المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌120 - باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٨

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌109 - باب ما ينهي عنه من المرور بين يدي المصلي

- ‌110 - باب ما يقطع الصلاة

- ‌111 - باب سُترة الإمام سترةُ مَن خلفَه

- ‌112 - باب من قال: المرأة لا تقطع الصلاة

- ‌(1/ 462)].***113 -باب من قال: الحمار لا يقطع الصلاة

- ‌114 - باب من قال: الكلب لا يقطع الصلاة

- ‌115 - باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء

- ‌أبواب تفريع استفتاح الصلاة

- ‌116 - باب رفع اليدين

- ‌117 - باب افتتاح الصلاة

- ‌118 - باب من ذكر أنَّه يرفع يديه إذا قام من اثنتين

- ‌119 - باب من لم يذكر الرفع عند الركوع

- ‌120 - باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة

- ‌121 - باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء

- ‌(13/ 496/ 14370)].***122 -باب من رأى الاستفتاح بسبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك

- ‌123 - باب السكتة عند الافتتاح

- ‌124 - باب ما جاء في من لم ير الجهر بـ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}

- ‌125 - باب ما جاء في من جهر بها

- ‌126 - باب تخفيف الصلاة للأمر يحدث

- ‌127 - باب في تخفيف الصلاة

- ‌128 - باب ما جاء في نقصان الصلاة

- ‌(1/ 116/ 444)].***129 -باب ما جاء في القراءة في الظهر

الفصل: ‌120 - باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة

‌120 - باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة

754 -

. . . قال أبو داود: حدثنا نصر بن علي: أخبرنا أبو أحمد، عن العلاء بن صالح، عن زُرْعة بن عبد الرحمن، قال: سمعت ابن الزبير، يقول: صفُّ القدمين، ووضعُ اليد على اليد: من السُّنَّة.

• حديث ضعيف.

أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (2/ 30)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 73).

وأخرجه الطبراني في الكبير (14/ 248/ 14881)، ومن طريقه: الضياء في المختارة (9/ 301/ 257).

من طريق: عمرو بن محمد الناقد [ثقة حافظ]، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري [ثقة ثبت]، قال: حدثنا العلاء بن صالح، قال: حدثنا زرعة بن عبد الرحمن، قال: سمعت عبد الله بن الزبير، يقول: صفُّ القدمين، ووضع اليد على اليد في الصلاة: من السُّنَّة.

ورواه المزي في التهذيب (9/ 350) من طريق: أحمد بن عصام [بن عبد المجيد الأنصاري: ثقة. الجرح والتعديل (2/ 66)، طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 40)، تاريخ أصبهان (1/ 119)، السير (13/ 41)]، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا العلاء بن صالح، عن زرعة، قال: سمعت ابن الزبير، يقول: وضع الأيدي على الأيدي، وصف القدمين: من السُّنَّة.

وأخرجه الدارقطني في الأفراد (1/ 606/ 3545 - أطرافه).

وقال: "غريب من حديث عبد الله بن الزبير، تفرد به: العلاء بن صالح عن زرعة عنه، وتفرد به: أبو أحمد الزبيري عن العلاء".

وقال النووي في المجموع (3/ 258)، وفي الخلاصة (1091):"رواه أبو داود بإسناد حسن"، وجوَّد إسناده ابن الملقن في البدر المنير (3/ 512).

قلت: زرعة بن عبد الرحمن، أو: زرعة أبو عبد الرحمن: روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (3/ 440)، الجرح والتعديل (3/ 605)، الثقات (4/ 268)، التهذيب (1/ 630)]، وقد ترجم له البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان فلم يذكروا أباه، فقالوا: زرعة، أبو عبد الرحمن، يروي عن ابن عباس [في المذي والودي والوضوء]، روى عنه مالك بن مغول، حسب، وأخشى ألا يكون هو نفسه الذي روى عن ابن الزبير، ولا عنه: العلاء بن صالح، والقول بأنهما اثنان قول قوي، فالله أعلم.

وأيًّا كان، فهو قليل الرواية جدًّا، كأن ماله عن ابن عباس سوى ما رواه عنه في

ص: 327

المذي، وما له عن ابن الزبير سوى هذا الحديث، هذا لو كانا واحدًا، فكيف لو كانا اثنين، وعليه: فإن زرعة بن عبد الرحمن هذا: مجهول الحال.

والراوي عنه: العلاء بن صالح الكوفي: لا بأس به، وقال ابن المديني:"روى أحاديث مناكير"[التهذيب (3/ 344)، الميزان (3/ 101)]، ولعل هذا من مناكيره.

فهو حديث ضعيف.

روقد رُوي شقه الأول من فعل ابن الزبير، ولا يصح أيضًا:

فقد روى هشام بن عروة، قال: أخبرني من رأى ابن الزبير يصلِّي قد صفَّ بين قدميه، وألزق إحداهما بالأخرى.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 110/ 7070 و 7071).

• وقد رُوي ما يعارض شقَّه الأول من حديث ابن مسعود:

فقد روى الأعمش، وميسرة بن حبيب:

عن المنهال بن عمرو، عن أبي عبيدة: أن عبد الله رأى رجلًا يصلِّي قد صفَّ بين قدميه، فقال: خالف السُّنَّة، ولو راوح بينهما كان أفضل. وفي رواية: أخطأ السُّنَّة، ولو راوح بينهما كان أعجب إليَّ.

وفي أخرى: رأى عبد الله رجلًا يصلِّي صافًا بين قدميه، فقال: لو راوح هذا بين قدميه كان أفضل.

أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 128/ 892 و 893)، وفي الكبرى (1/ 968/464 و 969)، وعبد الرزاق (2/ 265/ 3306)، وابن أبي شيبة (2/ 109/ 7061 و 7062)، والطبراني في الكبير (9/ 270/ 9346 - 9348)، والبيهقي (2/ 288).

قال النسائي: "أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، والحديث جيد".

وترجم له بقوله: "الصف بين القدمين في الصلاة".

وقال البيهقي: "وحديث ابن الزبير موصول، وحديث أبي عبيدة عن أبيه مرسل".

قلت: حديث ابن الزبير موصول لكن بإسناد ضعيف؛ وهو حديث غريب، وأما حديث ابن مسعود فرجال إسناده ثقات، وهو حديث مشهور، وقد جوَّده النسائي، واحتج به.

وأبو عبيدة: لم يسمع من أبيه، وكان ابن سبع سنين يوم مات أبوه [جامع الترمذي (17 و 179 و 366 و 622 و 1061 و 1714 و 3084)، سنن النسائي (3/ 104/ 1404)، شرح المعاني (1/ 95)، معرفة الثقات (1753)، المعرفة والتاريخ (2/ 148 و 149 و 551)، المراسيل (256)، تحفة التحصيل (165)، التهذيب (2/ 268)]، وقال الدارقطني لما سئل: سماع أبي عبيدة عن أبيه صحيح؟ قال: "يُختلف فيه، والصحيح عندي أنه لم يسمع منه، ولكنه كان صغيرًا بين يديه"[العلل (5/ 308/ 903)، البدر المنير (6/ 594)].

وقال الدارقطني في السنن (3/ 172 و 173) في حديث لأبي عبيدة عن أبيه: "وهذا

ص: 328

إسناد حسن، ورواته ثقات"، ثم رواه من حديث خشف بن مالك عن ابن مسعود، ثم قال: "هذا حديث ضعيف، غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث من وجوه عدة، أحدها: أنه مخالف لما رواه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، بالسند الصحيح عنه الذي لا مطعن فيه، ولا تأويل عليه، وأبو عبيدة أعلم بحديث أبيه، وبمذهبه وفتياه من خشف بن مالك ونظرائه،

".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "ويقال: إن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن هو عالم بحال أبيه، متلق لآثاره من أكابر أصحاب أبيه،

، ولم يكن في أصحاب عبد الله من يُتَّهم عليه حتى يخاف أن يكون هو الواسطة، فلهذا صار الناس يحتجون برواية ابنه عنه، وإن قيل أنه لم يسمع من أبيه" [مجموع الفتاوى (6/ 404)].

وقال ابن رجب في الفتح (5/ 60): "وأبو عبيدة: لم يسمع من أبيه، لكن رواياته عنه صحيحة".

وقال أيضًا (6/ 14): "وأبو عبيدة: لم يسمع من أبيه، لكن رواياته عنه أخذها أهل بيته، فهي صحيحة عندهم".

وقال في شرح العلل (1/ 544): "قال ابن المديني في حديث يرويه أبو عبيدة عبد الله بن مسعود عن أبيه: هو منقطع، وهو حديث ثبت.

قال يعقوب بن شيبة: إنما استجاز أصحابنا أن يدخلوا حديث أبي عبيدة عن أبيه المسند؛ يعني: في الحديث المتصل، لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه، وصحتها، وأنه يأت فيها بحديث منكر".

فتحصل من مجموع هذه النقول: احتجاج الأئمة بحديث أبي عبيدة عن أبيه، تصريحهم بأنه لم يسمع منه، وذلك لكونه أخذ هذه الأحاديث عن كبار أصحاب مسعود، وأهل بيته، وليس فيهم مجروح، وأنه لم يرو فيها منكرًا.

وعليه: فإن حديث ابن مسعود في المراوحة بين القدمين: حديث جيد؛ كما النسائي، بخلاف حديث ابن الزبير في صف القدمين، فإنه حديث ضعيف.

وقد ذهب أحمد وإسحاق إلى العمل بحديث ابن مسعود، وترك العمل بحديث الزبير، قال إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله (212):"قلت: يَصُفَّنَّ بين قدميه، يراوح بينهما؟ قال: بل يراوح. قال إسحاق: كما قال".

وقال ابن المنذر في الأوسط (3/ 276): "كان مالك وأحمد بن حنبل وإسحاق: لا يرون بأسًا أن يراوح المصلي بين قدميه، وكذلك نقول"[وانظر: المغني (1/ 369)].

• وقد روي هذا المعنى مرفوعًا من حديث علي بن أبي طالب، ولا يصح:

رواه كيسان أبو عمر، عن يزيد بن بلال، عن علي، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يراوح قدميه، يقوم على كل رِجْلٍ، حتى نزلت:{مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)} [طه: 2].

أخرجه البزار (3/ 136/ 926).

ص: 329

قال البزار: "وأحاديث يزيد بن بلال عن علي لا نعلم لها طرقًا إلا من حديث كيسان أبي عمر".

قلت: إسناده ضعيف جدًّا، وهو حديث منكر؛ يزيد بن بلال بن الحارث الفزاري: قال البخاري: "فيه نظر"، وقال ابن حبان:"منكر الحديث، يروي عن عليٍّ ما لا يشبه حديثه، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، وإن اعتبر به معتبر فيما وافق الثقات من غير أن يحتج به لم أر بذلك بأسًا"، وقال العجلي:"ثقة"[التهذيب (4/ 406)، الميزان (4/ 420)، معرفة الثقات (2006)، المجروحين (3/ 105)، الكامل (7/ 279)]، وكيسان أبو عمر القصار: ضعيف [التهذيب (3/ 478)، الميزان (3/ 417)].

***

755 -

. . . هشيم بن بشير، عن الحجاج بن أبي زينب، عن أبي عثمان النهدي، عن ابن مسعود، أنه كان يصلي فوضع يده اليسرى على اليمنى، فرآه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فوضع يدَه اليمنى على اليسرى.

• حديث ضعيف.

أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 126/ 888)، وفي الكبرى (1/ 462/ 964)، وابن ماجه (811)، وبحشل في تاريخ واسط (94)، وأبو يعلى (8/ 455/ 5041)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 283 - 284)، والسهمي في تاريخ جرجان (154)، وابن عدي في الكامل (2/ 230)، والدارقطني (1/ 286 - 287)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (10/ 311)، وابن حزم في المحلى (4/ 113)، والبيهقي (2/ 28)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 72).

ولفظه عند النسائي: رآني النبي صلى الله عليه وسلم وقد وضعت شمالي على يميني في الصلاة، فأخذ يميني فوضعها على شمالي.

قال النسائي: "غير هشيم أرسل هذا الحديث".

وقال العقيلي: "لا يتابع عليه، وهذا المتن قد روي بغير هذا الإسناد بإسناد صالح: في وضع اليمين على الشمال في الصلاة".

وقال ابن عبد البر: "أرسله يزيد بن هارون عن الحجاج عن أبي عثمان، وهشيم: أحفظ من الذي أرسله".

وقال النووي في الخلاصة (1090)، وفي المجموع (3/ 258):"رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم".

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 224): "إسناده حسن".

قلت: اختلف في هذا الحديث على الحجاج بن أبي زينب:

ص: 330

أ- فرواه هشيم بن بشير [ثقة ثبت]، عن الحجاج بن أبي زينب، عن أبي عثمان النهدي، عن ابن مسعود به.

ب- ورواه يزيد بن هارون [ثقة متقن]، قال: أخبرنا الحجاج بن أبي زينب، قال: حدثني أبو عثمان؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ برجل يصلِّي، وقد وضع شمالَه على يمينِه، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يمينَه فوضعها على شمالِه.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 343/ 3943)، وابن عدي في الكامل (2/ 230).

ج - ورواه محمد بن الحسن المزني الواسطي [ثقة]، عن الحجاج بن أبي زينب، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم برجلٍ وهو يصلي، وقد وضع يده اليسرى على اليمنى، فانتزعها، ووضع اليمنى على اليسرى.

أخرجه أحمد (3/ 381)، وبحشل في تاريخ واسط (94)، والطبراني في الأوسط (8/ 27/ 7857)، وابن عدي في الكامل (2/ 230)، والدارقطني (1/ 287).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أبي سفيان إلا الحجاج بن أبي زينب، ولا عن الحجاج إلا محمد بن الحسن، تفرد به: وهب بن بقية، ورواه هشام عن الحجاج بن أبي زينب عن أبي عثمان عن أبي هريرة".

قلت: لم ينفرد به وهب، بل تابعه عليه عن محمد بن الحسن: الإمامان أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وهشيم [ليس هشام] إنما رواه عنه من مسند ابن مسعود، لا من مسند أبي هريرة.

روتابعه على هذا الوجه: محمد بن يزيد الكلاعي الواسطي [ثقة ثبت]، عن الحجاج بن أبي زينب، عن أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجلٍ

فذكره مثله.

أخرجه بحشل في تاريخ واسط (94)، قال: حدثنا عمار بن خالد [الواسطي التمار: ثقة]، قال: ثنا محمد بن يزيد به.

لكن هذه الرواية وهمٌ، والمحفوظ عن محمد بن يزيد الكلاعي مثل حديث هشيم:

فقد رواه عن عمار بن خالد به هكذا: أسلم بن سهل الواسطي، لقبه بحشل [حافظ مصنف مؤرخ، وثقه خميس الحوزي وغيره، وليَّنه الدارقطني، فقال: "تكلموا فيه"، سؤالات الحاكم (106)، سؤالات السلفي (111)، السير (13/ 553)، اللسان (2/ 97)].

وتابعه على هذا الوجه: أبو نعيم ضرار بن صرد الكوفي الطحان [ضعيف، تركه البخاري والنسائي، وكذبه ابن معين. التهذيب (2/ 227)، الميزان (2/ 327)]، فرواه عن الواسطي به هكذا من مسند جابر.

ذكره الرافعي في التدوين (3/ 250).

• خالف بحشلًا في إسناده: ابنُ صاعد [يحيى بن محمد بن صاعد: ثقة حافظ إمام]، وأبو الحسن علي بن العباس بن الوليد البجلي المقانعي [ثقة. سؤالات السهمي

ص: 331

315 -

، سؤالات الحاكم (136)، الأنساب (5/ 361)، السير (14/ 430)]:

قالا: حدثنا عمار بن خالد: حدثنا محمد بن يزيد [الواسطي]، عن الحجاج بن أبي زينب السلمي، عن أبي عثمان النهدي، عن عبد الله بن مسعود، قال: مرَّ به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، واضعًا شمالَه على يمينه، فأخذ بيمينه فوضعها على شماله.

أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 230)، والدارقطني (1/ 287)، قال: وذكره ابن صاعد. والخطيب في التاريخ (12/ 397).

قال ابن عدي: "وللحجاج غير ما ذكرت من الحديث قليل، يروي عنه أهل واسط، وأرجو أنه لا بأس فيما يرويه".

• وتابع عمار بن خالد على هذا الوجه الأخير:

محمد بن العباس الضبعي [شيخ للبزار، لم أعرفه]، وعبد الله بن محمد الخطابي [هو عبد الله بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب، أبو محمد، وقيل: أبو عمر الخطابي: ثقة. الثقات (8/ 356)، تاريخ بغداد (10/ 21)، الأنساب (2/ 381)، المنتظم (14/ 67)، تاريخ الإسلام (17/ 219)، التهذيب (2/ 390)]:

قال الضبعي: نا محمد بن يزيد الواسطي، قال: نا الحجاج بن أبي زينب، عن أبي عثمان، عن عبد الله، قال: مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وضعت شمالي على يميني، فأخذ بميني فوضعها على شمالي.

