُ الكوفة يزيدَ بن أبي زياد في آخر عمره فتلقَّن، كما قال سفيان بن عيينة أنه سمعه قديمًا بمكة يحدث بهذا الحديث بإسقاط هذه اللفظة، ومن لم يكن العلمُ صناعتَه لا يُنكَر له الاحتجاج بما يشبه هذا من الأخبار الواهية"[المجروحين (3/ 100) (2/ 451 - ط الصميعي)].

وقال الدارقطني عمن رواه بغير هذه الزيادة: "وهذا هو الصواب؛ وإنما لُقِّنَ يزيدُ في آخر عمره: "ثم لم يعد" فتلقَّنه، وكان قد اختلط".

وذكر الحاكم أبو عبد الله عن يزيد بن أبي زياد؛ "أنه كان يذكر بالحفظ في شبابه، فلما كبر ساء حفظه، فكان يخطئ في كثير من رواياته وحديثه، ويقلب الأسانيد، ويزيد في المتون، ولا يميز"[مختصر الخلافيات (2/ 80)، البدر المنير (3/ 488)].

وقال ابن عبد البر في التمهيد (9/ 220): "وأما حديث البراء بن عازب في ذلك؛ فإنه انفرد به يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء، فرواه عنه الثقات الحفاظ، منهم: شعبة، والثوري، وابن عيينة، وهشيم، وخالد بن عبد الله الواسطي، لم يذكر واحد منهم عنه فيه قوله: ثم لا يعود، وإنما قاله فيه عنه من لا يحتج به على هؤلاء، وحكى ابن عيينة عنه أنه حدثهم به قديمًا، وليس فيه: ثم لا يعود، ثم حدثهم به بعد ذلك فذكر فيه: ثم لا يعود، قال: فنظرته فإذا ملحق بين سطرين، ذكره أحمد بن حنبل والحميدي عن ابن عيينة، وذكره أبو داود".

ص: 308

ثم قال ابن عبد البر: "المحفوظ في حديث يزيد بن أبي زياد عن ابن أبي ليلى عن البراء: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه في أول مرة، وقال بعضهم فيه: مرة واحدة، وأما قول من قال فيه: ثم لا يعود؛ فخطأ عند أهل الحديث".

قلت: لا يعرف تقييد الرفع في حديث البراء بالمرة الأولى، وإنما يروى هذا من حديث ابن مسعود المتقدم، وهو شاذ غير محفوظ.

وأما من حديث البراء: فإن لفظة: في أول تكبيرة: فإنها منكرة من حديث شعبة، وأما لفظة: مرة واحدة: فإنها من أوهام وتخليط ابن أبي ليلى، وأما لفظة: ثم لا يعود: فإنها مدرجة في الحديث، أدرجها يزيد بعدما تلقنها من أهل الكوفة، وأما المحفوظ من حديث البراء فسيأتي بيانه في نهاية هذه النقول.

وقال الخطيب في المدرج (1/ 394): "ذِكرُ ترك العود إلى الرفع: ليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. فكان يزيد بن أبي زياد يروي هذا الحديث قديمًا ولا يذكره، ثم تغير وساء حفظه، فلقَّنه الكوفيون ذلك فتلقَّنه، ووصله بمتن الحديث.

وقد روى سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وهشيم بن بشير، وأسباط بن محمد، وخالد بن عبد الله الطحان، وغيرهم من الحفاظ هذا الحديث عن يزيد بن أبي زياد، وليس فيه ترك العود إلى الرفع، وكانوا سمعوه منه قديمًا قبل أن زاد فيه ما لقنه إياه الكوفيون من ترك العود إلى الرفع".

وقال البغوي في شرح السُّنَّة (3/ 24): "وأحاديث رفع اليدين في المواضع الأربع: أصح وأثبت، فاتباعها أولى".

وقال الحازمي عند ذكر وجوه الترجيح: "الوجه التاسع عشر: أن يكون أحد الراويين لم يضطرب لفظُه، والآخر قد اضطرب لفظُه، فيُرجَّح خبر من لم يضطرب لفظه؛ لأنه يدل على حفظه وضبطه، وسوء حفظ صاحبه.

مثاله: حديث ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، فهذا حديث يُروى عن ابن عمر من غير وجهٍ، وممن رواه: الزهري عن سالم، ولم يُختلَف عليه فيه، ولا اضطرب في متنه، فكان أولى بالمصير إليه من حديث البراء بن عازب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة، رفع يديه إلى قريبٍ من أذنيه، ثم لا يعود؛ لأن هذا الحديث يُعرف بيزيد بن أبي زياد، وقد اضطرب فيه، قال سفيان بن عيينة: كان يزيد يروي هذا الحديث ولا يذكر فيه: ثم لا يعود، ثم دخلتُ الكوفةَ، فرأيتُ يزيد بن أبي زياد يرويه، وقد زاد فيه: ثم لا يعود، وكان قد لُقِّن فتلقَّن" [الاعتبار (1/ 141)].

وقال النووي في المجموع (3/ 359): "جواب أئمة الحديث وحفاظهم: أنه حديث ضعيف باتفاقهم، وممن نص على تضعيفه: سفيان بن عيينة، والشافعي، وعبد الله بن الزبير الحميدي شيخ البخاري، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي، والبخاري، وغيرهم من المتقدمين، وهؤلاء أركان الحديث وأئمة الإسلام فيه"؛

ص: 309

يعني: أنهم ضعفوا منه هذه الزيادة الباطلة التي لا أصل لها من الحديث، وذكره في قسم الضعيف من الخلاصة (1079).

وقال ابن القيم في المنار المنيف (312): "وضعَّف هذا الحديث جمهور أهل الحديث، وقالوا: لا يصح".

وقال ابن الملقن في البدر المنير (3/ 487): "حديث ضعيف باتفاق الحفاظ".

وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 221): "واتفق الحفاظ على أن قوله: "ثم لم يَعُد": مُدرَجٌ في الخبر من قول يزيد بن أبي زياد، ورواه عنه بدونها: شعبة، والثوري، وخالد الطحان، وزهير، وغيرهم من الحفاظ"، وانظر أيضًا: معالم السنن (1/ 167).

• قلت: وهذا التضعيف من هؤلاء الأئمة لهذا الحديث إنما يتجه إلى هذه الزيادة التي زادها يزيد فيه، وهي عدم العود إلى رفع اليدين بعد تكبيرة الافتتاح، وأنها زيادة باطلة لا أصل لها من حديث يزيد نفسه، وإنما لقَّنه إياها أهلُ الكوفة فتلقنها، وأدرجها بعد ذلك في الحديث، وصار يحدِّث بها، وأما أصل الحديث، والذي رواه عنه جماعة من كبار الحفاظ الأثبات المتقنين، بلفظ: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وتارة بلفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر رفع يديه، حتى نرى إبهاميه قريبًا من أذنيه، وتارة بلفظ: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر حذو أذنيه، ونحو ذلك من ألفاظ.

