المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌125 - باب ما جاء في من جهر بها - فضل الرحيم الودود تخريج سنن أبي داود - جـ ٨

[ياسر فتحي]

فهرس الكتاب

- ‌109 - باب ما ينهي عنه من المرور بين يدي المصلي

- ‌110 - باب ما يقطع الصلاة

- ‌111 - باب سُترة الإمام سترةُ مَن خلفَه

- ‌112 - باب من قال: المرأة لا تقطع الصلاة

- ‌(1/ 462)].***113 -باب من قال: الحمار لا يقطع الصلاة

- ‌114 - باب من قال: الكلب لا يقطع الصلاة

- ‌115 - باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء

- ‌أبواب تفريع استفتاح الصلاة

- ‌116 - باب رفع اليدين

- ‌117 - باب افتتاح الصلاة

- ‌118 - باب من ذكر أنَّه يرفع يديه إذا قام من اثنتين

- ‌119 - باب من لم يذكر الرفع عند الركوع

- ‌120 - باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة

- ‌121 - باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء

- ‌(13/ 496/ 14370)].***122 -باب من رأى الاستفتاح بسبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك

- ‌123 - باب السكتة عند الافتتاح

- ‌124 - باب ما جاء في من لم ير الجهر بـ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}

- ‌125 - باب ما جاء في من جهر بها

- ‌126 - باب تخفيف الصلاة للأمر يحدث

- ‌127 - باب في تخفيف الصلاة

- ‌128 - باب ما جاء في نقصان الصلاة

- ‌(1/ 116/ 444)].***129 -باب ما جاء في القراءة في الظهر

الفصل: ‌125 - باب ما جاء في من جهر بها

‌125 - باب ما جاء في من جهر بها

786 -

قال أبو داود: أخبرنا عمرو بن عون: أخبرنا هشيم، عن عوف، عن يزيدَ الفارسي، قال: سمعت ابن عباس، قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم أن عَمَدتم إلى براءة وهي من المئين، وإلى الأنفال وهي من المثاني، فجعلتموهما في السبع الطُّوَل، ولم تكتبوا بينهما سطرًا:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ؟، قال عثمان: كان النبي صلى الله عليه وسلم مما يُنزَلُ عليه الآياتُ فيدعو بعضَ مَن كان يكتب له، ويقول له:"ضع هذه الآيةَ في السورة التي يُذكر فيها كذا وكذا"، وتُنزَل عليه الآيةُ والآيتان فيقول مثل ذلك، وكانت الأنفال من أول ما أنزل عليه بالمدينة، وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن، وكانت قصتُها شبيهةً بقصتِها، فظننتُ أنها منها، فمِن هناك وضعتُهما في السبع الطُّوَل، ولم أكتب بينهما سطرًا:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

• حديث حسن.

أخرجه من طريق أبي داود: أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (1/ 10).

***

787 -

. . . مروان -يعني: ابنَ معاوية-: أخبرنا عوفٌ الأعرابي، عن يزيدَ الفارسي: حدثني ابن عباس، بمعناه، قال فيه: فقُبِضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ولم يبيِّن لنا أنها منها.

قال أبو داود: قال الشعبي، وأبو مالك، وقتادة، وثابت بن عُمارة: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حتى نزلت سورة النمل، هذا معناه.

• حديث حسن.

أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (280 و 285 - 286 و 369)، وفي الأموال (48)، وابن أبي داود في المصاحف (99)، وابن حذلم في مشيخته (50).

ولفظه عند أبي عبيد في الفضائل، قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن عوف بن أبي جميلة، عن يزيد الفارسي، عن ابن عباس، قال: قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال -وهي من المثاني-، وإلى براءة -وهي من المئين-، فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا سطر:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ووضعتموها في السبع الطُّوَل، ما حملكم على ذلك؟ فقال عثمان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يأتي عليه الزمان، وهو ينزل عليه من السور ذوات العدد، فكان إذا نزلت عليه سورة يدعو بعض من يكتب فيقول: "ضعوا هذه السورة

ص: 490

في الموضع الذي يُذكَر فيه كذا وكذا"، وكانت براءة من آخر القرآن نزولًا، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وكانت قصتُها شبيهةَ بقصتها، فظننتها منها، وقُبِض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبيِّن لنا أمرها، قال: فلذلك قرنت بينهما، ولم أجعل بينهما سطر:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ووضعتها في السبع الطُّوَل.

• ورواه أيضًا عن عوف بن أبي جميلة:

يحيى بن سعيد القطان، وإسماعيل ابن علية، ويزيد بن زريع، ومحمد بن جعفر غندر، وابن أبي عدي، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وسهل بن يوسف، والنضر بن شميل، وهوذة بن خليفة، وإسحاق بن يوسف الأزرق، وعثمان بن الهيثم، وروح بن عبادة، وعبد اللَّه بن حمران، وأشعث بن عبد الله الخراساني [وهم ثقات]:

قالوا: حدثنا عوف بن أبي جميلة: حدثنا يزيد الفارسي: ثنا ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قلت لعثمان رضي الله عنه: ما حملكم على أن عمدتم إلى سورة الأنفال -وهي من المثاني-، وإلى سورة براءة -وهي من المئين-، فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطرًا [فيه]:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فوضعتموها في السبع الطوال، فما حملكم على ذلك؟ فقال [عثمان رضي الله عنه]: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمانُ، وهو يُنزَل عليه من السور ذوات العدد، فكان إذا أُنزِل عليه الشيء دعا بعضَ من يكتبُ له، فيقول:"ضعوا هذه في السورة التي يُذكَرُ فيها كذا وكذا"، وإذا أنزلت عليه الآياتُ قال:"ضعوا هذه الآيات في السورة التي يُذكَرُ فيها كذا وكذا"، وإذا أنزلت عليه الآية قال:"ضعوا هذه الآية في السورة التي يُذكَرُ فيها كذا وكذا"، وكانت سورة الأنفال من أوائل ما نزل [عليه] بالمدينة، وكانت سورة براءة من أواخر ما أنزل من القرآن، قال: فكانت قصتُها شبيهًا بقصتِها، فظننا أنها منها، وقُبِض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ولم يبيِّن لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قَرنتُ بينهما، ولم أكتب بينهما سطرًا [فيه]:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ووضعتها في السبع الطوال. ألفاظهم متقاربة.

زاد أبو أسامة: وكانتا تدعيان في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم القرينتين، فلذلك جعلتهما في السبع الطوال [الناسخ والمنسوخ (553)].

أخرجه الترمذي (3086)(5/ 319/ 3340 - ط الرسالة)(6/ 551/ 9819 - تحفة الأشراف)، والنسائي في الكبرى (7/ 253/ 7953)، وابن حبان (1/ 230/ 43)، والحاكم (2/ 221 و 330)، والضياء في المختارة (1/ 494 و 495/ 365 و 366)، وأحمد (1/ 57 و 69)، وأبو بكر بن أبي شيبة في المسند (8/ 82/ 7690 - إتحاف الخيرة)، وفي المصنف (7/ 267/ 35953)، وابن زنجويه في الأموال (86)، وابن شبة في أخبار المدينة (2/ 130/ 1769)، والبزار (2/ 8/ 344)، وابن أبي داود في المصاحف (97 و 98 و 100)، وابن جرير الطبري في تفسيره (1/ 45)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 201)، وفي المشكل (1/ 120 - 121) و (3/ 403)، وأبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ (2/ 396

ص: 491

و 398/ 552 و 553)، وابن حذلم في مشيخته (50)، والطبراني في الأوسط (7/ 328/ 7638)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 72/ 282)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 475/ 645)، وأبو عمرو الداني في البيان في عد آي القرآن (23)، والبيهقي في السنن (2/ 42)، وفي المعرفة (1/ 512/ 704)، وفي الدلائل (7/ 152)، والخطيب في الموضح (1/ 336)، والبغوي في التفسير (2/ 265)، وعلقه البخاري في التاريخ الكبير (8/ 368).

قال الترمذي: "هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من حديث عوف عن يزيد الفارسي عن ابن عباس.

ويزيد الفارسي: قد روى عن ابن عباس غير حديث، ويُقال: هو يزيد بن هُرْمُز، ويزيد الرقاشي هو: يزيد بن أبان الرقاشي، ولم يدرك ابن عباس، إنما روى عن أنس بن مالك، وكلاهما من أهل البصرة، ويزيد الفارسي: أقدم من يزيد الرقاشي" [الأحكام الكبرى لعبد الحق (4/ 113)، الأحاديث المختارة (1/ 496)، الجامع لأحكام القرآن (8/ 62)، تهذيب الكمال (32/ 289)، الدر المنثور (4/ 119)].

وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، ولا نعلم رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عثمان، ولا روى ابن عباس عن عثمان إلا هذا الحديث".

وقال الحاكم في الموضع الأول: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".

وقال في الموضع الثاني: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".

وقال أبو نعيم: "هذا حديث غريب، تفرد به عوف عن يزيد، رواه عنه الكبار: يحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن جعفر غندر، وإسماعيل ابن علية، وأبو أسامة".

وانظر فيمن وهم فيه على عوف الأعرابي: علل الدارقطني (3/ 43/ 276)، أفراد الدارقطني (1/ 73/ 207).

قلت: يزيد بن هرمز المدني، مولى بني ليث: ثقة، وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى أن يزيد الفارسي -الذي يروي عن ابن عباس، ويروي عنه عوف الأعرابي وغيره- هو يزيد بن هرمز، وممن قال ذلك: عبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، وأبو موسى محمد بن المثنى، والترمذي، وابن حبان، وهو ظاهر صنيع البخاري، وابن سعد، وقال علي بن المديني:"زعموا أن يزيد الفارسي هو يزيد بن هرمز"، وممن فرَّق بينهما وجعلهما اثنين: يحيى بن سعيد القطان، وابن معين، وأبو حاتم الرازي، وعمرو بن علي الفلاس [مسائل صالح (1156)، الأسامي والكنى (364)، العلل ومعرفة الرجال (3/ 189/ 4814) و (3/ 319/ 5422)، سؤالات ابن الجنيد (660)، العلل لابن المديني (107)، التاريخ الكبير (8/ 367)، الجرح والتعديل (9/ 293)، طبقات ابن سعد (5/ 284) و (7/ 220)،

ص: 492

المعرفة والتاريخ (3/ 168)، شمائل الترمذي (412)، الثقات (5/ 531) و (7/ 12)، مشاهير علماء الأمصار (542)، موضح أوهام الجمع والتفريق (1/ 337)، الأنساب (5/ 151)، الأحكام الشرعية الكبرى (4/ 314)، تهذيب الكمال (32/ 270 و 287)، تهذيب التهذيب (4/ 433 و 435)].

وعلى هذا فإن قلنا بأنهما واحد، فهو: ثقة، وإن قلنا: هما اثنان؟ فيزيد الفارسي -على قلة ما روى- قال فيه أبو حاتم -على تشدده في الرجال-: "لا بأس به"، مما يقتضي تعديله وقبول روايته تلك، ولو كان أبو حاتم يرى في هذا الحديث نكارة لما تردد في وصف يزيد بما يقتضي جرحه ورد حديثه، والله أعلم.

لكن الذي يظهر لي -والله أعلم- أنهما واحد، فهو أولًا: قول الجمهور، وثانيًا: جاء في رواية عون بن ربيعة عن يزيد الفارسي أنه كان كاتبًا لابن عباس، وكذا قال محمد بن المثنى، وفي رواية: عوف بن أبي جميلة عن يزيد الفارسي أنه كان يكتب المصاحف [شمائل الترمذي (412)، مسند أحمد (1/ 361)، المعرفة والتاريخ (3/ 168)، المصاحف لابن أبي داود (347)، الموضح (1/ 338)]، وقد صح أن يزيد بن هرمز قد كتب لابن عباس، فقال فيما رواه عنه الزهري ومحمد بن علي:"أنا كتبت كتاب ابن عباس بيدي إلى نجدة"، وفي رواية لمسلم: قال ابن عباس ليزيد: "اكتب إليه"[صحيح مسلم (1812)، سنن أبي داود (2728)، سنن النسائي (7/ 129/ 4134)، مسند أحمد (1/ 352)، الأموال لأبي عبيد (851 - 853)، مصنف ابن أبي شيبة (6/ 484/ 33128) و (6/ 492/ 33217) و (6/ 537/ 33652)، أخبار المدينة لابن شبة (1/ 342/ 1059)، وغيرها].

وعليه: فإن يزيد الفارسي ويزيد بن هرمز: كلاهما فارسي، وكلاهما كاتب لابن عباس، وكلاهما يروي عن ابن عباس، وبذلك تسقط حجة من فرق بينهما بكون الأول بصري يروي عن ابن عباس، والثاني مدني يروي عن أبي هريرة، والله أعلم.

• والحاصل فإن هذا الحديث حديث حسن؛ وإنما حسنته ولم أصححه؛ مع صحة سنده -فإن رجاله ثقات، سمع بعضهم من بعض-؛ لأجل هذا الاختلاف الواقع في يزيد الفارسي، ولكون الترمذي لم يصححه، وإنما اكتفى بتحسينه، وكذلك لأجل حكم أبي نعيم عليه بالغرابة، وقد صححه كما ترى: ابن حبان والحاكم والضياء، والله أعلم.

وانظر فقه هذا الحديث في: الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس (2/ 399)، أحكام القرآن لابن العربي (2/ 446)، فضائل القرآن لابن كثير (35)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (8/ 63)، الفتح لابن حجر (9/ 42)، أضواء البيان (2/ 112)، وغيرها كثير.

• وروى بعضه: هارون بن عمير، قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، قال: حدثنا حبان بن يحيى البهرائي، عن أبي محمد القرشي، قال:

ص: 493

أمرهم عثمان رضي الله عنه أن يتابعوا الطوَلَ، فجُعِلَتْ سورة الأنفال وسورة التوبة في السبع، ولم يَفصِل بينهما {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه ابن شبة في أخبار المدينة (2/ 131/ 1770)، قال: حدثنا هارون بن عمير به.

قلت: هارون بن عمير تصحف اسم أبيه، وإنما هو: هارون بن عمر المخزومي الدمشقي، وقد أكثر عنه ابن شبة وابن أبي الدنيا في مصنفاته، وروى عنه أيضًا: إبراهيم بن إسحاق الحربي وجماعة آخرون، وقد روى له ابن شبة أثرًا آخر بنفس هذا الإسناد (2/ 120/ 1722)، فقال: حدثنا هارون بن عمر، وساق الإسناد بمثله، وهو: هارون بن عمر بن يزيد بن زياد بن أبي زياد أبو عمر المخزومي الدمشقي، قال ابن أبي حاتم:"سألت أبي عنه، فقال: شيخ دمشقي أدركته، كان يرى رأي أبي حنيفة، وعلى العمد لم نكتب عنه، محله الصدق"[الجرح والتعديل (9/ 93)، تاريخ بغداد (14/ 13)، تاريخ دمشق (64/ 14)، تاريخ الإسلام (16/ 434)].

وأبو محمد القرشي، وحبان بن يحيى البهرائي: لم أجد لهما ترجمة.

وإسماعيل بن عياش روايته عن أهل الشام مستقيمة، والبهرائي شامي [انظر: الأنساب (1/ 420)]، لكني لم أقف له على ترجمة، فالإسناد ضعيف.

• وأما ما قيل بأن يوسف بن مهران روى هذا الحديث عن ابن عباس به؛ وتابع يزيد الفارسي عليه، فلم أجد له في ذلك إلا ما رواه:

شعبة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، عن أُبي بن كعب، قال: آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} الآية [التوبة: 128].

وفي رواية: آخر ما نزل من القرآن: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} .

أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده (14/ 681/ 3617 - المطالب)، وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند (5/ 117)، وابن جرير الطبري في تفسيره (11/ 78)، والمحاملي في الأمالي (455)، والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (3/ 310 - 312/ 1414 و 1416)، وابن السماك في التاسع من فوائده "جزء حنبل"(28)، والطبراني في الكبير (1/ 199/ 533)، والحاكم (2/ 338)، والبيهقي في الدلائل (7/ 139)، والخطيب في الموضح (1/ 345)، والواحدي في أسباب النزول (16 و 17)[وفي السند الثاني قلب].

قال الحاكم: "حديث شعبة عن يونس بن عبيد صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".

وقال ابن حجر في المطالب: "هذا إسناد حسن"، وفي نسخة:"ضعيف".

قلت: رواه عن شعبة: وكيع بن الجراح، وآدم بن أبي إياس، وعبد الصمد بن

ص: 494

عبد الوارث، ومسلم بن إبراهيم، وأبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، وبشر بن عمر الزهراني، وعثمان بن عمر بن فارس.

زاد أحدهم في إسناده عن أبي عامر العقدي: يونس بن عبيد، وقرنه بابن جدعان، وهي رواية منكرة بهذه الزيادة، وقد رواه إسحاق بن راهويه عن أبي عامر بدونها.

وعليه فإن هذا إسناد ضعيف؛ لأجل علي بن زيد بن جدعان، فإنه ضعيف، وشيخه وهو المتفرد بالرواية عنه: وثقه أبو زرعة وابن سعد [التهذيب (4/ 461)].

وليس فيه ما يشهد لحديث يزيد الفارسي عن ابن عباس، والله أعلم.

• قال ابن العربي في أحكام القرآن (2/ 445): "وروي عن أُبي بن كعب: آخر ما نزل براءة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا في أول كل سورة بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ولم يأمرنا في سورة براءة بشيء، فلذلك ضمت إلى الأنفال، وكانت شبيهةً بها".

قلت: لم أجده مسندًا، ولعله يرجع إلى حديث ابن مهران السابق ذكره، والله أعلم.

• وأما ما ذكره أبو داود معلقًا بقوله:

قال الشعبي، وأبو مالك، وقتادة، وثابت بن عُمارة: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتب {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حتى نزلت سورة النمل، هذا معناه.

فهي مراسيل، لا تقوم بها حجة، وقد وصلها إلى أحد المذكورين، أو إلى غيرهم من التابعين: أبو داود في المراسيل (35)، وعبد الرزاق في المصنف (2/ 91/ 2616)، وفي التفسير (3/ 81)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (216)، وابن سعد في الطبقات (1/ 263)، وأبو بكر الصولي في أدب الكتاب (1/ 20)، وابن أبي حاتم في التفسير (9/ 2873/ 16303 و 16304)، وأبو هلال العسكري في الأوائل (24)، وابن أبي زمنين في تفسيره (1/ 117)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (599 و 603 و 604 و 605).

***

788 -

قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد، وأحمد بن محمد المروزي، وابن السرح، قالوا: حدثنا سفيان، عن عمرو، عن سعيد بن جبير، -قال قتيبة فيه: عن ابن عباس-، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصلَ السورة حتى تنزِلَ عليه: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وهذا لفظ ابن السرح.

• حديث ضعيف، صوبه مرسل.

أخرجه من طريق أبي داود: أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (1/ 15)[وفي سنده سقط]، والبيهقي في السنن (2/ 42)، وفي الشعب (2/ 438/ 2329)، وابن عبد البر في الإنصاف (63)، والضياء في المختارة (10/ 315/ 336).

ص: 495

• وقد اختلف فيه على عمرو بن دينار:

1 -

فرواه ابن عيينة عنه، واختلف عليه:

أ- فرواه قتيبة بن سعيد، ومعلي بن منصور، والحسن بن الصباح البزار، وأبو كريب محمد بن العلاء [وهم ثقات]:

عن سفيان، عن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم ختم السورة حتى تنزل: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه أبو داود (788)، والحاكم (1/ 231)، والبزار (11/ 217/ 4978)، والبيهقي في السنن (2/ 42)، وفي المعرفة (1/ 513 و 514/ 705 و 706)، وفي الشعب (2/ 438/ 2329)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 210)، وفي الإنصاف (63)، والواحدي في أسباب النزول (21)، وفي الوسيط (1/ 61)، والضياء في المختارة (10/ 315/ 336).

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".

وقال البيهقي في الخلافيات (2/ 42 - مختصره): "هذا حديث صحيح".

وقال ابن الملقن في البدر المنير (3/ 560): "هذا الحديث صحيح".

ب- ورواه أحمد بن عبدة [الضبي: ثقة، من أصحاب ابن عيينة]، قال: أنا سفيان، عن عمرو، عن سعيد بن جبير -قال البزار: أشك في حديث ابن عبدة، قال: عن ابن عباس، أو قال: عن سعيد، ولم يقل: عن ابن عباس-، كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف خاتمة السورة حتى ينزل:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فإذا نزل:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} علم أن السورة قد ختمت، واستقبلت -أو: ابتدئت- سورة أخرى.

أخرجه البزار (11/ 218/ 4979)، قال: حدثنا أحمد بن عبدة به.

• ورواه محمد بن يحيى بن عيسى بن سليمان البصري: ثنا أحمد بن عبدة، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم ختم السورة حتى ينزل {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه أبو الشيخ في طبقات المحدثين (4/ 8)، وعنه: أبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 226).

وهذه رواية منكرة، فالحديث مشهور من حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار، لا عن موسى بن أبي عائشة، ومحمد بن يحيى بن عيسى بن سليمان البصري: قال عنه الذهبي في الميزان (4/ 64): "أتى بخبر موضوع، اتُّهم به"[وانظر: اللسان (7/ 579)].

ج- ورواه عبد الله بن الزبير الحميدي [ثقة ثبت، حافظ إمام، من أثبت الناس في ابن عيينة، وهو راويته]، وسعيد بن منصور [ثقة ثبت حافظ، من أصحاب ابن عيينة، ذكر روايته ابن حجر في الفتح (8/ 681)]، وأحمد بن محمد المروزي [هو أحمد بن محمد بن ثابت الخزاعي، أبو الحسن بن شبُّويه المروزي: ثقة]، وابن السرح [هو أحمد بن عمرو بن السرح، أبو الطاهر المصري: ثقة]، ويونس بن عبد الأعلى [الصدفي المصري: ثقة]:

ص: 496

عن سفيان، عن عمرو، عن سعيد بن جبير، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصلَ [وفي رواية المروزي: ختم] السورة حتى تنزِلَ عليه: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه أبو داود هنا في السنن (788)، وفي المراسيل (36)، والحميدي (1/ 458/ 538)، والطحاوي في المشكل (3/ 407)، والبيهقي في السنن (2/ 42)، وفي الشعب (2/ 438/ 2329)، وابن عبد البر في الإنصاف (63)، والضياء في المختارة (10/ 315/ 336).

قال الحميدي في روايته بعد سعيد بن جبير: "ولم يذكر فيه ابن عباس".

وقال أبو داود في المراسيل: "قد أسند هذا الحديث، وهذا أصح".

وقال البزار بعد رواية أحمد بن عبدة: "وهذا الحديث يرويه عن عمرو من حديث ابن عيينة: جماعة مرسلًا".

قلت: وهو كما قالوا؛ فالمرسل هو المحفوظ من حديث ابن عيينة، لا سيما وفيمن أرسله عن ابن عيينة أثبت أصحابه والمقدَّمون فيه.

2 -

ورواه ابن جريج عن عمرو، واختلف عليه:

أ- فرواه حجاج بن محمد المصيصي الأعور [ثقة ثبت، أثبت الناس في ابن جريج]، وعبد الرزاق بن همام [ثقة حافظ، من أثبت الناس في ابن جريج، ومن المكثرين عنه]:

عن ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار؛ أن سعيد بن جبير أخبره؛ أن المؤمنين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا لا يعلمون انقضاء السورة حتى ينزل: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فإذا نزل:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} علموا أن قد نزلت السورة، وانقضت الأخرى. هكذا مرسلًا.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 92/ 2617)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (217).

ب- ورواه الوليد بن مسلم [الدمشقي: ثقة]: ثنا ابن جريج: ثنا عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان المسلمون لا يعلمون انقضاء السورة حتى تنزل: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فإذا نزلت:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} علموا أن السورة قد انقضت. ورواه بعضهم عن الوليد، فلم يذكر فيه: سعيد بن جبير.

أخرجه ابن حبان في الصلاة (7/ 74/ 7365 - الإتحاف)، والحاكم (1/ 232)، والبيهقي (2/ 43).

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".

قال ابن الملقن في البدر المنير (3/ 561): "وهو كما قال".

ووجدت للوليد فيه عن ابن جريج بنفس هذا الإسناد موقوفًا على ابن عباس بلفظ آخر، ولا أراه محفوظًا عنه، والله أعلم [انظر: المختارة للضياء (10/ 318/ 340)].

ورواه سعيد بن زنبور [هو سعد بن زنبور: ثقة. تاريخ بغداد (9/ 127)، اللسان (4/ 28)]: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن ابن جريج، عن عمرو بن

ص: 497

دينار، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس، قال: كان جبريل عليه السلام إذا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن أول مما يلقي عليه: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فإذا قال جبريل عليه السلام:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} الثانية علِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنه قد ختم السورة، وافتتح الأخرى.

أخرجه الطبراني في الأوائل (43)، ومن طريقه: الضياء في المختارة (10/ 317/ 339).

هكذا رواه سعد بن زنبور من حديث عبد المجيد، فهو غريب من حديثه، والمشهور عنه: ما رواه عن ابن جريج، قال: أخبرني أبي؛ أن سعيد بن جبير أخبره؛ أن ابن عباس قال: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي. . .} [الحجر: 87] ويأتي ذكره قريبًا إن شاء الله تعالى.

ثم رواه سعد بن زنبور مرة أخرى، فقال: حدثنا سَليم بن مسلم، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به مثله.

أخرجه الطبراني في الأوسط (3/ 184/ 2869).

وسَليم بن مسلم الحساب: متروك، منكر الحديث [اللسان (4/ 189)].

وأخاف أن يكون دخل لسعد بن زنبور أو من هو دونه حديث في حديث، فقلب حديث سليم بن مسلم، وجعله من حديث ابن أبي رواد، وابن زنبور لم يكن بذاك المشهور، حتى قال فيه أبو حاتم:"مجهول"، والله أعلم.

ج- ورواه قتيبة بن سعيد: ثنا عبد العزيز بن محمد، عن ابن جريج، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ما كنا نعلم بانقضاء السورة إلا بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه الضياء في المختارة (10/ 230/ 242).

وقد روي هذا الحديث عن قتيبة بن سعيد، عن الدراوردي، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس.

أخرجه الدارقطني في الأفراد (1/ 478/ 2649 - أطرافه).

قال الدارقطني: "وفيه قال قتيبة بن سعيد: لم يسمع الدراوردي هذا الحديث من ابن جريج، قال: غريب من حديث ابن جريج، تفرد به قتيبة عن عبد العزيز الدراوردي عن ابن جريج عنه"؛ يعني: عن عطاء بن أبي رباح.

وعليه: فهو معلول من هذا الوجه عن ابن جريج.

والمحفوظ عن ابن جريج: هو المرسل، كما رواه عنه أثبت أصحابه، والله أعلم.

• وإلى هنا: فقد رواه سفيان بن عيينة، وابن جريج [في المحفوظ عنهما][وهما أعلم الناس بحديث عمرو بن دينار. شرح العلل (2/ 684)]، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير مرسلًا، ليس فيه ذكر ابن عباس، والله أعلم.

3 -

ورواه المثنى بن الصباح، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه جبرئيل فقرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، علم أنها سورة.

أخرجه الحاكم (1/ 231) و (2/ 611)، والبيهقي في الشعب (2/ 439/ 2332).

ص: 498

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".

فتعقبه الذهبي بقوله: "مثنى، قال النسائي: متروك".

وتعقبه ابن الملقن في البدر المنير (3/ 561)، فقال:"فيه نظر؛ فإن فيه المثنى بن الصباح، وهو ضعيف،. . .".

قلت: هو حديث منكر؛ أخطأ فيه المثنى بن الصباح اليماني المكي، وهو: ضعيف، وكان اختلط بآخره، قال النسائي وابن الجنيد:"متروك الحديث"[التهذيب (4/ 22)].

4 -

وروى جعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 446/ 581) بسندٍ فيه من يُجهَل حاله، إلى ابن لهيعة [وهو: ضعيف]، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، قال: كنا نعرف انقضاء السورة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فلا تتركوها.

5 -

ورواه إبراهيم بن يزيد أبو إسماعيل [الخوزي، وهو: متروك، منكر الحديث. التهذيب (1/ 94)]، وأبو مريم عبد الغفار بن القاسم [رافضي، متروك الحديث، بل كان يضع الحديث. اللسان (5/ 226)]، وعمر بن قيس [هو المكي المعروف بسندل، وهو: متروك، منكر الحديث. التهذيب (3/ 247)].

عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان جبريل عليه السلام إذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها سورة ختمت، واستقبل السورة الأخرى. لفظ الخوزي، والآخران بمعناه.

أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 81 و 82/ 12544 - 12546)، وابن عدي في الكامل (3/ 178) و (6/ 13)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (1/ 102)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 442/ 568)، والبيهقي في الشعب (2/ 438/ 2335 و 2331)، والضياء في المختارة (10/ 316/ 337 و 338).

6 -

وروى عبد العزيز بن الحصين، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، قال: سرق الشيطان من أئمة المسلمين آية من كتاب اللَّه: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، قال ابن عباس: نسيها الناس كما نسوا التكبير في الصلاة، والله ما كنا نقضي السورة حتى تنزل:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه ابن عبد البر في التمهيد (20/ 211).

قلت: وهذا منكر؛ عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان: متروك، منكر الحديث [اللسان (5/ 202)].

• وحاصل ما تقدم من الاختلاف في هذا الحديث على عمرو بن دينار: أن المحفوظ فيه مرسل، ليس فيه ذكر ابن عباس، هكذا رواه عن عمرو أعلم الناس بحديثه: ابن عيينة وابن جريج [في المحفوظ عنهما]، والله أعلم.

• ورواه مُبَشِّر بن عبد الله، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان جبريل إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، علم أن السورة قد انْقَضَتْ.

ص: 499

أخرجه الطحاوي في المشكل (3/ 406)، قال: حدثنا محمد بن سنان الشيزري، قال: حدثنا عيسى بن سليمان، قال: حدثنا مبشر به.

قلت: ولا يثبت هذا عن سالم بن عجلان الأفطس [وهو ثقة]، فإن الراوي عنه لو كان هو أبو بكر النيسابوري الثقة، فإن بين وفاتيهما قرابة سبع وخمسين سنة، فهو ظاهر الانقطاع، لا سيما مع ما عُرف عن مبشر بن عبد الله بن رزين أبي بكر النيسابوري من أنه لم يرحل في الحديث قط، وإنما سمع بنيسابور [التهذيب (4/ 20) وغيره]، وسالم الأفطس: جزري حراني، وإن لم يكن مبشر هذا هو أبو بكر النيسابوري فلم أقف له على ترجمة، والراوي عنه: عيسى بن سليمان الشيزري: أصله من الحجاز، سكن حمص، قال أبو حاتم:"هذا شيخ حمصي، يدل حديثه على الصدق"، وذكره ابن حبان في الثقات، وله أفراد [الجرح والتعديل (6/ 278)، الثقات (8/ 494)، أطراف الغرائب والأفراد (2/ 419/ 1799)، غاية النهاية (275)]، والراوي عنه: محمد بن سنان بن سرج بن إبراهيم أبو جعفر التنوخي الشيزري القاضي، قال الذهبي في معرفة القراء:"كان صدوقًا، أضر بأخرة"، قلت: وله إفرادات، وهذا منها [المؤتلف للدارقطني (3/ 1214)، أطراف الغرائب والأفراد (5/ 509/ 6229)، إكمال ابن ماكولا (4/ 288)، تاريخ دمشق (53/ 150)، تاريخ الإسلام (22/ 270)، معرفة القراء الكبار (2/ 517)، غاية النهاية (343)]، وستأتي له طرق أخرى عن سالم بلفظ مغاير.

• وله شاهد من حديث ابن مسعود [عند: البيهقي في الشعب (2/ 439/ 2333)، وفي الخلافيات (2/ 43 - مختصره)، والواحدي في أسباب النزول (22)، وفي الوسيط (1/ 62)، [ولا يصح].