وفي رواية الخطابي: عن ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ به، وهو واضع شماله على يمينه، فأخذ يمينه فوضعها على شماله في الصلاة.

أخرجه البزار (5/ 270/ 1885)، والخطيب في التاريخ (10/ 105).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن أبي عثمان عن عبد الله: إلا الحجاج بن أبي زينب، وهو رجل واسطي: روى عنه هشيم ويزيد بن هارون ومحمد بن يزيد".

قلت: فظهر بذلك أن محمد بن يزيد الكلاعي الواسطي قد تابع هشيمًا في هذا الحديث، كما قال الدارقطني ويأتي نقل كلامه.

• قال عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 369): "الحجاج: ليس بقوي، ولا يتابع على هذا، وقد روي عنه عن أبي سفيان، عن جابر: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قد وضع شماله على يمينه، مثله، ورواه محمد بن الحسن الواسطي عن الحجاج، ذكر ذلك أبو أحمد بن عدي".

وقال في الأحكام الكبرى (2/ 192): "أرسله غير هشيم، والحجاج بن أبي زينب ليس بالقوي".

وتعقبه ابن القطان فأبعد النجعة حيث وثَّق حجاجًا، وقال:"فالحديث إذن: صحيح أو حسن من الطريقين جميعًا، أعني طريق أبي عثمان عن ابن مسعود، وطريق أبي سفيان عن جابر؛ فاعلم ذلك"[بيان الوهم (5/ 341/ 2517)].

ص: 332

وقد سئل الدارقطني عن هذا الحديث فقال: "يرويه حجاج بن أبي زينب، ويكنى أبا يوسف واسطي، عن أبي عثمان، عن ابن مسعود مرفوعًا، قاله هشيم، ومحمد بن يزيد الواسطي عنه.

وخالفهما: محمد بن الحسن الواسطي، فرواه عن حجاج بن أبي زينب، عن أبي سفيان، عن جابر، ووهم فيه، وقول هشيم عنه: أصح" [العلل (5/ 338/ 933)].

قلت: وخالفهم أيضًا كما تقدم ذكره: يزيد بن هارون، وهو: ثقة حافظ، ثبت متقن، فرواه عن حجاج مرسلًا.

وهذا اضطراب من الحجاج بن أبي زينب، وهو قليل الحديث، وقد اختلف فيه النقاد، فقال أحمد لما سئل عنه:"أخشى أن يكون ضعيف الحديث"، وقال علي بن المديني:"شيخ من أهل واسط، ضعيف"، وقال النسائي:"ليس بالقوي"، ونقل عنه مغلطاي غير ذلك وأظنه وهمًا، وقال يحيى بن معين:"ليس به بأس"، وفي رواية:"ثقة"، وقال أبو داود:"ليس به بأس"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن عدي بعد أن ذكر الاختلاف عليه في هذا الحديث:"وللحجاج غير ما ذكرت من الحديث قليل، يروي عنه أهل واسط، وأرجو أنه لا بأس فيما يرويه"، وهذا مما يدل على أنه قد استنكر عليه هذا الحديث؛ إذ الغالب عليه ذكر مناكير الرجل وما يُضعَّف من أجله، وقوله:"وأرجو أنه لا بأس فيما يرويه" ليس دليلًا على تعديل الراوي دائمًا، فإن ابن عدي وإن كان يقول هذه العبارة على جهة تعديل الراوي أحيانًا، مثل ما قال في ترجمة أوس بن عبد الله أبي الجوزاء (1/ 411):"وأرجو أنه لا بأس به"، ثم قال:"وأحاديثه مستقيمة مستغنية عن أن أذكر منها شيئًا في هذا الموضع"، فإنه غالبًا ما يستعمل هذه العبارة فيمن هو متكلَّم فيه، وليس بالواهي، ممن ضعفُه محتمل، أو الغالب عليه الصدق في الرواية، وقد وثقه جماعة، ويقول في أمثالهم ابن حجر في التقريب:"صدوق يخطئ"، ويقولها ابن عدي أيضًا في جماعة ممن ضعفهم هو وغيره، وبعضهم من المتروكين والهلكى، حتى قال العلامة المعلمي اليماني في الفوائد المجموعة (459):"ليس هذا بتوثيق، وابن عدي يذكر منكرات الراوي، ثم يقول: أرجو أنه لا بأس به؛ يعني بالبأس: تعمد الكذب، ودُرُست واهٍ جدًّا"[العلل ومعرفة الرجال (1/ 553/ 1317)، تاريخ ابن معين للدوري (4/ 379/ 4875)، التاريخ الكبير (2/ 376)، الجرح والتعديل (3/ 161)، تاريخ واسط (94)، ضعفاء العقيلي (1/ 283)، ثقات ابن حبان (6/ 202)، الكامل (2/ 230)، تاريخ أسماء الثقات (252)، الكنى والأسماء للدولابي (3/ 1168)، الأنساب (3/ 575)، ضعفاء ابن الجوزي (769)، بيان الوهم (5/ 340)، السير (7/ 75)، المغني (1/ 150)، الميزان (1/ 462)، إكمال مغلطاي (3/ 394)، التهذيب (1/ 358)].

وهذا الحديث قد ضعفه الدارقطني نفسه في السنن حيث قال في الحجاج: "ليس بقوي، ولا حافظ"، ولكن سقط نقده من السنن المطبوعة، وهو في تخريج الغساني

ص: 333

198 -

، وفي من تكلم فيه الدارقطني في كتاب السنن لابن زريق (76)، وقد قال الدارقطني في الحجاج في غير هذا الموضع:"يروي عنه الواسطيون: ثقة"[سؤالات البرقاني (107)، التهذيب (1/ 358)].

وحجاج هذا على قلة ما يروي من الحديث: له ما قد خالف فيه الثقات، وانفرد عنهم بما لا يتابع عليه، مما يؤكد سوء حفظه، وعدم ضبطه، وأن مثله لا يحتج به على انفراده، لا سيما مع تضعيف بعض الأئمة له وتليينهم له، انظر مثلًا: التاريخ الكبير (2/ 376)، علل الدارقطني (8/ 262/ 1559).

وبذا يتبين أن الاختلاف الواقع في إسناد هذا الحديث إنما هو اضطراب من حجاج بن أبي زينب نفسه، وليس اختلافًا من الرواة عنه؛ فإنهم كلهم ثقات، وإنما التبعة فيه على حجاج، والله أعلم.

نعم؛ الحديث ليس منكر المتن، إذ يحتمل وقوع ذلك من ابن مسعود -على مكانته في العلم والفقه والفضل- في أول ما فرضت الصلاة، لكنَّ الحجاج لم يحفظ إسناده، وهذا ما يجعلنا نرُدُّ روايته؛ لكونه لم يضبطه، ولأنه لم يتابع عليه، لا سيما وقد أعله النسائي والعقيلي، ولو كان توبع عليه، ولم يُختلف عليه فيه لقبلناه، كما قبِلَ مسلمٌ حديثه:"نعم الأُدُم الخل"[صحيح مسلم (2052/ 169)]، حيث توبع عليه، ولم يختلف عليه فيه، وننوه بذلك إلى أن مسلمًا لم يحتج بما انفرد به حجاج، وإنما أخرج له حديثًا واحدًا توبع عليه، فلا يقال بأنه على شرطه، والله أعلم.

• وروي عن ابن مسعود من وجه آخر:

روى مندل بن علي، عن ابن أبي ليلى، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود، قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم واضع شمالي على يميني في الصلاة، فقال:"ضع يمينك على شمالك".

وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ شماله بيمينه في الصلاة.

أخرجه ابن أبي شيبة في المسند (313)، والبزار (5/ 371/ 2001 و 2002)، والطبراني في الكبير (10/ 172/ 10358)، والدارقطني في السنن (1/ 283)، وفي الأفراد (2/ 15/ 3725 - أطرافه).

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه عن القاسم عن أبيه عن عبد الله؛ إلا ابن أبي ليلى".

وقال الدارقطني في الأفراد: "غريب من حديث القاسم عن أبيه عن جده، تفرد به مندل عن ابن أبي ليلى عنه".

رواه عن مندل: يحيى بن آدم [ثقة حافظ]، واللفظ الأول له، ورواه أيضًا باللفظ الثاني، وإسماعيل بن أبان الوراق [ثقة]، واللفظ الثاني له، وبنحوه رواه يحيى بن عبد الحميد الحماني [حافظ؛ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث].

ص: 334

والأقرب أن اللفظ الأول منكر [من جهة الرواية، حيث تفرد به عن يحيى بن آدم: علي بن سهل المدائني [روى عنه جماعة، وليس بذاك المشهور، ولم أر من وثقه. تاريخ بغداد (11/ 429)، التهذيب (3/ 167)]، وخالفه فرواه باللفظ الثاني من فعله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر بن أبي شيبة [ثقة حافظ مصنف] عن يحيى بن آدم، وتابعه عليه: إسماعيل بن أبان الوراق، ويحيى بن عبد الحميد الحماني.

وعليه فلا يصلح أن يكون متابعًا لحديث أبي عثمان النهدي، لاختلاف السياق والقصة، فحديث أبي عثمان النهدي: واقعة عين لابن مسعود، وحديث القاسم عن أبيه عن جده: فيه حكاية حال النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته على وجه العموم.

وهو حديث منكر؛ ابن أبي ليلى: سيئ الحفظ جدًّا، وهو قليل الرواية عن القاسم بن عبد الرحمن، فهو غريب من حديث القاسم، تفرد به: مندل بن علي عن ابن أبي ليلى، ومندل: ضعيف، له غرائب وأفراد، وهذا منها، والله أعلم.

***

756 -

. . . عبد الرحمن بن إسحاق، عن زياد بن زيد، عن أبي جُحيفة، أن عليًّا رضي الله عنه، قال: السُّنَّةُ وضعُ الكفِّ على الكفِّ في الصلاة تحت السُّرَّة.

• حديث منكر.

قال المزي في التحفة (7/ 137/ 10314 - ط دار الغرب): "هذا الحديث في رواية أبي سعيد بن الأعرابي وابن داسة وغير واحد عن أبي داود، ولم يذكره أبو القاسم".

وقال الزيلعي في نصب الراية (1/ 313): "هذا الحديث لا يوجد في غالب نسخ أبي داود، وإنما وجدناه في النسخة التي هي من رواية ابن داسة،

، ولم أر من عزاه لأبي داود إلا عبد الحق في أحكامه".

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 343/ 3945)، وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند (1/ 110)، وفي مسائله لأبيه (260)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 94/ 1290)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 185/ 327)، والدارقطني (1/ 286)، والبيهقي (2/ 31)، والضياء في المختارة (2/ 386 و 387/ 771 و 772)، وابن الجوزي في التحقيق (438)، والمزي في التهذيب (9/ 473).

رواه عن عبد الرحمن بن إسحاق: حفص بن غياث، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير.

ولفظ أبي معاوية عند ابن أبي شيبة: من سُنَّة الصلاة: وضعُ الأيدي على الأيدي تحت السُّرَر.

واختلف فيه على حفص بن غياث:

أ- فرواه محمد بن محبوب البناني [ثقة]، ونعيم بن حماد [ضعيف، وأحسن أحواله

ص: 335

أن يقال فيه: صدوق، كثير الوهم والخطأ، له مناكير كثيرة تفرد بها عن الثقات المشاهير.

انظر: التهذيب (4/ 234)، الميزان (4/ 267)]:

عن حفص بن غياث، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن زياد بن زيد، عن أبي جُحيفة، عن علي رضي الله عنه.

ب - ورواه أبو كريب محمد بن العلاء [ثقة حافظ]: ثنا حفص بن غياث، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول: إن من سُنَّة الصلاة: وضع اليمين على الشمال تحت السرة.

أخرجه الدارقطني (1/ 286)، والبيهقي (2/ 31).

ولا يبعُد عندي أن يكون الحديث عند حفص بن غياث عن عبد الرحمن بن إسحاق على الوجهين، ويكون هذا هو أحد وجوه تخليط أبي شيبة الواسطي في هذا الحديث.

• وقد اختلف في هذا الحديث أيضًا على عبد الرحمن بن إسحاق:

أ- فرواه حفص بن غياث [من وجه][كوفي، ثقة]، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة [كوفي، ثقة متقن]، وأبو معاوية محمد بن خازم الضرير [كوفي، ثقة في حديث الأعمش، قد يهِم في حديث غيره]:

عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن زياد بن زيد، عن أبي جُحيفة، أن عليًّا رضي الله عنه، قال: السُّنَّةُ وضعُ الكفِّ على الكفِّ في الصلاة تحت السُّرَّة.

ب - ورواه عبد الواحد بن زياد [بصري، ثقة]، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن سيار أبي الحكم، عن أبي وائل، عن أبي هريرة، قال: من السُّنَّة أن يضع الرجل يده اليمنى على اليسرى تحت السرة في الصلاة.

ويأتي برقم (758).

هكذا اضطرب عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي أبو شيبة الكوفي في إسناد هذا الحديث على هذه الوجوه الثلاثة، وعبد الرحمن: ضعفوه، حتى قال فيه أحمد وأبو حاتم:"منكر الحديث"، وقال فيه البخاري:"فيه نظر"، وهذا قدح شديد [التهذيب (486)، الميزان (2/ 548)][وانظر فيما تقدم: الحديث رقم (530)].

وقد خولف فيما رواه، فقد رُوي عن علي خلاف ذلك بإسناد أصلح من هذا، كما سيأتي في الحديث الآتي (757).

وعليه: فهذا حديث منكر مضطرب.

وأما بقية رجال الأسانيد الثلاثة فثقات، عدا:

زياد بن زيد السوائي الأعسم، والنعمان بن سعد؛ فهما: مجهولان [التهذيب (1/ 647) و (4/ 231)].

ولم يعمل الإمام أحمد بهذا الحديث، قال ابنه عبد الله في مسائله (260):"رأيت أبي إذا صلى وضع يديه أحدهما على الأخرى فوق السرة"، ثم أسند هذا الحديث عن

ص: 336

أبيه عن ابن أبي زائدة، مما يدل على إعراضه عن العمل به، والإمام أحمد إذا لم يكن في الباب حديث صحيح؛ فإنه قد يعمل بالضعيف الذي ليس بمنكر ولا شاذ، والله أعلم.

وقال أبو داود مضعِّفًا هذا الحديث: "سمعت أحمد بن حنبل يضعّف عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي"، فهو لم يحتج به، وإنما أخرجه مبينًا حاله، مضعِّفًا إياه.

وقال أيضًا: "ورُوي عن أبي هريرة، وليس بالقوي".

وقال البيهقي في السنن: "عبد الرحمن بن إسحاق هذا هو الواسطي القرشي: جرحه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والبخاري، وغيرهم.

ورواه أيضًا: عبد الرحمن، عن سيار، عن أبي وائل، عن أبي هريرة كذلك.

وعبد الرحمن بن إسحاق: متروك".

وقال في المعرفة (1/ 499): "والذي روي عنه تحت السرة: لم يثبت إسناده، تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، وهو: متروك".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (20/ 75): "وروي ذلك عن علي وأبي هريرة والنخعي، ولا يثبت ذلك عنهم، وهو قول أبي مجلز".

وقال ابن القطان في بيان الوهم (5/ 26/ 2263) في زياد بن زيد السوائي: "وهو لا يعرف، وليس بالأعسم، وحال هذا أيضًا مجهولة"، ثم نقل كلام الأئمة في تضعيف عبد الرحمن بن إسحاق.

وقال في موضع آخر (5/ 690): "وهو ضعيف".

وقال ابن الجوزي في التحقيق (438): "وهذا لا يصح".

وقال النووي في الخلاصة (1097): "اتفقوا على تضعيفه؛ لأنه من رواية عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، منكر الحديث، مجمع على ضعفه"، وقال نحوه في المجموع (3/ 260)، وفي شرح مسلم (4/ 115).

وهذا الحديث قد ضعفه أيضًا: ابن عبد الهادي في التنقيح (1/ 339)، والذهبي في التنقيح (1/ 139)، وابن حجر في الفتح (2/ 224)، وفي الدراية (1/ 128)، وفي التلخيص (1/ 272).

وانظر أيضًا: أطراف الغرائب والأفراد (1/ 114/ 439).

***

757 -

. . . عن أبي طالوت عبد السلام، عن ابن جرير الضبي، عن أبيه، قال: رأيت عليًّا رضي الله عنه يمسك شمالَه بيمينه على الرُّسغ فوق السرة.