ففيه مجرد إثبات رفع اليدين عند تكبيرة الافتتاح، وأن تكون حذاء الأذنين، أو قريبًا منها، وهذا محفوظ من حديث يزيد، وموافق لما صح من أحاديث رفع اليدين، إذ ليس في حديث ابن أبي زياد هذا ما ينفي رفع اليدين فيما عدا ذلك، كما لم يذكر بقية صفة الصلاة، فهو كما قال الدارمي:"ولم يذكر فيه العود من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أنه لم يذكر فيه قراءته وركوعه وسجوده وتسليمه كيف كان؟ فهذا الذي يسبق القلب إلى صحته عن يزيد".

وبناءٌ على ذلك: فإن القدر المحفوظ عن يزيد بن أبي زياد قبل التلقين هل هو حديث صحيح أم لا؟

فيقال: ينظر في حال يزيد، فإنه في الأصل: صدوق عالم؛ إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير، وكان إذا لُقِّن تلقن، فهو: ليس بالقوي؛ كما قال أكثر النقاد، لأجل ما صار إليه أمره [انظر: التهذيب (9/ 344)، الميزان (4/ 423)، الجامع في الجرح والتعديل (3/ 315)]، لكن في هذا الحديث على وجه الخصوص: فقد ذكر الأئمة أن يزيد قد حدَّث بهذا الحديث بمكة قبل أن يسوء حفظه، وأنه قد كان يُذكر بالحفظ في شبابه، وأن القدماء قد رووا عنه هذا الحديث بدون الزيادة التي لقنه إياها أهل الكوفة، فدل ذلك على صحة القدر المحفوظ من حديثه، كما أشار إلى ذلك غير واحد من الحفاظ، كما أن هذا القدر المحفوظ موافق لما صح من أحاديث الرفع، غير معارض لها، غير أنه لم يزد على ذكر الرفع عند الافتتاح، ومقدار الرفع فيه، والله أعلم.

***

ص: 310

752 -

. . . قال أبو داود: حدثنا حسين بن عبد الرحمن: أخبرنا وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن أخيه عيسى، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين افتتح الصلاة، ثم لم يرفعهما حتى انصرف.

قال أبو داود: هذا الحديث ليس بصحيح.

• حديث ضعيف باتفاق الحفاظ.

هكذا رواه الحسين بن عبد الرحمن أبو علي الجرجرائي: روى عنه جماعة من الأئمة والمصنفين، وذكره ابن حبان في الثقات، وله أوهام [التهذيب (1/ 424)، علل الدارقطني (1/ 235/ 37) و (3/ 252/ 388)، أطراف الغرائب والأفراد (1/ 96/ 336) و (1/ 460/ 2526)، الفصل للوصل المدرج في النقل (2/ 758)، تاريخ دمشق (58/ 12)]، وهذا الحديث من أوهامه، فقد وهم في إسناده، حيث قال: عن ابن أبي ليلى، عن أخيه عيسى، عن الحكم، وإنما هو: عن ابن أبي ليلى، عن الحكم وعيسى، هكذا مقرونًا.

فقد رواه جماعة من الحفاظ، منهم: أحمد بن حنبل، وابن أبي شيبة، ويحيى بن يحيى النيسابوري، وإسحاق بن أبي إسرائيل:

قالوا: حدثنا وكيع: حدثنا ابن أبي ليلى، عن الحكم وعيسى [هكذا مقرونًا]، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه، ثم لا يرفعُ حتى ينصرف. وفي رواية: ثم لا يرفعهما حتى يفرُغ.

أخرجه أحمد في العلل (708)، وابن أبي شيبة (1/ 213/ 2440)، وأبو يعلى (3/ 248/ 1689)، والطحاوي (1/ 224)، وعلقه البخاري في رفع اليدين (77).

• وهذا الحديث قد اضطرب في إسناده ومتنه ابن أبي ليلى، كما سبق أن ذكرنا ذلك تحت الحديث السابق قبل نقل أقوال الأئمة في الحديث:

• فقد رواه مرة: عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو هكذا في كتاب ابن أبي ليلى، كما قال ابن نمير.

• ورواه ثانية: عن أخيه عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، مرفوعًا.

• ورواه ثالثة: عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، مرفوعًا.

• ورواه رابعة: عن الحكم وعيسى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، مرفوعًا.

والوجه الأول هو الصواب؛ لأمور، منها: أن الحديث إنما يعرف بيزيد بن أبي زياد.

ومنها: أن الحديث لا يُعرف من حديث الحكم بن عتيبة ولا من حديث عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى إلا من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو مشهور

ص: 311

بسوء الحفظ، وكثرة الأوهام، وقلبه للأسانيد، وهذا شاهد على ذلك.

ومنها: أنه كان في كتاب ابن أبي ليلى: عن يزيد، فلما حدث به من حفظه قلبه واضطرب فيه، فجعله مرة عن الحكم، ومرة عن أخيه عيسى، ومرة عنهما جميعًا، والكتاب مقدم على الحفظ، لا سيما إذا كان الراوي سيئ الحفظ، كما هو الحال هنا.

وبهذا يكون الحديث قد رجع مرة أخرى إلى يزيد بن أبي زياد، وأنه لم يتابع عليه، وأن هذه الزيادة: "ثم لا يعود: باطلة لا أصل لها من الحديث، والله أعلم.

قال عبد الله بن أحمد في العلل (708): "حدثني أبي، عن محمد بن عبد الله بن نمير، قال: نظرت في كتاب ابن أبي ليلى، فإذا هو يرويه عن يزيد بن أبي زياد.

قال أبي: وحدثناه وكيع، سمعه من ابن أبي ليلى، عن الحكم وعيسى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى.

وكان أبي يذكر حديث الحكم وعيسى، يقول: إنما هو حديث يزيد بن أبي زياد، كما رآه ابن نمير في كتاب ابن أبي ليلى.

قال أبي: ابن أبي ليلى كان سيئ الحفظ، ولم يكن يزيد بن أبي زياد بالحافظ".

وقال الحسن بن علي [انظر: طبقات الحنابلة (1/ 364 - 366)]: "وسألته [يعني: الإمام أحمد، عن حديث ابن أبي ليلى، حديث البراء: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في أول تكبيرة، ثم لا يعود؟ فقال: ليس هذا بشيء، قد رواه وكيع عن ابن أبي ليلى، فيكون مثل هذا عن الحكم؟! ولا يرويه الناس عن الحكم! "[ضعفاء العقيلي (4/ 100)].

وقال البخاري: "وإنما روى ابن أبي ليلى هذا من حفظه، فأما من حدَّث عن ابن أبي ليلى من كتابه فإنما حدَّث عن ابن أبي ليلى عن يزيد، فرجع الحديث إلى تلقين يزيد، والمحفوظ: ما روى عنه الثوري وشعبة وابن عيينة قديمًا".

وقال أبو داود: "هذا الحديث ليس بصحيح".

وقال الحاكم أبو عبد الله: "هذا حديث يتوهمه من لا يرجع إلى معرفة الحديث أنه متابعة لحديث يزيد بن أبي زياد، وليس كذلك؛ فإن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى -على تقدُّمه في الفقه والقضاء-: أسوأ حالًا عند أهل المعرفة بالحديث من يزيد، وروي عن محمد هذا عن الحكم عن يزيد بن أبي زياد، وروي في بعض طرقه أن يزيد أنكر هذه الزيادة بعد أن رويت عنه، والله أعلم"[مختصر الخلافيات (2/ 81)، البدر المنير (3/ 489)].