وروي من قول ابن عمر [عند: الواحدي في أسباب النزول (23)][وهو منكر].

• ولابن عباس في هذا حديث آخر:

رواه ابن المبارك، وحجاج بن محمد الأعور، وعبد الرزاق بن همام، وسفيان الثوري، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، وحفص بن غياث، وعبد المجيد بن عبد العزيز، ومحمد بن بكر البرساني، وعثمان بن عمر، وابن وهب، وجعفر بن حيان:

عن ابن جريج، قال: أخبرني أبي؛ أن سعيد بن جبير أخبره؛ أن ابن عباس قال: {ولقد آتينك سبعًا من المثاني} : أم القرآن، قال: وقرأ عليَّ سعيد كما قرأتها عليك، ثم قال [ابن عباس]:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} الآية السابعة، قال ابن عباس: قد أخرجها [وفي رواية: ذخرها] الله لكم، فما أخرجها لأحد قبلكم.

وفي رواية ابن المبارك: قال ابن جريج: فقلت لأبي: أخبرك سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آية من كتاب الله؟ قال: نعم، ثم قال: قرأها ابن عباس: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في الركعتين جميعًا.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 90/ 2609)، والشافعي في الأم (2/ 245/ 210)، وفي

ص: 500

المسند (36)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (218)، وابن جرير الطبري في تفسيره (14/ 55 و 57)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 124/ 1351)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 200)، وفي المشكل (3/ 244 و 245)، وابن الضريس في فضائل القرآن (28)، والحاكم (1/ 550 - 552) و (2/ 257)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (1/ 103)، وابن بشران في الأمالي (1210)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (587 و 595)، وأبو عمرو الداني في البيان في عد آي القرآن (50)، والبيهقي في السنن (2/ 44 و 45 و 47)، وفي المعرفة (1/ 510/ 699)، وفي الشعب (2/ 435/ 2321)، وابن عبد البر في الإنصاف (85)، والواحدي في تفسيره الوسيط (1/ 59)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 50/ 580)، وفي التفسير (1/ 39)، والضياء في المختارة (10/ 225 - 227/ 238 - 240).

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه".

وقال البيهقي في الخلافيات (2/ 52 - مختصره): "هذا حديث مشهور، ورواته ثقات".

وقال العيني في نخب الأفكار (3/ 554): "والجواب عنه: أن في إسناده عبد العزيز بن جريج والد عبد الملك، وقد قال البخاري: حديثه لا يتابع عليه، ولئن سلمنا أن حديثه يتابع عليه سيعارضه ما يدل على خلافه، وهو حديث أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض في الثانية استفتح بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، ولم يسكت،. . .، وهذا دليل صريح على أن البسملة ليست من الفاتحة؛ إذ لو كانت منها لقرأها في الثانية مع الفاتحة".

قلت: عبد العزيز بن جريج المكي: قال البخاري: "لا يتابع في حديثه"، وقال البرقاني في سؤالاته للدارقطني:"قلت له: عبد العزيز بن جريج عن عائشة؟ قال: مجهول، وقيل: هو والد ابن جريج، فإن كان هو فلم يسمع من عائشة، يترك هذا الحديث"[التاريخ الكبير (6/ 23)، ضعفاء العقيلي (3/ 12)، الجرح والتعديل (5/ 379)، الثقات (7/ 114)، الكامل (5/ 289)، سؤالات البرقاني (297)، التهذيب (2/ 583)، التقريب (386)، وقال: "ليِّن"].

• وقد خولف فيما رواه عن سعيد بن جبير في ذلك:

أ- فقد روى جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن مسلم بن عمران البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعًا من المثاني الطُّوَل، وأوتي موسى عليه السلام ستًّا، فلما ألقى الألواح رُفعت اثنتان وبقي أربع.

أخرجه أبو داود (1459)، والنسائي في المجتبى (2/ 140/ 915)، وفي الكبرى (1/ 473/ 989)، والحاكم (2/ 354 - 355)، والضياء في المختارة (10/ 357/ 382 و 383)، وابن جرير الطبري في جامع البيان (14/ 52)، والطحاوي في المشكل (3/ 246)، وابن أبي حاتم في التفسير (8/ 2693/ 15150) و (9/ 6927/ 12981)، والبيهقي في الشعب (2/ 466/ 2416).

ص: 501

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".

قلت: وهو كما قال، على شرط الشيخين [انظر: التحفة (4/ 365 - 369/ 5612 - 5616 - ط الغرب)].

• ورواه أيضًا: إسرائيل بن أبي إسحاق، وشريك بن عبد الله النخعي:

عن أبي إسحاق السبيعي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله عز وجل:{ولقد آتينك سبعًا من المثاني والقرآن العظيم} ، قال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والأعراف، والأنعام، والمائدة. وفي رواية شريك: قال: السبع الطُّوَل.

أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 140/ 916)، وفي الكبرى (1/ 474/ 990) و (10/ 144/ 11212)، والحاكم (2/ 355) [وانظر: الإتحاف (7/ 151/ 7503)]، وابن جرير الطبري في جامع البيان (14/ 52)، والطحاوي في المشكل (3/ 247)، والبيهقي في الشعب (2/ 466/ 2417).

وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري [انظر: صحيح البخاري (6299 و 6300)]، وصحح ابن حجر إسناده في الفتح (8/ 158).

تنبيه: وقعت زيادة: "مسلم البطين" بين أبي إسحاق السبيعي وسعيد بن جبير في إسناد ابن جرير والحاكم وعنه البيهقي، وهي وهم من رواتها [سفيان بن وكيع عند ابن جرير، وأحمد بن محمد بن يحيى بن مهران السوطي، وهو: مجهول الحال، عند الحاكم والبيهقي]، والمحفوظ بدونها، كما رواه النسائي بإسناد صحيح إلى إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد به بدون الزيادة.

• ورواه هشيم، عن الحجاج، عن الوليد بن العيزار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: هن السبع الطُّوَل، ولم يعطهن أحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وأعطي موسى منهن اثنتين.

أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان (14/ 52)، والبيهقي في الشعب (2/ 444/ 2357) و (2/ 468/ 2423).

وهذا إسناد صالح في المتابعات، حجاج هو: ابن أرطأة، وهو: ليس بالقوي، يدلس عن الضعفاء والمتروكين.

• ورواه سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله:{ولقد ءاتينك سبعا من المثاني} ، قال: السبع الطوال.

أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان (14/ 52)، والطحاوي في المشكل (3/ 246)، والطبراني في الكبير (11/ 59/ 11038).

وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري [انظر: صحيح البخاري (216 و 6055)].

ولسفيان الثوري فيه أسانيد أخرى، والأقرب عندي أنها أوهام، انظر: جامع البيان (14/ 53)، شعب الإيمان للبيهقي (2/ 467/ 2422)، المختارة للضياء المقدسي (10/ 223 و 224/ 236 و 237) و (10/ 364/ 389 و 390).

ص: 502

ولهذا الأثر عن ابن عباس إسناد آخر فيه مقال؛ انظر: تاريخ بغداد (6/ 186)، المختارة للضياء المقدسي (10/ 192/ 193).

وإسناد آخر عند: ابن الضريس في فضائل القرآن (181).

• وعلى هذا فالمحفوظ في هذا عن ابن عباس: أنه كان يرى السبع المثاني هي السبع الطوال، وليس فاتحة الكتاب؛ ودل ذلك على نكارة رواية عبد العزيز بن جريج عن سعيد بن جبير، والله أعلم.

• نعود مرة أخرى إلى ما روي عن ابن عباس في الجهر بالبسملة:

1 -

فقد روى حماد بن سلمة [ثقة]، عن عاصم بن بهدلة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح القراءة بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه الخطيب في الجهر بالبسملة (12 - مختصره للذهبي).

قال الذهبي: "إسناده حسن، والصحيح وقفه".

قلت: قد اختلف فيه على عاصم بن أبي النجود:

فرواه حماد بن سلمة عنه به هكذا مرفوعًا.

• خالفه فأوقفه: شريك بن عبد الله النخعي، فرواه عن عاصم بن أبي النجود، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ أنه كان يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه الطحاوي (1/ 200)، والخطيب في الجهر بالبسملة (21 - مختصره للذهبي).

هكذا رواه محمد بن سعيد بن سليمان الأصبهاني [ثقة ثبت]، وعلي بن حكيم بن ذبيان الأودي الكوفي [ثقة]، عن شريك به موقوفًا.

وهذا إسناد جيد في المتابعات.

ورواه موقوفًا أيضًا: عبد الوهاب بن عطاء الخفاف [وهو ممن روى عن ابن أبي عروبة قبل وبعد اختلاطه، فلم يميز بينهما]، قال: أخبرنا سعيد [يعني: ابن أبي عروبة]، عن عاصم بن بهدلة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أنه كان يفتتح القراءة بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه البيهقي في السنن (2/ 49)، وفي المعرفة (1/ 521/ 720)، والخطيب في الجهر بالبسملة (25 - مختصره للذهبي).

وهذا إسناد حسن في المتابعات، وهو يعتضد بما قبله، وبهما يثبت موقوفًا من فعل ابن عباس؛ معارضًا لما رواه حماد بن سلمة عن عاصم به مرفوعًا.

إلا أنه قد رواه: عبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، وعبد الرزاق بن همام: عن الثوري، عن عاصم بن أبي النجود، عن سعيد بن جبير؛ أنه كان يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في كل ركعة.

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (2/ 91/ 2614)، وابن أبي شيبة (1/ 361/ 4160)، وعلقه ابن عبد البر في الإنصاف (77).

ص: 503

هكذا مقطوعًا على سعيد بن جبير فعله، وإسناده حسن.

قلت: الأقرب عندي: إما أن يكون عاصم بن أبي النجود قد اضطرب فيه، فقد كان سيئ الحفظ، يضطرب أحيانًا في حديثه [انظر: التهذيب (2/ 250)، الميزان (2/ 357)]؛ فلا تقوم بمثله حجة.

وإما أن يكون القول قول الثوري؛ إذ هو أحفظ من رواه عن عاصم، فيكون المحفوظ: مقطوعًا على سعيد بن جبير فعله، وهو ثابت عن سعيد بن جبير من وجوه عديدة، والله أعلم.

• قال الزيلعي نقلًا عن كتاب ابن عبد الهادي في الجهر [نصب الراية (1/ 348)]: "طريق سادس لحديث ابن عباس: قال الدارقطني: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد: ثنا أحمد بن رشد بن خثيم، عن سعيد بن خثيم: ثنا سفيان الثوري، عن عاصم، عن سعيد بن جبير؛ أنه كان يجهر في السورتين بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وقال: حدثنا ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بها فيهما، انتهى، وهذا أيضًا لا يصح؛ وسعيد بن خثيم: تكلم فيه ابن عدي وغيره، والحمل فيه على ابن أخيه أحمد بن رشد بن خثيم؛ فإنه متهم، وله أحاديث أباطيل ذكرها الطبراني وغيره، وروى له الخطيب في أول تاريخه حديثًا موضوعًا هو الذي صنعه بسنده إلى العباس؛ أنه عليه السلام قال له: "أنت عمي، وصنو أبي، وابنك هذا أبو الخلفاء من بعدي، منهم: السفاح، ومنهم المنصور، ومنهم المهدي، مختصر، والراوي عنه هو ابن عقدة الحافظ، وهو كثير الغرائب والمناكير، روى في الجهر أحاديث كثيرة عن ضعفاء وكذابين ومجاهيل، والحمل فيها عليهم لا عليه".

وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 425): "وأحمد: ضعيف جدًّا، وعمه: ضعيف".

قلت: هذا باطل من حديث الثوري بهده الزيادة فيه؛ والحمل فيه على أحمد بن رشد بن خثيم؛ فإنه متهم، كما قال ابن عبد الهادي، وحديث أبي الخلفاء: حديث موضوع، اتُّهم به أحمد بن رشد هذا، وقد خرجته في كتابي: بحوث حديثية في كتاب الحج، في آخر مبحث: التصدق بوزن شعر المولود فضة، ص (344).

والمعروف في هذا عن الثوري: ما رواه عنه أصحابه فيما تقدم ذكره، والله أعلم.

2 -

وروى أبو الصلت الهروي: ثنا عباد بن العوام: ثنا شريك، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر في الصلاة بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه الدارقطني (1/ 303).

قال ابن عبد الهادي: "وكان هذا الحديث -والله أعلم- مما سرقه أبو الصلت من غيره، وألزقه بعباد بن العوام"، وعلل ذلك برواية من رواه عن عباد به مرسلًا، بدون قيد الصلاة [نصب الراية (1/ 345)].

وجزم ابن حجر في التلخيص (1/ 424) بسرقة أبي الصلت الهروي له.

ص: 504

قلت: وهذا ظاهر؛ فإن أبا الصلت عبد السلام بن صالح بن سليمان الهروي: ليس بثقة، روى أحاديث مناكير في فضل أهل البيت، وهو متهم فيها [انظر: التهذيب (2/ 577)، الميزان (2/ 616)] [راجع ترجمته تحت الحديث رقم (403)].

• ورواه مطولًا وفيه قصة: يحيى بن طلحة اليربوعي [قال النسائي: "ليس بشيء"، وكذبه ابن الجنيد، وقال ابن حبان في الثقات: "كان يُغرب عن أبي نعيم وغيره"؛ فأخطأ في إدخاله إياه في ثقاته. التهذيب (4/ 366)]، عن عباد بن العوام، عن شريك، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} هزأ منه المشركون، ويقولون: محمد يذكر إله اليمامة، وكان مسيلمة يتسمى الرحمن، فلما نزلت هذه الآية أُمِر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يجهر بها.

أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 89/ 4756)، وفي الكبير (11/ 440/ 12245).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن سالم بن الأفطس إلا شريك، تفرد به: عباد بن العوام".

قلت: قد برئ من عهدته عباد، فقد رواه عنه الثقات الحفاظ مرسلًا، ووصله عنه جماعة ممن يتهمون بالوضع أو سرقة الحديث.

• ورواه أيضًا: عبد الله بن عمرو بن حسان: ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه الحاكم (1/ 208).

وقال: "قد احتج البخاري بسالم هذا، وهو ابن عجلان الأفطس، واحتج مسلم بشريك، وهذا إسناد صحيح، وليس له علة، ولم يخرجاه".

فتعقبه الذهبي بقوله: "وابن حسان كذبه غير واحد، ومثل هذا لا يخفى على المصنف".

وتعقبه ابن رجب في الفتح (4/ 370) بقوله: "وهذه زلة عظيمة؛ فإن عبد الله بن عمرو بن حسان هذا هو الواقعي، نسبه ابن المديني إلى الوضع، وقال الدارقطني: كان يكذب، وقال أبو حاتم الرازي: كان لا يصدق"[وانظر ترجمته في: اللسان (4/ 533)، الجرح والتعديل (5/ 119)].

وقال ابن عبد الهادي: "وهذا الحديث غير صريح، ولا صحيح، فأما كونه غير صريح؛ فإنه ليس فيه أنه في الصلاة، وأما غير صحيح؛ فإن عبد الله بن عمرو بن حسان الواقعي: كان يضع الحديث،. . .، وفي قول الحاكم: احتج مسلم بشريك؛ نظر؛ فإنه إنما روى له في المتابعات لا في الأصول"[نصب الراية (1/ 345)].

وحكاه العيني في نخب الأفكار (3/ 549) دون أن يعزوه لقائله، وقال:"فانظر إلى تساهل الحاكم واستهتاره في هذا لأجل إقامة الحجة لما ادعاه".

وقال ابن الملقن في البدر المنير (3/ 567): "هما معذوران في عدم تخريجه؛ فإن

ص: 505

عبد الله المذكور كذبه غير واحد من الأئمة، ونسبه علي بن المديني إلى الوضع، والعجب كيف خفي حاله على هذا الحافظ الكبير".

وقال ابن حجر في الإتحاف (7/ 76/ 7367): "علته الراوي عن شريك".

• قلت: الصواب من حديث عباد بن العوام أنه رواه مرسلًا:

فقد رواه يحيى بن معين [ثقة حافظ إمام]، وعباد بن موسى الخُتَّلي [ثقة]:

عن عباد بن العوام [ثقة]، عن شريك، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} بمكة، قال: وكان أهل مكة يدعون مسيلمة الرحمن، قالوا: إن محمدًا يدعو إلى إله اليمامة، فأُمِر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخفاها، فما جهر بها حتى مات.

أخرجه أبو داود في المراسيل (34)، والمفضل الغلابي في تاريخه عن ابن معين (4/ 371 - الفتح لابن رجب)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 472/ 639)، والحازمي في الاعتبار (1/ 332 - 333/ 90).

قال الحازمي: "هذا مرسل، وهو غريب من حديث شريك عن سالم".

وقال ابن رجب في الفتح (4/ 371): "الصحيح أنه مرسل".

• وروى البيهقي في المعرفة (1/ 516/ 709)، قال: وأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر، قال: وحدثنا أبو زكريا العنبري، قال: حدثنا محمد بن عبد السلام الوراق، وعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، قالا: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، قال: أخبرنا يحيى بن آدم، قال: أخبرنا شريك، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، يمد بها صوته، وكان المشركون يهزؤون مكاءً وتصديةً، ويقولون: يذكر إله اليمامة -يعنون مسيلمة، ويسمُّونه الرحمن- فأنزل الله تعالى:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} فيسمع المشركون فيهزؤون، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عن أصحابك فلا تسمعهم، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110].

وأخرجه أبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (1/ 107) عن شيخ البيهقي به، إلا أن فيه تصحيفًا وزيادة في السند.

قال البيهقي: "هكذا أخبرناه أبو القاسم بن حبيب، وإنما رواه إسحاق عن يحيى بن آدم مرسلًا، ثم قال إسحاق: رواه غير يحيى فزاد فيه: وذكره عن سعيد عن ابن عباس".

وقال الذهبي في مختصر ذكر الجهر بالبسملة (134/ أ- الظاهرية) بعد أن ذكر أن ابن راهويه قد رواه في مسنده عن يحيى بن آدم به مرسلًا، قال:"هذا المرسل أصح".

وممن عزاه لابن راهويه في مسنده مرسلًا: ابن عبد الهادي وابن رجب وابن الملقن وابن حجر وصوَّب إرساله [نصب الراية (1/ 346)، الفتح لابن رجب (4/ 371)، البدر المنير (3/ 567)، التلخيص الحبير (1/ 424)].

ص: 506

قلت: الوهم فيه من شيخ البيهقي والثعلبي؛ فإنه كمان كان إمامًا عالمًا مفسرًا أديبًا؛ إلا إنه لم يوصف بالحفظ، بل ولم يوثقه أحد ممن ترجم له، بل قال الذهبي في السير:"وقد تكلم فيه الحاكم في رقعة نقلها عنه مسعود بن علي السجزي"، وقال في المغني:"وهَّاه الحاكم في رقعة بخطه"[تاريخ جرجان (190)، المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور (482)، السير (17/ 237)، المغني (1/ 166)، تاريخ الإسلام (28/ 141)، طبقات المفسرين (45)]، وأما شيخه: يحيى بن محمد بن عبد الله بن عنبر أبو زكريا العنبري؛ فهو: ثقة حافظ [تاريخ نيسابور (929)، السير (15/ 533)، طبقات الشافعية الكبرى (3/ 485)].

• تابع شريكًا على إرساله: محمد بن مسلم بن أبي الوضاح أبو سعيد المؤدب [وهو: ثقة. [التهذيب (3/ 700)]:

فقد رواه هاشم بن القاسم، قال: ثنا أبو سعيد، قال: ثنا سالم، عن سعيد:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} ؟ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وكان مسيلمة قد تسمَّى بالرحمن، فكان المشركون إذا سمعوا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: قد ذكر مسيلمة إله اليمامة، ثم عارضوه بالمُكاء والتَّصدية والصفير، فأنزل الله تعالى:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} .

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 199/ 8100).

وقد ادعى بعضهم بأن هذا لو ثبت لكان دليلًا على النسخ، لكن يُشكل عليه ما أورده ابن حجر في الدراية (1/ 136)، حيث قال:"ولفظ: الرحمن في بقية الفاتحة، وهو قول: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} بعد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، فلا معنى للإسرار بالبسملة لأجل ذكر الرحمن، مع وجود ذكر الرحمن عقب ذلك".

وقال الحازمي في الاعتبار (1/ 335): "وطريق الإنصاف أن يقال: أما ادعاء النسخ في كلا المذهبين متعذر؛ لأن من شرط الناسخ أن يكون له مزية على المنسوخ من حيث الثبوت والصحة، فقد فُقد هاهنا، فلا سبيل إلى القول به، وأما أحاديث الإخفات فهي أمتن،. . ."، وإن كان ذهب بعد ذلك إلى تعليل رواية عدم الجهر في حديث أنس.

وقد ذهب بعضهم إلى إنكار هذه الرواية لكون ادعاء مسليمة للنبوة وتسميه بالرحمن إنما كان في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهذه السورة مكية، والواقعة هنا تحكي قصة وقعت بمكة قبل الهجرة، وهذا الذي ذهب إليه صحيح؛ فإن تنبؤ مسيلمةكان في عام الوفود سنة تسع [انظر: صحيح البخاري (3620 و 3621) وأطرافهما و (4377)، صحيح مسلم (2273 و 2274)، السيرة النبوية لابن هشام (5/ 273 و 300 و 303)، طبقات ابن سعد (1/ 273 و 316)، تاريخ الطبري (2/ 199)، زاد المعاد (3/ 610)، الفتح لابن حجر (8/ 91)، وغيرها].

ص: 507

ولعله لذلك قال ابن عبد البر في الإنصاف (36): "هذه الرواية ضعيفة في تأويل هذه الآية، لم يتابع عليها الذي جاء بها".

وقال ابن عبد الهادي: "مع أنه ورد في الصحيح أن هذه الآية نزلت في قراءة القرآن جهرًا، لا في البسملة، أخرجه البخاري في صحيحه: عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: نزلت هذه الآية: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختفٍ بمكة، كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإن سمعه المشركون سبوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به، فقال الله لنبيه:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} أي: بقراءتك، فيسب المشركون، فيسبوا القرآن، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عن أصحابك، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [نصب الراية (1/ 346)].

وقال ابن حجر في الدراية (1/ 134): "فهذا أصل الحديث"؛ يعني: رواية البخاري.

• قلت فعلى هذا: فإن الصواب من حديث سعيد بن جبير في هذه القصة:

هو ما رواه أبو بشر جعفر بن أبي وحشية، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله عز وجل:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} ، قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوارٍ [وفي رواية: مختفٍ] بمكة، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} فيسمع المشركون قراءتك، [وفي رواية: فيسبوا القرآن]، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عن أصحابك: أسمعهم القرآن، ولا تجهر ذلك الجهر، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} ، يقول: بين الجهر والمخافتة.

أخرجه البخاري في الصحيح (4722 و 7490 و 7525 و 7547)، وفي خلق أفعال العباد (348 - 350)، ومسلم (446)، وأبو عوانة (1/ 449/ 1660 و 1661)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 66/ 991)، والترمذي (3145 و 3146)، وقال:"حسن صحيح"، والنسائي في المجتبى (2/ 177 و 178/ 1011 و 1012)، وفي الكبرى (2/ 24 و 25/ 1085 و 1086) و (10/ 157/ 11237)، وابن خزيمة (3/ 39 - 40/ 1587)، وابن حبان (5/ 98/ 1796) و (14/ 521/ 6563)، وأحمد (1/ 23 و 215)، والبزار (11/ 255 و 256/ 5040 و 5041)، وابن جرير الطبري في تفسيره (15/ 184 - 186)، وأبو العباس السراج في مسنده (819)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 194/ 2018)، والطحاوي في أحكام القرآن (1/ 239/ 466 و 467)، وأبو بكر الشافعي في فوائده "الغيلانيات"(247)، والطبراني في الكبير (12/ 43/ 12454)، والبيهقي في السنن (2/ 184 و 195)، وفي الأسماء والصفات (2/ 116)، والواحدي في أسباب النزول (297)، وفي تفسيره الوسيط (3/ 133).

• فظهر بذلكم جميعًا: بطلان هذه الواقعة التي يحكيها سالم بن عجلان الأفطس عن سعيد بن جبير مرسلًا، والله أعلم.

ص: 508

3 -

وروى عثمان بن سعيد [الكوفي الزيات: لا بأس به]، قال: حدثنا بشر بن عمارة [الخثعمي الكوفي: ضعيف]، عن أبي روق [عطية بن الحارث: صدوق]، عن الضحاك [هو: ابن مزاحم الهلالي: صدوق، لم يسمع من ابن عباس شيئًا]، عن ابن عباس، أنه قال: أول ما نزل به جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا محمد استعذ بالله، ثم قل: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ".

وفي رواية: أول ما نزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم، قال:"يا محمد قل: أستعيذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم! ثم قال: "قل: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} " ثم قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} .

أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (1/ 50)، وابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 25 و 26/ 1 و 4 و 6)، والواحدي في أسباب النزول (20).

قال ابن كثير في التفسير (1/ 15): "وهذا الأثر غريب، وإنما ذكرناه ليُعرَف؛ فإن في إسناده ضعفًا وانقطاعًا".

قلت: وهو كما قال.

وله إسناد آخر موقوفًا على ابن عباس، عند البيهقي في المعرفة (1/ 521/ 721).

4 -

وروى المعتمر بن سليمان، قال: حدثني إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان، عن أبي خالد الوالبي، عن ابن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه أبو داود [من رواية أبي الطيب بن الأشناني. تحفة الأشراف (4/ 738/ 6537 - ط دار الغرب)، فتح الباري لابن رجب (4/ 364)، نصب الراية (1/ 346)]، والترمذي (245)، والبزار (1/ 255/ 526 - كشف)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 80 - 81)، وابن حبان في الثقات (5/ 564)، والطبراني في الكبير (12/ 145/ 12718)، وابن عدي في الكامل (1/ 311) [ووقع عنده مرةً بدل أبي خالد: عمران بن خالد]، والدارقطني (1/ 304)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 446/ 580)، والبيهقي في السنن (2/ 47)، وفي المعرفة (1/ 515/ 708)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 55/ 584).

قال أبو داود: "هذا حديث ضعيف".

وقال الترمذي: "هذا حديث ليس إسناده بذاك، وقد قال بهذا عدة من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، ومن بعدهم من التابعين، رأوا الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وبه يقول الشافعي.

وإسماعيل بن حماد هو: ابن أبي سليمان، وأبو خالد يقال: هو أبو خالد الوالبي، واسمه هُرْمُز، وهو كوفي".

وقال البزار: "تفرد به إسماعيل، وليس بالقوي في الحديث، وأبو خالد أحسبه الوالبي".

ص: 509

وقال العقيلي: "إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان: حديثه غير محفوظ، ويحكيه عن مجهول، كوفي".

وقال أبو زرعة في الوالبي: "لا أدري من هو، لا أعرفه"[الجرح والتعديل (9/ 365)].

وقال ابن عدي: "وهذا الحديث لا يرويه غير معتمر، وهو غير محفوظ، سواء قال: عن أبي خالد، أو: عن عمران بن خالد، جميعًا مجهولين"[وانظر: البدر المنير (3/ 567)].

وقال ابن عبد البر في الإنصاف (75): "الصحيح في هذا الحديث أيضًا -والله أعلم- أنه روي عن ابن عباس فعله، لا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال الذهبي في الميزان (1/ 226) في حكاية كلام ابن عدي: "هذا الحديث غير محفوظ، وأبو خالد مجهول"[وكذا في نصب الراية (1/ 324 و 347)].

وقال في تهذيب سنن البيهقي (1/ 498): "إسماعيل فيه مقال، وأبو خالد مجهول".

وقال ابن عبد الهادي: "وقد روى هذا الحديث البيهقي في سننه من طريق: إسحاق بن راهويه، عن معتمر بن سليمان، قال: سمعت إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان، يحدث عن أبي خالد، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في الصلاة؛ يعني: يجهر بها انتهى، هكذا رواه بهذا اللفظ، وهذا التفسير ليس من قول ابن عباس، إنما هو قول غيره من الرواة، وكل من روى هذا الحديث بلفظ الجهر فإنما رواه بالمعنى، مع أنه حديث لا يحتج به على كل حال"[نصب الراية (1/ 347)].

قلت: كلام الذين حكموا على أبي خالد بالجهالة يقتضي التفريق بينه وبين أبي خالد الوالبي، واسمه هرمز، كذلك فإن أبا حاتم وأبا زرعة الرازيين قد فرَّقا بين راوي هذا الحديث وعدُّوه بصريًّا، وبين إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان الكوفي، والذي وثقه ابن معين، وقال فيه أبو حاتم:"شيخ، يكتب حديثه"[الجرح والتعديل (2/ 164 و 165)]، كما فرَّق بينهما أيضًا ابن حبان، إلا أنه أورد هذا الحديث في ترجمة إسماعيل من الثقات [الثقات (5/ 563) و (6/ 40)].

• والحاصل: فإن الأئمة قد اتفقوا على تضعيف هذا الحديث، وإنكاره على إسماعيل بن حماد، غير ابن حبان حيث أورده في الثقات، ومع ذلك فلم يدخله في صحاحه، والصواب مع الجمهور؛ فهو حديث ضعيف، والله أعلم.

5 -

وروى يحيى بن حمزة، قال: صلى بنا أمير المؤمنين المهديُّ المغربَ، فجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين ما هذا؟ فقال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، قال: قلت: نؤثره عنك؟ قال: نعم.

أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 278/ 10651)، وفي الأوسط (35)، وابن المقرئ في المعجم (87)، والدارقطني (1/ 303)، وابن جميع الصيداوي في معجم الشيوخ

ص: 510

173 -

، وتمام في الفوائد (990 و 991)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 5)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (1/ 106)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 445/ 578)، والخطيب في الجهر بالبسملة (11 - مختصره للذهبي)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (53/ 411 و 412) و (57/ 163).

من طريق: أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقي، قال: حدثني أبي، عن أبيه به.

قال الطبراني في الأوسط بعد أن روى له حديثين هذا أحدهما: "لا يُروى هذان الحديثان عن المهدي إلا بهذا الإسناد، تفرد بهما: يحيى بن حمزة".

وفي مختصر الذهبي لكتاب الخطيب: "رواه عن يحيى: ابنه محمد، ومنصور بن شبير، وهو محفوظ عنه".

وأحمد هذا: حدث عن أبيه عن جده عن مشايخ ثقات بأحاديث بواطيل لا يحتملونها، وكان يقبل التلقين، وقال أبو حاتم:"سمعت أحمد يقول: لم أسمع من أبي شيئًا"[الثقات (9/ 74)، مسند أبي عوانة (5/ 138/ 8137)، فتح الباب (4471)، تاريخ دمشق (5/ 466)، تاريخ الإسلام (21/ 83)، اللسان (1/ 650)].

ومحمد بن يحيى بن حمزة الدمشقي: روى عن أبيه وجادة، وقال ابن حبان في الثقات:"ثقة في نفسه، يتقى حديثه ما روى عنه أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة وأخوه عبيد؛ فإنهما كانا يدخلان عليه كل شيء"[الثقات (9/ 74)، تاريخ الإسلام (17/ 349)، اللسان (7/ 576)].

وأما منصور بن شبير فلم أقف له على ترجمة، إلا أن يكون تصحف عن منصور بن صقير، ويقال: سقير، وهو: ضعيف [التقريب (612)]، ويحيى بن حمزة بن واقد الحضرمي الدمشقي: ثقة [التقريب (659)].

والمهدي أمير المؤمنين، هو: الخليفة أبو عبد الله محمد بن المنصور أبي جعفر عبد الله بن محمد بن علي الهاشمي العباسي [السير (7/ 400)]، وأبوه: الخليفة أبو جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي الهاشمي العباسي [السير (7/ 83)]، وهما مجهولا الحال في الرواية، ولم أجد من وثقهما، ومحمد بن علي بن عبد الله بن عباس: ثقة، وأبوه: علي بن عبد الله بن عباس: ثقة، سمع أباه [وانظر: الأحكام الكبير لابن كثير (3/ 53)].