ص: 337

قال أبو داود: ورُوي عن سعيد بن جبير: فوق السرة، وقال أبو مجلز: تحت السرة، ورُوي عن أبي هريرة، وليس بالقوي.

• أثر عليٍّ علَّق البخاري بعضه بلفظ أتم بصيغة الجزم، وفي إسناده جهالة.

قال المزي في التحفة (9/ 7/ 10030 - ط دار الغرب): "هذا الحديث في رواية أبي الحسن بن العبد وأبي سعيد بن الأعرابي وغير واحد عن أبي داود، ولم يذكره أبو القاسم".

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 211)، وابن أبي شيبة (1/ 270/ 3099) و (1/ 271/ 3112) و (1/ 343/ 3940) و (2/ 255/ 8722)، وابن بشران في الأول والثاني من فوائده (71)، والبيهقي (2/ 29)، وابن حجر في التغليق (2/ 442).

رواه عن أبي طالوت عبد السلام بن أبي حازم شداد العبدي: أبو بدر شجاع بن الوليد، ووكيع بن الجراح، ومسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وأبو نعيم الفضل بن دكين. وهذا لفظ أبي بدر.

وأحد ألفاظ وكيع عند ابن أبي شيبة: كان علي إذا قام في الصلاة وضع يمينَه على رُسغِ يساره، ولا يزال كذلك حتى يركع متى ما ركع؛ إلا أن يُصلحَ ثوبَه، أو يحُكَّ جسدَه.

فرقه على الأبواب، ولفظ الفراهيدي أتم.

ولفظ أبي نعيم عند البخاري في التاريخ: حدثنا عبد السلام بن شداد، قال: حدثني غزوان بن جرير، عن أبيه؛ أن عليًّا كان لا يبالي عن يمينه انصرف أو شماله.

وقال مسلم بن إبراهيم: ثنا عبد السلام بن أبي حازم: ثنا غزوان بن جرير، عن أبيه؛ أنه كان شديد اللزوم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: كان علي رضي الله عنه إذا قام إلى الصلاة فكبر: ضرب بيده اليمنى على رسغه الأيسر، فلا يزال كذلك حتى يركع؛ إلا أن يحكَّ جلدًا، أو يُصلِح ثوبه، فإذا سلَّم: سلَّم عن يمينه: سلام عليكم، ثم يلتفت عن شماله، فيحرِّك شفتيه، فلا ندري ما يقول، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لا نعبد إلا إياه، ثم يقبل على القوم بوجهه، فلا يبالي عن يمينه انصرف، أو عن شماله. أخرجه هكذا بتمامه: ابن بشران والبيهقي وابن حجر.

وعلقه البخاري بصيغة الجزم في صحيحه من (21) كتاب العمل في الصلاة، (1) باب استعانة اليد في الصلاة إذا كان من أمر الصلاة، قبل الحديث رقم (1198)، بقوله:"ووضع علي رضي الله عنه كفَّه على رسغه الأيسر، إلا أن يحكَّ جلدًا، أو يُصلِح ثوبًا".

وقال البيهقي: "هذا إسناد حسن".

وقال ابن حجر: "وهو إسناد حسن".

قلت: رجال إسناده ثقات؛ عدا غزوان بن جرير الضبي، والد فضيل بن غزوان: روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في الثقات، وأبوه جرير الضبي: لم يرو عنه غير ابنه

ص: 338

غزوان، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي:"لا يُعرف"، وقال مرة:"لا يُدرى من هو"، وعلق البخاري أثرهما هذا في صحيحه بصيغة الجزم، وحسنه البيهقي وابن حجر [التهذيب (1/ 298) و (3/ 375)، الميزان (1/ 397)، المغني (1/ 130)، إكمال مغلطاي (3/ 189)، ووهم فيما ذهب إليه، وتبعه عليه ابن حجر، وانظر: ثقات ابن حبان (4/ 108)].

وعليه: ففي إسناده جهالة، وهو أصلح إسنادًا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي المتقدم والآتي (756 و 758)، لا سيما مع تعليق البخاري له بصيغة الجزم، وتحسين البيهقي وابن حجر لإسناده، والله أعلم.

رومما روي عن علي أيضًا في هذا الباب:

أ- روى موسى بن إسماعيل أبو سلمة التبوذكي [ثقة ثبت]، عن حماد بن سلمة، سمع عاصمًا الجحدري، عن أبيه، عن عقبة بن ظبيان، عن علي رضي الله عنه:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} [الكوثر: 2]، وضع يده اليمنى على وسط ساعده على صدره.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 437)، ومن طريقه: البيهقي (2/ 29).

• تابع موسى بن إسماعيل على هذا الوجه:

حجاج بن منهال، وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، ويزيد بن هارون، وأبو صالح الخراساني [وهم ثقات، عدا الأخير فلم أميزه]:

قالوا: ثنا حماد، عن عاصم الجحدري، عن أبيه، عن عقبة بن ظبيان؛ أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال في قول الله:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} ، قال: وضع يده اليمنى على وسط ساعده الأيسر، ثم وضعهما على صدره. ولفظ أبي الوليد: وضع اليمنى على اليسرى تحت الثندوة [الثندوة للرجل والثدي للمرأة. تهذيب اللغة (14/ 64)].

أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (30/ 326)(24/ 691 - ط هجر)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 91/ 1284)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (10/ 310)، والخطيب في الموضح (2/ 340)، وذكره الدارقطني في العلل (4/ 99/ 451).

• ورُوي عن موسى بن إسماعيل: ثنا حماد بن سلمة، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن صهبان، عن علي رضي الله عنه:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} ، قال: هو وضع يمينك على شمالك في الصلاة.

أخرجه الحاكم (2/ 537)، وعنه: البيهقي (2/ 29).

قال البيهقي: "كذا قال شيخنا: عاصم الجحدري عن عقبة بن صهبان، ورواه البخاري في التاريخ في ترجمة عقبة بن ظبيان، عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، سمع عاصم الجحدري، عن أبيه، عن عقبة بن ظبيان، عن علي: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)}، وضع يده اليمنى على وسط ساعده على صدره".

قلت: رواية الحاكم وهم، والصواب رواية موسى الموافقة لرواية الجماعة.

ص: 339

ب- ورواه عبد الرحمن بن مهدي [ثقة ثبت؛ إمام حافظ]، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظبيان [وفي رواية: عقبة بن صهبان]، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} ، قال: وضع اليد على اليد في الصلاة.

أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (30/ 325)، وذكره الدارقطني في العلل (4/ 99/ 451)، ولم يذكر أن ابن مهدي خالف الجماعة في إسناده غير أنه قال: عقبة بن صهبان.

ج- ورواه أبو عمر الضرير [حفص بن عمر: صدوق عالم]، قال: أخبرنا حماد بن سلمة؛ أن عاصمًا الجحدري، أخبرهم عن أبيه، عن علي بن أبي طالب، في قوله:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} ، قال: وضع يده اليمنى على الساعد الأيسر، ثم وضعهما على صدره.

أخرجه الطحاوي في أحكام القرآن (1/ 184/ 323).

وأخشى أن يكون إسقاط عقبة بن ظبيان من الناسخ أو الطابع؛ فتكون رواية أبي عمر الضرير كالجماعة، وهو الأقرب عندي، والله أعلم.

د- ورواه مهران بن أبي عمر العطار الرازي [لا بأس به، والراوي عنه: محمد بن حميد الرازي، وهو: حافظ ضعيف، كثير المناكير]، عن حماد بن سلمة، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظبيان [وفي نسخة: عن عقبة بن ظهير]، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} ، قال: وضع يده اليمنى على وسط ساعده اليسرى، ثم وضعهما على صدره.

أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (30/ 325)(24/ 690 - ط هجر).

هـ - ورواه أبو الحريش الكلابي [أحمد بن عيسى بن مخلد أبو جعفر الكوفي: روى عنه جماعة، ولم أر من وثقه. معجم الإسماعيلي (1/ 342)، تاريخ جرجان (727)، الإكمال (2/ 421)]: ثنا شيبان [هو: ابن فروخ: صدوق]: ثنا حماد بن سلمة: ثنا عاصم الجحدري، عن أبيه، عن عقبة بن صهبان، أن عليًّا رضي الله عنه قال في هذه الآية:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} ، قال: وضع يده اليمنى على وسط يده اليسرى، ثم وضعهما على صدره.

أخرجه البيهقي (2/ 30).

و- ورواه مؤمَّل بن إسماعيل [وهو: صدوق، كثير الغلط، وكان سيئ الحفظ]، قال: حدثنا حماد بن سلمة، قال: حدثنا عاصم الجحدري، عن عقبة بن صهبان، عن علي رضي الله عنه في قوله عز وجل:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} ، قال: وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة.

أخرجه الطحاوي في أحكام القرآن (1/ 184/ 324).

قلت: رواية جماعة الثقات عن حماد بن سلمة: هي الصواب، وأخشى أن تكون رواية ابن مهدي انقلبت على راويها، لا سيما ولم يذكر الدارقطني في علله أنها تخالف رواية الجماعة عن حماد سوى أنه قال فيها: عن عقبة بن صهبان.

ص: 340

وعلى هذا فمن قال: عقبة بن صهبان [وهو ثقة مشهور، روى له البخاري ومسلم] فقد وهِم أو صحَّف، إنما هو عقبة بن ظبيان، وقال يزيد بن زياد: عقبة بن ظهير، وهما واحد، كما ذهب إليه أبو حاتم والخطيب في الموضح، وهو مجهول، وقد فرَّق بين هذا وبين عقبة بن صهبان الحداني الأزدي: البخاري وأبو حاتم وابن حبان وغيرهم.

فالصواب عن حماد بن سلمة: عن عاصم الجحدري، عن أبيه، عن عقبة بن ظبيان، عن علي بن أبي طالب.

ولم يذكر ابن أبي حاتم ولا الدارقطني عن حماد بن سلمة سوى هذا الوجه، إلا ما قال الدارقطني عن ابن مهدي.

• وخالف حماد بن سلمة في إسناده ومتنه:

يزيد بن زياد بن أبي الجعد [صدوق، وثقه: أحمد وابن معين والعجلي. تقدم ذكره تحت الحديث (682)]، فرواه عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظهير، عن علي رضي الله عنه في قوله:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} ، قال: وضعُ اليمين على الشمال في الصلاة، وفي رواية: وضعها على الكرسوع. ولم يقل: على صدره.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 437)، وعبد الرزاق في التفسير (3/ 401)، وابن أبي شيبة (1/ 343/ 3941)، وابن جرير الطبري في تفسيره (30/ 325)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 184/ 325)، وأبو جعفر النحاس في إعراب القرآن (5/ 298)، والدارقطني في السنن (1/ 285)، وفي الأفراد (20 - الثالث والثمانون)(1/ 106/ 393 - أطرافه)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (10/ 310)، البيهقي (2/ 29)، والخطيب في الموضح (2/ 340)، والضياء في المختارة (2/ 673/292).

قال الدارقطني في الأفراد: "تفرد به يزيد بن زياد عن عاصم الجحدري عنه".

وقال ابن أبي حاتم في الجرح (6/ 313): "اختلف حماد بن سلمة ويزيد بن زياد بن أبي الجعد في هذا الحديث، فقال حماد: عن عاصم الجحدري، عن أبيه، عن عقبة بن ظبيان، عن علي: في قوله عز وجل: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)}، فقال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة، وروى يزيد بن زياد بن أبي الجعد، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظهير، عن علي".

وذكر الدارقطني الاختلاف فيه في العلل (4/ 99/ 451)، ثم قال:"والله أعلم بالصواب".

قلت: عاصم بن العجاج أبو مجشر الجحدري: ثقة [الجرح والتعديل (6/ 349)، الثقات (5/ 240)، المؤتلف للدارقطني (4/ 2082)، الإكمال (7/ 164)، تاريخ الإسلام (8/ 141)، توضيح المشتبه (8/ 56)، اللسان (4/ 372)]، وأبوه: لم أقف له على ترجمة، وعقبة بن ظبيان، أو عقبة بن ظهير: مجهول [العلل ومعرفة الرجال (2/ 89/ 1644)، التاريخ الكبير (6/ 437)، الجرح والتعديل (6/ 313)، الثقات (5/ 227)].

ص: 341

فهو أثر مضطرب الإسناد، فيه من لا يُعرف.

• وممن رُوي عنه هذا التفسير أيضًا: ابن عباس:

فقد روى روح بن المسيب، قال: حدثني عمرو بن مالك النُّكري، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قول الله عز وجل:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} ، قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة عند النحر.

أخرجه أبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (10/ 310)، والبيهقي (2/ 31)، وعزاه ابن عبد البر إلى الأثرم [التمهيد (20/ 78)].

ولا يصح هذا أيضًا؛ عمرو بن مالك النُّكري: قال ابن معين: "ثقة"[سؤالات ابن الجنيد (754)].

وهو ممن روى صلاة التسبيح، قال عبد الله بن أحمد:"سمعت أبي يقول: لم تثبت عندي صلاة التسبيح، وقد اختلفوا في إسناده، لم يثبت عندي، وكأنه ضعَّف عمرو بن مالك النكري"[مسائله (315 م)].

وقال البخاري في التاريخ الكبير (2/ 17): "وقال لنا مسدد: عن جعفر بن سليمان، عن عمرو بن مالك النكري، عن أبي الجوزاء، قال: أقمت مع ابن عباس وعائشة اثنتي عشرة سنة، ليس من القرآن آية إلا سألتهم عنها، قال محمد [يعني: البخاري نفسه]: في إسناده نظر".

قال ابن عدي في الكامل (1/ 411)(2/ 108 - ط العلمية): "وأوس بن عبد الله أبو الجوزاء هذا يحدث عنه عمرو بن مالك النكري، يحدث عن أبي الجوزاء هذا أيضًا عن ابن عباس قدر عشرة أحاديث غير محفوظة، وأبو الجوزاء روى عن الصحابة: ابن عباس، وعائشة، وابن مسعود، وغيرهم، وأرجو أنه لا بأس به، ولا يصحَّح روايته عنهم أنه سمع منهم، وقول البخاري: في إسناده نظر؛ [يريد] أنه لم يسمع من مثل ابن مسعود وعائشة وغيرهما، لا أنه ضعيف عنده، وأحاديثه مستقيمة مستغنية عن أن أذكر منها شيئًا في هذا الموضع".

هكذا ضعَّف ابنُ عدي عمرَو بن مالك النكري، وبيَّن مراد البخاري من قوله السابق من عدم ثبوت سماع أبي الجوزاء المذكور في هذا السند، لا أنه أراد تضعيف أبي الجوزاء؛ إذ كيف يضعَّفه مع استقامة أحاديثه، وإخراج البخاري نفسه له في الصحيح.

فقد أخرج البخاري في صحيحه، في (65) كتاب التفسير، من سورة النجم، باب:{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19)} [النجم: 19]، (4859)، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا أبو الأشهب: حدثنا أبو الجوزاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله:{اللَّاتَ وَالْعُزَّى} : كان اللاتُ رجلًا يَلُتُّ سَوِيقَ الْحَاجِّ.

وأما قول ابن حجر في توجيه كلام البخاري هذا فليس بمتجِّه، فقد قال في التهذيب (1/ 194):"والنكري ضعيف عنده"؛ يعني: عند البخاري، وهذا ليس بصحيح، فإنه لا

ص: 342

يُعرف عن البخاري تضعيفٌ صريح لعمرو بن مالك النكري، وإنما الذي ضعَّفه هو ابن عدي، حيث قال عنه في الترجمة السابقة:"يحدث عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قدر عشرة أحاديث غير محفوظة"، أو يكون ابن حجر أخذ هذا القول من قول ابن عدي:"إلا أنه ضعيف عنده"[كذا في بعض النسخ، وكذا نقلها ابن حجر في التهذيب]؛ يعني: أن النكري ضعيف عند البخاري، هكذا يمكن فهمها بعيدًا عن السياق، لكن السياق يأبى هذا الفهم، فإن ابن عدي يتكلم عن أبي الجوزاء، ويريد أن يبين أن مراد البخاري بقوله:"في إسناده نظر" عدم ثبوت السماع، لا أن أبا الجوزاء ضعيف عند البخاري، والله أعلم.

وقال مغلطاي في إكماله (2/ 293): "لأن البخاري لم يقل هذا تضعيفًا له [يعني: لأبي الجوزاء]، إذ لو كان كذلك لما ساغ له إخراج حديثه؛ لأنا لم نعهد منه تضعيفًا لمن يخرج حديثه، وإنما قال هذا لأجل السند الذي ذكره؛ لأن فيه عمرًا النكري، وهو ضعيف، وكذا جعفر،

".

قلت: هكذا ضعَّف مغلطاي عمرو بن مالك النكري، والمنقول عن البخاري هو تليين جعفر بن سليمان الضبعي، ولم أر له نقلًا في تضعيف عمرو بن مالك النكري، والله أعلم.