وقال البيهقي: "قد روى هذا الحديث: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أخيه عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، قال فيه: ثم لا يعود.

وقيل: عن محمد بن عبد الرحمن، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى.

وقيل: عنه، عن يزيد بن أبي زياد، عن ابن أبي ليلى.

ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: لا يحتج بحديثه، وهو أسوء حالًا عند أهل المعرفة بالحديث من يزيد بن أبي زياد.

ص: 312

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ: أنبأ أبو الحسن بن عبدوس: ثنا عثمان بن سعيد الدارمي، فذكر فصلًا في تضعيف حديث يزيد بن أبي زياد، ثم قال: ولم يَروِ هذا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أحدٌ أقوى من يزيد".

وانظر في الأوهام أيضًا: أخبار القضاة لوكيع (3/ 253)، تاريخ بغداد (12/ 307).

• ومما روي في هذا المعنى أيضًا:

1 -

ما رُوي عن مالك، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه؛ مرفوعًا بلفظ: كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، ثم لا يعود.

قال البيهقي: "وهذا باطل موضوع"، وسبق التنبيه عليه تحت الحديث رقم (722).

2 -

حفص بن غياث، عن محمد بن أبي يحيى [هو الأسلمي: مدني، صدوق]، قال: صليت إلى جنب عباد بن عبد الله بن الزبير، قال: فجعلت أرفع يدي في كل خفض ورفع ووضع، قال: يا ابن أخي! رأيتك ترفع في كل رفع وخفض، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه في أول الصلاة ثم لم يرفعهما في شيء حتى فرغ.

رواه البيهقي في خلافياته عن الحاكم بسنده، إلى حفص به.

قال البيهقي: "وهذا مرسل؛ لأن عبادًا من التابعين، وقد روي عن أبيه ضده"[البدر المنير (3/ 498)، الأحكام الكبير (3/ 273)].

3 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه كلما ركع، وكلما رفع، ثم صار إلى افتتاح الصلاة، وترك ما سوى ذلك.

قال ابن الجوزي في التحقيق (1/ 334): "وحديث ابن عباس وابن الزبير: لا يعرفان أصلًا، والمحفوظ عنهما الرفع".

وقال ابن الملقن في البدر المنير (3/ 498): "غريب، غير معروف".

4 -

عن ابن الزبير؛ أنه رأى رجلًا يرفع يديه في الركوع فقال: مه؛ فإن هذا شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تركه.

قال ابن الجوزي في التحقيق (1/ 334): "وحديث ابن عباس وابن الزبير: لا يعرفان أصلًا، والمحفوظ عنهما الرفع".

وقال ابن الملقن في البدر المنير (3/ 498): "غريب، غير معروف"، وقال أيضًا:"لا نعلم من رواه".

وقال الذهبي فيهما: "وهذان منكرٌ من القول، ومن شرط الناسخ أن يكون في قوة المنسوخ، ثم المحفوظ عن ابن عباس وابن الزبير الرفع"[تنقيح التحقيق (1/ 135)].

قلت: هما حديثان باطلان.

5 -

وروى ابن أبي ليلى [وهو ضعيف، لسوء حفظه]، عن نافع، عن ابن عمر.

وعن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُرفَعُ الأيدي إلا

ص: 313

في سبعة مواطن: في افتتاح الصلاة، واستقبال الكعبة، وعلى الصفا والمروة، وبعرفات، وبجمع، وفي المقامين، وعند الجمرتين".

وفي رواية: "تُرفَعُ الأيدي في سبع مواطن: في افتتاح الصلاة، وعند البيت، وعلى الصفا والمروة، وبعرفات، وبالمزدلفة، وعند الجمرتين".

أخرجه ابن خزيمة (4/ 209/ 2703)، وضعفه، وسعيد بن منصور (3/ 272 - الأحكام الكبير)، والبزار (1/ 251/ 519 - كشف)، والطحاوي في شرح المعاني (2/ 176)، والطبراني في الكبير (11/ 385/ 12072)، والبيهقي في الخلافيات (2/ 82 - مختصره)، وعلقه البخاري في جزء رفع اليدين (143).

وقد اختلف فيه على ابن أبي ليلى في وقفه ورفعه، وفي ألفاظه، مما يدل على اضطرابه فيه، وسوء حفظه له، وعدم ضبطه لإسناده ومتنه معًا.

قال البخاري: "وقال شعبة: أن الحكم لم يسمع من مقسم إلا أربعة أحاديث؛ ليس فيها هذا الحديث، وليس هذا من المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن أصحاب نافع خالفوا، وحديث الحكم عن مقسم مرسل،

"، ثم أطال في ردِّ هذا الحديث وتضعيفه.

وقال البزار: "وهذا حديث قد رواه غير واحد موقوفًا، وابن أبي ليلى لم يكن بالحافظ، وإنما قال: ترفع الأيدي، ولم يقل: لا ترفع الأيدي إلا في هذه المواضع"[نصب الراية (1/ 391)].

وقال الحاكم أبو عبد الله: "هذا حديث واهٍ من أوجه"، ثم أعله من خمسة أوجه، وأقره البيهقي على ذلك وزاد [مختصر الخلافيات (2/ 82)، الأحكام الكبير (3/ 271)، البدر المنير (3/ 497)].

وقال ابن الجوزي في التحقيق (1/ 336): "ولا يصح".

وقال النووي في المجموع (8/ 9): "وهو ضعيف باتفاقهم؛ لأنه من رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الإمام المشهور، وهو ضعيف عند المحدثين".

وقال ابن القيم في المنار المنيف (313): "لا يصح رفعه، والصحيح وقفه على ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم".

• وقد رُوي عن مقسم من وجه آخر، ولا يصح أيضًا:

فقد روى ابنُ جريج، قال: حُدِّثت عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ترفع الأيدي في الصلاة، وإذا رأى البيت، وعلى الصفا والمروة، وعشية عرفة، وبجمع، وعند الجمرتين، وعلى الميت".

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 169)، وفي المسند (125)، وابن أبي عمر العدني في مسنده (6/ 391/ 1201 - مطالب)، والأزرقي في أخبار مكة (1/ 279)، والبيهقي في السنن (5/ 72)، وفي المعرفة (4/ 48/ 2910)، والبغوي في شرح السُّنَّة (7/ 99/ 1897).

وإسناده ضعيف، لإبهام الواسطة بين ابن جريج ومقسم.

ص: 314

قال الشافعي: "وليس في رفع اليدين شيء أكرهه ولا أستحبه عند رؤية البيت، وهو عندي حسن"، قال البيهقي:"وكأنه لم يعتمد على الحديث لانقطاعه".

وقال البيهقي في السنن: "وهو منقطع، لم يسمعه ابن جريج من مقسم، ورواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، وعن نافع، عن ابن عمر، مرة موقوفًا عليهما، ومرة مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، دون ذكر الميت، وابن أبي ليلى هذا: غير قوي في الحديث".

وقال البغوي: "هذا حديث منقطع".

• وروي من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعًا، ولا يصح أيضًا، وموضع الشاهد منه:"وإذا أقيمت الصلاة":

أخرجه أبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (4/ 85/ 786)، والطبراني في الكبير (11/ 452/ 12282)، وفي الأوسط (2/ 192/ 1687 و 1688).