فهو إسناد ضعيف، لا تقوم به حجة؛ إن كان محفوظًا عن المهدي، وإلا فهو منكر.

6 -

وروى جعفر بن عنبسة بن عمرو بن يعقوب اليشكري، أبو محمد الكوفي: ثنا عمر بن حفص المكي، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يجهر في السورتين بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حتى قبض.

أخرجه ابن الأعرابي في المعجم (2/ 635/ 1259)، والدارقطني في السنن (1/ 304)، وفي الأفراد (1/ 479/ 2657 - أطرافه)، ومن طريقه: الحازمي في الاعتبار (1/ 335/ 91).

ص: 511

قال الدارقطني في الأفراد: "تفرد به عمر بن حفص المكي عن ابن جريج، ولم يروه عنه غير جعفر بن عنبسة".

وقال ابن القطان الفاسي في بيان الوهم (3/ 369/ 1112): "علته: الجهل بحال عمر بن حفص المكي، بل لا أعرفه مذكورًا في مظان ذكره وذكر أمثاله، وكذلك راويه عنه، وهو جعفر بن عنبسة بن عمرو الكوفي"، وأقره ابن الملقن في البدر المنير (3/ 568)، لكن استدرك عليه أن عمر بن حفص ذكره ابن حبان في الثقات (7/ 174).

وقال الذهبي في الميزان (3/ 190) بعد أن ذكر هذا الحديث في ترجمة عمر بن حفص المكي: "لا يُدرى من ذا، والخبر منكر، ولا رواه عن ابن جريج بهذا الإسناد إلا هو وسعيد بن خثيم الهلالي، وسعيد قد وثقه ابن معين، وغمزه غيره، كما تقدم"، وانظر: مختصر الجهر بالبسملة للخطيب (13)، اللسان (6/ 91).

وقال في المغني (2/ 464): "لا يعرف، والخبر موضوع".

وقال ابن عبد الهادي: "وهذا لا يجوز الاحتجاج به؛ فإن عمر بن حفص: ضعيف، قال ابن الجوزي في التحقيق: أجمعوا على ترك حديثه، وروى البيهقي له حديثًا عنه عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم، والحرم قبلة لأهل الأرض"، ثم قال البيهقي: تفرد به عمر بن حفص المكي، وهو ضعيف، لا يحتج به، والحمل فيه عليه"[سنن البيهقي (2/ 9) و (8/ 194)، نصب الراية (1/ 347)، وانظر: التلخيص (1/ 425)].

وأما جعفر بن عنبسة: فقال فيه الدارقطني: "يحدِّث عن الضعفاء، ليس به بأس"، وقال ابن القطان بأنه لا يُعرف، وقال البيهقي في الدلائل في إسناد هو فيه:"إسناد مجهول"[سؤالات الحاكم (68)، ذيل الميزان (248)، اللسان (2/ 461)].

قلت: هو حديث باطل؛ لتفرد عمر بن حفص المكي به عن ابن جريج، على كثرة أصحابه، ومخالفته فيه الأحاديث الصحيحة.

• وروى إسحاق بن محمد العَرْزَمي، ثنا سعيد بن خُثَيم، عن الأَوْقَص، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 185/ 11442)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 445/ 579)[وفي سنده سقط].

وهذا إسناد ضعيف جدًّا؛ الأوقص هو: محمد بن عبد الرحمن بن هشام المخزومي، وهو: ضعيف، يخالف في حديثه [اللسان (7/ 293)]، وسعيد بن خُثَيم: ليس به بأس، وإسحاق بن محمد بن عبيد الله العَرْزَمي: ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الدارقطني:"متروك"، وقال الذهبي في المغني:"واهٍ"[اللسان (2/ 76)، ضعفاء الدارقطني (100 و 339)، المغني (1/ 111)].

وهو باطل أيضًا من حديث ابن جريج.

ص: 512

• قال ابن عبد الهادي: "الجواب عن حديث ابن عباس يتوجه من وجوه: أحدها: الطعن في صحته، فإن مثل هذه الأسانيد لا يقوم بها حجة لو سلمت من المعارض، فكيف وقد عارضها الأحاديث الصحيحة، وصحة الإسناد يتوقف على ثقة الرجال، ولو فرض ثقة الرجال لم يلزم منه صحة الحديث حتى ينتفي منه الشذوذ والعلة، الثاني: أن المشهور في متنه لفظ الاستفتاح لا لفظ الجهر، الثالث: أن قوله: جهر؛ إنما يدل على وقوعه مرة؛ لأن "كان" يدل على وقوع الفعل، وأما استمراره فيفتقر إلى دليل من خارج، وما روي من أنه لم يزل يجهر بها فباطل كما سيأتي إن شاء الله تعالى، الرابع: أنه روي عن ابن عباس ما يعارض ذلك، قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الملك بن أبي بشير، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قراءة الأعراب، وكذلك رواه الطحاوي، ويقوي هذه الرواية عن ابن عباس: ما رواه الأثرم بإسناد ثابت عن عكرمة تلميذ ابن عباس؛ أنه قال: أنا أعرابي إن جهرت بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وكأنه أخذه عن شيخه ابن عباس، والله أعلم"[نصب الراية (1/ 347)، [وانظر: نخب الأفكار (3/ 607)].

• قلت: قد صح في هذا عن ابن عباس موقوفًا عليه [وقد أعرضت صفحًا عما فيه مقال]:

فقد روى حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة؛ أن ابن عباس كان يستفتح القراءة بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ويقول: إنما هو شيء استرقه الشيطان من الناس.

أخرجه ابن المنذر (3/ 127/ 1356).

وهذا موقوف على ابن عباس، بإسناد صحيح على شرط البخاري [انظر: التحفة (4/ 535 - 546)].

وانظر فيمن وهم فيه على أيوب: مصنف عبد الرزاق (2/ 90/ 2610) و (2/ 92/ 2620).

• وروى الثوري، وزهير بن معاوية، وشريك بن عبد الله النخعي:

عن عبد الملك بن أبي بشير [وهو: ثقة][قرن زهير مع عبد الملك: عاصمًا]، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قراءة الأعراب.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 89/ 2605)، وابن أبي شيبة (1/ 361/ 4143)، وابن المنذر (3/ 127/ 1359)، والطحاوي (1/ 204).

وهذا موقوف على ابن عباس قوله، بإسناد صحيح.

وتابع عبد الملك عليه بنحوه: أبو سعد البقال سعيد بن المرزبان [وهو: ضعيف].

أخرجه البزار (525 - كشف).

وقيل: معنى قول ابن عباس: قراءة الأعراب: أن الأعراب يحسنون ذلك، فيعيِّرُهم بفعل الأعراب إذا تركوا الجهر بها [قاله إسحاق بن راهويه. مسائل الكوسج (198)].

ص: 513

وانظر أيضًا: فضائل القرآن للمستغفري (582 - 586)، سنن البيهقى (2/ 50)، مختصر الجهر بالبسملة للخطيب (23)، وغيرها.

• وفي الباب أيضًا:

1 -

عن أنس بن مالك:

أ- روى عمرو بن عاصم الكلابي [صدوق]، قال: ثنا همام بن يحيى وجرير بن حازم، قالا: نا قتادة، قال: سئل أنس بن مالك: كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كانت مدًّا، ثم قرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يمدُّ بسم الله، ويمدُّ الرحمن، ويمدُّ الرحيم.

أخرجه البخاري في الصحيح (5046)، وفي خلق أفعال العباد (38)، وابن حبان (14/ 223/ 6317)، والحاكم (1/ 233)، وابن سعد في الطبقات (1/ 376)، والدارقطني (1/ 308)، والبيهقي في السنن (2/ 46)، وفي المعرفة (1/ 527/ 732)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 481/ 1214)، وقال:"هذا حديث صحيح".

وقال الدارقطني: "هذا حديث صحيح، وكلهم ثقات"[تخريج الأحاديث الضعاف للغساني (251)، الشذا الفياح (1/ 210)، التقييد والإيضاح (120)].

وقال الحازمي في الاعتبار (1/ 339): "هذا حديث صحيح، لا يعرف له علة، أخرجه البخاري في كتابه".

وقال العراقي في التقييد (120): "وهذا إسناد لا شك في صحته".

قال الدارقطني في العلل (12/ 134/ 2524) عن التمثيل الوارد بالبسملة: "ولم يأت بهذا غيره"؛ يعني: عمرو بن عاصم الكلابي.

• فقد رواه مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وعفان بن مسلم، ووهب بن جرير، وعبد الرحمن بن مهدي، وبهز بن أسد، ووكيع بن الجراح، وأبو عبد الرحمن المقرئ عبد الله بن يزيد، وسليمان بن حرب، وعبد الله بن وهب، وزيد بن الحباب، ومحمد بن أبان الواسطي، وغيرهم:

عن جرير بن حازم: حدثنا قتادة، قال: سألت أنس بن مالك عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان يمدُّ [صوته بالقرآن] مدًّا.

أخرجه البخاري في الصحيح (5045)، وفي خلق أفعال العباد (37 و 38)، وأبو داود (1465)، والترمذي في الشمائل (316)، والنسائي في المجتبى (2/ 179/ 1014)، وفي الكبرى (2/ 26/ 1088) و (7/ 273/ 8005)، وابن ماجه (1353)، وابن حبان (14/ 222/ 6316)، وأحمد (3/ 119 و 127 و 131 و 192 و 198 و 289)، وابن سعد في الطبقات (1/ 376)، وابن أبي شيبة (2/ 256/ 8728)، والبزار (13/ 464/ 7247)، وأبو يعلى (5/ 284/ 2906) و (5/ 386/ 3047)، والروياني (1361 و 1363)، وابن الأعرابي في المعجم (3/ 1102/ 2373 و 2374)، وابن عدي في الكامل (2/ 126)، وأبو الشيخ

ص: 514

في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (3/ 157/ 562)، وأبو الفضل الرازي في فضائل القرآن (21)، والبيهقي في السنن (2/ 52)، وفي الشعب (2/ 390/ 2155)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (52/ 312).

• ورواه بشر بن هلال الصواف، قال: حدثنا بكار بن يحيى ابن أخي همام، قال: حدثنا حرب بن شداد، قال: سمعت قتادة، يقول: سألت أنس بن مالك: كيف كانت قراءة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ مدَّ صوته مدًّا.

أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 131/ 4868)، وفي الصغير (715).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن حرب بن شداد إلا بكار بن يحيى، تفرد به: بشر بن هلال".

قلت: بكار بن عبد الله بن يحيى، ابن أخي همام، قال أبو حاتم:"ليس بقوي"، وقال مرة:"هو شيخ"، وذكره ابن حبان في الثقات [التاريخ الكبير (2/ 121)، الجرح والتعديل (2/ 409)، الثقات (8/ 151)، غاية النهاية (1/ 177)، اللسان (2/ 330)]، وشيخ الطبراني فيه جهالة، لكن كلامه يدل على أنه متابع، وبقية رجاله ثقات.

قال ابن رجب في الفتح (4/ 358): "ذكر ابن أبي خيثمة في كتابه: أن يحيى بن معين سئل عن حديث جرير هذا، فقال: ليس بشيء.

قلت: وروايات جرير بن حازم عن قتادة فيها مناكير، قاله الإمام أحمد ويحيى وغير واحد.

وقد تابعه على هذا: همام، قال: وروي عن قتادة مرسلًا، وهو أشبه، ذكره في العلل.

قلت: وقد روي بإسناد فيه لين، عن حرب بن شداد، عن قتادة، قال: سألت أنس بن مالك: كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان إذا قرأ مدَّ صوته مدًّا. خرجه الطبراني.

وفي الجملة؛ فتفرَّد عمرو بن عاصم عن همام بذكر البسملة في هذا الحديث.

وقد روي عن شعبة، عن همام بدون هذه الزيادة، خرجه أبو الحسين بن المظفر في غرائب شعبة، وعلى تقدير أن تكون محفوظة، فليس في الحديث التصريح بقراءته في الصلاة، فقد يكون وصف قراءته في غير الصلاة، ويحتمل وهو أشبه: أن يكون أنس أو قتادة قرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} على هذا الوجه، وأراد تمثيل قراءته بالمد، ولم يرد به حكاية عين قراءته للبسملة".

قلت: وفيما قاله ابن رجب نظر؛ أما نقله عن الدارقطني في ترجيح المرسل على رواية همام الموصولة، فليس بصحيح؛ إذ إن الدارقطني إنما قال ذلك في العلل (12/ 135/ 2524) عن رواية حسام بن مِصَكّ [وهو: متروك. انظر: التهذيب (1/ 378)]، عن قتادة، عن أنس: ما بعث الله نبيًّا إلا حسن الصوت، حسن الوجه، وكان نبيُّكم كذلك، غير أنه لا يرجِّع، قال الدارقطني: "قال ذلك عباس البحراني، عن نوح بن قيس، عنه. وغيره

ص: 515

يرويه عن حسام، عن قتادة، من قوله. وكذلك قال سعيد بن بشير؛ رواه عن قتادة، لم يجاوز به. وهذا أشبه"، وهذا الاختلاف الذي ذكره الدارقطني وإن كان ذكره ضمن الاختلاف في حديث همام وجرير عن قتادة في كيفية القراءة بالمد، إلا أنه عندي من باب الاستطراد بذكر حديث آخر، كما هو ظاهر من سياق الحديثين، كما أنه لا يُعَلُّ حديث ثقتين مثل همام وجرير، بحديثِ متروكٍ مثل حسام بن مصك، أو بمثل ما يرويه سعيد بن بشير، وهو: ضعيف، ممن يروي عن قتادة المناكير، وإنما أراد الدارقطني أن الأشبه من حديث: ما بعث الله نبيًّا. . . أنه من مراسيل قتادة، والله أعلم.

وأما ذكره لتضعيف ابن معين لحديث جرير، فهو معارض بتصحيح البخاري له.

وأما قوله بأن روايات جرير بن حازم عن قتادة فيها مناكير، فهذا صحيح إذا تفرد عن قتادة [وانظر مثلًا: الحديث المتقدم برقم (173)، والحديث رقم (394)، الشاهد رقم (3) من حديث أنس]، ولكنه هنا قد توبع، تابعه همام بن يحيى، وهو من ثقات أصحاب قتادة، بل إن ابن عدي نفسه لما أورد هذا الحديث ضمن أحاديث تفرد بها جرير عن قتادة، استثنى هذا الحديث فقال:"وهذه الأحاديث عن قتادة عن أنس التي أمليتها لا يتابع جريرًا أحدٌ؛ إلا حديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم يمد صوته بالقراءة، فإنه رواه همام أيضًا عن قتادة".

وأما متابعة حرب بن شداد عن قتادة، فهي عندي معتبرة؛ فإن راويها عنه ليِّن الحديث، تصلح رواياته في المتابعات، فهي تعضد رواية همام وجرير، والله أعلم.

قلت: وفي هذا الحديث فسَّرت روايةُ جرير روايةَ همام، وأن أنسًا نعت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بأنها كانت مدًّا، يما صوته بالقرآن مدًّا، ثم مثَّل ذلك أنسٌ لقتادة حتى يقرِّب له المعنى المراد من المدِّ، فقرأ أنس البسملة ومدَّها، لا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ البسملة في الصلاة ويمدُّها هكذا، وإنما هو فعل أنس، كما أن السؤال والجواب لم يقع فيه ذكرٌ للصلاة، وإنما هو لمطلق القراءة، والله أعلم.

قال الحازمي في الاعتبار (1/ 339): "وفيه دلالة على الجهر مطلقًا، وإن لم يتقيد بحالة الصلاة، فيتناول الصلاة وغير الصلاة".

قال ابن حجر في النكت (2/ 762): "وأما احتجاج أبي شامة على أن سؤال قتادة له في الحديث الذي أخرجه البخاري عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وجواب أنس رضي الله تعالى عنه أنها كانت مدًّا، حيث أجاب بالبسملة دون غيرها من آيات القرآن، دل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالبسملة في قراءته؛ ففيه نظر لأنه يحتمل أن يكون ذِكر أنس للبسملة على سبيل المثال لقراءة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا ينتهض الدليل على ذلك،. . ."، وقال في الفتح (9/ 91):"ولأنه إنما ورد بصورة المثال؛ فلا تتعين".

وأما دعوى العموم التي تمسك بها الحازمي وأبو شامة في هذا الحديث فقد ردها ابن حجر في النكت (2/ 762) بتأصيل جيد.

ص: 516

وعلى هذا فلا يصلح الاحتجاج بهذا الحديث الصحيح على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالبسملة في الصلاة المكتوبة، ولا على أنه معارِض لرواية جماعة الثقات من أصحاب قتادة، عن قتادة، عن أنس بعدم الجهر بالبسملة، فلا تَعارض بين الأحاديث الصحيحة في الباب، والله أعلم.

وانظر: الاعتبار في الناسخ والمنسوخ (1/ 338)، الأحكام الكبير لابن كثير (3/ 44)، الفتح لابن رجب (4/ 358)، نصب الراية (1/ 353).

ب- وروى زيد بن الحسين بن عيسى بن زيد: حدثني عمر بن محمد بن عمر بن علي بن الحسين، عن حاتم بن إسماعيل، عن شريك بن عبد الله، عن إسماعيل المكي، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

وهو حديث منكر، تقدم ذكره تحت طرق حديث قتادة عن أنس، تحت الحديث رقم (782).

ج- وروى أصبغ بن الفرج: ثنا حاتم بن إسماعيل، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

وهو حديث لا يصح، تقدم ذكره تحت طرق حديث أنس، تحت الحديث رقم (782).

د- وروى محمد بن المتوكل بن أبي السري، قال: صليت خلف المعتمر بن سليمان من الصلوات ما لا أحصيها، الصبح والمغرب، فكان يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قبل فاتحة الكتاب وبعدها، وسمعت المعتمر يقول: ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي، وقال أبي: ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس بن مالك، وقال أنس: ما آلو أن أقتدي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهو حديث منكر، تقدم ذكره تحت طرق حديث أنس، تحت الحديث رقم (782).

2 -

عن أبي هريرة:

أ- روى منصور بن أبي مزاحم؛ أنه حدثه أبو أويس، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أمَّ الناس قرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه ابن الأعرابي في المعجم (441)، وابن عدي في الكامل (4/ 183)، والدارقطني (1/ 306)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 454/ 593)، والبيهقي (2/ 47)، والخطيب في الجهر بالبسملة (6 - مختصره للذهبي)، وفي تاريخ بغداد (5/ 96).

وقال عثمان بن خُرَّزاذ: ثنا منصور بن أبي مزاحم من كتابه ثم محاه بعدُ.

قال الذهبي: "ما حكه من خبر فهو ساقط".

ص: 517

قال ابن عدي: "وهذا لا يُعرف إلا بأبي أويس عن العلاء، وعن العلاء [كذا، ولعله: ولا رواه إلا] منصور، ولم يقع لي بعلو".

ونقل النووي في المجموع (3/ 211 - ط عالم الكتب) عن الدارقطني قوله: "رجال إسناده كلهم ثقات"، لكن قال ابن الملقن في البدر المنير (3/ 560):"نقله عنه النووي في شرح المهذب، ولم أره في سننه فيما وقفت عليه من نسخه، ولعله قالها في مصنفه في الجهر، أو في غيره".

• ورواه إسماعيل بن أبي أويس، عن أبيه، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة صلى الله عليه وسلم؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة جهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه ابن عبد البر في الإنصاف (57)، والخطيب في ذكر الجهر بالبسملة (7 - مختصره للذهبي).

بإسنادين عن إسماعيل في أحدهما: النضر بن سلمة شاذان، وهو: متهم بوضع الحديث [اللسان (8/ 273)]، وفي الآخر: عمر بن الحسن الشيباني، قال الذهبي:"هالك"، وليس كما قال، بل هو ممن يحتمل، ويُقوَّى أمره، وهو: عمر بن الحسن بن علي بن مالك بن أشرس بن عبد الله بن منجاب أبو الحسين الشيباني المعروف بابن الأشناني، وقد وثقه جماعة، وتكلم فيه آخرون [انظر: تخريج الذكر والدعاء (3/ 1006/ 460)، سؤالات الحاكم (252)، سؤالات السلمي (218)، تاريخ بغداد (11/ 236)، السير (65/ 401)، اللسان (6/ 78) التنكيل (1/ 368/ 170)]، وشيخه أحمد بن خالد بن يزيد الآجري البغدادي: روى عنه جماعة، ووثقه الخطيب البغدادي [تاريخ بغداد (3/ 132) و (5/ 209 - ط الغرب)، الأنساب (1/ 59)]، وشيخ الخطيب فيه: عبد الملك بن عمر بن خلف بن سليمان، أبو الفتح الرزاز، قال عنه الخطيب:"كتبنا عنه، وكان شيخًا صالحًا، إلا أنه لم يكن في الحديث بذاك، رأيت له أصولًا محكَّكة، وسماعاته فيها ملحقة"، وقد ضُعِّف، قلت: فمنه البلاء، والله أعلم [تاريخ بغداد (12/ 190 - ط الغرب)، اللسان (5/ 269)].

وهذا يخالف ما رواه أبو أويس نفسه عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه وعن أبي السائب، عن أبي هريرة، من حديث: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين.

وأبو أويس عبد الله بن عبد الله بن أويس: صدوق يهم، وهذا الحديث من أوهامه، ولذلك حكَّه منصور بن أبي مزاحم من كتابه بعد أن حدَّث به، مما يدل على أنه رآه غير محفوظ، والله أعلم.

قال ابن عبد الهادي: "ولو ثبت هذا عن أبي أويس فهو غير محتج به؛ لأن أبا أويس لا يحتج بما انفرد به، فكيف إذا انفرد بشيء وخالفه فيه من هو أوثق منه،. . ."، ثم أطال في سرد أقوال الأئمة فيه، ثم في بيان منهج الشيخين في إخراجهما لحديث الرواة المتكلَّم

ص: 518

فيهم، وأشار أيضًا لحديث أبي هريرة في قسم الفاتحة، ثم تكلم على الحاكم وتساهله فيما استدركه على صاحبي الصحيح، إلى أن قال:"والمقصود من ذلك: أن حديث أبي أويس هذا لم يُترَك لكلام الناس فيه، بل لتفرده به، ومخالفة الثقات له، وعدم إخراج أصحاب المسانيد والكتب المشهورة والسنن المعروفة، ورواية مسلم الحديث في صحيحه من طريقه وليس فيه ذكر البسملة، والله أعلم"[نصب الراية (1/ 341)، نخب الأفكار (3/ 555)].

ب- خالد بن إلياس، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علمني جبرائيل عليه السلام الصلاة، فقام فكبر لنا، ثم قرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فيما يجهر به في كل ركعة".

ورواه خالد مرة أخرى فقال فيه: "أمني جبرائيل عليه السلام فقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ".

أخرجه الدارقطني (1/ 307)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (1/ 107).

قال ابن عبد الهادي: "وهذا إسناد ساقط؛ فإن خالد بن إلياس: مجمع على ضعفه،. . .، وتكلم الدارقطني في العلل على هذا الحديث، وصوَّب وقفه"[نصب الراية (1/ 343)، نخب الأفكار (3/ 556)].

قلت: هو حديث منكر؛ خالد بن إلياس أبو الهيثم العدوي المدني: متروك، منكر الحديث [التهذيب (1/ 514)، الميزان (1/ 627)].

ج- روى المستغفري في فضائل القرآن (1/ 440/ 564) بإسناد رجاله ثقات، عدا شيخ المستغفري [وهو: أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن حامد بن محمود بن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن أبي وقاص، الزهري النيسابوري، يعرف بالبالوي، وهو: مجهول الحال، ترجمته في الأنساب (1/ 271) فيمن يعرف بالبالوي] إلى عبد الرحمن بن إسحاق، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)} [الحجر: 87] قال: "فاتحة الكتاب مع {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ".

وعبد الرحمن بن إسحاق هذا ليس هو أبا شيبة الواسطي، إنما هو المدني المعروف بعباد بن إسحاق [ليس به بأس، وليس هو ممن يعتمد على حفظه، ففي بعض حديثه ما ينكر ولا يتابع عليه. التهذيب (2/ 487)، الميزان (2/ 547)]، وحديثه هذا منكر، وسيأتي بيان نكارته قريبًا، حيث خالف ما رواه ابن أبي ذئب [وهو: ثقة فقيه، وهو ثبت في حديث سعيد المقبري]، قال: حدثنا سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أم القرآن هي السبع المثاني، والقرآن العظيم".

د- أبو بكر الحنفي عبد الكبير بن عبد المجيد، وعلي بن ثابت، والمعافى بن عمران [ووقع في روايةٍ عنه: عن أبي سعيد، بدلًا من سعيد، وهي وهم، والمحفوظ عنه كالجماعة]:

ص: 519

قال أبو بكر: ثنا عبد الحميد بن جعفر: أخبرني نوح بن أبي بلال، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قرأتم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}؛ فاقرؤوا: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني، و {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} إحداها".

قال أبو بكر الحنفي: ثم لقيت نوحًا فحدثني عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة بمثله، ولم يرفعه.

وفي رواية عدي بن ثابت: " {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} سبع آيات، احداهن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}،. . .".

أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 208/ 5102)، والدارقطني (1/ 312)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (1/ 103) بالموقوف وحده. وأبو عمرو الداني في البيان في عد آي القرآن (37 و 53)، والبيهقي في السنن (2/ 45 و 376)، وفي الشعب (2/ 436/ 2324 و 2325)، والخطيب في الجهر بالبسملة (9 - مختصره للذهبي)، والواحدي في الوسيط (1/ 61).

[وانظر فيمن وهم في إسناده: البيان (37)، الشعب (2324)].

قلت: قول أبي بكر الحنفي هو الصواب، وروايته أولى من رواية عبد الحميد بن جعفر، فإن أبا بكر عبد الكبير بن عبد المجيد الحنفي أثبت من عبد الحميد بن جعفر؛ فإن الأخير متكلَّم فيه، وقد توبع أبو بكر الحنفي على وقفه، وعليه: فإن الموقوف هو الصواب، ورفعُه وهمٌ من عبد الحميد، والله أعلم.

قال الدارقطني: "هذا إسناد جيد حسن"[مختصر الجهر بالبسملة للخطيب (9)].

هكذا نقل الخطيب عنه، لكنه في العلل (8/ 149/ 1468) ذكر الخلاف فيه، ثم رجح الموقوف، وقال:"ورواه أسامة بن زيد وأبو بكر الحنفي، عن نوح بن أبي بلال، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة موقوفًا، وهو أشبهها بالصواب".

وقال البيهقي: "روي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا وموقوفًا، والموقوف أصح".

وقال ابن قدامة في المغني (1/ 286): "وهذا يدل على أن رفعه كان وهمًا من عبد الحميد".

وقال ابن القطان في بيان الوهم (5/ 141/ 2384): "إنما رواه [يعني: عبد الحميد] لأبي بكر الحنفي مرفوعًا، فمر أبو بكر الحنفي إلى الشيخ الذي رواه لهم عنه، فحدثه به موقوفًا، فما ظاهر القصة إلا أنه أنكر أن يكون حدَّث به مرفوعًا، بعد أن عرَّفه أبو بكر الحنفي أنه قد حدَّث به عبد الحميد عنه فرفعه، وإذا كان الأمر هكذا، صارت المسألة مسألة ما إذا رُوي عن رجلٍ حديثٌ فأَنكَر أن يكون حدث به.

وإن لم يسلَّم هذا التنزيل، فالمسألة مسألة رجل مضعَّف أو مختلف فيه، رفع ما وقفه غيره من الثقات، وذلك أن أبا بكر الحنفي: ثقة بلا خلاف، وهو قد لقي نوحًا فحدثه به

ص: 520

موقوفًا، ولم يعتمد على ما رواه له عنه عبد الحميد بن جعفر من ذلك مرفوعًا؛ لأن عبد الحميد ينسب إلى القول بالقدر، وكان ممن خرج مع محمد بن عبد الله بن الحسن بن حسن بن علي بن أبي طالب".

وقال الذهبي: "صوابه: موقوف".

وقال ابن الملقن في البدر المنير (3/ 558): "هذا الحديث صحيح".

وعزاه ابن حجر في الإتحاف (14/ 664/ 18441)، لأبي علي بن السكن في صحاحه، ثم قال ابن حجر: "ونوح ثقة، وعبد الحميد بن جعفر: صدوق، وفيه مقال، وأبو بكر الحنفي: متفق على الاحتجاج به، والموقوف أصح، والله أعلم.

وقد صحح عبد الحق في أحكامه المرفوع [الأحكام الوسطى (1/ 375)]، ونقضه أبو الحسن بن القطان، مع أنه يرى أنه إذا تعارض الوقف والرفع كان الحكم للرافع، لكن استند في هذا إلى أن مدار الحديث على نوح، وقد حقق لأبي بكر أنه إنما رواه لعبد الحميد موقوفًا، والله أعلم".

وقال في التلخيص (1/ 421/ 348): "وصحح غير واحد من الأئمة وقفه على رفعه، وأعله ابن القطان بهذا التردد، وتكلم فيه ابن الجوزي من أجل عبد الحميد بن جعفر؛ فإن فيه مقالًا، ولكن متابعة نوح له مما تقوِّيه، وإن كان نوح وقفه؛ لكنه في حكم المرفوع؛ إذ لا مدخل للاجتهاد في عدِّ آي القرآن".

وسيأتي الرد على هذا في كلام ابن عبد الهادي قريبًا.

والحاصل: فإن هذا موقوف على أبي هريرة بإسناد صحيح.

• وروى هشيم، قال: نا أبو معشر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة؛ أنه كان يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} . موقوف.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 361/ 4151).

قال الدارقطني في العلل (8/ 139/ 1458): "وهو الصواب عن أبي معشر".

قلت: أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي: ضعيف، وهو صالح في المتابعات.

هـ- وروى علي بن ثابت [الجزري، وهو: صدوق]، عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} هي أم القرآن، وهي أم الكتاب، وهي السبع المثاني".

أخرجه البيهقي في الشعب (2/ 437/ 2326).

• خالفه: آدم بن أبي إياس، وعيسى بن يونس، ويزيد بن هارون، وهاشم بن القاسم، وأبو داود الطيالسي، وعلي بن نصر الجهضمي، وأبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد، وعبد الله بن وهب، وإسماعيل بن عمر الواسطي، وشبابة بن سوار، وأسد بن موسى [وهم ثقات]، وعمار بن عبد الجبار المروزي [صدوق. الجرح والتعديل (6/ 393)، الثقات (8/ 518)، سؤالات مسعود السجزي (92)، الإرشاد (3/ 897)، تاريخ بغداد (12/ 254)][12]:

ص: 521

رووه عن ابن أبي ذئب: حدثنا سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أم القرآن هي السبع المثاني، والقرآن العظيم". لفظ آدم بن أبي إياس [عند البخاري]، ولفظ عيسى بن يونس [عند أبي داود]:" {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني"، ولفظ يزيد بن هارون:"هي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني، والقرآن العظيم".

أخرجه البخاري في الصحيح (4704)، وفي القراءة خلف الإمام (154)، وأبو داود (1457)، والترمذي (3124)، وقال:"حسن صحيح"، والدارمي (2/ 539/ 3374)، والحاكم (14/ 665/ 18442 - إتحاف المهرة)، وأحمد (2/ 448)، والطيالسي (4/ 80/ 2437)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (221 - 222)، والبزار (15/ 164/ 8514)، وابن جرير الطبري في تفسيره (1/ 47) و (14/ 59)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2844)، والطحاوي في المشكل (3/ 244)، وأبو العباس الأصم في جزء من حديثه (14 - رواية أبي الحسن الطرازي)، والدارقطني في العلل (8/ 140/ 1459)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (274 و 275)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 488/ 671 و 672 و 674)، وأبو عمرو الداني في البيان في عد آي القرآن (36)، والبيهقي في السنن (2/ 376)، وفي الشعب (441/ 2 و 443/ 2344 و 2352)، وابن عبد البر في التمهيد (20/ 201)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 445/ 1187)، وفي التفسير (3/ 56).