وخلاصة هذا البحث: أن قول البخاري عن هذا السند بأن فيه نظرًا، هو تضعيف لهذا الخبر، لكن على من تُحمل التبعة، ومن هو الراوي الذي أراد البخاري إلصاق الوهم به في هذا الخبر؟ فليس معنا دليل ظاهر على أن البخاري أراد به توهيم النكري دون الضبعي، والله أعلم.

نرجع بعد ذلك لسرد أقوال الأئمة في عمرو بن مالك النكري:

فقد ذكره ابن حبان في ثقاته، وقال:"يُغرِب، ويُخطئ"، زاد مغلطاي في نقله عن الثقات:"يُعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه"[الثقات (8/ 487)، إكمال مغلطاي (10/ 251)].

ووثقه الذهبي [الميزان (3/ 286)، المغني (2/ 488)]، وقال مرة:"صدوق"[تاريخ الإسلام (8/ 194)]، وقال ابن حجر في التقريب (472):"صدوق، له أوهام".

وصحح له ابن خزيمة (1696 و 1697)، وابن حبان (401 و 2962).

والأقرب أن ابن حبان إنما انتقى من حديثه ما صح عنده، وإلا فإنه لما أورد ابنه يحيى [وهو ضعيف، رماه حماد بن زيد بالكذب. التهذيب (4/ 379)]، لما أورده في المجروحين (3/ 114)، قال:"كان منكر الرواية عن أبيه، ويحتمل أن يكون السبب في ذلك منه، أو من أبيه، أو منهما معًا"، وهذا يدل على أنه لم يكن يبرئ ساحة عمرو، وأنه لم يكن عنده ثقة يعتمد عليه، لذا قال عنه في الثقات:"يُغرِب، وُيخطئ"، وقوله هذا أقرب إلى الصواب من قوله عنه في المشاهير (1223):"وقعت المناكير في حديثه من رواية ابنه عنه، وهو في نفسه صدوق اللهجة".

وصحح له أيضًا الحاكم في المستدرك (2/ 353 و 427)[وانظر: التاريخ الكبير (6/ 371)، الجرح والتعديل (6/ 259)، الإكمال لابن ماكولا (1/ 451)، بيان الوهم (4/ 665/ 2225)، وقال: "لا تُعرف حاله"، التهذيب (3/ 301)].

ص: 343

والحاصل: أن عمرو بن مالك النكري هو كما قال ابن حجر: "صدوق، له أوهام"، وكما قال ابن حبان:"يُغرِب، ويُخطئ"، فليس بذاك الذي يعتمد على حفظه، ويحتج به فيما يأتي به من غرائب، والله أعلم.

• تنبيه: ليس النكري هذا هو الذي ترجم له ابن عدي في كامله (5/ 150)، وقال:"عمرو بن مالك النكري، بصري: منكر الحديث عن الثقات، ويسرق الحديث، سمعت أبا يعلى يقول: عمرو بن مالك النكري: كان ضعيفًا"، فإن الأخير هذا شيخ لأبي يعلى متأخر الطبقة عن صاحب الترجمة، وإنما هو عمرو بن مالك الراسبي الغُبري، أخطأ في نسبته ابن عدي، فإن ابن حجر في التهذيب (3/ 301) بعد أن ساق كلام ابن عدي في الراسبي، قال:"إلا أنه قال [يعني: ابن عدي] في صدر الترجمة: عمرو بن مالك النكري، فوهِم؛ فإن النكري متقدم على هذا"، وقال الذهبي مفرِّقًا بين الراسبي والنكري:"وأما النكري ففي عصر الزهري"[تاريخ الإسلام (18/ 380)].

وروح بن المسيب أبو رجاء الكلبي: وثقه من لم يطلع على حاله، وثقه العجلي وغيره، وقال ابن معين:"صويلح"، وقال أبو حاتم:"هو صالح، ليس بالقوي"، وسبر مروياته ابن حبان وابن عدي فضعفاه جدًّا، قال ابن حبان:"وكان روح ممن يروي عن الثقات الموضوعات، ويقلب الأسانيد، ويرفع الموقوفات، وهو أنكر حديثًا من روح بن غطيف، لا تحل الرواية عنه، ولا كتابة حديثه إلا للاختبار"، وقال ابن عدي:"يروي عن ثابت ويزيد الرقاشي أحاديث غير محفوظة"[مسند البزار (13/ 339/ 6962)، معرفة الثقات (1/ 365)، الجرح والتعديل (3/ 496)، المجروحين (1/ 299) (1/ 370 - ط الصميعي)، الكامل (3/ 143)، تاريخ أسماء الثقات (364)، الأنساب (5/ 91)، اللسان (3/ 486)].

• والحاصل: أنه أثر ضعيف؛ بل منكر بهذا الإسناد:

قال البيهقي في المعرفة (7/ 201): "ورواه حماد بن زيد عن عمرو عن أبي الجوزاء من قوله"؛ يعني: لم يذكر فيه ابن عباس.

• وأما أثر سعيد بن جبير:

فقد وصله البيهقي (2/ 31) بسند لا بأس به إلى: زيد بن الحباب: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، قال: أمرني عطاء أن أسأل سعيدًا: أين تكون اليدان في الصلاة، فوق السرة، أو أسفل من السرة؟ فسألته عنه، فقال: فوق السرة.

ورواه عبد الرزاق: أنا ابن جريج، قال: وأنا أبو الزبير، قال: قال لي عطاء بن أبي رباح: سئل سعيد بن جبير: أين موضع اليدين في الصلاة؟ فقال: فوق السرة.

أخرجه عبد الرزاق في الأمالي (54).

قال البيهقي: "وأصح أثر روي في هذا الباب أثر سعيد بن جبير وأبي مجلز، وروي عن علي رضي الله عنه: تحت السرة، وفي إسناده ضعف"، وكذا في الخلافيات (2/ 35 - مختصره).

ص: 344

قلت: أثر سعيد إسناده صحيح.

• وأما أثر أبي مجلز لاحق بن حميد:

فقد وصله ابن أبي شيبة (1/ 343/ 3942)، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا الحجاج بن حسان، قال: سمعت أبا مجلز -أو: سألته-، قال: قلت: كيف يصنع؟ قال: يضعُ باطنَ كفِّ يمينه على ظاهر كفِّ شماله، ويجعلها أسفلَ من السُّرَّةِ.

وعلَّقه أيضًا: البيهقي (2/ 31).

وإسناده جيد.

• وممن رُوي عنه أيضًا وضعُهما تحت السرة: إبراهيم النخعي:

روى الربيع بن صبيح، عن أبي معشر، عن إبراهيم النخعي؛ أنه كان يضع يده اليمنى على يده اليسرى تحت السرة.

أخرجه محمد بن الحسن في الآثار (121)، وابن أبي شيبة (1/ 343/ 3939).

أبو معشر هو زياد بن كليب: ثقة، من قدماء أصحاب إبراهيم، والربيع بن صبيح: ليس بالقوي [انظر: التهذيب (1/ 593)، الميزان (2/ 41)].

وخالفه فلم يذكر موضع اليدين:

مغيرة بن مقسم الضبي [ثقة متقن]، عن أبي معشر، عن إبراهيم، قال: لا بأس أن يضع اليمنى على اليسرى في الصلاة.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 343/ 3944).

وإسناده صحيح إلى إبراهيم، وعليه: فلا يصح عن إبراهيم وضع اليدين تحت السرة.

قال ابن عبد البر في التمهيد (20/ 75): "وروي ذلك عن علي وأبي هريرة والنخعي، ولا يثبت ذلك عنهم، وهو قول أبي مجلز".

***

758 -

. . . قال أبو داود: حدثنا مسدد: حدثنا عبد الواحد بن زياد، عن عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي، عن سيار أبي الحكم، عن أبي وائل، قال: قال أبو هريرة: أخْذُ الأكُفِّ على الأكُفِّ في الصلاة تحت السرة.

قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يضعِّف عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي.

• حديث منكر.

قال المزي في التحفة (9/ 473/ 13494 - ط دار الغرب): "هذا الحديث في رواية أبي الحسن بن العبد وأبي سعيد بن الأعرابي وغير واحد عن أبي داود، ولم يذكره أبو القاسم".

ص: 345

أخرجه من طريق أبي داود: ابن عبد البر في التمهيد (20/ 78).

ورواه محمد بن محبوب البناني، ويحيى بن عبد الحميد الحماني:

قال يحيى: ثنا عبد الواحد بن زياد، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن سيار أبي الحكم، عن أبي وائل، عن أبي هريرة، قال: من السُّنة أن يضع الرجل يده اليمنى على اليسرى تحت السرة في الصلاة.

أخرجه ابن المنذر (3/ 94/ 1291)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 186/ 328)، والدارقطني (1/ 284).

قال أبو داود تحت الحديث السابق عن هذا الحديث: "ورُوي عن أبي هريرة، وليس بالقوي".

وهو حديث منكر مضطرب، تقدم الكلام عليه تحت الحديث رقم (756).

***

759 -

. . . قال أبو داود: حدثنا أبو توبة: حدثنا الهيثم -يعني: ابن حميد-، عن ثور، عن سليمان بن موسى، عن طاووس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى، ثم يشُذُّ بهما على صدره، وهو في الصلاة.

• مرسل بإسناد حسن.

أخرجه أبو داود أيضًا في المراسيل (33)، بنفس هذا الإسناد.

وذكره المزي في التحفة (12/ 356/ 18829 - ط دار الغرب) وعزاه لأبي داود في المراسيل، ثم قال في الحاشية:"هو في السنن في رواية أبي سعيد ابن الأعرابي وغيره".

وهذا مرسل بإسناد رجاله ثقات؛ غير سليمان بن موسى الأشدق، وهو: صدوق، عنده مناكير [التهذيب (2/ 111)]، وثور هو: ابن يزيد الحمصي، وأبو توبة هو: الربيع بن نافع.

• وفي الباب أيضًا:

1 -

حديث وائل بن حجر:

وله أسانيد، تقدم الكلام عليها في موضعها من السنن، نلخصها فيما يأتي:

أ- عفان بن مسلم: حدثنا همام: حدثنا محمد بن جحادة: حدثني عبد الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل ومولى لهم؛ أنهما حدثاه عن أبيه وائل بن حجر: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة؛ كبر -وصف همام: حيال أذنيه-، ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى،

الحديث.

أخرجه مسلم (401)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (723)، وانظر هناك فيمن أخطأ فيه.

ص: 346

ب- موسى بن عمير العنبري: حدثني علقمة بن وائل، عن أبيه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام في الصلاة قبض على شماله بيمينه، ورأيت علقمة يفعله.

وفي رواية: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعًا يمينه على شماله في الصلاة.

ورواه عبد اللّه بن المبارك، عن موسى بن عمير العنبري، وقيس بن سليم العنبري، قالا: نا علقمة بن وائل، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان قائمًا في الصلاة قبض بيمينه على شماله.

وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (723).

ج- شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت حجرًا [بن عنبس] أبا العنبس، يقول: حدثني علقمة بن وائل، عن وائل بن حجر: أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فوضع اليد اليمنى على اليد اليسرى، فلما قال:{وَلَا الضَّالِّينَ} قال: "آمين"[يخفى بها صوته]، وسلم عن يمينه وعن يساره.

حديث مضطرب، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (723).

د- محمد بن حجر بن عبد الجبار بن وائل الحضرمي: حدثني عمي سعيد بن عبد الجبار، عن أبيه، عن أمه أم يحيى، عن وائل بن حجر، قال: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أُتي بإناء فيه ماء،

فذكر حديثًا طويلًا جدًّا، وموضع الشاهد منه قوله: ثم وضع يمينه على يساره على صدره.

وهو حديث منكر، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (723)، وتقدم ذكر طرف منه تحت الحديث رقم (145).

هـ - أبو إسحاق السبيعي، عن عبد الجبار بن وائل، عن وائل، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة، قريبًا منِ الرسِغ، ويرفع يديه حين يوجب حتى تبلغا أذنيه، وصليت خلفه فقرأ:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقال: "آمين" يجهر.

حديث صحيح بمتابعاته، لكن زيادة: قريبًا من الرسغ؛ زيادة شاذة؛ تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (724).

و- أسد بن موسى: ثنا المسعودي، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، قال: لما قدم أبي على النبي صلى الله عليه وسلم رآه يضع يده اليمنى على اليسرى، ورفع يديه مع كل تكبيرة.

وهذه رواية شاذة سندًا ومتنًا، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (725).

ز- روى سفيان الثوري، وشعبة، وبشر بن المفضل، وخالد بن عبد الله الواسطي، وأبو عوانة، وأبو الأحوص سلام بن سليم، وعبد اللّه بن إدريس، وعبد الواحد بن زياد، وزهير بن معاوية، ومحمد بن فضيل، وأبو بدر شجاع بن الوليد، وغيلان بن جامع، وعَبيدة بن حميد، وقيس بن الربيع.

ص: 347

عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال:

فذكر صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وموضع الشاهد منه قوله: ثم أخذ شماله بيمينه.

وهذا لفظ بشر، وابن إدريس، وخالد بن عبد الله الواسطي، وعبد الواحد بن زياد، وأبو الأحوص، وزهير بن معاوية، وغيلان بن جامع، وعَبيدة بن حميد، وقيس بن الربيع.

ولفظ أبي عوانة: ثم قبض باليمنى على اليسرى.

ولفظ ابن فضيل: ثم ضرب بيمينه على شماله فأمسكها.

ولفظ شعبة: ووضع يده اليمنى على اليسرى، وفي رواية للثوري: ورأيته ممسكًا يمينه على شماله في الصلاة، وفي أخرى: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى.

وهو حديث صحيح، تقدم برقم (726)، وتحت الحديث رقم (728).

وكل هذه الروايات معناها واحد، وهو قبض اليسرى باليمنى، وأما رواية الوضع فتحمل عليها؛ إذ إنها لا تخالفها لدخول الوضع في معنى القبض، فهو بعض معناه، وعليه فالصحيح من حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل: رواية القبض، وقد جاء بلفظ القبض أيضًا من حديث موسى بن عمير وقيس بن سليم عن علقمة عن أبيه، وجاء بلفظ الوضع من حديث عفان عن همام عن ابن جحادة، ومن حديث أبي إسحاق عن عبد الجبار عن أبيه، والوضع داخل في معنى القبض، وفي القبض زيادة معنى جاءنا من طريق الثقات فلزمنا قبوله، والله أعلم.

• ورواه مؤمَّل بن إسماعيل، قال: حدثنا سفيان، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر رضي الله عنه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وضع يديه على صدره، إحداهما على الأخرى.

وهذه رواية منكرة؛ خالف فيها مؤمل ثقات أصحاب الثوري، فلم يذكر أحد منهم بهذه الزيادة: على صدره، وتقدم تحت الحديث رقم (728).

قال البيهقي في الخلافيات: "رواه الجماعة عن الثوري لم يذكر واحد منهم: على صدره؛ غير مؤمل بن إسماعيل".

• وخالف أصحاب الثوري أيضًا: علي بن قادم، قال: ثنا سفيان، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام اتكأ على إحدى يديه.

أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 39/ 95)، بإسناد صحيح إلى علي بن قادم.

وهذا حديث منكر؛ علي بن قادم: صدوق، ضعفه ابن معين، روى عن الثوري أحاديث غير محفوظة [التهذيب (3/ 188)، الميزان (3/ 150)].

• وخالف جماعة الثقات الذين رووه عن عاصم: زائدة بن قدامة، فرواه عن عاصم بن كليب، بإسناده ومعناه، وقال فيه: ثم وضع يده اليمنى على ظَهر كفِّه اليسرى والرُّسْغ والساعد.

تقدم برقم (727)، وهو حديث شاذ.

ص: 348

2 -

حديث سهل بن سعد الساعدي:

يرويه مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي؛ أنه قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة.

قال أبو حازم: لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك، وفي رواية البخاري: لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني: أنه مرفوع، تؤيدها رواية ابن بكير عن مالك: يرفع ذلك.

قال عبد الله بن أحمد: "ينمي: يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم".

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 226/ 437 - رواية يحيى الليثي)(426 - رواية أبي مصعب الزهري)(409 - رواية ابن القاسم، بتلخيص القابسي)(133 - رواية الحدثاني)(291 - رواية محمد بن الحسن الشيبانى).

ومن طريقه: البخاري (740)، وأبو عوانة في مستخرجه على مسلم (1/ 429/ 1597)، وأحمد (5/ 336)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 91/ 1286)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 189/ 339)، والطبراني في الكبير (6/ 140/ 5772)، والجوهري في مسند الموطأ (416)، والبيهقي في السنن (2/ 28)، وفي المعرفة (1/ 498/ 681)، وابن عبد البر في التمهيد (21/ 96)، والخطيب في الكفاية (416)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 30/ 568)، وقال:"صحيح".