قلت: إنما يُروى هذا موقوفًا على ابن عباس قوله بإسناد ضعيف، انظر: مصنف ابن أبي شيبة (1/ 214/ 2450) و (3/ 436/ 15748 و 15750).

وقد ثبت عن ابن عمر وابن عباس رفع الأيدي في المواضع الثلاثة بأسانيد صحيحة، عند افتتاح الصلاة، وعند الركوع، وعند رفع الرأس من الركوع، تقدم بعضها في مواضع [انظر ما تقدم برقم (740 - 743)].

• وحاصل ما تقدم من أبواب رفع اليدين في الصلاة:

أنه لم يصح شيء في نفي رفع اليدين لا عند الركوع، ولا عند الرفع منه، ولا عند القيام من الركعتين، ولم يثبت شيء في أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في أول تكبيرة عند الافتتاح ثم لا يعود إلى الرفع مرة أخرى، ولا أن هذا شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الأمر ثم تركه، ولا ما كان في هذا المعنى الدال على النسخ، أو عدم الفعل أصلًا.

بل قد ثبتت الأحاديث الصحيحة -في الصحيحين وغيرهما- عن جمع من الصحابة في رفع اليدين عند الافتتاح، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من الركعتين، كما تقدم بيانه في موضعه، والله أعلم.

***

753 -

. . . ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة رفع يديه مَدًّا.

• حديث صحيح.

أخرجه البخاري في القراءة خلف الإمام (274)، والترمذي (240)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 80/ 224)، والنسائي في المجتبى (2/ 124/ 883)، وفي الكبرى (1/ 460/ 959)، وابن خزيمة (1/ 234/ 459 و 460)

ص: 315

و (1/ 241/ 473)، وابن حبان في الصحيح (5/ 77/ 1777)، وفي وصف الصلاة بالسُّنَّة (14/ 718/ 18582 - الإتحاف)، والحاكم (1/ 215 و 234)، وأحمد (2/ 434 و 500)، والطيالسي (4/ 128/ 2495)، وابن أبي شيبة في المسند (2/ 323/ 1789 - إتحاف الخيرة)(3/ 839/ 449 - المطالب العالية)، والبزار (15/ 115 و 116/ 8414 و 8415)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 74/ 1258) و (3/ 90/ 1280)، والطحاوي (1/ 195 و 222)، وابن الأعرابي في المعجم (3/ 1043/ 2244)، وابن بشران في الأمالي (1295)، والبيهقي (2/ 27 و 195)، والمزي في التهذيب (10/ 490 - 491).

هكذا رواه عن ابن أبي ذئب مطولًا ومختصرًا: يحيى بن سعيد القطان، وأبو داود الطيالسي، وأبو أحمد الزبيري محمد بن عبد الله بن الزبير، وآدم بن أبي إياس، وأسد بن موسى، وعبيد الله بن عبد المجيد الحنفي، ويزيد بن هارون، ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، وشبابة بن سوار، وأبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو، وخلف بن الوليد العتكي، وعاصم بن علي الواسطي [وهم ثقات].

ولفظه مطولًا: عن سعيد بن سمعان، قال: دخل علينا أبو هريرة مسجد الزُّرَقيين، فقال: ترك الناسُ ثلاثةٌ مما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلُ: كان إذا دخل الصلاة رفع يديه مدًّا، ثم سكت [ولأبي أحمد: قبل القراءة] [ولأبي عاصم: ويسكت بين التكبير والقراءة، هُنيةٌ؛ يسأل الله عز وجل من فضله [وليزيد بن هارون: يدعو ويسأل الله من فضله]، وكان يكبر إذا خفض ورفع، [وللطيالسي والقطان: وإذا ركع].

قال الحاكم: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".

وحكم عليه ابن عبد البر في التمهيد (9/ 229) بأنه محفوظ.

وقد صححه ابن خزيمة وابن حبان، واحتج به أبو داود والنسائي.

قلت: وهو كذلك، حديث صحيح محفوظ، وإسناده مدني صحيح، وسعيد بن سمعان الأنصاري الزرقي: مدني، ثقة، سمع أبا هريرة [التاريخ الكبير (3/ 479)]، ومن قال:"فيه جهالة"، فلم يعرفه، إذ قد عرفه غيره، ووثقه: ابن المديني والنسائي والدارقطني والعجلي وابن حبان وابن خلفون، وصحح له ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، واحتج به النسائي [التهذيب (2/ 25)، إكمال مغلطاي (5/ 309)، سؤالات أبي داود للإمام أحمد (161)، سؤالات ابن أبي شيبة (163)، معرفة الثقات (597)، سؤالات البرقاني (182)، ضعفاء الدارقطني (309)، الميزان (2/ 143)].

ورواه مطولًا أيضًا: أبو عامر العقدي، لكنه شذ عن الجماعة بذكر صفة تفريج الأصابع، وبزيادة: فوق رأسه، حيث قال في روايته: دخل علينا أبو هريرة مسجد بني زُرَيق، قال: ثلاث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل بهن، تركهن الناس: كان إذا قام إلى الصلاة قال هكذا -وأشار أبو عامر بيده، ولم يفرج بين أصابعه، ولم يضمَّها، وقال: هكذا أرانا ابن أبي ذئب، قال ابن خزيمة: وأشار لنا يحيى بن حكيم، ورفع يديه، ففرج بين أصابعه

ص: 316

تفريجًا ليس بالواسع، ولم يضم بين أصابعه، ولا باعد بينها- رفع يديه فوق رأسه مدًّا، وكان يقف قبل القراءة هنية يسأل الله تعالى من فضله، وكان يكبر في الصلاة كلما سجد ورفع.

قال ابن خزيمة: "هذه الشكَّة شكَة سمجة بحال، ما أدري ممن هي؟ وهذه اللفظة إنما هي: رفع يديه مدًّا، ليس فيه شك ولا ارتياب أن يرفع المصلي يديه عند افتتاح الصلاة فوق رأسه".

ثم قال بعد أن أسنده من طريق يحيى بن سعيد وابن أبي فديك: "قالا: رفع يديه مدًّا، ولم يشكا، وليس في حديثهما قصة ابن أبي ذئب أنه أراهم صفة تفريج الأصابع أو ضمها".

• وخالفهم أيضًا فوهم في متنه:

يحيى بن يمان، فرواه عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة نشر أصابعه.

وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينشر أصابعه في الصلاة نشرًا.

أخرجه الترمذي (239)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 79/ 223)، وابن خزيمة (1/ 233/ 458)، وابن حبان في الصحيح (5/ 66/ 1769)، وفي وصف الصلاة بالسُّنَّة (14/ 718/ 18582 - الإتحاف)، والحاكم (1/ 235)، وأبو سعيد الأشج في جزئه (2)، والبزار (15/ 8413/115)، وأبو بكر ابن المقرئ في المعجم (639)، والدارقطني في الأفراد (2/ 291/ 5218 - أطرافه)، والخليلي في الإرشاد (1/ 285)، والبيهقي (2/ 27).

قال الترمذي: "حديث أبي هريرة حسن، وقد روى غير واحد هذا الحديث عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه مدًّا. وهذا أصح من رواية يحيى بن اليمان، وأخطأ يحيى بن اليمان في هذا الحديث".