وانظر: علل الدارقطني (8/ 140/ 1459).

هكذا بدون ذكر البسملة فيه، وهو المحفوظ من حديث المقبري عن أبي هريرة.

• قال ابن عبد الهادي بعد حديث عبد الحميد بن جعفر، وبعد ذكر ترجيح الدارقطني للموقوف:"فإن قيل: إن هذا موقوف في حكم المرفوع؛ إذ لا يقول الصحابي: إن البسملة أحد آيات الفاتحة إلا عن توقيف، أو دليل قوي ظهر له، وحينئذ يكون لها حكم سائر آيات الفاتحة من الجهر والإسرار، قلت: لعل أبا هريرة سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها فظنها من الفاتحة، وقال: إنها إحدى آياتها، ونحن لا ننكر أنها من القرآن، ولكن النزاع وقع في مسألتين: إحداهما: أنها آية من الفاتحة، والثانية: أن لها حكم سائر آيات الفاتحة جهرًا وسرًا، ونحن نقول: إنها آية مستقلة قبل السورة، وليست منها، جمعًا بين الأدلة، وأبو هريرة لم يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: هي إحدى آياتها، وقراءتها قبل الفاتحة لا تدل على ذلك، وإذا جاز أن يكون مستند أبي هريرة قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لها، وقد ظهر أن ذلك ليس بدليل على محل النزاع، فلا يعارض به أدلتنا الصحيحة الثابتة، وأيضًا فالمحفوظ الثابت عن سعيد المقبري عن أبي هريرة في هذا الحديث: عدم ذكر البسملة، كما رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله: هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، والقرآن العظيم"، ورواه أبو داود والترمذي، وقال: حسن صحيح، هذا مع أن عبد الحميد بن جعفر ممن تكلم

ص: 522

فيه، ولكن وثقه أكثر العلماء، واحتج به مسلم في صحيحه، وليس تضعيف من ضعفه مما يوجب رد حديثه، ولكن الثقة قد يغلط، والظاهر أنه غلط في هذا الحديث، والله أعلم" [نصب الراية (1/ 343)، نخب الأفكار (3/ 557)].

وانظر في المناكير أيضًا عن سعيد المقبري: الكامل لابن عدي (1/ 231)، القراءة خلف الإمام للبيهقي (16).

و- عقبة بن مكرم: ثنا يونس بن بكير: ثنا مسعر، عن محمدبن قيس، عن أبي هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر [في الصلاة] بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فترك الناس ذلك.

أخرجه الحاكم (1/ 232)(1/ 114/ أ- مخطوط رواق المغاربة)، والدارقطني (1/ 307)(2/ 75/ 1174 - ط الرسالة)، والبيهقي (2/ 47)، والخطيب في الجهر بالبسملة (8 - مختصره للذهبي).

قال الدارقطني: "الصواب أبو معشر".

وقال البيهقي: "هكذا قال أبو العباس السراج: عن عقبة، عن يونس، عن مسعر، عن ابن قيس، وقال الحسن بن سفيان: عن عقبة، عن يونس، عن أبي معشر، [بدل: مسعر]، عن محمد بن قيس بن مخرمة، وهو الصواب"[إتحاف المهرة (15/ 587/ 19946)].

زاد في الخلافيات (2/ 45 - مختصره): "ورواية أبي معشر عن محمد بن قيس يرتضيها الحفاظ".

قال ابن رجب في الفتح (4/ 369): "وظن بعضهم أنه إسناد صحيح، وليس كذلك؛ فإن السراج وهم في قوله في إسناده: حدثنا مسعر، إنما هو: أبو معشر، كذا قال الدارقطني والخطيب، وقبلهما أبو بكر الإسماعيلي في مسند مسعر، وحكاه عن أبي بكر ابن عمير الحافظ، وقال البيهقي: الصواب أبو معشر، وأبو معشر هو نجيح السندي: ضعيف جدًّا".

وقال الذهبي: "أبو معشر: ضعيف، تفرد به عنه: يونس بن بكير، ولم يروه غيره، وفيهما مقال".

قلت: فهو حديث ضعيف؛ لأجل أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي؛ فإنه ضعيف، كان لا يحفظ الأسانيد، ويونس بن بكير: صدوق، تكلم الناس فيه، ولعل المحفوظ عن أبي معشر: ما رواه هشيم [ثقة ثبت]، قال: نا أبو معشر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة؛ أنه كان يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، موقوفًا، تقدم ذكره في الطريق الرابعة قريبًا.

ز- وروى علي بن الحسن بن المثنى العنبري، بإستراباذ: ثنا الحسن بن أحمد بن مبارك، بِتُسْتَر من أصله: ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي: ثنا أبو حذيفة موسى بن

ص: 523

مسعود: ثنا سفيان الثوري، عن منصور، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بقراءة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه الخطيب في الجهر بالبسملة (5 - مختصره للذهبي).

وهذا حديث موضوع؛ الحسن بن أحمد بن مبارك التُّستَري: متهم بالوضع، قال الذهبي:"روى خبرًا موضوعًا عن إسماعيل بن إسحاق القاضي بسندٍ كالشمس،. . . " فذكره ثم قال: "أخرجه الخطيب في كتاب البسملة"[الميزان (1/ 480)، اللسان (3/ 23)]، وقال في مختصره لكتاب البسملة:"كأنه موضوع،. . .، موضوع بعد إسماعيل"، والراوي عنه: علي بن الحسن بن بندار بن محمد بن المثنى أبو الحسن التميمي العنبري الإستراباذي، وهو: ضعيف؛ واتُّهم أيضًا [اللسان (5/ 518)، تاريخ جرجان (320)، تاريخ نيسابور (489)، تاريخ دمشق (41/ 313)، تاريخ الإسلام (27/ 220)].

ح- وروى إبراهيم بن محمد، عن صالح مولى التوأمة، أنه سمع أبا هريرة يقول: يفتتح بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في الصلاة. ورواه مرة من فعله. موقوف.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 90/ 2611)، والبيهقي في المعرفة (1/ 517/ 713).

وهذا باطل؛ إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي: متروك، كذبه جماعة، وصالح بن نبهان مولى التوأمة: ثقة، كان قد اختلط، فمن سمع منه قبل الاختلاط فهو صجيح، وإلا فلا [انظر: التهذيب (2/ 201)، الكواكب النيرات (33)، شرح علل الترمذي (2/ 749)]، لكن الشأن في الأسلمي.

ط- حديث أبي هريرة: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين.

روى ابن سمعان، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فص خداج، غير تمام"، قال: فقلت: يا أبا هريرة! إني ربما كنت مع الإمام، قال: فغمز ذراعي، ثم قال: اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"قال الله عز وجل: إني قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها له، يقول عبدي إذا افتتح الصلاة: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فيذكرني عبدي، ثم يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فأقول: حمدني عبدي، ثم يقول: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فأقول: أثنى عليَّ عبدي، ثم يقول: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فأقول: مجدني عبدي، ثم يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فهذه الآية بيني وبين عبدي نصفين، وآخر السورة لعبدي، ولعبدي ما سأل".

تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (783)، وهو حديث منكر بهذه الزيادة.

وانظر في الأباطيل أيضًا عن أبي هريرة: الكشف والبيان (1/ 104).

ي- وروى الليث بن سعد، قال: ثني خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن نعيم المجمر، قال: صليت وراء أبي هريرة رضي الله عنه فقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ثم قرأ بأم القرآن، حتى بلغ {وَلَا الضَّالِّينَ} فقال: آمين، وقال الناس: آمين، ويقول كلما

ص: 524

سجد: الله أكبر، فإذا قام من الجلوس قال: الله أكبر، ويقول إذا سلم: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه النسائي في المجتبى (2/ 134/ 905)، وابن خزيمة (1/ 251/ 499)، وابن حبان (5/ 104/ 1801)، وابن الجارود (184)، والحاكم (1/ 232)، والبزار (14/ 403/ 8156)، وابن المنذر (3/ 124/ 1353)، والطحاوي (1/ 199)، وأبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث (38)، والدارقطني (1/ 305 - 306 و 306)، والبيهقي في السنن (2/ 46 و 58)، وفي المعرفة (1/ 516/ 710)، وابن عبد البر في الإنصاف (52 - 54)، وابن حجر في التغليق (2/ 321).

قال ابن خزيمة: "فأما الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في الصلاة فقد صح وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد ثابت متصل لا شك ولا ارتياب عند أهل المعرفة بالأخبار في صحة سنده واتصاله"، فذكر هذا الحديث، ثم قال:"فقد بان وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في الصلاة"[المجموع (3/ 292)، التنقيح (2/ 178)، مختصر ذكر الجهر بالبسملة للذهبي، اختصره من كتاب الخطيب وأبي شامة (133/ أ- الظاهرية)].

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".

وقال الدارقطني: "هذا صحيح، ورواته كلهم ثقات".

وقال البيهقي: "وهو إسناد صحيح".

وقال في الخلافيات: "رواة هذا الحديث كلهم ثقات، مجمع على عدالتهم، محتج بهم في الصحيح"[المجموع (3/ 292)، التنقيح (2/ 178)، مختصر الخلافيات (2/ 44)].

وقال ابن عبد البر: "وهذا حديث محفوظ من حديث الليث، عن خالد بن يزيد الإسكندراني، عن سعيد بن أبي هلال، وهما جميعًا من ثقات المصريين، وأما الليث، فإمام أهل بلده، وقد رواه غير الليث".

وقال الخطيب في كتابه الذي صنفه في الجهر بالبسملة في الصلاة: "هذا الحديث ثابت صحيح، لا يتوجه عليه تعليل في اتصاله وثقة رجاله"[المجموع (3/ 292)، التنقيح (2/ 178)، مختصر الجهر بالبسملة (1)].

• ورواه حيوة بن شريح [وعنه: عبد الله بن وهب]:

عن خالد بن يزيد [الجمحي المصري: ثقة]، عن سعيد بن أبي هلال [مصري، أصله من المدينة: صدوق]، عن نعيم المجمر، قال: صليت وراء أبي هريرة، فقال:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ثم قرأ بأم الكتاب، حتى إذا بلغ:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} ، قال: آمين، وقال الناس: آمين، فلما ركع، قال: الله أكبر، فلما رفع رأسه، قال: سمع الله لمن حمده، ثم قال: الله أكبر، ثم سجد، فلما رفع، قال: الله أكبر، فلما سجد، قال: الله أكبر، فلما رفع، قال: اللَّه أكبر، ثم استقبل قائمًا مع التكبير، فلما قام من الثنتين، قال: الله أكبر، فلما سلم، قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 525

أخرجه ابن خزيمة (1/ 342/ 688)، وابن حبان (5/ 100/ 1797)، والدارقطني (1/ 306)، والبيهقي في المعرفة (1/ 517/ 711)، والخطيب في الجهر بالبسملة (1 - مختصره للذهبي).

وحديث نعيم المجمر هذا عن أبي هريرة: استشهد به البخاري في الصحيح متابعة معلقًا، بعد حديث أبي هريرة (782) فيمن وافق تامينه تأمين الملائكة، مستدلًا به على جهر المأموم بالتأمين، ولم يسق متنه.

قلت: فهذا إسناد مدني ثم مصري جيد.

• ورواه يحيى بن غيلان [الخزاعي الأسلمي البغدادي: ثقة]: ثنا رشدين [هو: ابن سعد المصري: ضعيف]: حدثني عمرو -يعني: ابن الحارث-، عن سعيد بن أبي هلال؛ أن نعيمًا المجمر حدثه؛ أنه صلى وراء أبي هريرة، فقرأ أم القرآن، فلما قال:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قال: آمين، ثم كبر لوضع الرأس، ثم قال حين فرغ: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه أحمد (2/ 497)، ومن طريقه: ابن بشران في الأمالي (607).

قال ابن قدامة في المغنى (1/ 285): "وحديث أبي هريرة الذي احتجوا به ليس فيه أنه جهر بها، ولا يمتنع أن يسمع منه حال الإسرار، كما سمع الاستفتاح والاستعاذة من النبي صلى الله عليه وسلم، مع إسراره بهما".

وقد أجاب شيخ الإسلام عن حديث نعيم المجمر بهذا بجواب جيد، يأتي نقله بتمامه في خاتمة هذا المبحث.

وقال ابن رجب في الفتح (4/ 367): "وسعيد وخالد وإن كانا ثقتين، لكن قال أبو عثمان البرذعي في علله عن أبي زرعة الرازي، أنه قال فيهما: ربما وقع في قلبي من حسن حديثهما، قال: وقال أبو حاتم: أخاف أن يكون بعضها مراسيل، عن ابن أبي فروة وابن سمعان. يعني: مدلَّسة عنهما [سؤالات البرذعي (361)، شرح علل الترمذي (2/ 867)].

ثم هذا الحديث ليس بصريح في الجهر، إنما فيه أنه قرأ البسملة، وهذا يصدُق بقراءتها سرًّا، وقد خرجه النسائي في باب: ترك الجهر بالبسملة.

وعلى تقدير أن يكون جهر بها، فيحتمل أن يكون جهر بها ليعلم الناس استحباب قراءتها في الصلاة، كما جهر عمر بالتعوذ لذلك.

وأيضًا؛ فإنه قال: قرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ثم قرأ بأم القرآن، وهذا دليل على أنها ليست من أم القرآن، وإنما تقرأ قبل أم القرآن تبركًا بقراءتها.

وأيضًا؛ فليس في الحديث تصريح بأن جميع ما فعله أبو هريرة في هذه الصلاة نقله صريحًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما فيه أن صلاته أشبه بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم من غيره".

ونقل الزيلعي في نصب الراية (1/ 336) عن ابن عبد الهادي في كتابه الجهر بالبسملة

ص: 526

فيما استدركه على الخطيب، قال ابن عبد الهادي في رده على من احتج بحديث نعيم المجمر: "والجواب عنه من وجوه:

أحدهما: أنه حديث معلول؛ فإن ذكر البسملة فيه مما تفرد به نعيم المجمر من بين أصحاب أبي هريرة، وهم ثمانمائة ما بين صاحب وتابع، ولا يثبت عن ثقة من أصحاب أبي هريرة أنه حدَّث عن أبي هريرة أنه عليه السلام كان يجهر بالبسملة في الصلاة، وقد أعرض عن ذكر البسملة في حديث أبي هريرة صاحبا الصحيح، فرواه البخاري من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها، فيكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع،. . . [فذكر الحديث بتمامه إلى قوله:] والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبهًا بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا، ورواه مسلم بنحو ذلك، هذا هو الصحيح الثابت عن أبي هريرة، قال ابن عبد البر: وكأنه كان ينكر على من ترك التكبير في رفعه وخفضه،. . . [ثم ذكر حديث سعيد بن سمعان عن أبي هريرة المتقدم برقم (753)، ثم قال:] وليس للتسمية في هذا الحديث، ولا في الأحاديث الصحيحة عن أبي هريرة ذكر، وهذا مما يغلب على الظن أنه وهم على أبي هريرة، فإن قيل: قد رواها نعيم المجمر، وهو ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة، قلنا: ليس ذلك مجمعًا عليه، بل فيه خلاف مشهور، فمن الناس من يقبل زيادة الثقة مطلقًا، ومنهم من لا يقبلها، والصحيح التفصيل، وهو أنها تقبل في موضع دون موضع، فتقبل إذا كان الراوي الذي رواها ثقةً حافظًا ثبتًا، والذي لم يذكرها مثله أو دونه في الثقة، كما قبل الناس زيادة مالك بن أنس قوله:"من المسلمين" في صدقه الفطر، واحتج بها أكثر العلماء، وتقبل في موضع آخر لقرائن تخصها، ومن حكم في ذلك حكمًا عامًّا فقد غلِط، بل كل زيادة لها حكم يخصها، ففي موضع يجزم بصحتها، كزيادة مالك، وفي موضع يغلب على الظن صحتها، كزيادة سعد بن طارق في حديث:"جعلت الأرض مسجدًا، وجعلت تربتها لنا طهورًا"،. . .، وفي موضع يجزم بخطأ الزيادة، كزيادة معمر ومن وافقه قوله:"وإن كان مائعًا فلا تقربوه"،. . . [إلى أن قال:] وفي موضع يتوقف في الزيادة، كما في أحاديث كثيرة، وزيادة نعيم المجمر التسمية في هذا الحديث مما يتوقف فيه، بل يغلب على الظن ضعفه.

وعلى تقدير صحتها فلا حجة فيها لمن قال بالجهر؛ لأنه قال: فقرأ، أو فقال:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وذلك أعم من قراءتها سرًّا أو جهرًا، وإنما هو حجة على من لا يرى قراءتها، فإن قيل: لو كان أبو هريرة أسر بالبسملة ثم جهر بالفاتحة لم يعبر عن ذلك نعيم بعبارة واحدة متناولة للفاتحة والبسملة تناولًا واحدًا، ولقال: فأسر بالبسملة، ثم جهر بالفاتحة، والصلاة كانت جهريةً بدليل تأمينه وتأمين المأمومين، قلنا: ليس للجهر فيه تصريح ولا ظاهر يوجب الحجة، ومثل هذا لا يقدَّم على النص الصريح المقتضي للإسرار، ولو أخذ الجهر من هذا الإطلاق؛ لأخذ منه أنها ليست من أم القرآن، فإنه قال: فقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ثم قرأ أم القرآن، والعطف يقتضي المغايرة.

ص: 527

الوجه الثاني: أن قوله: فقرأ، أو قال؛ ليس بصريح أنه سمع منه، إذ يجوز أن يكون أبو هريرة أخبر نعيمًا بأنه قرأها سرًّا، ويجوز أن يكون سمعها منه في مخافتةٍ لقربه منه،. . .، وأيضًا فلو ساغ التمسك على الجهر بمجرد قوله: فقرأ؛ لساغ لمن لا يرى قراءتها بالكلية الاعتماد على ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ولم يسكت، قال الطحاوي: في هذا الحديث دليل على أن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ليست من فاتحة الكتاب، ولو كانت من فاتحة الكتاب لقرأها في الثانية كما قرأ فاتحة الكتاب، والذين استحبوا الجهر بها في الركعة الأولى لأنها عندهم من فاتحة الكتاب استحبوا ذلك أيضًا في الثانية، فلما انتفى بهذا أن يكون قرأها في الثانية؛ انتفى أن يكون قرأها في الأولى، وعارض هذا حديث نعيم المجمر؛ بل هو أولى لاستقامة طريقه، وفضل صحته على حديث نعيم، فإن قيل: إنما أراد أبو هريرة الاستفتاح بالسورة لا بالآية، قلنا: هذا فيه صرف اللفظ عن حقيقته وظاهره، وذلك لا يسوغ إلا لموجب، وأيضًا: فلو أراد اسم السورة لقال بفاتحة الكتاب، أو بسورة الحمد، أو بأم القرآن، هذا هو المعروف في تسميتها عندهم، كما في البخاري عن أبي هريرة مرفوعًا:"أم القرآن هي السبع المثاني"، وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت مرفوعًا:"لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن"، وفي رواية:"بفاتحة الكتاب"، وأما تسميتها بجملة:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فلا يعرف ذلك عندهم، فدل على أنه أراد استفتاحه بهذا الآية دون البسملة، وهذا الحديث إسناده أصرح دلالة من حديث نعيم، والله أعلم.

الوجه الثالث: أن قوله: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أراد به أصل الصلاة ومقاديرها وهيئتها، وتشبيه الشيء بالشيء لا يقتضي أن يكون مثله من كل وجه، بل يكفي في غالب الأفعال، وذلك متحقق في التكبير وغيره دون البسملة، فإن التكبير وغيره من أفعال الصلاة ثابت صحيح عن أبي هريرة، وكان مقصوده الرد على من تركه، وأما التسمية ففي صحتها عنه نظر، فلينصرف إلى الصحيح الثابت دون غيره، ومما يلزمهم على القول بالتشبيه من كل وجه: ما في الصحيحين: عن ثابت عن أنس، قال: إني لا آلو أن أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فكان أنس يصنع شيئًا لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائمًا حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع من السجود مكث حتى يقول القائل: قد نسي، فهذا أنس قد أخبر بشبه صلاته بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يطيل ركعتي الاعتدال، والفصل إلى غاية يظن به النسيان، ومع ذلك فالشافعية يكرهون إطالتهما، وعندهم وجهان في بطلان الصلاة بها، فهلا كان حديث أنس هذا دليلًا على وجوب إطالتهما؛ مع صحته، وموافقته للأحاديث الصحيحة، كما كان حديث أبي هريرة دليلًا على وجوب قراءة البسملة والجهر بها؛ مع علة مخالفته للأحاديث الصحيحة، وأيضًا فيلزمهم أن يقولوا بالجهر بالتعوذ؛ لأن الشافعي روى: أخبرنا ابن محمد الأسلمي، عن ربيعة بن

ص: 528

عثمان، عن صالح بن أبي صالح؛ أنه سمع أبا هريرة وهو يؤم الناس رافعًا صوته في المكتوبة إذا فرغ من أم القرآن: ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم، فهلا أخذوا بهذا، كما أخذوا بجهر البسملة مستدلين بما في الصحيح عنه: فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم، وما أخفى عنا أخفينا عنكم، وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت، وإن زدت فهو خير.

وكيف يُظَنُّ بأبي هريرة أنه يريد التشبيه في الجهر بالبسملة، وهو الراوي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يقول الله تعالى: قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، قال الله: حمدني عبدي،. . . "[فذكر الحديث بتمامه، ثم قال:] وهذا الحديث ظاهر في أن البسملة ليست من الفاتحة، وإلا لابتدأ بها؛ لأن هذا محل بيان واستقصاء لآيات السورة، حتى إنه لم يخل منها بحرف، والحاجة إلى قراءة البسملة أمس ليرتفع الإشكال، قال ابن عبد البر: حديث العلاء هذا قاطع تعلق المتنازعين، وهو نص لا يحتمل التأويل، ولا أعلم حديثًا في سقوط البسملة أبينَ منه. . . .".

ثم قال: "وأيضًا: فلا ريب أن الخلفاء الراشدين وغيرهم من أئمة الصحابة كانوا أعلم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشد تحريًّا لها من أبي هريرة، وقد كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وغيرهم من أئمة الصحابة: لا يرون الجهر بالبسملة في الصلاة، قال الترمذي في جامعه بعد ذكره ترك الجهر: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة، منهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم ومن بعدهم من التابعين، وكيف يعلل الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه بالحديث الضعيف الذي رواه الدارقطني؟! وهلا جعلوا الحديث الصحيح علة للضعيف، ومخالفة أصحاب أبي هريرة الثقات الأثبات لنعيم موجبًا لرده؟ إذ مقتضى العلم: أن يعلل الحديث الضعيف بالحديث الصحيح كما فعلنا نحن"[وانظر أيضًا: نخب الأفكار في شرح معاني الآثار (3/ 573)].

وقال ابن حجر في النكت (2/ 770): "وهو حديث صحيح لا علة له، ففي هذا رد على من نفاها ألبتة، وتأييد لتأويل الشافعي رضي الله تعالى عنه، لكنه غير صحيح في ثبوت الجهر، لاحتمال أن يكون سماع نعيم لها من أبي هريرة رضي الله تعالى عنه حال مخافتته لقربه منه، فبهذه تتفق الروايات كلها".

قلت: الحق مع ما ذهب إليه ابن رجب وابن عبد الهادي، والله أعلم، ولحديث أبي هريرة هذا طرق كثيرة بدون ذكر التسمية فيه، نذكر شيئًا منها:

أ- مالك، ومعمر بن راشد، وشعيب بن أبي حمزة، وصالح بن كيسان، ويونس بن يزيد، وسفيان بن عيينة، وعبد الرحمن بن نمر اليحصبي، وغيرهم:

عن ابن شهاب، عن أبي سلمة؛ أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يصلي بهم، فيكبر كلما خفض ورفع، فإذا انصرف قال: والله إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا لفظ مالك

ص: 529

مختصر، وبنحوه لفظ ابن عيينة، ولفظ معمر وشعيب ويونس مطول بنحو الرواية الآتية.

وقرن بعضهم بأبي سلمة: أبا بكر بن عبد الرحمن.

أخرجه البخاري (785)، ومسلم (392/ 27 و 30)، وأبو عوانة (1/ 427/ 1591)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 14 و 15/ 863 و 866)، وأبو داود (836)، والنسائي في المجتبى (2/ 181/ 1023) و (2/ 195/ 1060) و (2/ 235/ 1155 و 1156)، وفي الكبرى (1/ 332/ 651) و (1/ 371/ 745 و 746) و (2/ 29/ 1097)، والدارمي (1/ 315/ 1248)، ومالك في الموطأ (199)، وابن خزيمة (1/ 291/ 579)، وابن حبان (5/ 62/ 1766) و (5/ 63/ 1767)، وابن الجارود (191)، وأحمد (2/ 236 و 270)، والشافعي في الأم (1/ 110)، وفي المسند (38)، وعبد الرزاق (2/ 61/ 2495)، والبزار (14/ 276 و 277/ 7868 و 7869)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2491 و 2492 و 2496)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 134/ 1374)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 221)، والطبراني في مسند الشاميين (4/ 119/ 2884) و (4/ 221/ 3135)، وابن المظفر في غرائب مالك (153 و 154)، وابن المقرئ في الأربعين (32)، والجوهري في مسند الموطأ (144)، والدارقطني في العلل (9/ 261 و 262/ 1745)، والبيهقي في السنن (2/ 67)، وفي المعرفة (1/ 538/ 753)، وابن عبد البر في التمهيد (9/ 174)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 90/ 611).

ب- ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن؛ أنه سمع أبا هريرة، يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبِّر حين يقوم، ثم يكبِّر حين يركع، ثم يقول:"سمع الله لمن حمده" حين يرفع صُلْبَه من الركوع، ثم يقول وهو قائم:"ربنا ولك الحمد"، ثم يكبِّر حين يهوي ساجدًا، ثم يكبِّر حين يرفع رأسه، ثم يكبِّر حين يسجد، ثم يكبِّر حين يرفع رأسه، ثم يفعل مثل ذلك في الصلاة كلِّها حتى يقضيها، ويكبِّر حين يقوم من المثنى بعد الجلوس.

ثم يقول أبو هريرة: إني لأشبهكم صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهو حديث متفق عليه [البخاري (789 و 803)، ومسلم (392/ 28 و 29)][تقدم تخريجه تحت الحديث السابق برقم (738)].

ج- يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، أن أبا هريرة كان يكبر في الصلاة كلما رفع ووضع، فقلنا: يا أبا هريرة ما هذا التكبير؟ قال: إنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه مسلم (392/ 31)، وأبو عوانة (1/ 428/ 1594)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 15/ 868)، والبزار (15/ 201/ 8597)، وأبو يعلى (10/ 392/ 5992)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 222)، وابن عبد البر في التمهيد (7/ 82).

د- ابن أبي ذئب: عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: "سمع الله لمن حمده"، قال:"اللَّهُمَّ ربنا ولك الحمد"، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع وإذا رفع رأسه يكبر، وإذا قام من السجدتين قال:"الله أكبر".

ص: 530

أخرجه البخاري (795)، وأحمد (2/ 319 و 452)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (493) و (2503)[وفي سنده زيادة، وهي خطأ]، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2850)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 221 و 240)، وابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (277).

هـ- سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة كان يكبر كلما خفض ورفع، ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.

أخرجه مسلم (392/ 32)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 15/ 867)، وأحمد (2/ 417)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (317 و 1892 و 2498 و 2569).

و- محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبا هريرة أنه كان يصلي بهم، فيكبر كلما رفع ووضع، فإذا انصرف قال: أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخرجه أحمد (2/ 502 و 527)، وابن أبي شيبة (1/ 218/ 2496)، والبزار (14/ 316/ 7961)، وأبو يعلى (10/ 357/ 5949).

إسناده حسن، وهو حديث صحيح.

ز- ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان، قال: دخل علينا أبو هريرة مسجد الزُّرَقيين، فقال: ترك الناسُ ثلاثة مما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلُ: كان إذا دخل الصلاة رفع يديه مدًّا، ثم سكت [وفي رواية: ويسكت بين التكبير والقراءة] هُنيَّةً؛ يسأل الله عز وجل من فضله، وكان يكبر إذا خفض ورفع.

حديث صحيح، تقدم تخريجه برقم (753).

3 -

عن معاوية بن أبي سفيان:

أ- رواه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن ابن جريج [ثقة فقيه، إمام أهل مكة]، قال: أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم [مكي، صدوق]، أن أبا بكر بن حفص بن عمر أخبره؛ أن أنس بن مالك أخبره، قال: صلى معاوية بالمدينة صلاةً فجهر فيها بالقراءة، فقرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} لأم القرآن، ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها، حتى قضى تلك القراءة، ولم يكبر حين يهوي [ساجدًا] حتى قضى تلك الصلاة، فلما سلَّم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين من كل مكان: يا معاوية أسَرقتَ الصلاة أم نسيت؟ فلما صلى بعد ذلك قرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} للسورة التي بعد أم القرآن، وكبر حين يهوي ساجدًا.

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 245/ 212)، وفي السنن (43)، وفي المسند (36)، قال: أخبرنا عبد المجيد به.

ومن طريقه: الحاكم (1/ 233)، وابن المنذر (3/ 126/ 1354)، والدارقطني (1/ 311)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (1/ 105)، والبيهقي في السنن (2/ 49)، وفي المعرفة (1/ 518/ 714)، والواحدي في الوسيط (1/ 59).

ص: 531

قال الشافعي: "قد خولف ابن أبي رواد في هذا الإسناد، والحديث صحيح".

• قلت: خالفه من هو أثبت منه في ابن جريج: فرواه عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الله بن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد؛ أن معاوية صلى بالمدينة للناس العتمة، فلم يقرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ولم يكبر بعض هذا التكبير الذي يكبر الناس، فلما انصرف ناداه من سمع ذلك من المهاجرين والأنصار، فقالوا: يا معاوية! أسرقت الصلاة أم نسيت؟ أين {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ؟ والله أكبر حتى تهوي ساجدًا؟ فلم يعد معاوية لذلك بعدُ.

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (2/ 92/ 2618)، ومن طريقه: الدارقطني (1/ 311)، والبيهقي في السنن (2/ 49)، وعلقه ابن حبان في الثقات (5/ 50).

لكن الدارقطني حمل إسناد عبد الرزاق على إسناد الشافعي، وأما في المتن فحمل لفظ حديث الشافعي على لفظ حديث عبد الرزاق ولم يبين هذا من هذا [وانظر كلام البيهقي في السنن].

قال ابن حبان في الثقات (5/ 50): "عبد الله بن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص: يروي عن معاوية؛ إن كان سمع منه".

قلت: رواية ابن أبي رواد هذه شاذة، حيث زاد في إسناده: أنس بن مالك، والمحفوظ: ما رواه عبد الرزاق، بإسقاط أنس من الإسناد، وعبد الرزاق: ثقة حافظ، من أصحاب ابن جريج المقدَّمين فيه، وأكثرهم عنه رواية، وأما عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد: فإنه صدوق يخطئ، كان عالمًا بحديث ابن جريج؛ لكن يهم عليه فيه، قال ابن معين:"كان أعلم الناس بحديث ابن جريج"، وأنكر عليه ابن عدي أحاديث تفرد بها عن ابن جريج وغيره، ثم قال:"وكل هذه الأحاديث: غير محفوظة؛ على أنه ثبتٌ في حديث ابن جريج، وله عن غير ابن جريج أحاديث غير محفوظة"، فدل ذلك على أنه ليس بالثبت في ابن جريج، يخطئ في حديثه، وعبد الرزاق أثبت منه فيه، والله أعلم [انظر: التهذيب (2/ 606)، إكمال مغلطاي (8/ 297)، الميزان (2/ 648)، السير (9/ 434)، تاريخ ابن معين للدوري (3/ 86/ 361)، الجرح والتعديل (6/ 64)، الضعفاء الكبير (3/ 96)، المجروحين (2/ 161)، الكامل (5/ 344 - مطبوع)(2/ 325/ ب- مخطوط)، سؤالات البرقاني (317)، الإرشاد (1/ 166 و 233)، شرح علل الترمذي (2/ 682)، التقريب (392)].