وقع في رواية معن مثل رواية البخاري عن القعنبي: لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية عبد الله بن يوسف: قال مالك: يرفع ذلك [أطراف الموطأ للداني (3/ 109)، الكفاية (416)].

ترجم له البخاري بقوله: "باب وضع اليمنى على اليسرى".

قال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 292): "وأما قول سهل بن سعد: كان الناس يؤمرون أن يضع الرَّجُلُ اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة: فالأغلب فيه أنه عمل معمول به في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده، وقول أبي حازم: لا أعلمه إلا أنه ينمي ذلك: أي: يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وقال النووي في المجموع (3/ 258) عن عبارة البخاري: "وهذه العبارة صريحة في الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم".

لكن قد يُشكِل على ذلك قول أبي طاهر الداني في أطراف الموطأ (3/ 108): "هذا معلول؛ لأنه ظن".

فتعقبه ابن حجر؛ حيث قال في الفتح (2/ 224): "ورُدَّ بأن أبا حازم لو لم يقل: لا أعلمه إلخ، لكان في حكم المرفوع؛ لأن قول الصحابي: كنا نؤمر بكذا يُصرف بظاهره إلى من له الأمر، وهو النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابي في مقام تعريف الشرع، فيحمل على من صدر عنه الشرع، ومثله قول عائشة: كنا نؤمر بقضاء الصوم، فإنه محمول على أن الآمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، وأطلق البيهقي أنه لا خلاف في ذلك بين أهل النقل، والله أعلم".

ص: 349

ثم قال: "قيل: لو كان مرفوعًا ما احتاج أبو حازم إلى قوله: لا أعلمه إلخ، والجواب: أنه أراد الانتقال إلى التصريح، فالأول لا يقال له: مرفوع، وإنما يقال: له حكم الرفع"[وانظر: تغليق التعليق (2/ 306)].

قلت: قد أدخله إمام الصنعة محمد بن إسماعيل البخاري في المسند الصحيح، وكفى به.

3 -

حديث هُلْب الطائي:

روى وكيع بن الجراح [ثقة حافظ، من أثبت الناس في الثوري]، وعبد الرحمن بن مهدي [ثقة ثبت، حافظ إمام، من أثبت الناس في الثوري]، وعبد الرزاق بن همام [ثقة حافظ، من أصحاب الثوري]، ومحمد بن كثير العبدي [ثقة، من أصحاب الثوري]، والحسين بن حفص الأصبهاني [صدوق، من أصحاب الثوري]، وعبد الصمد بن حسان المرْورُوذي، ويقال: المرُّوذي [صدوق، خادم سفيان. اللسان (5/ 185)، التعجيل (657)، الجرح والتعديل (6/ 51)]:

عن سفيان الثوري، عن سماك بن حرب، عن قَبيصة بن هُلْب، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعًا يمينه على شماله في الصلاة، ورأَيته ينصرف عن يمينه وعن شماله.

وفي رواية: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف مرة عن يمينه، ومرة عن شماله، وكان يمسك بيمينه على شماله في الصلاة.

أخرجه أحمد (5/ 227)، وابنه عبد الله في زيادات المسند (5/ 226)، وعبد الرزاق (2/ 240/ 3207)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 342/ 3934)، وفي المسند (860)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 440/ 2494)، وابن قانع في المعجم (3/ 199)، والطبراني في الكبير (22/ 163 و 165/ 415 و 421)، والدارقطني (1/ 285)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (10/ 311)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2762/ 6564)، والبيهقي (2/ 29 و 295)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 74)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 32/ 571).

ورواه يحيى بن سعيد القطان [ثقة ثبت، حافظ إمام، من أثبت الناس في الثوري]، عن سفيان: حدثني سماك، عن قبيصة بن هُلْب، عن أبيه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وعن يساره، ورأيته -قال:- يضع هذه على صدره -وصف يحيى: اليمنى على اليسرى فوق المِفْصَل-.

أخرجه أحمد (5/ 226)، قال: حدثنا يحيى بن سعيد به. ومن طريقه: ابن الجوزي في التحقيق (434).

هكذا رواه أحمد عن يحيى بن سعيد بهذا القيد وهذا الوصف، ورواه بندار محمد بن بشار [ثقة مكثر عن يحيى القطان وغيره، قال بأنه اختلف إلى القطان أكثر من عشرين سنة. التهذيب (3/ 519)]، فلم يذكر قوله: على صدره، ولا وصفه: فوق المفصل:

ص: 350

قال بندار: نا يحيى، عن سفيان، عن سماك، عن قبيصة بن الهلب، عن أبيه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شقيه: عن يمينه وعن يساره، ويضع يده اليمنى على اليسرى.

أخرجه أبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (2/ 96/ 234).

فهاتان الزيادتان: "على صدره"، و"فوق المفصل" في هذا الحديث زيادتان شاذتان، غير محفوظتين، حيث لم يأت بهما بندار عن القطان، ولا تابع القطان عليها أحد من ثقات أصحاب الثوري الحفاظ المكثرين عنه، لا سيما ابن مهدي ووكيعًا، ولا تابع الثوري عليها أحد ممن روى الحديث عن سماك.

• فقد رواه أبو الأحوص [ثقة متقن، روى له مسلم عن سماك]، عن سماك، عن قبيصة بن هُلْب، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤُمُّنا فيأخذ شماله بيمينه، وكان ينصرف عن جانبيه جميعًا: عن يمينه وعن شماله.

أخرجه الترمذي (252 و 301)، وابن ماجه (809 و 929)، وابن حبان في كتاب الصلاة (13/ 17237/636 - إتحاف المهرة)، وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند (5/ 226 و 227)، وابن قانع في المعجم (3/ 199)، والطبراني في الكبير (22/ 165/ 420 و 424)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 31/ 570) و (3/ 211/ 703)، وابن الجوزي في التحقيق (435).

• ورواه زائدة بن قدامة [ثقة ثبت، روى له مسلم عن سماك]، وزهير بن معاوية [ثقة ثبت، روى له مسلم عن سماك]، وإسرائيل بن أبي إسحاق [ثقة]، وعمرو بن أبي قيس [ليس به بأس]، وشريك بن عبد الله النخعي [صدوق، سيئ الحفظ؛ يخطئ كثيرًا]، وقيس بن الربيع [صدوق، تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به]، وأسباط بن نصر [ليس بالقوي، قال الساجي: "روى أحاديث لا يتابع عليها عن سماك بن حرب"، التهذيب (1/ 109)]، وحفص بن جميع [ضعيف، يحدث عن سماك بأحاديث مناكير][لكنهما هنا قد تابعا الثقات]:

عن سماك بن حرب، عن قبيصة بن هلب الطائي، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انفتل من الصلاة انفتل عن يمينه وعن شماله. لفظ زائدة، وبمعناه لفظ زهير وإسرائيل وأسباط وعمرو، وفي رواية لزائدة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وعن يساره، ويضع إحدى يديه على الأخرى في الصلاة، ولأسباط وابن جميع بشقه الثاني، وفي رواية لإسرائيل: كان النبي صلى الله عليه وسلم يضرب بإحدى يديه على الأخرى في الصلاة.

ولفظ شريك: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعًا يده اليمنى على اليسرى في الصلاة، ورأيته ينصرف عن يمينه، وعن شماله في الصلاة.

أخرجه أحمد (5/ 227)، وابنه عبد الله في زيادات المسند (5/ 226)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 440/ 2493)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (2/ 176/ 283)، وابن قانع في المعجم (3/ 198 - 200)، والطبراني في الكبير (22/ 164 -

ص: 351

166/ 417 - 419 و 422 و 423 و 426)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (10/ 311)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 73).

زاد فيه عمرو بن أبي قيس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن شماله، فشذ في ذلك؛ قال أبو حاتم:"هكذا رواه عمرو، ولم يتابع عليه، إنما هو: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفتل عن يمينه وعن شماله"[مختصر الطوسي (283)، علل ابن أبي حاتم (399)].

• ورواه شعبة، عن سماك، عن قبيصة بن هلب، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شقيه. فلم يروِ موضع الشاهد من هذا الحديث.

أخرجه أبو داود (1041)، وابن حبان (5/ 339/ 1998)، وأحمد (5/ 227)، وابنه عبد الله في زيادات المسند (5/ 226 و 227)، والطيالسي (13/ 413/ 1183)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 3109/271)، وفي المسند (861)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (1/ 596/ 2490 - السفر الثاني)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 441/ 2495)، والدولابي في الكنى (1/ 263/ 466)، وابن قانع في المعجم (3/ 198)، والطبراني في الكبير (22/ 164/ 416).

قلت: سماك بن حرب: صدوق، تُكُلم فيه لأجل اضطرابه في حديث عكرمة خاصة، وكان لما كبر ساء حفظه؛ فربما لُقِّن فتلقن، وأما رواية القدماء عنه فهي مستقيمة، قال يعقوب بن شيبة:"وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهو في غير عكرمة صالح، وليس من المتثبتين، ومن سمع منه قديمًا -مثل شعبة وسفيان- فحديثهم عنه: صحيح مستقيم"[انظر: الأحاديث المتقدمة برقم (68 و 375 و 447 و 622 و 656)]، وهذا الحديث ليس من رواية سماك عن عكرمة، والتي وقع لسماك فيها الاضطراب، فقد أمنا فيه سلوك الجادة والطريق السهل، فإن قبيصة بن هلب الطائي، عن أبيه: تحتاج إلى ضبط، فهو من صحيح حديثه، والله أعلم.

وهذا الحديث رواه عنه جماعة من القدماء، منهم: سفيان وشعبة، وهما ممن سمع منه قديمًا، وزائدة بن قدامة [ثقة ثبت متقن]، وإسرائيل بن أبي إسحاق [ثقة]، وهما من طبقة شعبة وسفيان وأقرانهم، وهاتان الزيادتان:"على صدره"، و"فوق المفصل" لم يأت لهما ذكر في رواية أحد ممن روى هذا الحديث عن سماك سوى رواية شاذة عن سفيان، والله أعلم.

وهذه الزيادة مع كون الإمام أحمد هو الذي رواها عن يحيى القطان، ومع ذلك فإنه أعرض عن العمل بها، قال عبد الله ابن الإمام أحمد في مسائله (260):"رأيت أبي إذا صلى وضع يديه أحدهما على الأخرى فوق السرة".

وقال أبو داود في مسائله لأحمد (220 و 221): "وسمعته سئل عن وضعه؟ فقال: فوق السرة قليلًا، وإن كان تحت السرة فلا بأس، وسمعته يقول: يكره أن يكون -يعني: وضع اليدين- عند الصدر".

ص: 352

وقال إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله لأحمد وإسحاق (211): "قلت: أين يضع يمينه على شماله؟ قال: كل هذا عندي واسع، قلت: إذا وضع يمينه على شماله، أين يضعهما؟ قال: فوق السُّرَّة وتحته، كل هذا واسع، كل هذا ليس بذاك، قال إسحاق: كما قال، تحت السُّرَّة أقوى في الحديث، وأقرب إلى التواضع".

ونقل ابن مفلح في الفروع (1/ 361) عن الإمام أحمد عدة روايات في المسألة، ثم قال:"ويكره وضعهما على صدره، نصَّ عليه؛ مع أنه رواه أحمد".

وانظر فيمن وهم فيه على الثوري، وعلى سماك: علل ابن أبي حاتم (1/ 142 و 143/ 395 و 399)، الإصابة (3/ 517).

• يبقى الكلام بعد ذلك على قبيصة بن هلب وأبيه:

أما هُلْب: فقد أثبت له الصحبة جماعة، مع كونه لا يُعرف حديثه إلا من قبل ابنه قبيصة، وممن صرح بصحبته: ابن المديني، وأبو حاتم، وابن حبان، وغيرهم، وقال ابن المديني والبخاري وأبو حاتم ومسلم والترمذي وابن حبان وابن قانع والبيهقي وغيرهم بأن اسم هُلب: يزيد بن قنافة، وهلب لقب، وقيل في اسمه غير ذلك [التاريخ الكبير (7/ 177)، الجرح والتعديل (7/ 125) و (9/ 120 و 284)، المنفردات والوحدان (431)، الثقات (3/ 466) و (5/ 319)، جامع التحصيل (850)، وغيرها].

وأما قبيصة بن هلب: فقال ابن المديني ومسلم بأنه لم يرو عنه غير سماك بن حرب، وقال ابن المديني والنسائي:"مجهول"، وقال العجلي:"تابعي، ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات، وصحح حديثه، وحسَّن حديثه هذا: الترمذي والطوسي والبغوي، وصححه ابن عبد البر [التهذيب (3/ 427)، الميزان (3/ 384)].

قال الترمذي: "حديث هلب: حديث حسن"[وكذا في المغني (1/ 281)، والمجموع (3/ 258)، والتحفة (8/ 315/ 11735 - ط دار الغرب)، ونصب الراية (1/ 318)، والآداب الشرعية (3/ 200)، والفتح لابن رجب (5/ 279)، وغيرها][وفي مختصر الطوسي: "حسن صحيح"].

وقال الطوسي: "وحديث هلب: حديث حسن".

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1549): "روى عنه ابنه قبيصة بن هلب؛ أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم واضعًا يده اليمنى على اليسرى في الصلاة، قال: ورأيته ينصرف عن يمينه وعن شماله في الصلاة، وهو حديث صحيح".

وقال في الاستذكار (2/ 290): "وأما وضع اليمنى على اليسرى: ففيه آثار ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ منها:

"، فذكر أحاديث، منها حديث هلب هذا.

وقال البغوي: "هذا حديث حسن".

قلت: الحكم على الراوي بالجهالة لا يمنع من تصحيح حديثه، فكم من راوٍ حكم أبو حاتم عليه بالجهالة ونحوها ثم صحح حديثه، فقد قال في أحمد بن إبراهيم أبي صالح

ص: 353

الخراساني: "شيخ مجهول، والحديث الذي رواه صحيح"[الجرح والتعديل (2/ 39)].

وقال في أحمد بن المنذر، ولم يذكر له راويًا سوى الدورقي:"لا أعرفه"، وعرض ابن أبي حاتم على أبيه حديثه فقال أبو حاتم:"حديث صحيح"[الجرح والتعديل (2/ 78)].

وقال في خداش بن مهاجر، وقد ترجم له براويين:"شيخ مجهول، أرى حديثه مستقيمًا"[الجرح والتعديل (3/ 391)].

وقال في عبد الرحمن بن شيبة، ولم يذكر له راويًا سوى الربيع بن سليمان:"لا أعرفه، وحديثه صحاح"[الجرح والتعديل (5/ 243)].

وقال في الفضل بن سويد: "لم يرو عنه غير محمد بن حمران، وليس بالمشهور، ولا أرى بحديثه بأسًا"[الجرح والتعديل (7/ 62)].

وعمارة بن عبد السلولي الكوفي: سمع عليًّا رضي الله عنه، روى عنه أبو إسحاق السبيعي وحده، قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني:"سألت أحمد بن حنبل عن عمارة بن عبد؟ فقال: مستقيم الحديث، لا يروي عنه غير أبي إسحاق"، وقد قال فيه أبو حاتم:"هو شيخ مجهول، لا يحتج بحديثه"[الجرح والتعديل (6/ 367)، التهذيب (3/ 211)].

فهذا الإمام أحمد يحكم على حديثه بالاستقامة، مع كونه لم يرو عنه غير أبي إسحاق، وأبو إسحاق السبيعي يروي عن جماعة من المجاهيل، قال ابن رجب في شرح العلل (1/ 378): "وقال يعقوب بن شيبة: قلت ليحيى بن معين: متى يكون الرجل معروفًا؟ إذا روى عنه كم؟ قال: إذا روى عن الرجل مثل ابن سيرين والشعبي، وهؤلاء أهل العلم، فهو غير مجهول. قلت: فإذا روى عن الرجل مثل سماك بن حرب وأبي إسحاق؟ قال: هؤلاء يروون عن مجهولين. انتهى.

وهذا تفصيل حسن، وهو يخالف إطلاق محمد بن يحيى الذهلي الذي تبعه عليه المتأخرون؛ أنه لا يخرج الرجل من الجهالة إلا برواية رجلين فصاعدًا عنه".

قلت: فدل ذلك على أن استقامة حديث الراوي تكفي في قبول حديثه، حتى لو لم يكن مشهورًا بالطلب، لا سيما من كان في طبقة التابعين، والله أعلم.

وانظر أيضًا في هذا المعنى: الجرح والتعديل (2/ 64) و (4/ 75) و (5/ 225) و (6/ 188 و 262) و (7/ 140 و 276) و (8/ 79 و 176)، الكامل (1/ 67)(6/ 233)، شرح علل الترمذي (1/ 377)، الخبر الثابت. رسالتي في المجهول.