وقال عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي في حديث الجماعة: "وهذا أصح من حديث يحيى بن اليمان، وحديث يحيى بن اليمان خطأ".

وقال أبو حاتم: "وهِمَ يحيى، إنما أراد: قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدًّا، كذا رواه الثقات من أصحاب ابن أبي ذئب"[العلل (1/ 98/ 265)].

وقال ابن المنذر: "وروى هذا الحديث يحيى بن اليمان عن ابن أبي ذئب، بإسناده فقال: كان إذا افتتح الصلاة نشر أصابعه، وكان أحمد بن حنبل يميل إلى حديث يحيى بن اليمان".

قلت: لعله أخذ ميل الإمام أحمد هذا من عدم جزمه بخطأ يحيى بن اليمان، فقد قال أحمد في مسائل أبي داود له (1854) حين قال له أبو داود في معرض سؤاله عن حديث

ص: 317

يحيى بن يمان هذا: "أليس هو خطأ؟ أليس الحديث حديث أبي هريرة: كان يرفع يديه مدًّا؟ "، فقال حينئذ الإمام أحمد:"لا أدري! هو خطأ، ولكن الناس يروونه هكذا -أي: رفع يديه مدًّا-".

وكيف لا يخطِّئه أحمد! وأحمد نفسه هو الذي يضعِّف يحيى بن اليمان، وقد خالف يحيى في ذلك جماعة من الثقات الحفاظ، ولم يكن أحمد يذهب إلى حديث يحيى بن يمان هذا، ولا يعمل به، قال أبو داود في مسائله (212):"سمعت أحمد سئل: تذهب إليه -أي: إلى نشرة الأصابع إذا كبَّرت-؟ قال: لا".

وقال الدارقطني: "تفرد به يحيى بن يمان عن ابن أبي ذئب".

وقال الخليلي: "لم يروه بهذا اللفظ غير يحيى بن يمان"، وكان قال فيه قبلُ:"وهو ثقة؛ إلا أنه كثير الخطأ، لم يتفقوا عليه".

وقال البغوي: "ولا يصح"[شرح السُّنَّة (3/ 29)].

وقال النووي في المجموع (3/ 254): "هذا الحديث رواه الترمذي وضعَّفه، وبالغ في تضعيفه"[وقال نحوه في الخلاصة (1086)].

• فإن قيل: ألم يتابعه شبابة بن سوار، وهو ثقة؟ فيقال: لم يثبت عن شبابة أصلًا، فقد قال أبو حاتم عن رواية شبابة:"وهذا باطل"[العلل (1/ 458/161)].

قلت: والمعروف عن شبابة كالجماعة، كما تقدم ذكره فيمن رواه عن ابن أبي ذئب على الوجهين في المحفوظ عنه، والله أعلم.

وعليه؛ فإن الحديث بهذا اللفظ منكر؛ فإن يحيى بن يمان العجلي: محله الصدق، لكنه كان يحدِّث من حفظه بالتوهم، فيخطئ كثيرًا، ويأتي بعجائب، وكان فُلِج فساء حفظه [التهذيب (4/ 401)، الميزان (4/ 416)، إكمال التهذيب (12/ 392)، الطبقات الكبرى (6/ 391)، مسائل صالح لأبيه أحمد (1087)، العلل ومعرفة الرجال (334 و 335 و 2905)، سؤالات أبي داود (578)، تاريخ الدوري (3/ 319/ 1527)، تاريخ الدارمي (98)، سؤالات ابن محرز (1/ 137 و 252)، سؤالات ابن الجنيد (451 و 725)، معرفة الثقات (2002)، سؤالات البرذعي (2/ 393 و 442)، المعرفة والتاريخ (1/ 722)، الجرح والتعديل (1/ 326) و (9/ 199)، الضعفاء الكبير (4/ 433)، الكامل (7/ 236)، وقال: "وعامة ما يرويه غير محفوظ"، تاريخ بغداد (14/ 123)، وغيرها].

وانظر فيمن وهم في إسناده على ابن أبي ذئب أيضًا: سؤالات الآجري (1553).

• ولابن أبي ذئب فيه إسناد آخر:

فقد رواه أيضًا: أبو داود الطيالسي، وأبو أحمد الزبيري، وشبابة بن سوار، وعبيد الله بن عبد المجيد الحنفي، وحسين بن محمد بن بهرام التميمي [وهم ثقات]، وخالد بن عبد الرحمن الخراساني أبو الهيثم [لا بأس به]:

عن ابن أبي ذئب، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن محمد بن عبد الرحمن بن

ص: 318

ثوبان، عن أبي هريرة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مَدًّا؛ يعني: في الصلاة. وفي رواية: كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مَدًّا.

أخرجه الدارمي (1/ 308/ 1237)، وأحمد (2/ 375 و 500)، والطيالسي (4/ 291/ 2685)، وابن أبي شيبة في المسند (2/ 324/ 1791 - إتحاف الخيرة)، وتمام في الفوائد (1152)، والبيهقي (2/ 27).

وكلا الإسنادين محفوظ عن ابن أبي ذئب، وهو حافظ يحتمل من مثله التعدد في الأسانيد، وقد رواه عنه بالوجهين جماعة من الثقات: أبو داود الطيالسي، وأبو أحمد الزبيري، وشبابة بن سوار، وعبيد الله بن عبد المجيد الحنفي.

وهذا أيضًا: إسناد مدني صحيح.

• خالف ابن أبي ذئب، وأتى فيه بلفظ منكر:

ابن إسحاق، فرواه عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الصلاة- فريضةً ولا تطوعًا - إلا شهر يديه إلى السماء، يدعو، ثم يكبر بعد. وفي رواية: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إلى الصلاة قطُّ إلا شهر بيديه [إلى السماء] من قبل أن يكبر.

أخرجه أبو الفوارس الصابوني في حديثه (204)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 238)، والبيهقي (2/ 27).

قال أبو نعيم: "غريب من حديث محمد بن عمرو، لم يروه عنه إلا محمد بن إسحاق".

قلت: بل هو منكر؛ وهِم فيه محمد بن إسحاق، والمعروف عن محمد بن عمرو بن عطاء هو ما رواه عنه ابن أبي ذئب باللفظ المتقدم، ولعل ابن إسحاق أُتي من قبل تدليسه، فقد عنعنه، ولم يصرح فيه بالسماع من محمد بن عمرو بن عطاء، والله أعلم.

• والحاصل بعد استثناء الشواذ والمناكير:

فإن حديث أبي هريرة هذا: حديث صحيح، وقد ثبت عن أبي هريرة من وجوه متعددة: في رفع اليدين [انظر ما تقدم تحت الحديث رقم (738)]، وفي التكبير في كل خفض ورفع [انظر ما تقدم تحت الحديث رقم (738)]، وفي السكوت بين التكبير والقراءة [ويأتي برقم (781) إن شاء الله تعالى].

وأما قوله: رفع يديه مَدًّا: يعني: ممدودة الأصابع [انظر: المغني (1/ 280)، المبدع (1/ 430)، الإنصاف (2/ 44)]، لا أنه يرفعها فوق رأسه [انظر: التمهيد (9/ 229)، الاستذكار (1/ 412)]، وبذا تأتلف أحاديث الباب في صفة رفع اليدين، والله أعلم.