فإن قيل: خالفتَ في ذلك ما ذهب إليه ابنُ عبد البر؛ حيث قال في الاستذكار (1/ 459): "ذكره الشافعي عن عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج، وذكره عبد الرزاق عن ابن جريج فلم يذكر أنس بن مالك، وعبد المجيد أيضًا أقعد في ابن جريج، وأضبط لحديثه من عبد الرزاق، وذكر عباس الدوري عن يحيى بن معين؛ أنه سئل عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد؟ فقال: ثقة كان أعلم الناس بحديث ابن جريج، وكان أصحابه يصلحون كتبهم بكتابه".

ص: 532

قلت: هذا صحيح، إذا عورضت رواية ابن أبي رواد برواية أبي عاصم النبيل مثلًا، فإن ابن أبي رواد يُقدَّم عليه [انظر فيما تقدم الحديث رقم (545)]، وكذلك فإنه يُقدَّم على جماعةٍ ممن يروي عن ابن جريج، لكن ابن أبي رواد له مناكير عن ابن جريج، كما تقدم ذكره عن ابن عدي، وقد تقدم معنا أحاديث خالف فيها ابنُ أبي رواد بعضَ أصحاب ابن جريج، وفيهم عبد الرزاق، وكانت هذه الأحاديث من أوهام ابن أبي رواد على ابن جريج، أصاب فيها عبد الرزاق وغيره [انظر الحديثين المتقدمين برقمي (461 و 646)].

وقبل أن نتكلم عن إسناد عبد الرزاق المحفوظ، ننبه على ما وقع في روايته من خطأ، يحتمل أن يكون من النساخ، أو من راوي المصنف نفسه، وهو: إسحاق بن إبراهيم الدبري، وقد تُكُلِّم في روايته عن عبد الرزاق، فإنه ممن سمع من عبد الرزاق بأخرة بعدما عمي وأضر، كما أن الدبري كان يصحف، ويحرف [شرح العلل لابن رجب (2/ 754)، اللسان (2/ 36)]، وهذا الخطأ هو ما وقع في النسخة المطبوعة من المصنف، وفي ثقات ابن حبان هكذا:"عبد الله بن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد"، بزيادة "بن" بين عبدِ الله وكنيتِه أبي بكر، إذ المعروف في هذه الطبقة هو: أبو بكر عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري، وهو مشهور بكنيته: أبو بكر بن حفص، وهو: ثقة، روى عن أنس بن مالك وابن عمر وغيرهما، وروى عنه: عبد الله بن عثمان بن خثيم، وابن جريج، وغيرهما، وهذا هو الموافق لما رواه ابن أبي رواد، كما أن جماعة ممن ذكر الاختلاف بين رواية ابن أبي رواد وعبد الرزاق، مثل: ابن عبد البر وابن رجب، لم يذكروا اختلافًا سوى إسقاط أنس من إسناد عبد الرزاق، والله أعلم [انظر: كنى البخاري (10)، التاريخ الكبير (5/ 76)، كنى مسلم (278)، كنى الدولابي (1/ 369)، الجرح والتعديل (5/ 36) و (9/ 338)، الثقات (5/ 12 و 50 و 563 و 576) و (7/ 656)، تهذيب الكمال (14/ 423)]، وأبو بكر بن حفص هذا له ولدان: سعيد وعبد الملك، ولم أجد له ولدًا يقال له عبد الله، والله أعلم.

وعليه: فإن إسناد عبد الرزاق بعد تصحيح الخطأ: إسناد ليس بمتصل، لعدم ثبوت سماع أبي بكر بن حفص من معاوية، ولكونه يحكي واقعة الأغلب أنه لم يدركها، فإنه لم يسمع من أبي هريرة ولا من عائشة [قاله أبو حاتم. المراسيل (956 و 957)]، ووفاة معاوية كانت بعد وفاتيهما بما يقرب من سنة إلى ثلاث سنين [سنة (60)]، لذا قال ابن حبان:"يروي عن معاوية؛ إن كان سمع منه".

ومما يزيد ذلك وضوحًا، وهو أنه لم يسمع من معاوية: تأخر وفاة من سمع منهم أبو بكر من الصحابة، مثل عبد الله بن عمر [توفي سنة (73) أو (74)]، وأنس بن مالك [توفي سنة (92) أو (93)]، وأن أكثر روايته عن التابعين، ولذا فإن البخاري ومسلمًا لم يخرجا له عن أحد من الصحابة، وإنما أخرجا له كلاهما أو أحدهما عن: عروة بن الزبير، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن حنين، والله أعلم.

ص: 533

وإذ ظهرت علة هذا الحديث، وانقطاعه، يظهر لك وجه العجب من قول الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، فقد احتج بعبد المجيد بن عبد العزيز، وسائر الرواة متفق على عدالتهم، وهو علة لحديث شعبة وغيره عن قتادة عن أنس قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم يجهروا بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ؛ فإن قتادة على علو قدره يدلس، ويأخذ عن كل أحد، وإن كان قد أُدخل في الصحيح حديث قتادة، فإن في ضده شواهد، أحدها ما ذكرناه،

" [مخطوط رواق المغاربة (1/ 114/ أ)].

قلت: حديث قتادة عن أنس في غاية الصحة، ولا وجه لإعلاله، بل غيره يُعَلُّ به، إذ الصحيح يُعَلُّ به غيره، لا العكس، وقد ثبت سماع قتادة لهذا الحديث من جهتين، فإن شعبة لم يكن يحمل عن شيوخه إلا ما سمعوه من شيوخهم، لا سيما قتادة والأعمش وأبا إسحاق السبيعي، فقد قال فيهم:"كفيتكم تدليس ثلاثة"، ثم ذكرهم [معرفة السنن والآثار (1/ 86)]، قال ابن حجر:"فهذه قاعدة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة: أنها إذا جاءت من طريق شعبة دلت على السماع، ولو كانت معنعنة"[طبقات المدلسين (58)، النكت على كتاب ابن الصلاح (2/ 630 - 631)].

فكيف وقد جاء فيها التصريح بالسماع بما لا يدع مجالًا للشك؛ ففي رواية شعبة، قال: فقلت لقتادة: أسمعته من أنس؟ قال: نعم، ونحن سألناه عنه، وهذا نص صريح لا يحتمل التأويل، وسبق تقرير ذلك في موضعه، والله أعلم.

وقال الدارقطني: "كلهم ثقات"، قلت: نعم؛ لكنه معلول.

ب- ورواه أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن [هو: الدمشقي، ابن بنت شرحبيل، وهو: صدوق]: ثنا إسماعيل بن عياش [روايته عن أهل الحجاز ضعيفة، وهذه منها]: ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، عن جده؛ أن معاوية بن أبي سفيان قدم المدينة حاجًّا أو معتمرًا، فصلى بالناس فلم يقرأ بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حين افتتح القرآن، وقرأ بأم الكتاب، فلما قضى الصلاة أتاه المهاجرون والأنصار من ناحية المسجد، فقالوا: أتركت صلاتك يا معاوية؟ أنسيتَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فلما صلى بهم الأخرى قرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه الدارقطني (1/ 311).

قلت: قد وهم ابن عياش في زيادة: "عن جده" في هذا الإسناد، وقصر في متنه؛ فلم يذكر ترك التكبير:

• فقد رواه الفضل بن العلاء [ليس به بأس. التهذيب (3/ 394)]: ثنا ابن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، أن معاوية قدم المدينة فصلَّى بالناس صلاةً فجهر فيها، ولم يقرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ثم ركع فلم يكبر، ثم قام في الثانية فلم يكبِّر، فلما صلَّى وسلَّم، ناداه المهاجرون والأنصار من كلِّ ناحية: يا معاويةُ أسَرَقْتَ صلاتك أم نسيت؟ أين {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حين افتتحت أُمَّ القرآن؟ وأين الله أكبر؟

ص: 534

فعاد لهم فقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وكبَّر حين سجد وحين قام.

أخرجه الخطيب في الجهر بالبسملة (27 - مختصره للذهبي).

• وتابعه على هذا الوجه: يحيى بن سليم الطائفي [صدوق، سيئ الحفظ، كانت عنده أحاديث ابن خثيم في كتاب، وكان قد قرأها عليه، وكن متقنًا لها. تاريخ الدوري (3/ 68 و 110/ 262 و 457)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 480/ 3150)]، وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي [متروك، كذبه جماعة]:

عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، عن معاوية بمعناه.

أخرجه الشافعي في الأم (2/ 213/246 و 214)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 453/ 592)، والبيهقي في السنن (2/ 49 و 50)، وفي المعرفة (1/ 519/ 715 و 716)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 56/ 585).

ذهب الشافعي إلى ترجيح قول من قال: إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه، وذهب البيهقي إلى ترجيح رواية ابن جريج لكونه ثقةً حافظًا، وأنه أثبت من الذين خالفوه، أو يكون ابن خثيم سمعه من الوجهين.

قلت: هذا الحديث مداره على ابن خثيم، ولم يكن بالحافظ، حتى يحتمل منه التعدد في الأسانيد، وابن جريج وإن كان ثقة حافظًا، كما أنه بلدي لابن خثيم؛ إلا أن رواية هؤلاء مجتمعة تدل على أن ابن خثيم قد رواه على هذا الوجه، لا سيما وفيهم يحيى بن سليم الطائفي، وكان متقنًا لأحاديث ابن خثيم، وكانت عنده في كتاب، والأقرب عندي ألا يُوَهَّم ابنُ جريج، وإنما الحمل فيه على ابن خثيم نفسه، وأن هذا الاختلاف قد وقع بسبب سوء حفظه، فإنه وإن وثقه ابن معين والنسائي في رواية عنهما، فقد ليَّناه في أخرى، فقال ابن معين [في رواية الدورقي عنه]:"أحاديثه ليست بالقوية"، وقال النسائي في السنن (5/ 248/ 2993) في الخطبة قبل يوم التروية: "ابن خثيم: ليس بالقوي في الحديث، وإنما أخرجت هذا لئلا يُجعَلَ ابن جريج عن أبي الزبير،

، ويحيى بن سعيد القطان لم يترك حديث ابن خثيم ولا عبد الرحمن، إلا أن علي بن المديني قال: ابن خثيم منكر الحديث، وكان علي بن المديني خُلِق للحديث"، هكذا قال النسائي، وهكذا نقل ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (5/ 112) عن عمرو بن علي الفلاس قوله: "كان يحيى وعبد الرحمن يحدِّثان عن ابن خثيم"، وهكذا نقله أيضًا ابن عدي في الكامل (4/ 161)، ويؤيد هذا النقل ما قاله البزار في مسنده (11/ 294/ 5092): "وعبد الله بن عثمان بن خثيم: رجل من أهل مكة، مشهور، حسن الحديث، لا نعلم أحدًا ترك حديثه"، وفي هذه النقول ما يدل على خطأ ما نقله العقيلي، والذي بسببه أدخل العقيليُّ ابنَ خثيم في ضعفائه (2/ 281)، وقال [ولم يبين من القائل، حتى ليشتبه على القارئ أنه قوله، وإنما هو قول الفلاس،: "وكان يحيى وعبد الرحمن لا يحدِّثان عن ابن خثيم" هكذا بالنفي، والنقول

ص: 535

المتقدمة تدل على أنهما لم يتركا حديثه، وأن لفظة:"لا" مزيدة في سياق النص المنقول عن الفلاس، والله أعلم، لا سيما وقد أورده ابن عدي في كامله من نفس الوجه عن عمرو بن علي الفلاس بدون أداة النفي:"وكان يحيى وعبد الرحمن يحدِّثان عن ابن خثيم".

وابن خثيم أيضًا ذكره ابن حبان في الثقات، وقال:"كان يخطئ"، وقد وثقه العجلي، وقال أبو حاتم:"ما به بأس، صالح الحديث"، وقال ابن عدي:"ولابن خثيم هذا أحاديث، وهو عزيز الحديث، وأحاديثه أحاديث حسان مما يجب أن تكتب عنه"، وقد فضل الإمامُ أحمدُ ابنَ جريج واسماعيلَ بن أمية ونافعَ بن عمر على ابن خثيم، في سؤالات متفرقة، والبخاري إنما أخرج له تعليقًا في المتابعات، ولم يخرج له مسلم إلا في الشواهد من رواية يحيى بن سليم الطائفي عنه؛ فلم يحتج به الشيخان! [التهذيب (2/ 383)، سؤالات المروذي (169)، العلل ومعرفة الرجال (2/ 48/ 1512)، المعرفة والتاريخ (2/ 174)، الكامل (4/ 161) (5/ 268 - ط العلمية)].

• والحاصل: فإن هذا الحديث مضطرب؛ لسوء حفظ ابن خثيم، وعدم ضبطه لإسناده.

• ورواه الإمام علي بن المديني، قال: حدثنا عبد الوهاب بن فليح [المكي المقرئ: صدوق. الجرح والتعديل (6/ 73)، الثقات (8/ 411)، معرفة القراء الكبار (1/ 180)]، عن عبد الله بن ميمون [هو القداح، وهو: متروك، منكر الحديث]، عن عبيد بن رفاعة؛ أن معاوية بن أبي سفيان قدم المدينة فصلى بالناس صلاة يجهر فيها،

فذكره.

أخرجه أبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (1/ 104).

وهذا سنده واهٍ؛ فالحديث حديث ابن خثيم، ولا يثبت لاضطرابه، والله أعلم.

• قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فهذا الحديث يُعلم ضعفه من وجوه:

أحدها: أنه يروى عن أنس أيضًا الروايةُ الصحيحة الصريحة المستفيضة الذي يردَّ هذا.

الثاني: أن مدار ذلك الحديث على عبد الله بن عثمان بن خثيم، وقد ضعفه طائفة، وقد اضطربوا في روايته إسنادًا ومتنًا كما تقدم، وذلك يبين أنه غير محفوظ.

الثالث: أنه ليس فيه إسناد متصل السماع بل فيه من الضعفة والاضطراب ما لا يؤمن معه الانقطاع أو سوء الحفظ.

الرابع: أن أنسًا كان مقيمًا بالبصرة، ومعاوية لما قدم المدينة لم يذكر أحد علمناه أن أنسًا كان معه، بل الظاهر أنه لم يكن معه.

الخامس: أن هذه القضية بتقدير وقوعها كانت بالمدينة، والراوي لها أنس وكان بالبصرة، وهي مما تتوافر الهمم والدواعي على نقلها، ومن المعلوم أن أصحاب أنس المعروفين بصحبته وأهل المدينة لم ينقل أحد منهم ذلك، بل المنقول عن أنس وأهل المدينة نقيض ذلك، والناقل ليس من هؤلاء ولا من هؤلاء.

ص: 536

السادس: أن معاوية لو كان رجع إلى الجهر في أول الفاتحة والسورة لكان هذا أيضًا معروفًا من أمره عند أهل الشام الذين صحبوه، ولم ينقل هذا أحد عن معاوية، بل الشاميون كلهم خلفاؤهم وعلماؤهم كان مذهبهم ترك الجهر بها، بل الأوزاعي مذهبه فيها مذهب مالك؛ لا يقرؤها سرًّا ولا جهرًا.

فهذه الوجوه وأمثالها إذا تدبرها العالم قطع بأن حديث معاوية إما باطل لا حقيقة له، وإما مغيَّر عن وجهه، وأن الذي حدث به بلغه من وجه ليس بصحيح، فحصلت الآفة من انقطاع إسناده.

وقيل: هذا الحديث لو كان تقوم به الحجة لكان شاذًا؛ لأنه خلاف ما رواه الناس الثقات الأثبات عن أنس، وعن أهل المدينة، وأهل الشام، ومن شرط الحديث الثابت أن لا يكون شاذًا ولا معللًا، وهذا شاذ معلل إن لم يكن من سوء حفظ بعض رواته".

وقد نقله ابن عبد الهادي في كتابه في الجهر، وزاد عليه وأفاض في البيان، مثل قوله:"أن مذهبَ أهل المدينة قديمًا وحديثًا تركُ الجهر بها، ومنهم من لا يرى قراءتها أصلًا"، ومثل قوله:"ومن المستبعد أن يكون هذا حال معاوية، ومعلوم أن معاوية قد صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلو سمع النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالبسملة لما تركها حتى ينكر عليه رعيته أنه لا يحسن يصلي".

وقال ابن رجب في فتح الباري (4/ 362): "فعلى طريقة الشافعي في ترجيح الإسناد الثاني على الحديث: ليس هذا الحديث من رواية أنس بن مالكٍ بالكلية، فلا يكون معارضًا لروايات أنسٍ الصحيحة الثابتة، وعلى التقدير الآخر: فليس هذا الحديث مرفوعًا، وإنما فيه إنكار من كان حاضرًا تلك الصلاة من المهاجرين، وإنما حضر ذلك قليل منهم؛ فإن أكابرهم توفوا قبل ذلك، فغاية هذا: أن يكون موقوفًا على جماعة من الصحابة، فكيف تُردُّ به الروايةُ المرفوعة، وليس فيه تصريحٌ بإنكار ترك الجهر بالبسملة، بل يحتمل أنهم إنما أنكروا قراءتها في الجملة، وذلك محتمل بأن يكون معاوية وصل تكبيرة الإحرام بقراءة:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} من غير سكوت بينهما يتسع للبسملة، ثم وصل الفاتحة بقراءة سورةٍ من غير سكوت يتسع للبسملة، ورواية ابن جريج صريحةٌ في أن معاوية لم يقرأ البسملة مع الفاتحة أيضًا، فيدل هذا على اتفاقهم على أن البسملة ليست من الفاتحة، وإلا لأمروه بإعادة الصلاة، أو لأعادوا هم صلاتهم خلفه.

وبكل حالٍ؛ المضطربُ إسنادُه وألفاظُه لا يجوز أن يكون معارضًا لأحاديث أنس الصحيحة الصريحة، وقد تفرد بهذا الحديث: عبد الله بن عثمان بن خثيم، وليس بالقوي؛ ترك حديثه يحيى القطان وابن مهدي [سبق بيان عدم صحة هذا النقل]، ومن العجب قول بعضهم: يكفي أن مسلمًا خرج له، مع طعنه في حديث الأوزاعي الذي خرجه مسلم في صحيحه من حديث أنس المصرح بنفي قراءة البسملة، وقوله: إنه معلول غير ثابت، بغير حجة ولا برهان، نعوذ بالله من اتباع الهوى".

ص: 537

وانظر تضعيف شيخ الإسلام ابن تيمية وابن عبد الهادي وابن رجب لهذا الحديث: مجموع الفتاوى (22/ 430)، نصب الراية (1/ 353)، فتح الباري (4/ 361)، نخب الأفكار (3/ 563).

4 -

عن أم سلمة:

أ- روى عمر بن هارون البلخي، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ [في الصلاة]:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} فقطَّعها آيةً آيةً، وعدَّها عدَّ الأعراب، وعدَّ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آيةً، ولم يَعُدَّ {عَلَيْهِمْ} .

وفي رواية: حتى عدَّ سبع آيات، عدد الأعراب.

أخرجه ابن خزيمة (493)، والحاكم (1/ 232)، وابن المنذر (3/ 119/ 1345) معلقًا، والطحاوي في المشكل (14/ 8/ 5407)، والسهمي في تاريخ جرجان (104)، وأبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث (37)، والدارقطني (1/ 307)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (1/ 103)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 439/ 562)، وأبو عمرو الداني في البيان في عد آي القرآن (54 و 62 و 63 و 66)، والبيهقي في السنن (2/ 44)، وفي المعرفة (1/ 511 و 512/ 701 - 753)، وفى الشعب (2/ 434 و 435/ 2318 و 2320)، والواحدي في الوسيط (1/ 60).

قال الحاكم: "عمر بن هارون أصل في السُّنَّة، ولم يخرجاه، وإنما أخرجته شاهدًا".

فتعقبه الذهبي بقوله: "أجمعوا على ضعفه، وقال النسائي: متروك".

وقال البيهقي في المعرفة مقويًا روايته مستشهدًا بها: "هذا التفسير يوافق جملة ما رواه أصحاب ابن جريج عن ابن جريج، والاحتجاج وقع بروايتهم"، وقال عن عمر بن هارون في السنن:"وليس بالقوي".

قلت: هو حديث منكر بهذا السياق، وعمر بن هارون البلخي: متروك، واتهم، روى عن ابن جريج مناكير، وله عنه ما لا يُتابع عليه [التهذيب (253/ 3)]، وقد أطال ابن عبد الهادي في ردِّ روايته تلك من وجوه كثيرة [انظر: نصب الراية (1/ 350)، نخب الأفكار (3/ 580)].

وقال الذهبي في تهذيب سنن البيهقي (1/ 496): "هذا خبر منكر، شذ به عمر، وقد قال ابن معين وغيره: كذاب، وقال النسائي وغيره: متروك، وأيضًا فإن كان عدَّها بلسانه في الصلاة فذلك منافٍ للصلاة، وإن كان بأصابعه فلا يدل على أنها آية، ولا بد من الفاتحة".

وقال ابن رجب في الفتح (4/ 360): "وعمر بن هارون لا يلتفت إلى ما تفرد به، وقد يكون ابن جريج عدَّها آية، أو ابن أبي مليكة، ومن زعم أنه صحيح؛ لتخريج ابن

ص: 538

خزيمة له؛ فقد وهم، ومن زعم من متقدمي الفقهاء [يعني: البويطي] أن حفص بن غياث رواه عن ابن جريج كذلك وأنه أخبره به عنه غير واحد، فقد وهم، ورواه بالمعنى الذي فهمه هو، وهو وأمثاله من الفقهاء يروون بالمعنى الذي يفهمونه، فيغيرون معنى الحديث".

ب- ورواه يحيى بن المبارك العدوي اليزيدي [المقرئ المشهور، وكان ثقة. تاريخ بغداد (14/ 146)]، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ: (ملك يوم الدين) بغير ألف حتى مات.

أخرجه الذهبي في السير (15/ 362)، وفي التذكرة (3/ 850).

قال الذهبي: "هذا حديث غريب منكر، ويحيى فما علمت أحدًا تعرض إليه بلين، وهو في القراءة حجة، فالله أعلم".

ج- ورواه حفص بن غياث، قال: ثنا ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)} ، [يقطعها] حرفًا حرفًا.

أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 256/ 8729) و (6/ 140/ 30151) عن حفص به. ومن طريقه: أبو يعلى (12/ 351/ 6920)، والطبراني في الكبير (23/ 392/ 937)، والحاكم (1/ 232)، والبيهقي في المعرفة (1/ 511/ 700)، وابن عبد البر في الإنصاف (59)، وفي الاستذكار (1/ 457).

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".

وقد اختلف على حفص في لفظ هذا الحديث؛ فرواه ابن أبي شيبة [وهو: ثقة حافظ]، عنه به هكذا.

• ورواه عمر بن حفص بن غياث النخعي [ثقة]: حدثنا أبي: حدثنا ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في بيتها، فيقرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} آمين.

أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 199)، وفي المشكل (14/ 6/ 5404).

• ورواه هشام بن يونس [التميمي النهشلي الكوفي، وهو: ثقة يغرب]: حدثنا حفص -يعني: ابن غياث-، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة، قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} فقطَّعها، وقرأ:(ملك يوم الدين).

أخرجه ابن أبي داود في المصاحف (281).

• وقال أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي [المصري الفقيه، صاحب الشافعي، ثقة. الجرح والتعديل (9/ 235)، تاريخ بغداد (14/ 299)، تاريخ الإسلام (17/ 422)، التقريب (1096)]: أخبرني غير واحد عن حفص به، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ بأم

ص: 539

القرآن بدأ بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يعُدُّها آيةً، ثم قرأ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يعُدُّها ست آيات.

ذكره البيهقي في المعرفة (1/ 510).

وقد أشار ابن رجب إلى أن البويطي قد رواه بالمعنى الذي فهمه هو، فغير معنى الحديث، وتقدم نقل كلامه قريبًا.

• ورواه يحيى بن آدم [كوفي، ثقة ثبت]: حدثنا حفص بن غياث، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن بعض أزواجِ النبي صلى الله عليه وسلم -نظنها أم سلمة-، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} يقطع قراءته، قال: قلت لحفص: قرأ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ؟ فقال: هكذا قال.

أخرجه ابن أبي داود في المصاحف (282).

قال ابن أبي داود: "سمعت أبي يقول في هذا الحديث: إنما هو الحديث في تقطيع القراءة والترسل فيها، وأما قوله: {مَلكِ} فيقال: إنها قراءة ابن جريج، لا أنه رواها عن ابن أبي مليكة".

ثم قال ابن أبي داود: حدثنا شعيب بن أيوب [صدوق]: حدثنا يحيى أيعني: ابن آدم، المتقدم ذكره]، قال: قال الكسائي: "قراءتهم -يعني أهل مكة- {مَالِكِ}، وإنما روي هذا الحديث لتقطيع القراءة، ولا أدري ما قولهم: {مَالِكِ} ".

قال ابن أبي داود: "ومما يدل على أنه كما قال أبي، وكما قال الكسائي؛ أن نافع بن عمر روى هذا الحديث عن ابن أبي مليكة فقال: {مَالِكِ} ".

وقال الطحاوي: "وقد يجوز أن يكون نعت أم سلمة قراءة النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ

بها ما سمعته يقرؤها بغيره من القرآن، فثبت بتصحيح ما رويناه منها في هذا الباب أنه لا دليل فيما رويناه عنها فيه مما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ به ذلك الحرف، هل هو ملك، أو مالك؟ هذا يحاج به من روى هذا الحديث كما رواه حفص ويحيى بن سعيد الأموي، لا من رواه كما رواه عمر بن هارون".

وقال ابن رجب في الفتح (4/ 359)(6/ 399): "وقراءة هذه الآيات على هذا الوجه إنما هو من حكاية ابن جريج لحديث أم سلمة، وقولها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته آية آية، كذلك قاله الكسائي وأبو داود السجستاني، حكاه عنهما أبو بكر بن أبي داود في كتابه المصاحف، وكذا قال الإمام أحمد في رواية ابن القاسم، وقالوا: ابن جريج هو الذي قرأ {مَالِكِ}، وليس ذلك في حديث أم سلمة".

قلت: حفص بن غياث: ثقة، ثبت إذا حدَّث من كتابه، يغلط إذا حدَّث من حفظه، وكان ساء حفظه بعدما استُقضي، وهذا الاختلاف في لفظ هذا الحديث إنما هو من حفص نفسه، اضطرب فيه، والله أعلم.

د- ورواه همام بن يحيى [ثقة]، قال: أخبرنا ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم

ص: 540

سلمة، قالت: كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فوصفت: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} ، قال: فوصفت حرفًا حرفًا.

أخرجه أحمد (6/ 323)، وابن سعد في الطبقات (1/ 283 و 376)، وأبو عمر الدوري في قراءات النبي صلى الله عليه وسلم (9)، والبيهقي (2/ 44 و 53).

هكذا رواه همام بن يحيى فلم يذكر فيه الصلاة، وظاهر سياقه أن أم سلمة هي التي وصفت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن قراءته صلى الله عليه وسلم كانت مترسلة حرفًا حرفًا، ولا بد لتحقيق هذا الوصف للسامع تقريبًا له أن تضرب له مثالًا، فذكرت الفاتحة كمثالٍ تبين به كيفية قراءته صلى الله عليه وسلم، وذلك لكون الفاتحة أكثر ما يتلى في الصلاة، والله أعلم.

هـ- ورواه يحيى بن سعيد الأموي [ليس به بأس]: ثنا ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن أم سلمة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ يُقطِّع قراءته آيةً آيةً: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} .

هكذا رواه عن يحيى بن سعيد جماعة، منهم: ابنه سعيد، وأحمد بن حنبل، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وأبو خيثمة زهير بن حرب، ومحمود بن خداش، وغيرهم.

وفي رواية علي بن حجر وأبي عمر حفص بن عمر الدوري عن يحيى بن سعيد الأموي [عند الترمذي والحاكم والدوري]: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقطِّع قراءته يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ثم يقف، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ثم يقف، وكان يقرؤها:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} . هكذا فلم يذكرا فيها البسملة.

أخرجه أَبو داود (4001)، والترمذي في الجامع (2927)، وفي الشمائل (317)، والحاكم (2/ 231 و 232)، وأحمد (6/ 302)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (156 - 157)، وأبو عمر الدوري في قراءات النبي صلى الله عليه وسلم (9)، وأبو يعلى (12/ 452/ 7022)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 119/ 1344) و (5/ 155/ 2579)، والطحاوي في مشكل الآثار (14/ 8/ 5406)، وأبو جعفر النحاس في القطع والائتناف (86)، والطبراني في الكبير (23/ 278/ 603)، والدارقطني (1/ 312)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (1/ 114)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 439/ 563)، وأبو الفضل الرازي في فضائل القرآن (18 و 19)، والبيهقي في السنن (2/ 44)، وفي الشعب (2/ 435/ 2319) و (2/ 520/ 2587)، وابن عبد البر في الإنصاف (58)، وفي الاستذكار (1/ 457)، والخطيب في الجهر بالبسملة (19 - مختصره للذهبي)، وفي التاريخ (9/ 372).

قال أبو داود: "سمعت أحمد يقول: القراءة القديمة: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ".

قال الدارقطني: "إسناده صحيح، وكلهم ثقات".

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".

قلت: هكذا قال، مشيًا على ظاهر السند، وقد أعله الإمام الترمذي؛ حيث قال:

ص: 541

"هذا حديث غريب، وبه يقرأ أبو عبيد ويختاره، وهكذا روى يحيى بن سعيد الأموي وغيره عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة.

وليس إسناده بمتصل؛ لأن الليث بن سعد روى هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مملك عن أم سلمة؛ أنها وصفت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم حرفًا حرفًا.

وحديث الليث: أصح، وليس في حديث الليث: كان يقرأ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} .

وأعله الطحاوي أيضًا بالانقطاع، فقال في كتابه "الرد على الكرابيسي":"لم يسمع ابن أبي مليكة هذا الحديث من أم سلمة"، واستدل عليه برواية الليث الآتية [البدر المنير (3/ 557)، نخب الأفكار (3/ 579)].

قلت: وما ذهب إليه الترمذي والطحاوي هو الصواب، فإن ابن أبي مليكة لم يسمع هذا الحديث من أم سلمه، وإنما سمعه من يعلى بن مملك، والليث بن سعد: أثبت من ابن جريج:

• رواه الليث بن سعد، عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك؛ أنه سأل أم سلمة عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلاته؟

فقالت: وما لكم وصلاته! كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح، ثم نعتت قراءته؛ فإذا هي تنعت قراءته حرفًا حرفًا.

وفي رواية: فنعنت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم مفسرة حرفًا حرفًا.

أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (23)، وأبو داود (1466)، والترمذي في الجامع (2923)، وفي الشمائل (315)، والنسائي في المجتبى (2/ 181/ 1022) و (3/ 214/ 1629)، وفي الكبرى (2/ 28/ 1096) و (2/ 147/ 1379) و (7/ 272 - 273/ 8003)، وابن خزيمة (2/ 188/ 1158)، والحاكم (1/ 309)، وأحمد (6/ 294 و 350)، وابن المبارك في الزهد (1195)، وفي المسند (56)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (156)، وابن نصر في قيام الليل (179 - مختصره)، وجعفر الفريابي في فضائل القرآن (110)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 201)، وفي المشكل (14/ 9/ 5408)، وأبو جحفر النحاس في القطع والائتناف (86)، وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (3/ 141/ 554)، وأبو الفضل الرازي في فضائل القرآن (20)، والبيهقي في السنن (3/ 13)، وفي الشعب (2/ 391/ 2156)، والبغوي في شرح السُّنَّة (4/ 482/ 1216)، وعلقه ابن المنذر في الأوسط (5/ 155/ 2580).