والمقصود من هذه النقول بيانُ أن المجهولَ لا يُردُّ حديثه لمجرد جهالته؛ إذ الجهالة وصف لا يلزم منه الجرح، بل يقترن كثيرًا في كلام الأئمة الوصفُ بالجهالة مع التوثيق أو التجريح، ولكن ينظر في حديث المجهول؛ فإن كان حديثه مستقيمًا موافقًا لرواية الثقات صُحِّح حديثه واغتُفرت جهالته، حيث لم يرو منكرًا، ولم ينفرد عن الثقات بما ليس من حديثهم، لا سيما لو كان من التابعين، وهذا مثل حالتنا هذه، فإن حديث قبيصة هذا مما صح من غير طريق، كما هو ظاهر من شواهده، وقد صحح له ابن حبان وابن عبد البر،

ص: 354

وحسن له الترمذي والطوسي والبغوي، وأثبت الصحبة لأبيه: ابن المديني، وأبو حاتم، وابن حبان، مع كون الهلب لا يُعرف إلا من رواية ابنه عنه، وفي هذا نوع من التوثيق الضمني الذي يرفع من حاله، والله أعلم.

• والحاصل: فإن حديث هلب الطائي هذا: حديث حسن، والله أعلم.

4 -

حديث غضيف بن الحارث:

رواه معاوية بن صالح، قال: حدثني يونس بن سيف العنسي، عن الحارث بن غطيف، أو: غطيف بن الحارث الكندي -شكَّ معاوية-، قال: مهما رأيتُ شيئًا فنسيتُه؛ فإني لم أنْسَ أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده اليمنى على اليسرى؛ يعني: في الصلاة.

كذا في رواية زيد بن الحباب.

وفي رواية عبد الرحمن بن مهدي: عن الحارث بن غضيف، أو: غضيف بن الحارث، قال: ما نسيت من الأشياء؛ لم أنْسَ أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعًا يمينه على شماله في الصلاة.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (7/ 112)، وأحمد (4/ 105) و (5/ 290)، وابن سعد في الطبقات (7/ 429)، وابن معين في تاريخه (3/ 12/ 46 و 47 - رواية الدوري)، وابن أبي شيبة (1/ 342/ 3933)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 389/ 2433)، وسمويه في الثالث من فوائده (54)، والروياني (1536)، وأبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (2/ 458/70)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 185) و (2/ 316)، والطبراني في الكبير (3/ 3399/276)، وأبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى (1/ 386/ 326)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 805 و 806/ 2121 و 2122) و (4/ 5637/2274)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 73)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (48/ 70).

• ومنهم من رواه عن معاوية فأدخل أبا راشد الحبراني [وهو: ثقة، من الثانية] بين يونس والحارث، والصحيح الأول:

أخرجه الطحاوي في أحكام القرآن (1/ 187/ 330 و 331)، والطبراني في الكبير (3/ 276/ 3400)، وابن عدي في الكامل (6/ 405)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 806/ 2123 و 2124).

هكذا رواه رشدين بن سعد [وهو ضعيف]، ورواه جماعة عن ابن وهب، كلاهما: عن معاوية بن صالح، عن يونس بن سيف، عن أبي راشد، عن الحارث بن غضيف.

ورواية الجماعة هي المحفوظة؛ فقد رواه عن معاوية بن صالح: عبد الرحمن بن مهدي، ومعن بن عيسى، وحماد بن خالد الخياط، وزيد بن الحباب، وعبد الله بن صالح، وعبد الله بن وهب [من رواية أحمد بن صالح المصري عنه][وهم ثقات]، وغيرهم، عن معاوية به، دون ذكر أبي راشد الحبراني فيه، وهو الصواب.

قال ابن منده: "ذكر أبي راشد فيه زيادة"[الإصابة (1/ 591)].

ص: 355

• وقد اختلف في صحابي هذا الحديث -حتى على الرواة المذكورين عن معاوية بن صالح- اختلافًا شديدًا، وأخشى أن يكون بعضه تصحيفًا، فمنهم من قال: الحارث بن غطيف، أو: غطيف بن الحارث الكندي، ومنهم من قال: غضيف بن الحارث، أو: الحارث بن غضيف، ومنهم من لم يذكر شك معاوية فيه، فقال: غطيف بن الحارث الكندي، ومنهم من قال: غضيف بن الحارث، ومنهم من قال: الحارث بن غطيف، ومنهم من قال: الحارث بن غضيف، ومنهم من قال: الحارث بن غظيف، وقيل غير ذلك.

ولأجل هذا الاختلاف فقد ترجم له من صنف في الصحابة في أكثر من موضع، وأخرجوا له في كل مرة هذا الحديث بعينه.

قال أبو حاتم وأبو زرعة: "الصحيح أنه غضيف بن الحارث"[الجرح والتعديل (7/ 54)]، وأخرج البخاري حديثه في ترجمة غضيف بن الحارث من التاريخ الكبير، وقال في التاريخ الأوسط (1/ 189/ 888 و 889):"أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الثوري في حديثه: غطيف بن الحارث، وهو وهم".

وترجم له أحمد في الأسامي والكنى (351) بقوله: "غضيف بن الحارث، أبو أسماء"، وكذا قال في العلل ومعرفة الرجال (316 و 1203)، وكذا في المسند في الموضع الأول، وفي الثاني:"غطيف بن الحارث".

وترجم له ابن حبان في الصحابة من ثقاته (3/ 326)، وقال:"غضيف بن الحارث اليماني، أبو أسماء السكوني الأزدي، من أهل اليمن، رأى النبي صلى الله عليه وسلم واضعًا يده اليمنى على اليسرى في الصلاة، سكن الشام، حديثه عند أهلها، ومن قال إنه الحارث بن غضيف فقد وهم"، ثم ترجم له مرة أخرى في ثقات التابعين (5/ 291) من روايته عن عائشة وأبي الدرداء.

وهذا هو قول أكثر أهل العلم؛ أنه: غضيف بن الحارث [انظر: تاريخ دمشق (48/ 69 - 83)].

والذي يظهر لي أن الأئمة جزموا بأنه: غضيف بن الحارث من مجموع مروياته، فقد روى غضيف عدة أحاديث، وأما هذا الحديث بعينه فالأقرب عندي أن الاختلاف فيه مرجعه إلى معاوية بن صالح نفسه، وهو الحضرمي الحمصي: صدوق، له إفرادات وغرائب وأوهام، وهذا من تخليطه، والله أعلم.

وممن رجح أنه الحارث بن غطيف: ابن معين [فيما حكاه عنه ابن السكن، وابن عبد البر]، والطبراني، وابن منده، وابن السكن، وقال:"ومن قال فيه: غضيف؛ فقد صحف"[الاستيعاب (1/ 298) و (3/ 1253 و 1254)، الإصابة (1/ 586 و 591) و (5/ 276 و 323)].

• وقد اختلف في غضيف بن الحارث، فمنهم من صرح بصحبته، أو اكتفى بعَدِّه في الصحابة، مثل: أحمد بن حنبل، والبخاري، وأبي حاتم، وابنه، وأبي زرعة، وابن أبي

ص: 356

خيثمة، والترمذي، وخليفة بن خياط، ويعقوب بن سفيان، وابن أبي عاصم، والروياني، والبغوي، والعقيلي، وابن قانع، وابن حبان، والطبراني، والأزدي، وأبي أحمد الحاكم، والعسكري، وابن البرقي، وأبي القاسم عبد الصمد بن سعيد القاضي، وغيرهم.

ومنهم من عدَّه في التابعين، مثل: ابن سعد، والعجلي، وابن خراش، والدارقطني.

ومنهم من جعلهما اثنين: صحابي وتابعي [انظر: الاستيعاب (1/ 298) و (3/ 1253 و 1254)، تاريخ دمشق (48/ 69 - 83)، الإنابة (777 و 778)، تحفة التحصيل (255)، الإصابة (1/ 591) و (5/ 323 و 346)، التهذيب (3/ 376)، التقريب (491)، وغيرها].

وقال ابن منده، وابن عساكر:"مختلف في صحبته، أدرك [زمان] النبي صلى الله عليه وسلم"[تاريخ دمشق (48/ 69)، فتح الباب (494)].

وقال الذهبي: "عداده في صغار الصحابة، وله رواية، وروى أيضًا عن: عمر، وأبي عبيدة، وبلال، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وطائفة "السير (3/ 453)، وانظر: تاريخ الإسلام (5/ 506)].

وهذا هو الأقرب عندي، والله أعلم، وانظر: الإصابة (5/ 323 - 326 و 346).

قال البغوي: "لم يسند الحارث بن غطيف غير هذا".

قال مغلطاي في شرح سنن ابن ماجه (5/ 1407 - ط الباز)(5/ 125 - ط مكتبة ابن عباس): "وقال الخلال في علله: عن عصمة: ثنا حنبل: ثنا أبو عبد الله: ثنا عبد الرحمن: ثنا معاوية -يعنى: ابن صالح-، عن يوسف بن سيف عنه، قال: وقال أبو عبد الله: هذا إسناد شامي.

وقال الدارقطني: يعني أحمد بهذا أنه لم يرض إسناده؛ لأن الحارث لا يعرف إلا بهذا الحديث، ولا نعلم يوسف بن سيف سمع منه أو لا؟ ".

قلت: هو في المسند من طريق عبد الرحمن بن مهدي، وقال فيه: يونس بن سيف، وهو الصواب، ولا أدري ممن الوهم فيه، وشيخ الخلال هو: عصمة بن عصام العكبري الشيباني، روى عن حنبل، وعن الإمام أحمد، ولم يُنقل فيه جرح أو تعديل سوى قول الخلال:"كان صالح"[تاريخ بغداد (12/ 288)، طبقات الحنابلة (2/ 174)].

وفي جامع التحصيل (920): "قال الدارقطني: لا يعرف إلا بهذا الحديث -يعني: الحارث-، ولا أعلم يونس بن سيف سمع منه أم لا".

قلت: غضيف بن الحارث قد روى عدة أحاديث، بعضها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها عن الصحابة، وهو رجل واحد، كما يظهر من كلام الأئمة، وهو كما قال الذهبي؛ صحابي صغير، له رواية، وروى أيضًا عن كبار الصحابة.

ويونس بن سيف الكلاعي الحمصي: صالح الحديث، ولا يُعرف له سماع من غضيف بن الحارث؛ كما قال الدارقطني، ولم يذكر البخاري له سماعًا من غضيف

ص: 357

[التاريخ الكبير (8/ 405)، جامع التحصيل (920)، شرح سنن ابن ماجه (5/ 1407 - ط الباز) (5/ 125 - ط مكتبة ابن عباس)، التهذيب (4/ 469)].

ومعاوية بن صالح الحضرمي الحمصي: صدوق، له إفرادات وغرائب وأوهام، وقد خلَّط في صحابي هذا الحديث، ولم يضبط اسمه.

لكن مثل هذا يحتمل في الشواهد؛ فإن للحديث شواهد صحيحة، تقدم ذكرها، فهو حسن بشواهده؛ والله أعلم.

قال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 290): "وأما وضع اليمنى على اليسرى: ففيه آثار ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ منها:

"، فذكر أحاديث، منها حديث غضيف هذا.

قلت: يحمل قوله هذا على كون حديث غضيف صالحًا في الشواهد، يعتضد بغيره من أحاديث الباب؛ لا أنه حجة بنفسه، والله أعلم.

5 -

حديث شداد بن شرحبيل:

رواه بقية بن الوليد، قال: ثنا حبيب بن صالح، قال: حدثني عياش بن مؤنس، عن شداد بن شرحبيل الأنصاري، قال: مهما نسيت من شيء فلم أنس أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا يصلي، ويده اليمنى على اليسرى، قابضًا عليها.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 224)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/ 207)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/ 154/ 2138) و (4/ 248/ 2251)، والبزار (1/ 253/ 522 - كشف الأستار)، وابن قانع في المعجم (1/ 334)، وابن السكن (2/ 695 - الاستيعاب)، والطبراني في الكبير (7/ 272/ 7111)، وفي مسند الشاميين (2/ 162/ 1112)، والإسماعيلي (3/ 321 - الإصابة)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1459/ 3695)، وأبو محمد الخلال في المجالس العشرة (16)، وابن عبد البر في الاستيعاب (2/ 695)، وعلقه أبو القاسم البغوي في معجم الصحابة (3/ 289).

قال البخاري: "عياش لم يذكر سماعًا من شداد".

وقال ابن السكن: "ليس لشداد بن شرحبيل غير هذا الحديث"، وكذا قال البزار.

وقال ابن حجر في الإصابة (3/ 321): "ذكره أبو القاسم عبد الصمد فيمن نزل حمص من الصحابة، قال ابن حبان: سكن الشام له صحبة، وقال ابن منده: حمصي له صحبة، وقال ابن السكن: ليس بمشهور".

قلت: هو كما قال ابن السكن، غير مشهور، ولم يصرح بصحبته البخاري وأبو حاتم، وإنما ذكروا روايته فقط، ولا تكفي في إثبات الصحبة؛ لما يأتي بيانه.

وعياش بن مؤنس [تصحف في بعض المصادر إلى عباس بن يونس]: روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في الثقات، فهو في عداد المجاهيل، ولم يذكر سماعًا من شداد [التاريخ الكبير (7/ 47)، كنى مسلم (3154)، الجرح والتعديل (7/ 5)، الثقات (5/ 271) و (8/ 509)، الإكمال (6/ 67) و (7/ 231)، التوضيح (6/ 85)].

ص: 358

قال ابن حجر في الإصابة (3/ 321): "رواه جماعة عن بقية فأدخلوا بين عياش وشداد رجلًا، وفي رواية الإسماعيلي ومن وافقه: عن عياش عمن حدثه عن شداد".

قلت: فعلى هذا فلا تثبت صحبة شداد، ولا يصح حديثه، والله أعلم.

6 -

حديث ابن عمر:

روى يحيى بن سعيد بن سالم القداح: ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنا معاشر الأنبياء أمرنا بثلاث: بتعجيل الفطر، وتأخير السحور، ووضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة".

أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 404)، والطبراني في الصغير (1/ 176/ 279)، وفي الأوسط (3/ 238/ 3029)، وابن عدي في الكامل (5/ 345)، والبيهقي (2/ 29)، والخطيب في المتفق والمفترق (3/ 2086/ 1766).

قال العقيلي في يحيى بن سعيد هذا: "في حديثه مناكير"، ثم قال بعد أن أخرج هذا الحديث في ترجمته:"وهذا يروى بأصلح من هذا الإسناد".

وقال الطبراني: "لم يروه عن نافع إلا عبد العزيز، ولا عنه إلا ابنه عبد المجيد، تفرد به: يحيى بن سعيد، [ولا يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه] ".

وقال ابن عدي بعد أن أنكر على عبد المجيد عدة أحاديث: "وحديث: "إنا معاشر الأنبياء" يرويه عبد المجيد عن أبيه عن نافع عن ابن عمر، وكل هذه الأحاديث: غير محفوظة، على أنه يتثبت في حديث ابن جريج، وله عن ابن جريج أحاديث غير محفوظة، وعامة ما أنكر عليه الإرجاء".

وقال البيهقي: "تفرد به عبد المجيد، وإنما يعرف بطلحة بن عمرو -وليس بالقوي- عن عطاء عن ابن عباس، ومرة: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ولكن الصحيح: عن محمد بن أبان الأنصاري، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ثلاث من النبوة، فذكرهن من قولها".

وقال في المعرفة (3/ 386): "ولم يثبت إسناده مرفوعًا".

وقال الهيثمي في المجمع (3/ 155): "رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وفيه يحيى بن سعيد بن سالم القداح، وهو ضعيف".

قلت: هو حديث منكر؛ عبد العزيز بن أبي رواد، وابنه عبد المجيد: صدوقان، لهما أوهام ومناكير، وما أنكروه على عبد المجيد أكثر، والمتفرد بهذا الحديث: يحيى بن سعيد بن سالم القداح: ليس بالقوي، في حديثه مناكير، وهذا منها، وهو قليل الرواية [الميزان (4/ 378)، اللسان (8/ 442)]، ومن الأئمة من عدَّ هذا الحديث في مناكير عبد المجيد، ومنهم من عدَّه في مناكير القداح، كما هو ظاهر من أقوالهم.

وله علة أخرى؛ فقد قال البخاري في الكنى من التاريخ الكبير (31): قال أبو عاصم، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن أبيه؛ أن ابن عمر مرَّ به، وقد وضع يديه؛

ص: 359

أحدهما على الأخرى، فضرب يديه، وقال: أظن أنه وضع شماله على يمينه.

وعلقه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/ 372).