• ومما روي أيضًا في كيفية رفع اليدين عند الافتتاح:

ما رواه محمد بن حرب [الواسطي النشائي: صدوق]: نا عمير بن عمران، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استفتح أحدكم الصلاة فليرفع يديه، وليستقبل بباطنهما القبلة؛ فإن الله أمامه".

ص: 319

أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 11/ 7801).

قال الطبراني بعد أن روى بعد هذا حديثًا آخر بهذا الإسناد: "لم يرو هذين الحديثين عن ابن جريج إلا عمير بن عمران، تفرد بهما: محمد بن حرب".

وقال البيهقي في السنن (2/ 27): "وقد رُوي في حديثِ أنه قال: "إذا استفتح أحدكم الصلاة فليرفع يديه، وليستقبل بباطنهما القبلة"، إلا أنه ضعيف، فضربتُ عليه".

قلت هو حديث باطل؛ فإن عمير بن عمران العلاف الحنفي: متروك، يحدث بالبواطيل؛ قال ابن عدي: "بصري، حدث بالبواطيل عن الثقات، وخاصة عن ابن جريج،

، والضعف بيِّنٌ على حديثه" [مسند البزار (11/ 354/ 5175)، ضعفاء العقيلي (3/ 318)، الكامل (5/ 70)، ضعفاء الدارقطني (380)، علل الدارقطني (4/ 194/ 502)، اللسان (6/ 128 و 236)].

وهو الذي روى أيضًا، قال: نا خزيمة بن أسد المزني [لم أعرفه]، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر يرفع يديه في الصلاة حتى يُرى أطراف أنامله من أطراف منكبيه.

أخرجه أبو بكر الدينوري في المجالسة وجواهر العلم (3167).

وهذا باطل كسابقه.

• وحاصل ما تقدم: مما صح من أحاديث رفع اليدين، في حدِّ الرفع، وإلى أين يبلغ بيديه:

فقد صح من حديث ابن عمر، وعلي بن أبي طالب، وأبي حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حتى حاذى بهما منكبيه.

وصح من حديث وائل بن حجر، ومالك بن الحويرث: أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حتى حاذى بهما أذنيه، وفي رواية لحديث مالك: حتى يبلغ بهما فروع أذنيه، وفي رواية: حتى يحاذي بهما فروع إذنيه.

وأن الرفع في المواضع الأربعة كلها سواء، ليس موضعٌ منها أرفعَ من موضع، سواء رفعهما بحذاء منكبيه، أو بحذاء أذنيه، والله أعلم.

• وفي خاتمة أبواب رفع اليدين في الصلاة، نسوق طرفًا من أقوال الأئمة في إثبات رفع اليدين، خلافًا لأهل الكوفة:

• قال ابن المنذر في الأوسط (3/ 147): "وحكى يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن مالك أنه سئل: هل يرفع يديه في الركوع في الصلاة؟ قال: نعم، فقيل: وبعد أن يرفع رأسه من الركوع؟ قال: نعم، قال: وهذا في سنة سبع وسبعين، قال يونس: وهي آخر سنة فارق فيها ابن وهب مالك.

وقال الأوزاعي: الذي بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اجتمع عليه علماء أهل الحجاز والشام والبصرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه حتى يكبر لافتتاح الصلاة،

ص: 320

ويرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع؛ إلا أهل الكوفة فإنهم خالفوا في ذلك. وممن قال بمثل ما ذكرناه عن أصحاب رسول الله والتابعين: الليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (9/ 213): "وروى ابن وهب والوليد بن مسلم وسعيد بن أبي مريم وأشهب وأبو المصعب عن مالك: أنه كان يرفع يديه على حديث ابن عمر هذا إلى أن مات"[وانظر: التمهيد (9/ 222)، الاستذكار (1/ 408)].

وقال ابن عساكر في تاريخ دمشق (52/ 179): "قال أبو عبد الله محمد بن جابر [يعني: ابن حماد الفقيه الحافظ]: فإن قال قائل: فإن مالك بن أنس لم يكن يرفع يديه إلا عند الافتتاح، وهو أحد أعلامكم الذين تقتدون به، قيل له: صدقت، هو من كبار من يقتدى به ويحتج به، وهو أهل لذلك رحمة الله عليه، ولكنك لست من العلماء بقوله؛ حدثنا حرملة بن عبد الله التجيبي: أنبأنا عبد الله بن وهب، قال: رأيت مالك بن أنس يرفع يديه إذا افتتح الصلاة وإذا ركع وإذا رفع من الركوع، قال أبو عبد الله: فذكرت ذلك لمحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، وهو نابَ أصحابَ مالكِ بمصر، والعالم بقوله، وما مات مالك عليه، فقال: هذا قول مالك، وفعله الذي مات عليه، وهو السنَّة، وأنا عليه، وكان حرملة على هذا".

• وقال الشافعي: "وبهذه الأحاديث تركنا ما خالفها من الأحاديث؛ لأنها أثبت إسنادًا منه، وأنها عدد، والعدد أولى بالحفظ من الواحد"[اختلاف الحديث (10/ 167 - أم].

وقال أيضًا: "والقول قول الذي قال: رأيته فعل؛ لأنه شاهد، ولا حجة في قول الذي قال: لم يره، والذي يحتج علينا بهذا القول في الأحاديث والشهادات، من قال: لم يفعل فلان؛ فليس بحجة، ومن قال: فعل؛ فهو حجة؛ لأنه شاهد، والآخر قد يغيب عنه ذلك، أو يحضره فينساه"[المعرفة (1/ 553)].

وقال الربيع بن سليمان: "قلت للشافعي: ما معنى رفع اليدين عند الركوع؟ فقال: مثل معنى رفعهما عند الافتتاح: تعظيمًا لله تعالى، وسُنَّة متبعة، نرجو فيها ثواب الله تعالى، ومثل رفع اليدين على الصفا والمروة وغيرهما"[الأم (8/ 545)، سنن البيهقي (2/ 82)، مختصر الخلافيات (2/ 71)].

• وقال إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله لأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه (186): "قلت: كيف يرفع يديه في الصلاة؟ قال: حذو منكبيه إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع. قال إسحاق: كما قال، ولا يفعل في شيء من السجود ذلك".

وقال عبد الله بن أحمد: "سألت أبي عن رفع اليدين في الصلاة؟ فقال: من رفع أفضل"[مسائله (251)].

وقال أيضًا: "سمعت أبي سئل عن الرفع في الصلاة؟ فقال: يرفع إذا رفع رأسه، ولا يرفع بين السجدتين"[مسائله (253)].

ص: 321

وقال أبو القاسم البغوي في مسائله (1): "رأيت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع فعل ذلك".

وفي مسائل ابن هانئ (236)، قال:"سئل: إذا نهض الرجل من الركعتين، يرفع يديه؟ قال: إن فعله فما أقربه، فيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو حميد، وأحاديث صحاح، ولكن قال الزهري في حديثه: ولم يفعل في شيء من صلاته، وأنا لا أفعله".

وقال أبو داود في مسائله (234): "رأيت أحمد يرفع يديه عند الركوع، وعند الرفع من الركوع، كرفعه عند الاستفتاح يحاذيان أذنيه، وربما قصر عن رفع الاستفتاح".