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مملك عن أم سلمة.

وقد روى ابن جريج هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقطع قراءته، وحديث ليث أصح".

وقال النسائي: "يعلى بن مملك: ليس بذاك المشهور".

ص: 542

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه".

وقال البغوي: "هذا حديث حسن غريب".

• وقد اختلف فيه على الليث بن سعد، فرواه عنه جماعة كما تقدم، منهم: عبد الله بن المبارك، وقتيبة بن سعيد، وشعيب بن الليث، ويحيى بن إسحاق السَّيْلَحيني، ويزيد بن خالد بن موهب الرملي، ويحيى بن عبد الله بن بكير، وعيسى بن حماد زغبة، وموسى بن داود الضبي، وعبد الله بن صالح [في رواية البخاري عنه].

وخالفهم: عبد الله بن صالح كاتب الليث، قال: حدثني الليث، عن ابن لهيعة [وهو: ضعيف]، عن ابن أبي مليكة، عن يعلى بن مملك؛ عن أم سلمة أنها نعتت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفًا حرفًا.

أخرجه الطبراني في الكبير (23/ 646/292).

وهي رواية منكرة عن اليث، والمعروف عنه روايته عن ابن أبي مليكة بلا واسطة، وعبد الله بن صالح: صدوق، كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة، وشيخ الطبراني: مطلب بن شعيب الأزدي، وهو: صدوق، له عن أبي صالح حديث منكر، ولا أستبعد أن يكون هذا أيضًا من مناكيره [اللسان (8/ 86)]، فإن البخاري قد رواه عن ابن صالح كالجماعة، والله أعلم.

• وقد روى ابن جريج شطره الأول في صلاة الليل بنفس إسناد الليث، ونحو معناه:

قال ابن جريج: حدثني أبي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي مليكة: أخبرني يعلى بن مملك؛ أنه سأل أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل؟ قالت: كان يصلي العشاء الآخرة ثم يسبح، ثم يصلي بعدها ما شاء الله من الليل، ثم ينصرف فيرقد مثل ما صلى، ثم يستيقظ من نومته تلك فيصلي مثل ما نام، وصلاته الآخرة تكون إلى الصبح.

أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 214/ 1628)، وفي الكبرى (2/ 126/ 1326)، وابن أبي الدنيا في التهجد وقيام الليل (403)، وجعفر الفريابي في فضائل القرآن (111)، والطبراني في الكبير (23/ 407/ 977)، والمزي في التهذيب (18/ 120).

هكذا رواه عن ابن جريج: حجاج بن محمد المصيصي الأعور، وأبو عاصم النبيل.

وخالفهما: عبد الرزاق، ومحمد بن بكر البرساني، فروياه عن ابن جريج بدون ذكر أبيه في الإسناد، وبإثبات السماع بين ابن جريج وابن أبي مليكة في رواية البرساني، وهي وهم منه، وفي رواية عبد الرزاق: قال: قال ابن أبي مليكة، وفي أكثر الروايات عنه بالعنعنة.

أخرجه ابن حبان (6/ 366/ 2639)، وأحمد (6/ 297 و 308)، وإسحاق بن راهويه (4/ 156/ 1935)، وعبد الرزاق (3/ 38/ 4709)، وابن نصر المروزي في قيام الليل (163 - مختصره)، والطبراني في الكبير (23/ 292/ 645).

قلت: الذين رووه عن ابن جريج كلهم ثقات، وأثبتهم فيه: حجاج الأعور، والأقرب

ص: 543

أن ابن جريج رواه مرة موصولًا بذكر أبيه في الإسناد، ودلسه مرة فأسقط أباه، وابن جريج مشهور بالتدليس، والمحفوظ إسناد حجاج وأبي عاصم.

وعبد العزيز بن جريج المكي: قال البخاري: "لا يتابع في حديثه"، وتقدم الكلام عليه عند الكلام عن طرق حديث ابن عباس (788)، وروايته هناك منكرة، والله أعلم.

• وعلى هذا فيكون ابن جريج فصلهما حديثين؛ إلا أنه وهم في حديث نعت القراءة مرتين، مرة في الإسناد حيث أسقط ذكر يعلى بن مملك، ومرة في المتن حيث مثل للقراءة بسورة الفاتحة، وعدِّ البسملة آية منها، وأدرج ذلك في الحديث، ولا يُستبعد أن يكون ابن جريج أدرج التفسير من كلام ابن أبي مليكة، كما يدل على ذلك رواية نافع، والله أعلم.

ولا يستبعد أيضًا: أن يكون ابن جريج تحمل الحديثين جميعًا عن أبيه عن ابن أبي مليكة، ثم دلس أحدهما، ولم يذكر أباه في الإسناد، وأما الآخر فكان مرة يدلسه، ومرة يصرح بذكر أبيه، والله أعلم.

• وهذا الحديث قد رواه نافع بن عمر الجمحي، عن ابن أبي مليكة، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال نافع: أُراها حفصة-، أنها سئلت عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: إنكم لا تستطيعونها، فقيل: أخبرينا بها، فقرأت قراءة ترسلت فيها، قال نافع: فحكى لنا ابن أبي مليكة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ثم قطع:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ثم قطع:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} .

أخرجه أحمد (6/ 288)، وابن أبي شيبة (2/ 256/ 8734)، وابن أبي داود في المصاحف (285).

قلت: نافع بن عمر الجمحي: مكي، ثقة ثبت، لكن هذه الرواية مرسلة، لم يسمعها ابن أبي مليكة من أم سلمة [ولم يحفظ نافع اسمها، وظنها حفصة]، بدليل قول ابن أبي مليكة: أنها سئلت عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: إنكم لا تستطيعونها، فقيل: أخبرينا بها، وفي رواية ثابتة [عند ابن عبد البر في الإنصاف (61)] عن نافع بن عمر الجمحي، قال: سمعت ابن أبي مليكة يحدث عن أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أنها سئلت

، فلم يذكر ابن أبي مليكة أنه سمع ذلك منها، وإنما كان يحكي ذلك عنها، وقد بيَّنت رواية الليث بن سعد وعبد العزيز بن جريج أن السائل هو يعلى بن مملك، وأنه هو الذي أخبر ابن أبي مليكة بذلك، فعاد الحديث مرة أخرى إلى يعلى بن مملك، وأن مدار الحديث عليه، وأن هذا الحديث إنما هو في بيان الترسل في القراءة والتاني فيها، وأما ذكر الفاتحة والبسملة وحرف {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} سواء بإثبات الألف أو بحذفها فإنما هو مدرج من كلام ابن أبي مليكة، كما أن ذكر تقطيع القراءة آية آية للوقف على رؤوس الآي: فلا يثبت أيضًا؛ لكونه من رواية ابن جريج، وقد دلسه عن أبيه عبد العزيز، ولا يتابع عليه، كما أن إسناده ليس بمتصل، كما قال الترمذي، وضعفه أيضًا باستغرابه إياه، والله أعلم.

وانظر في المناكير: فضائل القرآن للمستغفري (1/ 441/ 566).

ص: 544

قال ابن رجب في الفتح (4/ 360): "ففي هذه الرواية: تصريح ابن جريج [كذا، وإنما هو نافع، بأن هذه القراءة إنما هي حكاية ما قرأ لهم ابن أبي مليكة.

وفي لفظ الحديث اختلاف في ذكر البسملة وإسقاطها، وفي إسناده أيضًا اختلاف؛ فقد أدخل الليث بن سعد في روايته عن ابن أبي مليكة بينه وبين أم سلمة: يعلى بن مملك، وصحح روايته الترمذي وغيره، وقال النسائي في يعلى هذا: ليس بمشهور، وقال بعضهم: عن يعلى عن عائشة، وقد ذكر الاختلاف فيه الدارقطني في علله، وذكر أن عمر بن هارون زاد فيه عن ابن جريج: وعدَّ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آية، وعمر بن هارون لا يلتفت إلى ما تفرد به، وقد يكون ابن جريج عدَّها آية، أو ابن أبي مليكة.

ومن زعم أنه صحيح؛ لتخريج ابن خزيمة له، فقد وهم.

ومن زعم من متقدمي الفقهاء أن حفص بن غياث رواه عن ابن جريج كذلك، وأنه أخبره به عنه غير واحد، فقد وهم، ورواه بالمعنى الذي فهمه هو، وهو وأمثاله من الفقهاء يروون بالمعنى الذي يفهمونه، فيغيرون معنى الحديث.

وحديث حفص مشهور، مخرج في المسانيد والسنن باللفظ المشهور".

• قلت: والحاصل: فإن حديث أم سلمة [من رواية الليث بن سعد] حديث حسن؛ رجاله ثقات؛ غير يعلى بن مملك، ومدار الحديث عليه: وهو لم يرو عنه سوى ابن أبي مليكة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال النسائي:"يعلى بن مملك: ليس بذاك المشهور"، وفي هذا إشارة إلى جهالة حاله، إذ لم يرو عنه سوى ابن أبي مليكة، وليس له من الحديث إلا الشيء اليسير، وقد سبق أن تكلمت عن قبول حديث المجهول إذا لم يرو منكرًا تحت الحديث رقم (759)، عند حديث هُلْب الطائي، ومما قلت هناك:

الحكم على الراوي بالجهالة لا يمنع من تصحيح حديثه، فكم من راوٍ حكم أبو حاتم عليه بالجهالة ونحوها ثم صحح حديثه، ثم نقلت بعض النقول في ذلك، ثم قلت: فدل ذلك على أن استقامة حديث الراوي تكفي في قبول حديثه، حتى لو لم يكن مشهورًا بالطلب، لا سيما من كان في طبقة التابعين، والمقصود من هذه النقول بيانُ أن المجهولَ لا يُردُّ حديثه لمجرد جهالته؛ إذ الجهالة وصف لا يلزم منه الجرح، بل يقترن كثيرًا في كلام الأئمة الوصفُ بالجهالة مع التوثيق أو التجريح، ولكن ينظر في حديث المجهول؛ فإن كان حديثه مستقيمًا موافقًا لرواية الثقات صُخح حديثه واغتُفرت جهالته، حيث لم يرو منكرًا، ولم ينفرد عن الثقات بما ليس من حديثهم، لا سيما لو كان من التابعين، وهذا مثل حالتنا هذه، ويعلى بن مملك: صحح له الترمذي هذا الحديث، وصححه أيضًا ابن خزيمة والحاكم، وصحح له الترمذي (2002 و 2013)، وابن حبان (5693 و 5695)، وحسن له البزار (10/ 98/ 4037)، في الرفق وحسن الخلق، وفي هذا توثيق ضمني من هؤلاء الأئمة ليعلى بن مملك، وأنه لم يرو منكرًا، والله أعلم [انظر: التاريخ الكبير (8/ 415)، علل ابن أبي حاتم (2232 و 2323)، الثقات (5/ 556) و (7/ 652)، علل الدارقطني (6/ 221/ 1087)، التهذيب (4/ 451)].

ص: 545

وموضع الشاهد من حديث يعلى عن أم سلمة: فنعتت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم مفسَّرة حرفًا حرفًا؛ له شاهد في معناه من حديث قتادة، قال: سئل أنس بن مالك: كيف كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كانت مدًّا، وفي رواية عن قتادة، قال: سألت أنس بن مالك عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان يمدُّ [صوته بالقرآن] مدًّا، وهو حديث صحيح أخرجه البخاري، وتقدم ذكره في الشاهد الأول من حديث أنس، وما الصوت بالقرآن يقتضي الترسُّلَ في القراءة والتأني فيها، والله أعلم.

وانظر في الأباطيل: الكشف والبيان (1/ 104).

5 -

عن ابن عمر:

أ- قال الدارقطني: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد [هو ابن عقدة الحافظ]: ثنا أحمد بن رشد بن خثيم الهلالي: ثنا عمي سعيد بن خثيم: نا حنظلة بن أبي سفيان، عن سالم، عن ابن عمر؛ أنه كان يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بها.

أخرجه الدارقطني (1/ 304 - 305).

قلت: وهذا منكر؛ بل باطل من حديث سالم بن عبد الله، ثم من حديث حنظلة بن أبي سفيان الجمحي المكي [وهو: ثقة ثبت، كثير الأصحاب، روى عنه جماعة من الثقات الحفاظ].

والحمل فيه على أحمد بن رشد بن خثيم؛ فإنه متهم، كما قال ابن عبد الهادي، وقد اتهم بحديث أبي الخلفاء، وهو: حديث موضوع، وقد خرجته في كتابي: بحوث حديثية في كتاب الحج، في آخر مبحث: التصدق بوزن شعر المولود فضة، ص (344)، وسبق الكلام عن هذا الإسناد عند الكلام عن طرق حديث ابن عباس.

ب- وروى عتيق بن يعقوب: ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، وعمه عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة يبدأ بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه الطبراني في الأوسط (800 و 841)، وأبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث (40)، والدارقطني (1/ 305)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 442/ 570)، والبيهقي (2/ 48)، والخطيب في الجهر بالبسملة (15 - مختصره للذهبي).

وانظر: تاريخ بغداد (3/ 84).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عبيد الله إلا ابن أخيه عبد الرحمن، تفرد به: عتيق بن يعقوب".

قال البيهقي: "والصواب: موقوف".

وكلام الدارقطني في العلل (12/ 307/ 2740) يشير إلى تصحيح الموقوف.

قلت: رفعه منكر؛ عتيق بن يعقوب هو: ابن صديق بن موسى بن عبد الله بن الزبير بن

ص: 546

العوام أبو يعقوب الزبيري المدني: وهو صدوق، وله أوهام [انظر: سؤالات البرقاني (395)، تاريخ الإسلام (16/ 276)، اللسان (5/ 372)].

وعبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري: متروك، منكر الحديث، يروي عن عمه عبيد الله بن عمر ما ليس من حديثه [التقريب (369)، التهذيب (2/ 525)]، وقد رواه أصحاب عبيد الله وأخيه عبد الله عنهما عن نافع به موقوفًا.

[وانظر في الأوهام: جزء بيبي (115)].

ج- وقال الدارقطني: حدثنا عمر بن الحسن بن علي الشيباني: أنا جعفر بن محمد بن مروان: ثنا أبو الطاهر أحمد بن عيسى: ثنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فكانوا يجهرون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه الدارقطني في السنن (1/ 305)، وفي العلل (12/ 309/ 2740).

قال ابن عبد الهادي: "وهذا باطل من هذا الوجه، لم يحدث به ابن أبي فديك قط، والمتهم به: أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمد أبو طاهر الهاشمي، وقد كذبه الدارقطني، وهو كما قال، فإن من روى مثل هذا الحديث عن مثل محمد بن إسماعيل بن أبي فديك الثقة المشهور المخرج له في الصحيحين، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب الإمام المشهور، عن نافع، عن ابن عمر؛ فإنه يكون كاذبًا في روايته، وعمر بن الحسن الشيباني شيخ الدارقطني: تكلم فيه الدارقطني أيضًا، وقال: هو ضعيف، وقال الخطيب: سألت الحسن بن محمد الخلال عنه؟ فقال: ضعيف، وأما جعفر بن محمد بن مروان من أهل الكوفة: فليس مشهورًا بالعدالة، وقد تكلم فيه الدارقطني أيضًا، وقال: لا يحتج به، وقد روى الحافظ أبو محمد الرامهرمزي في أول كتاب المحدث الفاصل حديثًا موضوعًا لأحمد بن عيسى هو المتهم به، فقال: حدثنا أبو حصين الوادعي: ثنا أبو طاهر أحمد بن عيسى العلوي: ثنا ابن أبي فديك: ثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء، عن ابن عباس، عن علي، قال: قال رسول الله صلى: "اللَّهُمَّ ارحم خلفائي"، قلنا: من خلفاؤك؟ قال: "الذين يروون أحاديثي، ويعلمونها الناس" انتهى، وأبو عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب: وضاع أيضًا، وقد تقدم ذكره في حديث علي بن أبي طالب"[نصب الراية (1/ 348)، نخب الأفكار (3/ 559)][وانظر: البدر المنير (3/ 564)].

وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 423/ 351): "وفيه أبو الطاهر أحمد بن عيسى العلوي: وقد كذبه أبو حاتم وغيره، ومن دونه أيضًا: ضعيف، ومجهول".

قلت: كما قالا، وهو حديث باطل، وقول ابن حجر:"كذبه أبو حاتم" لعله سبق قلم، وإنما كذبه الدارقطني [وانظر تراجمهم في: اللسان (1/ 569) و (2/ 471) و (6/ 78)].

ص: 547

د- وروى داود بن عطاء، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"كان جبرائيل عليه السلام إذا جاءني بالوحي أول ما يلقي عليَّ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ".

أخرجه العقيلي في الضعفاء (2/ 34)، والطبراني في الأوسط (4/ 10 - 11/ 3480)، والدارقطني (1/ 305).

قال العقيلي: "الرواية في هذا الباب فيها لين وضعف".

وقال الطبراني: "لم يروه عن موسى بن عقبة إلا داود بن عطاء".

قلت: هو حديث منكر؛ تفرد به عن موسى بن عقبة: داود بن عطاء المدني، وهو: منكر الحديث [التهذيب (1/ 567)].

هـ- وقال ابن عبد البر في الإنصاف (66): أخبرنا قاسم بن محمد [هو: قاسم بن محمد بن قاسم بن عباس، أبو محمد، يعرف بابن عسلون. جذوة المقتبس (118)، الصلة لابن بشكوال (2/ 684)، تاريخ الإسلام (27/ 336)]: حدثنا خالد بن سعد [كان إمامًا في الحديث، حافظًا له، بصيرًا بعلله، عالمًا بطرقه. تاريخ العلماء بالأندلس (398)، السير (16/ 18)، تاريخ الإسلام (26/ 72)،: حدثنا محمد بن إبراهيم [هو: ابن حيُّون الأندلسي الحجاري: ثقة حافظ. الأنساب (2/ 175)، السير (14/ 412)، تاريخ الإسلام (23/ 170)]: حدثني محمد بن أحمد بن عبد الله بن أبي عون النسائي [ثقة حافظ. تاريخ بغداد (1/ 311)، الأنساب (3/ 56)، السير (14/ 433)، تاريخ الإسلام (23/ 458)]، قدم علينا بغداد حاجًّا سنة سبع وثمانين ومائتين: حدثنا علي بن حجر: حدثنا عبيد الله بن عمرو الرقي، عن عبد الكريم الجزري، عن أبي الزبير، عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام في الصلاة فأراد أن يقرأ قال:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

قال ابن عبد البر: "قد رفعه غيره أيضًا عن ابن عمر، ولا يثبت فيه إلا أنه موقوف على ابن عمر من فعله، والله أعلم، كذلك رواه سالم ونافع ويزيد الفقير عن ابن عمر".

وذكر الدارقطني في العلل (12/ 308/ 2740) أن أبا الزبير يرويه فيمن يرويه عن ابن عمر موقوفًا.

قلت: لعل الواهم في رفعه هو شيخ ابن عبد البر؛ فإنه: مجهول الحال، وقد رواه موقوفًا من هذا الوجه: جعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 442 - 443/ 571)، قال: أخبرنا ابن أبي توبة [كذا، وهو: أبو أحمد محمد بن أحمد بن أبي توبة، أو: محمد بن أحمد بن توبة المروزي البزاز، ولم أعثر له على ترجمة. وانظر: شرح السُّنَّة للبغوي (9/ 271)، تاريخ دمشق (14/ 399)، صفوة التصوف (754)]: أخبرنا يحيى بن ساسويه [يحيى بن ساسويه بن عبد الكريم الذهلي، وقيل: الرقاشي: محدث مروزي مشهور، قال الدارقطني في غرائب مالك عن إسنادٍ هو أحد رجاله:"ورجاله كلهم معروفون بالثقة"، وقال الحاكم عن إسناد أثر عن ابن المبارك: "رواة هذا الحديث عن ابن المبارك كلهم

ص: 548

ثقات أثبات"، وفيهم يحيى بن ساسويه. اللسان (1/ 600)، المستدرك (1/ 320)]: حدثنا علي بن حجر: حدثنا عبيد الله -هو: ابن عمرو-، عن عبد الكريم، عن أبي الزبير، عن ابن عمر، أنه كان إذا قام في الصلاة فأراد أن يقرأ قال:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فإذا فرغ من فاتحة الكتاب قال:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، يجهر بها في فاتحة الكتاب وفي السورة.

وهذا موقوف بإسناد صحيح من لدن علي بن حجر فمن فوقه.

وانظر أيضًا لابن عمر طرقًا أخرى باطلة، أو موضوعة: نصب الراية (1/ 349)، الميزان (2/ 334)، اللسان (4/ 346) و (7/ 466)، التلخيص (1/ 423)، نخب الأفكار في شرح معاني الآثار (3/ 559).

• قلت: المعروف في هذا عن ابن عمر موقوفًا عليه فعله:

رواه أبو أسامة حماد بن أسامة، قال: حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه كان إذا افتتح الصلاة قرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فإذا فرغ من الحمد قرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 362/ 4155)، وإسناده صحيح.

ورواه ابن جريج، وعبد العزيز بن أبي رواد، وأيوب السختياني، وأسماء بن عبيد الضبعي، وأسامة بن زيد، وعبد الله بن عمر العمري:

كلهم عن نافع عن ابن عمر به موقوفًا عليه.

قال ابن جريج: أخبرني نافع؛ أن ابن عمر كان لا يدع {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، يفتتح القراءة بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

وفي رواية له: كان لا يدع {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، قبل السورة وبعدها، إذا قرأ بسورة أخرى في الصلاة.

أخرجه عبد الرزاق (2/ 90/ 2608)، والشافعي في الأم (2/ 247/ 215)، وفي المسند (37)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن (218)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 126/ 1355)، والطحاوي (1/ 200)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 443/ 572 و 573)، وأبو عمرو الداني في البيان في عد آي القرآن (51 و 52)، والبيهقي في السنن (2/ 43 - 44 و 48 و 49)، وفي المعرفة (1/ 520/ 717)، وفي الشعب (2/ 439/ 2335 و 2336)، والخطيب في الجهر بالبسملة (16 و 20 - مختصره للذهبي).

قال البيهقي: "هذا هو الصحيح: موقوف".

وقال الذهبي: "هذا صحيح عن ابن عمر"، وقال أيضًا:"وهذا الصحيح وقفه".

وقال ابن حجر في الدراية (1/ 131): "والصواب عن ابن عمر: موقوف"، وكذا في التلخيص (1/ 423).

وانظر في الأوهام: مصنف عبد الرزاق (2/ 92/ 2620)، فضائل القرآن للمستغفري (1/ 456/ 598)، مختصر الجهر بالبسملة للخطيب (23).

ص: 549

• وروى أبو بكر النهشلي [صدوق]، ومسعر بن كدام [ثقة ثبت]:

عن يزيد الفقير، عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنه كان يفتتح القراءة بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه الطحاوي (1/ 200)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (574 و 575)، والبيهقي في المعرفة (1/ 718/520).

وإسناده صحيح.

6 -

عن علي بن أبي طالب:

أ- روى سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت: ثنا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن، عن أبيه [وثقه ابن معين، وقال البخاري: "فيه نظر"، العلل ومعرفة الرجال (2/ 506/ 3334)، تاريخ ابن معين للدوري (3/ 245/ 1152)، ضعفاء العقيلي (4/ 159)، الجرح والتعديل (8/ 150)، الكامل (6/ 346)، تاريخ بغداد (13/ 25)، تاريخ دمشق (60/ 443)، اللسان (8/ 208)]، عن جده عبد الله بن الحسن بن الحسن [ثقة]، عن أبيه [صدوق]، عن الحسن بن علي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في صلاته.

أخرجه الدارقطني (1/ 302)، ومن طريقه: الخطيب في تاريخ بغداد (2/ 272)، وابن الجوزي في التحقيق (447).

قال الدارقطني: حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن حماد بن إسحاق [ثقة. سنن الدارقطني (2/ 161)، سؤالات السهمي (179)، تاريخ بغداد (6/ 61)، تاريخ الإسلام (24/ 124)]: حدثني أخي محمد بن حماد بن إسحاق: ثنا سليمان به.

قال الدارقطني: "هذا إسناد علوي لا بأس به"[المجموع (3/ 297)، نصب الراية (1/ 325)].

وقال المزي: "هذا إسناد لا يقوم به حجة، وسليمان هذا لا أعرفه"[نصب الراية (1/ 325)، التنقيح (1/ 347)].

قلت: هو سليمان بن عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف الزهري: روى عنه جماعة، وهو مجهول الحال، ويبدو أنه المترجم له في اللسان، فإنه من نفس الطبقة، وقد جهَّله ابن القطان الفاسي [تاريخ الطبري (4/ 190)، معجم الصحابة لابن قانع (2/ 282)، الشريعة للآجري (4/ 1924/ 1399)، معرفة الصحابة لأبي نعيم (1/ 44/ 160)، بيان الوهم (3/ 120/ 814)، اللسان (4/ 162)].

وشيخه عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن: لم أقف له على ترجمة، وهو: مجهول الحال، قليل الرواية جدًّا، بل له ما يُنكَر؛ فلا تغتر بحكم الدارقطني؛ فإنه تساهل منه لنصرة المذهب.

ومحمد بن حماد بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم الأزدي

ص: 550

القاضي: حدث عن سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت المديني، روى عنه أخوه إبراهيم بن حماد، قاله الخطيب البغدادي، وقال محمد بن خلف وكيع:"استقضي محمد بن حماد بن إسحاق على البصرة قبل يوسف بن يعقوب القاضي والد أبي عمر"، قال:"وكان محمد بن حماد: شابًا عفيفًا سريًا، قد كتب علمًا كثيرًا، وفهم"[أخبار القضاة (2/ 181)، تاريخ بغداد (2/ 272)، ترتيب المدارك (1/ 473)، المنتظم (14/ 320)].

فهو إسناد لا تقوم به حجة؛ كما قال المزي، والله أعلم.

ب- وروى عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، قال: حدثني أبي [قليل الحديث، قال ابن المديني: "هو وسط"، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: "يخطئ ويخالف"، وقال الدارقطني عن إسناد هو فيه عن آبائه: "كلهم ثقات"، وقال عنه في موضع آخر: "صالح"، وقال ابن القطان: "لا تُعرف حاله"، الثقات (7/ 2)، سؤالات البرقاني (85)، ضعفاء الدارقطني (53)، بيان الوهم (4/ 269/ 1808)، المغني (1/ 354)، التهذيب (2/ 427)]، عن أبيه [صدوق]، عن جده [ثقة]، عن علي، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في السورتين جميعًا.

أخرجه الدارقطني (1/ 302).

قلت: هو حديث منكر؛ وهو من أباطيل عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب الهاشمي، وكنيته أبو بكر، قال أبو حاتم:"لم يكن بقوي الحديث"، وقال ابن حبان:"في حديثه بعض المناكير"، وقال أيضًا:"يروي عن أبيه عن آبائه أشياء موضوعة، لا يحل الاحتجاج به، كأنه كان يهِم ويخطئ؛ حتى كان يجيء بالأشياء الموضوعة عن أسلافه، فبطل الاحتجاج بما يرويه لما وصفت"، وذكر له ابن عدي مناكير وأباطيل كثيرة، ثم قال:"ولعيسى بن عبد الله هذا غير ما ذكرت، وعامة ما يرويه لا يتابَع عليه"، وقد أخرج الدارقطني نفسه لعيسى هذا بهذا الإسناد حديثًا آخر في السنن (2/ 263)، ثم قال:"عيسى بن عبد الله يقال له: مبارك، وهو متروك الحديث"، وقال أبو نعيم الأصبهاني:"روى عن أبيه عن آبائه أحاديث مناكير، لا يكتب حديثه، لا شيء"، وفي تخريج الغساني للأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني (227):"عيسى بن عبد الله: ضعيف الحديث"[الجرح والتعديل (6/ 280)، الثقات (8/ 492)، المجروحين (2/ 121)، الكامل (5/ 242)، الضعفاء لأبي نعيم (176)، بيان الوهم (3/ 452/ 1212)، اللسان (6/ 269)].

ج- وروى أحمد بن الحسن المقري: ثنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد: حدثني عم أبي الحسين بن موسى: حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين، عن أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كيف تقرأ إذا قمت إلى الصلاة؟ " قلت: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فقال: "قل: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ".

ص: 551

أخرجه الدارقطني (1/ 302)، قال: ثنا أبو الحسن علي بن دُليل الأخباري [هو: علي بن الحسن بن دُليل بن إسماعيل، أبو الحسن الدلال البغدادي؛ قال الخطيب: "كان ثقة"، تاريخ بغداد (11/ 383)]: ثنا أحمد بن الحسن المقري به.

وهذا حديث باطل بهذا الإسناد؛ فالإسناد من لدن موسى بن جعفر الكاظم عن آبائه إسناد صحيح، والحسين بن موسى بن جعفر: لم أقف له على ترجمة، والراوي عنه: ترجم له الخطيب في تاريخه (2/ 37)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، فهما مجهولان، وأحمد بن الحسن بن علي بن الحسين، أبو علي المقرئ، المعروف بدبيس الخياط: قال الدارقطني: "ليس بثقة"، وقال الخطيب:"منكر الحديث"[تاريخ بغداد (4/ 88)، اللسان (1/ 431)].

د- وروى محمد بن القاسم بن زكريا [كذاب، يحدث بما لم يسمع، يؤمن بالرجعة. سؤالات حمزة السهمي (38 و 69)، المغني (2/ 625)، السير (15/ 73)، اللسان (7/ 449)]: ثنا عبد الأعلى بن واصل [ثقة]: ثنا خلاد بن خالد المقري [صدوق. الجرح والتعديل (368/ 3)]: ثنا أسباط بن نصر [ليس بالقوي. التهذيب (1/ 109)]، عن السدي [إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة: ليس به بأس، وقد ضُعِّف. التهذيب (1/ 158)]، عن عبد خير، قال: سُئِل عليٌّ رضي الله عنه عن السبع المثاني؛ فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} فقيل له: إنما هي ست آيات، فقال:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آية.

أخرجه الدارقطني (1/ 313)، ومن طريقه: البيهقي (2/ 45).

قلت: هو حديث باطل.

قال ابن عبد البر في الإنصاف (81): "وقد روي عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهم: أنهم كانوا يجهرون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، والطرق عنهم ليست بالقوية".

• وقد روي عن علي خلاف ما تقدم:

فقد روى إسرائيل بن أبي إسحاق، عن ثوير بن أبي فاختة، عن أبيه، أن عليًّا كان لا يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، كان يجهر بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .

أخرجه عبد الرزاق (2/ 88/ 2601)، وابن أبي شيبة (1/ 361/ 4146).

وهذا موقوف بإسناد ضعيف جدًّا؛ ثوير بن أبي فاختة: ضعفوه، وتركه بعضهم [التهذيب (1/ 278)]، وبقية رجاله ثقات.

• وروى أبو بكر بن عياش، وهشيم:

عن أبي سعد البقال سعيد بن المَرزُبان، عن أبي وائل، قال: وكان عمر وعلي رضي الله عنهما لا يجهران بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ولا بالتعوذ، ولا بالتأمين.

وفي رواية: كان عليٌّ وابن مسعود، بدل: عمر، وفي رواية هشيم: عن ابن مسعود وحده، لم يقرن به أحدًا.

ص: 552

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 360/ 4137)، والطحاوي (1/ 204)، والطبراني في الكبير (9/ 262/ 9304)، وأبو طاهر المخلص في العاشر من فوائده بانتقاء ابن أبي الفوارس (176)(2331 - المخلصيات).

وهذا أيضًا ضعيف؛ أبو سعد البقال سعيد بن المرزبان: ضعيف، مدلس، وقد اضطرب في إسناد هذا الأثر ومتنه [انظر: معجم ابن الأعرابي (628)].