وأبو عاصم هو النبيل، الضحاك بن مخلد: ثقة ثبت، وقوله أولى بالصواب، وأبو رواد: لا يُعرف [كنى البخاري (31)، الجرح والتعديل (9/ 372)، الثقات (5/ 417)، فتح الباب (2887)، الاستغناء (2/ 1194/ 1647)، الإكمال لابن ماكولا (4/ 105)]، والله أعلم.

7 -

حديث عائشة:

رواه سعيد بن منصور، وقتيبة بن سعيد، وحجاج بن منهال، وشجاع بن مخلد [وهم ثقات]، عن هشيم:

قال سعيد: أخبرنا هشيم، قال: أخبرنا منصور بن زاذان، عن محمد بن أبان الأنصاري، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ثلاث من [عمل] النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع [اليد] اليمنى على اليسرى في الصلاة.

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 32)، وابن المنذر (3/ 92/ 1287)، والدارقطني (1/ 284)، وابن بشران في الأمالي (1339)، والبيهقي (2/ 29)، وابن عبد البر في التمهيد (19/ 251) و (20/ 80)، وفي الاستذكار (2/ 292)، وعلقه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/ 198).

وخالفهم في متنه: عمرو بن عون [ثقة ثبت]، فرواه عن هشيم، عن منصور، عن محمد بن أبان، عن عائشة، قالت: أربع من السُّنَّة: تعجبل الإفطار، وتأخير السحور، ووضع الرجل اليسرى في التشهد، ونصب اليمنى.

أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (19/ 250).

قلت: رواية الجماعة أولى بالصواب، وانظر: سؤالات البرذعي (475 - 476).

قال البخاري: "ولا نعرف لمحمد سماعًا من عائشة".

وقال البيهقي (4/ 238): "وروي عن عائشة رضي الله عنها من قولها: ثلاثة من النبوة، فذكرهن، وهو أصح ما ورد فيه".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (19/ 250): "منصور هذا هو: منصور بن زاذان، ومحمد بن أبان هذا هو: محمد بن أبان الأنصاري المديني؛ إلا أني أظن أنه لم يدرك عائشة، وأخشى أن يكون محمد بن أبان الذي يروي عن القاسم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يعصي الله فلا يعصه"، وقد جعلهما العقيلي رجلين، وكذلك جعلهما أبو حاتم رجلين"، إلى أن قال:"فسقط هذا الحديث أن يحتج به في هذا الباب؛ للاختلاف في متنه ومعناه"[وانظر: التمهيد (6/ 95)].

قلت: نعم قد فرَّق بينهما البخاري وأبو حاتم والعقيلي والذهبي وابن حجر، وهو الصواب، قال ابن حجر في اللسان: "والصواب أن الراوي عن عائشة، غير الراوي عن

ص: 360

القاسم عن عائشة، والله أعلم" [التاريخ الكبير (1/ 32)، الجرح والتعديل (7/ 198 و 199)، الميزان (3/ 454)، اللسان (6/ 491)]، وجعلهما ابن حبان رجلًا واحدًا، حيث قال في الثقات (7/ 392): "محمد بن أبان الأنصاري: من أهل المدينة، يروي عن القاسم بن محمد، وعروة بن الزبير، روى عنه يحيى بن أبي كثير، ومنصور بن المعتمر "كذا"، ومن زعم أنه سمع من عائشة فقد وهِم، وليس هذا بمحمد بن أبان الجعفي، ذلك من أهل الكوفة؛ ضعيف، وهذا مدني ثبت".

وأما الذي سئل عنه ابن معين فقال: "لا أدري"[تاريخ الدوري (4/ 332/ 4652)]، فهو الذي روى عنه يحيى بن أبي كثير، وهو غير هذا.

قال النووي في المجموع (3/ 259): "محمد هذا: مجهول، قال البخاري: لا يُعرف له سماع من عائشة".

قلت: نعم هو مجهول، لا يُعرف إلا بهذا الإسناد وهذا الحديث، ولا يُعرف له سماع من عائشة، لكنه لم يأت فيه بما يُنكر، فالإسناد ضعيف؛ وهو صالح في الشواهد، والله أعلم.

8 -

حديث أبي هريرة:

رواه النضر بن إسماعيل، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "أُمِرنا معاشر الأنبياء أن نعجِّلَ إفطارنا، ونؤخِّرَ سحورنا، ونضرِبَ بأيماننا على شمائلنا في الصلاة".

أخرجه الدارقطني (1/ 284)، ومن طريقه: ابن الجوزي في التحقيق (437).

وهذا إسناد ضعيف؛ ابن أبي ليلى: سيئ الحفظ جدًّا، والنضر بن إسماعيل البجلي: ليس بالقوي، عنده مناكير، ولعل هذا منها، وضعفه البيهقي (4/ 238).

• ورواه محمد بن المطلب [مجهول. ذيل الميزان (666)، اللسان (7/ 509)]، ومحمد بن عبد الملك أبو إسماعيل الواسطي [ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: "يعتبر حديثه إذا بيَّن السماع في خبره، في روايته، فإنه كان مدلِّسًا، يخطئ"، قلت، وقد بيَّن السماع في روايته. التاريخ الكبير (1/ 164)، الثقات (9/ 49)، التهذيب (3/ 635)، طبقات المدلسين (97)]:

عن أبان بن بشير المعلم، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير، قال: حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من النبوة: تعجيل الفطر، وتأخير السحور، ووضع اليمنى على اليسرى في الصلاة".

أخرجه بحشل في تاريخ واسط (94)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 80)، وفي الاستذكار (2/ 292).

وهذا حديث منكر؛ ليس هو من حديث يحيى بن أبي كثير، ولا من حديث أبي سلمة، تفرد به أبان بن بشير المكتب، وهو مجهول، وله أوهام [التاريخ الكبير (1/ 453)،

ص: 361

الجرح والتعديل (2/ 299)، الثقات (6/ 68)، علل الدارقطني (7/ 56/ 1208)، اللسان (1/ 220)].

9 -

حديث ابن عباس:

رواه طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنا معاشر الأنبياء أُمِرنا أن نؤخِّر السحور، ونعجِّل الأفطار، وأن نمسك بأيماننا على شمائلنا في الصلاة".

أخرجه الطيالسي (4/ 377/ 2776)، وعبد بن حميد (624)، وابن منيع (4/ 99/ 486 - مطالب) و (6/ 123/ 1061 - مطالب)، والسهمي في تاريخ جرجان (146)، والدارقطني (1/ 284)، وأبو محمد الخلال في المجالس العشرة (36)، والبيهقي في السنن (4/ 238)، وفي فضائل الأوقات (139)، وابن الجوزي في التحقيق (436).

ورواه طلحة مرة، عن عطاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلًا.

أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/ 385).

قال البيهقي: "هذا حديث يعرف بطلحة بن عمرو المكي، وهو ضعيف، واختلف عليه؛ فقيل عنه هكذا، وقيل عنه عن عطاء عن أبي هريرة، وروي من وجه آخر ضعيف عن أبي هريرة، ومن وجه ضعيف عن ابن عمر، وروي عن عائشة رضي الله عنها من قولها: ثلاثة من النبوة، فذكرهن، وهو أصح ما ورد فيه".

حكاه النووي في المجموع (6/ 381)، وأقره.

وقال ابن حجر في المطالب (4/ 99): "غريب، تفرد به طلحة بن عمرو المكي، وفيه ضعف".

قلت: هو حديث منكر؛ طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي المكي: متروك، قال ابن عدي:"عامة ما يرويه لا يُتابع عليه"[التهذيب (2/ 242)].

• فإن قيل: قد رواه ثقة ثبت عن عطاء بن أبي رباح:

فقد روى حرملة بن يحيى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث، أنه سمع عطاء بن أبي رباح، يحدث عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنا معشر الأنبياء أُمِرنا أن نؤخِّر سحورَنا، ونعجِّل فِطرَنا، وأن نمسك بأيماننا على شمائلنا في صلاتنا".

أخرجه ابن حبان في صحيحه (5/ 67/ 1770)، وفي وصف الصلاة بالسُّنَّة (7/ 408/ 8078 - الإتحاف)، والطبراني في الكبير (11/ 159/ 11485)، وفي الأوسط (2/ 247/ 1884)، والضياء في المختارة (11/ 209/ 200 و 201).

قال ابن حبان: "سمع هذا الخبر: ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، وطلحة بن عمرو، عن عطاء بن أبي رباح".

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عمرو بن الحارث إلا ابن وهب، تفرد به: حرملة بن يحيى".

ص: 362

وقال ابن رجب في الفتح (4/ 332): "وهذا إسناد في الظاهر على شرط مسلم، وزعم ابن حبان أن ابن وهب سمع هذا الحديث من عمرو بن الحارث وطلحة بن عمرو، كلاهما عن عطاء، وفي هذا إشارة إلى أن غير حرملة رواه عن ابن وهب، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء، وهذا هو الأشبه، ولا يعرف هذا الحديث من رواية عمرو بن الحارث".

وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 224): "أخشى أن يكون الوهم فيه من حرملة".

وقال في الإتحاف (7/ 409): "المحفوظ: حديثه عن طلحة، وأما حديثه عن عمرو بن الحارث: فغريب جدًّا".

وقال في المطالب (4/ 99/ 486): "غريب؛ تفرد به طلحة بن عمرو المكي، وفيه ضعف.

وقد أتى فيه أحمد بن طاهر بن حرملة التجيبي بآيد، قال: حدثنا جدي: ثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنها يذكره، فأبطل في قوله: عن عمرو بن الحارث، وإنما هو طلحة بن عمرو، وأحمد بن طاهر: كذَّبه الدارقطني وغيره، وأخرجه الطبراني في الأوسط عن أحمد بن طاهر".

قلت: لم ينفرد به أحمد بن طاهر عن جده حرملة، فقد رواه الحسن بن سفيان [إمام حافظ، ثقة ثبت. الجرح والتعديل (3/ 16)، السير (14/ 157)، التذكرة (2/ 245)]، قال: حدثنا حرملة به [كما عند ابن حبان]؛ لكنه حديث غلط؛ والأقرب أن حرملة وهم فيه بذكر عمرو بن الحارث، بدل: طلحة بن عمرو المكي، فإن الحديث إنما يُعرف به؛ كما قال البيهقي وغيره، كما أن عمرو بن الحارث المصري الفقيه الإمام: غير معروف بالرواية عن إمام أهل مكة في زمانه عطاء بن أبي رباح، وحرملة بن يحيى؛ راوية ابن وهب، وأكثر عنه: صدوق، تُكلم فيه، وضعفه بعضهم [التهذيب (1/ 372)].

• ورواه أيضًا: محمد بن أبي يعقوب الكرماني، قال: نا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنا معاشر الانبياء أُمِرنا أن نعجِّل الإفطار، وأن نؤخر السحور، وأن نضرب بأيماننا على شمائلنا".

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 7/ 10851)، وفي الأوسط (4/ 297/ 4249)، ومن طريقه: الضياء في المختارة (11/ 56/ 47).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن ابن عيينة إلا محمد بن أبي يعقوب".

قلت: الإسناد من لدن ابن عيينة فمن فوقه: إسناد مكي صحيح على شرط الشيخين [انظر: التحفة (4/ 5735 - 5737)]، والمتفرد به عن ابن عيينة: محمد بن أبي يعقوب الكرماني، نزيل البصرة، قال أبو حاتم:"مجهول"، وهو صدوق مشهور؛ كما قال الذهبي في الميزان والمغني.

قال في التهذيب: "حُكي عن يحيى بن معين أنه قال: هو ثقة"، وأول من وقفت عليه

ص: 363

ممن نقل هذا عن ابن معين في ترجمة الكرماني هذا، هو أبو الوليد الباجي في كتابه التعديل والتجريح، ولم أجد من سبقه إلى ذلك، والذي يظهر لي أن ابن معين إنما وثَّق رجلًا آخر متقدمًا على هذا في الطبقة، وكلاهما يقال له: محمد بن أبي يعقوب، ولأجل ذلك وقع اللبس، والله أعلم.

قال عثمان بن سعيد الدارمي لابن معين: "قلت: فمحمد بن أبي يعقوب، الذي يروي عنه مهدي بن ميمون، ما حاله؟ فقال: ثقة"، فهذا الذي وثقه ابن معين في رواية الدارمي؛ إنما هو: محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، وقد ترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/ 308)، وقال:"روى عنه: شعبة، ومهدي بن ميمون، وجرير بن حازم"، ثم نقل توثيق ابن معين له من رواية إسحاق بن منصور الكوسج عنه، بينما لم ينقل ابن أبي حاتم في ترجمة محمد بن إسحاق بن أبي يعقوب الكرماني (7/ 195) و (8/ 122) توثيق أحد له، بل جهله أبو حاتم، فهذا هو الذي وثقه ابن معين، محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب التميمي، وقد ينسب في الرواية إلى جده، وهو من رجال التهذيب (3/ 619)، وقد وثقه جماعة، ولم يُنقل فيه جرح، وقال عنه ابن حجر في التقريب (546):"محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب التميمي، البصري، وقد ينسب إلى جده: ثقة، من السادسة"، ورمز له برواية الجماعة، بينما صاحب الترجمة متأخر عن هذا في الطبقة، فالكرماني من الطبقة العاشرة، وانفرد البخاري بالرواية عنه دون أصحاب الكتب الستة، وعلى هذا فلا يثبت عندي توثيق ابن معين له، لا سيما مع عدم جزم المزي بهذا التوثيق، وأما ابن حجر فقد تردد فيه، والله أعلم.

والكرماني إنما وثقه الدارقطني فيما رواه عنه الحاكم، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه جماعة منهم البخاري، وانفرد بالإخراج له دون أصحاب الكتب الستة، وقد أخرج له البخاري في صحيحه عن حسان بن إبراهيم الكرماني وحد؛ فإنه بلديه، وهو مكثر عنه، ولم يخرج له البخاري إلا فيما توبع عليه، ولم يخرج له من حديثه عن ابن عيينة شيئًا، بل لم يكثر من الرواية عنه، وإنما روى عنه في الصحيح في ثلاثة مواضع فقط، في البيوع والتفسير والأحكام [انظر: صحيح البخاري (2067 و 4624 و 7160)].

[تاريخ ابن معين للدارمي (729)، التاريخ الكبير (1/ 41 و 267)، كنى مسلم (1988)، الجرح والتعديل (7/ 195) و (8/ 122)، الثقات (9/ 98)، رجال البخاري للكلاباذي (2/ 638)، سؤالات الحاكم (479)، التعديل والتجريح (2/ 619)، موضح أوهام الجمع والتفريق (1/ 20)، بيان الوهم (2/ 289/ 1036)، تهذيب الكمال (24/ 403)، الميزان (4/ 70)، المغني (2/ 645)، تاريخ الإسلام (18/ 408)، التهذيب (3/ 503)، فتح الباري (4/ 301)].

فمن كان هذا حاله؛ لا يُقبل تفرده عن ابن عيينة بمثل هذا الإسناد، فأين أصحاب ابن عيينة الثقات على كثرتهم، حتى يتفرد عنه أحد الغرباء بما لا يتابع عليه؛ فهو حديث غريب جدًّا.

فلا يصح هذا عن ابن عباس من وجه، والله أعلم.

ص: 364

10 -

حديث أنس:

روى أبو الحريش [أحمد بن عيسى بن مخلد أبو جعفر الكلابي الكوفي: روى عنه جماعة، ولم أر من وثقه. معجم الإسماعيلي (1/ 342)، تاريخ جرجان (727)، الإكمال (2/ 421)]: ثنا شيبان [هو: ابن فروخ: صدوق]: ثنا حماد [هو: ابن سلمة]: ثنا عاصم الأحول، عن رجل، عن أنس مثله، أو قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم.

يعني: مثل حديث عقبة بن صهبان، أن عليًّا رضي الله عنه قال في هذه الآية:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)} [الكوثر: 2]، قال: وضع يده اليمنى على وسط يده اليسرى، ثم وضعهما على صدره.

أخرجه البيهقي (2/ 30).

وهذا حديث ضعيف؛ لأجل المبهم، وهو غريب من حديث حماد بن سلمة.

• وروى سعيد بن زربي، عن ثابت، عن أنس، قال: من أخلاق النبوة: تعجيل الإفطار، وتأخير السحور، ووضعك يمينك على شمالك في الصلاة تحت السرة.

أخرجه البيهقي في الخلافيات (2/ 34 - مختصره).

قال البيهقي: "تفرد به سعيد بن زربي، وليس بالقوي".

قلت: هو حديث منكر، سعيد بن زربي: منكر الحديث، وقد تفرد به عن ثابت.