وقال أيضًا (236): "سمعت أحمد سئل عن الرفع إذا قام من الثنتين؟ قال: أما أنا فلا أرفع يدي، فقيل له: بين السجدتين أرفع يدي؟ قال: لا".

وقال ابن رجب في الفتح (4/ 324): "وقال أحمد بن أصرم المزني: رأيت أحمد يرفع يديه في كل خفض ورفع، وسئل عن رفع اليدين إذا قام من الركعتين؟ فقال: قد فعل، وحمل القاضي أبو يعلى هذه الرواية على الجواز دون الاستحباب، ونقل المروذي عن أحمد، قال: لا يرفع يديه بين السجدتين، فإن فعل فهو جائز، ونقل جعفر بن محمد عن أحمد، قال: يرفع يديه في كل موضع، إلا بين السجدتين".

وانظر: مسائل صالح (538 و 549 و 1244 و 1246 و 1247)، مسائل الكوسج (3458).

• وقال الكوسج في مسائله (472): "قال إسحاق: وأما رفع اليدين عند الركوع فإن ذلك سُنَّة، يرفع يديه عند افتتاح الصلاة حذو منكبيه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه، ولا يفعل ذلك في السجود، ولا من السجدتين".

• وقال الحسن وحميد بن هلال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم"[رفع اليدين للبخاري (10 و 64 و 65)].

قال البخاري في رفع اليدين (11 و 66): "فلم يستثن [الحسن وحميد بن هلال] أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دون أحد، ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرفع يديه".

قلت: وأما ما رواه تميم بن عبد الله أبو محمد الرازي: نا الحسن بن قزعة: نا الحارث بن أبي الزبير مولى النوفليين، عن إسماعيل بن قيس، عن أبي حازم قال: رأيت سهل بن سعد الساعدي في ألف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في كل خفض ورفع.

أخرجه ابن الأعرابي في المعجم (2/ 633/ 1256)، ومن طريقه: ابن عساكر في تاريخ دمشق (22/ 24).

ص: 322

فهو منكر؛ قال ابن عساكر بعد أن أورده في ترجمة أبي حازم سلمة بن دينار: "قد أنكره أن يكون سمع من غير سهل بن سعد".

قال أبو زرعة: "نا يحيى بن صالح، قال: قلت لابن أبي حازم: سمع أبوك من أبي هريرة؟ فقال: من حدثك أن أبي سمع من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير سهل بن سعد فقد كذب"، قال أبو زرعة:"أبو حازم الأعرج لم يسمع من صحابي إلا من سهل بن سعد"[تاريخ دمشق (22/ 24)، التهذيب (2/ 71)، تحفة التحصيل (132)].

ثم إن إسناده لا يصح؛ فإن إسماعيل بن قيس أبا مصعب الأنصاري: منكر الحديث [اللسان (2/ 161)]، وشيخ ابن الأعرابي؛ تميم بن عبد اللّه أبو محمد الرازي: لم أقف له على ترجمة، ولم يترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وفي روايته ما يستنكر [انظر: معجم ابن الأعرابي (1253 - 1257)]، والله أعلم.

وقال البخاري في رفع اليدين أيضًا (16): "وكان عبد اللّه بن الزبير [يعني: شيخه الحميدي]، وعلي بن عبد الله [يعني: شيخه ابن المديني]، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم [يعني: ابن راهويه]: يثبتون عامة هذه الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرَونها حقًّا، وهؤلاء أهل العلم من أهل زمانهم".

وقال في موضع آخر (84): "ولم يثبت عند أهل النظر ممن أدركنا من أهل الحجاز وأهل العراق، منهم: عبد الله بن الزبير، وعلي بن عبد الله بن جعفر، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وهؤلاء أهل العلم من أهل زمانهم، فلم يثبت عند أحد منهم علمنا في ترك رفع الأيدي عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرفع يديه".

وقال أيضًا (87): "وكان ابن المبارك يرفع يديه، وهو أكثر أهل زمانه علمًا فيما نعرف، فلو لم يكن عند من لا يعلم من السلف علمٌ فاقتدى بابن المبارك فيما اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين؛ لكان أولى به من أن يقتدي [وفي نسخة: يثبته] بقول من لا يعلم".

ثم روى البخاري رفع الأيدي عن أعلام أئمة الإسلام من الصحابة والتابعين وتابعيهم، ثم قال (121):"وهؤلاء أهل مكة، وأهل المدينة، وأهل اليمن، وأهل العراق قد تواطؤوا على رفع الأيدي"، ثم رواه عن جماعات آخرين، ثم قال (132): "من زعم أن رفع الأيدي بدعة فقد طعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف، ومن بعدهم، وأهل الحجاز، وأهل المدينة، وأهل مكة، وعدة من أهل العراق، وأهل الشام، وأهل اليمن، وعلماء أهل خراسان، منهم ابن المبارك، حتى شيوخنا،

"، إلى أن قال (135): "ولم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يرفع يديه، وليس أسانيده أصح من رفع الأيدي" [وانظر: المجموع شرح المهذب (3/ 362)، البدر المنير (3/ 504)].

• وقال الترمذي في الجامع (256): "وبهذا يقول بعض أهل العلم من أصحاب

ص: 323

النبي صلى الله عليه وسلم منهم: ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وأنس، وابن عباس،

وعبد الله بن الزبير، وغيرهم.

ومن التابعين: الحسن البصري، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، ونافع، وسالم بن عبد الله، وسعيد بن جبير، وغيرهم.

وبه يقول: مالك، ومعمر، والأوزاعي، وابن عيينة، وعبد الله بن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.

وقال عبد الله بن المبارك: قد ثبت حديث من يرفع يديه، وذكر حديث الزهري عن سالم عن أبيه، ولم يثبت حديث ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع إلا في أول مرة".

• وقال ابن المنذر في الأوسط (3/ 150): "وفي ثبوت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قد ذكرناه عنه في أول الباب مستغنى عن قول من سواه [يعني: حديث ابن عمر المتفق عليه، وحديث علي بن أبي طالب المتقدم برقم (744)، وما كان في معناهما]، فإن اعتلَّ مُعتلُّ بخبرِ رُوي عن ابن مسعود؛ أنه كان يرفع إذا افتتح الصلاة، فلو ثبت هذا عن ابن مسعود، لم يكن حجةً على الأخبار التي ذكرناها؛ لأن عبد الله إذا ما حفظ، وحفظ علي بن أبي طالب وابن عمر وغيرهما، وأبو حميد في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: الزيادةَ التي ذكرناها عنهم، فغيرُ جائزٍ تركُ الزيادة التي حفظها هؤلاء من أجل أن ابن مسعود لم يحفظها، خفيت تلك الزيادة عليه؛ كما خفي عليه السُّنَّة في وضع اليدين على الركبتين، وكان يطبق يديه على فخذيه، وتبعه عليه أصحابه، والسُّنَّة التي نُقِل الناسُ إليها: وضع اليدين على الركبتين.