• وروى شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي وائل؛ أن عليًّا وعمارًا كانا لا يجهران بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 361/ 4149)، ومن طريقه: ابن المنذر (3/ 128/ 1362).

وهذا موقوف بسند قوي.

7 -

عن علي وعمار:

أ- روى عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي الطفيل، عن علي وعمار رضي الله عنهما؛ أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر في المكتوبات بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في فاتحة القرآن، ويقنت في صلاة الفجر والوتر، ويكبر في دبر الصلوات المكتوبات، من قبل صلاة الفجر غداة عرفة إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق يوم دفعة الناس العظمى.

أخرجه الدارقطني (1/ 302) و (2/ 40 و 49)، والبيهقي في الشعب (2/ 436/ 2322)، والخطيب في الجهر بالبسملة (10 - مختصره للذهبي)، والرافعي في التدوين (4/ 165).

من طرقٍ عن عمرو بن شمر به، وأحد أسانيده إلى عمرو لا بأس به، والبقية لا تخلو من مقال، وفي بعضها من اتُّهم.

قال الذهبي: "وعمرو: متروك، ليس بثقة، وجابر هو الجعفي: ضعيف"[وانظر: بيان الوهم (3/ 103/ 796)].

وقال ابن حجر في التلخيص (1/ 424): "وفيه عمرو بن شمر، وهو: متروك، وجابر: اتهموه بالكذب أيضًا".

قلت: فهو حديث باطل؛ وعمرو بن شمر الجعفي: متروك، منكر الحديث، كُذِّب، ورُمِي بالوضع [انظر: اللسان (6/ 210)].

ب- ورواه محمد بن حسان السلمي العبدي، عن جابر، عن أبي الطفيل، قال: سمعت علي بن أبي طالب وعمارًا يقولان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه ابن الأعرابي في المعجم (489)، والدارقطني (1/ 303).

محمد بن حسان السلمي: قال أبو حاتم: "مجهول"[الجرح والتعديل (7/ 238)]، والراوي عنه: إبراهيم بن الحكم بن ظهير، وهو: شيعي جلد، قال أبو حاتم:"كذاب"، وضعفه الدارقطني [اللسان (1/ 267)].

ص: 553

فهو مثل سابقه.

قال ابن عبد البر في الإنصاف (81): "وقد روي عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهم: أنهم كانوا يجهرون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، والطرق عنهم ليست بالقوية".

ج- ورواه الحاكم في مستدركه (1/ 299)، وعنه: البيهقي في فضائل الأوقات (226)، وفي المعرفة (3/ 61/ 1948).

قال الحاكم: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة: ثنا إبراهيم بن أبي العنبس القاضي: ثنا سعيد بن عثمان الخراز: ثنا عبد الرحمن بن سعد المؤذن: ثنا فطر بن خليفة، عن أبي الطفيل، عن علي وعمار؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر في المكتوبات بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وكان يقنت في صلاة الفجر، وكان يكبر من يوم عرفة صلاة الغداة، ويقطعها صلاة العصر آخر أيام التشريق [انظر: الإتحاف (11/ 459/ 14426)].

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولا أعلم في رواته منسوبًا إلى الجرح".

وقال البيهقي في المعرفة: "وهذا الحديث مشهور بعمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي الطفيل، وكلا الإسنادين ضعيف، وهذا أمثلهما"[انظر: نصب الراية (1/ 344)].

قال النووي في المجموع (5/ 41): "هذا كلام البيهقي، وهو أتقن من شيخه الحاكم وأشد تحريًا".

وتعقَّب الذهبيُّ الحاكمَ في التلخيص بقوله: "هذا خبر واهٍ، كأنه موضوع؛ لأن عبد الرحمن صاحب مناكير، ضعفه ابن معين، وسعيد إن كان الكريزي فهو: ضعيف، وإلا فهو: مجهول"[نصب الراية (1/ 344) و (2/ 223)، الأحكام الكبير لابن كثير (3/ 44)].

وقال ابن عبد الهادي في الجهر بالبسملة: "هذا حديث باطل، ولعله أُدخل عليه"[نصب الراية (1/ 344)].

وقال في التنقيح (2/ 197): "وهو خبر منكر؛ لأن عبد الرحمن صاحب مناكير، وقد ضعفه يحيى بن معين، وأما سعيد فقال بعضهم: إن كان الكريزي فهو: ضعيف، وإلا فهو: مجهول".

وقال الزيلعي: "وتصحيح الحاكم لا يعتدُّ به، سيما في هذا الموضع، فقد عرف تساهله في ذلك".

قلت: وهو كما قالوا، وعبد الرحمن بن سعد المؤذن: ضعيف، تقدمت ترجمته في آخر الحديث رقم (505)، قبل الحديث رقم (506).

• والمعروف عن علي وعمار في هذا بخلافه:

فقد روى شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي وائل؛ أن عليًّا وعمارًا كانا لا يجهران بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

ص: 554

أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 361/ 4149)، ومن طريقه: ابن المنذر (3/ 128/ 1362).

وهذا موقوف بسند قوي.

8 -

عن جابر بن عبد الله:

رواه الجهم بن عثمان [مجهول، ضعفه الأزدي، وأحاديثه مناكير. اللسان (2/ 501)، المغني (1/ 138)]، وعبد الله بن ميمون القداح [متروك، منكر الحديث]:

عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف تقرأ إذا قمت في الصلاة؟ " قلت: أقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، قال: "قل: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه السهمي في تاريخ جرجان (491)[ووقع عنده: عن أبيه عن جده، بدل: عن أبيه عن جابر]، والدارقطني (1/ 308)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (1/ 103)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 567/441)، والبيهقي في الشعب (2/ 436/ 2323)، والخطيب في الجهر بالبسملة (17 - مختصره للذهبي).

قال الذهبي: "هذا حديث ضعيف، لا يحتج به".

وقال أبو حاتم عن حديثٍ رواه الجهم بن عثمان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده: "هذا حديث منكر، وجهم: مجهول"[العلل (2/ 308/ 2438)]، وأنكر له حديثًا آخر رواه عن عبد الله بن الحسن [العلل (2/ 309/ 2440)].

قلت: وهذا حديث منكر؛ لا يُعرف من حديث جعفر الصادق إلا من رواية المجاهيل والمتروكين.

9 -

عن النعمان بن بشير:

روى أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد [ابن عقدة الحافظ الكوفي]: ثنا يعقوب بن يوسف بن زياد الضبي: ثنا أحمد بن حماد الهمداني [ضعفه الدارقطني. اللسان (1/ 448)، تخريج الأحاديث الضعاف للغساني (240)]، عن فطر بن خليفة [وقع عند المستغفري: عن قطن]، عن أبي الضحى [مسلم بن صبيح]، عن [وعند المستغفري: سمعت، النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمني جبرائيل عليه السلام عند الكعبة فجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ".

أخرجه الدارقطني (1/ 309)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (577).

قال الدارقطني: "لا يثبت هذا؛ أحمد بن حماد: ضعيف"[تخريج الأحاديث الضعاف للغساني (240)، من تكلم فيه الدارقطني في كتاب السنن لابن زريق (17)].

قال المستغفري: "هذا حديث غريب جدًّا، لا أعرفه إلا من حديث ابن عقدة".

وقال ابن عبد الهادي: "وهذا حديث منكر؛ بل موضوع، ويعقوب بن يوسف الضبي: ليس بمشهور، وقد فتشت عليه في عدة كتب من الجرح والتعديل فلم أر له ذكرًا أصلًا، ويحتمل أن يكون هذا الحديث مما عملته يداه، وأحمد بن حماد ضعفه الدارقطني،

ص: 555

وسكوت الدارقطني والخطيب وغيرهما من الحفاظ عن مثل هذا الحديث بعد روايتهم له قبيح جدًّا، ولم يتعلق ابن الجوزي في هذا الحديث إلا على فطر بن خليفة، وهو تقصير منه؛ إذ لو نسب إليه لكان حديثًا حسنًا، وكأنه اعتمد على قول السعدي فيه: هو زائغ غير ثقة، وليس هذا بطائل؛ فإن فطر بن خليفة روى له البخاري في صحيحه، ووثقه أحمد بن حنبل ويحيى القطان وابن معين" [نصب الراية (1/ 349)، نخب الأفكار (3/ 560)].

قلت: يعقوب بن يوسف بن زياد أبو إسحاق الضبي الكوفي، شيخ لأبي العباس ابن عقدة، مجهول الحال [فتح الباب (168)]، ولا يُحتمل من مثله التفرد بهذا، وأبو العباس ابن عقدة، الحافظ المكثر: شيعي، اختلف الناس فيه، ضعفه غير واحد، وقواه آخرون [السير (15/ 340)، اللسان (1/ 603)]؛ فهو حديث منكر باطل.

10 -

عن سمرة بن جندب:

يرويه جعفر بن محمد بن شاكر: حدثنا عفان: حدثنا حماد بن سلمة، عن حُميد، عن الحسن، عن سمرة، قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتان: سكتة إذا قرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وسكتة إذا فرغ من القراءة، فانكر ذلك عمران بن حصين، فكتبوا إلى أُبيِّ بن كعب، فكتب أن: صدق سمرة.

وهو حديث شاذ، والمحفوظ فيه: إذا دخل في الصلاة، بدون ذكر البسملة، وقد تقدم تخريجه والكلام عليه تحت الحديث رقم (777).

11 -

عن بريدة بن الحصيب:

أ- روى سلمة بن صالح الأحمر، عن يزيد أبي خالد، عن عبد الكريم أبي أمية، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بآية - أو قال: بسورة - لم تنزل على نبي بعد سليمان غيري"، قال: فمشى وتبعته حتى انتهى إلى باب المسجد، فأخرج رجله من أسكُفَّة المسجد، وبقيت الأخرى في المسجد، فقلت بيني وبين نفسي: أنسي؟ قال: فأقبل عليَّ بوجهه، وقال:"بأي شيء تفتح القراءة، إذا افتتحت الصلاة؟ " قال: قلت: بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، قال:"هي، هي"، ثم خرج.

أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (9/ 2873/ 16306)[وفي سنده سقط]، وابن الأعرابي في المعجم (2/ 619/ 1225)، والطبراني في الأوسط (625)، وأبو أحمد الحاكم في شعار أصحاب الحديث (41)، والدارقطني في السنن (1/ 310)، وفي الأفراد (1/ 291/ 1535 - أطرافه)، وهلال الحفار في جزئه عن الحسين بن يحيى القطان (96)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (2/ 157)[وفي سنده سقط]، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 440/ 565)، والبيهقي (10/ 62)، والخطيب في الكفاية (261).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن ابن بريدة إلا عبد الكريم، ولا عن عبد الكريم إلا يزيد أبو خالد، تفرد به: سلمة بن صالح".

ص: 556

وقال الدارقطني: "تفرد به سلمة بن صالح، عن أبي خالد الدالاني، عن عبد الكريم أبي أمية، عن ابن بريدة".

وقال البيهقي: "إسناده ضعيف".

قلت: تفرد به سلمة بن صالح الأحمر الواسطي: ضعفوه، وتركه بعضهم، وقد روى عن حماد بن أبي سليمان ومحمد بن المنكدر مناكير، فيترك فيهما، ويكتب حديثه في غيرهما [الكامل (3/ 330)، تاريخ بغداد (9/ 130)، اللسان (4/ 118)][راجع ترجمته تحت الحديث رقم (622 و 746)]، وشيخه: يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني: لا بأس به، وشيخه: أبو أمية عبد الكريم بن أبي المخارق: مجمع على ضعفه، وقال النسائي والدارقطني: متروك، وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله:"ضعيف"، وفي رواية أبي طالب:"ليس هو بشيء، شبه المتروك" [التهذيب (2/ 603)، الميزان (2/ 646)، الجرح والتعديل (6/ 60) ".

فهو حديث منكر.

ب- ورواه سعيد بن عثمان الخراز: حدثنا عمرو بن شمر، عن جابر، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه بريدة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، قال عبد الله: وكان عبد الله بن عمر يجهر بها، وعبد الله بن العباس، وابن الحنفية.

أخرجه الدارقطني (1/ 310)، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد: ثنا عبد الله بن أحمد بن المستورد: ثنا سعيد به.

وهذا حديث باطل؛ وتقدم الكلام عن جابر بن يزيد الجعفي، وعمرو بن شمر، وسعيد بن عثمان الخراز، وأبي العباس بن عقدة شيخ الدارقطني، وأما عبد الله بن أحمد بن المستورد أبو محمد الأشجعي، فهو شيخ لابن الأعرابي وأبي العباس الأصم وابن عقدة؛ وذكره ابن حبان في الثقات [معجم ابن الأعرابي (1919)، الثقات (8/ 368)].

12 -

عن الحكم بن عمير:

روى إبراهيم بن حبيب [في مسجد بني حمان سنة خمس وعشرين ومائتين]: ثنا موسى بن أبي حبيب الطائفي، عن الحكم بن عمير -وكان بدريًّا-، قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فجهر في الصلاة بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في صلاة الليل، وفي صلاة الغداة، وصلاة الجمعة.

أخرجه الدارقطني (1/ 310)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (2/ 721/ 1927)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 576/444).

من ثلاث طرق يعتبر بها [وفيهم من يُجهل حاله]، عن إبراهيم بن حبيب به.

قال الدارقطني: "موسى بن أبي حبيب: ضعيف"[تخريج الأحاديث الضعاف للغساني (242)، من تكلم فيه الدارقطني في كتاب السنن لابن زريق (433)].

ص: 557

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 319): "الحكم بن عمرو الثمالى،

، شهد بدرًا، رُويت عنه أحاديث مناكير من حديث أهل الشام، لا تصح" [انظر: الإصابة (2/ 108 و 214)].

وقال أبو نعيم: "تفرد بالرواية عنه [يعني: عن الحكم، موسى بن أبي حبيب].

وقال ابن عبد الهادي: "وهذا من الأحاديث الغريبة المنكرة؛ بل هو حديث باطل لوجوه: أحدها: أن الحكم بن عمير: ليس بدريًّا، ولا في البدريين أحد اسمه الحكم بن عمير؛ بل لا يعرف له صحبة؛ فإن موسى بن أبي حبيب الراوي عنه: لم يلق صحابيًّا، بل هو مجهول، لا يحتج بحديثه، قال ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل [(3/ 125)، وفيه تقديم وتأخير وسقط]: الحكم بن عمير: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث منكرة، لا يذكر سماعًا ولا لقاءًا، روى عنه ابن أخيه موسى بن أبي حبيب، وهو: ضعيف الحديث، سمعت أبي يذكر ذلك، وقال الدارقطني: موسى بن أبي حبيب: شيخ ضعيف الحديث، وقد ذكر الطبراني في معجمه الكبيرِ الحكمَ بن عمير، وقال في نسبته: الثمالي، ثم روى له بضعة عشر حديثًا منكرًا، وكلها من رواية موسى بن أبي حبيب عنه، وروى له ابن عدي في الكامل قريبًا من عشرين حديثًا، ولم يذكر فيها هذا الحديث، والراوي عن موسى هو: إبراهيم بن إسحاق الصيني الكوفي، قال الدارقطني: متروك الحديث، وقال الأزدي: يتكلمون فيه، ويحتمل أن يكون هذا الحديث صنعته، فإن الذين رووا نسخة موسى عن الحكم لم يذكروا هذا الحديث فيها، كبقي بن مخلد وابن عدي والطبراني، وإنما رواه فيما علمنا الدارقطني ثم الخطيب، ووهم الدارقطني فقال: إبراهيم بن حبيب، وإنما هو إبراهيم بن إسحاق، وتبعه الخطيب، وزاد وهمًا ثانيًا فقال: الضبي بالضاد والباء، وإنما هو الصيني بصاد مهملة ونون"[نصب الراية (1/ 349 - 350)، نخب الأفكار (3/ 560)].

وقال الذهبي في الميزان (4/ 202) في ترجمة موسى بن أبي حبيب: "ضعفه أبو حاتم، وخبره ساقط، وله عن الحكم بن عمير -رجل قيل له صحبة-، والذي أرى أنه لم يلقه، وموسى مع ضعفه متأخر عن لقي صحابي كبير،

"، ثم قال: "قال أحمد بن موسى الحمار -كوفي صويلح-: حدثنا إبراهيم بن إسحاق: حدثنا موسى بن أبي حبيب الطائفي، عن الحكم بن عمير -وكان بدريًّا- قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في صلاة الليل، والغداة والجمعة".

قال الذهبي: "هذا حديث منكر، ولا يصح إسناده"[وانظر: آخر المخطوط ق (137/ ب) مما اختصره الذهبي من كتاب الجهر بالبسملة للخطيب البغدادي وأبي شامة].

وقال ابن حجر في الدراية (1/ 134): "أخرجه الدارقطني، وإسناده ضعيف، فيه إبراهيم بن إسحاق الضبي، وهو: متروك، ووقع عند الدارقطني: إبراهيم بن حبيب، وهو تغيير".

قلت: هذا إسناد تالف؛ وحديث باطل، لا يثبت للحكم بن عمير صحبة [الجرح

ص: 558

والتعديل (3/ 125)، المغني (1/ 185)، الميزان (1/ 578)، اللسان (3/ 251)]، وموسى بن أبي حبيب: ذاهب الحديث [اللسان (8/ 193)][انظر ما تحت الحديث السابق برقم (611)، تخريج أحاديث الذكر والدعاء (1/ 156)].

وأما قول ابن الهادي وقد تبعه على ذلك ابن حجر: "ووهم الدارقطني، فقال: إبراهيم بن حبيب، وإنما هو إبراهيم بن إسحاق

"، فلا يُسلَّم؛ فإنه يستبعد وقوع ذلك؛ وقد تتابع ثلاثة من المصنفين على إخراج هذا الحديث من ثلاثة أوجه مختلفة المخارج، وجاء اسمه في كل منها: إبراهيم بن حبيب، فإن قيل: يعكر على ذلك أن الذهبي ذكره في الميزان من نفس طريق الدارقطني، وقال فيه: إبراهيم بن إسحاق، بدل: إبراهيم بن حبيب، فيقال: يُعارضه -وهو الأصح- أن الدارقطني وابن ماكولا قد ترجما لإبراهيم بن حبيب بهذا الحديث، وذكرا فيمن يروي عنه: أحمد بن موسى الحمار، والله أعلم.

ويؤكد أن إبراهيم بن حبيب هذا هو راوي هذا الحديث عن موسى، وليس إبراهيم بن إسحاق الصيني؛ أن ابن ماكولا قد ترجم له في الإكمال (7/ 228) بقوله:"وأما ميِّتة: بعد الميم ياء مشددة معجمة باثنتين من تحتها وبعدها تاء معجمة باثنتين من فوقها، فهو إبراهيم بن حبيب الرواجِني الكوفي، يعرف بابن الميتة، روى عن عبد الله بن مسلم الملائي، وعن موسى بن أبي حبيب عن الحكم بن عمير الثمالي؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، روى عنه موسى بن هارون، وأحمد بن موسى الحمار"، وهو نفس ما قال الدارقطني في المؤتلف (4/ 2121)، وقال:"روى عنه غير واحد من الكوفيين"، قلت: فهو مجهول الحال، والله أعلم [وانظر: المعجم الأوسط للطبراني (8/ 111/ 8127)، الأنساب (3/ 95) و (5/ 429)، التوضيح (8/ 276)، تبصير المنتبه (4/ 1321)].

13 -

عن عائشة:

رواه يحيى بن حمزة [ثقة]، عن الحكم بن عبد الله بن سعد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 203)، والدارقطني (1/ 311)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 569/442)، والخطيب في الجهر بالبسملة (18 - مختصره للذهبي).

قال ابن عدي بعد أن ذكر في ترجمة الحكم جملة من حديثه: "وما أمليت للحكم عن القاسم بن محمد والزهري وغيرهم كلها من الروايات، [و] غير ما ذكرته هاهنا، فكلها مما لا يتابعه الثقات عليه، وضعْفُه بيِّنٌ على حديثه لما [وصححت بعضه من مختصر الكامل للمقريزي (389)].

وقال الذهبي: "هذا ضعيف؛ الحكم واهٍ بمرة".

قلت: هو حديث موضوع؛ الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي: متروك، منكر الحديث، كذبه جماعة، وقال فيه أحمد:"الحكم بن عبد الله الأيلي: أحاديثه موضوعة"[اللسان (3/ 244)، تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1/ 453/ 114)، المجروحين (1/ 248)].

ص: 559

14 -

عن مجالد بن ثور وبشر بن معاوية بن ثور:

يرويه إبراهيم بن أحمد بن مروان الواسطي [قال الدارقطني: ليس بالقوي. سؤالات الحاكم (46)، تاريخ بغداد (6/ 5)، اللسان (1/ 232)]: حدثنا أبو الهيثم البكاء صاعد بن طالب بن نواس بن رياط بن واصل بن كاهل بن مجالد بن ثور بن معاوية بن عبادة بن البكاء: حدثنا أبي طالب، عن أبيه نواس، عن أبيه رياط، عن أبيه واصل، عن أبيه كاهل، عن أبيه مجالد بن ثور، وعن بشر بن معاوية بن ثور -وهو جد صاعد لأمه-، أنهما وفدا على النبي صلى الله عليه وسلم، فعلمهما ياسين، وقراءة {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، والمعوذات الثلاث:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} ، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ، وعلمهم الابتداء بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، والجهر بها في الصلاة، وأنه علمهم {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} ،

وذكر الحديث بطوله في القراءات.

أخرجه ابن المقرئ في المعجم (52)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1/ 393/ 1182) و (5/ 2605/ 6275).

قال ابن الجوزي في التحقيق (1/ 356): "يرويه صاعد بن طالب بن نواس، يرفعه كل واحد عن أبٍ إلى أبٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلهم مجاهيل".

وقال ابن حجر في الإصابة (1/ 306): "وإسناده مجهول من صاعدٍ فصاعدًا".

15 -

عن طلحة بن عبيد الله:

يرويه سليم بن مسلم المكي، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن طلحة بن عبيد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فقد ترك آية من كتاب الله عز وجل، وقد عدَّها عليَّ فيما عدَّ من أم الكتاب".

أخرجه ابن الأعرابي في المعجم (1/ 403/ 775)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (1/ 104)، وابن بشران في الأمالي (151).

وهو حديث باطل؛ سَليم بن مسلم الحساب: متروك، منكر الحديث [اللسان (4/ 189)]، وإنما يُعرف هذا عن نافع بن عمر الجمحي، عن ابن أبي مليكة، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال نافع: أُراها حفصة-، أنها سئلت عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟

، وتقدم ذكره تحت حديث أم سلمة.

وانظر أيضًا: الموضوعات لابن الجوزي (2/ 55 و 123).

• وحاصل ما تقدم: أنه لا يصح للقائلين بالجهر بالبسملة حديث؛ وأصح ما احتجوا به حديث نعيم المجمر عن أبي هريرة، وتقدم الكلام عليه في موضعه.

قال العقيلي: "لا يصح في الجهر بالبسملة حديث مسند"[الفتح لابن رجب (4/ 372)].

وقال الدارقطني: "كل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الجهر فليس بصحيح"[التحقيق (1/ 356)].

ص: 560

• والخلاصة: أنه قد صح في باب عدم الجهر بالبسملة، أو افتتاح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}: حديث أنس، وعائشة، وأبي هريرة، ويستشهد في الباب بحديث عبد الله بن مغفل، ولا حجة للمخالف، والله أعلم.

• قال الترمذي بعد حديث قتادة عن أنس (246): "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين ومن بعدهم: كانوا يستفتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .

قال الشافعي: إنما معنى هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتتحون القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، معناه: أنهم كانوا يبدؤون بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة، وليس معناه: أنهم كانوا لا يقرؤون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وكان الشافعي يرى: أن يبدأ بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، وأن يجهر بها إذا جهر بالقراءة" [وانظر: الأم (2/ 244)، سنن البيهقي (2/ 51)، الخلافيات (2/ 55 - مختصره)، الاعتبار في الناسخ والمنسوخ (1/ 337)، [وقد قال الشافعي أيضًا:" {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} الآية السابعة فإن تركها أو بعضها لم تُجْزِه الركعة التي تركها فيها"].

وقال الترمذي بعد حديث ابن مغفل (244): "والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم، ومن بعدهم من التابعين، وبه يقول: سفيان الثوري، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق: لا يرون أن يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قالوا: ويقولها في نفسه".

وانظر: مسائل أحمد لابنه عبد الله (272 - 274)، ولابنه صالح (415)، ومسائل الكوسج (199)، ومسائل ابن هانئ (247 و 252 و 264)، ومسائل أبي داود (214 - 218)، ومسائل مهنا (1/ 153 - 156)، والانتصار (2/ 239)، وغيرها.

وقال ابن عبد البر في الإنصاف (3): "فذهب مالك رضي الله تعالى عنه وأصحابه إلى أنها لا تقرأ في أول فاتحة الكتاب في شيء من الصلوات، لا سرًّا ولا جهرًا، وليست عندهم آية من أم القرآن، ولا من غيرها من سور القرآن؛ إلا في سورة النمل في قوله تعالى:{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)} [النمل: 30]، وإن الله لم ينزلها في كتابه في غير هذا الموضع من سورة النمل، وروي مثل قول مالك في ذلك كله عن الأوزاعي، وبذلك قال أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري، وأجاز مالك وأصحابه قراءة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في صلاة النافلة في أول فاتحة الكتاب، وفي سائر سور القرآن للمتهجدين، ولمن يعرض القرآن عرضًا على المقرئين، وأم القرآن عندهم سبع آيات يعاون {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} آية، وهو عدُّ أهل المدينة من القراء وأهل الشام وأهل البصرة.

وقال أهل العراق والمشرق، وسفيان الثوري، وابن أبي ليلى، والحسن بن حي، وأبو حنيفة وأصحابه، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو عبيد القاسم بن سلام: يقرأ الإمام في أول فاتحة الكتاب: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ويخفيها عمن خلفه، وروي

ص: 561

ذلك عن عمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم، على اختلاف في ذلك عن عمر وعلي، ولم يختلف عن ابن مسعود في أنه كان يخفيها، وهو قول إبراهيم النخعي، والحكم بن عتيبة، وحماد بن أبي سليمان، وغيرهم، وهي آية من أول فاتحة الكتاب عند جماعة قراء الكوفيين، وجمهور فقهائهم، إلا أن السُّنَّة عندهم فيها إخفاؤها في صلاة الجهر تسليمًا، واتباعًا للآثار المرفوعة في ذلك.

وقال الكرخي وغيره من أصحاب أبي حنيفة: إنه لا يحفظ عنه هل هي آية من فاتحة الكتاب أم لا؟ قالوا: ومذهبه يقتضي أنها ليست آية من فاتحة الكتاب؛ لأنه يسر بها في صلاة الجهر وذهب الشافعي، وأصحابه إلى قراءة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول فاتحة الكتاب، جهرًا في صلاة الجهر، وسرًّا في صلاة السر، وقال: هي آية من فاتحة الكتاب، أول آياتها، ولا تتم سبع آيات إلا بها، ولا تجزئ صلاة لمن لم يقرأها؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم،

، ومن لم يقرأها كلها فلم يقرأها، وقول أبي ثور في ذلك كله كقول الشافعي، وروي الجهر بها عن عمر وعلي رضي الله عنهما على اختلاف عنهما-، وروي ذلك عن عمار، وأبي هريرة، وابن عباس، وابن الزبير، ولم يختلف في الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} عن ابن عمر، وهو الصحيح عن ابن عباس أيضًا، وعليه جماعة أصحابه: سعيد بن جبير، وعطاء، ومجاهد، وطاوس، وهو مذهب ابن شهاب الزهري، وعمرو بن دينار، وابن جريج، ومسلم بن خالد، وسائر أهل مكة.

واختلف قول الشافعي وكذلك اختلف أصحابه في {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في غير فاتحة الكتاب: هل هي من أوائل السور آية مضافة إلى كل سورة أم لا؟ وتحصيل مذهبه أنها آية من أول كل سورة، على قول ابن عباس: ما كنا نعلم انقضاء السورة إلا بنزول {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول غيرها، وهو قول ابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، وعطاء، وطاوس، ومكحول، وإليه ذهب ابن المبارك، وطائفة،

" [وانظر أيضًا في بيان مذاهب أهل العلم في هذه المسألة: نصب الراية (1/ 327)].

وقال ابن العربي في العارضة (2/ 41): "ثبت بالنقل المتواتر من أهل المدينة إلى زمان مالك أن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عري عن الجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، فلا يلتفت بعد التواتر إلى أخبار آحاد شذت عن علماء الصحيح المتقدمين، فجاء هؤلاء وهم المتأخرون"؛ يعني: فأثبتوها وعملوا بها، وقال نحوه في أحكام القرآن (1/ 7)[ونقله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (1/ 132)].

وقال ابن الجوزي في التحقيق (1/ 356): "وهذه الأحاديث في الجملة لا يحسن بمن له علمٌ بالنَّقل أن يعارض بها الأحاديث الصحاح، ولولا أن يعرِض للمتفقه شبهةٌ عند سماعها فيظنها صحيحة لكان الإضراب عن ذكرها أولى، ويكفي في هجرانها إعراض المصنفين للمسانيد والسنن عن جمهورها، وقد ذكر الدارقطني منها طرفًا في سننه فبيَّن

ص: 562

ضعف بعضها وسكت عن بعضها، وقد حكى لنا مشايخنا أن الدارقطني لما ورد مصر سأله بعض أهلها تصنيف شيء في الجهر، فصنف فيه جزءًا، فأتاه بعض المالكية فأقسم عليه أن يخبره بالصحيح من ذلك، فقال: كل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الجهر فليس بصحيح، فأما عن الصحابة فمنه صحيح، ومنه ضعيف، ثم تجرَّد أبو بكر الخطيب لجمع أحاديث الجهر، فأزرى على علمه بتغطية ما ظن أنه لا ينكشف، وقد حصرنا ما ذكره وبينا وهنه ووهيه على قدر ما يحتمله التعليق، ولم نر أحدًا ممن صنف تعاليق الخلاف ذكر في تعاليقه ما ذكرنا، ولعل أكثرهم لا يهتدي إلى ما فعلنا، وإنما بسطنا الكلام بعض البسط لأن هذه المسألة من أعلام المسائل، وهي شعار المذهب من الجانبين، ومبناها على النقل، ثم إنا بعد هذا نحمل جميع أحاديثهم على أحد أمرين: إما أن يكون جهر بها للتعليم، أو كما يتفق، كما روي أنه كان يصلي بهم الظهر فيسمعهم الآية والآيتين بعد الفاتحة أحيانًا، والثاني: أن يكون ذلك قبل الأمر بترك الجهر"، ثم ذكر مرسل سعيد بن جبير الذي أخرجه أبو داود في المراسيل، وتقدم.

وقال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام (1/ 270) في شرح حديث أنس: "والمتيقَّن من هذا الحديث عدم الجهر، وأما الترك أصلًا فمحتمل، مع ظهور ذلك في بعض الألفاظ، وهو قوله: لا يذكرون، وقد جمع جماعة من الحفاظ باب الجهر، وهو أحد الأبواب التي يجمعها أهل الحديث، وكثير منها أو الأكثر معتل، وبعضها جيد الإسناد؛ إلا أنه غير مصرَّح فيه بالقراءة في الفرض أو في الصلاة، وبعضها فيه ما يدل على القراءة في الصلاة؛ إلا أنه ليس بصريح الدلالة على خصوص التسمية، ومن صحيحها: حديث نعيم بن عبد الله المجمر،

[ثم ذكره، ثم قال:] وقريب من هذا في الدلالة والصحة: صلاة المعتمر بن سليمان وكان يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قبل فاتحة الكتاب وبعدها،

[ثم ذكره، ثم قال:] وإذا ثبت شيء من ذلك فطريق أصحاب الجهر أنهم يقدمون الإثبات على النفي، ويحملون حديث أنس على عدم السماع، وفي ذلك بُعدٌ مع طول مدة صحبته".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "لكن لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجهر بها، وليس في الصحاح ولا السنن حديث صحيح صريح بالجهر، والأحاديث الصريحة بالجهر كلها ضعيفة؛ بل موضوعة، ولهذا لما صنف الدارقطني مصنفًا في ذلك، قيل له: هل في ذلك شيء صحيح؟ فقال: أما عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا، وأما عن الصحابة فمنه صحيح ومنه ضعيف.

ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بها دائمًا لكان الصحابة ينقلون ذلك، ولكان الخلفاء يعلمون ذلك، ولما كان الناس يحتاجون أن يسألوا أنس بن مالك بعد انقضاء عصر الخلفاء، ولما كان الخلفاء الراشدون ثم خلفاء بني أمية وبني العباس كلهم متفقين على ترك الجهر، ولما كان أهل المدينة -وهم أعلم أهل المدائن بسُنَّته- ينكرون قراءتها بالكلية سرًّا وجهرًا،

ص: 563

والأحاديث الصحيحة تدل على أنها آية من كتاب الله، وليست من الفاتحة ولا غيرها.

وقد تنازع العلماء هل هي آية، أو بعض آية من كل سورة، أو ليست من القرآن إلا في سورة النمل، أو هي آية من كتاب الله حيث كتبت في المصاحف وليست من السور، على ثلاثة أقوال.

والقول الثالث هو أوسط الأقوال، وبه تجتمع الأدلة؛ فإن كتابة الصحابة لها في المصاحف دليل على أنها من كتاب الله، وكونهم فصلوها عن السورة التي بعدها دليل على أنها ليست منها.

وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نزلت عليَّ آنفًا سورة" فقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} إلى آخرها.

وثبت في الصحيح: أنه أول ما جاء الملك بالوحي قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} [العلق: 1 - 5] فهذا أول ما نزل، ولم ينزل قبل ذلك:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .

وثبت عنه في السنن أنه قال: "سورة من القرآن ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غفر له، وهي:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} ، وهي ثلاثون آية بدون البسملة.

وثبت عنه في الصحيح أنه قال: "يقول الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، نصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} "

وذكر الحديث بتمامه، ثم قال:

"فهذا الحديث صحيح صريح في أنها ليست من الفاتحة، ولم يعارضه حديث صحيح صريح، وأجود ما يروى في هذا الباب من الحديث إنما يدل على أنه يقرأ بها في أول الفاتحة لا يدل على أنها منها، ولهذا كان القراء منهم من يقرأ بها في أول السورة، ومنهم من لا يقرأ بها، فدل على أن كلا الأمرين سائغ، لكن من قرأ بها كان قد أتى بالأفضل، وكذلك من كرر قراءتها في أول كل سورة كان أحسن ممن ترك قراءتها؛ لأنه قرأ ما كتبته الصحابة في المصاحف، فلو قُدِّر أنهم كتبوها على وجه التبرك لكان ينبغي أن تقرأ على وجه التبرك، وإلا فكيف يكتبون في المصحف ما لا يشرع قراءته؟ وهم قد جرَّدوا المصحف عما ليس من القرآن، حتى أنهم لم يكتبوا التأمين، ولا أسماء السور، ولا التخميس والتعشير، ولا غير ذلك، مع أن السُّنَّة للمصلي أن يقول عقب الفاتحة: آمين، فكيف يكتبون ما لا يشرع أن يقوله؟ وهم لم يكتبوا ما يشرع أن يقوله المصلي من غير القرآن، فإذا جمع بين الأدلة الشرعية دلت على أنها من كتاب الله وليست من السورة.

والحديث الصحيح عن أنس ليس فيه نفى قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان: فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، أو: فلم يكونوا يجهرون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ورواية من روى: فلم يكونوا يذكرون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول قراءة ولا آخرها، إنما تدل على نفي الجهر؛ لأن أنسًا لم ينف إلا ما علم، وهو لا

ص: 564

يعلم ما كان يقوله النبي صلى الله عليه وسلم سرًّا، ولا يمكن أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يسكت، بل يصل التكبير بالقراءة، فإنه قد ثبت في الصحيحين: أن أبا هريرة قال له: أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة، ماذا تقول؟

ومن تأول حديث أنس على نفي قراءتها سرًّا، فهو مقابل لقول من قال: مراد أنس أنهم كانوا يفتتحون بفاتحة الكتاب قبل غيرها من السور، وهذا أيضًا ضعيف، فإن هذا من العلم العام الذي ما زال الناس يفعلونه، وقد كان الحجاج بن يوسف وغيره من الأمراء الذين صلى خلفهم أنس يقرؤون الفاتحة قبل السورة، ولم ينازع في ذلك أحد، ولا سئل عن ذلك أحد، لا أنس ولا غيره، ولا يحتاج أن يروي أنس هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ومن روى عن أنس أنه شك: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ البسملة أو لا يقرؤها، فروايته توافق الروايات الصحيحة؛ لأن أنسًا لم يكن يعلم هل قرأها سرًّا أم لا، وإنما نفى الجهر" [المجموع (22/ 276)].

وقد سئل أيضًا عن حديث نعيم المجمر عن أبي هريرة، وحديث المعتمر بن سليمان؛ فأجاب: "الحمد لله رب العالمين، أما حديث أنس في نفي الجهر، فهو صريح لا يحتمل هذا التأويل، فإنه قد رواه مسلم في صحيحه فقال فيه: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، لا يذكرون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول قراءة ولا في آخرها، وهذا النفي لا يجوز إلا مع العلم بذلك، لا يجوز بمجرد كونه لم يسمع مع إمكان الجهر بلا سماع، واللفظ الآخر الذي في صحيح مسلم: صليت خلف النبي وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدًا منهم يجهر -أو قال: يصلي- بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، فهذا نفي فيه السماع، ولو لم يرو إلا هذا اللفظ لم يجز تأويله بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ جهرًا ولا يسمع أنس لوجوه:

أحدها: أن أنسًا إنما روى هذا ليبين لهم ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، إذ لا غرض للناس في معرفة كون أنس سمع أو لم يسمع إلا ليستدلوا بعدم سماعه على عدم المسموع، فلو لم يكن ما ذكره دليلًا على نفي ذلك لم يكن أنس ليروي شيئًا لا فائدة لهم فيه، ولا كانوا يروون مثل هذا الذي لا يفيدهم.

الثاني: أن مثل هذا اللفظ صار دالًا في العرف على عدم ما لم يدرك، فإذا قال: ما سمعنا، أو ما رأينا، لما شأنه أن يسمعه ويراه، كان مقصوده بذلك نفي وجوده، وذكر نفي الإدراك دليل على ذلك، ومعلوم أنه دليل فيما جرت العادة بإدراكه.

وهذا يظهر بالوجه الثالث: وهو أن أنسًا كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم من حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة إلى أن مات، وكان يدخل على نسائه قبل الحجاب، ويصحبه حضرًا وسفرًا، وكان حين حج النبي صلى الله عليه وسلم تحت ناقته يسيل عليه لعابها، أفيمكن مع هذا القرب الخاص والصحبة الطويلة أن لا يسمع النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بها مع كونه يجهر بها، هذا مما يعلم بالضرورة بطلانه في العادة، ثم إنه صحب أبا بكر وعمر وعثمان، وتولى لأبي بكر وعمر ولايات، ولا كان

ص: 565

يمكن مع طول مدتهم أنهم كانوا يجهرون وهو لا يسمع ذلك، فتبين أن هذا تحريف لا تأويل، لو لم يرو إلا هذا اللفظ، فكيف والآخر صريح في نفي الذكر بها، وهو يفضل هذه الرواية الأخرى، وكلا الروايتين ينفي تأويل من تاول قوله: يفتتحون الصلاة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أنه أراد السورة، فإن قوله: يفتتحون بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، لا يذكرون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول قراءة ولا في آخرها: صريح أنه في قصد الافتتاح بالآية، لا بسورة الفاتحة التي أولها {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، إذ لو كان مقصوده ذلك لتناقض حديثاه.

وأيضًا فإن افتتاح الصلاة بالفاتحة قبل السورة هو من العلم الظاهر العام الذي يعرفه الخاص والعام، كما يعلمون أن الركوع قبل السجود، وجميع الأئمة غير النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان يفعلون هذا، ليس في نقل مثل هذا فائدة، ولا هذا مما يحتاج فيه إلى نقل أنس، ولا هم قد سألوه عن ذلك، وليس هذا مما يسأل عنه، وجميع الأئمة من أمراء الأمصار والجيوش وخلفاء بني أمية وبني الزبير وغيرهم ممن أدركه أنس كانوا يفتتحون بالفاتحة، ولم يشتبه هذا على أحد، ولا شك، فكيف يظن أن أنسًا قصد تعريفهم بهذا، وأنهم سألوه عنه، وإنما مثل ذلك مثل أن يقال: فكانوا يصلون الظهر أربعًا، والعصر أربعًا، والمغرب ثلاثًا، أو يقول: فكانوا يجهرون في العشاءين والفجر، ويخافتون في صلاتي الظهرين، أو يقول: فكانوا يجهرون في الأوليين دون الأخيرتين،

"، إلى أن قال:

"وأيضًا فمن المعلوم أن الجهر بها مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بها كالجهر بسائر الفاتحة لم يكن في العادة ولا في الشرع ترك نقل ذلك، بل لو انفرد بنقل مثل هذا الواحد والاثنان لقُطِع بكذبهما؛ إذ التواطؤ فيما تمنع العادة والشرع كتمانه، كالتواطؤ على الكذب فيه، ويمثَّل هذا بكذب دعوى الرافضة في النص على علي في الخلافة وأمثال ذلك.

وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أنه ليس في الجهر بها حديث صريح،

"، إلى أن قال: "فإذا كان أهل المعرفة بالحديث متفقين على أنه ليس في الجهر حديث صحيح ولا صريح؛ فضلًا أن يكون فيها أخبار مستفيضة أو متواترة امتنع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بها، كما يمتنع أن يكون كان يجهر بالاستفتاح والتعوذ ثم لا ينقل.

فإن قيل: هذا معارَض بترك الجهر بها، فإنه مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، ثم هو مع ذلك ليس منقولًا بالتواتر، بل قد تنازع فيه العلماء، كما أن ترك الجهر بتقدير ثبوته كان يداوِم عليه، ثم لم ينقَل نقلًا قاطعًا، بل وقع فيه النزاع".

فأجاب عن ذلك بكلام طويل خلاصته: أن الذي تتوافر الهمم والدواعي على نقله في العادة ويجب نقله شرعًا هو الأمور الوجودية بخلاف الأمور العدمية، والتي لا تنقل إلا إذا احتيج إلى نقلها، أو ظُنَّ وجودها.

ص: 566

ثم جمع بين حديث نعيم المجمر عن أبي هريرة، وبين حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة:"قسمت الصلاة"، بأن الأخير ينفي وجوب قراءتها عند أبي هريرة، ويكون أبو هريرة قرأ بها استحبابًا لا وجوبًا، وأنه إنما قرأ بها ليعرِّفهم استحباب قراءتها، وأن قراءتها مشروعة، كما جهر عمر بالاستفتاح، وكما جهر ابن عباس بقراءة فاتحة الكتاب على الجنازة، ونحو ذلك، فلا يكون هذا مخالفًا لحديث أنس الذي في الصحيح، إلى أن قال: "هذا إن كان الحديث دالًا على أنه جهر بها؛ فإن لفظه ليس صريحًا بذلك من وجهين:

أحدهما: أنه قال قرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، ثم قرأ أم القرآن، ولفظ القراءة محتمل أن يكون قرأها سرًّا، ويكون نعيم علم ذلك بقربه منه، فإن قراءة السر إذا قويت يسمعها من يلي القارئ، ويمكن أن أبا هريرة أخبره بقراءتها، وقد أخبر أبو قتادة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخيرتين بفاتحة الكتاب، وهي قراءة سر، كيف وقد بيَّن في الحديث أنها ليست من الفاتحة، فأراد بذلك وجوب قراءتها! فضلًا عن كون الجهر بها سُنَّة!؟ فإن النزاع في الثاني أضعف.

الثاني: أنه لم يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأها قبل أم الكتاب، وإنما قال في آخر الصلاة: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث أنه أمَّن، وكبر في الخفض والرفع، وهذا ونحوه مما كان يتركه الأئمة، فيكون أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الوجوه التي فيها ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركوه هم، ولا يلزم إذا كان أشبههم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكون صلاته مثل صلاته من كل وجه، ولعل قراءتها مع الجهر أمثل من ترك قراءتها بالكلية عند أبي هريرة، وكان أولئك لا يقرؤونها أصلًا، فيكون قراءتها مع الجهر أشبه عنده بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان غيره ينازع في ذلك".

ثم قال: "وأما حديث المعتمر بن سليمان عن أبيه، فيُعلم أولًا: أن تصحيح الحاكم وحده وتوثيقه وحده لا يوثَق به فيما دون هذا، فكيف في مثل هذا الموضع الذي يعارَض فيه بتوثيق الحاكم، وقد اتفق أهل العلم في الصحيح على خلافه، ومن له أدنى خبرة في الحديث وأهله لا يعارض بتوثيق الحاكم، وقد ثبت في الصحيح خلافه، فإن أهل العلم متفقون على أن الحاكم فيه من التساهل والتسامح في باب التصحيح، حتى أن تصحيحه دون تصحيح الترمذي والدارقطني وأمثالهما بلا نزاع، فكيف بتصحيح البخاري ومسلم، بل تصحيحه دون تصحيح أبي بكر بن خزيمة وأبي حاتم ابن حبان البستي وأمثالهما، بل تصحيح الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في مختاره خير من تصحيح الحاكم، فكتابه في هذا الباب خير من كتاب الحاكم بلا ريب عند من يعرف الحديث، وتحسين الترمذي أحيانًا يكون مثل تصحيحه أو أرجح، وكثيرًا ما يصحح الحاكم أحاديث يُجزم بأنها موضوعة لا أصل لها، فهذا هذا.

والمعروف عن سليمان التيمي وابنه معتمر أنهما كانا يجهران بالبسملة، لكن نقله عن أنس هو المنكر، كيف وأصحاب أنس الثقات الأثبات يروون عنه خلاف ذلك، حتى أن

ص: 567

شعبة سأل قتادة عن هذا، قال: أنت سمعت أنسًا يذكر ذلك؟ قال: نعم، وأخبره باللفظ الصريح المنافي للجهر، ونقل شعبة عن قتادة ما سمعه من أنس في غاية الصحة، وأرفع درجات الصحيح عند أهله، إذ قتادة أحفظ أهل زمانه أو من أحفظهم، وكذلك إتقان شعبة وضبطه هو الغاية عندهم، وهذا مما يرَدُّ به قول من زعم: أن بعض الناس روى حديث أنس بالمعنى الذي فهمه، وأنه لم يكن في لفظه إلا قوله: يستفتحون الصلاة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، ففهم بعض الرواة من ذلك نفي قراءتها فرواه من عنده، فإن هذا القول لا يقوله إلا من هو أبعد الناس علمًا برواة الحديث وألفاظ روايتهم الصريحة التي لا تقبل التأويل، وبأنهم من العدالة والضبط في الغاية التي لا تحتمل المجازفة، أو أنه مكابر صاحب هوى يتبع هواه، ويدع موجب العلم والدليل.

ثم يقال: هب أن المعتمر أخذ صلاته عن أبيه، وأبوه عن أنس، وأنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا مجمل ومحتمل، إذ ليس يمكن أن يثبت كل حكم جزئي من أحكام الصلاة بمثل هذا الإسناد المجمل؛ لأنه من المعلوم أن مع طول الزمان وتعدد الإسناد لا تضبط الجزئيات في أفعال كثيرة متفرقة حق الضبط إلا بنقل مفصل لا مجمل، وإلا فمن المعلوم أن مثل منصور بن المعتمر وحماد بن أبي سليمان والأعمش وغيرهم أخذوا صلاتهم عن إبراهيم النخعي وذويه، وإبراهيم أخذها عن علقمة والأسود ونحوهما، وهم أخذوها عن ابن مسعود، وابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الإسناد أجلُّ رجالًا من ذلك الإسناد، وهؤلاء أخذ الصلاة عنهم أبو حنيفة والثوري وابن أبي ليلى وأمثالهم من فقهاء الكوفة، فهل يجوز أن يجعل نفس صلاة هؤلاء هي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الإسناد حتى في موارد النزاع، فإن جاز هذا كان هؤلاء لا يجهرون، ولا يرفعون أيديهم إلا في تكبيرة الافتتاح، ويسفرون بالفجر، وأنواع ذلك مما عليه الكوفيون.

لكن مثل هذه الأسانيد المجملة لا يثبت بها أحكام مفصلة تنازع الناس فيها، ولئن جاز ذلك ليكونن مالك أرجح من هؤلاء؛ فإنه لا يستريب عاقل أن الصحابة والتابعين وتابعيهم الذين كانوا بالمدينة أجلُّ قدرًا وأعلم بالسُّنَّة وأتبع لها ممن كان بالكوفة ومكة والبصرة، وقد احتج أصحاب مالك على ترك الجهر بالعمل المستمر بالمدينة، فقالوا: هذا المحراب الذي كان يصلي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم الأئمة وهلم جرا، ونقلهم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نقل متواتر، كلهم شهدوا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صلاة خلفائه، وكانوا أشدَّ محافظةً على السُّنَّة، وأشد إنكارًا على من خالفها من غيرهم، فيمتنع أن يغيروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا العمل يقترن به عمل الخلفاء كلهم من بني أمية وبني العباس، فإنهم كلهم لم يكونوا يجهرون، وليس لجميع هؤلاء غرض بالأطباق على تغيير السُّنَّة في مثل هذا، ولا يمكن أن الأئمة كلهم أقرتهم على خلاف السُّنَّة، بل نحن نعلم ضرورةً أن خلفاء المسلمين وملوكهم لا يبدلون سُنَّة لا تتعلق بأمر ملكهم، وما يتعلق بذلك من الأهواء، وليست هذه المسألة مما للملوك فيها غرض.

ص: 568

وهذه الحجة إذا احتج بها المحتج لم تكن دون تلك، بل نحن نعلم أنها أقوى منها، فإنه لا يشك مسلم أن الجزم بكون صلاة التابعين بالمدينة أشبه بصلاة الصحابة بها، والصحابة بها أشبه صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقرب من الجزم بكون صلاة شخص أو شخصين أشبه بصلاة آخر حتى ينتهي ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا لم يذهب ذاهب قط إلى أن عمل غير أهل المدينة أو إجماعهم حجة، وإنما تنوزع في عمل أهل المدينة وإجماعهم، هل هو حجة أم لا؟ نزاعًا لا يقصر عن عمل غيرهم وإجماع غيرهم إن لم يزد عليه.

فتبين دفع ذلك العمل عن سليمان التيمي وابن جريج وأمثالهما بعمل أهل المدينة، لو لم يكن المنقول نقلًا صحيحًا صريحًا عن أنس يخالف ذلك، فكيف والأمر في رواية أنس أظهر وأشهر وأصح وأثبت من أن يعارض بهذا الحديث المجمل الذي لم يثبت، وإنما صححه مثل الحاكم وأمثاله".

ثم ذكر حديث معاوية، وأطال أيضًا في رده سندًا ومتنًا من ستة أوجه تقدم ذكرها في موضعه، إلى أن قال: "فهذه الوجوه وأمثالها إذا تدبرها العالم قطع بأن حديث معاوية إما باطل لا حقيقة له، وإما مغيَّر عن وجهه، وإن الذي حدث به بلغه من وجه ليس بصحيح، فحصلت الآفة من انقطاع إسناده.

وقيل: هذا الحديث لو كان تقوم به الحجة لكان شاذًا؛ لأنه خلاف ما رواه الناس الثقات الأثبات عن أنس، وعن أهل المدينة وأهل الشام، ومن شرط الحديث الثابت أن لا يكون شاذًا ولا معللًا، وهذا شاذ معلل؛ إن لم يكن من سوء حفظ بعض رواته".

ثم ختم بحثه الماتع في هذه المسألة بقوله: "ومع هذا فالصواب: أن ما لا يجهر به قد يشرع الجهر به لمصلحة راجحة، فيشرع للإمام أحيانًا لمثل تعليم المأمومين، ويسوغ للمصلين أن يجهروا بالكلمات اليسيرة أحيانًا، ويسوغ أيضًا أن يترك الإنسان الأفضل لتأليف القلوب واجتماع الكلمة خوفًا من التنفير عما يصلح، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم لكون قريش كانوا حديثي عهد بالجاهلية، وخشي تنفيرهم بذلك، ورأى أن مصلحة الاجتماع والائتلاف مقدَّمة على مصلحة البناء على قواعد إبراهيم، وقال ابن مسعود لما أكمل الصلاة خلف عثمان، وأنكر عليه، فقيل له في ذلك، فقال: الخلاف شر، ولهذا نص الأئمة كأحمد وغيره على ذلك بالبسملة، وفي وصل الوتر، وغير ذلك مما فيه العدول عن الأفضل إلى الجائز المفضول، مراعاة ائتلاف المأمومين، أو لتعريفهم السُّنَّة، وأمثال ذلك، والله أعلم"[مجموع الفتاوى (22/ 410 - 437)].

وقال ابن رجب في الفتح (4/ 366): "فمن اتقى وأنصف علم أن حديث أنس الصحيح الثابت لا يدفع بمثل هذه المناكير والغرائب والشواذ التي لم يرض بتخريجها أصحاب الصحاح، ولا أهل السنن مع تساهل بعضهم فيما يخرجه، ولا أهل المسانيد المشهورة مع تساهلهم فيما يخرجونه.

ص: 569

وإنما جمعت هذه الطرق الكثيرة الغريبة والمنكرة لما اعتنى بهذه المسألة من اعتنى بهما، ودخل في ذلك نوع من الهوى والتعصب، فإن أئمة الإسلام المجتمع عليهم إنما قصدوا اتباع ما ظهر لهم من الحق وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن لهم قصد في غير ذلك رضي الله عنهم، ثم حدث بعدهم من كان قصده أن تكون كلمة فلان وفلان هي العليا، ولم يكن ذلك قصد أولئك المتقدمين، فجمعوا وكثروا الطرق والروايات الضعيفة والشاذة والمنكرة والغريبة، وعامتها موقوفات رفعها من ليس بحافظ، أو من هو ضعيف لا يحتج به، أو مرسلات وصلها من لا يحتج به، مثلما وصل بعضهم مرسل الزهري في هذا، فجعله عنه، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، ووصلُه باطلٌ قطعًا.

والعجب ممن يعلِّل الأحاديث الصحيحة المخرجة في الصحيح بعلل لا تساوي شيئًا، إنما هي تعنت محض، ثم يحتج بمثل هذه الغرائب الشاذة المنكرة، ويزعم أنها صحيحة لا علة لها.

وقد اعتنى بهذه المسألة وأفردها بالتصنيف كثير من المحدثين، منهم: محمد بن نصر وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني وأبو بكر الخطيب والبيهقي وابن عبد البر وغيرهم من المتأخرين.

ولولا خشية الإطالة لذكرنا كل حديث احتجوا به، وبيان أنه لا حجة فيه على الجهر؛ فإنها دائرة بين أمرين: إما حديث صحيح غير صريح، أو حديث صريح غير صحيح".

وانظر كلام ابن عبد الهادي في هذا المعنى باستفاضة في نصب الراية (1/ 355)[ونقله عنه: العيني في نخب الأفكار في شرح معاني الآثار (3/ 565)]، وكأن ابن رجب اختصر منه المراد، والله أعلم.

وقال العيني في نخب الأفكار (3/ 588)، وفي عمدة القاري (5/ 284): "والحديث يدل على أن ترك الجهر عندهم كان ميراثًا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم يتوارثونه خلَفُهم عن سلَفِهم، وهذا وجهٌ كافٍ في المسألة، ولو كان صلى الله عليه وسلم يجهر بها دائمًا لما وقع فيه اختلاف ولا اشتباه، ولكان معلومًا بالاضطرار، ولما قال أنس: لم يجهر بها صلى الله عليه وسلم، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا قال عبد الله بن مغفل ذلك أيضًا، وسماه حدثًا، ولما استمر أهل المدينة في محراب النبي صلى الله عليه وسلم على ترك الجهر،

، ولا يظن عاقل أن أكابر الصحابة والتابعين وأكثر أهل العلم، كانوا يواظبون على خلاف ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله".

• والعجب بعدما رأيتَ من هذا السرد، وما فيه من بيان الحجج الباهرة، والبراهين الساطعة، على عدم ثبوت حديث واحد صريح في الجهر بالبسملة في الصلاة، في مقابل حديث أنس المتفق على صحته، وهو نص في المسألة، وقد ثبت فيه لفظ عدم الجهر بالبسملة، العجب بعد ذلك أن تقرأ لأبي شامة المقدسي قوله في كتابه المصنف في الجهر بالبسملة: "اعلم أن الأحاديث الواردة في الجهر كثيرة متعددة عن جماعةٍ من الصحابة

ص: 570

يرتقي عددهم إلى أحد وعشرين صحابيًّا، رووا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم من صرح بذلك، ومنهم من فُهِم من عبارته، ولم يَرِدْ تصريحُ الإسرار بها عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ إلا روايتان: إحداهما: عن ابن مغفل، وهي ضعيفة، والثانية: عن أنس، وهي معللة بما أوجب سقوط الاحتجاج بها.

ومنهم من استدل بحديث: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين"، ولا دليل فيه للإسرار.

وأما أحاديث الجهر فالحجة قائمة بما شهد له بالصحة منها؛ وهو ما روي عن ستة من الصحابة: أبي هريرة، وأم سلمة، وابن عباس، وأنس، وعلي بن أبي طالب، وسمرة بن جندب رضي الله عنهم " [البدر المنير (3/ 569)].

وممن صنف في هذه المسألة تصنيفًا مستقلًا مفردًا: محمد بن نصر المروزي، وابن خزيمة، وابن حبان، والدارقطني، والبيهقي، وابن عبد البر، والخطيب، وأبو شامة، وابن عبد الهادي، وغيرهم، وقد تباينت أقوال الأئمة في هذه المسألة تباينًا شديدًا.

قال ابن خزيمة في الصحيح بعد الحديث رقم (494): "قد خرجت طرق هذا الخبر وألفاظها في كتاب الصلاة كتاب الكبير، وفي معاني القرآن، وأمليت مسالةً قدر جزئين في الاحتجاج في هذه المسألة أن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آية من كتاب الله في أوائل سور القرآن".

وقد ذهب ابن خزيمة إلى الجمع بين الأخبار، ولم يرُدَّ حديث أنس، بل قال بظاهره، حيث قال:"باب ذكر الدليل على أن أنسًا إنما أراد بقوله: لم أسمع أحدًا منهم يقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}؛ أي: لم أسمع أحدًا منهم يقرأ جهرًا {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وأنهم كانوا يسِرُّون {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في الصلاة، لا كما توهم من لم يشتغل بطلب العلم من مظانه، وطلب الرئاسة قبل تعلم العلم".

ومنهم من ذهب إلى تخيير الإمام بين الجهر والإخفات، مثل: ابن خزيمة وابن المنذر [الأوسط (3/ 129)].

ومنهم من ذهب إلى أن الاختلاف في هذا كالاختلاف في وجوه القراءات المتواترة، وأن كلَّه حقٌّ، وأنه من الاختلاف في الأحرف السبعة، مثل: ابن حزم، حيث قال في المحلى (3/ 253) بعد أن ذكر بعض ألفاظ حديث أنس:"فهذا يوجب أنهم كانوا يقرؤونها ويُسِرُّون بها، وهذا أيضًا الإيجاب فيه لقراءتها، وكذلك سائر الأخبار"، ثم قال:"والحقُّ من هذا أن النص قد صح بوجوب قراءة أم القرآن فرضًا، ولا يختلف اثنان من أهل الإسلام في أن هذه القراءات حقٌّ كلُّها، مقطوعٌ به، مُبَلَّغة كلُّها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جبريل عليه السلام، عن الله عز وجل، بنقل المَلَوَان، فقد وجب إذ كلُّها حقٌّ أن يفعل الإنسان في قراءته أيَّ ذلك شاء، وصارت {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في قراءةٍ صحيحةٍ آيةً من أم القرآن، وفي قراءة صحيحة ليست آية من أم القرآن، مثل لفظة: {هُوَ} في قوله تعالى في سورة الحديد: {هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)} [الحديد: 24] ".

ص: 571

ومنهم من ذهب إلى أن الأمر في مثل هذا واسع، وأن القول بالحصر فيه ممتنع، اعتمادًا على تجويز خفاء ذلك، إما لعدم سماع البعيد، أو ضعف سمعه ولو كان قريبًا، أو لكون النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها بين الجهر والإخفات، أو لكونه كان يبتدئ القراءة بصوت خفيض ثم يرفعه ويشتد صوته بعد ذلك، أو نحو ذلك من التأويلات، وبني على ذلك أن كل من ذهب فيه إلى رواية فهو مصيب، متمسك بالسُّنَّة، وبنحو ذلك قال الحازمي وغيره [الاعتبار (1/ 340)، المعتمد (2/ 79 و 167)].

ومنهم من وهَّم أنسًا في نقله عدم الجهر بالبسملة، لكونه كان صغيرًا يصلي وراء الصفوف، فلم يكن يسمع جهره بها، فردَّ ذلك جماعة، منهم: ابن القيم، فقال في كتاب الصلاة وحكم تاركها (196):"وقدِم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ ولأنسٍ عشرُ سنين، فخدمه واختص به، وكان يُعدُّ من أهل بيته، وكان غلامًا كيِّسًا فطِنًا، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رجل كامل له عشرون سنة، ومع هذا كله فيغلط على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته وقدر صلاته وكيفية إحرامه، ويستمر غلطه على خلفائه الراشدين من بعده، ويستمر على صلاته في مؤخَّر المسجد حيث لا يسمع قراءة أحد منهم".

وقال ابن عبد الهادي في كتابه في الجهر: "وأما جمعهم بين الأحاديث بأنه [يعني: أنسًا، لم يسمعه لبُعده، وأنه كان صبيًّا يومئذ: فمردود؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر إلى المدينة ولأنس يومئذٍ عشر سنين، ومات وله عشرون سنة، فكيف يُتصوَّر أن يصلي خلفه عشر سنين فلا يسمعه يومًا من الدهر يجهر، هذا بعيد بل مستحيل، ثم قد روى هذا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف وهو رجل في زمن أبي بكر وعمر، وكهل في زمان عثمان، مع تقدِّمه في زمانهم، وروايته للحديث، وقد روى أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه"[نصب الراية (1/ 361)، نخب الأفكار (3/ 569)، عمدة القاري (5/ 291)، الأحكام الكبير لابن كثير (3/ 82)].

وقاله ابن الجوزي أيضًا في التحقيق (1/ 354) ردًّا على من قال بأن حديث أنس شهادة على النفي، فقال:"هذا هو في معنى الإثبات"، ثم ساق هذه الحجة.

وانظر: فضائل القرآن لأبي عبيد (219)، الأوسط لابن المنذر (3/ 125)، المسالك في شرح موطأ مالك (2/ 361)، عارضة الأحوذي (2/ 45)، أحكام القرآن (1/ 6)، القبس في شرح الموطأ (1/ 230)، الجامع لأحكام القرآن (1/ 129)، المغني (1/ 285)، المجموع شرح المهذب (3/ 278 - 302)، شرح مسلم للنووي (4/ 111)، الشافي في شرح مسند الشافعي لابن الأثير (1/ 541)، النفح الشذي (4/ 301 - 338)، الأحكام الكبير لابن كثير (3/ 24 - 93)، التقييد والإيضاح (116)، النكت لابن حجر (2/ 748 - 771)، نخب الأفكار في شرح معاني الآثار (3/ 569)، وغيرها كثير.

***

ص: 572