11 -

حديث أبي الدرداء:

رواه أبو معاوية، وإسماعيل بن أبي خالد:

عن الأعمش، عن مجاهد، عن مُوَرِّق العجلي، عن أبي الدرداء، قال: من أخلاق النبيين: التبكير في الإفطار، والإبلاغ في السحور، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 342/ 3936) و (2/ 275 و 278/ 8921 و 8957)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 74).

وقد تقدم الكلام على سماع الأعمش من مجاهد عند الحديث رقم (489)، والضابط فيه: أن نقبل ما صرح فيه الأعمش بالسماع من مجاهد -من طريق صحيح ثابت عنه-، وطرح ما سوى ذلك؛ فإنه مما دلسه ولم يسمعه من مجاهد؛ فإنه لا يصح للأعمش عن مجاهد إلا أحاديث يسيرة، لا يثبت منها إلا ما قال:"سمعت"، فهو قليل السماع من مجاهد، وعامة ما يرويه عن مجاهد: مدلَّس عن الضعفاء.

وهذا الحديث مما لم يصرح فيه الأعمش بالسماع؛ فهو مدلَّس عن الضعفاء، كما قال الأئمة، ولا يُقبل من حديثه عن مجاهد إلا ما قال فيه: سمعت، وعليه: فلا يثبت هذا من حديث مجاهد، والله أعلم.

• ورواه حماد بن زيد، قال: ثنا علي بن أبي العالية، عن مورِّق العجلي؛ أن أبا الدرداء قال: ثلاث من مناقب الخير: التبكير بالإفطار، والتبليغ بالسحور، ووضع الأيدي على الأيدي في الصلاة.

ص: 365

أخرجه ابن المنذر في الأوسط (3/ 91/ 1285)، والطبراني في معجمه [نصب الراية (2/ 470)].

وعلي بن أبي العالية: روى عنه حماد بن زيد وحماد بن سلمة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال البخاري في التاريخ:"علي بن أبي العالية: عن مورق، روى عنه حماد بن زيد؛ مرسل"، فإما أن يكون مراد البخاري أن رواية علي بن أبي العالية عن مورق: مرسلة، ولعله أراد بذلك رواية مورق عن أبي الدرداء، فإنه قد أرسل عن أبي ذر، كما قال أبو زرعة والدارقطني، وقال أبو نعيم:"أرسل مورق العجلي غير حديث عن عدة من الصحابة، منهم: أبو ذر، وسلمان رضي الله تعالى عنهما"، وعليه: فإن رواية مورِّق العجلي عن أبي الدرداء تكون مرسلة أيضًا، لتقارب وفاة أبي ذر وأبي الدرداء، فإن بينهما على أكثر تقدير ثلاث سنوات، ولذا جزم الذهبي بأن روايته عن أبي الدرداء مرسلة، فقال عن مورق:"يروي عن عمر وأبي ذر وأبي الدرداء، وطائفة ممن لم يلحق السماع منهم، فذلك مرسل"، والله أعلم [تاريخ ابن معين للدوري (4/ 299/ 4496)، العلل ومعرفة الرجال (1/ 417/ 902)، التاريخ الكبير (6/ 291)، الجرح والتعديل (6/ 200)، المراسيل (817)، الثقات (7/ 212)، علل الدارقطني (6/ 264/ 1120)، الحلية (2/ 236)، السير (4/ 354)، جامع التحصيل (808)، تحفة التحصيل (319)].

فهو أثر ضعيف، والله أعلم.

12 -

حديث يعلى بن مرة:

يرويه إبراهيم بن المختار التميمي الرازي [صدوق، ضعيف الحفظ، يُتقَى من حديثه ما كان من رواية ابن حميد عنه، وهذا قد رواه عنه: محمد بن حميد الرازي، وهو: حافظ ضعيف، كثير المناكير. التهذيب (1/ 85)]، وأبو زهير عبد الرحمن بن مغراء [صدوق، له غرائب. تقدم مرارًا]:

قالا: حدثنا عمر بن عبد الله بن يعلى، عن أبيه، عن جده يعلي بن مرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثلاث يحبهن الله: تعجيل الفطر، وتأخير السحور، وضرب اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة".

أخرجه العقيلي (3/ 177)، والطبراني في الكبير (22/ 263/ 676)، وفي الأوسط (7/ 269/ 7470).

أخرج العقيلي لعمر بن عبد الله بن يعلى حديثين، هذا آخرهما، ثم قال:"أما الحديث الأول قد روي بغير هذا الإسناد بأسانيد جياد، والآخر فيه رواية أصلح من هذا".

وقال الطبراني: "لا يروى هذا الحديث عن يعلى إلا بهذا الإسناد، تفرد به: أبو زهير".

قلت: قد توبع كما ترى، لكنها متابعة فيها نظر.

وهذا حديث منكر؛ عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة الثقفي: متروك، منكر الحديث [التهذيب (3/ 237)]، وأبوه قد ضُعِّف أيضًا [اللسان (5/ 43)].

ص: 366

ورُوي هذا الحديث أيضًا:

من حديث حذيفة: أخرجه الدارقطني في الأفراد (33 - الثالث والثمانون)(1/ 361/ 1972 - أطرافه)، وفي إسناده: الحسن بن عمارة، وهو: متروك، وقد تفرد به.

ومن حديث علي بن أبي طالب: أخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 329)، وفي إسناده: عبد الغفور بن عبد العزيز أبو الصباح الواسطي: تركوه، منكر الحديث، قال ابن حبان:"كان ممن يضع الحديث على الثقات" التاريخ الكبير (6/ 137)، كنى مسلم (1697)، الجرح والتعديل (6/ 55)، سؤالات البرذعي (2/ 435)، الضعفاء والمتروكين للنسائي (389)، المجروحين (2/ 148)، الكامل (5/ 329)، تاريخ بغداد (11/ 130)، اللسان (5/ 229)، وغيرها]؛ فهو حديث باطل.

13 -

حديث معاذ بن جبل:

رواه محبوب بن الحسن القرشي، عن الخصيب بن جحدر، عن النعمان بن نعيم، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في صلاته رفع يديه قبالة أذنيه، فإذا كبر أرسلهما ثم سكت، وربما رأيته يضع يمينه على يساره، فإذا فرغ من فاتحة الكتاب سكت، فإذا ختم السورة سكت، ثم يرفع يديه قبالة أذنيه، ويكبر ويركع، وكنا لا نركع حتى نراه راكعًا، ثم يستوي قائمًا من ركوعه، حتى يأخذ كل عضو مكانه، ثم يرفع يديه قبالة أذنيه، ويكبر ويخر ساجدًا، وكان يمكن جبهته وأنفه من الأرض، ثم يقوم كأنه السهم لا يعتمد على يديه، وكان إذا جلس في آخر صلاته اعتمد على فخذه اليسرى، ويدُه اليمنى على فخذه اليمنى، ويشير بإصبعه إذا دعا، وكان إذا سلم أسرع القيام.

أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 74/ 139)، بإسناد صحيح إلى محبوب.

وهذا حديث موضوع؛ النعمان بن نعيم: لا يُعرف، هو أحد شيوخ الخصيب المجهولين، والخصيب بن جحدر: كذاب [اللسان (3/ 360) وغيره]، ومحبوب بن الحسن، هو: محمد بن الحسن بن هلال بن أبي زينب، لقبه: محبوب، وهو: ليس به بأس، ليَّنه أبو حاتم، وضعفه النسائي [التهذيب (3/ 542)، الميزان (3/ 514)].

14 -

مرسل الحسن:

يرويه وكيع، عن يوسف بن ميمون، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كأني أنظر إلى أحبار بني إسرائيل واضعي أيمانهم على شمائلهم في الصلاة".

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 343/ 3937).

وهذا منكر؛ يوسف بن ميمون هو الصباغ: منكر الحديث [العلل ومعرفة الرجال (252 و 5687)، التاريخ الكبير (8/ 384)، الجرح والتعديل (9/ 230)، المجروحين (3/ 134)، التهذيب (4/ 462)].

15 -

مرسل أبي معشر:

قال ابن القيم في بدائع الفوائد (3/ 601): "ويكره أن يجعلهما على الصدر، وذلك

ص: 367

لما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن التكفير، وهو وضع اليد على الصدر".

ولم أجده مرفوعًا إلا فيما نقله ابن القيم في هذا الموضع، ولم أقف له على إسناد.

وجاء في طبقات الحنابلة (1/ 16): "روى عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن حديث إسماعيل ابن علية، عن أيوب، عن أبي معشر، قال: يكره التكفير في الصلاة؟ قال أبي: التكفير أن يضع يمينه عند صدره في الصلاة".

قلت: هو قول أبي معشر، مقطوع عليه بإسناد صحيح، ولم أقف عليه موصولًا.

وأبو معشر هو: زياد بن كليب الحنظلي الكوفي، وهو من الطبقة السادسة، يروي عن التابعين وأتباعهم.

وقد خولف الإمام أحمد في هذا التفسير؛ فقد قال صحاب فصل المقال في شرح كتاب الأمثال (27)، لما ذكر هذه الرواية:"وهو الانحناء الشديد في الركوع".

وقال ابن الأثير في النهاية (4/ 188): "ومنه: حديث أبي معشر؛ أنه كان يكره التكفير في الصلاة، وهو الانحناء الكثير في حالة القيام قبل الركوع"[وانظر: لسان العرب (5/ 151)، تاج العروس (14/ 61)].

وانظر أيضًا في المراسيل: العلل ومعرفة الرجال (1/ 1258/534 و 1259)، مسائل صالح (890)، مراسيل أبي داود (48)، مصنف عبد الرزاق (2/ 268/ 3317)، تاريخ واسط (50)، مسند الشاميين (1/ 255/ 441)، سنن البيهقي (2/ 264).

وانظر في الواهيات: تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 108).

• وفي أحاديث الباب مسائل:

• الأولى: وضع اليمين على الشمال في الصلاة:

قال الترمذي بعد حديث هلب: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم، يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة".

وقال ابن المنذر في الأوسط (3/ 92): "فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ شماله بيمينه إذا دخل في الصلاة، وكذا نقول.

وممن رأى أن توضع اليمنى على اليسرى في الصلاة: مالك بن أنس، وأحمد، وإسحاق، وحكي ذلك عن الشافعي، وقال أصحاب الرأي: يستحب أن يعتمد بيده اليمنى على اليسرى وهو قائم في الصلاة.

وقد روينا عن غير واحد من أهل العلم أنهم كانوا يرسلون أيديهم في الصلاة إرسالًا، ولا يجوز أن يجعل إغفال من أغفل استعمال السُّنَّة، أو نسيها، أو لم يعلمها حجة على من علمها وعمل بها.

فممن روينا عنه أنه كان يرسل يديه: عبد الله بن الزبير، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وابن سيرين، وروي أن سعيد بن جبير رأى رجلًا يصلي واضعًا إحدى يديه على الأخرى فذهب ففرق بينهما".

ص: 368

وقال ابن عبد البر في التمهيد (20/ 74): "لم تختلف الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، ولا أعلم عن أحد من الصحابة في ذلك خلافًا؛ إلا شيء روي عن ابن الزبير؛ أنه كان يرسل يديه إذا صلى، وقد روي عنه خلافه، مما قدمنا ذكره عنه، وذلك قوله: وضع اليمين على الشمال من السُّنَّة، وعلى هذا جمهور التابعين، وأكثر فقهاء المسلمين من أهل الرأي والأثر".

ثم ذكر اختلاف الفقهاء في ذلك، وأن الجمهور ومنهم: سفيان الثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وأصحابهم، والحسن بن صالح، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد، وداود بن علي، والطبري: على أن يضع المصلي يمينه على شماله في الفريضة والنافلة، وقالوا كلهم: وذلك سُنَّة مسنونة.

وممن خالف في ذلك: مالك [واختلفت الرواية عنه]، والليث بن سعد، وعطاء، وابن جريج، والأوزاعي.

ثم قال ابن عبد البر بعد أن ذكر ما روي من خلاف في ذلك عن بعض التابعين، قال:"وليس بخلاف؛ لأنه لا يثبت عن واحد منهم كراهية، ولو ثبت ذلك ما كانت فيه حجة؛ لأن الحجة في السُّنَّة لمن اتبعها، ومن خالفها فهو محجوج بها، ولا سيما سُنَّة لم يثبت عن واحد من الصحابة خلافها".

• الثانية: موضع اليدين، أين يضعهما؟

قال عبد الله ابن الإمام أحمد في مسائله (260): "رأيت أبي إذا صلى وضع يديه أحدهما على الأخرى فوق السرة".

وقال أبو داود في مسائله لأحمد (220 و 221): "وسمعته سئل عن وضعه؟ فقال: فوق السرة قليلًا، وإن كان تحت السرة فلا بأس، وسمعته يقول: يكره أن يكون -يعني: وضع اليدين- عند الصدر".

وقال إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله لأحمد وإسحاق (211): "قلت: أين يضع يمينه على شماله؟ قال: كل هذا عندي واسع، قلت: إذا وضع يمينه على شماله، أين يضعهما؟ قال: فوق السُّرَّة وتحته، كل هذا واسع، كل هذا ليس بذاك، قال إسحاق: كما قال، تحت السُّرَّة أقوى في الحديث، وأقرب إلى التواضع".

وقال الترمذي: "ورأى بعضهم أن يضعهما فوق السرة، ورأى بعضهم أن يضعهما تحت السرة، وكل ذلك واسع عندهم".

وقال ابن المنذر في الأوسط (3/ 94) بعد أن ذكر بعض ما روي في الباب: "وقال قائل: ليس في المكان الذي يضع عليه اليد خبر يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن شاء وضعهما تحت السرة، وإن شاء فوقها، وقد روي عن مهاجر النبال أنه قال: وضع اليمنى على الشمال ذُلٌّ بين يدي عِزٍّ".

قلت: وهو كما قال؛ لم يثبت فيه حديث.

ص: 369

وقال البيهقي بعد أن أسند ما في الباب: مرفوعًا من حديث وائل بن حجر، وعلي بن أبي طالب، وموقوفًا على أنس، أو مرفوعًا، وموقوفًا على ابن عباس، ومقطوعًا على سعيد بن جبير، وأبي مجلز، قال البيهقي:[وأصح أثر روي في هذا الباب: أثر سعيد بن جبير وأبي مجلز، وروي عن علي رضي الله عنه تحت السرة، وفي إسناده ضعف" [سنن البيهقي (2/ 31)].

ونقل ابن عبد البر اختلافهم في موضع اليدين، فقال الشافعي: عند الصدر، وقال الثوري وأبو حنيفة وإسحاق: أسفل السرة، وقال أحمد بن حنبل: فوق السرة، وإن كانت تحت السرة فلا بأس به [التمهيد (20/ 75)] [وانظر: الأوسط (3/ 93)].

قلت: الأمر في هذا واسع؛ كما قال أحمد والترمذي.

• الثالثة: هل يضع اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع، أم يسدل؟

قال صالح بن أحمد لأبيه: "قلت: كيف يضع الرجل يده بعد ما يرفع رأسه من الركوع، أيضع اليمنى على الشمال، أم يسدلهما؟ قال: أرجو أن لا يضيق ذلك إن شاء الله"[مسائل صالح (615)].

قلت: ويمكن لمن قال بوضع اليمين على الشمال أن يستدل بعموم ما رواه:

عبد الله بن المبارك، عن موسى بن عمير العنبري، وقيس بن سليم العنبري، قالا: نا علقمة بن وائل، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان قائمًا في الصلاة قبض بيمينه على شماله.

وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (723).

فقوله هنا: "إذا كان قائمًا في الصلاة" يشمل كل قيام في الصلاة، سواء كان قبل الركوع، أم بعده، والأمر واسع، والله أعلم.

• الرابعة: هل يرسل يديه بعد التكبير إرسالًا بليغًا، أم يضع اليمنى على اليسرى مباشرة بغير إرسال؟

السُّنَّة: وضع اليمنى على اليسرى بعد رفعهما لتكبيرة الافتتاح، وما احتجوا به على الإرسال، فهو حديث موضوع؛ فقد احتجوا بحديث معاذ بن جبل، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في صلاته رفع يديه قبالة أذنيه، فإذا كبر أرسلهما

، الحديث، وقد تقدم ذكره في الشواهد برقم (13).

• الخامسة: الحكمة من وضع اليدين:

قال مهاجر النبال: "ذلُّ بين يدي عزٍّ"[الأوسط (3/ 94)، الفتح لابن رجب (4/ 334)].

وقال النووي في شرح مسلم (4/ 115): "قال العلماء: والحكمة في وضع إحداهما على الأخرى: أنه أقرب إلى الخشوع، ومنعهما من العبث، والله أعلم".

وقال ابن حجر في الفتح (2/ 224): "قال العلماء: الحكمة في هذه الهيئة: أنه صفة السائل الذليل، وهو أمنع من العبث، وأقرب إلى الخشوع".

ص: 370