فلما جاز أن يخفى مثل هذه السُّنَّة التي عليها المسلمون اليوم جميعًا -لا نعلمهم اليوم يختلفون فيه- على ابن مسعود، ليجوز أن يخفى عليه ما حفظه أولئك، وأقل ما يجب على من نصح نفسه أن ينزل هذا الباب منزلة اختلاف أسامة وبلال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة، أثبتَ بلالٌ صلاةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة، ونفى ذلك أسامةُ، وحَكَم الناسُ لبلالِ لأنه شاهدٌ، ولم يحكموا لأسامة لأنه نفى شيئًا حفظه غيره.

وكذلك يجب أن يكون حالُ حديث ابن مسعود في اقتصاره على ما حفظه، وحالُ من حفظ ما لم يحفظه ابن مسعود: أن تَثبُت الزيادة التي زادوها؛ لأنهم حفظوا ما لم يحفظ عبد الله بن مسعود، وهذا الذي قلناه بيِّنٌ واضحٌ لمن وفقه الله للقول بالصواب واتباع السنن".

• وقال الخطابي في معالم السنن (1/ 167): "والأحاديث الصحيحة التي جاءت بإثبات رفع اليدين عند الركوع، وبعد رفع الرأس منه: أولى من حديث ابن مسعود، والإثبات أولى من النفي.

وقد يجوز أن يذهب ذلك على ابن مسعود كما قد ذهب عليه الأخذ بالركبة في الركوع، وكان يطبق بيديه على الأمر الأول، وخالفه الصحابة كلهم في ذلك".

ص: 324

• وقال ابن عبد البر في الاستذكار (1/ 407): "معنى رفع اليدين عند الافتتاح وغيره: خضوع، واستكانة، وابتهال، وتعظيم لله تعالى، واتباع لسُنَّة رسوله عليه السلام، وليس بواجب، والتكبير في كل رفع وخفض أوكد منه، وقد قال بعض العلماء: إنه من زينة الصلاة".

وقال في التمهيد (9/ 216): "وحجة من رأى الرفع عند كل خفض ورفع: حديث ابن عمر المذكور في هذا الباب، وهو حديث ثابت، لا مطعن فيه عند أحد من أهل العلم بالحديث، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما رواه ابن عمر: ثلاثة عشر رجلًا من الصحابة رحمهم الله، ذكر ذلك جماعة من المصنفين وأهل الحديث، منهم: أبو داود، وأحمد بن شعيب، والبخاري، ومسلم، وغيرهم، وأفرد لذلك بابًا: أبو بكر أحمد بن عمرو البزار، وصنف فيه كتابًا: أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي، وروي ذلك عن جماعة من الصحابة،

".

• وقال البغوي في شرح السُّنَّة (3/ 22): "ورفع اليدين حذو المنكبين في هذه المواضع الأربع متفق على صحته، يرويه جماعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم: عمر، وعلي بن أبي طالب، ووائل بن حجر، وأنس، وأبو هريرة، ومالك بن الحويرث، وأبو حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبه يقول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: أبو بكر، وعلي، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وجابر، وأبو هريرة، وأنس، وعبد الله بن الزبير، وغيرهم، وإليه ذهب من التابعين: الحسن البصري، وابن سيرين، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وسعيد بن جبير، ونافع، وقتادة، ومكحول، وغيرهم، وبه قال: الأوزاعي، ومالك في آخر أمره، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.

قلت: ولم يذكر الشافعي رفع اليدين عند القيام من الركعتين؛ لأنه بنى قوله على حديث ابن شهاب عن سالم، ومذهبه اتباع السُّنَّة إذا ثبتت، وثبت رفع اليدين عند القيام من الركعتين برواية عبيد الله بن عمر، عن نافع، وسائر الروايات.

وذهب قوم إلى أنه لا يرفع يديه إلا عند الافتتاح، يروى ذلك عن الشعبي، والنخعي، وبه قال: ابن أبي ليلى، وسفيان الثوري، وأصحاب الرأي، واحتجوا بما روي عن عبد الله بن مسعود قال: ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى ولم يرفع يديه إلا أول مرة.

وروي عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه، ثم لا يعود.

قلت: وأحاديث رفع اليدين في المواضع الأربع أصح وأثبت، فاتباعها أولى"، ثم نقل أقوال الأئمة في رد هذين الحديثين.

ص: 325

• وقال ابن رجب في الفتح (4/ 296): "والرفع في افتتاح الصلاة سُنَّة مسنونة، وليس بركن ولا فرض عند جمهور العلماء، ولا تبطل الصلاة بتركه عند أحد منهم".

وقال أيضًا (4/ 303): "لم يخرج البخاري في صحيحه في رفع اليدين غير حديث ابن عمر وحديث مالك بن الحويرث، وقد أفرد للرفع كتابًا، خرج فيه الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة، وكذلك صنف في الرفع غير واحد من أئمة أهل الحديث، منهم: النسائي، ومحمد بن نصر المروزي، وغيرهما.

وسبب اعتنائهم بذلك: أن جميع أمصار المسلمين؛ كالحجاز واليمن ومصر والعراق كان عامة أهلها يرون رفع الأيدي في الصلاة عند الركوع والرفع منه، سوى أهل الكوفة، فكانوا لا يرفعون أيديهم في الصلاة، إلا في افتتاح الصلاة خاصة، فاعتنى علماء الأمصار بهذه المسألة، والاحتجاج لها، والرد على من خالفها.

قال الأوزاعي: ما اجتمع عليه علماء أهل الحجاز والشام والبصرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر لافتتاح الصلاة، وحين يكبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع، إلا أهل الكوفة، فإنهم خالفوا في ذلك أئمتهم، خرجه ابن جرير وغيره، وقال البخاري في كتابه رفع اليدين بعد أن روى الآثار في المسألة: فهؤلاء أهل مكة والمدينة واليمن والعراق قد اتفقوا على رفع الأيدي.

وقال محمد بن نصر المروزي: لا نعلم مصرًا من الأمصار تركوا الرفع بأجمعهم في الخفض والرفع منه، إلا أهل الكوفة،

وحديث الزهري، عن سالم، عن ابن عمر: مما اتفق العلماء كلهم على صحته وتلقيه بالقبول، وعليه اعتمد أئمة الإسلام في هذه المسألة، منهم: الأوزاعي وابن المبارك، وقال: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك قال الشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم"، ثم ذكر تفصيلًا عن مالك، وذكر فِرَق الناس في هذه المسألة، وأسهب في الكلام عليها.

ولسنا بصدد الرد على شبه القائلين بعدم رفع اليدين إلا في تكبيرة الافتتاح، وقد تصدى للتصنيف في ذلك جهابذة العلماء، فممن أفرد مصنفًا في الرد عليهم: إمام المحدثين وجبل الحفظ؛ محمد بن إسماعيل البخاري، ومحمد بن نصر المروزي، وأبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي، والنسائي، وممن أفرد له بابًا، أو أطال في إبطال شبهتهم: أبو داود، والبزار، وابن حبان، والدارقطني، وأبو نعيم الأصبهاني [صحيح ابن حبان (5/ 170 - 200)، سنن الدارقطني (1/ 287 - 295)، المحلى (4/ 93)، الاستذكار (2/ 125)، التحبير في المعجم الكبير (1/ 179)][وانظر أيضًا: التحقيق (1/ 331)، الموضوعات (2/ 23)، المغني (1/ 294)، المجموع شرح المهذب (3/ 354)، البدر المنير (3/ 480)].

***

ص: 326